١٦٩ وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا الاية- و روى مسلم و احمد و ابو داود و الحاكم و البغوي عن ابن عباس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لمّا أصيب إخوانكم يوم أحد جعل اللّه عز و جل أرواحهم فى أجواف طير خضر ترد انهار الجنة و تأكل من ثمارها و تسرح فى الجنة حيث شاءت و تأوى الى قناديل من ذهب تحت العرش- فلما راوا طيب مقيلهم و مطعمهم و مشربهم و راوا ما أعد اللّه لهم من الكرامة قالوا يا ليت قومنا راوا ما نحن فيه من النعمة و ما صنع اللّه بنا كى يرغبوا فى الجهاد و لا ينكلوا عنه فقال اللّه تعالى عز و جل انا مخبر عنكم و مبلغ إخوانكم ففرحوا بذلك و استبشروا فانزل اللّه تعالى و روى ابن المنذر عن انس قال لما قتل حمزة و أصحابه يوم أحد قالوا يا ليت مخبرا يخبر إخواننا الذي صرنا اليه من كرامة اللّه فاوحى إليهم ربهم انا رسولكم الى إخوانكم فانزل اللّه تعالى لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا الى قوله تعالى لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ و قيل ان اولياء الشهداء كانوا إذا أصابتهم نعمة تحسروا على الشهداء و قالوا نحن فى النعمة و آباؤنا و أبناؤنا و إخواننا فى القبور فانزل اللّه تعالى وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا قرا هشام لا يحسبنّ بالياء للغيبة و الباقون بالتاء للخطاب و قرا ابن عامر قتّلوا هنا و فى الحج بتشديد التاء فيهما لكثرة المقتولين- و الباقون بالتخفيف و الخطاب لاولياء الشهداء او للرسول صلى اللّه عليه و سلم و جاز ان يكون خطابا للمنافقين الذين قالوا لو أطاعونا ما قتلوا و يكون حينئذ داخلا تحت قل و على قراءة هشام الضمير راجع الى اولياء الشهداء و جاز اسناده الى ضمير الرسول صلى اللّه عليه و سلم او الضمير راجع الى المنافقين الذين قالوا لو أطاعونا و جاز اسناده الى الذين قتلوا او المفعول محذوف لانه فى الأصل مبتدا جائز الحذف عند القرينة و انما لا يجوز حذف أحد المفعولين بلا قرينة لانه شطر الجملة فِي سَبِيلِ اللّه يعنى فى الجهاد لفظ فى سبيل اللّه عام يشتمل من مات فى شى ء من امور الخير غير ان لفظ القتل لا يشتمله عبارة لكن بدلالة النص يدخل فيه بالطريق الاولى او بالمساوات او بالقياس من جاهد فى اللّه مع نفسه جهادا اكبر فانه أشد و أشق من الجهاد الأصغر أَمْواتاً غير مشتعرين باللذات و النعماء بَلْ أَحْياءٌ روى ابو حاتم عن ابى العالية فى قوله تعالى بل احياء قال فى صور طير خضر يطيرون فى الجنة حيث شاءوا قال البغوي أرواحهم تركع و تسجد كل ليلة تحت العرش الى يوم القيامة روى ابن مندة عن طلحة بن عبد اللّه رضى اللّه عنه قال أردت مالى بالغابة فادركنى الليل فاويت الى قبر عبد اللّه بن عمرو بن حرام فسمعت قراءة من القبر ما سمعت احسن منها فجئت الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فذكرت ذلك له فقال ذاك عبد اللّه الم تعلم ان اللّه قبض أرواحهم فجعلها فى قناديل من زبرجد و ياقوت ثم علقها وسط الجنة فاذا كان الليل ردت إليهم أرواحهم فلا تزال كذلك حتى إذا طلع الفجر ردت أرواحهم الى مكانها التي كانت فيها- و على هذا القول يكتسب الشهيد الدرجات و ثواب الطاعات بعد الموت ايضا- و الشهيد لا يبلى فى القبر و لا يأكله الأرض و هذا ايضا اثر من اثار حياته روى البيهقي من طرقه عن جابر بن عبد اللّه رضى اللّه عنهما و ابن سعد و البيهقي من طرق اخر عنه و محمد بن عمرو عن شيوخه عن جابر قال استصرخنا الى قتلانا يوم أحد حين اجرى معاوية العين فاتيناهم فاخرجناهم رطابا تثنى أطرافهم قال شيوخ محمد بن عمرو وجدوا والد جابر و يده على جرحه فاميطت يده عن جرحه فانبعث الدم فردت الى مكانها فسكن الدم قال جابر فرايت ابى فى حفرته كانه نائم و النمرة التي كفن فيها كما هى و الخرمة على رجليه على هيئته و بين ذلك ست و أربعون سنة و أصابت المسحاة رجل رجل منهم «١» قال الشيوخ و هو حمزة فانبعث الدم قال ابو سعيد الخدري لا ينكر (١) فى الأصل فيهم. بعد هذا منكر و لقد كانوا يحفرون التراب فكلما حفروا نثرة من التراب فاح عليهم ريح المسك- قال البغوي قال عبيد بن عمير مر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حين انصرف من أحد على مصعب بن عمير و هو مقتول فوقف عليه و دعا له ثم قرا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللّه عَلَيْهِ ثم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اشهد ان هؤلاء شهداء عند اللّه يوم القيامة الا فاتوهم و زوروهم و سلموا عليهم فو الذي نفسى بيده لا يسلم عليهم أحد الى يوم القيامة الا ردوا عليه و روى الحاكم و البيهقي عن ابى هريرة و البيهقي عن ابى ذر و ابن مردوية عن خباب بن الأرت ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مر بمصعب بن عمير و هو مقتول على طريقه فوقف عليه فدعا له ثم قرا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللّه عَلَيْهِ الاية ثم قال لقد رايتك بمكة و ما بها ارق حلة و لا احسن لمة منك- (مسئلة) هل يبلغ غير الشهيد درجة الشهيد قلت نعم و ما ورد فى فضائل الشهداء لا يقتضى نفى الحكم عمن عداهم و قد روى ابو داود و النسائي عن عبيد بن خالد ان النبي صلى اللّه عليه و سلم أخي بين رجلين فقتل أحدهما فى سبيل اللّه ثم مات اخر بعد جمعة او نحوها فصلوا عليه فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم ما قلتم قالوا دعونا اللّه ان يغفر له و يرحمه و يلحقه بصاحبه فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم فاين صلاته بعد صلاته و عمله بعد عمله او قال صيامه بعد صيامه لما بينهما ابعد مما بين السماء و الأرض- و قد ذكرنا بحث مقر الأنبياء و الشهداء و الصديقين و المؤمنين و غيرهم فى تفسير سورة المطففين و مسئلة حيوة الشهداء فى سورة البقرة فى تفسير قوله تعالى وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللّه أَمْواتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ اى ذو زلفى و قرب منه تعالى قربا بلا كيف قال الشيخ الشهيد شيخى و امامى رضى اللّه عنه و رضى عنا بسره السامي انه يرى بنظر الكشف تجليات ذاتية على الشهداء لما بذلوا ذواتهم فى سبيل اللّه قال اللّه تعالى وَ ما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللّه فهم قدموا لانفسهم بدل الذوات فجزاهم اللّه تعالى بالتجليات الذاتية الصرفة يُرْزَقُونَ (١٦٩) من الجنة تأكيد لكونهم احياء. |
﴿ ١٦٩ ﴾