١٩١ الَّذِينَ صفة لاولى الألباب فان مقتضى العقل الاتصاف بالذكر و الفكر و التسبيح و الايمان و الاستغفار و الدعاء و التضرع اليه- و من لم يتصف بها فهو كالانعام بل أضل منها فان الانعام يسبحون اللّه نوع تسبيح يَذْكُرُونَ اللّه قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلى جُنُوبِهِمْ قال البغوي قال على رضى اللّه عنه و ابن عباس رضى اللّه عنهما و النخعي و قتادة هذا فى الصلاة يصلى قائما فان لم يستطع فقاعدا فان لم يستطع فعلى جنب و نظير هذه الاية فى سورة النساء فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللّه قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلى جُنُوبِكُمْ و حديث عمران بن حصين رضى اللّه عنه قال كانت بي بواسير فسالت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن صلوة المريض فقال صل قائما فان لم تستطع فقاعدا فان لم تستطع فعلى جنب أخرجه البخاري و اصحاب السنن الاربعة زاد النسائي فان لم يستطع فمستلقيا لا يكلّف اللّه نفسا الّا وسعها- و عن على عليه السلام عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال يصلى المريض قائما ان استطاع فان لم يستطع صلى قاعدا فان لم يستطع ان يسجد أومأ و جعل سجوده اخفض من ركوعه فان لم يستطع يصلى على جنبه الايمن مستقبل القبلة فان لم يستطع ان يصلى على جنبه الايمن صلى مستلقيا رجلاه مما يلى القبلة رواه الدار قطنى و فى اسناده حسين بن زيد ضعفه ابن المديني و الحسن بن الحسن المغربي و هو متروك و من هاهنا قال الشافعي ان المريض إذا عجز عن القيام صلى قاعدا و إذا عجز عن القعود يضطجع على جنبه الايمن مستقبل القبلة فان لم يستطع استلقى على ظهره و يستقبل رجليه الكعبة حتى يكون ايماؤه فى الركوع و السجود الى القبلة و به قال مالك و احمد غير انه لو صلى مستلقيا و هو قادر على الصلاة على جنبه الايمن جاز عندهما خلافا للشافعى- و قال ابو حنيفة إذا عجز عن القعود صلى مستلقيا و رجلاه الى الكعبة فان لم يستطع ان يصلى مستلقيا صلى على جنبه- قال ابو حنيفة ان هذه الاية و التي فى سورة النساء ليستافى صلوة المريض بل المراد بها عند عامة المفسرين المداومة على الذكر فى عموم الأحوال لان الإنسان قلما يخلوا عن هذه الحالات الثلاث- قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من أحب ان يرتع فى رياض الجنة فليكثر ذكر اللّه رواه ابن ابى شيبة و الطبراني من حديث معاذ و لو سلمنا ان الاية فى صلوة المريض فهى لا تنفى صلوة المستلقى و لا تدل على الترتيب الذي ذكره الشافعي و كذا ما فى الصحيح من حديث عمران بن حصين قال ابن همام كان مرض عمران بن حصين البواسير و هو يمنع الاستلقاء و لذا لم يذكر الا ان ما رواه النسائي و زاد فيه صلوة المستلقى لو صح لكان حجة للشافعى و حديث على ضعيف لا يصلح للاحتجاج- ثم وجه قول ابى حنيفة فى تقديم الاستلقاء على الصلاة على جنبه ان المقصود الأهم فى الصلاة الركوع و السجود و لذا قال ابو حنيفة من لم يستطع الركوع و السجود و يقدر على القيام الأفضل ان يصلى قاعدا بالإيماء فان ايماءه اقرب الى السجود خلافا للجمهور- و ايماء المستلقى على ظهره إذا كان رجلاه الى الكعبة يقع الى الكعبة بخلاف ايماء من يصلى على جنبه مستقبلا الى القبلة يقع الى جهة رجليه فكان الاستلقاء اولى- و قال الشافعي و مالك و احمد القيام كالركوع و السجود فى كونه مقصودا فلا يجوز الصلاة قاعدا لمن يقدر على القيام و ان لم يقدر على الركوع و السجود بل عليه ان يصلى قائما بالإيماء و لا شك ان مدة القيام فى الصلاة اكثر من مدة الركوع و السجود فمن صلى مستلقيا يكون غالب حاله التوجه الى السماء لا الى جهة الكعبة و من صلى على جنبه يكون غالب حاله التوجه الى الكعبة و ذلك هو المأمور به فى قوله تعالى فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ و اللّه اعلم وَ يَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ و ما أبدع فيهما و ما أودع فيهما ليستدل بها على وجود صانع قادر عليم حكيم واحد لا شريك له عن على رضى اللّه عنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا عبادة كالتفكر أخرجه البيهقي فى شعب الايمان و ابن حبان فى الضعفاء و ضعفاه- و عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بينما رجل مستلق على فراشه إذ رفع رأسه فنظر الى السماء و النجوم فقال اشهد ان لك ربا و خالقا اللّهم اغفر لى فنظر اللّه اليه فغفر له رواه ابو الشيخ «١» ابن حبان و الثعلبي- و الفكر عبارة عن ترتيب امور معلومة لتحصيل مجهول فى القاموس هو اعمال النظر فى الشي ء قال الجوهري فى الصحاح الفكرة قوة مطرقة للعلم الى المعلوم و التفكر جولان تلك القوة بحسب نظر العقل و ذلك للانسان دون الحيوان و لا يقال الا فيما يمكن ان يحصل له صورة فى القلب و لهذا روى تفكروا فى آلاء اللّه و لا تتفكروا فى اللّه لكون اللّه تعالى منزها بان يوصف بصورة- و قال بعض العلماء الفكر مقلوب عن الفرك لكن يستعمل الفكر فى المعاني و هو فرك الأمور و بحثها طلبا للوصول الى حقيقتها انتهى كلام الجوهري- قلت ورد فى الحديث تفكروا فى كل شى ء و لا تفكروا فى ذات اللّه تعالى فان بين السماء السابعة الى كرسيه سبعة آلاف نور و هو فوق ذلك رواه ابو الشيخ فى العظمة عن ابن عباس و عنه بلفظ تفكروا فى الخلق و لا تفكروا فى الخالق فانكم لا تقدرون قدره و عن ابى ذر نحوه بلفظ تفكروا فى خلق اللّه و لا تفكروا فى اللّه فتهلكوا و روى ابو نعيم فى الحلية عن ابن عباس تفكروا فى خلق اللّه و لا تفكروا فى اللّه- و روى ابو الشيخ و الطبراني فى الأوسط و ابن عدى و البيهقي بسند ضعيف بلفظ تفكروا فى آلاء اللّه و لا تفكروا فى اللّه فهذه الأحاديث تدل على المنع عن التفكر فى مرتبة الذات و اقتصاره فى مراتب الافعال و الصفات و الأسماء- و بهذا يظهر امتناع تعلق العلم الحصولى بحضرت «٢» الذات بلا شائبة الأسماء و الصفات و قال المجدد رضى اللّه عنه العلم الحضوري ايضا ساقط من تلك المرتبة العليا لان جولانه الى نفس العالم و ما هو عينه يعنى الى مرتبة العينية و الاتحاد و ذلك كفر الحقيقة و اللّه سبحانه اقرب إلينا من أنفسنا فهو سبحانه وراء الوراء ثم وراء الوراء ثم وراء الوراء فى جانب القرب لا فى جانب البعد فلا سبيل للعلم الحضوري ايضا الى تلك المرتبة الأسنى- فدوام الحضور و العلم اللدني البسيط الحاصل للصوفى المتعلق بحضرت الذات وراء العلمين لا يدرى ما هو و لا يجوز اطلاق التفكر عليه الا مجازا كما اطلق عليه بعض الصوفية- و قد ورد فى الشرع التعبير عنه بالذكر كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يذكر اللّه فى كل احيانه انما هو ذلك لا الذكر اللساني فانه لا يمكن استدامته- و لما (١) فى الأصل ابو الشيخ و ابن حبان. (٢) مسئلة امتناع تعلق العلم الحصولى بحضرت الذات بل العلم المتعلق بالذات وراء العلم الحضوري ايضا-. كان دوام الذكر أهم و أسنى و انما الفكر طريقا إليها وصف اللّه سبحانه اولى الألباب اولا بدوام الذكر و بعد ذلك بالتفكر الموصل الى علم هو كالظل له حيث قال الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّه قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلى جُنُوبِهِمْ يعنى يديمون الذكر فى جميع الأحوال وَ يَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ- و ايضا فى تقديم الذكر على الفكر تنبيه بان العقل غير مستقل بافادة الاحكام الحقة ما لم يستضئ بنور الذكر و الهداية من اللّه سبحانه رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا على ارادة القول اى يتفكرون قائلين ذلك- و الباطل ضد الحق كذا فى القاموس و الحق قد يطلق على موجود متاصل الوجود لا يحتاج فى تحققه و وجوده و لا فى شى ء من الأشياء الى غيره و هو اللّه سبحانه و قد يطلق على موجود فى الخارج بلا نحت الوهم و الخيال و ان كان مقتبسا تحققه من الوجود الحق- و قد يطلق على موجود يشتمل وجوده على حكم و مصالح لا يكون عبثا ضائعا من غير حكمة ذاهبا بلا فائدة يترتب عليه- و الباطل ضد الحق على المعاني كلها فباعتبار المعنى الاول قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الا احسن القول قول لبيد كل شى ء ما خلا اللّه باطل و جاز اعتبار المعنى الثاني فى البيت يعنى كل معبود ما خلا اللّه باطل الحقيقة له منحوت للوهم و الخيال و باعتبار المعنى الثالث اطلق الباطل على الشيطان قال اللّه تعالى لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ و الباطل هاهنا ان كان بالمعنى الثاني فمعنى الاية ما قال اهل الحق أساسا للاستدلال على الصانع (خلافا للسوفسطائية) ان حقائق الأشياء ثابتة و العلم بها متحقق- و ان كان بالمعنى الثالث فالمعنى ما خلقت الخلق عبثا بل لحكمة عظيمة دليلا على معرفتك باعثا على شكرك و طاعتك- و هذا اشارة الى السموات و الأرض و تذكيره بارادة المتفكر فيه او لانهما فى معنى المخلوق او الى الخلق على انه أريد به المخلوق من السموات و الأرض او أريد به التخليق و جاز ان يراد به التفكر فى خلق كل جزء من اجزائها فهذا اشارة الى هذا الجزء- و باطلا منصوب على الحالية من هذا و جاز ان يكون باطلا بمعنى هازلا حالا من فاعل خلقت فعلى هذا قوله تعالى سُبْحانَكَ مؤكد للحال يعنى انه تعالى منزه عن الهزل لكونه رذيلة و على التأويل الاول اعتراض فَقِنا عَذابَ النَّارِ (١٩١) للاخلال بالنظر فيه و القيام بما يقتضيه- و الفاء تدل على ان خلق السموات و الأرض للاستدلال و الشكر و الطاعة يقتضى ثواب المطيع و عذاب العاصي غالبا و العلم ينفى البطلان و العبث عنهما يستلزم الرجاء و الخوف و هما يقتضيان طلب الثواب و الاستعاذة من العذاب و قدم الاستعاذة لان دفع الضرر أهم من جلب النفع- و قيل دخلت الفاء لمعنى الجزاء تقديره إذا نزهناك فقنا عذاب النار. |
﴿ ١٩١ ﴾