١١٠

كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ اضافة صفة الى موصوفه مثل اخلاق ثياب و المفضل منه محذوف يعنى كنتم امة خير الأمم كلها و كان تدل على ثبوت خبرها لاسمها فى الماضي و لا يدل على عدم سابق و لا انقطاع لاحق الا بقرينة خارجية قال اللّه تعالى و كان اللّه غفورا رحيما فهذه الجملة دلت على خيريتهم فيما مضى و يدل على خيريتهم فى الحال و الاستقبال قوله تعالى تأمرون إلخ و يحتمل ان يكون كنتم فى علم اللّه او فى الذكر فى الأمم السابقة خير امة أُخْرِجَتْ يعنى أظهرت و أوجدت و الخطاب اما للصحابة خاصة كذا قال جويبر عن الضحاك و روى عن عمر بن الخطاب قال كنتم خير امة يكون لا و لنا و لا يكون لاخرنا- و عن ابن عباس انهم هم الذين هاجروا مع النبي صلى اللّه عليه و سلم الى المدينة- و عن عمر انه قال لو شاء اللّه لقال أنتم و لكن قال كنتم فى خاصة اصحاب محمد صلى اللّه عليه و سلم و من صنع مثل صنيعهم «١» كانوا خير امّة أخرجت للنّاس- و اما لامة محمد صلى اللّه عليه و سلم عامة و كلا المعنيين ثابت بالنصوص و على كل منهما انعقد الإجماع فان امة محمد صلى اللّه عليه و سلم أفضل من الأمم كلها و الأفضل منهم قرن الصحابة رضوان اللّه عليهم أجمعين قال اللّه تعالى وَ لَقَدْ كَتَبْنا

(١) و عن قتادة عن عمر فى قوله تعالى كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ انه تلا هذه الاية ثم قال يا ايها الناس من سرّه ان يكون فى الامة التي أخرجت للناس فليؤد شرط اللّه فيها- منه رحمه اللّه فى الأصل ملتبسة-.

فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ و قال ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا الاية و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الجنة حرمت على الأنبياء حتى أدخلها و حرمت على الأمم حتى يدخلها أمتي رواه الطبراني فى الأوسط بسند حسن عن عمر بن الخطاب و روى ايضا عن ابن عباس مرفوعا الجنة محرمة على جميع الأمم حتى أدخلها انا و أمتي الاول فالاول و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انى لارجو ان يكون من تبعني ربع اهل الجنة ثم قال أرجو ان يكون ثلث اهل الجنة ثم قال أرجو ان يكون الشطر رواه احمد و البزار و الطبراني بسند صحيح عن جابر و قال صلى اللّه عليه و سلم اهل الجنة عشرون و مائة صفا ثمانون منها من هذه الامة و الباقون من سائر الأمم رواه الترمذي و حسنه و الحاكم و صححه و روى الطبراني مثله من حديث ابى موسى و ابن عباس و معاوية بن جندة و ابن مسعود- و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انكم تتمون سبعين امة أنتم خيرها و أكرمها على اللّه عز و جل رواه الترمذي و حسنه و ابن ماجة و الدارمي من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده و البغوي عن ابى سعيد الخدري نحوه و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مثل أمتي مثل المطر لا يدرى اوله خير أم آخره رواه الترمذي عن انس و رزين عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده نحوه و قال عليه السلام ان اللّه تجاوز عن أمتي الخطاء و النسيان و ما استكرهوا عليه رواه ابن ماجة و البيهقي و فى الفصل الثاني قوله صلى اللّه عليه و سلم خير الناس قرنى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجى ء أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينه و يمينه شهادته رواه الشيخان فى الصحيحين و الترمذي و احمد من حديث ابن مسعود و الطبراني نحوه و مسلم عن عائشة نحوه و الترمذي و الحاكم عن عمران بن حصين نحوه و قوله صلى اللّه عليه و سلم لا تسبوا أصحابي فلو ان أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم و لا نصيفه متفق عليه من حديث ابى سعيد الخدري و قوله عليه الصلاة و السلام ما من أحد من أصحابي يموت بأرض الا بعث قائدا و نور الهم يوم القيامة رواه الترمذي عن بريدة لِلنَّاسِ قيل هذا متعلق بخير امة قال ابو هريرة معناه خير الناس للناس يجيئون بهم فى السلاسل فتدخلونهم فى الإسلام أخرجه ابو عمرو-

قلت رجال هذه الامة اكثر إرشادا و أقوى تأثيرا فى الناس بالجذب الى اللّه تعالى من رجال الأمم السابقة و كان قطب ارشاد كمالات الولاية على عليه السلام ما بلغ أحد من الأمم السابقة درجة الأولياء الا بتوسط روحه رضى اللّه عنه ثم كان بتلك المنصب الائمة الكرام ابناؤه الى الحسن العسكري و عبد القادر الجيلي و من ثم قال و وقتى قبل قلبى قد صفالى و هو على ذلك المنصب الى يوم القيامة و من ثم قال شعرا:

فلت شموس الأولين و شمسناه ابدا على أفق العلى لا تغرب

و قيل للناس متعلق باخرجت يعنى أخرجت للناس تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ استيناف لبيان خيريتهم او خبرثان لكنتم او صفة ثانية لامة و المراد تفضيلهم على امم موصوفين بهذه الصفات يعنى كنتم امة كذلك خيرا من كل امة كذلك وَ تُؤْمِنُونَ بِاللّه قيل المراد بالايمان باللّه الايمان بكل ما يجب ان يؤمن به لانه المعتد به يدل عليه قوله تعالى و لو أمن اهل الكتب مع كونهم مؤمنين باللّه و قوله عليه الصلاة و السلام فى حديث طلحة بن عبيد اللّه أ تدرون ما الايمان باللّه وحده قالوا اللّه و رسوله اعلم قال شهادة ان لا اله الا اللّه و ان محمدا رسول اللّه و اقام الصلاة و إيتاء الزكوة و صيام رمضان و ان تعطوا من المغنم الخمس متفق عليه و انما اخر ذكر الايمان و كان حق الايمان باللّه ان يقدم لقصد الاشعار على انهم أمروا بالمعروف و نهوا عن المنكر ايمانا باللّه و تصديقا لا رياء فصار كانه قيد للامر بالمعروف او لقصد ارتباط قوله وَ لَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ كلهم كما تؤمنون لَكانَ خَيْراً لَهُمْ فانهم يدخلون حينئذ فى خير الأمم قلت و جاز ان يكون المراد بالايمان باللّه الايمان الحقيقي يعنى تخلية القلب عما سواه و تزكية النفس عن الرذائل و تمرينه بالمحبة الصرفة التي لا تشوب فيها اقتضاء نفسه من الأغراض الدنيوية او الاخروية مِنْهُمُ اى من اهل الكتاب الْمُؤْمِنُونَ ايمانا يعتد به كعبد اللّه بن سلام و أصحابه

وَ أَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ (١١٠) الخارجون عن الايمان الى الكفر هذه الجملة مبيّنة لما سبق فان المطلوب ايمان الجميع و الموجود ايمان بعضهم دون أكثرهم و فيه دفع لسوء الظن بالمؤمنين منهم الذي نشاء من قوله تعالى و لو أمن إلخ.

﴿ ١١٠