١٣٥ وَ الَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً فعلى هذا الموصول مبتدا و جملة أولئك جزاؤهم الاية خبره- و جاز ان يكون الموصول معطوفا على المتقين او على الذين ينفقون فعلى هذا جملة أولئك مستانفة و الأظهر هو الاول قال ابن مسعود قال المؤمنون يا رسول اللّه كانت بنوا إسرائيل أكرم على اللّه منا كان أحدهم إذا أذنب أصبح و كفارته مكتوبة فى عتبة بابه اجدع انفك او اذنك افعل كذا فسكت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فانزل اللّه تعالى هذه الاية- و قال عطاء نزلت فى نبهان التمّار و كنيته ابو معبد أتته امراة حسناء تبتاع منه تمرا فقال لها ان هذا التمر ليس بجيد و فى البيت أجود منه فذهب بها الى بيته فضمها الى نفسه و قبلها فقالت له اتق اللّه فتركها و ندم على ذلك فاتى النبي صلى اللّه عليه و سلم و ذكر ذلك له فنزلت هذه الاية- و قال مقاتل و الكلبي أخي رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بين رجلين أحدهما من الأنصار و الاخر من ثقيف فخرج الثقفي فى غزاة و استخلف الأنصاري على اهله فاشترى لهم اللحم ذات يوم فلما أرادت المرأة ان تأخذ منه دخل على اثرها و قبل يدها ثم ندم و انصرف و وضع التراب على رأسه و هام على وجهه- فلما رجع عليه الثقفي لم يستقبله الأنصاري فسال امرأته عن حاله فقالت لا اكثر اللّه فى الاخوان مثله و وصفت له الحال و الأنصاري يسيح فى الجبال تائبا مستغفرا فطلبه الثقفي حتى وجده فاتى به أبا بكر رجاء ان يجد عنده راحة و فرجا و قال الأنصاري هلكت و ذكر القصة فقال ابو بكر ويحك ما علمت ان اللّه تعالى يغار للغازى ما لا يغار للمقيم ثم لقيا عمر فقال مثل ذلك فاتيا النبي صلى اللّه عليه و سلم فقال له مثل مقالتهما فانزل اللّه تعالى هذه الاية- و اصل الفحش القبح و الخروج عن الحد و المراد بالفاحشة هاهنا الكبيرة لخروجه عن الحد فى القبح و العصيان و قال جابر الفاحشة الزنى أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بالصغائر او بما دون الزنى من القبلة و المعانقة و اللمس و قيل فعلوا فاحشة قولا او ظلموا أنفسهم فعلا و قيل الفاحشة ما يتعدى الى غيره و ظلم النفس ما ليس كذلك و هذا اظهر ذَكَرُوا اللّه فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ يعنى ذكروا وعيد اللّه و ان اللّه سائلهم فندموا و تابوا و استغفروا و قال مقاتل بن حبان ذكروا للّه باللسان عند الذنوب قلت يمكن ان يقال المراد بذكر اللّه صلوة الاستغفار لحديث علىّ عن ابى بكر رضى اللّه عنهما انه سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول ما من عبد مؤمن و فى رواية ما من رجل يذنب ذنبا فيحسن الطهور ثم يقوم فيصلى ثم يستغفر اللّه الا غفر اللّه له رواه ابو داود و الترمذي و النسائي و ابن ماجة و ابن حبان و زاد الترمذي ثم قرا وَ الَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ الاية وَ مَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللّه استفهام بمعنى النفي حتى صح المفرغ يعنى لا يغفر الذنوب أحد الا اللّه فان العافين عن الناس من الناس انما يعفون حقوقهم دون الذنوب و المعاصي التي هى حقوق اللّه تعالى او يقال العافي عن الناس منهم يعفوا رجاء لمغفرة اللّه تعالى فهو المتجر و غافر الذنب بلا غرض و منفعة انما هو اللّه تعالى و الجملة معترضة بين المعطوفين لبيان سعة رحمة اللّه و عموم المغفرة و الحث على الاستغفار و الوعد بقبول التوبة و جاز ان يكون حالا بتقدير القول يعنى قائلين و من يغفر او معطوفة على مفعول ذكروا يعنى ذكروا اللّه و ذكروا مغفرته و توحده فى تلك الصفة وَ لَمْ يُصِرُّوا الإصرار التقعد فى الذنب و التشدد فيه و الامتناع من الإقلاع كذا فى الصحاح يعنى لم يقيموا عَلى ما فَعَلُوا من الذنوب و بهذا يظهر ان العزم على ترك الفعل شرط للاستغفار كالندم على الفعل فلا بد للاستغفار من العزم على الترك و ان صدر منه بعد ذلك قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما أصر من استغفر و ان عاد فى اليوم سبعين مرة- رواه ابو داود و الترمذي من حديث ابى بكر الصديق و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم المستغفر من الذنب و هو مقيم عليه كالمستهزئ بربه رواه البيهقي و ابن عساكر عن ابن عباس (مسئلة) الإصرار على الصغيرة تكون كبيرة عن ابن عباس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا كبيرة مع الاستغفار و لا صغيرة مع الإصرار رواه الديلمي فى مسند الفردوس وَ هُمْ يَعْلَمُونَ (١٣٥) حال من الضمير فى لم يصروا يعنى تركوا الإصرار على المعصية لعلمهم كونها معصية خوفا من اللّه تعالى لا لكسالة او تنفر طبعى «١» او خوف من العباد او عدم تيسر فان الجزاء انما هو على كف النفس بنية الطاعة دون عدم الفعل مطلقا لكن عدم الفعل مطلقا مانع من الجزاء المترتب على المعصية فان من العصمة ان لا تقدر و قال الضحاك و هم يعلمون اللّه يملك مغفرة الذنوب و قال (١) فى الأصل طبيعى. الحسين بن الفضل و هم يعلمون ان له ربا يغفر الذنوب و قيل و هم يعلمون ان اللّه لا يتعاظمه العفو عن الذنوب و ان كثرت- و قيل يعلمون انهم ان استغفروا غفر لهم عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان عبدا أذنب ذنبا فقال رب أذنبت ذنبا فاغفره لى فقال ربه اعلم عبدى ان له ربا يغفر الذنب و يأخذ به غفرت لعبدى ثم مكث ما شاء اللّه ثم أذنب ذنبا فقال رب أذنبت ذنبا اخر فاغفره لى فقال اعلم عبدى ان له ربا يغفر الذنب و يأخذ به غفرت لعبدى ثم مكث ما شاء اللّه ثم أذنب ذنبا فقال رب أذنبت ذنبا اخر فاغفره لى فقال اعلم عبدى ان له ربا يغفر الذنب و يأخذ به غفرت لعبدى فليفعل ما شاء متفق عليه و عن ابن عباس عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال قال اللّه عز و جل من علم انى ذو قدرة على مغفرة الذنوب غفرت له و لا أبالي ما لم يشرك بي شيئا رواه الطبراني و الحاكم بسند صحيح. |
﴿ ١٣٥ ﴾