سُورَةُ النِّسَاءِ مَدَنِيَّةٌ وَهِيَ مِائَةٌ وَسِتٌّ وَسَبْعُونَ آيَةًنحمدك اللّهمّ مالك الملك تؤتى الملك من تشاء و تنزع الملك ممّن تشاء و تعزّ من تشاء و تذلّ من تشاء بيدك الخير انّك على كلّ شى ء قدير ربّنا فاغفر لنا ذنوبنا و كفّر عنّا سيّئاتنا و توفّنا مع الأبرار، و صلّ و سلّم و بارك على حبيبك و نبيّك سيّدنا و شفيعنا و مولانا محمّد الامّىّ المبعوث الى جميع الخلق رحمة و هدى صلى اللّه عليه و سلم و على اله و أصحابه أجمعين سورة النّساء مدنيّة و آياتها مائة و ستّ و سبعون روى البيهقي فى الدلائل من طرق عن ابن عباس قال نزلت سورة النساء بالمدينة و كذا اخرج ابن المنذر عن قتادة و اخرج البخاري عنه ربّ يسّر و تمّم بالخير بِسْمِ اللّه الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ _________________________________ ١ يا أَيُّهَا النَّاسُ خطاب للموجودين عند النبي صلى اللّه عليه و سلم و يتبعهم الناس أجمعون اتَّقُوا رَبَّكُمُ اى العقاب بان تطيعوا الَّذِي خَلَقَكُمْ فى بدو الأمر مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ يعنى آدم عليه السلام وَ خَلَقَ عطف على خلقكم او على محذوف تقديره خلقها و خلق مِنْها زَوْجَها يعنى حواء بالمد من ضلع من أضلاعها اليسرى، عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم استوصوا بالنساء خيرا فانها خلقت من ضلع آدم الحديث متفق عليه، و اخرج ابو الشيخ عن ابن عباس قال خلق حواء من قصرى أضلاعه، و اخرج ابن ابى شيبة و عبد بن حميد و ابن جرير و ابن المنذر و ابن ابى حاتم عن مجاهد قال خلق حواء من آدم و هو نائم فاستيقظ الحديث و جملة خلقها و خلق منها زوجها «١» تقرير لخلقكم من نفس واحدة، وَ بَثَّ مِنْهُما اى نشر من آدم و حواء رِجالًا كَثِيراً وَ نِساءً كثيرة غيركم ايها المخاطبون اكتفى بوصف الرجال بالكثرة عن وصف النساء بها إذ الحكمة تقتضى ان تكون النساء اكثر من الرجال حتى أباح اللّه تعالى لرجل أربعا من النساء و ذكّر كثيرا حملا على الجمع و رتب (١) اخرج إسحاق و ابن عساكر عن ابن عباس قال ولد لادم أربعون ولدا عشرون غلاما و عشرون جارية منه رحمه اللّه. الأمر بالتقوى على هذه القصة لما فيها من الدلالة على كمال القدرة و النعمة المقتضيين الخشية و الطاعة و فيه تمهيد للامر بالتقوى فى صلة الأرحام و أداء حقوق العباد وَ اتَّقُوا اللّه عطف على اتّقوا ربّكم كانه قيل اتقوه لربوبيته و خلقه إياكم خلقا بديعا و لكونه مستجمعا لجميع صفات الكمال او لكونه مستحقا بذاته للخشية و الطاعة الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ قرا اهل الكوفة بتخفيف السين على حذف احدى التاءين و الباقون بالتشديد على ادغام التاء فى السين يعنى يسئل به بعضكم بعضا و يقول أسئلك باللّه وَ الْأَرْحامَ بالنصب عطفا على اللّه يعنى و اتقوا الأرحام ان تقطعوها عن عائشة قالت قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الرحم معلقة بالعرش تقول ألا من وصلني وصله اللّه و من قطعنى قطعه اللّه متفق عليه و عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم خلق اللّه الخلق فلما فرغ منه قامت الرحم فاخذت بحقوى «١» الرحمن فقال مه قالت هذا مقام العائذ بك من القطيعة قال أ لا ترضين ان اصل من وصلك و اقطع من قطعك قالت بلى يا ربّ قال فذاك متفق عليه و عن عبد اللّه بن عمر و قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ليس الواصل المكافي و لكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها رواه البخاري و عن انس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من أحب ان يبسط له فى رزقه و ينساه له فى اثره فليصل رحمه متفق عليه و عن ابى هريرة ان الرجل قال يا رسول اللّه ان لى قرابة أصلهم و يقطعونى و احسن إليهم و يسيئون اليّ و احلم عنهم و يجهلون علىّ فقال لئن كنت كما قلت فكانما تسفهم المل و لا يزال معك من اللّه ظهير عليهم ما دمت على ذلك رواه مسلم و قرا حمزة بالجر عطفا على الضمير المجرور و هذه الاية دليل للكوفيين على جواز العطف على الضمير المجرور من غير إعادة الجار فان القراءة متواترة و المعنى يتساءلون باللّه و بالأرحام «٢» و يقول للاستعطاف باللّه و بالرحم افعل كذا إِنَّ اللّه كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (١) حافظا مطلقا فلا تغفلوا عنه، قال مقاتل و الكلبي ان رجلا من غطفان كان معه مال كثير لابن أخ يتيم له فلما بلغ اليتيم طلب (١) الحقو معقد الإزار و سمى به الإزار مجازا قال فى النهاية لما جعل الرحم شجنه من الرحمن استعار بما الاستمساك به كما يستمسك القريب بقريبه و النسيب بنسيبه و الحقو فيه مجاز و تمثيل منه رحمه اللّه- [.....]. (٢) اخرج ابن جرير و ابن المنذر و ابن ابى حاتم عن مجاهد تساءلون به و الأرحام قال يقول أسئلك باللّه و بالرحم و كذا اخرجوا عن مجاهد و ابراهيم و الحسن منه رحمه اللّه-. المال فمنعه عمه فترافعا الى النبي صلى اللّه عليه و سلم فنزلت. ٢ وَ آتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ الاية فلما سمع العم قال اطعنا اللّه و اطعنا الرسول نعوذ باللّه من الحوب الكبير فدفع اليه ماله فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم من يوق شح نفسه و يطع ربّه هكذا فانه يحلّ داره يعنى جنته فلما قبض الفتى ماله أنفقه فى سبيل اللّه فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم ثبت الاجر و بقي الوزر فقال ثبت الاجر للغلام و بقي الوزر على والده رواه الثعلبي و الواحدي و ذكره البغوي و الخطاب للاولياء و الأوصياء و اليتامى جمع يتيم و هو صغير لم يكن له اب و لاجد مشتق من اليتم «١» بمعنى الانفراد و منه الدرة اليتيمة، قال البيضاوي اما على انه لما جرى مجرى الأسماء كفارس و صاحب جمع على يتائم ثم قلب فقيل يتامى او على انه جمع على يتمى كاسرى لانه من باب الآفات ثم جمع يتامى كاسرى و أسارى و الاشتقاق يقتضى وقوعه على الصغار و الكبار لبقاء معنى الانفراد عن الآباء لكن العرف خصّصه بمن لم يبلغ، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا يتم بعد الاحتلام و لا صمات يوم الى الليل رواه ابو داود بإسناد حسن عن على فالحديث اما مبنى على العرف او هو بيان للشريعة يعنى لا حكم اليتم بعد البلوغ و معنى الاية أتوا أموالهم إذا بلغوا بالإجماع و لدلالة قوله تعالى وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ فانه لما منع المال من السفيه مع كونه عاقلا بالغا فلأن يمنع من الصغير اولى فاليتيم فى الاية اما مورد على الأصل او على الاتساع بقرب عهدهم بالصغر حثا على ان يدفع إليهم أموالهم أول بلوغهم وَ لا تَتَبَدَّلُوا اى لا تستبدلوا و التفعّل بمعنى الاستفعال سائغ يقال تعجل بمعنى استعجل الْخَبِيثَ اى مال اليتيم الذي هو عليكم حرام خبيث بِالطَّيِّبِ اى الحلال من أموالكم، قال سعيد بن جبير و الزهري و السدى كان اولياء اليتامى يأخذون الجيّد من مال اليتيم و يجعلون مكانه الزدى فربما كان أحدهم يأخذ الشاة السمينة من مال اليتيم و يجعل مكانها المهزولة و يأخذ الدرهم الجيّد و يجعل مكانه الزيف و يقول درهم بدرهم فنهوا عن ذلك و قال مجاهد معنى الاية لا تتعجل الرزق الحرام قبل ان يأتيك الرزق الحلال الموعود من اللّه و قيل معناه لا تستبدلوا الأمر الخبيث و هو اختزال أموالهم بالأمر الطيّب الذي هو حفظها و دفعها الى المالك وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ اى اليتامى مضمومة إِلى أَمْوالِكُمْ و قيل الى هاهنا بمعنى مع كذا روى ابن المنذر عن قتادة إِنَّهُ اى ذلك الاكل كانَ حُوباً كَبِيراً (٢) ذنبا عظيما كذا قال ابن عباس عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اجتنبوا السبع الموبقات فذكر منها أكل مال اليتيم متفق عليه. (١) فى الأصل اليتيم. ٣ وَ إِنْ خِفْتُمْ ايها الأولياء أَلَّا تُقْسِطُوا اى ان لا تعدلوا و تجوروا من قسط بمعنى جار و منه القاسطون و الهمزة للسلب يعنى خفتم ان تجوروا فِي الْيَتامى اللاتي فى حجوركم إذا نكحتموهن فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ الاجنبيات غير تلك اليتامى و يطلق اليتامى على الذكور و الإناث، روى البخاري فى الصحيح عن الزهري قال كان عروة بن الزبير يحدث انه سال عائشة عن هذه الاية قال هى اليتيمة فى حجر وليها فيرغب يعنى الولي غير المحرم مثل ابن العم فى جمالها و مالها و يريد ان يتزوجها بأدنى من سنة نسائها يعنى ادنى من مهر مثلها فنهوا عن نكاحهن الا ان يقسطوا لهنّ فى إكمال الصداق و أمروا بنكاح من سواهن من النساء قالت عائشة ثم استفتى الناس رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فانزل اللّه تعالى يَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللّه يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ الى قوله وَ تَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ فبين اللّه فى هذه الاية ان اليتيمة إذا كانت ذات جمال او مال رغبوا و لم يلحقوا بسنتها بإكمال الصداق و إذا كانت مرغوبا عنها فى قلة الجمال و المال تركوها و التمسوا غيرها من النساء قال فكما تتركونها حين ترغبون عنها ليس لكم ان تنكحوها إذا ترغبوا فيها الا ان تقسطوا لها فى الاوفى من الصداق و تعطوها حقها و قال البغوي قال الحسن كان الرجل من اهل المدينة تكون عنده الأيتام فيهن من يحل له نكاحها فيتزوجها لاجل مالها و هى لا تعجبه كراهية ان يدخله غريب و قال عكرمة فى تفسير الاية و هى رواية عطاء عن ابن عباس انه كان الرجل من قريش يتزوج العشر من النساء و الأكثر فاذا صار معدما من مؤن نسائه مال الى مال يتيم فى حجره فانفقه فقيل لهم لا تزيدوا على اربع حتى يحوجكم الى أخذ اموال اليتامى و قيل لمّا نزل الوعيد فى أكل اموال اليتامى كانوا يتحرجون فى أموالهم و يترخصون فى النساء و يتزوجون ما شاءوا و ربما لا يعدلون فنزلت فقال اللّه تعالى فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فى حقوق اليتامى فخافوا ايضا ان لا تعدلوا بين النساء فانكحوا مقدار ما يمكنكم القيام بحقوقهن أخرجه ابن جرير و هو قول سعيد بن جبير و الضحاك و السدى و قيل كانوا يتحرجون عن ولاية اليتامى و لا يتحرجون من الزنى فقيل لهم ان خفتم ان لا تعدلوا فى امر اليتامى فخافوا الزنى فانكحوا ما طاب لكم و هذا قول مجاهد و انما عبر عنهن بما ذهابا الى الصفة لان ما يجى ء فى صفات من يعقل فكانّه قيل الطيبات من النساء او اجراهن مجرى غير العقلاء لنقصان عقلهن كما فى ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ قيل معنى ما طاب لكم ما أدركت البلوغ يقال طابت التمرة اى أدركت و هذا اولى بتأويل رواه البخاري عن عائشة يعنى لا تنكحوا اليتامى و انكحوا البالغات لكن كلمة لكم يابى عنه إذ كان المناسب حينئذ فانكحوا ما طاب من النساء و قيل معناه ما حلّ لكم من النساء لان منهن المحرمات كاللاتى فى اية التحريم و هذا انسب بقول مجاهد يعنى خافوا الزنى و انكحوا ما حل لكم لكن على هذا التأويل يلزم ان يكون الاية مجملة و الإجمال خلاف الأصل فالاولى ان يقال معناه ما استطاب منهن أنفسكم و مالت أنفسكم إليهن و هذا انسب بجميع التأويلات فالمعنى على قول عائشة ان خفتم ان لا تقسطوا فى اليتامى لضعفهن و عدم من يذب عنهن فوت حقوقهنّ فانكحوا ما طاب لكم من النساء فان الحامى حينئذ بحقوقهن ميلان أنفسكم إليهن سواء كانت يتيمة او بالغة و ايضا كون المنكوحة مرغوبة للنفس امنع من وقوعه فى الزنى و ايضا يناسب ان يقال لا تزيدوا على اربع بل اقتصروا على المرغوبات فان المرغوبات قل وجودهن و اللّه اعلم (مسئلة) و لهذا سنّ للخاطب ان ينظر الى وجه المخطوبة و كفيها قبل النكاح اجماعا، و قال داود بجواز النظر الى سائر جسدها سوى السوئتين عن جابر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا خطب أحدكم المرأة فان استطاع ان ينظر الى ما يدعوه الى نكاحها فليفعل رواه ابو داود و عن المغيرة بن شعبة قال خطبت امراة فقال لى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم هل نظرت إليها قلت لا قال فانظر إليها فانه أحرى ان يؤدم بينكما رواه احمد و الترمذي و النسائي و ابن ماجة و الدارمي مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ معدولة عن اعداد مكررة و هى ثنتين ثنتين و ثلاث ثلاث و اربع اربع و هى غير منصرفة للعدل و الصفة فانها بنيت صفات بخلاف أصولها فانها لم تبن لها، و قيل لتكرير العدل فانها معدولة عن لفظ ثنتين و عن معناه اعنى ثنتين مرة بعد اخرى منصوبة على الحال من ما طاب مفعول فانكحوا منكرة عند البصريين و قال الكوفيون هى معرفة لامتناع دخول حرف التعريف عليها فهى منصوبة على البدلية من ما طاب، (مسئلة) أجاز الروافض بهذه الاية تسعا من المنكوحات و كذا نقل عن النخعي و ابن ابى ليلى لاجل العطف بالواو التي هى للجمع قالوا معنى الاية فانكحوا ثنتين و ثلاثا و أربعا و مجموع ذلك تسع و أجاز الخوارج ثمانى عشرة نظرا الى تكرار المعنى و كلا القولين باطلان، اما قول الخوارج فلان مثنى و أخواتها معدول عن عدد مكرر لا تقف الى حد بإزاء ما يقابله لا لمكرر مرتين فمن قال لجماعة خذوا من هذه الدراهم مثنى معناه لياخذ كل رجل منكم منها درهمين درهمين و ليس المعنى خذوا منها اربعة دراهم و لو كان كذلك فلا يستقيم معنى فانكحوا مثنى و ثلث و ربع إذ لا يتصور لجميع الناس نكاح امرأتين او ثلاث او اربع او تسع او ثمان عشرة و لذا قال صاحب الكشاف لو أفردت لم يكن معنى يعنى لو قيل فانكحوا ثنتين و ثلاثا و أربعا لم يستقم المعنى و اماما قالت الروافض ان المراد بها اباحة تسع لكل رجل فلانه فى عرف البليغ لا يؤدى معنى التسع بلفظ ثنتين و ثلاث و اربع كما لا يخفى بل المعنى انه يجوز لكل أحد نكاح ثنتين و كذا يجوز لكل نكاح ثلاث و كذا يجوز لكل نكاح اربع قال البيضاوي لو ذكرت باو لذهب تجويز الاختلاف فى العدد و فيه انه لو كان كذلك لذهب بالواو تجويز الاتفاق «١» و الحق انه لا تفاوت فى فهم المقصود بين مثنى او ثلث و بين مثنى و ثلاث إذ لا يلتفت فى أحد الصورتين الى اشتراط ان يكون جميع الامة على نحو واحد من هذه الاقسام المجوزة البتة او على أنحاء مختلفة البتة و انما جى ء بالواو لانه اقرب لافادة التوزيع عند مقابلة المجموع بالمجموع- (مسئلة) لا يجوز ان يتزوج ما فوق الاربعة من النساء عند الائمة الاربعة و جمهور المسلمين و حكى عن بعض الناس اباحة اىّ عدد شاء بلا حصر لان قوله تعالى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ يفيد العموم و لفظ مثنى تعداد عرفى لا قيد كما يقال خذ من هذا البحر ما شئت قربة و قربتين و ثلاثا و لو سلمنا كونه قيدا فالمعنى اباحة نكاح ما طاب عن النساء حال كونهن مثنى و ثلاث و ربع و ذا لا يدل على ففى الحكم عما زاد على الأربع الا بمفهوم العدد و لا عبرة بالمفهوم الا ترى ان قوله تعالى جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ لا يدل على انه تعالى لم يجعل من الملائكة رسولا ذا «٢» اجنحة زائدة على اربعة جناح كيف و قد صح انه صلى اللّه عليه و سلم (١) لا يظهر وجه هذه الملازمة فان الواو لمطلق الجمع فالمعنى انكحوا ايها المخاطبون هذه الأنواع، و هو صريح فى تجويز الجمع بين انواع القسمة منه رحمه اللّه فى الأصل ثلث و اربع-. (٢) فى الأصل ذى. راى جبرئيل و له ستمائة جناح و الأصل فى النكاح الحل على العموم لقوله تعالى وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ و قوله وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ و قد صح انه صلى اللّه عليه و سلم تزوج تسعا و الأصل عدم الخصوصية الا بدليل و لنا ان الاية نزلت فى قيس بن الحارث قال البغوي روى ان قيس بن الحارث كانت تحته ثمانى نسوة فلما نزلت هذه الاية قال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم طلق أربعا و امسك أربعا قال فجعلت أقول للمرءة التي لم تلد منى يا فلانة أدبري و التي قد ولدت أقبلي فكان من النبي صلى اللّه عليه و سلم بيانا للاية و هو اعلم بمراد اللّه تعالى فظهران الأصل فى النكاح الحرمة و التضييق كما ذكرنا فى تفسير سورة البقرة فى مسئلة حرمة إتيان النساء فى أدبارهن فى تفسير قوله تعالى فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّه و ما قيل ان الأصل فيه الحل ممنوع و قوله تعالى وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ المراد به ماوراء المحرمات من الأمهات و غيرهن المذكورات و ذا لا يدل على العدد عموما و لا خصوصا بل على حل كل واحدة منهن و كذا قوله وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ الاية فان مقابلة الجمع بالجمع يقتضى انقسام الآحاد على الآحاد فظهران الاية ما سيقت الّا لبيان العدد المحلل لا لبيان نفس الحل لانه عرف من غيرها قبل نزولها كتابا و سنة فكان ذكره هنا مقيّدا بالعدد ليس الا لبيان قصر الحل عليه او هى لبيان الحل المقيد بالعدد لا مطلقا كيف و هو حال ممّا طاب فيكون قيدا فى العامل و هو الاحلال المفهوم من فانكحوا و ايضا عدم جواز ما فوق الأربع من النساء ثبت بحديث ابن عمران غيلان بن سلمة الثقفي اسلم و له عشر نسوة فى الجاهلية فاسلمن معه فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم امسك أربعا و فارق سائرهن رواه الشافعي و احمد و الترمذي و ابن ماجة و حديث نوفل بن معاوية قال أسلمت و تحتى خمس نسوة فسالت النبي صلى اللّه عليه و سلم فقال فارق واحدة و امسك أربعا فعمدت الى اقدمهن صحبة عندى عاقر منذ ستين سنة ففارقتها رواه الشافعي و البغوي فى شرح السنة و على حصر الحل فى اربع انعقد الإجماع و قول بعض الناس فى مقابلة الإجماع باطل و لم يذهب الى التعميم أحد من اهل البدع ايضا فانه حصر الخوارج فى ثمان عشرة و الروافض فى تسع، مسئلة إذا اسلم الرجل و تحته اكثر من اربع او اختان او أم و بنتها و اسلمن معه او هنّ كتابيات فعند مالك و الشافعي و احمد و محمد بن الحسن انه يختار من الأكثر أربعا و من الأختين و نحوهما واحدة و قال ابو حنيفة ان كان تزوجهن بعقدة واحدة فرق بينه و بينهن و ان كان على التعاقب فنكاح من يحل سبقة جائز و نكاح من تأخر فوقع به الجمع او الزيادة على الأربع باطل الّا فى أم و بنتها إذا دخل بهما لحرمة المصاهرة و ما ذكرنا من الأحاديث و حديث الضحاك بن فيروز الديلمي عن أبيه قال قلت يا رسول اللّه انى أسلمت و تحتى اختان قال اختر أيتهما شئت رواه الترمذي و ابو داود و ابن ماجة حجة للجمهور على ابى حنيفة- (مسئلة:) لا يجوز للعبد ان يتزوج اكثر من امرأتين عند الثلاثة و قال مالك و داود و ربيعة يتزوج أربعا لشمول هذه الاية الأحرار و العبيد، قلنا المخاطبون بهذه الاية الأحرار دون العبيد بدليل اخر الاية فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إذ لا ملك للعبيد و روى ابن الجوزي فى التحقيق عن عمر رضى اللّه عنه ينكح العبد امرأتين و يطلق طلقتين و تعتد الامة حيضتين و كذا روى البغوي فى المعالم و زاد فان لم تكن تحيض فشهرين او شهرا و نصفا، قال ابن الجوزي قال الحاكم اجمع اصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان العبد لا ينكح اكثر من امرأتين، رواه ابن ابى شيبة و البيهقي- فَإِنْ خِفْتُمْ اى خشيتم ايها الذين تريدون النكاح أَلَّا تَعْدِلُوا بين الأزواج المتعددة فَواحِدَةً اى فانكحوا واحدة و ذروا الجمع و قرا ابو جعفر فواحدة بالرفع على انه فاعل فعل محذوف او خبر مبتدا محذوف فتكفيكم واحدة او فالمقنع واحدة أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ يعنى السراري لانه لا يلزم فيهن من الحقوق ما يلزم فى المنكوحات و لا قسم لهن و لا حصر فى عددهن (مسئلة:) تعليق الاختصار على الواحدة او التسرى بخوف الجور يدل على انه عند القدرة على أداء حقوق الزوجات و العدل بينهن الأفضل الإكثار فى النكاح و النكاح على التائق فرض عين اجماعا ان كان قادرا على النفقة و على غير التائق مسنون مستحبّ ما لم يخف الفتنة و التقصير فى أداء الحقوق، عن ابن مسعود قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يا معشر الشباب من استطاع منكم الباه فليتزوج و من لم يستطع فعليه بالصوم فان الصوم له «١» و جاء متفق عليه، (١) دق عروق الخصيتين، قاموس ١٢ منه رح، فى الأصل طليقتين ١٢-. و فى الصحيحين عن انس عن النبي صلى اللّه عليه و سلم لكنى أصوم و أفطروا تزوج النساء فمن رغب عن سنتى فليس منى و عن انس قال كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يأمر بالباه و ينهى عن التبتل نهيا شديدا و يقول تزوجوا الولود الودود انى مكاثر بكم الأتقياء يوم القيامة رواه احمد و عن ابى ذرّ ان النبي صلى اللّه عليه و سلم قال لعكاف بن خالد هل لك من زوجة قال لا قال و لا جارية قال لا قال و أنت موسر بخير قال و انا موسر قال أنت اذن من اخوان الشياطين ان سنتنا النكاح شراركم غرابكم و اراذل موتاكم غرابكم اباء الشياطين و قال داود النكاح فرض عين على القادر على الوطي و الانفاق تمسّكا بهذه الاية فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ و اللّه اعلم ذلِكَ اى الاقتصار على الواحدة او التسرّى أَدْنى من أَلَّا تَعُولُوا (٣) «١» اى ان لا تميلوا يقال عال الميزاب إذا مال و عال الحاكم إذا جار و عول الفريضة الميل عن حدّ السهام المسمات و قال مجاهدان لا تضلوا و قال الفراء ان لا تجاوزوا ما فرض اللّه عليكم و اصل العول المجاوزة و منه عول الفرائض و قال الشافعي لا يكثر عيالكم و قال البغوي و ما قاله أحد و انما يقال من كثرة العيال أعال يعيل إعالة، قال ابو حاتم كان الشافعي اعلم بلسان العرب منا فلعله لغة و يقال هى لغة حمير و قال البيضاوي انه من عال الرجل عياله يعولهم إذا مأنهم فعبّر عن كثرة العيال بكثرة المؤن على الكناية و قرا طلحة بن مصرف الّا تعيلوا فهى يؤيد قول الشافعي و لعلّ المراد بالعيال الأزواج و ان أريد الأولاد فلان التسرى مظنة قلة الولد بالاضافة الى التزوج لجواز العزل فيه كتزوج الواحدة بالاضافة الى تزوج الاربعة،. (١) أخرج ابن أبي حاتم و ابن حبان في صحيحه عن عائشة عن النبي ص أي لا تجوروا. منه رحمه اللّه. ٤ وَ آتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ اى مهورهن سمى صداقا و صدقة قال الكلبي و جماعة هذا خطاب للاولياء اخرج ابن ابى حاتم عن ابى صالح قال كان الرجل إذا زوج ابنته أخذ صداقها دونها فنهاهم عن ذلك فانزل اللّه تعالى هذه الاية و كذا قال البغوي ان ولى المرأة كان إذا زوّجها فان كانت معهم فى العشيرة لم يعطها من مهرها قليلا و لا كثيرا و ان كان زوجها غريبا حملوها اليه على بعير و لم يعطوها من مهرها غير ذلك و قال الحضرمي كان اولياء النساء يعطى هذا أخته على ان يعطيه الاخر أخته و لا مهر بينهما فنهوا عن ذلك و أمروا بتسمية المهر فى العقد و يسمّى هذا النكاح شغارا- (مسئلة:) و نكاح الشغار باطل عند مالك و احمد و كذا عند الشافعي ان قال فى صلب العقد ان بضع كل واحدة منهما صداق الاخرى فان لم يقل ذلك بل قال زوجتك ابنتي على ان تزوجنى ابنتك بغير صداق فقال زوّجتك فالنكاح صحيح عند الشافعي ايضا و لزم المهر فيهما خلافا لمالك و احمد و هذا الخلاف مبنى على تفسير الشغار و قال ابو حنيفة العقد ان جائز ان و لزم مهر المثل فيهما على كلا الصورتين و لو قال زوّجتك بنتي على ان تزوجنى نبتك و لم يقل بغير صداق و لم يذكر الصداق فقيل جاز النكاح اتفاقا و لا يكون شغارا و لو زاد قوله على ان يكون بضع بنتي صداقا لبنتك فلم يقبل الاخر بل زوّجه بنته و لم يجعلها صداقا كان النكاح الثاني صحيحا اتفاقا و الاوّل صحيحا عند ابى حنيفة دون الائمة الثلاثة احتجوا على بطلان الشغار بحديث ابن عمر رضى اللّه عنهما ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم نهى عن نكاح الشغار و الشغار ان يزوّج الرجل ابنته على ان يزوّجه الاخر ابنته و ليس بينهما صداق متفق عليه و رواه ايضا اصحاب السنن الاربعة و فى رواية لمسلم لا شغار فى الإسلام وجه الاحتجاج ان النفي رفع لوجوده الشرعي و النهى يقتضى فساد المنهي عنه و الفاسد فى النكاح لا يفيد الملك اتفاقا و بالمعقول بان كل بضع يكون فى الشغار صداقا و منكوحا فيكون مشتركا بين الزوج و مستحق المهر و هو باطل و أجاب الحنفية بان متعلق النهى و النفي مسمّى الشغار و المأخوذ فى مفهومه خلوه عن الصداق، و كون البضع صداقا و نحن قائلون بنفي هذه الماهية و ما صدق عليه شرعا فلا نثبت النكاح كذلك بل نبطله فبقى نكاحا سمّى فيه ما لا يصلح مهرا فينعقد موجبا لمهر المثل كالنكاح المسمّى فيه خمرا او خنزيرا فما هو متعلق النهى لم نثبته و ما أثبتناه لم يتعلق به النهى بل اقتضت العمومات صحته و قد أبطلنا كونه صداقا فبقى كله منكوحا، و قال جماعة الاية خطاب للازواج أمروا بايتاء نسائهم الصدقات نِحْلَةً قال ابو عبيدة يعنى عطاء من طيب نفس فهو منصوب على المصدرية من أتوا او على الحال من فاعل أتوا او من الصّدقات اى ناحلين او منحولة من اللّه عليكم اى من خالص ما أعطاه اللّه لكم لا من مال الغير او من مال الشبهة و قال ابو عبيدة لا يكون النحلة الّا مسمات معلومة و قال قوم عطية و هبة يعنى من اللّه تعالى، و تفضلا منه عليهنّ فهو منصوب على انه حال من الصدقات، و لمّا كان الصّداق عطية من اللّه تعالى على النساء صارت فريضة و حقّا لهنّ على الأزواج و نظرا الى هذا قال قتادة فريضة، و قال ابن جريج فريضة مسماة و قال الزجاج تدينا من قولهم انتحل فلان كذا إذا دان به فعلى هذا مفعول له او حال من الصدقات اى دينا من اللّه شرعه، فَإِنْ طِبْنَ اى الزوجات لَكُمْ عَنْ شَيْ ءٍ مِنْهُ لمّا كان معنى قوله تعالى وَ آتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ أتوا كل واحدة منهن صداقها أفرد الضمير الراجع الى الصداق المفهوم من الكلام يعنى طابت كل واحدة عن شى ء من صداقها و لك ان تجعل الضمير راجعا الى صداق ذكر فى ضمن الجمع و قيل الضمير للايتاء نَفْساً تميز عن الاسناد فى طبن يعنى ان طابت انفسهن و المعنى فان و هبن لكم من الصداق شيئا عن طيب انفسهنّ فجعل اللّه سبحانه العمدة طيب النفس للمبالغة و نقل الفعل من النفوس الى أصحابها و عداه بعن لتضمين معنى التجافي و التجاوز و قال كلمة منه بعثا لهم على الاقتصار على الموهوب و ان كان قليلا و ترك الطمع فى الكل او الكثير، فَكُلُوهُ اى خذوه يعنى ذلك الشي ء الموهوب هَنِيئاً مَرِيئاً (٤) اى حلالا بلا تبعة الهني ء الطيب المساغ الذي لا ينغصه شى ء و قيل ما يلتذ به الإنسان و المري ء محمود العاقبة التام فى الهضم الذي لا يضرّ و هما صفتان من هنى يهنى على وزن ضرب يضرب و مرى يمرى على سمع يسمع أقيمتا مقام مصدريهما، او وصف مصدر محذوف او جعلتا حالا من الضمير قرا ابو جعفر هنيّا مريّا بتشديد الياء فيهما من غير همز و كذلك برىّ و بريّون و بريّا و كهيّة و الباقون يهمزونها. ٥ وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ «١» يعنى نسائكم و صبيانكم سماهم سفهاء استخفافا لعقولهم كذا قال الضحاك و مجاهد و الزهري و الكلبي و غيرهم و هو أوفق بقوله تعالى أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّه لَكُمْ قِياماً اى ما تقومون بها و تعيشون، قال الضحاك بها يقام الحج و الجهاد و اعمال البر و به فكاك الرقاب من النار و قال ابن عبّاس لا تعمد الى مالك الذي خولك اللّه و جعله لك معيشة فتعطيه امرأتك و بنيك فيكونوا هم الذين يقومون عليك ثم تنظر الى ما فى أيديهم و لكن امسك و أصلحه و كن أنت الذي تنفق عليهم فى رزقهم و تربيتهم كما قال اللّه تعالى وَ ارْزُقُوهُمْ فِيها اى منها (١) اخرج الحاكم و صححه و البيهقي فى الشعب عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال ثلاثة يدعون اللّه فلا يستجاب لهم رجل كانت تحته امراة سيئة الخلق فلم يطلقها و رجل كان له على رجل مال فلم يشهد و رجل اتى سفيها ماله و قد قال اللّه تعالى وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ منه رحمه اللّه. وَ اكْسُوهُمْ وَ قُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً (٥) لينا تطيب به أنفسهم و قال سعيد بن جبير و عكرمة ان هذه الاية فى مال اليتيم يكون عندك يقول اللّه سبحانه لا تؤته إياه و أنفق عليه و انما أضاف الأموال الى الأولياء لانهم قوامها و مدبروها، و هذا التأويل يناسب سوابق هذه الاية و لو أحقها فان الخطاب فيما سبق و لحق للاولياء و انما قال و ارزقوهم فيها و لم يقل منها ليدل على ان تجعلوها مكانا لمرزقهم بان تتجروا فيها و تتربحوا حتى تكون نفقتهم من الأرباح لا من صلب المال فيأكلها الانفاق. ٦ وَ ابْتَلُوا الْيَتامى يعنى اختبروا عقولهم قبل البلوغ بان تدفعوا إليهم قليلا من المال حتى يتصرف فيه و يستبين حاله فان كان رشيدا يظهر رشده اوّل الأمر ففى هذه الاية دليل على جواز اذن الصبى العاقل فى التجارة و به قال ابو حنيفة رحمه اللّه و قال الشافعي لا يجوز اذن التجارة للصبى و المراد بالابتلاء ان يكل اليه مقدمات العقد و الاول اظهر حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ اى صلاح النكاح و التوالد و ذلك فى الغلام بالاحتلام و الاحبال و الانزال إذا وطى و فى الجارية بالحيض و الاحتلام و الحبل فان لم يوجد شى ء من ذلك فيهما فباستكمال خمس عشرة سنة غلاما كان او جارية عند مالك و احمد و الشافعي و ابى يوسف و محمد و هو رواية عن ابى حنيفة و عليه الفتوى و المشهور عن ابى حنيفة باستكمال سبع عشرة فى الجارية و ثمان عشرة فى الغلام و فى رواية تسع عشرة فى الغلام، احتج الجمهور بحديث انس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا استكمل المولود خمس عشرة سنة كتب ماله و ما عليه و أقيمت عليه الحدود رواه البيهقي فى الخلافيات و سنده ضعيف و فى الصحيحين عن ابن عمر انه عرض على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يوم أحد و هو ابن اربع عشرة سنة فلم يجزه ثم عرضه يوم الخندق و هو ابن خمس عشرة سنة فاجازه و عند احمد الإنبات ايضا علم على البلوغ و قال الشافعي هو علم فى المشركين و فى المسلمين عنه قولان و قال ابو حنيفة لا عبرة به و الحجة فى الباب حديث عطية القرظي قال عرضت على النبي صلى اللّه عليه و سلم يوم قريظة فشكوا فىّ فامر النبي صلى اللّه عليه و سلم ان ينظروا هل نبت بعد فنظروا فلم يجدونى أنبت فخلى عنى و الحقنى بالسبي رواه اصحاب السنن و صححه الترمذي و ابن حبان و الحاكم فَإِنْ آنَسْتُمْ اى أبصرتم مِنْهُمْ بعد البلوغ رُشْداً اى هداية فى التصرفات و صلاحا فى المعاملات كذا قال ابو حنيفة و مالك و احمد و قال الشافعي صلاحا فى الدين و حفظا للمال و علما بما يصلحه، روى البيهقي من طريق على بن طلحة عن ابن عباس فى قوله تعالى آنستم منهم رشدا معناه رايتم منهم صلاحا فى دينهم بعد الحلم و حفظا لاموالهم و روى مثله الثوري فى جامعه عن منصور عن مجاهد و البيهقي من طريق يزيد بن هارون عن هشام بن حسان عن الحسن فالفاسق غير رشيد عند الشافعي رشيد عند غيره فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ من غير تأخير عن البلوغ، قوله فادفعوا جزاء لان الشرطية و إذا بلغوا ظرف فيه معنى الشرط متعلق بادفعوا و حتى للابتداء و ما قبلها سبب لما بعدها و لا يجوز ان يكون حتى جارة متعلقا بالجملة السّابقة لان إذا لتضمنه معنى فى لا يصلح ان يدخل عليه حتى الجارة فالمعنى و ابتلوا اليتامى حتى تدفعوا إليهم أموالهم إذا بلغوا النكاح و آنستم منهم رشدا فالابتلاء سبب للدفع و الدفع مشروط بشرطين البلوغ و إيناس الرشد و لذا قال الشافعي و مالك و احمد و ابو يوسف و محمد لا يدفع إليهم أموالهم ابدا ما لم يونس منهم الرشد خلافا لابى حنيفة حيث قال إذا بلغ خمسا و عشرين سنة يدفع اليه ماله لان المنع باعتبار اثر الصبا و هو فى أوائل البلوغ و ينقطع بتطاول الزمان فلا يبقى المنع، و لهذا قال ابو حنيفة لو بلغ رشيدا ثم صار سفيها لا يمنع المال عنه لانه ليس بأثر الصبا، قال ابو حنيفة تنكير رشدا فى الاية يفيد التقليل يعنى نوعا من الرشد حتى لا ينتظر به تمام الرشد فاذا بلغ خمسا و عشرين سنة فقد يصير جدا فى هذا السن فلا يخلو عن نوع من الرشد فى التصرفات و ان منع المال عنه بطريق التأديب، و لا تأديب بعد هذا ظاهرا او غالبا فلا فائدة فى المنع فلزم الدفع. (مسئلة:) السفيه الذي لا يدفع اليه ماله لا ينفذ تصرّفه القولى فى ماله مطلقا من البيع و الاعتاق و غير ذلك عند الشافعي و عند محمد ينفذ ما لا يحتمل الفسخ كالعتق و لا ينفذ ما يحتمله، كالبيع الّا بإذن وليه و عند ابى يوسف و اكثر العلماء ينفذ تصرّفاته ما لم يحجر عليه القاضي و يجوز للقاضى حجره فاذا حجره القاضي لا ينفذ بيعه و لا كل تصرّف يؤثر فيه الهزل و ينفذ عتقه و على العبد ان يسعى فى قيمته عند ابى يوسف و محمد و عن محمد انه لا يجب السعاية و عند ابى حنيفة لا يجوز للقاضى الحجر على العاقل البالغ لاجل السفه او الدين او الفسق لان فيه اهدار آدميته و الحاقه بالبهائم و هو أشد ضررا من التبذير فلا يتحمل الا على لدفع الأدنى و الحجة للشافعى و مالك و احمد و غيرهم فى حجر السفيه هذه الاية فانها تدل على منع الأموال عن السفيه و هو لا يفيد بدون الحجر لانه يتلف بلسانه ما منع من يده و قال ابو حنيفة منع المال مفيد لان غالب السفه فى الهبات و الصدقات و ذلك موقوف على اليد إذ لا يتم الهبة الا بالقبض، و الحجة لابى حنيفة حديث انس ان رجلا كان فى عقدته ضعف و كان يبايع و ان اهله أتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قالوا يا رسول اللّه احجر «١» عليه فدعاه نبى اللّه فنهاه عن البيع فقال يا رسول اللّه لا اصبر عن البيع فقال إذا بايعت فقل لا خلابة رواه الترمذي و احمد و قال الترمذي هذا حديث صحيح وجه الاحتجاج ان النبي صلى اللّه عليه و سلم لم يحجر عليه و لم يمنع نهى تحريم و أجيب عنه بان ذلك الرجل لم يكن مبدرا قصدا بل كان يلحقه الخسران فى المبايعة لضعف عقله فامكن تداركه بقوله لا خلابة و كلامنا فى سفيه مبذر مضيع باختياره، قال البغوي و الدليل على جواز الحجر اتفاق الصحابة عليه روى الشافعي عن محمد بن الحسن عن ابى يوسف القاضي عن هشام بن عروة عن أبيه ان عبد اللّه بن جعفر ابتاع أرضا سبخة بستين الف درهم فقال على لاتين عثمان فلا حجرن عليك فاتى ابن جعفر الزبير فاعلمه بذلك فقال الزبير انا شريكك فى بيعك فاتى على عثمان رضى اللّه عنهم و قال احجر على هذا فقال الزبير انا شريكه فقال عثمان كيف احجر على رجل فى بيع شريكه فيه الزبير، و روى ابو عبيد فى كتاب الأموال بسنده عن ابن سيرين قال قال عثمان لعلى الا تأخذ على يد ابن أخيك يعنى عبد اللّه بن جعفر و تحجر عليه اشترى سبخة بستين الف درهم ما تسرنى انها لى بنعلي فذكر القصة كما مرّ، قال البغوي فكان ذلك اتفاقا منهم على جواز الحجر حتى احتال الزبير لدفعه. (١) فى الأصل اهجر عليه. (مسئلة:) إذا بلغ الصغير رشيدا ثم صار سفيها مبذّرا جاز الحجر عليه عند من أجاز الحجر عليه فيما بلغ سفيها كما يدل عليه قصة ابن جعفر رضى اللّه عنهما و الحجة لهم فى جواز حجر المديون حديث كعب بن مالك عن أبيه ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حجر على معاذ ماله و باعه؟؟؟ فى دين كان عليه رواه الدارقطني و الحاكم و البيهقي- و روى ابو داود فى المراسيل من حديث عبد الرزاق مرسلا و كذا روى سعيد فى سننه و ابن الجوزي من حديث ابن المبارك عن معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك مرسلا قال كان معاذ بن جبل شابا سخيا و كان لا يمسك شيئا فلم يزل يد اين حتى غرق ماله كله فى الدين فاتى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فكلمه ليكلم غرماءه فلو تركوا لاحد لتركوا لمعاذ من أجل رسول اللّه فباع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ماله حتى قام معاذ بغير شى ء قال عبد الحق المرسل أصح من المتصل و قال ابن الصلاح فى الاحكام هو حديث ثابت و كان ذلك فى سنة تسع من الهجرة و جعل لغرمائه خمسة اسباع حقوقهم فقالوا يا رسول اللّه بعه لنا قال ليس لكم اليه سبيل و قال ابو حنيفة فى المديون ان القاضي لا يحجر عليه و لا يبيع ماله لانه نوع حجر و لانه تجارة لا عن تراض و قد قال اللّه تعالى إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ و لكن يحبسه ابدا حتى يبيعه فى دينه إيفاء لحق الغرماء و دفعا لظلمه و الجواب عن قصة معاذ انا لا نسلم ان النبي صلى اللّه عليه و سلم باع ماله و لم يرض به معاذ و محال ان لا يرصى معاذ بفعل النبي صلى اللّه عليه و سلم فكان النبي صلى اللّه عليه و سلم باع ماله برضاه فهو من باب بيع الوكيل او الفضولي مع الاجازة اللاحقة من المالك و قول الراوي حجر على معاذ ماله و اباعه زعم منه زعم بيع ماله حجرا «١» عليه كيف و قد اخرج البيهقي من طريق الواقدي هذا الحديث و زاد ان النبي صلى اللّه عليه و سلم بعثه بعد ذلك الى اليمن ليجبره و روى الطبراني فى الكبير ان النبي صلى اللّه عليه و سلم لما حج بعث معاذا الى اليمن و انه أول من تأجر فى مال اللّه فظهر ان النبي صلى اللّه عليه و سلم لم يحجر معاذا عن التصرفات، مسئلة: إذا أفلس و فرق ماله و بقي عليه دين و له حرفة تفضل أجرتها عن كفايته قال احمد جاز للحاكم اجازته فى قضاء دينه و عنه لا يؤجره و هو قول غيره من الائمة، احتج احمد بحديث رواه الدارقطني عن زيد بن اسلم قال رايت شيخا بالاسكندرية يقال له سرق فقلت ماذا لاسم قال اسم سمانيه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و لن ادعه قلت و لم سماك قال (١) فى الأصل بيع ماله عليه مجرا عليه. قدمت المدينة و أخبرتهم ان مالى يقدم فبايعونى فاستهلكت أموالهم فاتوا الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال أنت سرق و باعني باربعة ابعر فقال الغرماء للذى اشترانى ما تصنع به قال اعتقه قالوا فلسنا بأزهد فى الاجر منك فاعتقونى بينهم و بقي اسمى قال ابن الجوزي قد علم انه لم يبع رقبته لانه حر و انما باع منافعه و المعنى أعتقوني من الاستخدام قلت لا وجه لحمل هذا الحديث على الاجارة لانه اجارة على عمل مجهول فالحديث متروك بالإجماع، و كان لرسول اللّه ولاية التصرف فى الناس ما ليس لغيره و روى مسلم عن ابى سعيد أصيب رجل فى عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى ثمار ابتاعها فكثر دينه فقال تصدقوا عليه فلم يبلغ وفاء دينه فقال خذوا ما وجدتم و ليس لكم الّا ذلك فهذا الحديث صريح انه لا سبيل الى المديون الّا فى استيفاء ديونهم من ماله و اللّه اعلم، وَ لا تَأْكُلُوها يعنى اموال اليتامى يا معشر الأولياء إِسْرافاً فى القاموس السرف محركة ضدّ القصد و فى الصحاح السرف تجاوز الحد فى كل فعل يفعله الإنسان قال اللّه تعالى فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ و قال يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لكن ذلك فى الانفاق أشهر، فيقال تارة باعتبار القدر يعنى الكثرة كما فى قوله تعالى كُلُوا وَ اشْرَبُوا وَ لا تُسْرِفُوا و تارة باعتبار الكيفية و لهذا قال سفيان ما أنفقت فى غير طاعة اللّه فهو سرف و ان كان قليلا قال اللّه تعالى أَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ، قلت فاكل مال اليتيم و ان كان قليلا فهو إسراف ان كان الولي غنيا و ان كان فقيرا فالتجاوز عن المعروف إسراف و افراط وَ بِداراً اى مبادرة أَنْ يَكْبَرُوا فياخذوا منكم أموالهم فاسرا فاو بدارا مصدر ان فى موضع الحال و ان يكبروا فى موضع المصدر منصوب المحل ببدارا يعنى لا تأكلوا مسرفين و مبادرين كبرهم و يجوز ان يكونا مفعولى «١» لهما اى لاسرافكم و مبادرتكم فى الاكل و جاز ان يكون ان يكبروا منصوب المحل على انه مفعول له للمبادرة اى لمبادرتكم لاجل مخافة ان يكبروا فيأخذوا من ايديكم وَ مَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ اى ليمتنع من مال اليتيم فلا يأخذ منه قليلا و لا كثيرا استعف ابلغ من عف كانه طلب زيادة العفة، وَ مَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ان رجلا اتى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال انى لفقير ليس لى شى ء ولى يتيم فقال كل (١) فى الأصل مفعولا لهما. من مال يتيمك غير مسرف و لا مبادر و لا متاثل رواه ابو داود و النسائي و ابن ماجة و عن ابن عباس ان رجلا قال لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان فى حجرى يتيما أ فآكل من ماله قال بالمعروف غير متاثل مالا منه و لا واق مالك بماله رواه الثعلبي و المراد اجرة عمله بقدر قيامه و هو قول عائشة و به نأخذ و قال عطاء و عكرمة يأكل باطراف أصابعه و لا يسرف و لا يكتسى منه و قال النخعي لا يلبس الكتان و لا الحلل و لكن ما سد الجوعة و وارى العورة و لا قضاء فى هذه الأقوال كلها و قال الحسن و جماعة يأكل من تمر نخيله و لبن مواشيه بالمعروف و لا قضاء عليه و امّا الفضة و الذهب فلا فان أخذ فعليه رده و قال الكلبي المعروف ركوب الدابة و خدمة الخادم و ليس له ان يأكل من ماله شيئا و روى البغوي بسنده عن القاسم ابن محمد انه جاء رجل الى ابن عباس فقال ان لى يتيما و ان له ابلا ا فاشرب من لبن ابله فقال ان كنت تبغى ضالة ابله و تهنا جرباها و تلط حوضها و تسقيها يوم وردها فاشرب غير مضر بنسل و لا ناهك فى الحلب و قال الشعبي لا يأكل الا ان يضطر اليه كما يضطر الى الميتة و قال قوم المعروف القرض اى يستقرض من مال اليتيم إذا احتاج اليه فاذا أيسر قضاه و هو قول مجاهد و سعيد بن جبير و قال عمر بن الخطاب انى أنزلت نفسى من مال اللّه بمنزلة ولى اليتيم ان استغنيت استعففت و ان افتقرت أكلت بالمعروف فاذا أيسرت قضيت فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ بعد بلوغهم و إيناس رشد منهم فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ هذا امر ارشاد و ليس بواجب و الاولى الاشهاد لدفع التهمة و انقطاع الخصومة و احتج الشافعي و مالك بهذه الاية على ان القيم لا يصدق فى دعواه بالدفع الا بالبينة و قال ابو حنيفة إذا لم يكن له بينة يصدق مع اليمين لانه أمين ينكر الضمان عليه و يدل على ذلك قوله تعالى وَ كَفى بِاللّه حَسِيباً (٦) اى محاسبا و مجازيا و شاهدا لا حاجة الى شاهد غيره بل يصدق الولي مع اليمين و يفوض امره الى اللّه تعالى و الباء زائدة على فاعل الفعل، اخرج ابو الشيخ ابن حبان فى كتاب الفرائض من طريق الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس قال كان اهل الجاهلية لا يورثون النبات و لا الصغار من الذكور حتى يدركوا فمات رجل من الأنصار يقال له أوس بن ثابت و ترك ابنتين و ابنا صغيرا فجاء ابنا عمه خالد و عرفطة و هما عصبتاه فأخذا ميراثه كله فاتت امرأته رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فذكرت له ذلك فقال ما أدرى ما أقول فنزلت. ٧ لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ وَ لِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ اى المتوارثون بالقرابة و لم يقل للنساء نصيب منه اهتماما لشأنهن مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ بدل من قوله ممّا ترك باعادة العامل و فائدته التوبيخ على عدم مبالاتهم فى القليل نَصِيباً مَفْرُوضاً (٧) نصب على انه مصدر مؤكد كقوله فريضة من اللّه، او حال من فاعل الظرف إذا المعنى ثبت لهم نصيب حال كونه مفروضا اى مقطوعا و الحال فى الحقيقة قوله مفروضا لكن بحسب الظاهر جعل الحال نصيبا و مفروضا صفة له و يسمى الحال موطئة لانه مقدمة لذكر ما هو الحال حقيقة او على اختصاص بمعنى اعنى نصيبا مقطوعا واجبا لهم لا يجوز لاحد التبديل فيه، و فيه دليل على ان الوارث لو اعرض عن نصيبه او ابرا عنه لا يسقط حقه و فى الاية إجمال من وجهين أحدهما فى تعيين النصيب و ثانيهما فى المراد بالاقرب و كلا الامرين ورد بيانهما من الشرع و ذكر الوالدين مع دخولهما فى الأقربين اهتماما لشانهما و لانّ سبب النزول ميراث الوالد و ذكر البغوي ان أوس بن ثابت الأنصاري توفى و ترك امراة يقال لها أم كحة و ثلث بنات له منها فقام رجلان هما ابنا عمّ الميت و اوصياه «١» سويد و عرفجة فاخذا ماله و لم يعطيا امرأته و لا بناته شيئا و كانوا فى الجاهلية لا يرثون النساء و لا الصغار و ان كان الصغير ذكرا انما كانوا يورثون الرجال و يقولون لا نعطى الا من قاتل و حاز الغنيمة فجاءت أم كحة فقالت يا رسول اللّه ان أوس بن ثابت مات و ترك على بنات و انا امرأته و ليس عندى ما أنفقه عليهن و قد ترك أبوهن مالا حسنا و هو عند سويد و عرفجة و لم يعطيانى و لا بناتي شيئا و هن فى حجرى لا يطعمن و لا يسقين فدعاهما رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقالا يا رسول اللّه ولدها لا يركب فرسا و لا يحمل كلا و لا ينكأ عدوا فانزل اللّه هذه الآية فارسل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الى سويد و عرفجة لا تفرقا من مال أوس بن ثابت شيئا فان اللّه جعل لبناته نصيبا ممّا ترك و لم يبيّن كم هو حتى انظر ما ينزل فيهنّ فانزل اللّه تعالى يوصيكم اللّه فى أولادكم فلما نزلت أرسل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الى سويد و عرفجة ان ادفعا الى أم كحة الثمن و الى بناته الثلثين و لكما باقى المال، قلت و لما (١) فى الأصل و وصياه. نزل عقيبه يوصيكم اللّه لم يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة و اللّه اعلم، قال سعد وقع فى الكتب المعتبرة و الروايات الصحيحة أوس بن ثابت و هو أخو حسان بن ثابت استشهد بأحد قال الشيخ جلال الدين السيوطي و فيه نظر لانه كان أخا حسان و لم يكن لبنى العم مع الأخ سبيل و نقله ابن حجر فى الاصابة عن ابن مندة و خطّاه بانه ليس أحد من اخوته أوس و لا من بنى أعمامه عرفطة و لا خالدا ثم ذكر الشيخ السيوطي ان جماعة من الصحابة يسمى اوسا مع اختلاف اسماء ابائهم فلعل الذي نزل فيه الاية أحد هؤلاء و اللّه اعلم. ٨ وَ إِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ اى قسمة المواريث أُولُوا الْقُرْبى غير الأقربين الذين لا يرثون وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ اى شيئا مما ترك او مما يقسم تصدقا عليهم قال الحسن كانوا يعطون التابوت و الأواني ورث الثياب و المتاع و الشي ء الذي يستحيى من قسمته و قال سعيد بن جبير و الضحاك هذه الاية منسوخة باية يوصيكم اللّه و قال ابن عباس و الشعبي و النخعي و الزهري و مجاهد و جماعة انها محكمة قال قتادة عن يحيى بن يعمر ثلث آيات محكمات مدنيات تركهن الناس هذه الاية و اية الاستيذان يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ و قوله تعالى يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَ أُنْثى الاية فقيل الأمر للوجوب حق واجب فى اموال الصغار و الكبار فان كان الورثة كبارا تولوا اعطاءهم و ان كانوا صغارا اعطى وليهم و روى محمد بن سيرين ان عبيدة السلماني قسم اموال أيتام فامر بشاة فذبحت فصنع طعاما لاهل هذه الاية و قال لو لا هذه الاية لكان هذا من مالى و الصحيح انه امر ندب قال ابن عباس ان كانت الورثة كبار ارضحوا لهم و يستقلوا ما يعطوا و لا يمنّوا عليهم و ان كانوا صغارا اعتذر الولي او الوصي إليهم فيقول انى لا املك هذا المال انما هو للصغار و لو كان لى منه شى ء أعطيتكم و ان يكبروا فسيعرفون حقوقكم و هذا القول هو المعنى من قوله تعالى وَ قُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً (٨). ٩ وَ لْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ الضياع، الظاهر ان الأمر للاقوياء من الورثة و هذه الاية متصلة بقوله تعالى لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ وَ لِلنِّساءِ نَصِيبٌ الاية و قوله تعالى وَ إِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ الاية يعنى ليعطى الأقوياء أنصباء النساء و الضعفاء من الورثة و ليرضحوا من التركة غير الورثة من الضعفاء و الفقراء و المساكين و ليخشوا على أولاء الضعفاء الضياع كما لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم الضياع و اشفقوا عليهم شفقتهم على أولادهم او المعنى ليخشوا اللّه فى تضييع ضعفاء الورثة كانه تنازع الفعلان ليخش و ليتقوا فى قوله تعالى فَلْيَتَّقُوا اللّه فى اسم اللّه تعالى و اعمل الثاني كما هو مذهب البصريين و حذف من الاول و لو اعمل الاوّل لقيل فليتقوه، أمرهم بالتقوى الذي هو غاية الخشيه بعد ما أمرهم بها مراعاة للمبدا و المنتهى و قال الكلبي هذا امر للاوصياء و الأولياء بان يخشوا اللّه و يتقوه فى امر اليتامى و يحسنوا إليهم و يفعلوا بهم ما يحبون ان يفعل بذراريهم الضعاف متصل بقوله تعالى و ابتلوا اليتامى و يكون قوله للرّجال نصيب الى هنا جملا معترضات و فائدته ان ولاية اليتامى و ابتلاءهم و قسمة التركة انما يتصوّر بعد دفع ما تقرر فى الجاهلية ان لا ميراث للضعفاء انما هو لمن يحارب و جاز ان يكون امرا للورثة بالشفقة على من حضر القسمة من ضعفاء الأقارب و اليتامى و المساكين متصوّرين انهم لو كانوا أولادهم و بقوا خلفهم ضعافا هل يجوّزوا حرمانهم، و قيل هذه الاية فى الرجل يحضره الموت فيقول من بحضرته ان أولادك و ورثتك لا يغنون عنك شيئا أعتق و اعط فلانا كذا و فلانا كذا حتى يأتى على عامة ماله فهو امر للحاضرين المريض عند الإيصاء بان يخشوا ربهم او يخشوا على أولاد المريض و يشفقوا عليهم شفقتهم على أولادهم فلا يتركوه ان يضرّبهم و يصرف المال عنهم، او امر للموصين بان ينظروا للورثة الضعاف الذين خافوا عليهم الضياع و لا يسرفوا فى الوصية و لا يزيدوا فى الوصية على الثلث كيلا تحجف لورثته و جواب لو خافوا و لو مع ما فى حيزه صلة للذين وَ لْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً (٩) يعنى يقول الاترياء من الورثة ضعفاءهم بالشفقة و حسن الأدب او الأولياء لليتامى قولا حسنا شفقة كما يقولون لاولادهم بالشفقة او الحاضرون الوصية يأمروا الموصى بالتصدق دون الثلث او الحاضرون القسمة اعتذروا الى الفقراء او الموصى يقول فى الوصية قولا حسنا فيوصى بما دون الثلث و يراعى فى الوصية حسن النية مع الإخلاص للّه تعالى، قال البغوي قال مقاتل بن حبان لما أكل مرثد بن زيد رجل من غطفان مال ابن أخيه و هو يتيم صغير نزلت. ١٠ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً مصدرا و حال اى أكلا ظلما او ظالمين إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً ما يجر الى النار و يؤل اليه، فى الحديث قال النبي صلى اللّه عليه و سلم رايت ليلة اسرى بي قوما لهم مشافر كمشافر الإبل أحدهما قارصة على منخريه و الاخرى على بطنه و خزنة جهنم يلقمونهم جمر جهنم و صخرها فقلت يا جبرئيل من هؤلاء قال الذين يأكلون اموال اليتامى ظلما رواه ابن جرير و ابن ابى حاتم من حديث ابى سعيد الخدري اخرج ابن ابى شيبة فى مسنده و ابن ابى حاتم فى تفسيره و ابن ابى حبان فى صحيحه عن ابى بردة انه صلى اللّه عليه و سلم قال يبعث اللّه قوما من قبورهم يتاجج أفواههم نارا فقيل من هم فقال ا لم تر ان اللّه يقول إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَ سَيَصْلَوْنَ سَعِيراً (١٠) قرا الجمهور بفتح الياء اى يدخلونه و ابن عامر و ابو بكر بضم الياء اى يدخلون النّار و يحرقون و السعير فعيل بمعنى المفعول من سعرت النار إذا لهبتها اخرج الائمة الستة عن جابر بن عبد اللّه قال عادنى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و ابو بكر فى بنى سلمة فوجدنى النبي صلى اللّه عليه و سلم لا اعقل شيئا فدعا بماء فتوضأ ثم رش عليّ فافقت فقلت ما تأمرنى ان اصنع فى مالى فنزلت يوصيكم اللّه الاية و اخرج احمد و ابو داود و الترمذي و ابن ماجة و الحاكم عن جابر قال جاءت امراة سعد بن الربيع الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقالت يا رسول اللّه هاتان بنتا سعد بن الربيع قتل معك فى أحد شهيدا و ان عمتهما أخذ مالهما فلم يدع لهما مالا و لا تنكحان الّا و لهما مال فقال يقضى اللّه فى ذلك فنزلت اية الميراث فبعث رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الى عمّهما فقال أعط لا بنتي سعد الثلثين واعظ امّهما الثمن و ما بقي فهو لك قال الحافظ تمسّك من قال ان الاية نزلت فى قصة ابنتي سعد و لم تنزل فى قصّة جابر خصوصا بان جابرا لم يكن له يومئذ ولد قال و الجواب انها نزلت فى الامرين معا و يحتمل ان يكون نزول اوّلها فى قصّة ابنتي سعد و آخرها و هو قوله و ان كان رجل يورث كللة المتصل بهذه الاية فى قصّة جابر و يكون مراد جابر بقوله فنزلت. ١١ يُوصِيكُمُ اللّه إلخ الاية المتصلة بها و روى له سبب ثالث اخرج ابن جرير عن السدى قال كان اهل الجاهلية لا يورّثون الجواري و لا الضعفاء من الغلمان لا يرث الرجل من ولده الّا من أطاق القتال فمات عبد الرحمن أخو حسان الشاعر و ترك امراة يقال لها أم كحة و خمس بنات فجاءت الورثة يأخذون ماله فشكت أم كحة ذلك الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فانزل اللّه هذه الاية فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ ثم قال فى أم كحة وَ لَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ الاية و قد ورد فى قصة سعد بن الربيع وجه اخر اخرج القاضي إسماعيل فى احكام القران من طريق عبد الملك بن محمد بن حزم ان عمرة بنت حرام كانت تحت سعد بن الربيع فقتل عنها بأحد و كان له منها ابنة فاتت النبي صلى اللّه عليه و سلم لطلب ميراث ابنتها ففيها نزلت يُوصِيكُمُ اللّه يأمركم و يعهد إليكم فِي شأن ميراث أَوْلادِكُمْ و جاز ان يكون فى بمعنى اللام كما فى قوله عليه السلام دخلت امراة النار فى هرة و هذا إجمال تفصيله لِلذَّكَرِ منهم مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ منهم إذا اجتمع الصنفان يعنى ان كان مع الأنثيين او اكثر ذكر واحدا و اكثر يعطى لكل واحد منهم مثل حظ الثنتين منهن و يعلم بدلالة النص انه ان كان ذكر واحد او اكثر مع واحدة أنثى يعطى للانثى نصف حظ ذكر واحد و وجه تخصيص التنصيص على حظ الذكر تفضيله و التنبيه على ان التضعيف كاف للتفضيل فلا يحر منّ بالكلية و قد اشتركا فى الجهة، هذا حكمهم عند اجتماع الصنفين و ان كان الأولاد صنفا واحدا أنثى فقط فَإِنْ كُنَّ اى الأولاد و انث الضمير باعتبار الخبر او الضمير راجع الى بنات مذكورات فى ضمن الأولاد نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ خبر ثان او صفة نساء يعنى زائدة على ثنتين فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ الميت منكم وَ إِنْ كانَتْ المولودة المذكورة فى ضمن الأولاد واحِدَةً قرا نافع بالرفع على ان كانت تامّة و الباقون بالنصب على الخبرية فَلَهَا النِّصْفُ و لم يذكر فى الاية حكم الأنثيين فقال ابن عباس حكمهما حكم الواحدة لانه الأقل المتيقن من النصيبين المذكورين و الصحيح ان لهما الثلثان و عليه انعقد الإجماع فقيل لفظ فوق زائدة كما فى قوله تعالى فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ و يؤيده من السنة ما ذكرنا من قصّة سعد بن الربيع و نزول الاية فيهما و قيل ثبت حكمهما بالقياس على الأختين فان اللّه سبحانه جعل لاخت واحدة النصف كما جعل لبنت واحدة و جعل للاخوة و الأخوات المختلطين للذكر مثل حظّ الأنثيين كما جعل للاولاد المختلطين هكذا و جعل للاختين الثلثان فكذا للبنتين فثبت بالسنة و الإجماع ان حكم ما فوق الثنتين من الأخوات كحكم الثنتين منهما الثابت بالنصّ و حكم البنتين كحكم ما فوقهما الثابت بالنص و لا وجه لالحاق الثنتين منهما بالواحدة و لان البنت لمّا كان حظها مع ابن واحد ذكر الثلث لا ينقص منه ابدا فمع بنت واحدة غيرها اولى ان لا ينقص حظها من الثلث و اللّه اعلم و السكوت عن حكم الذكر إذا لم يكن معه أنثى يدل على ان المال كله له لانه اولى بالميراث من الأنثى فلا جائز حرمانه و لو كان له بعض المال لم يجز السكوت عن بيانه وقت الحاجة و لا يرث معه غيره بالعصبية لانه اقرب العصبات فلا يترك شيئا لغيره و لانه جعل اللّه سبحانه للذكر مثل حظ الأنثيين و قد جعل للانثى عند الانفراد النصف فللذكر عند الانفراد ضعف النصف و هو الكل و إذا كان للولد الذكر عند الانفراد جميع المال يحجب مع ولد ذكر صلبى أولاد الابن ذكورا كان او إناثا او مختلطين بالإجماع (مسئلة) اجمعوا على ان أولاد الابن لهم حكم أولاد الصلب عند عدم الولد فللذكور او ذكر منفرد منهم جميع المال و لواحدة منفردة من الإناث النصف و للاكثر منها منفردات الثلثان و للذكر مثل حظ الأنثيين عند الاختلاط و لهم عند الاختلاط مع واحدة صلبية او اكثر ما بقي منها او منهن للذكر مثل حظ الأنثيين كذا روى الطحاوي عن عائشة انها أشركت بين بنات ابن و بنى ابن مع بنتين و بين الاخوة و الأخوات لاب مع أختين لاب و أم فيما بقي و لذكر واحدا و اكثر مع بنت او بنات جميع ما بقي منهن لقوله عليه السلام الحقوا الفرائض باهلها فما أبقت الفرائض فلا ولى رجل ذكر متفق عليه من حديث ابن عباس و لبنت ابن واحدة او اكثر منفردات مع واحدة صلبية السدس تكملة للثلثين لما رواه البخاري عن الهذيل بن شرحبيل قال جاء رجل الى ابى موسى و سلمان بن ربيعة فسالهما عن رجل مات عن ابنة و ابنة ابن و اخت لاب و أم فقالا للبنت النصف و للاخت النصف و ائت ابن مسعود فانه سيتابعنا فاتى ابن مسعود فقال قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَ ما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ساقضى فيها بما قضى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم للبنت النصف و لابنة الابن السدس تكملة للثلثين و ما بقي فللاخت فاتينا أبا موسى فاخبرناه بقول ابن مسعود فقال لا تسئلونى ما دام هذا الحبر فيكم و لا يرثن مع الصلبيتين لاحرازهما تمام الثلثين الا ان يكون بحذائهن او أسفل منهن غلام فيعصبهن، وَ لِأَبَوَيْهِ اى أبوي الميت منكم لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا بدل من لابويه بتكرير العامل و فائدته دفع توهم اشتراكهما فى السدس و التفصيل بعد الإجمال تأكيدا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ الميت إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ ذكر او أنثى صلبى او ولد ابن غير ان الأب يأخذ السدس مع أنثى عند عدم ولد ذكر بالفرض و ما بقي من ذوى الفروض بالعصوبة لانه اولى رجل ذكر بعد الأبناء و أبناء الابن فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ صلبى و لا ولد ابن وَ وَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ يعنى ثلث جميع المال ان لم يكن معهما وارث صاحب فرض غيرهما و ثلث ما بقي بعد فرض أحد الزوجين ان كان معهما أحد الزوجين و لا يتصور معهما غير الزوجين لان الاخوة و الأخوات و الجد لا يرثون مع الأب و الجدة مع الام و المفروض عدم الولد، او المعنى و ورثه أبواه فقط فلامه الثلث مما ترك بقرينة تقيد السدس به فعلى هذا يعرف ميراثهما مع أحد الزوجين بالمقايسة فكما كان للام نصف ما للاب عند عدم غيرهما تضعيفا للذكر على الأنثى مع اتحاد القرابة يعنى ثلث الكل و الثلثان فكذا مع غيرهما يعنى ثلث ما بقي و الثلثان عن ابن مسعود قال كان عمر بن الخطاب إذا سلك طريقا فاتبعناه وجدنا سهلا و انه سئل عن امراة و أبوين فقال للمرءة الربع و للام الثلاث ما بقي و ما بقي فللاب و به قال زيد بن ثابت ان للام ثلث ما بقي بعد فرض أحد الزوجين فى مسئلة زوج و أبوين و مسئلة زوجة و أبوين و عليه انعقد الإجماع و لو كان مكان الأب الجد فلها ثلث الكل و روى البيهقي من طريق عكرمة قول ابن عباس ان للام فى المسألتين ثلث الكل و به قال شريح و وافقه ابن سيرين فى زوجة و أبوين و خالفه فى زوج و أبوين روى البيهقي عن النخعي انه قال خالف ابن عباس جميع اهل الفرائض فى ذلك و السكوت عن حكم الأب بعد قوله و ورثه أبواه يدل على ان الباقي يعنى الثلثين للاب لانه اولى بالميراث من الام فلا جائز حرمانه و قد نبّه على ميراثه بقوله ورثه و لو كان له بعض المال لم يجز السكوت عن بيانه و لا يرث معه غيره بالعصبية لانه اقرب العصبات عند عدم الولد فلا يترك لغيره شيئا و هذه الاية تدل على انه لو ورثته «١» امه فقط بدون الأب يكون لها الثلث بالطريق الاولى و لا دليل على الزيادة (١) فى الأصل لو ورثه-. فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ لاب او لام أولهما و المراد بالاخوة ما فوق الواحد اجماعا سواء كانوا ذكورا او إناثا او مختلطين و كذا المراد بكل جمع وقع فى باب الفرائض و الوصايا اجماعا و قال ابن عباس لا يحجب الام من الثلث ما دون الثلاثة روى الحاكم و صححه ان ابن عباس دخل على عثمان فقال له محتجا بانه كيف ترد الام الى السدس بالأخوين و ليسا باخوة فقال عثمان لا أستطيع ردّ شى ء كان قبلى و مضى فى البلدان و توارث عليه الناس فاحتج عثمان بالإجماع و أجاب زيد بن ثابت بجواب اخر قالوا يا أبا سعيد ان اللّه يقول فان كان له اخوة و أنت تحجبها باخوين فقال ان العرب يسمى الأخوين اخوة- فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ و هذه الاية تدل بالمفهوم المخالف و ما قبله بالمفهوم الموافق ان للام مع أخ او اخت واحدة الثلث فانه إذا كان لها مع الأب الثلث فلها مع الأخ او الاخت الثلث بالطريق الاولى قرا حمزة و الكسائي فلامّه فى الموضعين هاهنا و فى القصص فى امّها و فى الزخرف فى امّ الكتب فى الوصل فقط بكسر الهمزة اتباعا للكسرة التي قبلها و الباقون بضمها على الأصل و إذا أضيف الام الى جمع و وليت همزته كسرة و جملته اربعة مواضع فى النحل من بطون امّهاتكم و كذا فى النور و الزمر و النجم فحمزة يكسر الهمزة و الميم فى الوصل و الكسائي يكسر الهمزة فى الوصل و يفتح الميم و الباقون يضمون الهمزة و يفتحون الميم فى الحالين- (مسئلة) اجمعوا على ان الاخوة و الأخوات يحجبن الام من الثلث الى السدس و ان كانوا محجوبين بالأب و عن ابن عباس انهم يأخذون السدس الذي حجبوا عنه الام خلافا للجمهور (مسئلة) الجد الصحيح اعنى اب الأب و ان علاله حكم الأب عند عدم الأب و لا شى ء لاب الام لانه لا يصلح ان يكون مكان الأب لانه ليس من جهته و لا مكان الام لانه ليس من جنسه و يسمّى جدا فاسدا فالجد الصحيح عصبة عند عدم الولد و له السدس مع ولد ذكر و السدس و التعصيب مع ولد أنثى و خالف حكمه حكم الأب فى انه لا يرد الام من الثلث الى السدس او الربع مع أحد الزوجين اجماعا و اختلفوا فى انه هل يحجب الاخوة كالاب أم لا فقال ابو حنيفة يحجبهم كلهم سواء كانوا من الأب او الام او منهما و هو المروي عن ابى بكر و كثير من الصحابة و قال مالك و الشافعي و احمد و ابو يوسف «١» و محمد لا يحجب الاخوة و الأخوات ان كانوا من الأبوين او من الأب و يحجبهم ان كانوا من الام قال ابن الجوزي محتجا بعدم (١) فى الأصل ابى يوسف-. حجبهم ان التوريث بالاخوة منصوص عليه فى القرآن فلا يثبت حجبهم الا بنصّ قلنا لو كان كذلك فلم قلتم يحجب أولاد الام مع الجدّ و هم منصوص توريثهم فى القران و ايضا تقولون بان ابن الابن يحجب الاخوة كلهم لقيامه مقام الابن فلم لا تقولون بحجبهم بالجد لقيامه مقام الأب و لنا قوله صلى اللّه عليه و سلم الحقوا الفرائض باهلها فما بقي فهو لاولى رجل ذكر و لا شك ان الجد اولى من الأخ لانه اصل الميت دون الأخ و لنا ايضا انه إذا اجتمع الجد مع الاخوة فلا وجه للمقاسمة لاختلاف جهة قرابتهم و لا يسقط الجد بالاخوة اجماعا حيث لم يذهب اليه أحد فيسقط الاخوة بالجد فان قيل قال الشيخ ابن حجر فيه نظر لان ابن حزم حكى أقوالا ان الاخوة تقدم على الجد فاين الإجماع قلنا بعد انقراض اهل تلك الأقوال اجتمع الامة على أحد القولين اما إسقاط الاخوة او المقاسمة فثبت الإجماع و مذهبهم مروى عن زيد بن ثابت و حكم الجد مع الاخوة عندهم سواء كانت الاخوة لابوين او لاب ان للجد أفضل الامرين من المقاسمة و ثلث جميع المال ان لم يكن معهم ذو فرض اخر و تفسير المقاسمة ان يجعل الجد فى القسمة كاحد الاخوة و بنو العلات يدخلون فى القسمة مع بنى الأعيان إضرارا للجد فاذا أخذ الجد نصيبه فبنوا لعلات يخرجون من البين خائبين بغير شى ء و الباقي لبنى الأعيان للذكر مثل حظ الأنثيين و إذا كانت من بنى الأعيان اخت واحدة أخذت فرضها نصف الكل بعد نصيب الجد فان بقي شى ء فلبنى العلات للذكر مثل حظ الأنثيين و الّا فلا شى ء لهم كحد و اخت لابوين و أختين لاب فبقى للاختين عشر المال و تصح من عشرين و لو كانت فى هذه المسألة اخت لاب لم يبق لها شى ء و إذا كان مع الجدّ و الاخوة ذو فرض غيرهم فللجد حينئذ أفضل الأمور الثلاثة اما سدس جميع المال كجدّ و جدّة و بنت و أخوين فقد لا يبقى شى ء كبنتين و امّ و زوج فيفرض للجدّ سدس و يزاد فى العول و قد يبقى دون السدس كبنتين و زوج فيفرض للجد سدس و تعال و قد يبقى سدس كبنتين و أم فيفوز له الجدّ و يسقط الاخوة فى هذه الصور الثلث و امّا ثلاث الباقي بعد سهم ذوى الفروض غيرهم كجدّ و جدة و أخوين و اخت و امّا المقاسمة كزوج و جدّ و أخ و لا يكون الاخت لابوين او لاب صاحبة فرض مع الجد عندهم الّا فى الاكدرية و هى زوج و أم و جدّ و اخت فللزوج النصف و للام الثلث و للجد السدس و للاخت النصف فتعول الستة الى تسعة ثم يضم الجد نصيبه اعنى التسع الى نصيب الاخت اعنى الثلث فيقسمان أثلاثا لان المقاسمة خير للجدّ و تصح المسألة من سبع و عشرين تسعة للزوج و ستة للام و ثمانية للجد و اربعة للاخت و سميت المسألة أكدرية لانها واقعة امراة من بنى أكدر و لو كان مكان الاخت أخ او اختان فلا عول و لا أكدرية و حينئذ لا شى ء للاخوة (فائدة) وقع فى الصحابة فى مسئلة الجد مع الاخوة اختلافا كثيرا روى البيهقي عن الشعبي ان الحجاج ساله عن أم و اخت و جدّ فقال اختلف فيها خمسة من اصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عثمان و على و ابن مسعود و زيد بن ثابت و ابن عباس قال فما قال فيها عثمان قلت جعلها أثلاثا قال فما قال فيها ابو تراب قلت جعلها من ستة أسهم للاخت ثلاثة و للام سهمين و للجد سهما قال فما قال ابن مسعود قلت جعلها من ستة للاخت ثلاثة و للجد سهمين و للام سهما قال فما قال فيها زيد بن ثابت قلت جعلها من تسعة اعطى الاخت الثلاثة و الجد اربعة و الام سهمين و روى البيهقي من طريق ابراهيم النخعي قال كان عمر و عبد اللّه لا يفضلان أخا على جدّ و روى ابن حزم من طريقه عن عمر للاخت النصف و للام السدس و للجد ما بقي و ما ذهب اليه ابو حنيفة من قول ابى بكر أوفق بالنص و القياس. (مسئلة) الجدة الصحيحة عند ابى حنيفة من لم يدخل فى نسبته الى الميّت جد فاسد ترث الجدات الصحيحات عنده و ان كثرن ان كن متحاذيات غير ساقطات و قال مالك و داود لا ترث من الجدات الا اثنان أم الأب و أمهاتها و أم الام و أمهاتها و القربى منهما تحجب البعدى و هو أحد قولى الشافعي و قال احمد و هو الراجح المشهور من قولى الشافعي انه ترث منهن ثلاثا أم امّه و أم أبيه و أم جدّه و حظهن من التركة واحدة كانت او اكثر السدس اجماعا و إذا كانت جدة ذات قرابة واحدة كام أم الأب و الاخرى ذات قرابتين كام أم الام و هى ايضا أم اب الأب يقسم السدس بينهما عند ابى يوسف أنصافا باعتبار الأبدان و عند محمد أثلاثا باعتبار الجهات و فى الباب حديث قبيصة بن ذويب قال جاءت الجدة الى ابى بكر تطلب ميراثها فقال لها مالك فى كتاب اللّه شى ء و مالك فى سنة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم شى ء فارجعى حتى اسئل الناس فسال فقال المغيرة بن شعبة حضرت جدة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أعطاها السدس فقال ابو بكر هل معك غيرك فقال محمد بن مسلمة مثل ما قال المغيرة فانفذ لها ابو بكر ثم جاءت الجدة الاخرى الى عمر تسئله ميراثها فقال هو ذلك السدس فان اجتمعتما فهو بينكما و أيهما خلت به فهو لها رواه مالك و احمد و الترمذي و ابو داؤد و الدارمي و ابن ماجة و روى ابن وهب ان الجدّة التي أعطاها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم هى أم الام و هى التي جاءت الى ابى بكر و التي جاءت الى عمر هى أم الأب فسال الناس فلم يجد أحدا يخبره بشى ء فقال غلام من بنى حارثة لم لا تورثها يا امير المؤمنين و هى لو تركت الدنيا و ما فيها لورثها فورثها عمر و فى المؤطا و سنن البيهقي ان الجدتين جاءتا الى ابى بكر فاراد ان يجعل السدس للتى من قبل الام فقال له رجل من الأنصار مالك تترك التي لو ماتت و هو حى كان إياه ترث فجعل ابو بكر السدس بينهما رواه الدارقطني من طريق ابن عيينة و بين ان الأنصاري هو عبد الرحمن بن سهل ابن حارثة قالوا أم الام أتيحت مقام الام فاعطى اقل حصّتها و أم الأب أعطيت قياسا على أم الام لانها أم أحد الأبوين و الحجة لابى حنيفة ان النبي صلى اللّه عليه و سلم اعطى السدس ثلاث جدات ثنتان من قبل الام و واحدة من قبل الأب رواه الدارقطني بسند مرسل و ابو داؤد فى المراسيل بسند اخر عن ابراهيم النخعي و الدارقطني و البيهقي من مرسل الحسن و ذكر البيهقي عن محمد بن نصر انه نقل اتفاق الصحابة و التابعين على ذلك الا ما روى عن سعد بن ابى وقاص انه أنكر ذلك و لا يصح اسناده عنه- (مسئلة) الام تحجب الجدات كلّها لحديث بريدة ان النبي صلى اللّه عليه و سلم جعل للجدة السدس إذا لم يكن دونها أم رواه ابو داود و النسائي و فى اسناده عبيد اللّه العتكي مختلف فيه و صححه ابن السكن- (مسئلة) الأب يحجب الجدات الابويات فقط عند الثلاثة خلافا لاحمد فى أحد قوليه و عنه مثل قول الجماعة احتج احمد بحديث ابن مسعود قال فى الجدة مع ابنها انها اوّل جدة أطعمها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم سدسا مع ابنها و ابنها حى رواه الترمذي و الدارمي قلنا ضعّفه الترمذي و الحجة للجمهور ان الأقرب تحجب الأبعد و اللّه اعلم، مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ متعلق من حيث اللفظ بالظرف المستقر فى قوله تعالى فلامّه السّدس و من حيث المعنى على سبيل التنازع لكل ظرف من الظروف المستقرة فى الجمل السابقة من قوله تعالى لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ ... فَلَهَا النِّصْفُ ...، لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ ...، فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فيقدر فى جميع ما تقدم اى هذه الأنصباء لهؤلاء الورثة من ما بقي من بعد إنفاذ وصية يُوصِي بِها قرا ابن كثير و ابن عامر و ابو بكر بفتح الصاد على البناء للمفعول و الباقون بالكسر لانه جرى ذكر الميت من قبل و رجع اليه الضمائر ان كان ثمه وصية أَوْ من بعد أداء دَيْنٍ ان كان على الميت و انما قال باو دون الواو للدلالة على ان كل واحد منهما مقدّم على الميراث سواء كان معه اخر اولا و قدم الوصية على الذين و هى متاخرة عن الدين فى الحكم لانه مندوب إليها الجميع و الدين لكونه مانعا من المغفرة الظاهر باقتضاء السنة الاسلامية ان يكون على الندرة عن ابى قتادة قال رجل يا رسول اللّه أ رايت ان قتلت فى سبيل اللّه صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر يكفر اللّه عنى خطاياى فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم نعم الا الدين كذلك قال جبرئيل رواه مسلم و عن عبد اللّه بن عمر و ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال يغفر للشهيد كل ذنب الا الدّين رواه مسلم (مسئلة) اجمعوا على انه اوّل حق يتعلق بالتركة تجهيز الميت ثم يؤدى ديونه من جميع ماله ثم ينفذ وصاياه من ثلث ما بقي من التركة بعد الدين ثم يقسم ما بقي بين الورثة عن على عليه السلام قال انكم تقرءون هذه الاية مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَ إِنْ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قضى بالدين قبل الوصية رواه الترمذي و ابن ماجة- (مسئلة) و تنفيذ الوصايا من الثلث لحديث سعد بن ابى وقاص قال مرضت عام الفتح مرضا أشفيت على الموت فاتانى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يعودنى فقلت يا رسول اللّه ان لى مالا كثيرا و ليس يرثنى الا ابنتي أ فأوصي بمالى كله قال لا قلت فثلثى مالى قال لا قلت فالشطر قال لا قلت فالثلث قال الثلث و الثلث كثير انك ان تذر ذرّيتك اغنياء خير من ان تذرهم عالة يتكففون الناس و انك لن تنفق نفقة تبتغى بها وجه اللّه الا اجرت بها حتى اللقمة ترفعها الى فى امرأتك متفق عليه و روى الترمذي بلفظ اخر و فيه أوص بالعشر فما زلت انا قصه حتى قال أوص بالثلث و الثلث كثير و حديث معاذ مرفوعا بلفظ ان اللّه تصدق عليكم بثلث أموالكم عند وفاتكم زيادة لكم فى حسناتكم ليجعل زكوة أموالكم رواه الطبراني بسند حسن و رواه الطبراني و احمد عن ابى الدرداء مرفوعا و رواه ابن ماجة و البزار و البيهقي عن ابى هريرة و العقيلي عن ابى بكر الصديق رضى اللّه عنهم آباؤُكُمْ وَ أَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً اى لا تعلمون من انفع لكم من الأصول و الفروع فى الدنيا و الاخرة عن ابن عباس ان النبي صلى اللّه عليه و سلم قال إذا دخل الرجل الجنة سال عن أبويه و زوجته و ولده فقال انهم لم يبلغوا درجتك و عملك فقال يا ربّ انى قد عملت لى و لهم فيؤمر بالحاقهم به رواه الطبراني فى الكبير و ابن مردوية فى تفسيره قال البغوي قال ابن عباس أطوعكم للّه عز و جلّ ارفعكم درجة يوم القيامة و اللّه يشفّع المؤمنين بعضهم فى بعض فان كان الوالد ارفع درجة فى الجنة رفع اليه ولده و المكان الولد ارفع درجة رفع اليه والده لتقرّ بذلك أعينهم و لما كان الناس لا يعلمون من هو انفع لهم من الورثة لم يفوض تقسيم التركة إليهم يعنى لو كنتم تعلمون ذلك لملتم الى ترجيح الانفع و إذا لم تعلموا فلا يجوز لكم ترجيح بعض الورثة على بعض قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا يجوز الوصية لوارث الا ان يشاء الورثة رواه الدارقطني من حديث ابن عباس و رواه ابو داود مرسلا عن عطاء الخراسانى و وصله يونس عن عطاء عن عكرمة عن ابن عباس، و الدارقطني من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده و روى ابو داود عن ابى امامة قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول فى خطبته عام حجة الوداع ان اللّه قد اعطى كل ذى حق حقّه فلا وصية لوارث او المعنى لا تعلمون اى المورثين انفع لكم، من اوصى فعرّضكم للثواب بامضاء الوصية او من لم يوص و ترك لكم الأموال كلها و جملة أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فى محل النصب على المفعولية من لا تدرون و هو خبر آباؤكم و الجملة معترضة مؤكدة لام القسمة او تنفيذ الوصية، فَرِيضَةً مِنَ اللّه مصدر مؤكد منصوب بفعل واجب الحذف يسميه النحاة توكيدا لنفسه لانها مضمون جملة سابقة لا محتمل لها غيره لان الجمل المفصلة بقوله تعالى يوصيكم اللّه لا يحتمل مضمونا لها غير كونها فريضة او مصدر منصوب بقوله تعالى يوصيكم لانه فى معنى يفرض عليكم إِنَّ اللّه كانَ عَلِيماً بالمصالح حَكِيماً (١١) فيما فرض و قسم من المواريث و غيرها-. ١٢ وَ لَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ اى زوجاتكم إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ اى صاحب فرض او عصبة من الأولاد سواء كان بواسطة او بلا واسطة فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَ لَهُنَّ اى للزوجات واحدة كانت او اكثر الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ من الصلب او ولد الابن فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ و كذا ترث المعتدة من الطلاق الرجعى دون البائن ان كان الزوج طلقها صحيحا و كذا ان طلقها فى مرض موته رجعيا اجماعا غير ان أبا حنيفة يقول ترث ان مات و هى فى العدة و قال احمد ترث و ان انقضت عدتها ما لم تتزوج قبل موته و قال مالك ترث و ان تزوجت و للشافعى اقوال كالمذاهب الثلاثة و كذا ان طلق فى مرض موته طلاقا بائنا عند ابى حنيفة و احمد الّا ان أبا حنيفة يشترط فى إرثها ان لا يكون الطلاق عن طلب منها لانها ان طلبت رضيت بابطال حقّها و للشافعى قولان اظهرهما انها لا ترث، روى احمد عن معمر ان غيلان بن سلمة اسلم و تحته عشر نسوة فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم اختر منهن أربعا فلما كان عهد عمر طلق نساءه و قسم ماله بين بنيه فبلغ ذلك عمر فقال انى لا ظن الشيطان مما يسترق من السمع سمع موتك فقذفه فى نفسك و أعلمك انك لا تمكث الا قليلا و ايم اللّه لتراجعن نساءك و لترجعن مالك او لاورثهن منك و لامرت بقبرك فيرجم كما رجم قبر ابى رغال و حكم البخاري بصحة الموقوف منه عن الزهري عن سالم عن أبيه بخلاف اوّل القصة قلت هذا الحديث سند للاجماع على الا يراث بعد الطلاق الرجعى و الحجة للجمهور على ايراثها بعد البائن ان عثمان رضى اللّه عنه ورث تماظر بنت الا صبغ بن زياد الكلبية و قيل بنت عمرو بن الشريد السلمية من عبد الرحمن بن عوف لمّا بتّ طلاقها فى مرضه و مات و هى فى العدة بمحضر من الصحابة و لم ينكر عليه أحد فكان اجماعا و قال ما اتهمته و لكن أردت السنة و بمذهبنا ذهب عمر و ابنه و عثمان و ابن مسعود و المغيرة و نقله ابو بكر الرازي عن على و ابى بن كعب و عبد الرحمن بن عوف و عائشة و زيد بن ثابت و لم يعلم عن صحابى خلافه و هو مذهب النخعي و الشعبي و سعيد ابن المسيّب و ابن سيرين و عروة و شريح و ربيعة بن عبد الرحمن و طاؤس بن شبرمة و الثوري و الحماد بن ابى سليمان و الحارث- وَ إِنْ كانَ رَجُلٌ يعنى الميت او الوارث يُورَثُ صفة رجل فان كان المراد به الميت فالمعنى يورث منه و ان كان المراد به الوارث فهو من أورث كَلالَةً خبر كان او خبره يورث و كلالة حال من الضمير فيه و جاز ان يكون كلالة مفعولا له ان كان المراد بالكلالة قرابة ليست من جهة الولاد و هو فى الأصل مصدر بمعنى الكلال اعنى الاعياء يقال كلّ الرجل فى مشيبه كلالا و السيف عن ضربته كلولا و كلالة و اللسان عن الكلام فاستعير لقرابة ليست بالبعضية يعنى ليس أحدهما متوالدا من الاخر لانها كالة بالاضافة إليها، ثم وصف بها من لا يرث منه والد و لا ولد و من يرث ممن ليس له والد و لا ولد بمعنى ذى كلالة كذا قال البيضاوي و قال البغوي هو اسم للمورث الذي لا ولد له و لا والد و هو قول على و ابن مسعود رضى اللّه عنهما لانه مات عن ذهاب طرفيه فكلّ عمود نسبه، و قال سعيد بن جبير هو اسم لوارث ليس والدا للميت و لا ولده لانهم يتكلّلون الميت من جوانبه و ليس فى عمود نسبه أحد كالاكليل يحيط بالرأس و وسط الرأس منه خال و عليه حديث جابر حيث قال انما يرثنى كلالة اى يرثنى ورثة ليسوا لى بولد و لا والد و سئل ابو بكر عن الكلالة فقال انى ساقول فيها برأيى فان كان صوابا فمن اللّه و ان كان خطأ فمنى و من الشيطان أراه ما خلا الوالد و الولد فلما استخلف عمر قال انى لاستحيى اللّه ان أرد شيئا قاله ابو بكر رواه البيهقي عن الشعبي و رواه ابن ابى حاتم فى تفسيره و الحاكم بإسناد صحيح عن ابن عباس عن عمر قوله و فى حديث مرفوع عن ابى هريرة فسّر الكلالة بانها غير الوالد و الولد رواه الحاكم و اخرج ابو الشيخ عن البراء قال سالت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن الكلالة قال ما خلا الوالد و الولد و كذا اخرج ابو داود فى المراسيل عن ابى سلمة بن عبد الرحمن عنه صلى اللّه عليه و سلم قال من لم يترك والدا و لا ولدا فورثته كلالة قلت و المراد بالوالد و الولد فى تفسير الكلالة الذكر من الأصول او الفروع حتى انه إذا كان للميت بنت او أم فهو كلالة ايضا يدل عليه حديث جابر فان جابر بن عبد اللّه كان له عند نزول الاية بنت فقط و لم يكن له والد لان أباه عبد اللّه بن حرام مات يوم أحد قبل هذا و الاخوة و الأخوات ترث مع الام و البنت بالإجماع و المراد بالولد أعم من ولد الابن حتى لا يرث الاخوة مع ابن الابن بالإجماع و كذا المراد بالوالد اعمّ من الجدّ لعدم الفصل بين الوالد و الولد فى تفسير الكلالة و اللّه اعلم أَوِ امْرَأَةٌ عطف على رجل و نظم الاية و ان كان رجل او امراة يورث يعنى أحدهما كلالة وَ لَهُ الضمير عائد الى رجل لانه مذكر مبتدا به او الى أحدهما من رجل و امراة المذكورين و هو مذكر و الجملة الظرفية معطوف على خبر كان ان كان المراد برجل الميت و ان كان المراد به الوارث فالضمير عائد الى المورث المفهوم من السياق كضمير لامه و الجملة الظرفية حال من ضمير يورث و المعنى و ان كان رجل او امراة يورث أحدهما من الميت كلالة و هو يعنى الوارث للميّت أَخٌ أَوْ أُخْتٌ اجمعوا على ان المراد بالأخ و الاخت هاهنا الأخ و الاخت لام فقط يدل عليه قراءة أبيّ و سعد بن ابى وقاص روى البيهقي ان سعدا قال الراوي أظنه ابن ابى «١» وقاص كان يقرا و له أخ او اخت من امّ، و روى ابو بكر بن المنذر ايضا عن سعد كذلك و حكى الزمخشري عنه و عن أبيّ بن كعب و قيل قرا ابن مسعود كذلك قال الحافظ ابن حجر لم أره عن ابن مسعود و من هاهنا يظهر انه يجوز العمل بالقراءة الغير المتواترة كما هو مذهب ابى حنيفة إذا صح اسناده خلافا للشافعى فى الأصول، قال البغوي قال ابو بكر الصديق فى خطبته الا ان الاية التي انزل اللّه فى أول سورة النساء فى بيان الفرائض أنزلها فى الولد و الوالد و الاية الثانية فى الزوج و الزوجة و الاخوة من الام و الاية التي ختم بها السورة فى الاخوة و الأخوات من الأب و الام و الاية التي ختم بها سورة الأنفال أنزلها فى اولى الأرحام بعضهم اولى ببعض فى كتب اللّه فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ اجمعوا على ان أولاد الام إذا كانوا اثنين فصاعدا يشتركون فى الثلث ذكرهم و أنثاهم فى الاستحقاق و القسمة سواء و اختلفوا فى مسئلة حمارية و هى زوج و أم و اخوان لام و أخ لابوين فللزوج النصف و للام السدس و للاخوة من أم الثلث و لا شى ء لاخ لابوين واحدا كان او اكثر عند ابى حنيفة و احمد و داود لانه عصبة و لم يبق من اصحاب الفرائض شى ء و قال مالك و الشافعي يشارك الأخ لابوين الأخوين لام فى الثلث الذي هو فرض لهما، ذكر الطحاوي ان عمر كان لا يشرك حتى ابتلى بمسئلة فقال له الأخ لاب و أم يا امير المؤمنين هب ان أبانا كان حمارا السنا من امّ واحدة فشركهم و لذلك سمّى المسألة حمارية و رواه الحاكم فى المستدرك و البيهقي فى السنن من حديث زيد بن ثابت و صححه الحاكم و فيه ابو امية (١) فى الأصل ابن وقاص- [.....]. بن يعلى الثقفي ضعيف و رواه من طريق الشعبي عن عمر و على و زيد بن ثابت انه لم يزدهم الأب إلا قربا و اخرج الدارقطني من طريق وهب بن منبه عن مسعود بن الحكم الثقفي قال اتى عمر فى امراة تركت زوجها و امّها و إخوتها لامها و إخوتها لابيها و أمها فبشرك الاخوة للام الاخوة للاب و الام فقال له رجل انك لم تشرك بينهم عام كذا فقال تلك على ما قضيبنا و هذه على ما قضينا و أخرجه عبد الرزاق و أخرجه البيهقي من طريق ابن المبارك عن معمر لكن قال عن الحكم عن ابن مسعود و صوبه النسائي و اخرج البيهقي ايضا ان عمر أشرك «١» بين الاخوة و ان عليا لم يشرك- (مسئلة) و يسقط أولاد الام بالولد و ولد الابن و الأب و الجد بالإجماع و انما الخلاف فى سقوط الاخوة من الأب او منهما مع الجد كما سبق و كان القياس سقوطهم مع الام لانه من يدلى الى الميت بشخص فانه يسقط مع ذلك الشخص لكن تركنا القياس بالإجماع و لان الام لا ترث جميع المال مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها قرا ابن كثير و ابن عامر و عاصم بفتح الصاد على البناء للمفعول و الباقون بكسر الصاد على البناء للفاعل أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ حال من فاعل يوصى على قراءة من قرا على البناء للفاعل و امّا على قراءة من قرا على البناء للمفعول فهو حال من فاعل فعل مضمر يدل عليه الكلام فان الفعل المبنى للمفعول يدل على فعل مبنى للفاعل كما فى قول الشاعر ليبك يزيد ضارع لخصومة اى غير مضار لورثته بالزيادة على الثلث فى الوصية او الإقرار بدين كاذبا او الوصية بقصد الإضرار بالورثة دون القربة عن ابى هريرة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال ان الرجل ليعمل و المرأة بطاعة اللّه ستين سنة ثم يحضرهما الموت فيضار ان فى الوصية فتجب لهما النار ثم قرا ابو هريرة من بعد وصيّة يّوصى بها او دين غير مضارّ الى قوله وَ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ رواه احمد و الترمذي و ابو داود و ابن ماجة و عن انس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من قطع ميراث وارثه قطع اللّه ميراثه من الجنة يوم القيامة رواه ابن ماجة و رواه البيهقي فى شعب الايمان عن ابى هريرة و عن على لان اوصى بالخمس احبّ الىّ من ان اوصى بالربع و لان اوصى بالربع احبّ الىّ من ان اوصى بالثلث رواه البيهقي و روى ايضا عن ابن عباس انه قال الذي يوصى بالخمس أفضل من الذي يوصى بالربع الحديث ( (فائدة)) قيد اللّه تعالى الوصية و الدين (١) فى الأصل شرك. هاهنا بقوله غير مضار لا فيما سبق مع انه معتبر فى الجميع لان قرابة الولاد و حسن معاشرة الزواج مانع من الضرار غالبا و فى بنى الاخياف مظنة الضرار قوىّ فلذا قيده بذلك- ( (فصل)) الوصية منها الواجب و المندوب و المباح و الحرام و المكروه فمن كان عليه من دين او زكوة او نذر او حج او فائتة صلوة او صوم يجب عليه ان يوصى بأداء ما وجب عليه و بفدية الصلاة و الصوم من ماله فينفذ الديون من جميع ماله و يقدم من الديون ما هو معروفة الأسباب على غير ذلك عند ابى حنيفة و قال الشافعي هما سواء و ما عدا الدين ينفذ من ثلث ماله و لا يجوز ان يهمل مثل هذه الوصية، عن ابن عمر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما حق امرئ مسلم له شى ء يوصى فيه يبيت ليلتين الّا و وصيته مكتوبة عنده متفق عليه و فى رواية لمسلم ثلاث ليال و من ليس عليه واجب يستحبّ ان يوصى بالتصدّق بما دون الثلث بالعشر او الخمس او الربع و يباح الى الثلث ان كان الورثة اغنياء لما مرّ من الأحاديث و ان كان الورثة فقراء فحينئذ يكره الوصية تنزيها و ترك الوصية اولى لما فيه من الصدقة على القريب، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الصدقة على المسكين صدقة و هى على ذى الرحم صدقة وصلة رواه احمد و الترمذي و ابن ماجة و الدارمي و يحرم من الوصية ما فيه مضار للورثة او قصد الإضرار بهم وَصِيَّةً مِنَ اللّه مصدر مؤكد اى يوصيكم وصية او منصوب بغير مضار على المفعول به يعنى حال كونه غير مضار وصية من اللّه و هو الثلث فما دونه بالزيادة او وصية بالأولاد و الأزواج و الأقارب بالإسراف فى الوصية و الإقرار الكاذب وَ اللّه عَلِيمٌ بالمضار و غيره حَلِيمٌ (١٢) لا يعاجل بالعقوبة. ١٣ تِلْكَ الاحكام فى امر اليتامى و الوصايا و المواريث حُدُودُ اللّه اى شرائعه التي لا يجوز التجاوز عنها وَ مَنْ يُطِعِ اللّه وَ رَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٣) ١٤ وَ مَنْ يَعْصِ اللّه وَ رَسُولَهُ وَ يَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَ لَهُ عَذابٌ مُهِينٌ (١٤) قرا نافع و ابن عامر ندخله فى الموضعين بالنون على التكلم و الباقون بالياء على الغيبة و أفرد الضمير فى يدخله فى الموضعين نظرا الى الفظة من و خالدين و خالدا منصوبان على الحال و جمعه مرة و افراده اخرى نظرا الى لفظة من و معناه و لا يجوز ان يكون خالدا صفة لنار و الّا لوجب إبراز الضمير لكونه جاريا على غير من هو له و اللّه اعلم و يذكر حكم بنى الأعيان و العملات فى اخر السورة و لنذكر هاهنا ما بقي من مسائل الفرائض اشباعا للمقام- (مسئلة) اجمعوا على انه إذا ازدادت الفرائض على سهام التركة دخل النقص على كل واحد منهم على قدر حصّته و تسمى المسألة عائلة اى مائلة عن مساوات التركة الأسهم بالتعارض و عدم الترجيح و بالقياس على الديون إذا زادت على التركة و قد انعقد عليه الإجماع فى زمن عمر رضى اللّه عنه حين ماتت امراة عن زوج و أختين فجمع الصحابة فاستشارهم فقال ارايت لو مات رجل و ترك ستة دراهم و عليه لرجل ثلاثة و لرجل اربعة أ ليس جعل المال سبعة اجزاء فاخذت الصحابة بقوله رضى اللّه عنهم ثم خالف ابن عباس بعد موت عمر فانكره فقيل له الا قلت ذلك فى حضرة عمر فقال هيبة و كان مهيبا فقيل له رأيك مع الجماعة احبّ إلينا من رأيك منفردا روى البيهقي عن ابن عباس فقال ترون الذي احصى رمل عالج عددا يجعل فى مال نصفا و نصفا و ثلثا إذا ذهب نصف و نصف بالمال فاين موضع الثلث فقيل له من اوّل من عال الفرائض قال عمر و ذكر القصّة قال ابن عباس و ايم اللّه لو قدم من قدم اللّه و اخر من اخر ما عالت فريضة و كذا اخرج الحاكم و فى رواية و ايها قدم اللّه قال كل فريضة لم يهبطها اللّه عن فريضة الا الى فريضة فهذا ما قدم اللّه و كل فريضة إذا زالت عن فرضها لم يكن لها الا ما بقي فتلك التي اخر اللّه فالذى قدم كالزوجين و الام و الذي اخر كالاخوات و البنات فاذا اجتمع من قدم اللّه و من اخر بدئ بمن قدم فاعطى حقه كاملا فان بقي شى ء كان لهن و ان لم يبق شى ء فلا شى ء لهن و تبع ابن عباس فى هذا القول محمّد بن الحنفية- (مسئلة) اجمعوا على ان ما ابقته اصحاب الفرائض فهو لاولى رجل ذكر لما مر من الحديث و يسمى ذلك الرجل عصبة و يرث ذلك الرجل جميع المال عند عدم ذى فرض و أقربهم الى الميت الابن ثم ابنه و ان سفل ثم الأب ثم أبوه و ان علا ثم الأخ لاب و أم ثم الأخ لاب ثم ابن الأخ لاب و أم ثم ابن الأخ لاب و هكذا حكم من سفل منهما ثم العم لاب و أم ثم لاب ثم ابنهما هكذا و ان سفل كل منهما ثم عمّ الأب هكذا لاب و أم ثم لاب ثم ابناهما و ان سفل هكذا و هكذا أعمام الأجداد الى ما لا نهاية لها عن على قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اعيان بنى الأب و الام يتوارثون دون بنى العلات يرث الرجل اخوه لابيه و امه دون أخيه لابيه رواه الترمذي و ابن ماجة و الحاكم و لا خلاف فى هذا الا ما مرّ الخلاف فى مقاسمة الاخوة للجد (مسئلة) اجمعوا على ان من حظه النصف و الثلثان من النساء تصير عصبة مع أخيها لقوله تعالى لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فى الأولاد و الاخوة و من ليس باهل فرض من النساء و اخوه عصبة لا تصير عصبة كالعمة و بنت الأخ- (مسئلة) و اخر العصبات مولى العتاقة بالإجماع روى البيهقي و عبد الرزاق انّ رجلا اتى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم برجل فقال انى اشتريته و أعتقته فما امر ميراثه فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم ان ترك عصبة فالعصبة أحق و الا فالولاء لك و فى الصحيحين انما الولاء لمن أعتق ثم عصبات مولى العتاقة و لا ولاء للنساء الا ما اعتقن او أعتق من اعتقن روى النسائي و ابن ماجة من حديث ابنة حمزة ان ابنة حمزة اعتقت فمات مولاها و ترك ابنته و مولاته يعنى ابنة حمزة فاعطى النبي صلى اللّه عليه و سلم ابنته النصف و لابنة حمزة النصف و روى الدارقطني و الطحاوي هذا الحديث مرسلا و قال البيهقي اتفق الرواة على ان ابنة حمزة هى المعتقة دون أبيها و فى الباب عن ابن عباس رواه الدارقطني- (مسئلة) و ان بقي شى ء من اصحاب الفرائض و ليست للميت عصبة يردّ ذلك على اصحاب الفرائض بقدر حصصهم غير الزوجين عند ابى حنيفة و احمد و قال مالك و الشافعي لا يرد و الباقي لبيت المال و افتى المتأخرون من اصحاب الشافعي بالرد على اصحاب الفرائض لعدم انتظام أم بيت المال نقل القاضي عبد الوهاب المالكي عن ابى الحسن ان الصحيح عن عثمان و على و ابن عباس و ابن مسعود انهم كانوا لا يورثون ذوى الأرحام و لا يردون على أحد من اصحاب الفرائض و روى الطحاوي بسنده عن ابراهيم قال عمر و عبد اللّه يورثان الأرحام قال الراوي قلت أ فكان على يفعل ذلك قال كان أشدهم فى ذلك و روى بسنده من طريقين عن سويد بن غفلة ان رجلا مات و ترك ابنة و امراة و مولاة قال سويد انى لجالس عند على إذ جاءه مثل هذه الفريضة فاعطى ابنته النصف و امرأته الثمن ثم رد ما بقي على ابنته و لم يعط المولى شيئا و روى عن ابى جعفر من طريقين كان على رضى اللّه عنه يرد بقية المواريث على ذوى السهام من ذوى الأرحام و روى الطحاوي بسنده عن مسروق قال اتى عبد اللّه فى اخوة لام دام فاعطى الاخوة الثلث و اعطى الام سائر المال و قال الام عصبة من لا عصبة له و كان لا يرد على اخوة لام مع الام و لا على ابنة ابن مع ابنة الصلب و لا على أخوات لاب مع اخت لاب و أم و لا على امراة و لا على جدة و لا على زوج قال الطحاوي النظر عندنا ما ذهب اليه على رضى اللّه عنه دون ما ذهب اليه ابن مسعود رض ان يكون ذوو الفروض فيما يرد عليهم من فصول المواريث كذلك و ان لا يقدم من قرب رحمه على من كان ابعد رحما من الميت بل يقسم بقدر حصصهم لانا قد راينا فى فرائضهم التي فرض لهم قد ورثوا جميعا بارحام مختلفة و لم يكن بعضهم بقرب رحمه اولى بالميراث ممن بعد رحمه و هذا هو قول ابى حنيفة و ابى يوسف و محمد (مسئلة) اجمعوا على انه عند اجتماع جهتى فرض و تعصيب يعتبر الجهتان «١» جميعا فاذا ماتت عن أبناء عم ثلاثة أحدهم أخ لام لها و الاخر زوج لها يعطى السدس لاحدهم بالاخوة و النصف للثانى بالزوجية و الباقي بين الثلاثة بالعصبية و يصح المسألة من ثمانية عشر خمسة منها للاول واحد عشر للثانى و اثنان للثالث و اختلفوا فيما إذا اجتمع جهتا فرض فقال مالك و الشافعي يرث باقواهما فقط و عند ابى حنيفة و احمد يرث بهما جميعا و ذا لا يتصوّر الا فى مجوسى نكح المحارم ثم اسلم او مسلم وطى بشبهة و ذلك كام هى اخت لاب بان نكح المجوسي بنته فولدت بنتا ثم نكح البنت الثانية فولدت ولدا فللولد الثالث الثانية امه و أخته لاب و الاولى جدته و أخته لاب- (مسئلة) اختلفوا فى ميراث ذوى الأرحام سوى اصحاب الفروض و العصبات بعد إجماعهم على عدم توريثهم مع أحد من اصحاب الفروض سوى الزوجين واحد من العصبات الّا ما روى عن سعيد بن المسيّب ان الخال يرث مع البنت فذهب ابو حنيفة و احمد الى توريثهم و حكى عن على و ابن مسعود و ابن عباس و ذهب مالك و الشافعي الى عدم توريثهم و يكون المال لبيت المال قالوا حكى ذلك عن ابى بكر و عمر و عثمان و زيد و الزهري و الأوزاعي و افتى المتأخرون من الشافعية بتوريثهم لعدم انتظام امر بيت المال و الحجة لنا فى توريث ذوى الأرحام قوله تعالى وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّه و قد ذكر البغوي عن ابى بكر انه قال فى خطبته انها نزلت فى اولى الأرحام (١) فى الأصل الجهتين-. بعضها اولى ببعض، قالوا لا دليل لكم فى هذه الاية لان الناس كانوا يتوارثون بالتبني كما تبنى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم زيد بن حارثة و كانوا يتعاقدون فى الجاهلية على ان الرجل يرث الرجل فانزل اللّه تعالى وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّه دفعا لذلك و ردّا للمواريث الى ذوى الأرحام و قال ادعوهم لابائهم هو اقسط عند اللّه و المراد باولى الأرحام فى الاية هم العصبات و اصحاب الفروض قلنا على تقدير تسليم نزول الاية لذلك العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب و اللفظ عام شامل لاصحاب الفروض و العصبات و غيرهم و لنا من الأحاديث حديث امامة بن سهل ان رجلا رمى بسهم فقتله و ليس له وارث إلا خال فكتب فى ذلك ابو عبيدة الى عمر فكتب عمر ان النبي صلى اللّه عليه و سلم قال الخال وارث من لا وارث له رواه احمد و البزار و روى الطحاوي بلفظ اللّه و رسوله مولى من لا مولى له و الخال وارث من لا وارث له و حديث المقدام بن معد يكرب عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انه قال الخال وارث من لا وارث له يرثه و يعقل عنه رواه احمد و ابو داود و النسائي و ابن ماجة و الحاكم و صححه و ابن حبان و حكى ابن ابى حاتم عن ابى زرعة انه حديث حسن و أعله البيهقي بالاضطراب و رواه الطحاوي بلفظ من ترك ما لا فلورثته و انا وارث من لا وارث له اعقل عنه وارثه و الخال وارث من لا وارث له يعقل عنه و يرثه و فى رواية مثله الا انه قال أرثه و افك عنانه و الخال وارث من لا وارث له يرث ما له يفك عنانه قلت معنى قوله عليه السلام انا وارث من لا وارث له ان من لا وارث له فما له لبيت المال و النبي صلى اللّه عليه و سلم كان متوليا لبيت المال و حديث عائشة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال الخال وارث من لا وارث له رواه الترمذي و النسائي و الطحاوي و أعله النسائي بالاضطراب و رجح الدارقطني و البيهقي وقفه و حديث واسع بن حبان قال توفى ثابت بن الدحداح و كان أتيا و هو الذي ليس له اصل يعرف فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لعاصم بن عدى هل تعرفون له فيكم نسبا قال لا يا رسول اللّه فدعى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أبا لبابة بن المنذر ابن أخته فاعطاه ميراثه، رواه الطحاوي و روى الطحاوي اثار عمر بن الخطّاب انه جعل فى العمة و الخالة الثلثين للعمة و و الثلث للخالة الثلثان لقرابة الأب و الثلث لقرابة الام، احتجوا بحديث ابى هريرة قال سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن ميراث العمة و الخالة قال لا أدرى حتى يأتينا جبريل ثم قال اين السّائل عن ميراث العمة و الخالة قال فاتى الرجل فقال سارنى جبرئيل لا شى ء لهما، رواه الدارقطني و الحديث ضعيف قال الدارقطني لم يسنده غير مسعدة عن محمّد بن عمرو و هو ضعيف و ضاع للحديث و الصواب مرسل و قال احمد بن حنبل حرقنا حديثه و رواه الحاكم من حديث عبد اللّه بن دينار عن ابن عمر و صححه و فى اسناده عبد اللّه بن جعفر المدني و هو ضعيف و روى الحاكم له شاهدا من حديث شريك بن عبد اللّه ان الحارث بن ابى عبيد أخبره ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم سئل عن ميراث العمة و الخالة فذكره و فيه سليمان بن داؤد متروك و أخرجه الدارقطني من وجه اخر غير شريك مرسلا و حديث زيد بن اسلم عن عطاء بن يسار ان رجلا من الأنصار جاء الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال يا رسول اللّه رجل هلك و ترك عمته و خالته فسال النبي صلى اللّه عليه و سلم و هو واقف على حماره فوقف ثم رفع يديه و قال اللّهم رجل هلك و ترك عمته و خالته فيسئله الرجل و يفعل النبي صلى اللّه عليه و سلم ذلك ثلاث مرات ثم قال لا شى ء لهما رواه الطحاوي بطرق و الدارقطني و النسائي و الحديث مرسل و رواه ابو داود فى المراسيل و وصله الحاكم فى المستدرك بذكر ابى سعيد و فى اسناده ضعف و وصله الطبراني فى الصغير ايضا من حديث ابى سعيد فى ترجمة محمد بن الحرث المخزومي و ليس فى الاسناد من ينظر فى حاله غيره و وجه التطبيق بين الأحاديث ان النبي صلى اللّه عليه و سلم سئل اوّلا عن ميراث العمة و الخالة و ذلك قبل نزول قوله تعالى وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ و حينئذ لم ينزل عليه شى ء فى ذلك فقال لا شى ء لهما ثم نزل توريث ذوى الأرحام فحينئذ قال الخال وارث من لا وارث له و اللّه اعلم- (مسئلة) اصناف ذوى الأرحام اربعة (١) فروع الميت (٢) و أصوله (٣) و فروع أصله القريب (٤) و فروع أصله البعيد فيحجب الاوّل الثاني و الثاني الثالث و الثالث الرابع و يحجب الأقرب من كل صنف الأبعد و عند الاستواء من يدنى بوارث يحجب من يدنى بذي رحم و يعتبر فى فروع الاخوة و الأخوات و الأعمام و العمات و الأخوال و الخالات قوة القرابة ان كان حيّز قرابتهم واحدة فبنت العم لابوين اولى من بنت العم لاب و عند اختلاف حيز قرابتهم لا اعتبار لقوة القرابة كعمة لاب و خالة لاب و أم لا يحجب أحدهما صاحبته يعطى الثلثان لقرابة الأب و الثلث لقرابة الام روى الطحاوي عن عمر كما ذكرنا و من له جهتا قرابة يتضاعف حظه و يقسم المال فى ذوى الأرحام باعتبار أبدانهم عند ابى حنيفة و ابى يوسف و الحسن و عند محمد يعتبر عدد أبدانهم و صفة من يدنى بهم الى الميّت و تفصيل الكلام يقتضى بسطا لا يسعه المقام- (مسئلة) اجمعوا على ان القتل عمدا مانع من الإرث و كذا القتل خطأ عند الثلاثة و قال مالك يرث من المال القاتل خطأ دون الدية لنا عموم قوله صلى اللّه عليه و سلم القاتل لا يرث رواه الترمذي و ابن ماجة من حديث ابى هريرة و فيه إسحاق بن عبد اللّه الهروي متروك الحديث و روى النسائي و الدارقطني من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده نحوه و البيهقي و الدارقطني من حديث ابن عباس نحوه احتج مالك بحديث عبد اللّه بن عمر ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يوم فتح مكة قال لا يتوارث اهل ملتين و المرأة ترث من دية زوجها و ماله و هو يرث من ديتها و مالها ما لم يقتل أحدهما صاحبه عمدا فان قتل أحدهما صاحبه عمدا لم يرث من ديته رواه الدارقطني و فيه الحسن بن صالح مجروح و بحديث هشام بن عروة عن أبيه ان النبي صلى اللّه عليه و سلم قال الرجل يقتل وليه خطأ انه يرث من ماله و لا يرث من ديته و فيه مسلم بن على قال يحيى ليس بشى ء و قال الدارقطني متروك و رواه الدارقطني من حديث سعيد بن المسيب مرسلا لا يرث قاتل عمد و لا خطأ من الدية رواه ابو داود قلنا هذه الأحاديث لا تدل على ميراث القاتل خطأ الا بالمفهوم و المفهوم ليس بحجة عندنا ثم هو يخالف الأصول و هو الميراث فى بعض التركة (مسئلة) اجمعوا على ان المسلم لا يرث الكافر و لا الكافر المسلم لقوله عليه السلام لا يرث المسلم الكافر و لا الكافر المسلم رواه الشيخان و اصحاب السنن الاربعة من حديث اسامة بن زيد و حكى عن معاذ و ابن المسيب و النخعي انه يرث المسلم الكافر و لا عكس كما يتزوج المسلم الكتابية من غير عكس و استثنى احمد من هذا الحكم أمرين أحدهما ان المسلم يرث عنده من معتقه الكافر بالولاء محتجا بحديث جابر مرفوعا لا يرث المسلم النصراني الا ان يكون عبده او أمته رواه الدارقطني و قال الدارقطني روى موقوفا و هو المحفوظ قلنا المراد بالعبد و الامة الماذونان فى التجارة فان مالهما مال المولى اطلق عليه الميراث مجازا و امّا المعتق فليس بعبد، و ثانيهما انه إذا كان للميّت المسلم أقارب كفّارا فاسلموا قبل قسمة التركة فعنده يستحقون الميراث و فى رواية عنه لا يستحقون كمذهب الجمهور احتج احمد بحديث ابن عباس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كل قسم قسّم فى الجاهلية فهو على ما قسّم و كل قسم أدركه الإسلام فانه على قسم الإسلام رواه ابو داود و حديث ابن عمر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما كان من ميراث قسّم فى الجاهلية فهو على قسمة الجاهلية و ما كان من ميراث أدركه الإسلام فهو على قسمة الإسلام رواه ابن ماجة و ليس فى الحديثين حجة فان المعنى يقسم فى الإسلام على فرائض اللّه لا على نسق الجاهلية و كذا لا حجة لهم فيما يحتجون به من حديث عروة بن الزبير قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من اسلم على شى ء فهو له رواه ابن الجوزي- (مسئلة) يرث النصراني اليهودي و بالعكس كذا كل اهل ملتين من الكفر عند ابى حنيفة و الشافعي لان الكفر ملة واحدة و الأصل هو الميراث و قال مالك و احمد لا يرث لقوله صلى اللّه عليه و سلم لا يتوارث اهل ملتين شتى رواه احمد و النسائي و ابو داود و ابن ماجة و الدارقطني من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده و فيه يعقوب بن عطاء ضعيف و رواه ابن حبان من حديث ابن عمر فى حديث و رواه الترمذي و استغربه من حديث جابر و فيه ابن ابى ليلى ضعيف و أخرجه البزار من حديث ابى هريرة بلفظ لا يرث ملّة من ملّة و فيه عمرو بن راشد و هو لين الحديث و رواه النسائي و الحاكم و الدارقطني بهذا اللفظ من حديث اسامة بن زيد قال الدارقطني هذا اللفظ فى حديث اسامة غير محفوظ و وهم عبد الحق فعزاه الى مسلم و رواه البيهقي من حديث اسامة بلفظ لا يرث المسلم الكافر و لا الكافر المسلم و لا يتوارث اهل ملتين و فى اسناده الخليل ابن مرة ضعيف ثم المراد بالملتين هو الإسلام و الكفر و اللّه اعلم (مسئلة) اجمعوا على ان الأنبياء لا يورثون و ان ما تركوه صدقة يصرف فى مصالح المسلمين و لم يخالف فى هذه المسألة الا الشيعة و هم يطعنون على خير البرية بعد الأنبياء ابى بكر الصديق رضى اللّه عنه انه منع فاطمة عن ميراث أبيها و احتج بحديث تفرد بروايته قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة و ترك بهذا الحديث و هو من الآحاد قوله تعالى يُوصِيكُمُ اللّه الاية مع ان هذا الحديث يعارض قوله تعالى وَ وَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ و قوله تعالى حكاية عن زكريا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ قاتلهم اللّه انى يوفكون الم يعلموا ان الحديث و ان كان بالنسبة إلينا من الآحاد لكنه فى حق الصديق الذي سمع بأذنه من فىّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كان فوق المتواتر لان المحسوسات فوق المتواترات على ان ما قالوا ان الحديث تفرد بروايته ابو بكر باطل بل رواه جماعة من الصحابة منهم خذيفة بن اليمان و ابو الدرداء و عائشة و ابو هريرة و روى البخاري ان عمر رضى اللّه عنه قال بمحضر من الصحابة منهم على و عباس و عبد الرحمن بن عوف و زبير بن العوام و سعد بن ابى وقاص أنشدكم باللّه الذي باذنه تقوم السّماء و الأرض أ تعلمون ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال لا نورث ما تركناه صدقة يريد بذلك نفسه قالوا اللّهم نعم ثم اقبل على على و عباس فقال أنشدكما باللّه هل تعلمان ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال ذلك قالا اللّهم نعم الحديث و قد صح روايات هؤلاء الصحابة فى كتب الحديث فى مسانيدهم فالحديث المذكور بالنسبة إلينا ايضا يبلغ درجة الشهرة و تلقته الامة بالقبول و اجمعوا عليه و قد ورد ما يؤيد ذلك فى كتب الشيعة ايضا روى محمد بن يعقوب الرازي فى الكافي عن ابى البختري عن ابى عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام انه قال العلماء ورثة الأنبياء و ذلك ان الأنبياء لم يورثوا درهما و لا دينارا و انما أورثوا أحاديث من أحاديثهم فمن أخذ بشى ء منها فقد أخذ بحظ وافر و كلمة انما عندهم للحصر و قوله تعالى وَ وَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ المراد به ميراث العلم كما يدل عليه الاية حيث قال و ورث سليمان داود و قال يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ فان قوله علمنا بيان لذلك الميراث و كذا قوله تعالى يَرِثُنِي وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ المراد به ميراث العلم إذ لا يمكن ان يرث يحيى بن زكريا من جميع ال يعقوب ميراث المال و انما هو ميراث العلم و اللّه اعلم. ١٥ وَ اللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ يعنى الزنى و هى يشتمل السحاقات ايضا لعموم اللفظ و يشتمل ايضا ان يؤتى المرأة الاجنبية فى دبرها مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا يعنى اطلبوا ايها الحكام من قاذفيهن شهداء عَلَيْهِنَّ بانا رايناهن كالميل فى المكحلة أَرْبَعَةً مِنْكُمْ يعنى رجالا اربعة من المؤمنين العدول فلا يجوز فى الحدود شهادة النساء اجماعا فَإِنْ شَهِدُوا يعنى الاربعة فَأَمْسِكُوهُنَّ فاخبسوهن فِي الْبُيُوتِ و اجعلوها عَلَيْهِنَّ سجنا حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ اى يستوفى أزواجهن الْمَوْتُ يعنى ملائكة الموت أَوْ يَجْعَلَ اللّه قيل او بمعنى الى ان لَهُنَّ سَبِيلًا (١٥) يعنى حكما جاريا مشروعا، روى مسلم عن عبادة بن الصامت ان النبي صلى اللّه عليه و سلم قال خذوا عنى خذوا عنى قد جعل اللّه لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة و تغريب عام و الثيّب بالثيّب جلد مائة و الرجم (فائدة) اختلفوا فى ان الإمساك فى البيت هل كان حدا فنسخ أم كان حبسا ليظهر الحد و الصحيح عندى انه لم ينسخ بل اللّه سبحانه امر بالحبس الى ان ينزل الحد فيجرى عليه و بعد نزول الحد هذا الحكم باق حتى يقام عليه الحدّ قال فى الهداية قال فى الأصل يحبسه يعنى الحاكم حتى يسئل يعنى عن عدالة الشهود و سنذكر مسائل حد الزنى فى سورة النور ان شاء اللّه تعالى. ١٦ وَ الَّذانِ قرا ابن كثير هنا و فى طه انّ هذانّ و فى الحج هذانّ و فى القصص هاتينّ و فى فصلت أرنا الّذينّ بتشديد النون و تمكين مدّ الالف «١» قبلها فى الخمسة و الباقون بالتخفيف من غير تمكين يَأْتِيانِها يعنى الفاحشة و هى الزنى او اللواطة مِنْكُمْ فَآذُوهُما و المراد باللذان عند الأكثر الزاني و الزانية و بقوله تعالى فاذوهما «٢» قال عطاء و قتادة فعيروهما باللسان اما خفت اللّه اما استحييت اللّه و قال ابن عباس هو باللسان و اليد يؤذى بالتغيير و ضرب النعال و على تقدير كون المراد بهذه الاية الزاني و الزانية يشكل انه ذكر فى الاية الاولى الحبس و ذكر فى هذه الاية الإيذاء فكيف الجمع فقيل الاية الاولى فى الثيّب و هذه فى البكر و قيل هذه الاية سابقة على الاولى نزولا كان عقوبة الزناة الأذى ثم الحبس ثم الجلد و الظاهر عندى انّ المراد باللذان يأتيان الفاحشة الرجال الذين عملوا عمل قوم لوط و هو قول مجاهد و حينئذ لا إشكال و الإيذاء غير مقدر فى الشرع فهو مفوض الى رأى الامام كذا قال ابو حنيفة رحمه اللّه يعزرهما الامام على حسب ما يرى و من تعزيره إذا تكرر فيه الفعل و التعزير و لم ينزجر ان يقتل عند ابى حنيفة محصنا كان او غير محصن سياسة قال ابن همام لا حدّ عليه عند ابى حنيفة لكنه يعزر و يسجن حتى يموت و لو اعتاد اللواطة قتله الامام و قال مالك و الشافعي و احمد و ابو يوسف و محمد اللواطة يوجب الحد فقال مالك و احمد فى اظهر الروايتين و هو أحد اقوال الشافعي حدّه الرجم بكل حال ثيبا كان او بكرا و فى قول للشافعى حدّه القتل بالسيف و أرجح اقوال الشافعي و هو قول ابى يوسف و محمد و رواية عن احمد ان حدّه حدّ الزنى يجلد البكر و يرجم المحصن لانه فى معنى الزنى لانه قضاء شهوة فى محل مشتهى على سبيل الكمال على وجه تمحض حراما لقصد سفح الماء بل هو أشدّ من الزنى لانه حرمته منتهية (١) قال رحمه اللّه ذلك تغليبا لان تمكين الالف لا يوجد الا فى الثلاثة الاول و ذلك واجب و فى الأخريين تمكين الياء و هو جائز لان حركة ما قبلها مخالف ابو محمد عفا اللّه عنه. (٢) فى الأصل آذوهما. بالنكاح فيثبت فيه حكم الزنى بدلالة النص و بما روى البيهقي من حديث ابى موسى مرفوعا إذا اتى الرجل الرجل فهما زانيان و فيه محمد بن عبد الرحمن القشيري كذّبه ابو حاتم و رواه ابو الفتح الأزدي فى الضعفاء و الطبراني فى الكبير من وجه اخر عن ابى موسى و فيه البشر بن الفضل البجلي مجهول و قد أخرجه ابو داود الطيالسي فى مسنده عنه و لابى حنيفة انه ليس بزنى لغة و لذلك اختلفت الصحابة فى موجبه و هو اندر من الزنى لعدم الداعي اليه من الجانبين فليس فى معناه و وجه قول من قال يقتل حدّا حديث ابن عباس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل و المفعول به رواه احمد و ابو داود و الترمذي و ابن ماجة و الحاكم و البيهقي عن عكرمة عنه قال الترمذي انما يعرف من حديث ابن عباس من هذا الوجه و قال الحاكم صحيح الاسناد و قال البخاري عمرو بن ابى عمر الراوي عن عكرمة صدوق لكنه روى عن عكرمة مناكير و استنكره النسائي و قال ليس بالقوى و قال ابن معين ثقة ينكر عليه حديث عكرمة عن ابن عباس هذه و قد اخرج له الجماعة و اخرج الحاكم بطرق اخر و سكت عنه و تعقبة الذهبي بان عبد الرحمن العمرى ساقط و رواه ابن ماجة و الحاكم من حديث ابى هريرة و اسناده أضعف من الاول بكثير كذا قال الحافظ و قال حديث ابى هريرة لا يصح و أخرجه البزار من طريق عاصم بن عمر العمرى و عاصم متروك و قد رواه ابن ماجة ايضا من طريقه بلفظ فارجموا الأعلى و الأسفل و قال ابن الصلاح فى أحكامه لم يثبت ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم رجم فى اللواطة و لا انه حكم به فيه و ثبت عنه انه قال اقتلوا الفاعل و المفعول قال ابو حنيفة و لمّا كان هذا لحديث بهذه المثابة من التردد لا يجوز به الاقدام على القتل مستمرا على انه حدّ كيف و لا يجوز عندنا الزيادة على الكتاب بحديث الآحاد و ان كان صحيحا و قد ثبت بالكتاب الإيذاء و هو التعزير فان قيل كون الاية فى اللواطة لم يثبت قطعا بل قال اكثر المفسرين ان المراد به الزاني و الزانية قلنا الاية تشملها لعموم لفظها و ان كانت واردة فى الزناة لان الفاحشة كما يطلق على الزنى يطلق على اللواطة ايضا قال اللّه تعالى فى قوم لوط ا تأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العلمين و فى الباب عن الصحابة روايات مختلفة روى البيهقي فى شعب الايمان من طريق ابن ابى الدنيا عن محمد بن المنكدر ان خالد بن الوليد كتب الى ابى بكر انه وجد رجلا فى بعض نواحى العرب ينكح كما تنكح المرأة فجمع ابو بكر الصحابة فسالهم فكان أشدهم فى ذلك قولا على قال هذا ذنب لم يعص به الّا امة واحدة صنع اللّه به ما علمتم نرى ان نحرقه بالنار فاجتمع رأى الصحابة على ذلك و روى ابن ابى شيبة فى مصنفه و البيهقي عن ابن عباس قال ينظرا على بناء فى القرية فيرمى منه منكوسا ثم يتبع بالحجارة و كان مأخذ هذا القول ان قوم لوط اهلكوا بذلك حيث حملت قراهم و نكست بهم و لا شك فى اتباع الهديم بهم و هم نازلون و ذكر عن ابن الزبير يحبسان فى أنتن المواضع حتى يموتا و روى البيهقي عن على من طرق انه رجم لوطيا و يجمع هذه الأقوال و حديث ابن عباس المرفوع و ما فى معناه ان الرجل إذا اعتاد باللواطة و تكرر منه الفعل و لم ينزجر بالتعزير يقتل باىّ وجه كان و يدل على التكرار و الاعتياد لفظ المرفوع من وجدتم يعمل عمل قوم لوط و لم يقل من عمل عمل قوم لوط و به قال ابو حنيفة و اللّه اعلم، فَإِنْ تابا عن الفاحشة وَ أَصْلَحا العمل فيما بعد فَأَعْرِضُوا عَنْهُما فاقطعوا عنهما الإيذاء إِنَّ اللّه كانَ تَوَّاباً التوبة فى الأصل بمعنى الرجوع فهى من العبد الرجوع عن المعصية و من اللّه تعالى الرجوع عن ارادة العذاب او هو من اللّه تعالى بمعنى قبول التوبة او توفيق التوبة رَحِيماً (١٦) يرحم التائبين. ١٧ إِنَّمَا التَّوْبَةُ اى الرجوع عن ارادة العذاب بالمغفرة او قبول التوبة عَلَى اللّه اى كالمتحتم عليه بمقتضى وعده لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ متلبسين «١» بِجَهالَةٍ قال البغوي قال قتادة اجمع اصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم على ان كل معصية جهالة عمدا كان ا و لم يكن و كل من عصى اللّه فهو جاهل و كذا اخرج ابن جرير عن ابى العالية و قال الكلبي لم يجهل انه ذنب لكنه جهل عقوبته و قيل معنى الجهالة اختيارهم اللذة الفانية على اللذة الباقية قلت معنى الجهالة ذهوله عن عذاب اللّه عند ثوران النفس و غلبة الشهوة البهيمية او السبعية ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ من للتبعيض اى يتوبون فى اىّ جزء من الزمان القريب قيل معنى القريب قبل ان يحيط السوء بحسناته فحبطها و قيل قبل ان يشرب فى قلوبهم حبّه، فيطبع عليها و يرين السوء على قلبه و قال السدى و الكلبي القريب ان يتوب فى صحته قبل مرض موته و الصحيح ان المراد به فى حياته قبل حضور الموت (١) فى الأصل ملتبسبن-. و معائنة ملائكة العذاب كذا قال عكرمة و الضحاك و يدل عليه قوله تعالى حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قوله عليه الصلاة و السّلام ان اللّه يقبل توبة العبد ما لم يغرغر رواه احمد و الترمذي و ابن ماجة و ابن حبان و الحاكم و البيهقي عن ابن عمر و الحديث صحيح و عن ابى سعيد الخدري ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال ان الشيطان قال و عزتك و جلالك لا أبرح اغوى بنى آدم ما دامت الأرواح فيهم فقال له ربّه فبعزتى و جلالى لا أبرح اغفر لهم ما استغفرونى رواه احمد و ابو يعلى و عن ابى موسى قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان اللّه يبسط يده بالليل ليتوب مسئ النهار و يبسط يده بالنهار ليتوب مسئ الليل حتى تطلع الشمس من مغربها رواه مسلم و عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من تاب قبل ان تطلع الشمس من مغربها تاب اللّه عليه رواه مسلم سمى اللّه تعالى مدة العمر قريبا نظرا الى ما بعده قال اللّه تعالى قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللّه عَلَيْهِمْ لاستحالة الخلف فيما وعد اللّه سبحانه و جعل على نفسه كالمتحتم فهذه الجملة كالنتيجة لما سبق وَ كانَ اللّه عَلِيماً يعلم المخلص فى التوبة حَكِيماً (١٧) لا يعاقب بعد التوبة. ١٨ وَ لَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ وقع فى النزع و راى ملائكة العذاب قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ يعنى حين يساق روحه فحينئذ لا يقبل من كافر ايمان و لا من عاص توبة وَ لَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ فى موضع الجر بالعطف على الذين يعملون السيئات يعنى ليست التوبة للذين يموتون وَ هُمْ كُفَّارٌ حال من فاعل يموتون يعنى لا يغفرهم اللّه و لا يرجع عن تعذيبهم او لا يقبل توبتهم فى الاخرة حين يقولون رَبَّنا أَبْصَرْنا وَ سَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ او لا يقبل توبتهم فى الدنيا عن بعض المعاصي إذا ماتوا على الكفر بل يعذبون على الكفر و جميع المعاصي أُولئِكَ أَعْتَدْنا اى هيئنا من العتيد بمعنى الحاضر لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٨) تأكيد لعدم قبول توبتهم- روى البخاري و ابو داؤد و النسائي عن ابن عباس قال كان إذا مات الرجل كان أولياءه أحق بامراته ان شاء بعضهم تزوجوها و ان شاءوا زوّجوها فهم أحق بها من أهلها فنزلت. ١٩ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً اى تأخذوهن كما يؤخذ الميراث و تزوجوهن كارهات او مكرهات عليه قرا حمزة و الكسائي كرها بضم الكاف هاهنا و فى التوبة و الباقون بفتحها قال الكسائي هما لغتان و قال الفراء بالضم ما اكره عليه و بالفتح ما كان من نفسه بالمشقة قال البغوي كانوا فى الجاهلية إذا مات الرجل و له امرأة جاء ابنه من غيرها او قريبه من عصبته فالقى ثوبه على تلك المرأة او على خبائها فصار أحق بها من نفسها و من غيره فان شاء تزوجها بغير صداق الا الصداق الاول الذي أصدقها الميت و ان شاء زوجها غيره و أخذ صداقها و ان شاء عضلها و منعها من الأزواج يضارها لتفتدى منه بما ورثته من الميّت كذا اخرج ابن جرير و ابن ابى حاتم عن ابن عباس قال فنهوا عن ذلك و زاد البغوي فان ماتت المرأة ورثها من القى عليها الثوب و ان ذهبت المرأة الى أهلها قبل ان يلقى عليها ولى زوجها ثوبه فهى أحق بنفسها فكانوا على هذا حتى توفى ابو قيس بن الاسلت الأنصاري و ترك امرأته كبيشة بنت معن الانصارية فقام ابن له من غيرها يقال له حصن و قال مقاتل ابن حبان اسمه قيس بن ابى قيس فطرح ثوبه عليها فورث نكاحها ثم تركها فلم يقربها و لم ينفق عليها يضارها لتفتدى منه فاتت كبيشة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقالت يا رسول اللّه انّ أبا قيس توفى و ورث نكاحى ابنه فلا هو ينفق عليّ و لا يدخل بي و لا يخلى سبيلى فقال اقعدى فى بيتك حتى يأتى فيك امر اللّه فانزل اللّه تعالى لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً وَ لا تَعْضُلُوهُنَّ عطف على ان ترثوا منصوب بان و لا لتأكيد النفي واصل المعضل التضييق و المعنى و لا تمنعوهن من التزويج لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ من المهور الخطاب للمؤمنين عامة و ضمير لتذهبوا راجع الى المخاطبين باعتبار بعض افرادهم يعنى اولياء الميّت و ضمير اتيتموهنّ باعتبار بعض اخر يعنى الأزواج الأموات و المعنى و لا تعضلوهنّ ايها الأولياء لتفتدين فتذهبوا ببعض ما اتاهن أزواجهن المترفين من المهور و قيل الخطاب بالنهى عن توارث النساء و العضل مع الأزواج كانوا يحبسون النساء من غير حاجة و رغبة حتى يرثوا منهن او يختلعن بمهورهن و الظاهر عندى ان الخطاب فى لا يحلّ لكم مع الأولياء و تم الكلام بقوله كرّها و هذا كلام مستانف خطاب مع الأزواج و لا تعضلوهن صيغة نهى مجزوم قال البغوي قال ابن عباس هذا فى الرجل يكون له المرأة و هو كاره لصحبتها و لها عليه مهر فيضاها لتفتدى و تردّ اليه ما ساق إليها من المهر فنهى اللّه عن ذلك و على هذا فقوله تعالى لا تَعْضُلُوهُنَّ معطوف على لا يَحِلُّ لَكُمْ عطف الجملة على الجملة لا عطف المفرد على المفرد، فان قيل يلزم عطف الإنشاء على الاخبار قلنا قوله تعالى لا يَحِلُّ لَكُمْ و ان كان اخبارا لفظا فهو إنشاء معنى و معناه النهى عن ميراثهن و ايضا عطف الجملة على الجملة فيما لا محل لها من الاعراب مع اختلافهما خبرا و إنشاء جائز إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ قرا ابن كثير و ابو بكر مبيّنة هنا و فى الأحزاب و الطلاق بفتح الياء و الباقون بكسرها فيهن و الاستثناء فى محل النصب على الظرفية او على انه مفعول له او على انه حال من مفعول لا تعضلوهنّ تقديره لا تعضلوهن للاقتداء فى وقت الا وقت ان يأتين بفاحشة او لا تعضلوهن لغرض الافتداء بسبب الّا لان يأتين بفاحشة او لا تعضلوهن للافتداء و لا لغير ذلك من علة الّا لان يأتين او فى حال من الأحوال الّا حال ان يأتين بفاحشة و الفاحشة قال ابن مسعود و قتادة هى النشوز و قال الحسن هو الزنى يعنى ان المرأة إذا نشزت او ذنت حل للزوج ان يسئلها الخلع و قد ذكرنا مسائل الخلع فى سورة البقرة و قال عطاء كان الرجل إذا أصابت امرأته فاحشة أخذ منها ما ساق إليها و أخرجها فنسخ ذلك بالحدود وَ عاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ بالانصاف فى الفعل و أداء الحقوق و الإحسان فى القول عطف على لا تعضلوا او على لا يحلّ لكم و قال الحسن رجع الى اوّل الكلام يعنى آتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً و عاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ لسوء المنظر او سوء الأخلاق فاصبروا عليهن و لا تفارقوهن و لا تضاروهن فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَ يَجْعَلَ اللّه فِيهِ فى ذلك الشي ء خَيْراً كَثِيراً (١٩) يعنى ثوابا جزيلا او ولدا صالحا جملة عسى مع فاعله فى الأصل علة لجزاء الشرط أقيم مقام الجزاء و فاعل عسى مجموع المعطوف و المعطوف عليه و مناط الرجاء هو المعطوف فقط و المعنى الخير مرجو عند الكراهة-. ٢٠ وَ إِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ يعنى تطليق امراة من غير نشوز من قبلها و لا فاحشة و تزوج امراة اخرى مكانها وَ آتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ الضمير راجع الى زوج لانه أراد به الجمع فانه جنس يطلق على الواحد و الجمع و لو لا ارادة الجمع لما استقام المقابلة بجماعة الرجال و انقسام الآحاد على الآحاد و فى أتيتم حذف مضاف تقديره و اتى أحدكم إحداهن يعنى التي يريد أحدكم طلاقها قِنْطاراً اى مالا كثيرا صداقا اخرج ابن جرير عن انس عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أتيتم إحداهنّ قنطارا قال الفا و مائتين و من هاهنا يظهر انه لا تقدير لاكثر الصداق و عليه انعقد الإجماع و بهذه الاية استدلت امراة على جواز المغالات فى المهر حين منع «١» عنها عمر فقال عمر كل افقه من عمر حتى المخدرات و المستحب اجماعا ان لا يغالى فيه قال عمر بن الخطاب رضى اللّه عنه الا لا تغالوا فى صدقات النساء فانها لو كانت مكرمة فى الدنيا و تقوى عند اللّه لكان أولاكم بها نبى اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما علمت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم نكح شيئا من نسائه و لا انكح شيئا من بناته على اكثر من اثنى عشر اوقية رواه احمد و اصحاب السنن الاربعة و الدارمي و روى ابن حبان فى صحيحه و الخطابي عن ابن عباس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم خير النساء أيسرهن صداقا و روى ابن حبان عن عائشة انه صلى اللّه عليه و سلم قال من يمن المرأة سهل أمرها و قلة صداقها و روى احمد و البيهقي أعظم النساء بركة أيسرهن صداقا و اسناده جيّد و عن ابى سلمة قالت سالت عائشة كم كان صداق النبي صلى اللّه عليه و سلم قال كان صداقه لازواجه اثنتي عشر اوقية و نش قالت أ تدري ما النش قلت لا قالت نصف اوقية رواه مسلم فتلك خمسمائة درهم هذا صداق رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لازواجه لكن أم حبيبة أصدقها النجاشي عن النبي صلى اللّه عليه و سلم اربعة آلاف درهم رواه ابو داؤد و النسائي و قال ابن إسحاق عن ابى جعفر أصدقها اربعة مائة دينار و فى خلاصة «٢» السير فى نكاح خديجة أصدقها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اثنتي عشرة اوقية من ذهب و الاوقية من الذهب سبعة مثاقيل و روى احمد و ابو داود عن عائشة ان جويرية وقعت فى سهم ثابت بن قيس بن شماس و ابن عم له فتخلصها ثابت من ابن عمّه بنخلات بالمدينة و كاتبها فادى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما كان من كتابتها و تزوجها و كان ذلك مهرا لها و فى سبيل الرشاد ان ثابت بن قيس و ابن عم له كاتبا جويرية على تسع أواق من ذهب (١) عن ابى عبد الرحمن السلمى قال قال عمر بن الخطاب لا تغالوا فى مهور النساء فقالت امراة ليس لك ذلك يا عمران اللّه يقول وَ آتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً من ذهب قال و كذلك فى قراءة ابن مسعود فقال عمران امراة خاصمت عمر فخصمته، و عن بكر بن عبد اللّه المزني قال قال عمر خرجت و انا أريد أنهاكم عن كثرة الصداق فعرضت لى اية من كتاب اللّه آتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً، قلت هذان الحديثان يدلان على رجوع عمر عن النهى عن المغالات فى المهر و الصحيح عندى ان عمر رضى اللّه عنه نهى عن المغالات على سبيل التنزيه دون التحريم و رجع عن النهى التحريمي و اللّه اعلم منه رحمه اللّه. (٢) قيل كان صداق خديجة عشرين بكرة و قيل اربعمائة دينار، كذا فى شرح خلاصة السير منه رحمه اللّه-. فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ اى من القنطار شَيْئاً أَ تَأْخُذُونَهُ استفهام انكار و توبيخ بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِيناً (٢٠) منصوبان على الحال او على العلة يعنى تأخذونه باهتين و آثمين او بسبب بهتانكم و ارتكابكم الإثم و البهتان الباطل من القول و قد يستعمل فى الفعل الباطل و هو المراد هاهنا و لذا فسر هاهنا بالظلم و قيل كان الرجل إذا أراد نكاح جديدة بهت التي تحته بفاحشة حتى يلجئها الى الافتداء. ٢١ وَ كَيْفَ تَأْخُذُونَهُ استفهام الإنكار عن الاسترداد بعد التقرر و وجوب الأداء و الحال انه قَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ يعنى أفضتم إليهن قال الشافعي يعنى دخلتم بهن فان الإفضاء عنده كناية عن الجماع و من ثم قال الشافعي فى اظهر قوليه لا يتقرر المهر بالخلوة بدون الوطي فان طلقها قبل الوطي بعد الخلوة الصحيحة التي لا مانع فيها من الوطي طبعا و لا شرعا يجب نصف المهر عنده و قال ابو حنيفة و احمد يستقر المهر بالخلوة الصحيحة و ان لم يطأ و معنى الإفضاء الدخول فى الفضاء و الفضاء فى اللغة الصحراء و المراد هاهنا المكان الخالي و قال مالك ان خلا بها و طالت مدة الخلوة استقر المهر و ان لم يطأ وحد ابن القاسم الخلوة بالعام و احتج الشافعي على وجوب نصف المهر بعد الخلوة قبل الوطي بقوله تعالى وَ إِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَ قَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ قلنا المجاز فى قوله مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ متحتّم لان المس ليس حقيقة بمعنى الجماع فالقول بانه فى معنى الجماع تسمية الاخصّ باسم الاعمّ ليس اولى من القول بانه مجاز عن الخلوة لان الخلوة سبب للمسّ و المسّ غاية لها فهو من تسمية السبب باسم المسبب و لنا اتفاق الصدر الاوّل على وجوب كمال المهر بالخلوة سواء وطئ بها او لا كذا نقل الشيخ ابو بكر الرازي فى أحكامه و حكى الطحاوي فيه اجماع الصّحابة و قال ابن المنذر هو قول عمر و على و زيد بن ثابت و عبد اللّه بن عمر و جابر و معاذ بن جبل و ابى هريرة روى البيهقي عن الأحنف عن عمر و على انهما قالا إذا اغلق بابا و ارخى سنرا فلها الصداق كاملا و عليها العدة و فيه انقطاع و فى المؤطا عن يحيى ابن سعيد عن سعيد بن المسيّب ان عمر قال إذا أرخت الستور فقد وجب الصداق و روى عبد الرزاق فى مصنفه عن ابى هريرة قال قال عمر نحوه و روى الدارقطني عن على قال إذا اغلق بابا و ارخى سترا و راى عورة فقد وجب عليه الصداق و روى ابو عبيد فى كتاب النكاح من رواية زرارة بن اوفى قال قضى الخلفاء الراشدون المهديون إذا اغلق الباب و ارخى الستر فقد وجب الصّداق و العدة و روى الدارقطني فى الباب حديثا مرفوعا عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان مرسلا قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من كشف خمار امراة و نظر إليها فقد وجب الصداق دخل بها او لم يدخل و فى اسناده ابن لهيعة ضعيف لكن قال ابن الجوزي ابن لهيعة قد روى عنه العلماء و أخرجه ابو داود فى المراسيل عن ابن ثوبان و رجاله ثقات و المرسل عند ناحجة و قد روى عن ابن مسعود و ابن عباس كمذهب الشافعي لكن لم يصح روى البيهقي عن الشعبي عن ابن مسعود فيمن خلا بامرأة و لم يحصل وطى لها نصف الصداق و هو منقطع و روى الشافعي عن ابن عباس مثله و فى اسناده ضعف و أخرجه ابن ابى شيبة عنه من وجه اخر و كذا البيهقي وَ أَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (٢١) عهدا وثيقا عطف على افضى قال الحسن و ابن سيرين و الضحاك و قتادة هو قول الولي عند العقد زوجتكها على ما أخذ اللّه للنساء على الرجال من إمساك بمعروف او تسريح بإحسان و قال الشعبي و عكرمة هو ما روى عن النبي صلى اللّه عليه و سلم انه قال اتقوا اللّه فى النساء فانكم أخذتموهن بامانة اللّه و استحللتم فروجهن بكلمة اللّه تعالى رواه مسلم من حديث جابر و روى ابن جرير من حديث ابن عمر نحوه يعنى أوثق اللّه عليكم لهن فكأنهنّ أخذن الميثاق اخرج ابن ابى سعد عن محمد بن كعب القرظي قال كان الرجل إذا توفى عن امرأته كان ابنه أحق بها ان ينكحها ان شاء ان لم تكن امه او ينكحها من شاء فلما مات ابو قيس بن سلمة قام ابنه محصن فورث نكاح امرأته و لم يورثها من المال شيئا فاتت النبي صلى اللّه عليه و سلم فذكرت ذلك له فقال ارجعي لعل ينزل فيك شى ء و رواه ابن ابى حاتم و الفرياني و الطبراني عن عدى بن ثابت عن رجل من الأنصار نحوه بلفظ توفى ابو قيس بن الاسلمة و كان من صالحى الأنصار فخطب ابنه قيس امرأته فقالت انما اعدّك ولدا و أنت من صالحى قومك فاتت النبي صلى اللّه عليه و سلم و أخبرته فقال ارجعي الى بيتك فنزلت. ٢٢ وَ لا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ ما موصولة يعنى التي نكحها آباؤكم و انما ذكر ما دون من لانه أريد به الصفة و قيل ما مصدرية بمعنى المفعول مِنَ النِّساءِ بيان ما نكح على الوجهين و فائدة البيان مع ظهور ان منكوحات الآباء لا تكون الّا من النساء التعميم إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ الظاهر ان الاستثناء منقطع و معناه لكن ما قد سلف فانه لا مؤاخذة عليه و قيل استثناء من المعنى اللازم للنهى كانه قيل تعذبون بنكاح ما نكح آباؤكم الا بما قد سلف إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً يعنى أقبح المعاصي عند اللّه لم يرخص فيه لامة من الأمم وَ مَقْتاً ممقوتا للّه و عند ذى المروات كان العرب يقول لولد الرجل من امراة أبيه مقيت و كان منهم الأشعث بن قيس و ابو معيط عمرو بن امية و المقت أشد البغض وَ ساءَ سَبِيلًا (٢٢) سبيل من يفعله عن البراء بن عازب رضى اللّه عنه قال مرّبى خالى و معه لواء فقلت اين تذهب قال بعثني النبي صلى اللّه عليه و سلم الى رجل تزوج بامراة أبيه اتيه برأسه رواه الترمذي و ابو داؤد و فى رواية له و للنسائى و ابن ماجة و الدارمي فامرنى ان اضرب عنقه و أخذ ماله و فى هذه الرواية قال مرّ بي عمّى بدل خالى (فائدة) المراد بالآباء الأصول بعموم المجاز اجماعا حتى يحرم منكوحة الجد و ان علا سواء كان الجد من قبل الأب او من قبل الام و النكاح قيل معناه الوطي حقيقة كذا قال ابن الجوزي فى التحقيق و بناء على هذا احتج بهذه الاية على ثبوت حرمة المصاهرة فى الزنى و معنى الاية على هذا لا تطؤا موطوات الآباء سواء كان الوطي بنكاح صحيح او فاسدا و ملك يمين او بشبهة او بزنى و فى القاموس النكاح الوطي و العقد له و هذه العبارة تفيد الاشتراك و فى الصحاح اصل النكاح العقد ثم استعير للجماع و محال ان يكون فى الأصل للجماع ثم استعير للعقد لان اسماء الجماع كلها كنايات لاستقباحهم ذكره كاستقباحهم تعاطيه و محال ان يستعير من لا يقصد فحشا اسم ما يستقبحونه بما يستحسنوه قال اللّه تعالى وَ أَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ الى غير ذلك من الآيات و الصحيح عندى ان المراد بالنكاح فى هذه الاية العقد دون الجماع للاجماع على ان منكوحة الأب التي وقع عليها عقد النكاح و لم يطأها يحرم على الابن لا خلاف فى ذلك و ثبوت حرمة المصاهرة بالزنى مختلف فيه، فحمل الاية على معنى يوجب حكما مجمعا عليه اولى من خلاف ذلك فان قيل إذا أريد بالنكاح فى الاية العقد فما وجه القول بتحريم موطوءة الأب بملك اليمين مع انّ حرمتها ايضا مجمع عليه قلنا وجه ذلك دلالة النص فان المقصود من النكاح انما هو الوطي و هو سبب للجزئية فاذا كان النكاح الذي هو سبب للوطى الحلال موجبا لحرمته المصاهرة كان الوطي الحلال موجبا لها بالطريق الاولى- (مسئلة) الزنى لا يوجب حرمة المصاهرة عند الشافعي و مالك و قال ابو حنيفة و احمد يوجب و هى رواية عن مالك و زاد احمد عليه فقال إذا اتى رجل امراة فى دبرها او اتى رجلا فى دبره حرمت على الواطى أم المفعول به و بنته رجلا كان او امراة و قد ذكرنا ان الاستدلال على حرمة المصاهرة بهذه الاية ضعيف فالاولى الاستدلال عليه بالقياس على الوطي الحلال لان علة التحريم كون الوطي سببا للولد و وصف الحل ملغاة شرعا بان وطى الامة المشتركة و جارية الابن و المكاتبة و المظاهر منها و امة المجوسية و الحائض و النفساء و وطى المحرم و الصائم فان كله حرام و يثبت به حرمة المصاهرة اجماعا فعلم ان المعتبر فى الأصل هو ذات الوطي من غير نظر لكونه حلالا او حراما قال ابن همام قد روى أصحابنا فيه أحاديث منها قال رجل يا رسول اللّه انى زينت بامراة فى الجاهلية أ فأنكح ابنتها قال لا ارى ذلك و لا يصلح ان تنكح امراة تطلع من ابنتها على ما تطلع عليه منها و هو مرسل منقطع و فيه ابو بكر بن عبد الرحمن بن ابنة حكيم و من طريق ابن وهب عن ابى أيوب عن ابن جريح ان النبي صلى اللّه عليه و سلم قال فى الذي يتزوج المرأة فيغمز لا يزيد على ذلك لا يتزوج ابنتها و هو مرسل منقطع الا ان هذا لا يقدح عندنا إذا كانت الرّجال ثقات انتهى كلامه احتج الشافعي بحديثين أحدهما حديث عائشة قالت قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الحرام لا يفسد الحلال رواه الدارقطني و فيه عثمان بن عبد الرحمن الوقاصى قال يحيى بن معين ليس بشى ء كان يكذب ضعّفه ابن المديني جدّا و قال البخاري و النسائي و الرازي و ابو داود ليس بشى ء و قال الدارقطني متروك و قال ابن حبان كان يروى عن الثقات الموضوعات لا يجوز الاحتجاج به، ثانيهما حديث ابن عمر نحو حديث عائشة رواه الدارقطني و ابن ماجة و فيه عبد اللّه ابن عمر أخو عبيد اللّه قال ابن حبان فحش خطاؤه فاستحق الترك و فيه إسحاق بن محمد العروى قال يحيى ليس بشى ء كذّاب و قال البخاري تركوه (مسئلة) ابن المزنية يحرم عليه منكوحة أبيه الزاني كما يحرم بنت المزنية على أبيها الزاني لانهما ابنه و بنته حقيقة لغة و الخطاب انما هو باللغة العربية ما لم يثبت نقل كلفظ الصلاة و نحوه فيصير منقولا شرعيا و كذا إذا لا عن رجل امرأته بنفي نسب ابنه و بنته فنفى القاضي نسبهما من الأب و الحقهما بالأم لا يجوز لابن الملاعنة ان ينكح منكوحة الملاعن و لا للملاعن ان ينكح ابنة الملاعنة لانه يحتمل ان يكذب الملاعن نفسه و يدعيها فيثبت نسبهما منه، (مسئلة) مس الرجل امرأة و المرأة رجلا بشهرة له حكم الوطي عند ابى حنيفة فى وجوب حرمة المصاهرة و كذا نظره الى فرجها الداخل و نظرها الى ذكره بشهوة يوجب حرمة المصاهرة عنده و لو مسّ فانزل او نظر الى فرجها فانزل او اولج امراة فى دبرها فانزل قيل يوجب حرمة المصاهرة عنده و الصحيح انه لا يوجب الحرمة عنده ايضا و عند الائمة الثلاثة المسّ و النظر لا يوجبان الحرمة وجه قول ابى حنيفة ان المسّ و النظر سببان داعيان الى الوطي فيقامان مقامه فى موضع الاحتياط و إذا انزل لم يبق داعيا الى الوطي و المس بشهوة ان ينتشر الآلة لو يزداد انتشارا هو الصحيح. ٢٣ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ يعنى أصولكم على عموم المجاز و قيل الام يطلق على الأصل لغة حقيقة فى القاموس أم كل شى ء أصله و منه أم القرى مكة و أم الكتاب الفاتحة او اللوح المحفوظ فيشتمل الجدات من قبل الأب او الام و ان علون اجماعا وَ بَناتُكُمْ يعنى فروعكم كذلك على عموم المجاز فيشتمل بنات الابن و بنات البنت و ان سفلن اجماعا وَ أَخَواتُكُمْ تعم ما كانت منها لاب او لام أولهما وَ عَمَّاتُكُمْ وَ خالاتُكُمْ تعم أخوات الأب لاحد الأبوين أولهما و أخوات الام لاحد الأبوين أولهما و تلحق بهن اجماعا عمات الأب و عمات الام و خالاتهما و العمات و الخالات للجد و الجدة و ان علون سواء كن من قبل الأب او من قبل الام و سواء كن اخت أبيه او امه او جده أوجدته لاحد الأبوين أولهما كأنّ المراد بهما على عموم المجاز الفرع القريب للاصل البعيد و يحل الفرع البعيد للاصل البعيد اجماعا كبنت العم او العمة او الخال او الخالة وَ بَناتُ الْأَخِ وَ بَناتُ الْأُخْتِ يعنى فروع الأخ و الاخت بناتهما و بنات ابنائهما و بنات بناتهما و ان سفلن سواء كان الأخ و الاخت لابوين او لاحدهما، ذكر اللّه سبحانه المحرمات من النسب سبعا و يؤل امرهن الى اربعة اصناف أصله و فرعه و فرع أصله القريب و ان بعد و الفرع القريب للاصل البعيد و اخصر من ذلك ان يقال يحرم النكاح بين الشخصين ان يكون بينهما و لا داو يكون أحدهما فرعا لاحد أبوي الاخر وَ أُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَ أَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ و كذا العمات و الخالات و بنات الأخ و بنات الاخت من الرضاعة اجماعا على حسب ما فصلناه فى النسب لقوله صلى اللّه عليه و سلم يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب و يروى ما يحرم من الولادة متفق عليه من حديث عائشة و عن على انه قال يا رسول اللّه هل لك فى بنت عمك حمزة فانها أجمل فتاة فى قريش فقال له اما علمت ان حمزة أخي من الرضاعة و ان اللّه حرم من الرضاعة ما حرم من النسب رواه مسلم و عن عائشة قالت جاء عمّى من الرضاعة فاستأذن علىّ فابيت ان اذن له حتى اسئل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فجاء رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فسالته فقال انه عمك فأذنى له قالت فقلت يا رسول اللّه انما أرضعتني المرأة و لم يرضعنى الرجل فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انه عمك فيلج عليك و ذلك بعد ما ضرب علينا الحجاب متفق عليه و عن عائشة ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كان عندها و انها سمعت صوت رجل يستأذن فى بيت حفصة فقالت عائشة قلت يا رسول اللّه هذا رجل يستأذن فى بيتك فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أراه فلانا لعم حفصة من الرضاع فقلت يا رسول اللّه لو كان فلان حيا لعمها من الرضاعة ادخل فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم نعم ان الرضاعة يحرم ما يحرم من الولادة رواه البغوي، (فائدة:) احتج ابو حنيفة و مالك بهذه الاية و بقوله عليه السلام مطلقا يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب على ان الرضاع قل او كثر يحرم ما يحرم من النسب و هو أحد اقوال احمد و قال الشافعي لا يحرم إلا خمس رضعات مشبعات فى خمس اوقات جائعات متفاصلات عرفا و هو القول الثاني لاحمد و عن احمد ثلاث رضعات و به قال ابو ثور و ابن المنذر و داود و ابو عبيد وجه التقدير بثلاث حديث ابن الزبير عن عائشة ان نبى اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال لا تحرم المصة و المصتان و عن أم الفضل مرفوعا بلفظ لا يحرم الرضعة او الرضعتان و فى رواية اخرى عنها لا يحرم الاملاجة و الإملاجتان و فيه قصّة و هذه الروايات رواها مسلم و كذا روى احمد و النسائي و ابن حبان و الترمذي من حديث ابن الزبير عن أبيه عن عائشة و أعله الطبري بالاضطراب لما روى عن ابن الزبير عن أبيه و عنه عن عائشة و عنه عن النبي صلى اللّه عليه و سلم بلا واسطة و جمع ابن حبّان بامكان ان ابن الزبير سمع من كل منهم و قال البخاري الصحيح عن ابن الزبير عن عائشة و ذكر الزبير تفرّد به محمد بن دينار و فيه ضعف و اختلاف و إسقاط عائشة فى بعض الروايات إرسال و لا بأس به و رواه النسائي من حديث ابى هريرة و قال ابن عبد البر لا يصح مرفوعا قالوا ثبت بهذا الحديث ان الرضعة و الرضعتان لا تحرمان فبقى التحريم فى ثلاث رضعات و وجه القول بالخمس حديث عائشة قالت كان فيما انزل من القران عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخ بخمس معلومات فتوفى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و هى فيما يقرا من القران رواه مسلم و رواه الترمذي بلفظ انزل فى القران عشر رضعات فنسخ من ذلك خمس و صار الى خمس رضعات فتوفى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و الأمر على ذلك، قلنا حديث الآحاد لا يعارض نصّ الكتاب المتواتر و عند التعارض يقدم التحريم احتياطا و ايضا حديث عائشة كان فيما انزل من القران الحديث و ان كان صحيحا سندا لكنه متروك لانقطاعه باطنا فانه يدل على انه صلى اللّه عليه و سلم توفى و هى فيما يقرأ مع انه ليس كذلك قطعا و الا ثبت قول الروافض ذهب كثير من القرآن بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و هذا القول كفر لاستلزامه انكار قوله تعالى انّا له لحفظون و التأويل بان معنى قولها توفى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يعنى قارب الوفاة يقتضى نسخ الخمس قبيل الوفاة كما نسخ العشر قبل ذلك و هو الصحيح قال ابن عباس حين قيل له ان الناس يقولون الرضعة لا يحرم قال كان ذلك ثم نسخ، و عن ابن مسعود الى امر الرضاع الى ان قليله و كثيره يحرم و روى عن ابن عمران القليل يحرم و عنه قيل له ابن الزبير يقول لا بأس بالرضعة و الرضعتين فقال قضاء اللّه خير من قضاء ابن الزبير قال اللّه تعالى وَ أُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ و التأويل بان معناه توفى صلى اللّه عليه و سلم و هى فيما يقرأ تعنى حكمها فيما يقرا غير مرضى لان القراءة انما يتعلق باللفظ دون الحكم، (مسئلة) اجمعوا على ان الرضاع بعد مدة الرضاع لا يوجب التحريم لانه لا يحصل التوليد و النمو بالرضاع الا فى المدة فلا يطلق بعد تلك المدة على المرضعة امّا و قال داود يوجب التحريم ابدا لحديث عائشة قالت جاءت سهلة بنت سهيل امراة ابى حذيفة الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقالت يا رسول اللّه انى ارى فى وجه ابى حذيفة من دخول سالم و هو حليفه فقال صلى اللّه عليه و سلم ارضعى سالما خمسا تحرمى عليه رواه الشافعي و رواه مسلم و غيره بغير ذكر العدد و الجواب ان الإجماع يدل على كون الحديث منسوخا و قد صح عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال لا يحرم من الرضاع الا ما فتق الأمعاء فى الثدي و كان قبل الفطام رواه الترمذي من حديث أم سلمة و قال حديث صحيح و عنه عليه السلام لا يحرم من الرضاع الا ما أنبت اللحم و انشر العظم رواه ابو داود من حديث ابن مسعود و فى الصحيحين عن عائشة قالت دخل علىّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و عندى رجل فقال يا عائشة من هذا قالت أخي من الرضاعة قال يا عائشة انظرن من اخوانكن فانما الرضاعة من المجاعة، (مسئلة) مدة الرضاع التي يوجب فيها التحريم سنتان و به قال ابو يوسف و محمد بن الحسن و الشافعي و احمد و مالك و سعيد بن المسيّب و عروة و الشعبي و هو المروي عن عمر و ابن عباس رواهما الدارقطني و عن على و ابن مسعود أخرجهما ابن ابى شيبة و فى رواية عن مالك سنتان و شهر و فى اخرى عنه شنتان و شهران و فى اخرى عنه ما دام محتاجا الى اللبن و قال ابو حنيفة سنتان و ستة أشهر و قال زفر ثلاث سنين لنا قوله تعالى وَ الْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ جعل اللّه تعالى التمام بهما و لا مزيد على التمام و قوله تعالى وَ حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً و ادنى مدة الحمل ستة أشهر فبقى للفصال سنتان و قوله تعالى و فصاله فى عامين و قوله صلى اللّه عليه و سلم لارضاع الّا ما كان فى الحولين رواه الدارقطني من حديث ابن عباس و قال تفرد برفعه الهيثم بن جميل و كان ثقة حافظا و كذا وثقه احمد و العجلى و قال ابن عدى كان يغلط و رواه سعيد بن منصور عن ابن عينية فوقفه، وجه قول ابى حنيفة انه تعالى قال وَ حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً ذكر شيئين و ضرب لهما مدة فكان لكل واحد منهما بكمالها كالاجل المضروب للدينين على شخصين الا انه قام المنقص فى مدة الحمل قول عائشة الولد لا يبقى فى بطن امه اكثر من سنتين و لو بقدر فلكة مغزل و فى رواية و لو بقدر ظل معزل و مثله لا يقال الا سماعا لان المقدرات لا تدرك بالرأى فبقى مدة الفصال على الظاهر و هذا ليس بشى ء بوجوه أحدها ان جعل قول عائشة منقصا لمدة الحمل ليس اولى من جعل قوله عليه السلام لارضاع بعد حولين و قوله تعالى يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ منقصا لمدة الرضاع ثانيها انه يلزم حينئذ الجمع بين الحقيقة و المجاز فى لفظ ثلاثين شهرا حيث أريد به باعتبار الحمل اربعة و عشرون شهرا و باعتبار الفصال ثلاثون، ثالثها انه يلزم من هذا التأويل استعمال ثلاثين فى اربعة و عشرين باعتبار الحمل مع انه لا يتجوز بشى ء من اسماء العدد فى الاخر نصّ عليه كثير من المحققين لانها بمنزلة الاعلام فى مسمّياتها و ذكر لقول ابى حنيفة و غيره وجه اخر انه لا بد من تغيير الغذاء لينقطع الا نبات باللبن و ذلك بزيادة مدة يتعود الصبى فيها بغيره و لم يحد ذلك الزيادة مالك وحده زفر بحول لانه يشتمل على فصول اربعة و قدّره ابو حنيفة بستة أشهر لانه ادنى مدة الحمل نظرا الى ان غذاء الجنين يغائر غذاء الرضيع، قلنا انّ الشرع لم يحرم اطعام الرضيع غير اللبن قبل الحولين ليلزم اعتبار زيادة مدة القعود على الحولين فجاز ان يتعود بالطعام مع اللبن قبل الحولين و هو مختار ابن همام و الطحاوي، وَ أُمَّهاتُ نِسائِكُمْ اشتملت كلمة الأمهات الجدّات سواء كن من قبل الأب او الام قريبة كانت او بعيدة و التحقت بهن بالحديث امّهاتهن و جداتهن من الرضاع و التحقت بالنساء الموطوءات بملك اليمين او بشبهة اجماعا و الموطوءات بالزنى عند ابى حنيفة رحمه اللّه و كذا الا حنيفة الملموسة بشهوة عنده وَ رَبائِبُكُمُ جمع ربيبة و الربيب ولد المرأة من غيره سمّى به لانه يربّه كما يربّ ولده فى غالب الأمر فعيل بمعنى المفعول و انما لحقته التاء لانه صار اسما و يشتمل الربائب بعموم المجاز او بالقياس بنات أبناء الزوجات و بنات بناتهن و ان سفلن و بنات الموطوءات بملك يمين او بشبهة و لو بواسطة او وسائط اجماعا و بنات المزّنيات و ان سفلن عند ابى حنيفة اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ هذه الصفة خارجة مخرج العادة لا مفهوم لها اجماعا و قال داود لا يحرم من الربائب الا اللاتي فى حجورهم كذا روى عبد الرزاق و ابن ابى حاتم بسند صحيح عن على رضى اللّه عنه فالمراد بالإجماع الإجماع بعد القرن الاول، مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ الموصول مع الصلة صفة لنسائكم مقيدة لها اجماعا و لا يجوز ان يكون صفة للنسائين لان عامليها مختلفان و لا يجتمع عاملان على معمول واحد الّا فى رواية عن الفراء و قوله من نسائكم ظرف مستقر جاز كونها صلة للموصول الاول و يكون قوله فى حجوركم متعلّقا به و جاز كونها منصوبا على الحالية من الضمير فى حجوركم و الأظهر انه حال من ربائبكم و على تقدير كونه حالا من ربائبكم لا يجوز تعليقها بالأمهات ايضا لان كلمة من إذا علقتها بالربائب كانت ابتدائية و إذا علقتها بالأمهات لم يجز ذلك بل يجب ان تكون بيانا لنسائكم و الكلمة الواحدة لا يحمل على معنيين عند جمهور الأدباء و ان جوّز الشافعي عموم المشترك و ايضا يوجب كونها بيانا لنسائكم كونها حالا منها و لا يجوز ان يكون شى ء «١» واحد حالا من ربائبكم و من نسائكم مع اختلاف العامل فيهما عند أحد فان ربائبكم مرفوع لقيامه مقام الفاعل و نسائكم مجرور بالاضافة قال البيضاوي الّا إذا جعلتها للاتصال (١) فى الأصل شيئا واحدا. يعنى جعلت كلمة من اتصالية لا ابتدائية و لا بيانية فلا يكون المعنيان مختلفين بل تكون من مستعملة فى القدر المشترك بينهما و هو الاتصال اى الملابسة و حينئذ يكون الظرف حالا من الأمهات و الريائب و هما مرفوعان من جهة واحدة و هذا التأويل مع بعده مردود بالحديث المرفوع و الإجماع عن عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جدّه ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال أيما رجل نكح امراة فدخل بها فلا يحل له نكاح ابنتها و ان لم يدخل بها فلينكح ابنتها و أيما رجل نكح امراة فلا يحل له ان ينكح امّها دخل بها او لم يدخل رواه الترمذي و قال هذا حديث لا يصح من قبل اسناده انما رواه ابن لهيعة و المثنى بن الصبّاح عن عمرو بن شعيب و هما يضعفان فى الحديث قال الشيخ ابن حجر و فى الباب عن ابن عباس من قوله أخرجه ابن ابى حاتم فى تفسيره بإسناد قوى اليه انه كان يقول إذا طلق الرجل امراة قبل ان يدخل بها او ماتت لم يحل له أمها و نقل الطبراني فيه الإجماع «١» لكن اختلفت الرواية فيه عن زيد بن ثابت ففى مسند ابن ابى شيبة عنه انه كان لا يرى بأسا إذا طلقها و يكرهها او ماتت عنه و روى مالك عن يحيى بن سعيد عنه انه سئل عن رجل تزوج امراة ثم ماتت قبل ان يصيبها هل يحل له أمها قال لا الام مبهمة و انما الشرط فى الربائب و روى عن على كرم اللّه وجهه تقييد التحريم فيهما أخرجه ابن ابى حاتم و به قال مجاهد و كذا روى ابن ابى شيبة و غيره عن زيد بن ثابت و ابن عباس و كذا روى عبد الرزاق و ابن ابى حاتم عن ابن الزبير فلو صح الرواية عن على و مجاهد و غيرهما فى تقييد التحريم فلعل المراد من قول الطبراني اجماع من بعد القرن الاوّل و الثاني، و الباء فى قوله دخلتم بهن للتعدية او للمصاحبة اى ادخلتموهن الستر او دخلتم معهن الستر و هى كناية عن الجماع كقولهم بنى عليها و ضرب عليها الحجاب و اللمس بشهوة و النظر الى فرجها الداخل بشهوة حكمها حكم الجماع عند ابى حنيفة فَإِنْ (١) روى ان رجلا تزوج امراة و لم يدخل بها ثم راى أمها فاعجبته فاستفتى ابن مسعود فامره ان يفارقها ثم يتزوج أمها ففعل فولدت له أولادا ثم اتى ابن مسعود المدينة فسال عمر و فى لفظ فسال اصحاب النبي صلى اللّه عليه و سلم فقالوا لا يصلح فلما رجع الى الكوفة قال للرجل انها عليك حرام ففارقها، قلت هذا يدل على الإجماع منه رحمه اللّه. لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ تصريح بعد اشعار دفعا للقياس وَ حَلائِلُ جمع حليلة و هى الزوجة سميت حليلة لانها تحل للزوج او تحل فراشه و يلتحق بالزوجات الموطوءات بملك اليمين او بشبهة اجماعا و الموطوءات يزنى عند ابى حنيفة أَبْنائِكُمُ يشتمل بعموم المجاز الفروع من أبناء الأبناء و البنات و ان بعدوا الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ خروج بهذا القيد المتبنى فانهم كانوا يطلقون الابن على المتبنى و لو مجازا اخرج ابن جرير عن ابن جريح قال قلت لعطاء قوله تعالى وَ حَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ قال كنا نتحدث انها نزلت فى محمد صلى اللّه عليه و سلم حين نكح امراة زيد بن حارثة قال المشركون فى ذلك فنزلت وَ حَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ و نزلت وَ ما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ و نزلت ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ و اما ابن الابن و ابن البنت بواسطة او بلا واسطة فلم يخرجا بهذا القيد لانهما من الأصلاب و لو بالواسطة و اما الابن بالرضاع و فروعه فانهم و ان خرجوا بهذا القيد لكن حرمة حلائلهم ثبتت بنص الحديث اعنى قوله صلى اللّه عليه و سلم يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب و عليه انعقد الإجماع وَ أَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فى محل الرفع عطفا على أمهاتكم و بناتكم يعنى حرمت عليكم الجمع فى النكاح و فى الوطي بملك اليمين بين الأختين «١» بالنسب و يلتحق «٢» بهما بنصّ الحديث الأختان بالرضاع سواء كانتا لاب او لام أولهما من النسب او من الرضاع و لا يحرم الزنى باحده الأختين النكاح بالأخرى كما لا يحرم نكاح الاخرى بعد موت أحدهما او انقضاء العدة من الطلاق و التحقت به بالسنة و الإجماع حرمة الجمع بين امراة و عمّتها و امراة و خالتها و كذا عمة أبيها او أمها او خالة أحدهما و عمات أجدادها و جداتها و ان بعدن عن اىّ جهة كن، عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا يجمع بين المرأة و عمّتها و لا بين المرأة و خالتها متفق عليه و رواه ابو داود و الترمذي و الدارمي بلفظ لا تنكح المرأة على عمّتها و لا العمة على بنت أخيها و لا المرأة على خالتها و لا (١) اخرج احمد و ابو داؤد و الترمذي و حسنه و ابن ماجه عن فيروز الديلمي انه أدركه الإسلام و تحته اختان فقال له النبي صلى اللّه عليه و سلم طلق أيهما شئت منه رحمه اللّه-. (٢) فى الأصل التحقق-. الخالة على بنت أختها لا الكبرى على الصّغرى و لا الصّغرى على الكبرى و رواه النسائي الى قوله بنت أختها و صححه الترمذي و روى البخاري عن جابر نحوه قال ابن عبد البر طرق حديث ابى هريرة متواترة عنه و فى الباب عن ابن عباس رواه احمد و ابو داود و الترمذي و ابن حبان و عن ابى سعيد رواه ابن ماجة بسند ضعيف و عن على رواه البزار و عن ابن عمر رواه ابن حبان و فيه ايضا عن سعد بن ابى وقاص و زينب امراة ابن مسعود و ابى امامة و عائشة و ابى موسى و سمرة بن جندب و روى ابن حبان فى صحيحه و ابن عدى من حديث عكرمة عن ابن عباس الحديث المذكور و زاد فى آخره انكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامهن و اخرج ابو داؤد فى المراسيل عن عيسى بن طلحة قال نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من ان تنكح المرأة على قرابتها مخافة القطيعة و رواه ابن حبان بلفظ انكن إذا فعلتن ذلك «٢» قطعتن أرحامهن و الإجماع على حرمة الجمع بين الأختين من الرضاع يدل على انه كما يحرم قطيعة و صلة الرحم يحرم قطيعة و صلة الرضاع و روى عن النبي صلى اللّه عليه و سلم إكرام المرضعة عن ابى الطفيل الغنوي قال كنت جالسا مع النبي صلى اللّه عليه و سلم إذا قبلت امراة فبسط النبي صلى اللّه عليه و سلم رداءه حتى قعدت عليه فلما ذهبت قيل هذه أرضعت النبي صلى اللّه عليه و سلم رواه ابو داؤد و الحاصل انه يحرم من النسب و الرضاع ما يكون أحدهما فرعا للاخر او ذاعا لاصله القريب و من المصاهرة يحرم على المرأة اصول الزوج و فروعه مطلقا و على الرجل اصول الزوجة مطلقا و فروعها بشرط الدخول بها و لا يحرم من أقارب الزوج و الزوجة بالمصاهرة ما عدى عمودى النسب الا الجمع بين امراة و فرع أصلها القريب «١» للاحتراز عن قطعية الرحم او قطعية و صلة الرضاع و اللّه اعلم إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ قيل استثناء من المعنى اللازم للنهى يعنى يعذبون بنكاحهن الا بما قد سلف و الظاهر ان الاستثناء منقطع بمعنى لكن يعنى لكن ما قد سلف فان اللّه يغفره و لا يؤاخذ به إِنَّ اللّه كانَ غَفُوراً رَحِيماً (٢٣) يغفرهم و يرحمهم لعذر الجهل عن الشرائع (٢) سئل عن عمر عن جاريتين أختين توطا أحدهما بعد الاخرى قال عمر ما احبّ ان اجيزهما جميعا و نهاه و اخرج مالك و الشافعي عن قبيصة بن ذويب ان رجلا سال عثمان بن عفان عن الأختين فى ملك اليمين هل يجمع بينهما قال احلّتهما اية و حرمتهما اية و ما كنت اصنع ذلك فخرج من عنده فلقى رجلا من اصحاب النبي صلى اللّه عليه و سلم أراه على بن ابى طالب فساله عن ذلك فقال لو كان لى من الأمر شى ء ثم وجدت أحدا فعل ذلك لجعلته نكالا و روى هذا الشك عن على من ابى صالح عن على قال فى الأختين المملوكتين احلّتهما اية و حرّمتهما اية و لا امر و لا انهى و لا أحل و لا احرم و لا افعل انا و لا اهل بيتي رواه ابن ابى شيبة و البيهقي و روى ابن المنذر و البيهقي عن ابن مسعود قال تحرم من الإماء ما تحرم من الحرائر الا العدد و كذا روى عبد الرزاق عن عمار بن ياسر قلت ما روى عن على انه أحلتهما اية و حرمتهما اية ليس مبنيا على الشك بل مراده ترجيح المحرم على المبيح و قد روى عنه ابن عبد البر فى الاستذكار ان إياس بن عامر ساله ان لى أختين أمتين اتخذت إحداهن سرية و ولدت لى أولادا ثم رغبت فى الاخرى فما اصنع قال تعتق التي كنت تطأ ثم تطأ الاخرى ثم قال انه يحرم عليك مما ملكت يمينك ما يحرم عليك فى كتاب اللّه من الحرائر الا العدد او قال الا الأربع و يحرم عليك من الرضاع ما يحرم عليك فى كتاب اللّه من للنسب منه رحمه اللّه تعالى. قال اللّه تعالى وَ ما كانَ اللّه لِيُضِلَّ قَوْماً «١» ... حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ و قال اللّه تعالى وَ ما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا. (١) و فى القران بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى إلخ [.....]. ٢٤ وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ عطف على أمهاتكم يعنى حرمت عليكم المحصنات من النّساء اى ذوات الأزواج لا يحل للغير نكاحهن ما لم يمت زوجها او يطلقها و تنقضى عدّتها من الوفاة او الطلاق سمّيت المتزوجات محصنات لانه احصنهن التزويج او الأزواج قال البغوي قال ابو سعيد الخدري رضى اللّه عنه نزلت فى نسائكن يهاجرن الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و لهن ازواج فيتزوجهن بعض المسلمين ثم يقدم أزواجهن مهاجرين فنهى اللّه المسلمين عن نكاحهن قلت لعل المراد من الحديث ان المرأة المهاجرة إذا كان زوجها مسلما لا يحل نكاحها و ان كان فى دار الحرب لعدم اختلاف الدين حقيقة و الدار حكما و امّا إذا أسلمت و هاجرت و زوجها كافر فى دار الحرب فنكاحها حلال لقوله تعالى «٢» يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ ... «٣» فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَ لا هُمْ الى قوله تعالى وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ لكن عند ابى حنيفة و صاحبيه تقع الفرقة بينها و بين زوجها بمجرد الخروج من دار الحرب لاختلاف الدارين حقيقة و حكما و لا عدة عليها بعد الفرقة عنده و عندهما عليها العدة و عند مالك و الشافعي و احمد يقع الفرقة بعد ثلاث حيض من وقت إسلامها ان دخل بها و ان لم يدخل بها فمن وقت إسلامها و لا اثر عندهم لاختلاف الدارين إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ قال عطاء أراد بهذه الاستثناء ان تكون أمته فى نكاح عبده فيجوز له ان ينزعها منه و هذا القول مردود بالإجماع و الصحيح ما روى مسلم و ابو داود و الترمذي و النسائي عن ابى سعيد الخدري قال أصبنا سبايا من سبى أوطاس لهن ازواج فكرهنا ان نقع عليهن و لهن ازواج فسالنا النبي صلى اللّه عليه و سلم فنزلت وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ يقول الا ما أفاء اللّه عليكم فاستحللتم بها فروجهن و اخرج الطبراني عن ابن عباس قال نزلت يوم حنين لمّا فتح اللّه حنينا أصاب المسلمون نساء من نساء اهل الكتاب لهن ازواج و كان الرجل إذا أراد ان يأتى المرأة قالت ان لى زوجا فسئل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن ذلك فانزلت هذه الآية (٢) فى الأصل يا ايّها النّبىّ إذا جاءكم لعله من الناسخ. (٣) و فى القرآن اللّه أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ إلخ-. فهذه الاية تدل على ان المرأة إذا سبيت مع زوجها او بدونه وقعت الفرقة بينها و بين زوجها و يحل لمن ملكها وطيها بعد الاستبراء لما روى ان منادى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم نادى يوم أوطاس الا لا تنكح الحبالى حتى يضعن حملهن و لا الحيالى حتى يحضن رواه ( «١») و كذا يحل للمالك تزويجها لغيره و ظهران السبي يوجب الصفا للسّابى فى ملك البضع كما يوجب الصفا فى ملك الرقبة و به قال مالك و الشافعي و احمد قالوا ان سبايا أوطاس سبين مع أزواجهن و قال ابو حنيفة لا يقع الفرقة بالسبي الا إذا سبى أحد الزوجين بدون الاخر فان الموجب للفرقة عنده اختلاف الدارين حقيقة و حكما دون السبي قالت الحنفية ان مع اختلاف الدارين لا ينتظم مصالح النكاح فشابه المحرمية و السبي يوجب الصّفا فى ملك الرقبة دون ملك البضع لعدم الاستلزام بينهما و هذا استدلال فى مقابلة النص قال ابن همام روى فى سبايا أوطاس ان النساء سبين وحدهن و رواية الترمذي يفيد ذلك روى عن ابى سعيد قال أصبنا سبايا أوطاس و لهن ازواج فى قومهن فذكروا ذلك لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فنزلت هذه الاية قلت و ليس فى لفظ الترمذي ما يدل قطعا انهن كلهن سبين بغير ازواج و الظاهر فيه قول الشافعي و لو صح انهن سبين كلهن بغير ازواج فالعبرة لعموم اللفظ دون خصوص السبب و قد ذكر اللّه سبحانه الاستثناء من ذوات الأزواج بعنوان ملك اليمين لا بعنوان اختلاف الدّارين و قالت الحنفية الاية ليست على عمومها اجماعا فان مقتضى اللفظ حل المملوكة مطلقا سواء ملكت بالسبي او الشراء او الإرث او نحو ذلك و لا شك ان المشتراة المتزوجة خارجة عن هذا الحكم اجماعا فخصصنا عنها المسبيّة مع زوجها ايضا قلت لا بد لتخصيص العام و ان كان ظنيا من دليل شرعى نصّ او اجماع او قياس و لا يجوز التخصيص بالرأى على ان الإجماع على كون الامة المشتراة المتزوجة خارجة عن هذا الحكم ممنوع قال البغوي قال ابن مسعود أراد اللّه (١) هكذا بياض فى الأصل-. تعالى بهذه الاية ان الجارية المتزوجة إذا بيعت يقع الفرقة بينها و بين زوجها و يكون بيعها طلاقا رواه ابن ابى شيبة و ابن جرير و عبد بن حميد عنه قلت يمكن ان يقال المراد بالمحصنات الجرائر ذوات الأزواج و التحق بهن بالقياس الإماء ذوات الأزواج فمعنى الاية حرّمت عليكم الحرائر ذوات الأزواج الّا ما ملكت ايمانكم بالسبي و الاستيلاء عليهن فحينئذ لا يحتاج الى تخصيص المملوكة بالشراء او الإرث من حكم الحل لا قبل الشراء ليست من المحصنات بل من المملوكات بخلاف المسبية فانها كانت قبل السبي حرّة كِتابَ اللّه عَلَيْكُمْ مصدر مؤكد اى كتب اللّه عليكم كتابا تحريم من ذكرن اخرج ابن جرير من طريق عبيدة عن عمر بن الخطاب فى قوله تعالى كِتابَ اللّه عَلَيْكُمْ قال الأربع و ابن المنذر من طريق ابن جريح عن ابن عباس قال واحدة الى اربع فى النكاح وَ أُحِلَّ لَكُمْ قرأ ابو جعفر و حمزة و الكسائي و حفص على البناء للمفعول و الباقون على البناء للفاعل و ضمير الفاعل راجع الى اللّه تعالى فى كتاب اللّه معطوف على حرّمت او على فعل مضمر الذي نصب كتاب اللّه فان قيل العطف يقتضى المشاركة و جملة كتاب اللّه مؤكد لما سبق من التحريم فما وجه مشاركة هذه الجملة معها فى التوكيد قلنا تحليل ماوراء ذلك يؤكد تحريم ذلك فان قيل على تقدير العطف على حرمت اىّ نكتة فى إيراد حرمت مجهولا و أحل معروفا على قراءة الجمهور قلنا التحليل انعام بخلاف التحريم فصرح بإسناد الانعام الى ذاته دون اسناد التحريم ما وَراءَ ذلِكُمْ يعنى ما سوى المحرمات المذكورات فى الآيات السابقة و خصّ عنه بالسنة و الإجماع و القياس ما ذكرنا من المحرمات فى الشرح و ما فوق الأربع من النساء أَنْ تَبْتَغُوا اى تبتغوهن يعنى ما وراء ذلكم من النساء بِأَمْوالِكُمْ بنكاح او باشتراء مُحْصِنِينَ حال من فاعل تبتغوا اى حال كونكم متعففين فان العفة تحصين الفرج عن الفاحشة و النفس عن اللوم و العقاب غَيْرَ مُسافِحِينَ حال بعد حال و السفاح الزنى من السفح و هو صبّ المنى فانه الغرض منه دون بقاء النسل و قوله أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ بدل اشتمال من قوله ما وَراءَ ذلِكُمْ لان المقصود بإسناد الحل الى ما وَراءَ ذلِكُمْ ليس الّا ابتغاءهن بالأموال حلالا فان النساء ما وراء المحرّمات المذكورات لا تحل لاحد مطلقا بل مقيدا بنكاح صحيح «١» او بملك يمين و هو المراد بالابتغاء بالأموال كما ان «٢» فى قواك أعجبني زيد علمه ليس المقصود بالإسناد ذات زيد (١) و من هاهنا يظهران قوله تعالى وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ليس بعلم يدل على حل كل امرأة غير المحرمات المذكورة و لا ظاهر فى جواز كل ابتغاء بالمال بل هو مجمل منه ما هو نكاح صحيح موجب للاحصان و منه ما هو سفاح مما ثبت بالسنة او الإجماع من شرائط النكاح كالشهادة او الإعلان و الولي و نحو ذلك التحقق بيانا لمجمل الكتاب فلا يرد ما قيل ان اشتراط الشهادة و نحوها يلزم فيه الزيادة على الكتاب او تخصيص الكتاب بخبر الآحاد منه رحمه اللّه. (٢) فى الأصل كما ان فى ان قولك. بل علمه و جاز ان يكون قوله ان تبتغوا متعلّقا بقوله احلّ لكم بتقدير الباء يعنى أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ بسبب أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ بنكاح او باشتراء فعلى هذا يظهران المهر من لوازم النكاح لتقييد الاحلال به و يدل على ذلك قوله تعالى وَ امْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ لدلالته على ان النكاح بلا مهر من خصائص النبي صلى اللّه عليه و سلم و كان القياس عدم صحة النكاح عند انعدام التسمية لكنا تركنا القياس لقوله تعالى لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً فانها تدل على صحّة النكاح بغير التسمية فقلنا ان المهر من لوازم النكاح و أحكامه و ليس من شرائطه ذكره و عليه انعقد الإجماع لكن عند الشافعي ان تزوج و لم يسم لها مهرا او تزوج على ان لا مهر لها و مات عنها قبل ان يدخل بها لا يجب لها المهر و عند الجمهور يجب لها مهر المثل كما يجب بالدخول اجماعا لنا ان المهر وجب حقّا للشرع لما ذكرنا من تقييد الحل بالابتغاء بالأموال و لان الباء للالصاق فاللّه سبحانه أحل الابتغاء ملصقا بالمال فالقول بتراخيه الى وجود الوطي كما قاله الشافعي فى المفوضة ترك العمل بمضمون الباء و لحديث علقمة انه سئل ابن مسعود عن رجل تزوج امراة و لم يفرض لها شيئا و لم يدخل بها حتى مات فقال ابن مسعود لها مثل صداق نساءها لاوكس و لا شطط و عليها العدة و لها الميراث فقام معقل بن سنان الأشجعي فقال قضى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى بروع بنت و أشق امراة منا مثل ما قضيت ففرح بها ابن مسعود رواه ابو داؤد و الترمذي و النسائي و الدارمي قال البيهقي جميع روايات هذا الحديث و أسانيدها صحاح فان قيل لو كان المهر من لوازم النكاح لزم ثبوته فى المفوضة ان طلقت قبل الدخول ايضا و لم يقل به أحد غير احمد فى بعض الروايات عنه حيث قال يجب نصف مهر المثل و الأصح عنه كقول الجمهور انه لا يجب قلنا المتعة لها عوض عن نصف المهر و لذا قلنا بوجوب المتعة لها- (مسئلة) اختلفوا فيما إذا تزوج بشرط ان لا مهر لها فقال مالك لا يصح هذا النكاح لانه عقد معاوضة كالبيع و البيع بشرط ان لا ثمن لا يصح اجماعا فكذا النكاح قلنا ليس النكاح عقد معاوضة و انما وجب المهر حكما شرعا إظهارا لشرف المحل و لو كان عقد معاوضة كالبيع لما صح النكاح عند ترك التسمية كما لا يصح البيع عند ترك ذكر الثمن فالشرط بان لا مهر شرط فاسد و به لا يفسد النكاح و يلغوا لشرط و الثمن ركن فى البيع لا يصح البيع بدونه فافترقا- فائدة:- هذه الاية تقتضى ان المهر لا بد ان يكون مالا لان الحلّ مقيّد بالابتغاء بالأموال و المنافع المعلومة ملحق بالأموال شرعا و لذا جازت الاجارة بالنصوص و الإجماع مع انها بيع المنافع و كان القياس يأبى عن جوازها لان المعقود عليه و هى المنفعة ليست بمال و ايضا هى معدومة و اضافة التمليك الى ما سيوجد لا يصح لكن الشرع اعتبرها ما لا و جوز الاجارة لمكان الحاجة و اقام ما ينتفع به اعنى الدار مثلا فى اجارة الدار مقام المنفعة فى حق اضافة العقد و اعتبار وجوده و لما ظهر كون المنافع ملحقا بالأموال- (مسئلة) جاز ان ينكح على سكنى داره و خدمة عبده و ركوب دابته و الحمل عليها و زراعة ارضه و نحوها من منافع الأعيان مدة معلومه لان الحاجة الى النكاح متحقق كالحاجة الى الاستيجار و إمكان الدفع ثابت بتسليم محالها فصار هو ابتغاء بالمال- (مسئلة) و لو نكح ان يخدمها بنفسه سنة قال محمد يجب قيمة الخدمة لان المسمى يلحق بالأموال الا ان خدمة الزوج للزوجة تناقض مقتضى عقد النكاح لان مقتضاه المالكية و الخدمة من مقتضيات المملوكية فاذا عجز عن تسليم المسمى وجب قيمته و عند ابى حنيفة و ابى يوسف يجب مهر المثل لان اعتبار المنافع مالا انما كان عند إمكان التسليم فاذا امتنع للمناقضة لم يعتبر مالا فلم يصح فوجب مهر المثل- (مسئلة) و لو نكح على خدمة حرّ اخر يصح و يجب على الزوج قيمتة الخدمة اتفاقا ان لم يرض ذلك الرجل او كانت الخدمة تستدعى مخالطتها مع رجل اجنبى (مسئلة) و لو نكح على ان يرعى الزوج غنمها او يزرع ارضها لم يجز فى رواية لانه من باب الخدمة و الصحيح انه جاز ذلك لانه لم يتمحض لها خدمة إذ العادة اشتراك الزوجين فى القيام على مصالح مالهما و يدل على صحته قصّة موسى و شعيب عليهما السّلام من غير بيان ففيه فى شرعنا روى احمد و ابن ماجة عن عتبة بن المنذر قال كنا عند رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقرا طسم حتى بلغ قصّة موسى فقال ان موسى اجر نفسه ثمان سنين او عشرا على عفة فرجه و طعام بطنه لكن هذه القصّة لا يصلح حجة الا إذا كان الغنم ملكا للبنت دون شعيب عليه السلام و الظاهر خلافه (مسئلة) و لو نكح على تعليم سورة من القران جاز عند مالك و الشافعي و هى رواية عن احمد و لم يجز عند ابى حنيفة و احمد فيجب عندهما مهر المثل و هذا الاختلاف مبنى على اختلافهم فى جواز الاستيجار على القرب كالحج و الاذان و تعليم القران و نحو ذلك فمن جوّز الاستيجار عليها جوّز جعلها مهرا فى النكاح لانها من المنافع التي ألحقت بالأموال شرعا و من لم يجوّز الاستيجار لم يجوّز جعلها مهرا و للشافعى فى اثبات جواز جعل القران مهرا طريقان أحدهما الاحتجاج على جواز الاستيجار على القرب مطلقا و ثانيهما الاحتجاج على خصوصية هذه المسألة اعنى جعل تعليم القران مهرا و له فى الطريق الاول حديثان أحدهما عن ابى سعيد ان ناسا من اصحاب النبي صلى اللّه عليه و سلم أتوا على حى من احياء العرب فلم يقروهم فبيناهم كذلك إذ لدغ سيّد أولئك فقال معكم من دواء أوراق فقال انكم لم تقروا و لن نفعل حتى تجعلوا لنا جعلا فجعلو لهم «١» قطيعا من الشاء فجعل يقرا بام القران و يجمع بزاقه و يتفل فبرا فاتوا بالشاء و قالوا لا نأخذ حتى نسئل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فسالوه فضحك و قال و ما يدريك انها رقية خذوها و اضربوا لى بسهم ثانيهما عن ابن عباس ان نفرا من اصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مرّوا بماء فيه لديغ او سليم «٢» فعرض لهم رجل من اهل الماء فقال هل فيكم راق ان فى الماء رجلا لديغا او سليما فانطبق رجل فجاء فقرا بفاتحة الكتاب فبرأ فجاء بالشاء الى أصحابه فكرهوا ذلك و قالوا أخذت على كتاب اللّه اجرا حتى قدموا المدينة فقالوا يا رسول اللّه أخذ على كتاب اللّه اجرا فقال عليه السلام ان احقّ ما أخذتم عليه اجرا كتاب اللّه و فى رواية أصبتم و اضربوا لى معكم سهما الحديثان فى الصحيحين و روى احمد و ابو داود نحو ذلك عن خارجة بن الصلت عن عمه و أجيب عن هذين الحديثين بان القوم كانوا كفارا جاز أخذ أموالهم و بان الرقية ليست قربة محضة جاز أخذ الاجرة عليها و للشافعى فى الطريق الثاني حديث سهل بن سعد ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم جاءته امراة فقالت يا رسول اللّه انى وهبت نفسى لك فقامت طويلا فقام رجل فقال يا رسول (١) فى الأصل فجعلوهم. (٢) السليم اللديغ سمى به تفولا منه رح. اللّه زوّجنيها ان لم يكن لك فيها حاجة فقال هل عندك من شى ء تصدقها قال ما عندى الا إزاري هذا قال التمس و لو خاتما من حديد فالتمس فلم يجد شيئا فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم هل معك من القران شى ء قال نعم سورة كذا و سورة كذا فقال قد زوّجتكها بما معك من القران و فى رواية فانطلق فقد زوّجتكها فعلمها من القران متفق عليه و أجيب عن هذا الحديث بانه كما انه كان من خصائص النبي صلى اللّه عليه و سلم ان ينكح امراة بلا مهران وهبت نفسها له كذلك كان له ان يزوجها غيره بلا مهر بعد ما وهبت نفسها له روى ابن الجوزي عن مكحول ان رسول اللّه صلى عليه و سلم زوّج رجلا على ما معه من القران قال و كان مكحول يقول ليس ذلك لاحد بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و كذا ذكر الطحاوي عن ليث انه قال لا يجوز هذا بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و أجاب ابن الجوزي عن هذا الحديث بانه كان لضرورة الفقر فى اوّل الإسلام، قلت هذا كانّه ادعاء نسخ و النسخ لا يثبت بمجرد الاحتمال و كذا كونه من الخصائص، و لابى حنيفة و من معه فى اثبات ما ادّعوه طريقان أحدهما الاحتجاج على عدم جواز الاستيجار للقرب و ثانيها فى خصوصية عدم صلوح التعليم مهرا و لهم فى الطريق الاول أحاديث منها حديث عبادة بن الصامت قال علّمت ناسا من اصحاب الصّفة الكتابة و القرآن فاهدى الىّ رجل منهم قوسا فقلت ارمى عليها فى سبيل اللّه فسالت النبي صلى اللّه عليه و سلم فقال ان يسرّك ان تطوق طوقا من نار فاقبلها رواه احمد و ابو داؤد و فيه المغيرة قال ابن الجوزي ضعيف و منها حديث ابى بن كعب قال علّمت رجلا القران فاهدى لى قوسا فذكرت ذلك لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال ان أخذتها أخذت قوسا من نار فرددتها رواه ابن الجوزي و منها حديث عبد الرحمن بن سهل الأنصاري قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول اقرءوا «١» القران و لا تغلوا «٢» فيه و لا تجفوا «٣» عنه و لا تأكلوا به و لا تستكبروا به رواه الطبراني و منها حديث مطرف بن عبد اللّه ان عثمان بن ابى العاص قال يا رسول اللّه اجعلنى امام قومى قال اقتد باضعفهم و اتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه اجرا رواه احمد و لهم فى؟؟؟ السائق الثاني انا لو سلمنا جواز الاستيجار على القرب فتعليم القرآن خاصة لا يجوز الاستيجار عليه لان من شرائط صحة الاجارة كون العمل معلوما او الوقت معلوما و التعليم قد يحصل بقليل العمل و قد يحصل بكثيره و ايضا التعليم يتوقف على وصف فى المتعلّم و ذلك (١) فى الأصل اقرأ القران. (٢) قوله لا تغلوا اى لا تجاوزوا الحد قال فى النهاية انما قال ذلك لان من أخلاقه و آدابه التي امر بها القصد فى الأمور و خير الأمور أوساطها و كلا طرفى قصد الأمور ذميم منه رحمه اللّه-. (٣) لا تجفوا اى تعاهدوه و لابتعدوا عن تلاوته و الجفاء البعد عن الشي ء نهاية منه رحمه اللّه-. ليس فى وسع المعلم فلا يجوز الاستيجار عليه و إذا ظهر عدم جواز الاستيجار عليه ظهران الشرع ما الحقه بالأموال فلا يجوز جعله مهرا لتقتييد الاحلال بابتغاء النساء بالأموال، و حديث سهل بن سعد حديث احاد لا يجوز العمل به فى مقابلة نصّ الكتاب اعنى قوله تعالى أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ قال البيضاوي قوله تعالى أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مفعول له لقوله تعالى احلّ لكم يعنى ليس قيدا للاحلال و المعنى أحل لكم ماوراء ذلكم ارادة ان تبتغوا النساء باموالكم بالصرف فى مهورهن او أثمانهن فى حال كونكم محصنين غير مسافحين و انما قدر البيضاوي المضاف ليكون المفعول له فعلا لفاعل «١» الفعل المعلل له و الصحيح انه لا حاجة الى تقدير المضاف لان حذف حرف الجر مع ان و انّ قياس فجاز ان يقدر اللام من غير اشتراط اتحاد الفاعل ثم قال البيضاوي نظرا الى هذا التأويل انه احتج به الحنفية على ان المهر لا بدّ ان يكون مالا و لا حجة فيه و معنى قوله لا حجة فيه ان التحليل لفائدة عدم صرف الأموال فى السّفاح الموجب لخسران الدنيا و الآخرة لا يقتضى ان لا يحصل التحصيل بدون المال، قلت هذا التأويل يقتضى كون حل ماوراء المحرمات مطلقا و ان لا يكون قوله ان تبتغوا قيدا له و ليس كذلك لظهور ان الحل مقيد بالنكاح او ملك اليمين و كون المهر لا بد ان يكون مالا امر مجمع عليه حتى ان من نكح على ميتة او تراب او رماد مثلا مما ليس بمال يجب عليه مهر المثل اجماعا كمن نكح بلا مهر و انما جوّز الشافعي النكاح على تعليم سورة من القران الحاقا له بالمال كما جوّز الاستيجار عليه و قد ذكرنا ما له و ما عليه فالتأويل الصحيح هو الذي ذكرنا الذي يستنبط بها المسائل المجمع عليها و اللّه اعلم- (مسئلة) من أعتق امة و جعل عتقها صداقها بان قال اعتقتك على ان تزوجنى نفسك بعوض العتق صح العتق بالإجماع و قال احمد ان كان هذا بحضرة شاهدين صح النكاح لقصّة نكاح صفية و عنه لا يصح كقول الجمهور و هى بالخيار فى تزويجه فان تزوجته فلها مهر مثلها عند الجمهور خلافا لابى يوسف و سفيان الثوري لهما الحديث الصحيح انه صلى اللّه عليه و سلم تزوج صفية و جعل عتقها صداقها و قصّة جويرية فى سبايا بنى (١) فى الأصل للفاعل. المصطلق انها وقعت فى سهم ثابت بن قيس و ابن عمّ له فكاتبها فجاءت الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم تستعينه فى كتابتها فقال لها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أقضي عنك كتابتك و أتزوجك قالت نعم قال قد فعلت رواه احمد و ابو داؤد من حديث عائشة قلنا انه نكاح بغير مال إذ رقبة الامة لا تصير ملكها فصار حكمه حكم نكاح بلا مهر فيجب مهر المثل و الحديث لا يصلح حجة لان النكاح بلا مهر كان من خصائص النبي صلى اللّه عليه و سلم لقوله تعالى خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ و ان أبت ان تتزوجه يجب على الامة السعاية فى قيمتها عند ابى حنيفة و الشافعي و ابى يوسف و محمد و قال مالك و زفر لا يجب عليها السّعاية وجه قول ابى حنيفة و صاحبيه و الشافعي ان المولى اجعل العتق عوضا من البضع فاذا أبت عن التزويج بقي العتق بلا عوض و لم يرض به المولى فوجب السعاية عليها كما إذا أعتق على خدمة سنة فمات المولى يجب على العبد قيمة نفسه عند ابى حنيفة و ابى يوسف و قيمة الخدمة عند محمد و وجه قول مالك و زفران العتق لمّا لم يصلح عوضا عن النكاح فبقى العتق بغير عوض فلا سعاية عليها ان أبت كما لا سعاية عليها ان اجابت و هذا القول اظهر، (مسئلة) اكثر المهر لاحد له اجماعا لما ذكرنا فى تفسير قوله وَ آتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً و اختلفوا فى اقل المهر فقال الشافعي و احمد لاحد لاقل المهر فكل ما جاز ان يكون ثمنا فى البيع جاز ان يكون صداقا فى النكاح و الحجة لهما اطلاق قوله تعالى أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ و قال ابو حنيفة و مالك اقل المهر مقدر شرعا و هو ما يقطع فيه يد السّارق مع اختلافهما فى قدر ذلك فعند ابى حنيفة عشرة دراهم او دينار و عند مالك ربع دينار او ثلثة دراهم احتج ابو حنيفة و مالك على كونه مقدرا من اللّه تعالى بقوله تعالى قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ قالوا الفرض هو التقدير فكان المهر مقدرا شرعا فمن لم يجعله مقدرا كان مبطلا للكتاب و أسند التقدير الى نفسه فمن جعل التقدير مفوضا الى العبد كان مبطلا لموجب ضمير المتكلم قلنا هذه الاية فى النفقة دون المهر قال اللّه تعالى قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ وَ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ إذ ليس للمملوكة مهر و لو ثبت بهذه الاية تقدير المهر لزم تقدير الثمن فى المملوكة ايضا و لم يقل به أحد و احتج الشافعي لعدم التقدير بأحاديث منها ما ذكرنا من حديث سهل بن سعد و فيه التمس و لو خاتما من حديد و هو حديث صحيح و منها حديث عامر بن ربيعة ان امراة من فزارة تزوجت على نعلين فقال لها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أ رضيت من نفسك و مالك بنعلين قالت نعم فاجازه رواه الترمذي و صححه و قال ابن الجوزي لا يصح لان فى سنده عاصم بن عبيد اللّه قال يحيى بن معين ضعيف لا يحتج بحديثه قال ابن حبان كان فاحش الخطا فترك و منها حديث جابر بن عبد اللّه ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال لو ان رجلا اعطى امراة صداقها ملا يده طعاما كانت له حلالا و فى رواية بلفظ من اعطى فى نكاح ملا كف فقد استحل قال من دقيق او طعام او سويق رواه الدارقطني و روى ابو داود بلفظ ملا كفيه سويقا او تمرا و فى جميع طرقه صالح بن مسلم بن رومان ضعّفه يحيى و الرازي و ذكر فى بعض طرقه موسى بن مسلم مكان صالح بن مسلم و لا يعرف موسى و رواه الدارقطني من حديث عبد اللّه بن مؤمل عن ابى الزبير عن جابر قال كنا تنكح المرأة على الحفنة و الحفنتين قال احمد أحاديث ابن المؤمل منكر و قال يحيى هو ضعيف و منها حديث ابى سعيد الخدري عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انكحوا الأيامى وادوا العلائق قيل ما العلائق بينهم يا رسول اللّه قال ما تراضى عليه الأهلون و لو قضيب من أراك رواه الدارقطني من طريق إسماعيل بن عياش عن برد بن سنان عن ابى هارون العبدى عنه و اسمعيل بن عياش ضعّفوه قال ابن حبّان خرج عن الاحتجاج به و ابو هارون العبدى اسمه عمارة ابن جون قال حماد بن زيد كان كذابا و قال احمد ليس بشى ء و قال شعبة ان اقدم فيضرب عنقى احبّ الى من ان أحدث عنه قال السعدي كذاب مفتر و روى الدارقطني و البيهقي نحوه من طريق محمد بن عبد الرحمن السلماني عن أبيه عن ابن عباس و قيل عن ابن عمر رواه الدارقطني و الطبراني و قال يحيى بن معين محمد بن عبد الرحمن ليس بشى ء و قال ابن حبان حدث عن أبيه بنسخه شبيها بماتى حديث كلها موضوعة و أخرجه البيهقي من حديث عمر و اسناده ضعيف ايضا، و رواه ابو داود فى المراسيل من طريق عبد الملك بن المغيرة الطائفي عن عبد الرحمن السليماني مرسلا حكى عبد الحق المرسل أصح و روى البيهقي عن يحيى بن عبد الرحمن عن أبيه عن جدّه من استحل بدرهم فقد استحل و أخرجه ابن شاهين بلفظ يستحل النكاح بدرهمين فصاعدا و احتج ابو حنيفة بحديث جابر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الا لا يزوج النساء الا الأولياء و لا يزوجن الا من الأكفاء و لا مهر اقل من عشرة دراهم رواه الدارقطني و البيهقي قال ابن الجوزي روينا هذا الحديث من طرق مدارها على مبشر بن عبيد قال ابن حنبل مبشر ليس بشى ء أحاديثه موضوعات كذب يضع الحديث و قال الدارقطني يكذب و قال ابن حبان يروى عن الثقات الموضوعات قال ابن همام لهذا الحديث شاهد يعضده و هو ما روى عن على موقوفا لا يقطع اليد فى اقل من عشرة دراهم و لا يكون المهر اقل من عشرة دراهم و قال محمد بلغنا ذلك عن على و عبد اللّه بن عمرو عامر و ابراهيم و رواه بإسناده الى جابر فى شرح الطحاوي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لكن فى حديث على داود الأزدي عن الشعبي عن على قال يحيى بن معين داود ليس حديثه بشى ء قال ابن حبان كان داود يقول بالرجعة ثم ان الشعبي لم يسمع عن على و فى بعض طرقه غياث بن ابراهيم قال احمد و البخاري و الدارقطني غياث بن ابراهيم متروك و قال يحيى كان كذابا و قال ابن حبان يضع الحديث و قد روى عن على لا مهر اقل من خمسة دراهم و فيه الحسن بن دينار قال احمد لا يكتب حديثه و قال يحيى ليس بشى ء و قال ابو حاتم كذاب قلت فظهران حديث التقدير بعشرة دراهم لم يصح بل صح ما ليضاده و هو حديث سهل بن سعد و لو صح حديث التقدير بعشرة لم يجز به الزيادة على الكتاب المفيد للاطلاق و ما قيل ان المهر وجب حقا للشرع و سببه اظهار الخطر للبضع و مطلق المال لا يقتضى الخطر كحبة حنظة و كسرة خبز فهو تعليل يعود على النص بالابطال فى موجبه و هو الإطلاق فيرد و اللّه اعلم فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ قال جماعة المراد بالاستمتاع عقد المتعة و هى عقد يراد بها ملك البضعة الى مدة معينة بمهر معين بانت المرأة بعد انقضاء تلك المدة بلا طلاق و تستبرئ رحمها و ليس بينهما ميراث و لا تسمى المرأة بها زوجة و لا الرجل زوجا روى عبد الرزاق فى مصنفه عن ابن جريح عن عطاء عن ابن عبّاس انه كان يراها الان حلالا و يقرا فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ قال و قال ابن عباس و فى حرف ابى بن كعب الى أجل مسمى قال و كان يقول يرحم اللّه عمر ما كانت المتعة الا رحمة من اللّه يرحم اللّه بها عباده و لو لا نهى عمر ما احتيج الى الزنى ابدا و روى ابن عبد البر انه سئل ابن عباس عن المتعة أ سفاح هى أم نكاح قال لا نكاح و لا سفاح قيل فما هى قال المتعة كما قال اللّه تعالى قلت و هل عليها حيضة قال نعم قلت و يتوارثان قال لا و روى تحليلها عن جماعة من الصحابة روى النسائي و الطحاوي عن اسماء بنت ابى بكر قالت فعلناها على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و روى مسلم عن جابر قال تمتعنا على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و ابى بكر و صدر خلافة عمر و لما كان اخر خلافة عمر نهانا عنها فلم نعد و روى الطحاوي عنه و عن سلمة بن الأكوع ان النبي صلى اللّه عليه و سلم أتاهم فاذن فى المتعة و فى الصحيحين عن ابن مسعود قال رخص لنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان ننكح المرأة الى أجل مسمى ثم قرا يعنى ابن مسعود يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللّه لَكُمْ و هذه الآثار لا تمنع كونها منسوخة غير اثر ابن عباس و قراءة ابن مسعود يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللّه لَكُمْ و روى عبد الرزاق فى مصنفه عن معاوية انه استمتع بامراة بالطائف و ذكر عمرو بن شيبة فى اخبار المدينة بإسناده ان سلمة بن امية استمتع بامراة فبلغ ذلك عمر فتوعده و روى عبد الرزاق فى مصنفه عن معبد بن امية حل المتعة قال الحافظ و افتى بها من التابعين ابن جريح و طاءوس و عطاء و اصحاب ابن عباس و سعيد بن جبير و فقهاء مكة و لهذا قال الأوزاعي فيما رواه الحاكم عنه فى علوم الحديث يترك من قول اهل الحجاز خمس فذكر منها متعة النساء من قول اهل مكة و إتيان النساء فى أدبارهن من قول اهل المدينة (مسئلة) و الإجماع انعقد على عدم جواز المتعة و تحريمها لا خلاف فى ذلك فى علماء الأمصار الا من طائفة من الشيعة و الحجة على تحريم المتعة قوله تعالى وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ، إذ لا شك ان المرأة بالمتعة لا تسمّى زوجة و لذا لا توارث بينهما فان كان تأويل الاية على ما قال ابن عباس فالاية منسوخة روى مسلم عن الربيع بن سبرة بن معبد الجهني ان أباه حدّثه انه كان مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال يايّها الناس انى كنت أذنت لكم فى الاستمتاع من النساء و ان اللّه قد حرم ذلك الى يوم القيامة فمن كان عنده شى ء منهن فليخل سبيله و لا تأخذوا ممّا اتيتموهن شيئا و روى مسلم ايضا عنه قال اذن لنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بالمتعة فانطلقت انا و رجل الى امراة من بنى عامر كانها بكرة عيطاء فعرضنا عليها أنفسنا فقالت ما تعطينى فقلت ردائى و قال صاحبى ردائى و كان رداء صاحبى أجود من ردائى و كنت أشبّ منه فاذا نظرت الى رداء صاحبى أعجبها و إذا نظرت الى اعجبتها ثم قالت أنت و رداءك يكفينى فمكثت معها ثلاثا ثم ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال من كان عنده شى ء من النساء التي يتمتع بهنّ فليخلّ سبيلها و روى ابن ماجة بإسناد صحيح عن عمر انه خطب فقال ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اذن لنا فى المتعة ثلاثا ثم حرّمها و اللّه لو اعلم أحدا تمتع و هو محصن الا رجمته بالحجارة و فى رواية خطب عمر فقال ما بال رجال ينكحون هذه المتعة و قد نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عنها لا اوتى أحد نكحها الا رجمته و سئل ابن عمر عن المتعة فقال حرام فقيل له ابن عباس يفتى بها قال فهلّا تزمزم بها فى زمان عمر و روى مسلم عن سلمة بن الأكوع قال رخص لنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عام أوطاس ثلاثا ثم نهانا عنها و روى مسلم عن سبرة بن معبد أمرنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عام الفتح حين دخلنا مكة ثم لم يخرج منها حتى نهانا عنها و اخرج الحازمي بسنده عن جابر قال خرجنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الى غزوة تبوك حتى إذا كنا عند العقبة مما يلى الشام جاءت نسوة فذكرنا تمتعنا و هن تظعن فى رحالنا فجاء رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فنظر إليهن فقال من هؤلاء النسوة فقلنا يا رسول اللّه نسوة تمتعنا بهن قال فغضب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حتى احمرت و جنتاه و تمعر وجهه و قام فينا خطيبا فحمد اللّه و اثنى عليه ثم نهى عن المتعة فتواد عنا يومئذ الرجال و النساء فلم نعد و لا نعود اليه ابدا و روى الطحاوي عن ابى هريرة قال خرجنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى غزوة تبوك فنزل ثنية الوداع فراى مصابيح و نساء يبكون فقال ما هذا فقيل نساء تمتع بهن ازواجهنّ و فارقوهن فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان اللّه حرم و أهدر المتعة بالطلاق و النكاح و العدة و الميراث و فى لفظ عند الدارقطني بإسناد حسن هدم المتعة بالطلاق و العدة و الميراث و روى البخاري و مسلم عن الحسن و عبد اللّه ابني محمد بن على عن أبيهما عن على انه سمع ابن عباس يلين فى متعة النساء فقال مهلا يا ابن عباس فان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم نهى عنها يوم خيبر و عن أكل لحوم الحمر الانسية و فى رواية عن على انه قال لابن عباس انك رجل تائه و روى مسلم عن عروة بن الزبير ان عبد اللّه بن الزبير قام بمكة فقال ان ناسا أعمى اللّه قلوبهم كما أعمى أبصارهم يفتون بالمتعة يعرض برجل يعنى ابن عباس فانه ذهب بصره فى آخر عمره فناداه يعنى ابن عباس فقال انك لجلف «١» جاف فلعمرى لقد كانت المتعة تفعل على عهد امام المتقين يريد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال له ابن الزبير فجرب بنفسك فو اللّه لان فعلتها لارجمنك باحجارك (١) الجلف الأحمق و معناه الحقيقي الشاة المسلوخة التي قطع رأسها و قوائمها و يقال للدنى ايضا شبه الأحمق بهما و الجفا البعد عن الشي ء منه رحمه اللّه. فقال ابن ابى عمرة الأنصاري انها كانت رخصة فى اوّل الإسلام لمن اضطر إليها كالميتة و الدّم و لحم الخنزير ثم احكم اللّه الدّين و نها عنها و اخرج البيهقي عن الزهري انه قال ما مات ابن عباس حتى رجع عن فتواه بحل المتعة و كذا ذكر ابو عوانة فى صحيحه، و اخرج ابو داود فى ناسخه و ابن المنذر و النحاس من طريق عطاء عن ابن «١» عطفى هذه الاية قال نسخها يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ...، وَ الْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ ...، وَ اللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ الاية و كذا روى البيهقي و غيره عن ابن مسعود و ابو داود و البيهقي عن سعيد بن المسيّب قال نسخت اية الميراث المتعة و روى الترمذي عن ابن عبّاس انه قال انما كانت المتعة فى اوّل الإسلام كان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة فيتزوج المرأة بقدر ما يرى انه مقيم فتحفظ له متاعه و تصلح له شيئه حتى إذا نزلت الآية إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ قال ابن عباس فكل فرج سواهما فهو حرام قلت لعل ابن عباس انما رجع عن فتواه بعد مناظرة ابن الزبير و غيره من العلماء حين اطلع على حقيقة الأمر و ظهر كونها منسوخة و قد حكى انه انما كان يفتى بإباحتها حالة الاضطرار و العنت فى الاسفار لما روى الحارمى من طريق الخطابي عن ابى المنهال عن سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس سارت بفتياك الركبان و قال فيها الشعراء فقال ما قالوا قلت قالوا قد قلت للشيخ لما طال محبسه يا صاح هل لك فى فتوى ابن عباس هل لك فى رخصة الأطراف أنسة يكون مثواك حتى يصدر الناس، فقال سبحان اللّه ما بهذا أفتيت و ما هى الّا كالميتة و الدم و لحم الخنزير لا يحل الا للمضطر و كذا روى ابن المنذر فى تفسيره و البيهقي فى سننه بلفظ إِنَّا للّه وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ لا و اللّه ما بهذا أفتيت و لا هذا أردت و لا احللتها الا للمضطر انتهى، و ابن جريج ايضا رجع عن فتواه و روى ابو عوانة فى صحيحه عن ابن جريح انه قال بالبصرة اشهدوا انى قد رجعت عنها يعنى عن الفتوى بحل المتعة بعد ان حدثهم ثمانية عشر حديثا انه لا بأس به فان قيل وقع فى بعض روايات مسلم الرخصة (١) هكذا فى الأصل لعله ابن عباس. بالمتعة و تحريمها عام أوطاس و فى بعضها حرّمها يوم الفتح و فى الصحيحين حرمها يوم خيبر و فى بعض الروايات و رود النهى فى غزوة تبوك فكيف التوفيق قلنا غزوة أوطاس كان مقارنا بالفتح فعام أوطاس و يوم الفتح واحد و التوفيق بين يوم الفتح و يوم خيبر ان المتعة رخصت فيها مرتين ثم نسخت كل مرة و استقر الأمر على التحريم الى يوم القيامة كذا قال ابن همام و فى صحيح مسلم باب نكاح المتعة و انه أبيح ثم نسخ ثم أبيح ثم نسخ و استقر تحريمه الى يوم القيامة و قال البغوي قال الربيع بن سليمان سمعت الشافعي يقول لا اعلم فى الإسلام شيئا أحل ثم حرم ثم أحل ثم حرم غير المتعة و قال بعضهم نسخت ثلاث مرات و قيل اكثر و اما غزوة تبوك فلم يرد هناك رخصة و انما فعل من فعل هناك بناء على عدم علمهم بالتحريم المؤبد و من ثم غضب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حتى تمعر وجهه و خطب و نهى عن المتعة و قال الحارمى انه صلى اللّه عليه و سلم لم يكن أباحها لهم قط و هم فى بيوتهم و أوطانهم و انما أباحها لهم فى اوقات بحسب الضرورات حتى حرّمها عليهم فى اخر سنينه فى حجة الوداع و كان تحريمه تابيدا يعنى بين الحرمة فى اخر سنينه فى حجة الوداع حتى استقر عليه الأمر و اللّه اعلم و قال اكثر المفسرين المتعة ليست مرادة من هذه الاية بل معنى قوله فما استمتعتم به منهن ما انتفعتم و تلذدتم بالجماع من النساء بالنكاح الصحيح فاتوهن أجورهن اى مهوهن كذا قال الحسن و مجاهد و اخرج ابن جرير و ابن المنذر و ابن ابى حاتم عن ابن عباس قال الاستمتاع النكاح و هو قوله وَ آتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً، (مسئلة) قيل هذه الاية بهذا التأويل تدل على ان المرأة لا تستحق المهر الا بالدخول فهى حجّة لمالك حيث قال المرأة لا تملك الصداق الا بالدخول او الموت دون العقد و انما تستحق بالعقد نصف المسمى خلافا للجمهور فعندهم تملك بالعقد لكن يسقط نصف المهر بالطلاق قبل الدخول بالنص قلنا الباء فى قوله تعالى أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ للالصاق فهى تدل على لصوق وجوب المال بالابتغاء يعنى العقد و تنافى تراخيه الى الدخول كما ذكرنا ثمه و هذه الاية تدل على وجوب الأداء و عدم احتمال السقوط بالاستمتاع- و لا تدل على عدم الوجوب قبل ذلك بنفس العقد بل هو مسكوت عنه فى هذه الآية فلا تعارض بين الآيتين و لا حجة لمالك و إذا ملكت المهر بالعقد جاز لها ان تمنع الزوج من الدخول بها او يسافر بها حتى يؤدى مهرها و جاز اعتاقها لا اعتاقه عبدا سمى مهرا و اللّه اعلم، فَرِيضَةً حال من الأجور بمعنى مفروضة او صفة مصدر محذوف اى إيتاء مفروضا او مصدر مؤكد اى فرض فريضة وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ فمن حمل ما قبله على المتعة قال معناه إذا عقد الى أجل بمال فاذا تم الاجل فان شاءت المرأة زادت فى الاجل و زاد الرجل فى الاجر و الا تفارقا و من حمل على الاستمتاع بالنكاح الصحيح قال المراد به لا جناح عليكم فيما تراضيتم به من ان تحطّ المرأة بعض المفروض عن الزوج او تهبه كله او يزيد الرجل لها على قدر المفروض، (مسئلة) و هذه الاية تدل على ان الزيادة فى المهر تلحق بأصل العقد و كذا الحط فللمرءة ان يطالب الزيادة كما ان لها طلب اصل المهر فهى حجة على الشافعي حيث قال الزيادة هبة مستانفة ان قبضها مضت و ان لم يقبضها بطلت، وجه الاحتجاج ان الأمر لو كان كما قال الشافعي فلا فائدة فى هذه الاية و بناء على لحوق الزيادة بأصل المهر قال احمد ان مات الزوج او دخل بها يجب المهر كله مع الزيادة و ان طلقها قبل الدخول ينتصف الزيادة مع المسمى و كذا قال ابو حنيفة غير انه قال تسقط الزيادة بالطلاق قبل الدخول و لا ينتصف لقوله تعالى وَ إِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَ قَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ خصّ الوجوب بنصف المفروض فى العقد فقط و قال مالك الزيادة ثابتة ان دخل بها و ان طلقها قبل الدخول فلها نصف الزيادة مع نصف المسمى و ان مات قبل الدخول و قبل القبض بطلت، (مسئلة) لو حطت المرأة بعض مهرها صح اتفاقا فلو وهبت اقل من النصف و قبض الباقي و طلقت قبل الدخول رجع الزوج عليها الى تمام النصف عند ابى حنيفة و عند ابى يوسف و محمد ينتصف المقبوض فقط إِنَّ اللّه كانَ عَلِيماً بالمصالح حَكِيماً (٢٤) فيما شرع من الاحكام. ٢٥ وَ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا الطول و الطائل و الطائلة الفضل و القدرة و الغناء و السعة كذا فى القاموس و معناه هاهنا الاستطاعة و هى القدرة فهو منصوب على المصدرية أَنْ يَنْكِحَ منصوب على انه مفعول به يعنى من لم يستطع منكم استطاعة ان ينكح و جاز ان يكون طولا مفعولا به و معناه الاعتلاء و هو يلازم الفضل و الغناء و ان ينكح منصوبا بنزع الخافض متعلّقا بطولا يعنى من لم يستطع منكم ان يعتلى و يرتفع الى ان ينكح و جاز ان يكون طولا علة للاستطاعة المنفية و ان ينكح مفعولا به للمنفى يعنى و من لم يستطع منكم بسبب الغناء ان ينكح و جاز ان يكون طولا بمعنى الغناء و ان ينكح متعلقا بفعل مقدر صفة لطولا يعنى من لم يستطع منكم غنى يبلغ به ان ينكح الْمُحْصَناتِ اى الحرائر سميت محصنات لكونهن ممنوعات عن ذل الرق الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ تقديره فلينكح امراة كائنة مما ملكنه أَيْمانُكُمْ يعنى ايمان بعض منكم يعنى من إماء غيركم فان النكاح بمملوكة نفسه لا يجوز لعدم الحاجة الى نكاحها كائنة مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ احتج الشافعي و مالك و احمد بهذه الاية على تحريم نكاح الامة عند طول الحرة و تحريم نكاح الامة الكتابية مطلقا لان الأمر المقدر اعنى فلينكح للاباحة فاباحة نكاح الامة مشروطة بشرط عدم طول الحرة و بشرط إيمانها لان الوصف ملحق بالشرط و عدم الشرط يوجب نفى الحكم و إذا انتفى الإباحة ثبت التحريم و هذا القول مروى عن جابر و ابن مسعود روى البيهقي من طريق ابى الزبير انه سمع جابرا يقول لا ينكح الامة على الحرة و ينكح الحرة على الامة و من وجد صداق حرة فلا ينكح امة ابدا و اسناده صحيح و روى ابن المنذر عن ابن مسعود قال انما أحل اللّه نكاح الإماء لمن لم يستطع طولا و خشى العنت على نفسه قالت الحنفية اوّلا بان الاستدلال بمفهوم المخالفة غير صحيح عندنا و عدم الشرط لا يوجب نفى الحكم لان أقصى مراتب الشرط ان يكون علة و عدم العلة لا يوجب عدم المعلول لجواز وجوده بعلة اخرى فالتعليق بالشرط و التقييد بالوصف انما يوجب وجود الحكم على تقدير الشرط و الوصف و تقدير عدم الشرط و الوصف مسكوت عنه فان ثبت الحكم على ذلك التقدير بعلة اخرى فذاك و الا فيعدم الحكم عدما اصليا لا حكما شرعيا و فيما نحن فيه اباحة نكاح الإماء مطلقا مؤمنة كانت او كتابية سواء كان الزوج قادرا على نكاح الحرة او لم يكن ثابت بعموم قوله تعالى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ و قوله تعالى وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ و ثانيا بان الاستدلال بالمفهوم عند القائلين به مشروط بان لا يكون التقييد خارجا مخرج العادة و لا يتصوّر من التقييد فائدة غير الاحتراز و هاهنا جاز ان يكون الكلام خارجا مخرج العادة فان العادة ان الرجل الحرّ لا يرغب الى نكاح الامة الّا عند عدم طول الحرة و المسلم لا يرضى بالمعاشرة مع الكافرة و لاجل ذلك قيد المحصنات بالمؤمنات و ليس ذلك القيد للاحتراز اجماعا و من ثم قال الشافعي لا يجوز نكاح الامة مع طول الحرة الكتابية ايضا و جاز ان يكون التقييد لبيان الأفضل و ثالثا بانا لو سلمنا إفادة المفهوم نفى الإباحة فنفى الإباحة لا يستلزم ثبوت الحرمة بل قد يكون فى ضمن الكراهة و نحن نقول بالكراهة كما صرح فى البدائع و وجه كراهة نكاح الامة الكتابية بل الحرة الكتابية ايضا استلزامه موالات الكفار و قد نهينا عنه قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لم تر للمتحابين مثل النكاح رواه ابن ماجة عن ابن عباس و قال اللّه تعالى لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَ النَّصارى أَوْلِياءَ و قال لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللّه عَلَيْهِمْ و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم تنكح المرأة لاربع لمالها و لحسبها و لجمالها و لدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك متفق عليه من حديث ابى هريرة و لمسلم عن جابر ان المرأة تنكح على دينها و مالها و جمالها فعليك بذات الدّين تربت يداك و رواه الحاكم و ابن حبان من حديث ابى سعيد و ابن ماجة و البزار و البيهقي من حديث عبد اللّه بن عمرو نحوه و وجه كراهة نكاح الإماء انها توجب ارقاق الولد و الرق موت حكما و قد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم تخيروا لنطفكم فانكحوا الأكفاء و انكحوا إليهم رواه ابو داؤد و الحاكم و صححه البيهقي عن عائشة وَ اللّه أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ و التفاضل انما هو بالايمان و الأعمال بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ يعنى بعضكم من جنس بعض الأحرار و الأرقاء كلهم من نفس واحدة آدم عليه السلام قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان اللّه قد اذهب عنكم عيبة الجاهلية و فخرها بالآباء انما هو مومن تقى و فاجر شقى الناس كلهم بنوا آدم و آدم من تراب رواه الترمذي و ابو داؤد من حديث ابى هريرة و روى احمد و البيهقي عن عقبة بن عامر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انسابكم هذه ليست بمسبة على أحد كلكم بنو آدم طف الصّاع بالصّاع لم تملؤه ليس لاحد على أحد فضل الآبدين و تقوى كفى بالرجل ان يكون بذيا فاحشا بخيلا فهذان الجملتان لتأنيس الناس بنكاح الإماء و منعهم عن الاستنكاف منهن فَانْكِحُوهُنَّ اى الفتيات المؤمنات بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ يعنى اربابهن الضمير راجع الى الفتيات و المراد بها الإماء و هى تعم القنة و المكاتبة و المدبرة و أم الولد و الأمر هاهنا للوجوب و الإيجاب راجع الى القيد يعنى لا يجوز نكاح الإماء الّا بإذن سيّدها و كذا العبد و لذلك ذكر صيغة فانكحوهن و لم يكتف بان يقول فممّا ملكت ايمانكم من فتيتكم المؤمنات بإذن اهلهنّ لان الأمر هناك للاباحة و هاهنا للوجوب و لا يجوز الجمع بين معنى الإيجاب و الإباحة فى صيغة واحدة و عدم جواز نكاح الرقيق بلا اذن السيّد امر مجمع عليه قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أيما عبد تزوج بغير اذن مولاه فهو عاهر رواه ابو داود و الترمذي من حديث جابر و قال حديث حسن و فى السّنن ايضا عن ابن عمر عنه صلى اللّه عليه و سلم إذا نكح العبد بغير اذن مولاه فنكاحه باطل (مسئله:) اختلفوا فى ان نكاح الرقيق بغير اذن السيّد هل ينعقد و يتوقف نفاذه على اذن المولى أم لا ينعقد أصلا فقال ابو حنيفة و مالك و هى رواية عن احمد انه ينعقد موقوفا، و قال الشافعي لا ينعقد أصلا، للجمهور ان العبد يتصرف باهليته و انما يشترط اذن المولى لفوات حقه فى الوطي فى الامة و شغل الذمة بالمهر فى العبد و فى الاية انما اعتبر اذن المولى دون عقده و للشافعى قوله صلى اللّه عليه و سلم فنكاحه باطل و ان الباء فى الاية للالصاق فلا بد ان يكون الاذن ملاصقا بالنكاح فلا يتوقف على اذن متأخر وَ آتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ قال مالك بظاهر هذه الاية ان المهر للامة و عند الجمهور مهرها ملك لسيّدها لانها مملوكة ملحقة بالجمادات لا يتصوّر كونها مالكة و قالوا فى تأويل الآية اتوهن مهورهن بإذن أهلهن فخذف ذلك لتقدم ذكره او المعنى أتوا مواليهنّ فخذف المضاف للعلم بان المهر للسيّد ضرورة دينية و فى هذين التأويلين ضعف لان العطف لا يقتضى مشاركة المعطوف و المعطوف عليه فى القيد المتأخر و انما الاشتراك فيما تقدم و لا بد لحذف المضاف من دليل و لا بد من نكتة لاختيار اتوهن على أتوهم مع سبق ذكر الأهل قال المحقق التفتازانيّ النكتة تأكيد إيجاب المهور و الاشعار بأنها أجور الابضاع و من هذا الجهة يسلم المهر إليهن و انما يأخذ الموالي من جهة ملك اليمين و الأقرب ان يقال ان الامة مالكة للمهر يدا كالعبد المأذون و الاذن فى النكاح كالاذن فى التجارة فيجب التسليم اليهنّ، و لك ان تحمل أجورهن على نفقاتهن فتستغنى عن اعتبار الاذن بِالْمَعْرُوفِ يعنى بلا مطل و نقصان و يمكن ان يقال المراد بالمعروف ايتاءهن بإذن أهلهن فان الإيتاء بغير اذن أهلهن منكر شرعا مُحْصَناتٍ عفيفات غَيْرَ مُسافِحاتٍ زانيات جهارا وَ لا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ احباب يزنون بهن سرّا قال الحسن المسافحة هى ان كل من دعاها تبعته و ذات خدن ان تختص بواحد لا تزنى الا معه و العرب كانوا يحرمون الاولى و يجوّزون الثانية قوله غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَ لا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ بيان لمحصنات و قوله محصنات حال من مفعول فَانْكِحُوهُنَّ و آتُوهُنَّ على سبيل التنازع، و قيد نكاحهن بالاحصان لبيان الأفضل عند ابى حنيفة و الشافعي و قال احمد لا يجوز النكاح مع الزانية حرة كانت او امة حتى تتوب حيث قال اللّه تعالى الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَ الزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَ حُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ و سنذكر تفسيرها فى سورة النور ان شاء اللّه تعالى و قال مالك يكره التزويج بالزانية مطلقا و قيد إيتاء المهر بالاحصان انما جاء بناء على تقييد النكاح به لان النكاح إذا كان فى حالة الإحصان كان الأداء ايضا فى تلك الحالة غالبا نظرا على استصحاب الحال فلا يرد ان وجوب أداء المهر غير مقيد بالعفة اجماعا- فَإِذا أُحْصِنَّ قرا حمرة و الكسائي و ابو بكر بفتح الالف و الصاد على البناء للفاعل اى حفظن فروجهنّ بالتزويج و قرا الآخرون بضم الالف و كسر الصاد على البناء للمفعول اى حفظهنّ أزواجهن و الإحصان فى اللغة المنع و جاء فى القران بمعنى الحرية و العفة و الزواج و الإسلام يعتبر فى كل مقام ما يناسبه و فى كل منها نوع من المنع و المراد هاهنا التزويج لان الكلام فى الامة المسلمة و العفة تنافى قوله تعالى فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ يعنى الزنى فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ يعنى الحرائر اى الابكار منهن و لا يجوز ان يراد بها المتزوجات عن الحرائر لانّ حدهن الرجم و ذا لا يتصوّر التنصيف فيه مِنَ الْعَذابِ يعنى الحد- (مسئلة) و حد الزنى فى الحر رجلا كان او امراة مائة جلدة ان كان غير محصن عند أبي حنيفة رحمه اللّه لقوله تعالى الزَّانِيَةُ وَ الزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ، و عند الشافعي و احمد مائة جلدة و تغريب عام و قال مالك انما التغريب فى الرجال دون النساء و الدليل على اثبات التغريب مع الجلد ما ذكرنا من حديث عبادة بن الصّامت البكر بالبكر جلد مائة و تغريب عام رواه مسلم و قد مرّ و عن زيد بن خالد قال سمعت النبي صلى اللّه عليه و سلم يأمر فيمن زنى و لم يحصن جلد مائة و تغريب عام رواه البخاري قال مالك البكر لا يشتمل المرأة فلا يثبت التغريب فى النساء و هذا ليس بشى ء فان سياق الحديث فى النساء قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم خذوا عنى خذوا عنى قد جعل اللّه لهنّ سبيلا البكر بالبكر الحديث و عدم شمول البكر المرأة ممنوع كيف و قد قال عليه السلام البكر تستأذن و كلمة من زنى فى حديث زيد عام فى الذكر و الأنثى و قال ابو حنيفة هذه زيادة على الكتاب لا يجوز بخبر الآحاد و سنذكر زيادة البحث فى هذا الباب فى سورة النور ان شاء اللّه تعالى (مسئلة) و حدّ الرقيق رجلا كان او امراة متزوجا كان او غير متزوج خمسون سوطا عند الائمة الاربعة اما الامة فبعبارة هذا النصّ و امّا العبد فبدلالة النصّ بطريق المساوات و لا تغريب على الرقيق عند الائمة الثلاثة واحد قولى الشافعي و أصح قولى الشافعي انه يغرب نصف عام و قال ابو ثور يرجم المحصن يعنى المتزوج من الأرقاء و هذه الاية حجة للجمهور عليه لانها تدل على نصف حدّ الأحرار و ذا لا يتصوّر الا فى الجلد و امّا الرجم فلا يقبل التنصيف و ذهب ابن عباس و مجاهد و سعيد بن جبير الى انه لاحد على غير المتزوجة من الأرقاء عملا بمفهوم الشرط من هذه الاية و مفهوم الشرط غير معتبر عند ابى حنيفة و عند الائمة الثلاثة لا مفهوم للشرط فى هذه الاية بل المراد منه التنبيه على ان المملوك و ان كان محصنا بالتزويج فلا رجم عليه انما حده الجلد بخلاف الحرّ و هذا الحكم العام يثبت بعموم قوله صلى اللّه عليه و سلم إذا زنت امة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد و لا يثرب عليها ثم ان زنت فليجلدها الحدّ و لا يثرب عليها ثم ان زنت الثالثة فتبين زناها فليبعها و لو بحبل شعر متفق عليه من حديث ابى هريرة فان لفظ امة نكرة فى حيز الشرط فتعم و عليه انعقد الإجماع و عن على رضى اللّه عنه قال ايها الناس اقيموا على ارقائكم الحد من أحصن منهم و من لم يحصن فان امة لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم زنت فامرنى ان اجلدها فاذا هى حديث عهد بنفاس فخشيت ان جلدتها ان اقتلها فذكرت ذلك لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال أحسنت رواه مسلم و روى عن عبد اللّه بن عياش بن ابى ربيعة قال أمرني عمر ابن الخطاب فى فتية من قريش فجلدنا ولائد من ولائد الامارة خمسين خمسين فى الزنى ذلِكَ اى شرع الحد لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ اى لمن خاف مشقة الضرب مِنْكُمْ حتى لا تقربوا الزنى وَ أَنْ تَصْبِرُوا عن قضاء الشهوة و لا تقربوا الزنى خَيْرٌ لَكُمْ فى الدنيا و الاخرة، و قال اكثر المفسّرين ذلك اشارة الى نكاح الإماء يعنى نكاح الإماء مختص بمن خشى العنت يعنى خاف الوقوع فى الزنى منكم فان الزنى سبب للمشقة فى الدنيا و الاخرة و ان تصبروا عن نكاح الإماء متعففين خير لكم كيلا يخلق الولد رقيقا و لا ترتكبوا الفعل المكروه قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الحرائر صلاح البيت و الإماء هلاكه رواه الثعلبي و الديلمي فى مسند الفردوس من حديث ابى هريرة و فى التحرير انه ضعيف قلت لعل هلاك البيت بمعنى ان أولاد الإماء تكون مماليك لساداتهن فيخلوا عنهم بيوت أزواجهن و هذا التأويل يناسب قوله تعالى وَ اللّه غَفُورٌ لمن لم يصبر عن نكاح الإماء رَحِيمٌ (٢٥) حيث رخص لكم فى نكاح الإماء و هذه الاية على هذا التأويل حجة للشافعى و مالك على اشتراط خوف الوقوع فى الزنى لجواز نكاح الإماء فان اللام للاختصاص قال البغوي و هو قول جابر و به قال طاؤس و عمرو بن دينار و لا يشترط ذلك عند ابى حنيفة لكنه يكره نكاح الامة عنده من غير ضرورة بمقتضى هذه الاية- (فائدة:) قال الشافعي و احمد نكاح الإماء ضرورى لاستلزامه رق الأولاد و لاشتراطه بعدم طول الحرة و تقييد نكاح الامة بالايمان فلا يجوز نكاح ما فوق الواحدة من الإماء للحرّ لاندفاع الضرورة بالواحدة و قال ابو حنيفة يجوز نكاح الامة مطلقا من غير الضرورة مسلمة كانت او كتابية عند طول الحرة و عدمه و ان كان مكروها من غير ضرورة لاطلاق قوله تعالى وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ و قوله تعالى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ و استلزام رق الأولاد و لو كان علة لعدم الجواز من غير ضرورة لما جاز للعبد ايضا نكاح الامة عند القدرة على نكاح الحرة و لم يقل به أحد و ايضا يجوز للعبد نكاح الثنتين من الإماء عندكم فاولى ان يكون ذلك جائزا للحرّ فان حلّه اكثر من حلّ العبد و لذلك جاز للحرّ نكاح اربع من النساء بالنص و للعبد نكاح «١» ثنتين بالحديث كما مرّ و ايضا النصّ المبيح أربعا من النساء مطلق لا يجوز تقييده بالحرائر و اللّه اعلم و قول مالك فى تجويز اربع من الإماء و الحرائر للحرّ كقول ابى حنيفة رحمهما اللّه تعالى- (مسئلة) لا يجوز نكاح الامة على الحرة عند الائمة الاربعة غير ان مالكا يقول بالجواز ان رضيت الحرة خلافا لغيره و يجوز نكاح الحرة على الامة من غير إفساد فى نكاح الامة اجماعا فالائمة الثلاثة يقولون بعدم جواز نكاح الامة على الحرة لمفهوم قوله تعالى وَ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا لان من كان فى نكاحه حرة فله طول الحرة و هذا الاستدلال لا يقتضى التفرقة بين الحرّ و العبد و بين رضاء الحرة و عدمه و ابو حنيفة يقول بعدم جواز نكاح الامة على الحرة لما روى سعيد بن منصور فى السنن عن ابن علية عن من سمع الحسن ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم نهى ان تستنكح الامة على الحرة قال و تنكح الحرة على الامة و رواه البيهقي و الطبري فى تفسيره بسند متصل الى الحسن و استغربه من رواية ما مر الأحول عنه و انما المعروف رواية عمرو (١) فى الأصل و للعبد نكاح نكاح ثنتين- [.....]. بن عبيد عن الحسن قال الحافظ و هو المبهم فى رواية سعيد بن منصور و رواه عبد الرزاق عن الحسن ايضا مرسلا و كذا رواه ابن ابى شيبة عنه و المرسل عندنا حجة و كذا عند الشافعي إذا اعتضد بأقوال الصحابة و هاهنا قد اعتضد، روى ابن ابى شيبة و البيهقي عن على موقوفا ان الامة لا ينبغى لها ان يتزوج على الحرة و فى لفظ لا تنكح الامة على الحرة و سنده حسن، و اخرج عن ابن مسعود نحوه و روى عبد الرزاق من طريق ابى الزبير انه سمع جابرا يقول لا تنكح الامة على الحرة و تنكح الحرة على الامة و للبيهقى نحوه، و زاد من وجد صداق حرة فلا ينكح امة ابدا و اسناده صحيح و هو عند عبد الرزاق ايضا مفردا و اخرج ابن ابى شيبة عن سعيد بن المسيّب تزوج الحرة على الامة و لا تتزوج الامة على الحرة و فى الباب حديث عائشة قالت قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم طلاق العبد اثنتان الحديث الى ان قال و يتزوج الحرة على الامة و لا يتزوج الامة على الحرة رواه الدارقطني و فيه مظاهر بن اسلم ضعيف لكن يرد على اصل ابى حنيفة هاهنا انه يلزم تخصيص الكتاب اعنى قوله تعالى وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ بحديث الآحاد اللّهم الا «١» ان يقال هذا الحديث تأيد بالإجماع و يجوز للعبد نكاح الامة على الحرة عند الشافعي و قال ابو حنيفة لا يجوز لاطلاق ما روينا من المرسل و كذا ما استدل به الائمة الثلاثة على عدم الجواز للحر من المفهوم موجود فى العبد ايضا و اللّه اعلم. (١) فى الأصل اللّهمّ ان يقال-. ٢٦ يُرِيدُ اللّه لِيُبَيِّنَ لَكُمْ اى لان يبين لكم شرائع دينكم و مصالح أموركم و اللام زائدة لتأكيد معنى الاستقبال او يقال للتعليل وَ يَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ و هذه الاية دليل على انّ شرائع من قبلنا ما لم يظهر كونها منسوخة فى شريعتنا واجب علينا إتيانها إذا ثبت عندنا بالكتاب و السنة و لا عبرة لرواية اليهود فانهم كفار متهمون الا إذا روى منهم مثل عبد اللّه بن سلام و كعب الأحبار بعد إيمانه وَ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ و يغفر لكم ذنوبكم التي ارتكبتموها قبل بيانها و قيل يوفقكم للتوبة او لاتيان ما يكفر سيئاتكم وَ اللّه عَلِيمٌ بالمصالح حَكِيمٌ (٢٦) فى وضعها،. ٢٧ وَ اللّه يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ كرّره للتأكيد و المبالغة وَ يُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ يعنى الفجار فامّا من وضع شهوته فيما امر به الشرع فهو متبع للشرع دون الشهوة و قيل المراد بهم الزناة و قيل المجوس حيث يحلّون المحارم و قيل اليهود فانهم يحلّون الأخوات من الأب و بنات الأخ و الاخت أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيماً (٢٧) عن الحق يعنى مستحلين الحرام فانه أعظم ميلا الى الباطل من اقتراف الذنب مع الاعتقاد بحرمته. ٢٨ يُرِيدُ اللّه أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ و لذلك شرع لكم الشريعة الحنفية السمحة السهلة و أحل بعض ما كان محرّما على من قبلكم اخرج ابن ابى شيبة فى المصنف و ابن المنذر فى التفسير عن مجاهد قال مما وسّع اللّه به على هذه الامة نكاح الامة و النصرانية و اليهودية و ذكر فى المدارك هذا القول لابن عباس وَ خُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً (٢٨) لا يصبر عن الشهوات و لا يتحمل مشاق الطاعات و كلما كان الزمان اقرب الى الساعة ازداد فيهم الضعف و لهذا خفف اللّه عن هذه الامة،. ٢٩ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ يعنى لا يأكل أحد منكم مال غيره من المسلمين و من تبعهم من اهل الذمّة و لا بأس بأكل مال الحربي الغير المعاهد من غير عذر بِالْباطِلِ اى بوجه ممنوع شرعا كالغصب و السّرقة و الخيانة و القمار و الربوا و العقود الفاسدة إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً قرا الكوفيون بالنصب على انه خبر لتكون و اسمه مضمر تقديره الّا ان تكون جهة الاكل تجارة و الباقون بالرفع بالفاعلية و تكون تامة و الاستثناء منقطع يعنى لكن كلوا وقت كون وجه الاكل تجارة او وقت كون التجارة الصّادرة عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انما البيع عن تراض رواه ابن ماجة و ابن المنذر عن ابى سعيد اى من المعطى و العاطى او المعنى لكن اقصدوا كون وجه الاكل تجارة او كون تجارة و التجارة البيع بالتكلم او بالتعاطى و هو مبادلة المال بالمال و الاجارة يعنى مبادلة المال بالمنافع المعلومة خصّ التجارة بالذكر من الوجوه التي بها يحل أخذ المال من الغير لانها اغلب و أطيب «١» عن رافع ابن خديج قال قيل يا رسول اللّه اىّ الكسب أطيب قال عمل الرجل بيده و كل بيع مبرور رواه احمد و عن المقدام بن معد يكرب قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما أكل أحد طعاما قطّ خيرا من ان يأكل من عمل يديه و ان نبى اللّه داود كان يأكل من عمل يديه رواه البخاري و عن عائشة انّ أطيب ما أكلتم من كسبكم و ان أولادكم من كسبكم رواه الترمذي و النسائي و ابن ماجة و هذه الاية (١) اخرج الاصبهانى عن ابى امامة مرفوعا ان التاجر إذا كان فيه اربع خصال طاب كسبه إذا اشترى لم يذم و إذا باع لم يمدح و لم يدلس فى البيع و لم يحلف فيما بين ذلك و اخرج احمد و الحاكم عن عبد الرحمن بن شبلى سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول التّجارهم الفجار قالوا يا رسول اللّه أ ليس قد أحل اللّه البيع قال بلى و لكنهم يحلفون فيأثمون و يحدثون فيكذبون و اخرج الحاكم و صححه عن رفاعة بن رافع ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال ان التجار يبعثون يوم القيامة فجارا الّا من اتقى اللّه و برّ و صدق و اخرج الترمذي و حسّنه و الحاكم عن ابى سعيد الخدري عن النبي صلى اللّه عليه و سلم التاجر الصدوق الامين مع النبيين و الصدّيقين و الشهداء و ابن ماجة و الحاكم عن ابن عمر مرفوعا التاجر الصدوق الامين المسلم مع الشهداء يوم القيامة و اخرج الطبراني عن صفوان بن امية مرفوعا ان عون اللّه مع صالحى التجار و الاصبهانى عن انس مرفوعا، التاجر الصدوق تحت ظلّ العرش يوم القيامة، و اخرج الاصبهانى عن معاذ بن جبل عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال ان أطيب الكسب كسب التجار الذين إذا حدثوا لم يكذبوا و إذا وعدوا لم يخلفوا و إذا اؤتمنوا لم يخونوا و إذا اشتروا لم يدموا و إذا باعوا لم يمدحوا و إذا كان عليهم لم يمطلوا و إذا كان لهم لم يعيروا منه رحمه اللّه تعالى- فى الأصل بين المسلمين-. لا تدل على نفى غير التجارة من الوجوه كالمهر و الهبة و الصدقة و العارية و غير ذلك لانها ليست من الباطل بل هى ثابتة بالنصوص الشرعية، احتج الحنفية بهذه الآية على انه لا خيار فى المجلس لاحد المتبايعين بعد الإيجاب و القبول و به قال مالك لانها تدل على جواز الاكل بالتجارة عن تراض و ان كان قبل افتراقهما عن المجلس و جواز الاكل مبنى على تمام البيع و تمام البيع يقتضى عدم بقاء الخيار لاحدهما و قال الشافعي و احمد لكل واحد منهما الخيار ما لم يتفرقا عن المجلس لحديث ابن عمر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم المتبايعان كل واحد بالخيار على صاحبه ما لم يتفرقا الّا بيع الخيار متفق عليه و عن حكيم بن خرام قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم البيّعان بالخيار ما لم يتفرقا فان صدقا و بينابورك لهما فى بيعهما و ان كتما و كذبا محقت بركة بيعهما متفق عليه قالت الحنفية هذه أحاديث لا يجوز العمل بها على خلاف مقتضى الكتاب و مقتضى الكتاب عدم بقاء الخيار كما ذكرنا و هذه الأحاديث محمولة على خيار القبول و فيه اشارة اليه فانهما متبايعان حالة المباشرة لا بعدها او يحتمله فيحمل عليه و المراد بالتفرق تفرق الأقوال كذا فى الهداية قال ابن همام كون تفرق الأقوال مرادا بالتفرق كثير فى الشرع و العرف قال اللّه تعالى وَ ما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ ... إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ قلت و الصحيح عندى ان الاية تدل على جواز الاكل و تمام البيع قبل الافتراق من المجلس لكن لا يدل على نفى ولاية الفسخ عنهما فالاولى ان يقال بثبوت خيار المجلس للمتعاقدين كما اثبت ابو حنيفة خيار الرؤية و خيار العيب بعد تمام البيع كيلا يلزم ترك العمل بالحديث الصحيح و ما قالوا انهما متبايعان حالة المباشرة لا بعدها ممنوع بل قبل قبول الاخر انما هو بايع واحد لا متبايعان و بعد الإيجاب و القبول ما دام المجلس باقيا حالة المباشرة قائم عرفا و شرعا لان ساعات المجلس كلها تعتبر ساعة واحدة فهما متبايعان ما دام المجلس باقيا حقيقة و القول بان المراد بالتفرق التفرق فى الأقوال قول بالمجاز مع إمكان الحقيقة على ان بعض ألفاظ الحديث يأبى عن هذا التأويل فانه روى مسلم حديث ابن عمر بلفظ إذا تبايع المتبايعان فكل واحد منهما بالخيار من بيعه ما لم يتفرقا فان كلمة الفاء فى قوله فكل واحد منهما بالخيار تدل على تعقيب الخيار عن التبايع و عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال البيعان بالخيار ما لم يتفرقا الّا ان تكون صفقة خيار و لا يحل له ان يفارق صاحبه خشية ان يستقيله رواه الترمذي و ابو داود و النسائي و عن ابى هريرة عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال لا يتفرقن اثنان الا عن تراض رواه ابو داود و عن جابر ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم خيّرا عرابيا بعد البيع رواه الترمذي و قال هذا حديث صحيح غريب فان هذه الأحاديث صريحة فى جواز الا قالة بعد البيع قبل الافتراق عن المجلس و اللّه اعلم- وَ لا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ قيل معناه لا يقتل أحدكم نفسه عن ثابت بن الضحاك ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال من قتل نفسه بشى ء فى الدنيا عذب به يوم القيامة رواه البغوي من طريق الشافعي و عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من تردى من جبل فقتل نفسه فهو فى نار جهنم يتردى فيها خالدا مخلدا فيها ابدا و من قتل نفسه بحديدة فحديدته فى يده يتوجأ بها فى نار جهنم خالدا مخلدا فيها ابدا رواه البخاري و مسلم و الترمذي بتقديم و تأخير و النسائي و لابى داود و من جشاسما فسمه بيده يتجشأه فى نار جهنم و عن جندب بن عبد اللّه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم جرح من رجل فيمن كان قبلكم اراب فجزع منه فأخرج سكينا فجزّ بها يده فمارقا الدم حتى مات فقال اللّه عز و جل بادرني عبدى بنفسه فحرمت عليه الجنة رواه البغوي و روى ابو داؤد و ابن حبان و الحاكم فى صحيحه عن عمرو بن العاص انه تأوّل هذه الاية فى التيمم لخوف البرد فلم ينكر عليه النبي صلى اللّه عليه و سلم حيث قال احتلمت فى ليلة باردة و انا فى غزوة ذات السلاسل فاشفقت لى ان اغتسلت ان أهلك فتيمّمت ثم صليت فذكر ذلك لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال يا عمرو صليت باصحابك و أنت جنب فقلت انى سمعت اللّه عز و جل يقول وَ لا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ فضحك رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و لم يقل شيئا و قال الحسن و عكرمة و عطاء بن ابى رباح و السدىّ معناه لا تقتلوا «١» إخوانكم كما قوله تعالى ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ يعنى إخوانكم فى الدين و قتل المسلم من أعظم الكبائر بعد الشرك عن جرير قال قال لى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم استنصت الناس ثم قال لا ترجعن بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض رواه البخاري و قيل معناه لا تقتلوا أنفسكم بأكل المال بالباطل و هذا يحتمل المعنيين أحدهما ان أكل مال الغير بالباطل قتل و إهلاك لنفس الاكل لكونه موجبا لتصليته نار جهنم و ثانيهما ان أكل مال الغير إهلاك لدلك الغير، إِنَّ اللّه كانَ بِكُمْ رَحِيماً (٢٩) يعنى أمركم بالحسنات و نهاكم عن السيّئات لفرط رحمته عليكم (١) عن عاصم بن بهدلة ان مسروقا اتى صفين فقام بين الصفين فقال يا ايها الناس انصتوا ارايتم لو ان مناديا يناديكم من السماء و رأيتموه و سمعتم كلامه فقال ان اللّه ينهاكم عما أنتم عليه ا كنتم منتهين قالوا سبحان اللّه قال فو اللّه نزل بذلك جبرئيل على محمد صلى اللّه عليه و سلم و ما ذلك بابين عندى منه ان اللّه قال وَ لا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللّه كانَ بِكُمْ رَحِيماً منه رحمه اللّه. و قيل ان معناه انه امر بنى إسرائيل بقتل أنفسهم ليكون لهم توبة و كان بكم رحيما حيث لم يكلفكم به بل جعل توبتكم الندم و الاستغفار. ٣٠ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ اى أكل مال غيره او قتل نفسا معصومة عُدْواناً اى تعديا على الغير عمدا وَ ظُلْماً على نفسه بتعريضها للعقاب مصدر ان فى موضع الحال او مفعول لهما فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ندخله فى الاخرة ناراً يعنى نار جهنم وَ كانَ ذلِكَ اى اصلاء النار عَلَى اللّه يَسِيراً (٣٠) سهلا هذا الوعيد فى حق المستحل للتخليد و فى حق غيره لبيان استحقاقه دخول النار مع جواز المغفرة من اللّه تعالى ان شاء-. ٣١ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ قال على رضى اللّه عنه الكبيرة كل ذنب ختمه اللّه بنار او غضب او لعنة او عذاب و كذا قال الضحاك انه ما أوعد اللّه عليه حدا فى الدنيا او عذابا فى الاخرة قلت و الكبائر على ثلاثة مراتب، المرتبة الاولى و هى اكبر الكبائر الإشراك باللّه و يلتحق به كل ما فيه تكذيب بما جاء به النبي صلى اللّه عليه و سلم و ثبت بدليل قطعى امّا تكذيبا صريحا، بلا تأويل و يسمّى كفرا او بتأويل و يسمى هوى و بدعة كاقوال الروافض و الخوارج و القدرية و المجسمة و أمثالهم و من هاهنا قال على و ابن مسعود اكبر الكبائر الإشراك باللّه و الا من من مكر اللّه و القنوط من رحمة اللّه و اليأس من روح «١» اللّه قلت قال اللّه تعالى فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللّه إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ ...، وَ مَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ...، إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللّه إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ و المرتبة الثانية ما فيه إتلاف حقوق العباد من المظالم فى الدماء و الأموال و الاعراض قال سفيان الثوري الكبائر ما كان فيه المظالم بينك و بين العباد فانها اكبر ممّا بينك و بين اللّه تعالى لان اللّه كبير يغفر الذنوب جميعا كل شى ء بالنسبة اليه صغير قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اللّهم مغفرتك أوسع من ذنوبى و قال اللّه تعالى وَ رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ ءٍ عن عائشة قالت قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الدواوين عند اللّه ثلاثة فديوان لا يعبأ اللّه به شيئا و ديوان لا يترك اللّه منه شيئا و ديوان لا يغفر اللّه امّا الديوان الذي لا يغفره اللّه فهو الشرك و امّا الدّيوان الذي لا يعبأ اللّه به شيئا فظلم العبد نفسه فيما بينه و بين ربّه من صوم تركه او صلوة تركها فانّ اللّه تعالى يغفر ذلك (١) روى البزار و الطبراني فى الأوسط عن ابن عباس قال سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما الكبائر قال الشرك باللّه و الياس من روح اللّه و الامن من مكر اللّه منه رحمه اللّه-. و يتجاوز لمن يشاء و امّا الديوان الذي لا يترك اللّه منه شيئا فظلم العباد بعضهم بعضا القصاص لا محالة رواه احمد و الحاكم و روى الطبراني مثله من حديث سلمان و ابى هريرة و البزار مثله من حديث انس و عن انس بن مالك قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ينادى مناد من بطنان العرش يوم القيامة يا امة محمد ان اللّه عز و جل قد عفا عنكم جميعا المؤمنين و المؤمنات تواهبوا لمظالم و ادخلوا الجنّة برحمتي رواه البغوي و عن ابى بكرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى خطبته يوم النحر فى حجة الوداع ان دماءكم و أموالكم و اعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا فى بلدكم هذا فى شهركم هذا متفق عليه و رواه الترمذي و صححه عن عمرو بن الأحوص و عن اسامة بن شريك قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا حرج الأعلى رجل اقترض عرض مسلم و هو ظالم فذلك الذي حرج و أهلك رواه ابو داؤد و قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ «١» يُؤْذُونَ اللّه وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللّه فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ أَعَدَّ «٢» لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً وَ الَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِيناً، بيان للمرتبتين المذكورتين الكفر و الظلم على العباد و فى إيراد هذه الاية بعد قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ ...، (١) فى الأصل و الذين إلخ. (٢) فى الأصل و لهم عذاب مهين. وَ لا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ اشارة الى ان الظلم على اموال العباد و أنفسهم من أعظم الكبائر و الأحاديث الصحاح التي وردت فى عدّ الكبائر انما ورد فيها غالبا المظالم من حقوق العباد و الإشراك منها حديث انس و عبد اللّه بن عمرو قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الكبائر الإشراك باللّه و عقوق الوالدين و قتل النفس و اليمين الغموس فى رواية عبد اللّه عند البخاري و فى رواية انس و شهادة الزور بدل اليمين الغموس متفق عليه و روى ابن مردوية عن انس انها سبع و زاد و قذف المحصنة و أكل مال اليتيم و أكل الربوا و الفرار عن الزحف و منها حديث ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اجتنبوا السبع الموبقات قالوا يا رسول اللّه و ماهن قال الشرك باللّه و السحر و قتل النفس التي حرم اللّه الا بالحق و أكل الربوا و أكل مال اليتيم و التولي يوم الرجف و قذف المحصنات المؤمنات الغافلات متفق عليه و فى رواية زاد ابن راهويه و غيره عقوق الوالدين و الإلحاد بالبيت الحرام و منها حديث ابن مسعود قال قال رجل يا رسول اللّه اىّ الذنب اكبر عند اللّه قال ان تدعو للّه ندّا و هو خلقك قال ثم اىّ قال ان تقتل ولدك خشية ان بطعم معك قال ثم اىّ قال ان تزنى حليلة جارك فانزل اللّه تصديقها وَ الَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللّه إِلهاً آخَرَ وَ لا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّه إِلَّا بِالْحَقِّ وَ لا يَزْنُونَ الاية متفق عليه قيد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الزنى بحليلة الجار لان فيه إتلاف حق الجار و قد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لان يزنى الرجل بعشر نسوة أيسر عليه من ان يزنى بحليلة جاره رواه احمد عن المقداد بن اسود و رواته ثقات و رواه الطبراني عنه فى الكبير و الأوسط و منها حديث عبد اللّه بن عمرو عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال من اكبر الكبائر ان يسبّ الرجل والديه قال و كيف يسبّ الرجل والديه قال يسبّ أبا الرجل فيسبّ أباه و يسبّ امه فيسبّ امه رواه البغوي و غيره و منها حديث ابى بكرة قال قال النبي صلى اللّه عليه و سلم الا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثا قالوا بلى يا رسول اللّه قال الإشراك باللّه و عقوق الوالدين (و جلس و كان متكيا) الا و قول الزور الا و قول الزور الا و قول الزور فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت رواه البخاري، (فائدة) مبالغة النبي صلى اللّه عليه و سلم فى التهديد فى قول الزور لشمولها كثيرا من الكبائر الإشراك باللّه و شهادة الزور و اليمين الغموس و القذف و الدعوى الباطل و الكذب على النبي صلى اللّه عليه و سلم فانه صلى اللّه عليه و سلم قال من كذب على متعمدا فليتبوا مقعده من النار متفق عليه و الغيبة التي هى أشد من الزنى رواه البيهقي عن ابى سعيد و جابر مرفوعا و النميمة، عن عبد الرحمن ابن غنم و اسماء مرفوعا شرار عباد اللّه مشاؤن بالنميمة رواه احمد و مدح الفاسق عن انس مرفوعا إذا مدح الفاسق غضب الرب و اهتز له العرش رواه البيهقي و لعن من لا يستحقه فانه من لعن شيئا ليس له اهل رجعت اللعنة عليه رواه الترمذي عن ابن عباس و ابو داؤد عنه و عن ابى الدرداء مرفوعا و الطعن و الفحش عن ابن مسعود مرفوعا ليس المؤمن بالطعان و لا باللعان و لا الفاحش و لا البذي ء رواه الترمذي و غير ذلك من المعاصي و لذلك قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من يضمن لى ما بين لحييه و ما بين رجليه اضمن له الجنة رواه البخاري عن سهل بن سعد و روى مالك و البيهقي عن صفوان بن سليم مرسلا انه سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أ يكون المؤمن جبانا قال نعم قيل أ يكون بخيلا قال نعم قيل أ يكون كذابا قال لا و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اية المنافق ثلاث و ان صام و صلى و زعم انه مسلم إذا حدث كذب و إذا وعد اخلف و إذا اؤتمن خان رواه مسلم و البخاري نحوه و فى الصحيحين عن عبد اللّه بن عمرو مرفوعا اربع من كن فيه كان منافقا خالصا و من كان فيه خصلة كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا اؤتمن خان و إذا حدث كذب و إذا عاهد غدر و إذا خاصم فجروا للّه اعلم و المرتبة الثالثة من الكبائر ما يتعلق منها بحقوق اللّه تعالى كالزنى و الشرب، اخرج ابن ابى حاتم عن ابن عمرو انه سئل عن الخمر فقال سألت عنها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال هى اكبر الكبائر و أم الفواحش من شرب الخمر ترك الصلاة و وقع على امه و عمته و خالته كذا روى عبد ابن حميد عن ابن عباس، عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا يزنى الزاني حين يزنى و هو مؤمن و لا يسرق «١» السارق حين يسرق و هو مؤمن و لا يشرب الخمر حين يشربها و هو مؤمن و لا ينتهب نهبة يرفع الناس اليه فيها أبصارهم حين ينتهبها و هو مؤمن و لا يغل أحدكم حين يغل و هو مؤمن فاياكم إياكم متفق عليه و فى رواية عن ابن عباس و لا يقتل حين يقتل و هو مؤمن رواه البخاري قلت و اللواطة فى معنى الزنى و قد قال اللّه تعالى فيها أَ تَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ و أشد من السرقة قطع الطريق فان فيه قوله تعالى إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللّه وَ رَسُولَهُ الاية و يلحق بالسرقة التطفيف قال اللّه تعالى وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ و الخيانة فبئست البطانة و هى من علامات النفاق و أعظم الذنوب من هذا الباب ما يستحقره الفاعل و يزعمه سهلا فان استحقار الذنب و ان كان صغيرا يبعده عن (١) السرقة و الخيانة و التطفيف من القسم الثاني منه رحمه اللّه. المغفرة و يدل على التمرد و ربما يفضى الى الكفر و ما استعظمه و خاف عنه فهو يستحق المغفرة قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم المؤمن يرى ذنبه كأنّ جبلا على راسه و المنافق يرى ذنبه كذباب على انفه قال به هكذا فطارت و عن انس قال انكم لتعملون أعمالا هى أدق فى أعينكم من الشعر ان كنا نعد على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من الموبقات رواه البخاري و احمد مثله عن ابى سعيد بسند صحيح و بهذا التحقيق يظهر انه من قال بحصر الكبائر فى سبع و نحو ذلك فقد اخطأ و ان «٢» الصغيرة بالإصرار و كذا بالاستحقار يصير كبيرة اخرج ابن ابى حاتم عن سعيد بن جبير انّ رجلا سال ابن عباس عن الكبائر أ سبع هى قال هى الى «٣» سبعمائة اقرب الا انه لا كبيرة مع استغفار و لا صغيرة مع اصرار، و قال كل شى ء عصى اللّه به فهو كبير فمن عمل شيئا (٢) اخرج الترمذي و ابن ابى حاتم عن ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال الجمع بين الصلاتين من غير عذر من الكبائر و كذا اخرج ابن ابى شيبة عن عمرو ابى موسى و ابى قتادة من قولهم منه رحمه اللّه-. (٣) فى الأصل الى السبعمائة. منها فليستغفر اللّه فان اللّه لا يخلد فى النار من هذه الامة الا راجعا عن اسلام او جاحدا فريضة او مكذبا بقدر قلت و معنى قول ابن عباس لا كبيرة مع استغفار المراد بالكبيرة ما تعلق منها بحقوق اللّه تعالى و امّا ما تعلق بحقوق العباد فلا بدّ فيه من ردّ المظالم و استرضاء المظلوم- (فائدة:) أساس المعاصي كلها قساوة القلب الموجب للغفلة عن اللّه سبحانه و رذائل النفس الداعية الى الشهوات السّبعية و البهيمية قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان فى جسد بنى آدم لمضغة إذ أصلحت صلح الجسد كله و إذا فسدت فسد الجسد كله ألا و هي القلب و قال اللّه تعالى وَ قالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللّه وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَ وَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَ ما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَ لُومُوا أَنْفُسَكُمْ و لا يتصوّر التنزه عن المعاصي الّا بدوام الحضور و صفاء القلوب و النفوس و ذا لا يتصوّر الا بجذب من اللّه تعالى بتوسط المشائخ فعليك التشبّث بأذيالهم فهم قوم لا يشقى جليسهم و لا يخاب انيسهم- (فائدة:) ما قيل ان العبد يبلغ درجة لا يضره ذنب عمله ليس معناه ان بعض الناس يسقط عنهم التكاليف الشرعية و يباح لهم المحرمات فانه كفر و زندقة بل معناه ان العبد بعد تصفية القلب و تزكية النفس إذا دام حضوره لا يصدر عنه ذنب الّا نادرا و كلما صدر عنه ذنب صغير او كبير يستعظم ذلك و يندم و يغتم كانما هلك نفسه و اهله و ماله و ولده بحيث يصير ذلك الندم و التوبة و الاغتمام موجبا لمزيد درجته و نزول الرحمة عليه أولئك يبدل اللّه شيئاتهم حسنات ذكر العارف الرومي قصّة إيقاظ الشيطان معاوية رضى اللّه عنه لصلوة الصبح و تلك القصّة و ان لم اطلع على صحة سندها لكن يكفى للتمثيل مجرد الفرض، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و الذي نفسى بيده لو لم تذنبوا لجاء اللّه بقوم يذنبون فيستغفرون اللّه فيغفر لهم كانّ هذا الحديث اشارة الى هذه الحالة و اللّه اعلم نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ يعنى الصغائر مثل النظرة و اللمسة و القبلة و لشباهها قال النبي صلى اللّه عليه و سلم العينان تزنيان و اليدان تزنيان و الرجلان تزنيان و يصدّق ذلك الفرج او يكذّبه كل ذلك يكفرهن الصلاة و الصوم و الاذكار ان شاء اللّه تعالى إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ و عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الصلوات الخمس و الجمعة الى الجمعة و رمضان الى رمضان مكفرات لما بينهنّ إذا اجتنب الكبائر رواه مسلم وَ نُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيماً (٣١) قرا نافع مدخلا هاهنا و فى الحج بفتح الميم و الباقون بالضم و على كلا القرائتين يحتمل المكان فيكون مفعولا به و المصدر على ان المفعول به محذوف اى ندخلكم الجنّة الحسناء او ندخلكم الجنة دخولا حسنا و اللّه اعلم- قال مجاهد قالت أم سلمة يا رسول اللّه ان الرجال يغزون و لا نغزوا و لهم ضعف ما لنا من الميراث و لو كنا رجالا غزونا كما غزوا و أخذنا من الميراث ما أخذوا فنزلت. ٣٢ وَ لا تَتَمَنَّوْا الاية كذا روى الترمذي و الحاكم عن أم سلمة و صححه و قيل لما جعل اللّه عز و جلّ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فى الميراث قالت النساء نحن أحق و أحوج الى الزيادة من الرجال لانا ضعيفات و هم أقوى و اقدر على طلب المعاش فانزل اللّه تعالى هذه الاية و قال قتادة و السدى لما نزل قوله تعالى لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ قال الرجال انا لنرجوان نفضل على النساء بحسناتنا فى الاخرة فيكون أجرنا على الضعف من اجر النساء كما فضلنا عليهن بالميراث فانزل اللّه تعالى وَ لا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللّه بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ لانّ ذلك التفضيل قسمة من اللّه تعالى صادرة عن حكمة و تدبير و التمني يفضى الى الحسد و لا يفيد شيئا بل ينبغى لكل واحد بذل جهده فى كسب ما يمكنه من الحسنات فان ذلك يوجب القرب عند اللّه و الفضل فى الدار الاخرة لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مكتوب لهم عند اللّه من الأموال و الثواب و الفضل مِمَّا اكْتَسَبُوا اى بسبب ما كسبوا من الجهاد و غير ذلك من العبادات المختصة بهم و غير المختصة بهم و من الغنيمة و الإرث و التجارة على ما قدر لهم وَ لِلنِّساءِ نَصِيبٌ من المال و الثواب مِمَّا اكْتَسَبْنَ من إطاعة الأزواج و حضانة الأولاد و حفظ الفروج و غير ذلك مما يختصّ بهن و ما لا يختصّ بهن من العبادات و من المهور و النفقات و الإرث و غير ذلك على ما قدر لهن وَ سْئَلُوا اللّه «١» كثرة ثواب الدنيا و الاخرة مِنْ فَضْلِهِ اى من خزائنه التي لا ينفد فانه تعالى يعطى ثواب حسنة عشرة أمثالها الى سبعمائة ضعف الى ما شاء اللّه و كذا يعطى بركة الاكساب فى الدنيا و يفضل بعضهم على بعض فى الرزق و لا يفيد التمني شيئا و لا يجوز الحسد قرا ابن كثير و الكسائي (١) اخرج الترمذي عن ابن مسعود قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم سلوا اللّه من فضله فان اللّه يجب ان يسئل و اخرج ابن جرير عن رجل من الصحابة لم يسمّه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم سلوا اللّه من فضله فانه يحب ان يسئل و ان من أفضل العبادة انتظار الفرج و اخرج احمد عن انس قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما سال رجل مسلم اللّه الجنة ثلاثا الّا قالت الجنة اللّهم ادخله الجنة و ما استجار رجل مسلم اللّه من النار ثلاثا الا قالت النار اللّهم اجره من النار اخرج ابن جرير و ابن ابى حاتم عن سعيد بن جبير وَ سْئَلُوا اللّه مِنْ فَضْلِهِ قال العبادة ليس من امر الدنيا منه رحمه اللّه. و سلوا و سل فسل يعنى الأمر الحاضر منه إذا كان قبله واو او فاء بنقل حركة الهمزة الى السين و حذف تلك الهمزة و قرا حمزة فى الوقف على أصله و الباقون بسكون السين مهموزا إِنَّ اللّه كانَ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيماً (٣٢) فهو عليم بما يستحقه كل انسان من الفضائل و هذا يقتضى سبق استعداد لكل امرئ بما فضله اللّه به و الاستعداد متفرع على استناد الأشياء الى الأعيان الثابتة كما قرّره الصوفية العلية رضى اللّه عنهم-. ٣٣ وَ لِكُلٍّ المضاف اليه محذوف و الظرف متعلق بقوله جَعَلْنا اى جعلنا لكل مال او لكل أحد من الأموات مَوالِيَ اى ورثة يحرزون الأموال و يرثون الأموات مِمَّا تَرَكَ اى تركه ظرف مستقر صفة لمال مقدر على التقدير الاوّل و لا بأس بالفصل بالعامل لان حقه التقديم و ظرف لغو متعلق بفعل مقدر دلّ عليه الموالي على التقدير الثاني اى يرثون مما تركه و ذلك الفعل المقدر صفة لموالى و قوله الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ على التقدير الاوّل فاعل لترك و على التقدير الثاني استيناف مفسّر للموالى و فاعل ترك ضمير راجع الى كل تقديره هم الوالدان و الأقربون و جاز ان يقال لكل خبر و جعلنا موالى صفة و العائد محذوف و قوله مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ صفة لمبتدا محذوف تقديره لكل جماعة من ورثة جعلناهم موالى حظ ممّا ترك الوالدان و الأقربون وَ الَّذِينَ «١» عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ معطوف على الوالدان و الأقربون فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ جملة مبينة عن الجملة المتقدمة و جاز ان يكون الموصول مبتدأ متضمنا بمعنى الشرط و قوله تعالى (١) روى ابو داود فى ناسخه عن داود بن الحصين قال كنت اقرأ على أم سعد ابنة الربيع و كانت يتيمة فى حجر ابى بكر فقرأت عليها و الّذين عاقدت ايمانكم فقالت لا و لكن وَ الَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ انها نزلت فى ابى بكر و ابنه عبد الرحمن حين ابى ان يسلم فحلف ابو بكر انه لا يورثه فلما اسلم امره اللّه ان يورثه نصيبه قلت و على هذا التأويل لا حجة بالآية على ايراث مولى الموالاة روى عبد بن حميد و ابن ابى حاتم عن ابى مالك قال كان الرجل فى الجاهلية يأتى القوم فيعقدون له انه رجل منهم ان كان ضرّا او نفعا او دما فانه فيهم مثلهم و يأخذون له من أنفسهم مثل الذي يأخذون منه فكانوا إذا كان قتال قالوا يا فلان أنت منا فانصرنا و ان كانت منفعة قالوا أعطنا أنت منا و لم ينصروه كنصرة بعضهم بعضا إذا استنصر و إن نزل به امر أعطاه بعضهم و منعه بعضهم و لم يعطوه مثل الذي يأخذون منه فاتوا لنبى صلى اللّه عليه و سلم فسالوه و تحرجوا من ذلك و قالوا قد عاقدنا فى الجاهلية فانزل اللّه تعالى و الّذين عاقدت ايمانكم فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ يعنى أتوهم مثل الذي تأخذون منهم و اخرجاه من وجه اخر عن ابى مالك قال هو حليف القوم يقول اشهدوا أمركم و مشورتكم و اخرج عبد ابن حميد و ابن جرير عن ابن عمرو ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال يوم الفتح أوفوا بحلف الجاهلية فانه لا يزيد الإسلام الا شدة و لا تحدثوا حلفا فى الإسلام و اخرج احمد و مسلم عن جبير بن مطعم ان النبي صلى اللّه عليه و سلم قال لا حلف فى الإسلام و ايّما حلف كان فى الجاهلية فلم يزده الإسلام الا شدة و اخرج عبد بن حميد عن ابن عباس رقعه كل حلف كان فى الجاهلية لم يزده الإسلام الا حدة و شدة و اخرج عبد الرزاق و عبد بن حميد عن الزهري قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا حلف فى الإسلام منه رحمه اللّه. فاتوهم خبره و جاز ان يكون الموصول منصوبا بمضمر يفسّره ما بعده على طريقة زيدا فاضربه لكن على التأويل الثاني يلزم وقوع الخبر جملة طلبية و تركيب الإضمار على شريطة التفسير يفيد الاختصاص و لا اختصاص هاهنا فالاولى هو التأويل الاوّل و لا عبرة بالوقف على الأقربون فانه غير منقول عن النبي صلى اللّه عليه و سلم و ذلك التأويل مناسب لمذهب ابى حنيفة فان عنده يرث مولى الموالاة يعنى الأعلى دون الأسفل جميع التركة او ما بقي بعد فرض أحد الزوجين ان لم تكن للميت عصبة و لا ذو فرض نسبى و لا ذو رحم عند ابى حنيفة رحمه اللّه و عند وجود أحد منهم لا ميراث له اجماعا و عند الجمهور كان ذلك الحكم فى الجاهلية و فى ابتداء الإسلام و كان نصيب الحليف السدس من مال الحليف ثم نسخ ذلك الحكم بقوله تعالى وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّه فلا يرث مولى الموالاة عندهم بحال بل يكون التركة لبيت المال عند عدم الورثة و أورد على ذلك بان النسخ يتفرع على التعارض و لا تعارض هاهنا إذ لا دلالة فى قوله تعالى وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ على نفى ارث الحليف و الصحيح انه يدلّ على نفى ارث الحليف لان تمام الاية إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً صريح فى ان الموالي لا بدلهم من الوصية و بدون الوصية ليس لهم شى ء غير ان أبا حنيفة يقول ان ارث موالى الموالاة منسوخ عند وجود أحد من اولى الأرحام و نحن نقول به و بقي ارثهم ثابتا عند عدم اولى الأرحام كيف لا و ماله حقه فيصرفه الى حيث شاء و الصرف الى بيت المال ضرورة عدم المستحق لا انه مستحق كما يقول به الشافعي لان ورثة بيت المال مجهولون و المجهول لا يصلح مستحقا (مسئلة) و للمولى الأسفل ان يسقط ولاءه عن الأعلى ما لم يعقل عنه لانه عقد غير لازم بمنزلة الوصية و كذا للاعلى ان يتبرا عن ولائه لعدم اللزوم الا انه يشترط فى هذا ان يكون بمحضر من الآخر كما فى عزل الوكيل قصدا بخلاف ما إذا عقد الأسفل مع غيره بغير محضر من الاول فحينئذ يسقط ولاؤه عن الاول و إذا عقل الأعلى عن الأسفل فحينئذ لم يكن له ان يتحول بولائه الى غيره إِنَّ اللّه كانَ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ شَهِيداً (٣٣) تهديد على منع نصيبهم اخرج ابن ابى حاتم عن الحسن قال جاءت امراة الى النبىّ صلى اللّه عليه و سلم تستعدى على زوجها انه لطمها فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم القصاص فانزل اللّه تعالى ٣٤ الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ الاية فرجعت بغير قصاص و أخرجه ابن ابى شيبة و ابو داود فى المراسيل و اخرج ابن جرير عن الحسن نحوه، و روى الثعلبي و الواحدي و كذا ذكر البغوي أنها نزلت فى سعد بن الربيع و كان من النقباء و فى امرأته حبيبة بنت زيد بن ابى زهير قاله مقاتل و قال الكلبي امرأته بنت محمد بن مسلمة و ذلك انها نشزت عليه فلطمها فانطلق أبوها معها الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و قال افرشته كريمتى فلطمها فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم لتقتصّ منه فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم ارجعوا هذا جبرئيل أتانى فانزل اللّه تعالى هذه الآية فقال النبىّ صلى اللّه عليه و سلم أردنا امرا و أراد اللّه امرا و الذي أراد اللّه خير و رفع القصاص و اخرج ابن مردوية عن على قال اتى النبي صلى اللّه عليه و سلم رجل من الأنصار بامرأة له فقالت يا رسول اللّه انه ضربنى فاثرفى وجهى فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ليس له ذلك فانزل اللّه تعالى الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ يقومون عليهن قيام الولاة على الرعية مسلّطون على تأديبهم و سموا الرجال قواما لذلك و القوام و القيّم بمعنى واحد و القوام ابلغ و هو القائم بالمصالح و التدبير و التأديب و علل ذلك بامرين وهبى و كسبى فقال بِما فَضَّلَ اللّه اى بسبب تفضيل اللّه بَعْضَهُمْ يعنى الرجال عَلى بَعْضٍ يعنى على النساء فى اصل الخلقة بكمال العقل و حسن التدبير و بسطة فى العلم و الجسم و مزيدا لقوة فى الأعمال و علو الاستعداد و لذلك خصّوا بالنبوة و الامامة و الولاية و القضاء و الشهادة فى الحدود و القصاص و غيرهما و وجوب الجهاد و الجمعة و العيدين و الاذان و الخطبة و الجماعة و زيادة السهم فى الإرث و مالكية النكاح و تعدد المنكوحات و الاستبداد بالطلاق و كمال الصوم و الصلاة من غير فتور و غير ذلك و هذا امر وهبى و لذلك الفضل قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لو أمرت أحدا ان يسجد لاحد لامرت المرأة ان تسجد لزوجها رواه احمد عن معاذ و عن عائشة نحوه و الترمذي عن ابى هريرة و ابو داؤد عن قيس بن سعد وَ بِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ فى نكاحهن من المهور و النفقات الراتبة و هذا امر كسبى ثم قسمهنّ على نوعين اما النوع الاول فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ مطيعات للّه تعالى فى أداء حقوق ازواجهنّ حافِظاتٌ لما يجب عليهن حفظه من الفروج و اموال الأزواج و أسرارهم لِلْغَيْبِ اى فى غيبة الأزواج او المراد بالغيب ما غاب عن الناس من اسرار الأزواج و أموالهم الخفية و اللام صلة بِما حَفِظَ اللّه اخرج ابن جرير عن طلحة ابن مطرف قال فى قراءة ابن مسعود فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللّه فاصلحوا اليهنّ و اخرج عن السدى فاحسنوا اليهنّ قرا ابو جعفر بنصب الجلالة و ما حينئذ موصولة و ضمير الفاعل راجع اليه و المعنى بالأمر الذي حفظ حق اللّه او طاعة اللّه و هو التعفف و الشفقة على الأزواج و قرا العامة بالرفع و ما حينئذ اما مصدرية يعنى بحفظ اللّه اياهن بالأمر على حفظ الغيب و التوفيق او يقال اسناد الحفظ إليهن باعتبار الكسب و الى اللّه تعالى باعتبار الخلق و الخلق سبب للكسب و امّا موصولة يعنى بالذي حفظ اللّه لهنّ على الأزواج من المهر و النفقة و القيام بحفظهن و الذبّ عنهنّ عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم خير «١» النساء امراة إذا نظرت إليها سرتك و ان أمرتها اطاعتك و إذا غبت عنها حفظتك فى مالها و نفسها ثم تلا الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ الاية رواه البغوي و رواه ابن جرير بلفظ مالك و نفسها و روى النسائي و الحاكم و البيهقي فى شعب الايمان عنه قيل لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اى النساء خير قال التي تسرّه إذا نظر و تطيعه إذا امر و لا تخالفه فى نفسها و لا مالها بما يكره و فى رواية تحفظ فى نفسها و ماله قال السيوطي فى اكثر طرق الحديث فى نفسها و ماله و كذا روى ابن ماجة من حديث ابى امامة و فى بعض الطرق فى نفسها و مالها قال الطيبي أراد بما لها مال الزوج أضاف إليها لادنى ملابسة لانها هى المتصرفة فيه، عن انس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم المرأة إذا صلت خمسها و صامت شهرها و أحصنت فرجها و اطاعت بعلها (١) عن عمر قال ما استفاده رجل بعد الايمان باللّه من امرأة حسنة الخلق ودود ولود و ما استفاد رجل بعد الكفر باللّه شرّا من امراة سيئة الخلق حديدة اللسان و عن عمر بن الخطّاب قال النساء ثلاث امراة عفيفة مسلمة هبنة لينة ودود ولود تعين أهلها على الدهر و لا تعين الدهر على أهلها و قليل ما تجدها و امراة لم تزد على ان تلد الولد و الثالثة غل قمل يجعلها اللّه فى عنق من يشاء و إذا أراد ان ينزعه نزعه رواه ابن ابى شيبة و البيهقي منه رحمه اللّه. فليدخل من اىّ أبواب الجنة شاءت رواه ابو نعيم فى الحلية و عن أم سلمة مرفوعا ايّما امراة ماتت و زوجها عنها راض دخلت الجنة رواه الترمذي و اما النوع الثاني فقال وَ اللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ اى عصيانهن و تكبرهن و اصل النشوز الارتفاع و منه النشز للموضع المرتفع قيل معنى تخافون تعلمون و فى القاموس جعل من معانى الخوف العلم و منه وَ إِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً و قيل المراد بخوف النشوز خوف دوام النشوز و الإصرار عليه و لا يجوز العقوبة قبل ظهور النشوز قلت خوف النشوز يكفى للوعظ فَعِظُوهُنَّ بالقول يعنى خوفوهن عقوبة اللّه و الضرب و الهجران وَ اهْجُرُوهُنَّ حال كونكم فِي الْمَضاجِعِ إذا لم ينفعهن الوعظ يعنى لا تدخلوهنّ فى اللحف او هو كناية عن الجماع او ان يوليها ظهره فى المضجع و هو الأظهر حيث قال فى المضاجع و لم يقل عن المضاجع وَ اضْرِبُوهُنَّ ان لم ينفع الهجران قال اكثر المفسّرين يعنى ضربا غير مبرج اى غير شاق و انما قيدوا بهذا لما روى مسلم عن جابر فى قصّة حجة الوداع فى خطبته صلى اللّه عليه و سلم فاتقوا اللّه فى النساء فانكم أخذتموهن بامان اللّه و استحللتم فروجهن بكلمة اللّه و لكم عليهن ان لا يوطئن فروشكم أحدا تكرهونه فان فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرج و لهن عليكم رزقهن و كسوتهن بالمعروف قلت و هذا حديث احاد لا يجوز تقييد مطلق الكتاب بمثله و اطلاق الكتاب و سياقه يقتضى ان يكون السياسة على قدر الجريمة فان خاف نشوزها بان ظهرت اماراته منها من المخاشنة و سوء الخلق وعظها فان أظهرت النشوز هجرها فان أصرّت عليه ضربها على قدر نشوزها فان أتت بفاحشة او تركت الصّلوة المكتوبة او صيام رمضان او غسل الجنابة او الحيض بضربها او يحبسها بقدر ما يرى ان تنزجر بها و ان كان نشوزها ادنى من ذلك و أصرّت و لم تنزجر بالوعظ و الهجران ضربها غير مبرج فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ من أول الأمر او بعد ما نشرت و تابت من النشوز فَلا تَبْغُوا اى لا تطلبوا يقال بغوت الأمر إذا طلبته عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا اى سبيل الإيذاء مفعول به لتبغوا يعنى اجعلوا بعد التوبة ما كان منهن من النشوز كان لم يكن لان التائب من الذنب كمن لا ذنب له إِنَّ اللّه كانَ عَلِيًّا كَبِيراً (٣٤) فلا تظلموا من تحت ايديكم و اتقوا اللّه العلى الكبير فانه اقدر عليكم منكم على من تحت ايديكم او انه تعالى مع علو شانه متجاوز عن سيئاتكم و يتوب عليكم فانتم أحق بعفو حقوقكم عن أزواجكم، عن عبد اللّه بن زمعة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ثم يجامعها فى اخر اليوم متفق عليه و عن حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه قال قلت يا رسول اللّه ما حق زوجة أحدنا عليه قال ان يطعمها إذا طمت و يكسوها إذا اكتسيت و لا يضرب الوجه و لا يقبح و لا يهجر الا فى البيت رواه احمد و ابو داؤد و ابن ماجة و عن إياس بن عبد اللّه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا تضربوا إماء اللّه فجاء عمر الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال ذئرن النساء على أزواجهن فرخص فى ضربهن فاطاف بال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم نساء كثيرة يشكون أزواجهن فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لقد طاف بآل محمد نساء كثيرة يشكون أزواجهن ليس أولئك بخياركم رواه ابو داود و ابن ماجة و الدارمي و عن عائشة قالت قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم خيركم خيركم لاهله و انا خيركم لاهلى رواه الترمذي و الدارمي و رواه ابن ماجة عن ابن عباس. ٣٥ وَ إِنْ خِفْتُمْ ايّها الحكّام شِقاقَ يعنى العداوة و الخلاف لان كلا من الأعداء يفعل ما يشق على صاحبه او يميل الى شق اخر غير شق مختار لصاحبه بَيْنِهِما اى بين الزوجين، او رد ضميرهما من غير سبق المرجع لجريان ذكر ما يدل عليهما و هو النشوز لانه عصيان المرأة عن مطاوعة الزوج او يقال ذكر المرأة و ضمير الزوج فى قوله تعالى وَ اللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ و أضيف الشقاق الى الظرف مجازا كما فى قوله تعالى مَكْرُ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ و الخوف بمعنى الظنّ يعنى إذا ظهر من الزوجين ما ظننتم به تباغضهما و اشتبه حالهما فى الحق و الباطل فَابْعَثُوا الى الرجل حَكَماً يعنى رجلا عاقلا عادلا يصلح للحكومة مِنْ أَهْلِهِ وَ ابعثوا الى المرأة رجلا اخر حَكَماً مِنْ أَهْلِها و انما قيد بكون الحكمين من أهلهما لان الأقارب اعرف ببواطن الأحوال و اطلب للصلاح و هذا القيد استحبابى و لو بعثوا أجنبيين جاز فيبحث الحكمان عن أحوالهما و يعرفان الظالم منهما فان كان الظلم من الزوج امراه بامساك بمعروف او تسريح بإحسان و ان كان النشوز منها امراها باطاعة الزوج او الافتداء روى البغوي بسنده من طريق الشافعي عن عبيدة انه قال فى هذه الاية انه جاء رجل و امراة الى على بن ابى طالب رضى اللّه عنه و مع كل واحد منهما قيام من الناس فامرهم علىّ فبعثوا «١» حكما من اهله و حكما من أهلها ثم قال للحكمين تدريان ما عليكما، عليكما ان رايتما ان تجمعا تجمعا و ان رايتما ان تفرّقا تفرقا قالت المرأة رضيت بكتاب اللّه بما علىّ فيه ولى و قال الرجل اما الفرقة فلا فقال على كذبت و اللّه حتى تقر بمثل الذي أقرت به فقال مالك يجوز لحكم الزوج ان يطلق المرأة بدون رضاء الزوج و لحكم المرأة ان يختلع بدون رضاء المرأة و يجب عليها المال إذا راى الصلاح فى ذلك حيث ملّك علىّ الحكمين الجمع و التفريق و كذّب الزوج على نفى الفرقة و عند جمهور العلماء ليس للحكمين ذلك بل (١) عن ابن عباس بعثت انا و معاوية حكمين فقيل لنا ان رأيتما ان تجمعا جمعتما و ان رايتما ان تفرقا فرقتما و الذي بعثهما عثمان رضى اللّه عنه منه رحمه اللّه،. ان كان الزوجان و كلهما بالتطليق و الخلع فعلا ذلك و الا أصلحا بينهما بالأمر بالمعروف و النهى عن المنكر ما أمكن و الا شهدا عند الحاكم بظلم أحد الزوجين فجبر الحاكم الظالم منهما اما الزوج على إمساك بمعروف او تسريح بإحسان و امّا الزوجة على ترك النشوز أو الافتداء و قول على للرجل حتى تقر دليل على انّ رضاه شرط للفرقة فما لم يؤكله المطلاق و يفوض امره اليه لا ينفذ طلاقه إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللّه بَيْنَهُما الضمير الاول للحكمين و الثاني للزوجين يعنى ان قصد الحكمان «١» إصلاح ذات البين و كانت نيتهما صحيحة، أوقع اللّه بحسن سعيهما بين الزوجين الوفاق و الالفة و جاز ان يكون المراد بالإصلاح ما هو اعمّ من الوفاق و الفراق يعنى ان أراد اما هو الأصلح من ابقاء النكاح او إيقاع الطلاق يوفق اللّه بينهما ذلك الأصلح او الضمير ان للحكمين يعنى ان قصد الإصلاح و نصر المظلوم و لم يكن ارادة أحدهما اعانة قريبة على الباطل يوفق اللّه بينهما فيتفقان على الكلمة الواحدة حتى يتم المراد او الضميران للزوجين يعنى ان يريد الزوجان إصلاح ما بينهما او طلبا ما هو الأصلح القى اللّه بينهما الالفة او وفقهما اللّه بما هو الأصلح و فيه تنبيه على ان من أصلح نيته فيما يفعل أصلح اللّه عاقبة امره إِنَّ اللّه كانَ عَلِيماً بما فى الضمائر و بعواقب الأمور خَبِيراً (٣٥) بالظالم من الزوجين فيجازيه-. (١) فى الأصل ان قصدا الحكمين [.....]. ٣٦ وَ اعْبُدُوا اللّه فى الصحاح العبودية اظهار التذلل و العبادة ابلغ منها لانها غاية التذلل و لا يستحقها الا من له غاية العظمة و نهاية الإفضال قلت و لهذا نهى عن الإشراك به تعالى فى العبادة و قال وَ لا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً منصوب على المفعولية و التنوين للتحقير و فيه توبيخ اى لا تشركوا به حقيرا مع عدم تناهى كبريائه إذ كل ممكن بالنسبة الى الواجب حقير جدّا او على المصدرية يعنى لا تشركوا به شيئا من الإشراك خفيا و لا جليا و العبادة ضربان عبادة بالتسخير لا يمكن لشى ء من الممكنات الاستنكاف عنها و عبادة بالاختيار و هو المأمور به فى الآية و المراد به امتثال أوامره و الانتهاء عما نهى عنه قال الصوفية العلية العبادة عبارة عن جعل العبد نفسه عديم الارادة و الاختيار كالميّت بين يدى الغسّال فى امتثال أوامره و نواهيه راضيا بما قضى فيه حتى يكون فى أوامره التكليفية و التكوينية على انهج واحد قال اللّه تعالى وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللّه وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ، عن معاذ بن جبل قال كنت رديف النبي صلى اللّه عليه و سلم فقال يا معاذ هل تدرى ما حق اللّه على العباد قال قلته و رسوله اعمل قال حقه عليهم ان يعبدوه و لا يشركوا به شيئا ا تدرى يا معاذ ما حق الناس على اللّه إذا فعلوا ذلك قال قلت اللّه و رسوله اعلم قال فانّ حق الناس على اللّه ان لا يعذبهم قال قلت يا رسول اللّه الا ابشر الناس قال دعهم يعملون رواه البغوي و فى الصحيحين نحوه قلت و عند الصوفية معنى لا يعذبهم ان لا يعذبهم بعذاب الهجر و الفراق وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً يعنى أحسنوا بهما إحسانا، عن معاذ قال أوصاني رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بعشر كلمات قال لا تشرك باللّه و ان قتلت او حرقت و لا تعقن والديك و ان امراك ان تخرج من أهلك و مالك الحديث رواه احمد وَ بِذِي الْقُرْبى مصدر بمعنى القرابة يعنى أحسنوا بذي القرابة عن سلمان بن عامر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الصدقة على المسكين صدقة و هى على ذى الرحم صدقة و صلة رواه احمد و النسائي و ابن حبان و الحاكم و الترمذي و حسنه و ابن ماجة و ابن خزيمة و صححه و لفظه و على القريب صدقتان صدقة و صلة و بهذه الاية يظهر وجوب نفقة الوالدين و الأقارب لكن يشترط ان يكون غنيا لقوله تعالى يسئلونك ما ذا ينفقون قل العفو يعنى الفاضل عن حاجته و قال عليه السلام خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى و ابدأ بمن تعول رواه البخاري عن ابى هريرة و حكيم و مسلم عن حكيم و يشترط لوجوب نفقة الأقارب غير الوالدين كونه عاجزا عن الكسب بان يكون صغيرا او زمنا او امراة و لا يشترط ذلك فى الوالدين وجه الوجوب انه ليس من الإحسان ان يكون هو غنيا و يموت قريبه جوعا وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينِ و الإحسان الواجب فى هؤلاء ان يؤتيهم زكوة ماله و ما زاد على ذلك فمستحبّ عن سهل بن سعد قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انا و كافل اليتيم فى الجنة هكذا و أشار بالسبابة و الوسطى و فرج بينهما شيئا رواه البخاري و عن ابى امامة عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال من مسح رأس يتيم لم يمسحه الا للّه كان له بكل شعر تمرّ عليها يده عشر حسنات و من احسن الى يتيمة او يتيم عنده كنت انا و هو فى الجنة كهأتين و فرق بين إصبعيه رواه البغوي وَ الْجارِ ذِي الْقُرْبى يعنى الجار الذي قرب جواره او يكون جارا و ذا قرابة فى النسب او فى الدين وَ الْجارِ الْجُنُبِ يعنى الجار الذي بعد جواره او يكون جارا بلا قرابة و بلا اشتراك فى الدين عن جابر بن عبد اللّه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الجيران ثلاثة فجادله ثلاثة حقوق حق الجوار و حق القرابة و حق الإسلام و جارله حقان حق الجوار و حق الإسلام و جادله حق واحد حق الجوار و هو المشرك من اهل الكتاب رواه الحسن بن سفيان و البزار فى مسنديهما و ابو الشيخ فى كتاب الثواب و ابو نعيم فى الحلية و روى ابن عدى فى الكامل من حديث عبد اللّه بن عمر و نحوه و الحديثان كلاهما ضعيفان و عن عائشة قالت يا رسول اللّه انّ لى جارين فالى أيهما اهدى قال الى أقربهما منك بابا رواه البخاري و عن ابى ذر قال قال النبي صلى اللّه عليه و سلم إذا طبخت عرقة فاكثر مائها و تعاهد جيرانك رواه مسلم و عن ابن عمر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما زال جبرئيل يوصينى بالجار حتى ظننت انه سيورثه رواه البخاري وَ الصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ قال ابن عباس و مجاهد و عكرمة و قتادة هو الرفيق فى السفر و قال ابن جريح و ابن زيد الذي يصحبك رجاء نفعك فيشتمل التلميذ و تلميذ استاده و قال على و عبد اللّه و ابراهيم النخعي هو المرأة تكون مع جنبه وَ ابْنِ السَّبِيلِ قيل هو المسافر و الأكثرون على انه الضيف عن ابى شريح الخزاعي ان النبىّ صلى اللّه عليه و سلم قال من كان يؤمن باللّه و اليوم الاخر فليحسن الى جاره و من كان يؤمن باللّه و اليوم الاخر فليكرم ضيفه و من كان يؤمن باللّه و اليوم الاخر فليقل خيرا او ليصمت رواه البغوي و فى الصحيحين عن ابى شريح الكعبي ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال من كان يؤمن باللّه و اليوم الاخر فليكرم ضيفه جائزته يوم و ليلة و الضيافة ثلاثة ايام فما بعد ذلك فهو صدقة و لا يحل له ان يثوى عنده حتى يحرجه و عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من كان يؤمن باللّه و اليوم الاخر فليكرم ضيفه و من كان يؤمن باللّه و اليوم الآخر فلا يؤذ جاره و من كان يؤمن باللّه و اليوم الاخر فليقل خيرا او ليصمت متفق عليه وَ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ اى العبيد و الإماء، قلت و يدخل فيه البهائم ايضا، عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم للمملوك طعامه و كسوته و ان لا يكلف من العمل ما لا يطيق رواه مسلم و عن ابى ذر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إخوانكم جعلهم اللّه تحت ايديكم فمن جعل اللّه أخاه تحت يده فليطعمه مما يأكل و ليلبسه ممّا يلبس و لا يكلف من العمل ما يغلبه فان كلفه ما يغلبه فليعنه عليه متفق عليه و عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا صنع لاحدكم خادمه طعامه و قد ولى حره و دخانه فليقعده معه و ليأكل فان كان الطعام مشفوها قليلا فليضع به فى يده منه أكلة او اكلتين رواه مسلم و عن ابى مسعود الأنصاري قال كنت اضرب غلاما لى فسمعت من خلفى صوتا اعلم أبا مسعود للّه اقدر عليك منك عليه فالتفت فاذا هو رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقلت يا رسول اللّه هو حرّ لوجه اللّه تعالى فقال اما لو لم تفعل للفحتك النار او لمسّنتك النار رواه مسلم و عن أم سلمة عن النبي صلى اللّه عليه و سلم انه كان يقول فى مرضه الصّلوة و ما ملكت ايمانكم رواه البيهقي فى شعب الايمان و روى احمد و ابو داؤد عن علي نحوه و عن جابر عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال ثلاث من كن فيه يسر اللّه حقه و ادخله الجنة رفق بالضعيف و شفقة على الوالدين و احسان الى المملوك رواه الترمذي و عن عبد اللّه بن عمرو قال جاء رجل الى النبي صلى اللّه عليه و سلم فقال يا رسول اللّه كم نعفو من الخادم فسكت ثم أعاد عليه الكلام فصمت فلما كانت الثالثة قال اعفوا عنه كل يوم سبعين مرة رواه الترمذي و روى ابو داؤد عن عبد اللّه ابن عمرو و عن سهل بن حنظلة قال مرّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ببعير قد لحق ظهره ببطنه فقال اتقوا اللّه فى هذه البهائم المعجمة فاركبوها صالحة و اتركوها صالحة رواه ابو داود و عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الا أنبئكم بشراركم الذي يأكل وحده و يجلد عبده و يمنع رفده رواه رزاين و عن ابى سعيد قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا ضرب أحدكم خادمه فذكر اللّه فارفعوا ايديكم رواه الترمذي، إِنَّ اللّه لا يُحِبُّ اى يبغض ذكر عدم الحبّ و أراد به البغض مَنْ كانَ مُخْتالًا متكبرا يأنف عن أقاربه و جيرانه و أصحابه لا يلتفت إليهم فَخُوراً (٣٦) يتفاخر عليهم، عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بينما رجل يتبختر فى بردين و قد أعجبته نفسه خسف به الأرض فهو يتجلجل فيها الى يوم القيامة (كذا بياض فى الأصل) و عن ابن عمر قال ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال لا ينظر اللّه يوم القيامة الى من جرّثوبه خيلاء متفق عليه و عن عياض بن حمار الأشجعي ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال ان اللّه اوحى الىّ ان تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد و لا يبغى أحد على أحد رواه مسلم و عن جابر بن عبد اللّه ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال يا معشر المسلمين اتقوا اللّه فان ريح الجنة يوجد من مسيرة الف عام و انه لا يجد عاق و لا قاطع رحم و لا شيخ زان و لا جار إزاره خيلاء و انما الكبرياء لربّ العلمين، الحديث رواه الطبراني فى الأوسط. ٣٧ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ ممّا وجب عليه بدل من من كان بدل الكل لانّ المختال الفخور يبخل عن إيفاء بنى نوعه التواضع او لانه أراد بالمختال هذا الفرد و جمع الموصول نظرا الى معنى من و جاز ان يكون منصوبا على الذم او مرفوعا على انه خبر مبتدا محذوف اى هم الذين او مبتدا خبره محذوف تقديره الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَ يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ أحقاء لكل ملامة او أحقاء بالعذاب و يدل على التقدير الثاني التذئيل بقوله أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ الاية قرا حمزة و الكسائي بالبخل هاهنا و فى الحديد بفتح الباء و الخاء و الباقون بضم الباء و سكون الخاء و هما لغتان قال البغوي قال ابن عباس و ابن زيد نزلت الاية فى كردم بن زيد و حيى بن اخطب و رفاعة بن زيد بن التابوت و اسامة بن حبيب و نافع بن ابى نافع و بحرى بن عمرو من اليهود كانوا يأتون رجالا من الأنصار و يخالطونهم فيقولون لا تنفقوا أموالكم فانا نخشى عليكم الفقر و لا تدرون ما يكون كذا اخرج ابن إسحاق و ابن جرير بسند صحيح عن ابن عباس فعلى هذا المراد بالبخل البخل بالمال و قال سعيد بن جبير المراد بالبخل كتمان العلم اخرج ابن ابى حاتم من طريق عطية العوفى و هو ضعيف عن ابن عباس انها نزلت فى الذين كتموا صفة محمد صلى اللّه عليه و سلم و لا بخل فوق إمساك العلم بصفة النبي صلى اللّه عليه و سلم و امر بعضهم بعضا بذلك وَ يَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللّه مِنْ فَضْلِهِ يعنى المال او العلم وَ أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ وضع الظاهر موضع المضمر اشعارا بان من هذا شأنه فهو كافر لنعمة اللّه و من كان كافرا لنعمة اللّه هيّئنا له عَذاباً مُهِيناً (٣٧) كما أهان النعمة بالبخل و الكتمان و وضع ضمير المتكلم موضع الغائب لتفخيم العذاب و مزيد التهويل عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم السخي قريب من اللّه قريب من الجنة قريب من الناس بعيد من النار و البخيل بعيد من اللّه بعيد من الجنة بعيد من الناس قريب من النار و لجاهل سخى احبّ الى اللّه من عابد بخيل رواه الترمذي و عن ابى سعيد مرفوعا خصلتان لا تجتمعان «١» فى مؤمن البخل و سوء الخلق رواه الترمذي و عن ابى بكر الصديق عنه صلى اللّه عليه و سلم لا يدخل «٢» الجنة خبّ «٣» و لا بخيل و لا منان رواه الترمذي-. (١) و عن ابى بكر الصديق قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول لا يدخل الجنة سيّى ء الملكة منه رحمه اللّه. (٢) خبّ اى خدّاع و هو الجربز الذي يسعى بين الناس بالفساد منه رحمه اللّه. (٣) فى الأصل لا يجتمع. ٣٨ وَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ رياء مفعول له للانفاق يعنى ينفقون لان يراه الناس و يقولوا ما أجودهم و الموصول معطوف على الموصول يعنى الذين يبخلون و وجه المشاركة بينهما فى الذم ان الانفاق رياء كعدم الانفاق او ان البخل و الإسراف طرفا انفاق على ما لا ينبغى بالإفراط و التفريط سيان فى استجلاب الذّم و العذاب او مبتدا و خبره محذوف يعنى فالشيطان قرين له يدل على المحذوف قوله تعالى وَ مَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً او معطوف على الكفرين فان الانفاق رياء كفر و اشراك خفىّ و لذلك عطف عليه وَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللّه وَ لا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال اللّه تعالى انا اغنى الشركاء «٤» (٤) فى الأصل قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انا اغنى الشركاء. ه. عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معى غيرى تركته و شركه و فى رواية فانا منه برى ء هو للذى عمله رواه مسلم و فى حديث عمر بن الخطّاب عن معاذ مرفوعا ان يسير الرياء شرك هذه الاية نزلت فى اليهود كما ذكرنا و قال السدى فى المنافقين و قيل فى مشركى مكة المنفقين أموالهم فى عداوة النبي صلى اللّه عليه و سلم وَ مَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً صاحبا و خليلا فَساءَ قَرِيناً (٣٨) المخصوص بالذم محذوف يعنى الشيطان ففيه تحذير عن متابعة الشيطان و مصاحبته او المخصوص من يكن الشيطان له قرينا ففيه اشارة الى ما فعلوه من الشرور من البخل و الرياء و غير ذلك انما هو بمقارنة الشيطان و جاز ان يكون وعيدا لهم بان الشيطان يقرن بهم فى النار. ٣٩ وَ ما ذا عَلَيْهِمْ يعنى ما الذي عليهم او اىّ مضرة يلحقهم لَوْ آمَنُوا بِاللّه وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ فان شكر المنعم حسن لذاته لا يحتمل المضرة أصلا عقلا و لا نقلا وَ أَنْفَقُوا فى سبيل اللّه لتحصيل مرضات اللّه و طمع ثوابه بعشرة أمثاله الى سبعمائة ضعف و الى ما شاء اللّه مِمَّا رَزَقَهُمُ اللّه اى شيئا قليلا من كثير رزقهم اللّه يعنى ربع العشر فى النقود او اقل منه فى السوائم بعد ما كان نصابا فاضلا عن الحوائج فان ذلك غير شاقّ على أحد و لا حرج فيه أصلا فالاستفهام للتوبيخ على جهلهم المركب حيث يزعمون ما فيه كمال المنفعة مضرة، و فيه تحريض على الفكر لطلب الجواب حتى يظهر لهم الفوائد الجليلة و العوائد الجميلة فيما يدعو اليه اللّه و رسوله و تنبيه على ان المدعو الى امر إذا علم انه لا ضرر فى ذلك الأمر ينبغى ان يجيب احتياطا فكيف عند ظهور منافعه و عوائده وَ كانَ اللّه بِهِمْ عَلِيماً (٣٩) وعيد لهم-. ٤٠ إِنَّ اللّه لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ المثقال مفعال من الثقل و الذرة هى النملة الصغيرة الحمراء و قيل الذرة اجزاء الهباء المرئية فى الكوة و لا يكون لها ثقل و المعنى ان اللّه لا يظلم شيئا و فيه اشارة الى ان ما اعدّ اللّه تعالى للكافرين من العذاب المهين عدل ليس بظلم بل ترك تعذيبهم بعد اتلافهم حقوق اللّه تعالى من التوحيد و العبادة و حقوق الوالدين و الأقربين و غيرهم كانّه ظلم بالنسبة الى من ما منعوا عن الحقوق و يمكن ان يقال انهم استحقوا العذاب بحيث لو منعوا عن التعذيب كانوا كانهم ظلموا و الظلم عبارة عن وضع الشي ء فى غير محلّه و فعل شى ء لا يجوز فعله و ذلك غير متصور من اللّه تعالى فانه تعالى خالق الأشياء مالك الملك لو عذب العالمين من غير ذنب لا يكون ظلما لكن المراد هاهنا انه لا يفعل فعلا لو صدر ذلك الفعل من غيره عد ظلما يعنى انه تعالى لا ينقص من أجور الطاعات و لا يزيد فى عقاب المعاصي روى البغوي بسنده عن انس ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال ان اللّه لا يظلم المؤمن حسنة ثياب عليها الرزق فى الدنيا و يجزى بها فى الاخرة و امّا الكافر فيطعم فى الدنيا حتى إذا افضى الى الاخرة لم يكن له حسنة يعطى بها خيرا رواه احمد و مسلم و عن ابى سعيد الخدري قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا خلص المؤمنون من النار و أمنوا فما مجادلة أحدكم لصاحبه فى الحق يكون له فى الدنيا باشدّ مجادلة من المؤمنين بربهم فى إخوانهم الذين ادخلوا النار قال يقولون ربّنا إخواننا كانوا يصلون معنا و يصومون معنا و يحجّون معنا قال فيقول اذهبوا فاخرجوا من عرفتم منهم فيأتونهم فيعرفونهم بصورهم لا تأكل النار صورهم فمنهم من أخذته النار الى انصاف ساقيه و منهم من أخذته الى كعبيه فيخرجونهم فيقولون ربنا قد أخرجنا من امرتنا قال ثم يقول اخرجوا من كان فى قلبه وزن دينار من الايمان ثم من كان فى قلبه وزن نصف دينار حتى يقول من كان فى قلبه مثقال ذرّة قال ابو سعيد فمن لم يصدق هذا فليقرا هذه الاية إِنَّ اللّه لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَ إِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَ يُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً قال فيقولون ربنا قد أخرجنا من امرتنا فلم يبق فى النار أحد فيه خير ثم يقول اللّه عز و جلّ شفعت الملائكة و شفعت الأنبياء و شفع المؤمنون و بقي ارحم الراحمين قال فيقبض قبضة من النّار او قال قبضتين ناسا لم يعملوا للّه خيرا قطّ قد احترقوا حتى صاروا حمما فيؤتى بهم الى ماء يقال له ماء الحياة فيصب عليهم فينبتون كما ينبت الحبّة فى حميل السيل قال فيخرج أجسادهم مثل اللؤلؤ فى أعناقهم الخاتم عتقاء اللّه فيقال لهم ادخلوا الجنّة فما تمنيتم او رأيتم شيئا فهو لكم، قال فيقولون ربنا أعطيتنا ما لم تعط أحدا من العلمين قال فيقول فانّ عندى لكم أفضل منه فيقولون ربنا و ما أفضل من ذلك فيقول رضائى عنكم فلا أسخط عليكم ابدا رواه البغوي بسنده و فى الصحيحين نحوه فى حديث طويل و ليس فيهما قول ابى سعيد فمن لم يصدق هذا فليقرا هذه الاية و عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان اللّه سيخلص رجلا من أمتي على رؤس الخلائق يوم القيامة فينشر له تسعة و تسعون سجلا كل سجل مدّ البصر ثم يقول اللّه أ تنكر هذا شيئا أظلمك كتبتى الحافظون فيقول لا يا ربّ فيقول افلك عذر او حسنة فبهت الرجل قال لا يا ربّ فيقول بلى ان لك عندنا حسنة و انه لا ظلم عليك اليوم فيخرج له بطاقة فيها اشهد ان لا اله الا اللّه و ان محمدا عبده و رسوله فيقول احضر وزنك فيقول يا ربّ ما هذه البطاقة مع هذه السجلات فقال انك لا تظلم قال فيوضع السجلات فى كفة و البطاقة فى كفة فطاشت السجلات و ثقلت البطاقة قال فلا يثقل مع اسم اللّه شى ء رواه ابن ماجة و ابن حبان و الحاكم و صححه و قال قوم معنى هذه الاية إِنَّ اللّه لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ للخصم على الخصم بل يأخذ له منه و لا يظلم مثقال ذرّة يبقى له بل يثيبه عليها و يضعفها له كما قال وَ إِنْ تَكُ حذف النون من غير قياس تشبيها بنون الرفع و لم يعد الواو التي حذفت لالتقاء الساكنين بعد حذف النون و هذا خلاف قياس اخر و كانهم لم يعيدوها تحرزا عن صورة ابقاء حرف العلة فى اخر الكلمة مع الجازم حَسَنَةً واحدة قرا اهل الحجاز بالرفع على ان تكون تامة و حسنة فاعلها و الباقون بالمنصب على انها ناقصة و ضمير الاسم راجع الى مثقال ذرّة و انث الضمير لتانيث الخبر او لاضافة المثقال الى مؤنث يعنى ان يك مثقال ذرّة حسنة يُضاعِفْها اى يجعلها أضعافا كثيرة عن ابى هريرة قال و اللّه لقد سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول انّ اللّه ليضاعف الحسنة الفى الف حسنة رواه ابن جرير و ابن ابى شيبة وَ يُؤْتِ صاحبه مِنْ لَدُنْهُ تفضّلا زائدا على ما وعد فى مقابلة العمل أَجْراً عَظِيماً (٤٠) قال البغوي قال ابو هريرة إذا قال اللّه اجرا عظيما فمن يقدر قدره عن ابن مسعود قال إذا كان يوم القيامة جمع اللّه الأولين و الآخرين ثم نادى مناد الا من كان يطلب مظلمة فليجى ء الى حقّه فليأخذ فيفرح المرء ان يكون له الحق على والده او ولده او زوجته او أخيه فيأخذ منه و ان كان صغيرا و مصداق ذلك فى كتاب اللّه عز و جلّ فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ الاية و يؤتى بالعبد و ينادى مناد على رءوس الأولين و الآخرين هذا فلان فمن كان له عليه حق فليأت الى حقّه ثم يقال له ات هؤلاء حقوقهم فيقول يا رب من اين و قد ذهبت الدنيا فيقول اللّه عزّ و جلّ لملائكته انظروا فى اعماله و أعطوهم منها فان بقي مثقال ذرّة حسنة قالت الملائكة يا ربنا بقي له مثقال ذرّة حسنة فيقول اللّه ضعّفوه لعبدى و أدخلوه بفضل رحمتى الجنة و مصداق ذلك فى كتاب اللّه عزّ و جلّ إِنَّ اللّه لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَ إِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها و ان كان عبدا شقيا قالت الملائكة الهنا فنيت حسناته و بقي طالبون فيقول اللّه عزّ و جلّ خذوا من سيئاتهم فاضيفوها الى سيئاته ثم صكّوا له صكا الى النار رواه البغوي و كذا روى ابن المبارك و ابو نعيم و ابن ابى حاتم-. ٤١ فَكَيْفَ خبر مبتدا محذوف يعنى كيف هؤلاء الكفار و الاستفهام للتهويل و الفاء للتفريع على مفهوم ما سبق يعنى إذا علمت ان اللّه لا يظلم على أحد بل يأخذ لكلّ صاحب حق حقه ممن ظلمه و لا يترك منه شيئا فكيف حال هؤلاء الذين لم يؤدّوا حقوق اللّه و حقوق العباد إِذا جِئْنا متعلق بالتهويل المستفاد من الاستفهام مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ يعنى نبى ذلك الامة يشهد عليهم بما عملوا من خير او شرّ و ما أجابوه و ما كذبوه وَ جِئْنا بِكَ يا محمد عَلى هؤُلاءِ يعنى أمتك امة الدعوة شَهِيداً (٤١) يشهد النبي صلى اللّه عليه و سلم مكى جميع الامة من رآه و من لم يره اخرج ابن المبارك عن سعيد بن المسيّب قال ليس من يوم الّا و تعرض على النبي صلى اللّه عليه و سلم أمته غدوة و عشية فيعرفهم بسيماهم و أعمالهم فلذلك يشهد عليهم و روى البخاري عن ابن مسعود قال قال لى النبي صلى اللّه عليه و سلم اقرأ علىّ قلت يا رسول اللّه اقرأ عليك و عليك انزل قال نعم فقرات سورة النساء حتى إذا أتيت هذه الاية فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَ جِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً قال حسبك الان فالتفت اليه فاذا عيناه تذر فان و قيل المشار اليه بهؤلاء الأنبياء فانهم يشهدون على الأمم و النبي صلى اللّه عليه و سلم يشهد على صدقهم و قيل المشار اليه مؤمنوا هذه الامة يشهدون للانبياء على الأمم و النبي صلى اللّه عليه و سلم يصدّقهم و يزكيهم و قد ذكرنا شهادتهم على الأمم فى البقرة فى تفسير قوله تعالى لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ. ٤٢ يَوْمَئِذٍ يعنى يوم إذا كان كذلك يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ عَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ لو للتمنى يعنى يتمنى الذين أتوا بالكفر و العصيان جميعا او بأحدهما قرا نافع و ابن عامر تشوّى بفتح التاء و تشديد السين بإدغام تاء التفعل فى السين و حمزة و الكسائي بفتح التاء و تخفيف السين على حذف تاء التفعل واصله على القراءتين تتسوى و الباقون بضم التاء و التخفيف على البناء للمفعول من التفعيل قال قتادة و ابو عبيدة يعنى لو تخرقت الأرض فصاروا فيها ثمّ تسوى الأرض عليهم و قيل معناه ودوا انهم لم يبعثوا و قال الكلبي يقول اللّه للبهائم و الوحوش و الطيور و السباع كونوا ترابا فتسوى بهن الأرض فعند ذلك يتمنى الكافر وَ لا يَكْتُمُونَ اللّه حَدِيثاً (٤٢) قال عطاء ودوا لو تسوّى بهم الأرض و انهم لم يكونوا كتموا امر محمد صلى اللّه عليه و سلم و لا نعته يعنى جملة لا يكتمون معطوف على تسوّى داخل فى التمني و صيغة المضارع بمعنى الماضي، و قال الآخرون بل هو كلام مستانف يعنى لا يقدرون على كتمانه لان ما عملوه لا يخفى على اللّه، و جوارحهم تشهد عليهم فعلى هذا جملة لا يكتمون معطوف على يودّ و قيل الواو للحال من فاعل يودّ يعنى يودّون ان تسوى بهم الأرض و حالهم انهم لا يكتمون من اللّه حديثا و لا يكذبونه بقولهم وَ اللّه رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ قال سعيد بن جبير قال رجل لابن عباس انى لاجد فى القرآن أشياء تختلف علىّ قال هات ما اختلف عليك قال فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَ لا يَتَساءَلُونَ ... وَ أَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ و قال وَ لا يَكْتُمُونَ اللّه حَدِيثاً و قال وَ اللّه رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ فقد كتموا و قال أَمِ السَّماءُ بَناها الى قوله وَ الْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها فذكر خلق السماء قبل خلق الأرض ثم قال أَ إِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ الى قوله طائعين فذكر فى هذه الآيات خلق الأرض قبل خلق السماء و قال وَ كانَ اللّه غَفُوراً رَحِيماً فكانه كان ثم قضى فقال ابن عباس فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَ لا يَتَساءَلُونَ هذا فى النفخة الاولى إذا نفخ فى الصور فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ ثم فى النفخة الاخرى أَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ و اما قوله تعالى ما كُنَّا مُشْرِكِينَ ...، وَ لا يَكْتُمُونَ اللّه حَدِيثاً فانهم لمّا راوا يوم القيامة ان اللّه يغفر لاهل الإسلام ذنوبهم و لا يغفر للمشركين جحد المشركون رجاء ان يغفر لهم فقالوا وَ اللّه رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ فيختم اللّه على أفواههم و تكلمت أيديهم و أرجلهم بما كانوا يعملون فعند ذلك يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ عَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَ لا يَكْتُمُونَ اللّه حَدِيثاً و خلق اللّه الأرض فى يومين ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فى يومين آخرين ثم دحى الأرض فى يومين فخلقت الأرض و ما فيها من شى ء فى اربعة ايام وَ كانَ اللّه غَفُوراً رَحِيماً اى لم يزل كذلك فلا يختلف عليك القران فان كلا من عند اللّه كذا اخرج البخاري و غيره و قال الحسن انها مواطن ففى موطن لا يتكلمون فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً و فى موضع يتكلمون و يكذبون و يقولون ما كُنَّا مُشْرِكِينَ و ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ و فى موطن يعترفون على أنفسهم و هو قوله تعالى فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ و فى موضع يَتَساءَلُونَ و فى موضع يسئلون الرجعة و اخر تلك المواطن ان يختم على أفواههم و تتكلم جوارحهم و هو قوله تعالى وَ لا يَكْتُمُونَ اللّه حديثا و اللّه اعلم- روى ابو داود و الترمذي و حسنه و الحاكم عن على عليه السلام قال صنع لنا عبد الرحمن ابن عوف طعاما فدعانا و سقانا من الخمر و ذلك قبل تحريم الخمر فاخذت الخمر منا و حضرت الصلاة فقدّمونى فقرات قل يا ايّها الكافرون اعبد ما تعبدون بحذف لا هكذا الى اخر السّورة فانزل اللّه تعالى. ٤٣ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَ أَنْتُمْ سُكارى يعنى لا تقربوها فى حال سكركم حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ ذكر هذا القيد لتعيين حدّ السكر الذي يمنع قربان الصلاة فان قيل الشكر إذا بلغ حدا لا يعلم الرجل ما يقول فحينئذ لا يصح خطابه فكيف خوطب بالنهى عن اقتراب الصلاة قلنا الخطاب توجه بعد الصحو و المراد به النهى عن اقتراب المسكر فى اوقات الصلاة قال البغوي فكانوا بعد نزول هذه الاية يجتنبون السكر فى اوقات الصلاة حتى نزل تحريم الخمر يعنى اية المائدة او يقال هذا نهى و معناه النفي يعنى لا صلوة لكم و أنتم سكارى و حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ غاية لنفى الصلاة على التقدير الثاني و على التقدير الاول حتى لتعليل النهى بمعنى كى و قال الضحاك بن مزاحم أراد به سكر النوم نهى عن الصلاة عند غلبة النوم عن عائشة قالت قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا نعس أحدكم و هو يصلى فلير قد حتى يذهب عنه النوم فان أحدكم إذا صلى و هو ينعس لعله يذهب يستغفر فيسبّ نفسه متفق عليه و رواه ابو داود و الترمذي و ابن ماجة و فى هذه الاية تنبيه على انه يجب على المصلى ان يحضر قلبه حتى يعلم ما يقول و يتعلم معانى القران و يتدبر فيه و يتحرز عما يلهيه و يشغل قلبه و اللّه اعلم و اخرج الطبراني عن الاسلع قال كنت اخدم النبي صلى اللّه عليه و سلم و ارحل له فقال لى ذات يوم يا اسلع قم فارحل فقلت يا رسول اللّه أصابتني جنابة و كذا روى ابن مردوية بلفظ أصابتني جنابة فى ليلة باردة فخشيت ان اغتسل بالماء البارد فاموت او امرض فأتاه جبرئيل باية الصعيد فارانى التيمم ضربة للوجه و ضربة لليدين الى المرفقين فقمت فيتممت ثم رحلت و كذا اخرج الفريابي و ابن المنذر و ابن ابى حاتم عن على عليه السلام قال هذه الاية قوله وَ لا جُنُباً فى المسافر تصيبه الجنابة فيتيمم انتهى و سنذكر فى سورة المائدة ان شاء اللّه تعالى انّ اوّل اية نزلت لرخصة التيمم اية المائدة و هى اسبق من هذه و لعل نزول هذه الاية لرخصة التيمم لمن خشى المرض او الموت باستعمال الماء البارد فى ليلة باردة كما يدل عليه حديث الاسلع و اللّه اعلم و الجنب الذي أصابته الجنابة و يستوى فيه المذكر و المؤنث و الواحد و الجمع فصحّ عطفه على و أنتم سكارى و فى القاموس الجنابة المنى و قالت الحنفية الجنابة فى اللغة خروج المنى على وجه الشهوة يقال اجنب الرجل إذا قضى شهوته من المرأة بالانزال و قال بعض العلماء الجنابة يطلق على مجرد الجماع انزل ا و لم ينزل نقل الحافظ ابن حجر عن الشافعي ان كلام العرب يقتضى ان الجنابة يطلق بالحقيقة على الجماع و ان لم يكن معه إنزال قال فان كل من خوطب بان فلانا اجنب من فلانة يفهم انه أصابها و ان لم ينزل و اصل الجنابة البعد سمى الجماع جنابة لمجانبته الناس و بعده منهم فى تلك الحالة فذهب داود الى انه لا يجب الغسل بالجماع ما لم ينزل زعما منه ان الجنابة هو خروج المنى و احتج على ذلك بحديث أبيّ بن كعب انه قال يا رسول اللّه إذا جامع الرجل المرأة فلم ينزل قال يغتسل ما مس المرأة منه ثم يتوضا و يصلى متفق عليه و حديث ابى سعيد الخدري ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أرسل الى رجل من الأنصار فجاء و رأسه يقطر فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم لعلّنا اعجلناك قال نعم فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا عجلت او قحطت فعليك الوضوء متفق عليه و فى لفظ مسلم قصّة و فيه انما الماء من الماء- (مسئلة) و اجمع الائمة الاربعة و جمهور المسلمين على وجوب الغسل بالجماع و ان لم ينزل فان كانت الجنابة بمعنى الجماع كما قاله الشافعي و هو المناسب للاشتقاق فالحكم ثابت بإطلاق هذه الاية و ان كانت بمعنى خروج المنى بشهوة فهذا المعنى ثابت فى الجماع امّا حقيقة و امّا حكما لان الجماع سبب لخروج المنى غالبا و الذكر عند الجماع يغيب عن النظر و المعنى قد يرق فلا يدرك خروجه فاقيم السبب مقام المسبّب كالنوم أقيم مقام الحدث لانه مظنة خروج الريح غالبا، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم العينان وكاء السية فاذا نامت العينان استطلق الوكاء رواه احمد و ابو داؤد و ابن ماجة و الدارقطني عن على و ايضا الحجة على وجوب الغسل بالجماع مطلقا الأحاديث و الإجماع عن ابى هريرة عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهد بها وجب الغسل متفق عليه و عن عائشة قالت قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا قعد بين الشعب الأربع و الزق الختان الختان فقد وجب الغسل رواه مسلم و روى الترمذي و صححه بلفظ إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل فعلته انا و رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فاغتسلنا و الحديثان اللذان احتج بهما داؤد منسوخان روى احمد و اصحاب السنن عن سهل بن سعد حدثنى ابى بن كعب ان الأنصار كانوا يقولون الماء من الماء رخصة كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم رخصها فى اوّل الإسلام ثم أمرنا بالاغتسال بعد، صححه ابن خزيمة و ابن حبّان و قال الإسماعيلي هو صحيح على شرط البخاري فان قيل جزم ابن هارون و الدارقطني ان الزهري لم يسمعه عن سهل و قال الحافظ ابن حجر وقع عند ابى داؤد ما يقتضى انقطاعه فقال عن عمرو بن الحرب عن ابن شهاب حدثنى بعض من ارضى ان سهل بن سعد أخبره ان أبيّ بن كعب أخبره قلنا ان سند ابى داؤد صحيح لان الثقة إذا قال أخبرني ثقة او من ارضى يكون الحديث صحيحا و هذا لا يستلزم ان يكون سند احمد و ابن ماجة و غيرهما منقطعا لانه يمكن ان الزهري سمعه عن ثقة عن سهل ثم لقى سهلا فحدثه، (مسئلة) و يجب الغسل بخروج المنى ايضا اجماعا غير ان أبا حنيفة و محمدا «١» و مالكا و احمد يشترطون ان يكون الخروج بدفق و شهوة عند الانفصال و قال ابو يوسف بدفق و شهوة عند الانفصال و الخروج جميعا و قال الشافعي خروج المنى موجب للغسل و ان لم يقارن اللذة سواء كان بتدفق أو لا- احتج الشافعي بحديث على انه صلى اللّه عليه و سلم لما سئل عن المذي فقال فيه الوضوء و فى المنى الغسل رواه الطحاوي و ما مرّ من قوله صلى اللّه عليه و سلم انما الماء من الماء و حديث أم سلمة انها قالت جاءت أم سليم الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقالت هل على المرأة غسل إذا احتلمت قال نعم إذا رات الماء متفق عليه قال الجمهور اللام فى قوله صلى اللّه عليه و سلم المنى و الماء للعهد و المعهود ما كان منه بدفق و شهوة و قول الشافعي أحوط و اللام عنده (١) فى الأصل محمد-. للجنس (مسئلة) رؤية المستيقظ المنى او المذي يوجب الغسل و ان لم يتذكر الاحتلام و الشهوة لان النوم او ان غفلة و مظنة الاحتلام و المنى قد يرق بطول الزمان او فساد الغذاء فالشك يبلغ الى درجة الظن فى كونه منيا فيوجب الغسل روى الترمذي عن عائشة قالت سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن الرجل يجد البلل و لا يذكر احتلاما قال يغتسل و عن الرجل يرى انه قد احتلم و لم يجد بللا قال لا غسل عليه و فيه عبد اللّه بن عمر يروى عن عبيد اللّه بن عمر عن القاسم بن محمّد عنها قال الترمذي ضعّفه يحيى بن سعيد من قبل حفظه، إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حال متداخل من قوله جنبا استثناء من أعم أحواله او صفة لقوله جنبا و على التقديرين الاستثناء مفرغ اى لا تقربوا الصلاة جنبا فى حال من الأحوال الّا حال كون الجنب مسافرين او جنبا موصوفا بصفة من الصّفات الا بصفة كونهم مسافرين و ذلك إذا لم يجد الماء او لم يقدر على استعماله و يتيمم و يشهد له ما روينا فى شأن نزوله و تعقيبه بذكر التيمم كأنّه عبر عن المتيمّم بالمسافر لان غالب حاله عدم الماء و فيه دليل على ان التيمم لا يرفع الحدث بل يستره و به قال جمهور العلماء و قال داؤد التيمم يرفع الحدث و كذا وقع فى بعض كتب الحنفية ان التيمم يرفع الحدث عنده و ان وجدان الماء ناقض المتيمم مثل سائر نواقض الوضوء و الصحيح عندى انه لا يرفع الحدث و لو كان رافعا للحدث فوجدان الماء لا يتصوّر كونه حدثا و كون وجدان الماء غاية لطهورية الصعيد يقتضى ظهور الحدث السّابق المستور لا ورود الحدث الجديد، وجه قول داود انه يرفع الحدث قوله صلى اللّه عليه و سلم الصعيد الطيّب وضوء المسلم و ان لم يجد الماء عشر سنين الحديث رواه اصحاب السنن من حديث ابى ذرّ و قال الترمذي حديث صحيح و قوله صلى اللّه عليه و سلم جعلت لى الأرض كلّها مسجدا و تربتها طهورا رواه مسلم و ابن خزيمة و غيرهما قلنا هذان الحديثان و ما فى معناهما مبنيان على المجاز يدل على ذلك قوله صلى اللّه عليه و سلم فى اخر حديث ابى ذرّ المذكور فاذا وجد الماء فليمسّ بشرته فانه ان كان طهورا على الحقيقة لم يجب عليه استعمال الماء بعد رفع الحدث و فى الصحيحين عن عمران بن حصين ذكر قصّة و فيه امر لمجنب عند عدم الماء بالتيمم ثم إذا وجد الماء امره بالغسل و لو كان التيمم رافعا للجنابة لم يأمره بالغسل- (فائدة:) ما ذكرنا من التفسير قول على و ابن عباس و مجاهد و سعيد بن جبير و قال بعض المفسرين معنى هذه الاية لا تقربوا مواضع الصلاة يعنى المساجد بحذف المضاف جنبا الّا عابرى سبيل يعنى الا مجتازين من المسجد بغير مكث لما روى ابن جرير عن يزيد بن ابى حبيب ان رجالا من الأنصار كانت أبوابهم فى المسجد كانت تصيبهم جنابة و لا ماء عندهم فيريدون الماء و لا يجدون ممرّا الّا فى المسجد فانزل اللّه قوله وَ لا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ و هذا قول ابن مسعود و سعيد بن المسيّب و الضحاك و الحسن و عكرمة و النخعي و الزهري و بناء على هذا التفسير قال مالك و الشافعي جاز للجنب المرور من المسجد على الإطلاق و هو قول الحسن فان اللفظ عام و ان كان سبب نزول الاية خاصا يعنى ضرورة عدم وجدان الممرّ الا فى المسجد و عندنا لا يجوز المرور فى المسجد للجنب لان تأويل الاية على هذا الوجه يتوقف على تقدير المضاف و الأصل عدم التقدير و ايضا لو كان معنى الاية لا تقربوا مواضع الصلاة لزم حرمة دخول مساجد البيوت للجنب و لم يقل به أحد و ايضا لا معنى لقوله لا تَقْرَبُوا مواضع الصلاة وَ أَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ فانه صريح فى النهى عن قربان الصلاة و لا يمكن فى المعطوف تقدير غير ما ذكر او قدر فى المعطوف عليه- (مسئلة) لا يجوز المكث فى المسجد عند مالك و الشافعي ايضا كما لا يجوز عند ابى حنيفة و قال احمد يجوز، لنا قوله صلى اللّه عليه و سلم و جهوا هذه البيوت عن المسجد فانى لا أحل المسجد لحائض و لا جنب رواه ابو داود و ابن ماجة و البخاري فى التاريخ و الطبراني عن أفلت بن خليفة عن جسرة بنت دجاجة عن عائشة و قال الحافظ رواه ابو داؤد من حديث جسرة عن أم سلمة و قال ابو زرعة الصحيح حديث جسرة عن عائشة فان قيل ضعّف الخطابي هذا الحديث فقال أفلت بن خليفة العامري الكوفي مجهول الحال و قال ابن الرفعة متروك قلنا قول ابن الرفعة مردود لم يقله أحد من ائمة الحديث بل قال احمد ما ارى به بأسا و صححه ابن خزيمة و حسنه ابن القطان فلا يضرّ ان جهله بعض الناس و هذا الحديث كما هو حجة للجمهور على احمد فهو باطلاقه حجة على الشافعي بل انما سيق الكلام لمنع المرور جنبا فى المسجد و اللّه اعلم- (مسئلة) لا يجوز للجنب الطواف لانه فى المسجد و لاقراءة القران عند الجمهور و قال مالك يجوزان يقرا آيات يسيرة للتعوذ و قال داود يجوز مطلقا لنا قوله صلى اللّه عليه و سلم لا تقرا الحائض و الجنب شيئا من القران و قد مرّ فى البقرة فى تفسير قوله تعالى وَ لا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ و لانه لا يجوز للجنب مس مصحف فيه نقوش دالة على القران كما سنذكر فى تفسير قوله تعالى لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ فلان لا يجوز له إيراد حروف القران على اللسان اولى و امّا جواز قراءة القران للمحدث مع كونه ممنوعا عن المس بالنص المذكور فلان الحدث لا يسرى فى الفم بل على ظاهر البدن او لان الحدث غالب الوقوع فلم يجعل مانعا عن القراءة دفعا للحرج بخلاف الجنابة فانها نادرة و قد صح عن النبي صلى اللّه عليه و سلم انه لم يكن يحجبه شى ء من القران سوى الجنابة رواه احمد و اصحاب السنن و ابن خزيمة و ابن حبان و الحاكم و ابن الجارود و البيهقي و صححه الترمذي و ابن السكن و البيهقي و عبد الحق و البغوي فى شرح السنة و فى الصحيحين انه صلى اللّه عليه و سلم قرأ عشر آيات خواتيم ال عمران قبل الوضوء- حَتَّى تَغْتَسِلُوا غاية للنهى عن قربان الصلاة للجنب غير المسافر المعذور فانه جائز له بالتيمم لما سيجيئ او غاية لنفى الصّلوة فى حالة الجنابة، لا يقال كيف يقع الاغتسال نهاية عدم القربان حالة الجنابة مع ان الجنابة يرتفع بالاغتسال لانا نقول كلمة حتى تدخل على ما يجاوز الجزء الأخير ايضا كما فى نمت البارحة حتى الصباح كذا هاهنا فان قيل اىّ فائدة فى هذا القيد مع انّ المقصود يعنى النهى عن الصلاة حالة الجنابة يحصل بدونه، قلنا فائدته، بيان ما يزيل الجنابة و سنذكر مسائل الغسل فى سورة المائدة فى تفسير قوله تعالى وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ان شاء اللّه تعالى وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضى جمع مريض أَوْ عَلى سَفَرٍ الاشتراط بالمرض او السفر خرج مخرج العادة الغالبة لان فقد الماء غالبا انما يكون لمرض او سفر فلا مفهوم لهذين الشرطين عند الجمهور و قال الشافعي ان كان صحيحا مقيما فى موضع لا يعدم الماء فيه غالبا بان كان فى قرية انقطع ماؤها يصلى بالتيمم و يجب عليه إعادتها نظرا الى مفهوم هذين الشرطين قلنا مفهوم هذين الشرطين غير معتبر اجماعا و لذلك تجب عليه الصلاة بالتيمم بالإجماع فلا وجه لوجوب الاعادة لان سبب الوجوب واحد لا يتكرر فلا يتكرر الواجب و لكون مفهوم هذين الشرطين غير معتبر لا يجب الاعادة اتفاقا على فاقد ماء صحيح مقيم فى موضع يعدم فيه الماء غالبا- عن ابى ذرّ انه كان مقيما «١» بالربذة و يفقد الماء أياما فسال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن ذلك فقال التراب كافيك و لو لم (١) فى الأصل مقيم-. تجد الماء عشر حجج و فى رواية الصعيد الطيّب وضوء المسلم و لو الى عشر حجج رواه اصحاب السنن و صححه ابو داؤد و قوله تعالى مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ تفصيل للجنب تقدير الكلام و ان كنتم جنبا مرضى او على سفر و انما حذف قوله جنبا لما سبق ذكره و ذكر السفر هاهنا مع سبق ذكره بقوله الا عابرى سبيل لبيان التسوية بينه و بين المرض بالحاق الواجد بالفاقد بجامع العجز عن الاستعمال ثم عطف على المقدر يعنى جنبا قوله أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ الغائط المطمئن من الأرض و المجي ء من الغائط كناية عن الاستفراغ الحاصل بخروج البول او البراز لان العادة ان الرجل يذهب للبول او البراز الى المطمئن من الأرض فالمعنى إذا أحدث أحدكم من أجل البول او البراز- (مسئلة) هذه الاية تدل على ان الخارج من السّبيلين إذا كان معتادا ينقض الوضوء و لا تدل على ان غير المعتاد الخارج منهما ليس بناقض كما قال به مالك- (مسئلة) و عند الجمهور غير المعتاد ايضا ناقض و هى رواية عن مالك لحديث عائشة فى الاستحاضة انه صلى اللّه عليه و سلم قال لفاطمة بنت حبيش اغسلي عنك الدم و توضئ لكلّ صلوة متفق عليه و لا على ان النجس الخارج من غير السبيلين كالقئ و الدم ليس بناقض كما قاله الشّافعى و قال احمد اليسير منه ليس بناقض و عند ابى حنيفة ينقض مطلقا بشرط كونه نجسا و ما ليس بسائل من الدم ليس ببخس و كذا القليل من القي ء لانه فى حكم البزاق و الحجة لنا القياس على الخارج من السّبيلين لان العلة لوجوب التطهير خروج النجاسة لا غير، فان قيل وجوب الوضوء بخروج النجاسة غير معقول فلا يجوز فيه القياس، قلنا كون خروج النجاسة مؤثرا فى زوال الطهارة معقول و الاقتصار على الأعضاء الاربعة غير معقول لكنه يتعدى بتعدي الاوّل و لنا ايضا الأحاديث منها حديث معدان عن ابى الدرداء ان النبي صلى اللّه عليه و سلم قاء فتوضأ فلقيت ثوبان فى مسجد دمشق فذكرت ذلك له فقال صدق انا صببت له وضوءه، رواه احمد عن حسين المعلم عن يحيى بن كثير عن الأوزاعي عن يعيش بن الوليد المخزومي عن أبيه عن معدان عنه قالوا قد اضطربوا فرواه معمر عن يحيى بن كثير عن يعيش عن خالد بن معدان عن ابى الدرداء و الجواب ان اضطراب بعض الرواة لا يؤثر فى ضبط غيره قال الأثرم قلت لاحمد قد اضطربوا فى هذا الحديث فقال حسين المعلم يجوده و قال الترمذي حديث حسن أصح شى ء فى هذا الباب و منها حديث عائشة ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال إذا قاء أحدكم فى صلاته او قلس فلينصرف فليتوضأ ثم ليبن على ما مضى ما لم يتكلم رواه الدارقطني من حديث إسماعيل ابن عياش حدثنى عبد الملك بن عبد العزيز بن جريح عن أبيه عن عبد اللّه بن ابى مليكة عنها فان قيل قال الدارقطني الحفاظ من اصحاب ابن جريج يروونه عن ابن جريح عن أبيه مرسلا و اما حديثه عن ابن «١» مليكة عن عائشة يرويه إسماعيل بن عياش قال ابو حاتم الرازي ليس بشى ء قلنا قال يحيى بن معين إسماعيل بن عياش ثقة و الزيادة من الثقة مقبولة و من عادة المحدثين تقديم الإرسال ثم المرسل عندنا حجة و فى الباب أحاديث اخر ضعيفة لم نذكرها مخافة التطويل و احتج احمد على الفرق بين القليل و الكثير بحديث ابى هريرة مرفوعا ليس فى القطرة و لا فى القطرتين من الدم وضوء الّا ان يكون دما سائلا و حديث ابن عباس ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم رخص فى دم الحيوان يعنى الدّماميل رواهما الدارقطني لكن حديث ابى هريرة فيه محمد بن الفضل بن عطية كذبه احمد و يحيى بن حبان و فى الثاني بقية يرويه بلفظ عن و هو مدلس قال الدارقطني هذا باطل احتج مالك و الشافعي بحديث انس انه صلى اللّه عليه و سلم احتجم و صلى و لم يتوضأ و لم يزد على غسل محاجمه رواه الدارقطني و البيهقي و فى اسناده صالح بن مقاتل ضعيف، قال الحافظ ابن حجر قال ابن العربي ان الدارقطني صححه و ليس كذلك بل قال صالح ليس بالقوى و ذكره النووي فى فصل الضعيف، و حديث ثوبان ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قاء فدعا بوضوء فتوضأ فقلت يا رسول اللّه أ فريضة الوضوء من القي ء قال لو كان فريضة لوجدته فى القران رواه الدارقطني و فيه عتبة بن السّكن متروك الحديث قال البيهقي هو منسوب الى الوضع- أَوْ لامَسْتُمُ كذا قرا جمهور القراء هاهنا و فى المائدة و قرا حمزة و الكسائي فيهما او لمستم النِّساءَ قال على و عائشة و ابن عبّاس و ابو موسى الأشعري و الحسن و مجاهد و قتادة كنى به الجماع و به قال ابو حنيفة و الثوري و على هذا التأويل لا يستقيم العطف على جنبا ان كان الجنابة بمعنى الجماع و يستقيم ان كان الجنابة بمعنى الانزال كما قالت به الحنفية و قال ابن مسعود و عمرو ابن عمر و الشعبي المراد به معناه الحقيقي و (١) و الصحيح ابن ابى مليكة. هو التقاء البشرتين و بناء على ذلك قالوا ينتقض الوضوء بمسّ المرأة بلا حائل بينهما، روى عن ابن مسعود فى تفسير هذه الاية قال معناه ما دون الجماع و روى البيهقي عنه القبلة من اللمس و فيها الوضوء و روى الشافعي و مالك عن ابن عمر بلفظ من قبّل امرأته او حبسها بيده فعليه الوضوء و به قال احمد و الزهري و الأوزاعي و هى رواية عن الشافعي ان مسّ المرأة مطلقا ينقض «٢» الوضوء و قال مالك و الشافعي و الليث و إسحاق و هى رواية عن احمد ان كان المسّ (٢) قال عمر ان القبلة من اللمس فتوضؤا منها و قال عثمان اللمس باليد منه رحمه اللّه. بشهوة و المرأة مشتهاة ينتقض الوضوء و الا فلا و يشترط الشافعي ان يكون المسّ بباطن الكف قياسا على مسّ الذكر فانه يحمل المطلق على المقيّد و لو كانا فى حادثتين و قد ورد فى مسّ الذكر قوله عليه السلام إذا افضى أحد كم بيده الى فرجه قالوا لفظ الإفضاء يعطى هذا المعنى قلنا حديث مسّ الذكر بلفظ الإفضاء غير صحيح و إعطاء الإفضاء هذا المعنى ممنوع و حمل المطلق على المقيد فى الحادثتين باطل على أصلنا فتأويل الآية على مذهب ابى حنيفة و ان كنتم جنبا يعنى قاضين الشهوة بالانزال مرضى او على سفر او محدثين بالخارج من السبيلين او جامعتم و لو بلا إنزال فتيمّموا و على مذهب الشافعي إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً اى جامعتم النساء مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ او محدثين بالخارج من السبيلين او يمسّ المرأة فتيمّموا و لو لم يقل تقدير الكلام ان كنتم جنبا مرضى و لا يقدر هناك كلمة جنبا فلا بدّ ان يقال ان كلمة او فى قوله تعالى أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ بمعنى الواو فتقدير الكلام وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فعلى هذا يجب ان يكون لامستم بمعنى الجماع دون مسّ المرأة حتى يستفاد من الاية جواز التيمّم للمجنب إذ لا يجوز الجمع بين الحقيقة و المجاز و كان عمر رضى اللّه عنه بناء على عدم التقدير و زغمه اللمس بمعنى المسّ لم ير جواز التيمم للجنب كما يدل عليه قصّة منازعة عمار معه كما سيجيئ استدل ابن الجوزي على كون مسّ المرأة بشهوة ناقضا للوضوء بحديث رواه عن معاذ بن جبل انه كان قاعدا عند النبي صلى اللّه عليه و سلم فجاءه رجل فقال يا رسول اللّه ما تقول فى رجل أصاب من امراة لا تحل له فلم يدع شيئا يصيبه الرجل من امرأته الا قد أصابه منها غير انه لم يجامعها فقال له النبي صلى اللّه عليه و سلم توضأ وضوءا حسنا ثم قم فصلّ و هذا الحديث لا يصلح حجة فى هذا المقام لان سوال الرجل لم يكن عن نقض الوضوء بمسّ تلك المرأة بل كان سوالا عن كيفية استغفاره و ما يحكم اللّه فيه من عقوبة فعلّمه النبي صلى اللّه عليه و سلم ان الوضوء و الصلاة يكفّران لذنبه كما ورد فى حديث ابى هريرة إذا توضأ المسلم فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة الحديث و حديث عثمان مرفوعا من توضأ وضوئي ثم صلى ركعتين لا يحدّث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه متفق عليه و فى الصحيحين عن انس قال جاء رجل فقال يا رسول اللّه أصبت حدّا فاقم علىّ قال الراوي فلم يسئل عنه و حضرت الصلاة فصلى مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الحديث و ليس فيه الأمر بالوضوء و عن ابن مسعود قال جاء رجل الى النبي صلى اللّه عليه و سلم قال يا رسول اللّه عالجت امراة فى أقصى المدينة و انى أصبت منها ما دون ان امسّها الحديث نحو ما ذكر و زاد ثم تلا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و أقم الصّلوة فى النّهار و زلفا من اللّيل انّ الحسنات يذهبن السّيئات و لنا حديث عائشة قالت كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يصلى و انا معترضة بين يديه «١» اعتراض الجنازة فاذا سجد غمزنى فقبضت رجلى و فى رواية قال الراوي و البيوت يومئذ ليس فيها مصابيح متفق عليه و لهذا الحديث طرق كثيرة للشيخين و غيرهما و عنها فقدته من الليل فلمسته بيدي فذهب يدى على قدمه و هو ساجد و هو يقول أعوذ برضاك من سخطك و أعوذ بمعافاتك من عقوبتك و أعوذ بك منك لا احصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك رواه البخاري و فى رواية للطبرانى ادخلت يدى فى شعره لانظر اغتسل أم لا، قال الحافظ ظاهر هذا السياق يقتضى تغاير القصّتين و عنها انها كانت ترجل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و هو معتكف رواه البخاري و الظاهر ان لبثه صلى اللّه عليه و سلم فى المسجد معتكفا لا يكون على غير وضوء و عنها و عن ميمونة و عن أم سلمة كان يغتسل معها من اناء واحد قلت و السنة الوضوء قبل الغسل و من المحال ان لا يمس يده يدها و عن ابى قتادة كان يصلى و هو حامل امامة بنت زينب متفق عليه و عن عائشة كان فى حجرى و انا حائض فيقرا القران متفق عليه و قد توفى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى (١) فى الأصل بين يديها. حجر عائشة و لا يجوّز العقل وفاته صلى اللّه عليه و سلم على غير طهر فهذه الأحاديث حجة لنا على من قال ان مسّ المرأة ناقض للوضوء مطلقا و لاجل هذه الأحاديث خصّص الشافعي و من معه الاية فقالوا لا ينقض الوضوء من المسّ الّا ما كان بشهوة و الحجة لنا عليهم حديث عائشة ان النبي صلى اللّه عليه و سلم قبل بعض نسائه ثم خرج الى الصلاة و لم يتوضأ رواه البزار و حسنه و رواه الترمذي و ابن ماجة و غيرهم عن وكيع عن الأعمش عن حبيب بن ابى ثابت عن عروة عنها فان قيل ضعّفه البخاري و قال ان حبيبا لم يسمع عروة قلنا رواته ثقات و شهادة عدم السّماع شهادة على النفي، و رواه احمد و ابن ماجة من طريق حجاج عن عمرو بن شعيب عن زينب السهمية عن عائشة كان عليه السلام يتوضأ ثم يقبل ثم يصلى و لا يتوضأ فان قيل زينب السهمية مجهولة قلنا حديث المجهول من القرن الثاني مقبول فان قيل الحجاج مجروح قلنا تابعه الأوزاعي فى رواية الدارقطني عن عمرو و هو من أوثق الناس و رواه الدار قطنى من طريق سفيان الثوري عن ابى روق عن ابراهيم التيمي عن عائشة فان قيل قال الترمذي لا يعرف لابراهيم سماع عن عائشة و لا يصح عن النبي صلى اللّه عليه و سلم فى هذا الباب شى ء قلت إمكان السماع يكفى لصحة الحديث لا معرفة السّماع على ان المرسل عندنا حجة و ابراهيم تابعي ثقة و لعل مراد الترمذي انه لا شى ء فى هذا الباب حديث مرفوع متصل صحيح بنفسه و الا فرجال هذا المرسل ثقات فان قيل لم يروه عن ابراهيم غير ابى روق و عطية بن الحارث و لا يعلم حدث به عن ابى روق غير الثوري و ابى حنيفة و اختلفا فيه أسنده الثوري عن عائشة و أسنده ابو حنيفة عن حفصة و ابراهيم لم يسمع منها قلنا هؤلاء الاربعة ثقات ائمة و يمكن ان ابراهيم روى حديثين مرسلين أحدهما عن عائشة و الثانية عن حفصة فبلّغ للثورى حديثه عن عائشة و لابى حنيفة عن حفصة و هذه العلة ليست بقادحة عند الفقهاء و قد روى هذا الحديث عن الثوري عن ابى روق عن ابراهيم التيمي عن أبيه عن عائشة بوصل اسناده، فان قيل قد اختلف فى لفظ الحديث فروى عثمان بن ابى شيبة ان النبي صلى اللّه عليه و سلم كان يقبل و هو صائم و قال غير عثمان كان يقبل و لا يتوضأ قلنا بعد كون الرجال ثقات هذا الأمر غير قادح عند الفقهاء لامكان الجمع بين القولين بان يكونا حديثين او يكون حديثا واحدا كأنّه قال يقبّل و هو صائم و لا يتوضأ فروى بعضهم ببعض الألفاظ و بعضهم ببعض آخر و ذلك جائز عند البخاري قال الحافظ ابن حجر قال الشافعي روى سعيد بن بنانة عن محمد بن عمر ابن عطاء عن عائشة عن النبي صلى اللّه عليه و سلم انه كان يقبّل و لا يتوضأ قال الشافعي لا اعرف حال سعيد فان كان ثقة فالحجة ما روى عن النبي صلى اللّه عليه و سلم و قال الحافظ روى من عشرة أوجه أوردها البيهقي فى الخلافيات و ضعّفها قلت الضعيف ايضا بتعدد الطرق يرتفع الى درجة الحسن و قد علمت ان رواة هذه الطرق لم يتهم بالكذب و فى الباب حديث ابى امامة قال قلت يا رسول اللّه الرجل يتوضأ للصلوة ثم يقبل اهله او يلاعبها ينتقض الوضوء بذلك قال لا رواه الدارقطني فيه ركن بن عبد اللّه متروك و إذا اعتضد طرق هذا الحديث بعضها ببعض مع كونها حسنة فى نفسها او مرسلة صحيحة صحّ انه صلى اللّه عليه و سلم كان لا يتوضأ من القبلة فظهر ان مسّ المرأة ليس بناقض و لو كان ناقضا لنقل ذلك برواية أحد من الصحابة خصوصا عن أزواجه صلى اللّه عليه و سلم مع كثرتهنّ و شدّة حرصهنّ على بيان العلم و كثرة مخالطته صلى اللّه عليه و سلم و ملامسته اياهن كما ترى فى حديث رواه الحاكم عن عائشة ما كان يوم الّا و كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يأتينا فيقبل و يلمس الحديث فظهر ان المراد باللمس فى الاية انما هو الجماع و ايضا لو كان المراد باللمس ما دون الجماع لزم تقليل الفائدة مع تكثير العبارة لان جواز التيمم للمحدث يفهم من قوله تعالى أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ و المقصود من الاية بيان خليفة التراب للماء لاعدّ الأحداث لانه قد ترك كثير من الأحداث عن الاية اتفاقا كالنوم و الإغماء و الجنون و الخارج من غير السبيلين و القهقهة و أكل لحوم الجزور و مس الذكر فلا فائدة فى ذكر اللمس فان النوم مضطجعا و متكيا و الإغماء و الجنون مطلقا حدث بالإجماع لقوله صلى اللّه عليه و سلم و لكن من غائط و بول و نوم صححه ابن خزيمة و الترمذي من حديث صفوان بن عسال و كذا نوم الراكع و الساجد عند مالك و نوم القائم ايضا عند الشافعي و النوم الطويل على اىّ هيئة كان عند احمد لكن عند ابى حنيفة إذا نام على حالة من احوال الصلاة لا ينقض لقوله صلى اللّه عليه و سلم ليس على من نام ساجدا وضوء حتى يضطجع فاذا اضطجع استرخت مفاصله رواه عبد اللّه بن احمد عن ابن عباس و روى ابو داود و الترمذي بلفظ لا وضوء على من نام قاعدا و البيهقي بلفظ لا يجب الوضوء على من نام جالسا او قائما او ساجدا و مدار الطرق على يزيد ابى خالد الدالاني و ان ضعّفه بعض الائمة لكن الصحيح ما قال الذهبي انه حسن الحديث و قال احمد لا بأس به و الإغماء و الجنون أشد و أقوى من النوم فى الغفلة و لذلك اجمعوا على انه حدث على اىّ حال كان- (مسئلة) و القهقهة فى صلوة ذات ركوع و سجود حدث عند ابى حنيفة لقوله صلى اللّه عليه و سلم من ضحك فى صلاته قهقهة فليعد الوضوء و الصلاة رواه ابن عدى عن ابن عمر و فيه بقية أخرجه مسلم متابعا و اختلف فيه و التحقيق انه ثقة مدلس فلو روى عن ثقة بلفظ حدثنا كما فى هذا الحديث فهو حجة و قوله صلى اللّه عليه و سلم فى قصة أعمى من كان منكم قهقه فليعد الوضوء و الصلاة رواه الدارقطني من حديث معبد الخزاعي و الصحيح انه صحابى ابن أم معبد و من رواية الامام ابو حنيفة و وهم ابن الجوزي حيث قال و هم فيه ابو حنيفة و روى الدارقطني عن رجل من الأنصار و فيه خالد بن عبد اللّه الواسطي و لا نعلم أحدا طعن فيه و قال اكثر المحدثين الصحيح انه مرسل عن ابى العالية و المرسل عندنا حجة، و ما احتج به الخصم من حديث جابر مرفوعا الضحك ينقض الصلاة و لا ينقض الوضوء فيه عبد الرحمن بن إسحاق ابو شيبة ضعيف كذا قال يحيى و قال احمد ليس بشى ء منكر (مسئلة) و أكل لحوم الإبل حدث عند احمد لقوله صلى اللّه عليه و سلم توضؤا من لحوم الإبل رواه اصحاب السنن من حديث البراء و صححه المحدثون و روى مسلم نحوه عن جابر و احمد نحوه عن أسيد بن حضير و ذى العزة و ما احتج به الخصم من حديث ابن عباس مرفوعا الوضوء مما يخرج و ليس ممّا يدخل رواه الدارقطني و البيهقي ضعيف منكر- (مسئلة) و مس الذكر حدث عند مالك و احمد و كذا عند الشافعي ان كان بباطن الكف لقوله صلى اللّه عليه و سلم من مسّ ذكره فلا يصل حتى يتوضأ رواه الائمة الثلاثة و اصحاب السنن الاربعة و غيرهم من حديث عروة عن بسرة، قالت الحنفية هذا الحديث لا يصح و هو منقطع و التحقيق انه حديث صحيح متصل رواه عروة عن مروان عن بسرة ثم لقى بسرة فسمعه منها و رواته، كلهم فى الصحيحين و صححه احمد و الترمذي و يحيى و الدارقطني و قال البخاري أصح شى ء فى الباب و روى الترمذي و احمد عن زيد بن جالد مرفوعا من مسّ فرجه فليتوضأ و روى الترمذي و احمد و البيهقي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا نحوه صححه البخاري فيما حكى عنه الترمذي و فى الباب ما روى ابن ماجة عن ابى أيوب و هو ضعيف و الحاكم عن سعد بن ابى وقاص و أم سلمة و البيهقي عن ابن عبّاس و هو ضعيف و الطبراني و صححه عن على بن طلق و ذكر ابن مندة حديث النعمان و انس و ابى بن كعب و معاوية بن جندة و قبيصة و الترمذي حديث اروى بنت انس و لابى حنيفة حديث طلق بن على قيل يا رسول اللّه أ يتوضأ أحدنا من مسّ ذكره قال هل هو الّا بضعة منك رواه احمد و اصحاب السنن و صححه عمرو بن على القلاس و ابن المديني و ابن حبّان و الطبراني و ابن حزم و ضعّفه الشافعي و ابو زرعة و ابو حاتم و الدارقطني و البيهقي قلت لهذا الحديث خمسة طرق اربعة منها ضعاف و رجال طريقة واحدة منها ثقات الا قيس بن طلق راويه عن أبيه مختلف فيه ضعفه احمد و وثقه البجلي و عن يحيى روايتين فمن قال بتوثيقه فالحديث عنده صحيح و الا فضعيف و الحق عندى ان الحديث حسن لكن حديث بسرة أقوى منه و فى الباب حديث ابى امامة و عصمة بن مالك و عائشة و كلها ضعاف و ادعى ابن حبان ان حديث طلق منسوخ لان من رواة كون مسّ الذكر ناقضا ابو هريرة و إسلامه فى سنة ستّ و طلق اتى عند رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أول الهجرة و هم يؤسّسون مسجد المدينة كذا روى الدارقطني قلت سند هذه الرواية ضعيف على ان مجى ء طلق اوّل الهجرة لا يدل على عدم مجيئة ثانيا بعد اسلام ابى هريرة و ايضا حديث ابى هريرة ضعيف فلا يثبت به نسخ حديث بسرة «١» و اللّه اعلم فَلَمْ تَجِدُوا ماءً اى لم تقدروا على استعماله كذا ثبت تفسيره بالسنة و الإجماع، و عدم القدرة على استعمال الماء أعم من ان يكون لعدم الماء او لبعده ميلا او بحيث ان ذهب الى الماء و توضأ غابت القافلة او لفقد فمعز الدولة إخراج الماء من البير مثلا او لمانع من حية او سبع أوعد (١) هكذا فى الأصل و النقول كلها لكن عندى فيه نظر لان حديث بسرة و ابى هريرة كلاهما فى شى ء واحد و هو ان مسّ الذكر حدث ناقض للوضوء و البحث هاهنا فى حديث طلق هل هو منسوخ أم لا فلعل الناسخ الاول فهم بسرة سهوا فى مقام طلق و اللّه اعلم ٢ بو محمد عفا اللّه عنه. و مسلّط على الماء او خوف عطش او لخوف حدوث مرض لشدة برد او نقاحة او لمرض مانع من التحرك للوضوء و عدم من يناوله او لمرض خيف زيادته باستعمال الماء او بالحركة او خيف تلف نفس او عضو و فى رواية عن الشافعي يشترط فى المرض خوف تلف نفس او عضو- اخرج ابن ابى حاتم عن مجاهد قال نزلت هذه الاية فى رجل من الأنصار كان مريضا فلم يستطع ان يقوم فيتوضأ و لم يكن له خادم يناوله فذكر ذلك لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فانزل اللّه تعالى وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضى الاية و اخرج ابن جرير عن ابراهيم النخعي قال أصاب اصحاب النبىّ صلى اللّه عليه و سلم جراحة فغشت فيهم ثم ابتلوا بالجنابة فشكوا ذلك الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فنزلت وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضى الاية كلها و عن عمرو بن العاص قال احتلمت فى ليلة باردة فى غزوة ذات السلاسل فاشفقت لى ان اغتسلت ان أهلك فتيمّمت ثم صليت بأصحابي الصبح فذكر ذلك لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال يا عمرو صليت باصحابك و أنت جنب فقلت انى سمعت اللّه عز و جل يقول وَ لا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ الاية فضحك رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و لم يقل شيئا علقه البخاري و رواه ابو داود و الحاكم و عن ابن عمر انه اقبل من ارضه بالجرف فحضرت العصر بمربد النعم فتيمم فمسح وجهه و يديه و صلى العصر ثم دخل المدينة و الشمس مرتفعة فلم يعد رواه الشافعي و مالك فى المؤطا مختصرا و الجرف موضع على فرسخ من المدينة كذا قال ابو إسحاق و المربد على ميل من المدينة و روى البيهقي عن ابن عمر انه يكون فى السفر فيحضر الصلاة و الماء منه على غلوة او غلوتين او نحو ذلك ثم لا يعدل اليه قلت هذا عند خوف ذهاب القافلة و لفظ العدول يقتضى كون الماء على يمينه او يساره لا تلقاء وجهه- (مسئلة) قال الشافعي المسافر إذا فقد الماء يشترط للتيمم طلب الماء فى رحله و من رفقائه و ان كان فى صحراء لا حائل دون نظره ينظر حواليه و ان كان دون نظره تل او جدار عدل عنه لانه تعالى قال فَلَمْ تَجِدُوا ماءً و لا يقال لم يجد الا لمن طلب و قال ابو حنيفة طلب الماء من الرفيق ليس بشرط لانه غير واجد للماء إذ ليس فى ملكه فَتَيَمَّمُوا يعنى فاقصدوا، فى القاموس التيمم التوخي و التعمد الياء بدل من الهمزة و يممه قصده و اليمامة القصد و لذلك قال ابو حنيفة رحمه اللّه النية شرط فى التيمم بخلاف الوضوء و الغسل و قال زفر لا يشترط النية فى التيمم كما لا يشترط فى الوضوء و الغسل و الحجة عليه هذه الاية و قال الائمة الثلاثة يشترط فى الوضوء و الغسل ايضا و سنذكر هذه المسألة فى سورة المائدة ان شاء اللّه تعالى صَعِيداً الصعيد اسم لوجه الأرض ترابا كان او رملا او جصا او نورة او حجرا او غير ذلك قال الزجاج لا اعلم خلافا بين اهل اللغة فى ذلك قلت و لذلك لم يذكر البيضاوي فى تفسير الصعيد التراب مع كونه شافعيا و قال البغوي قال ابن عباس الصعيد هو التراب و فى القاموس الصّعيد التراب او وجه الأرض و ذكر فى الهداية انه فسّر ابن عباس صعيدا طيّبا اى ترابا منبتا و قال الحافظ ابن حجر لم أجده لكن روى البيهقي و ابن ابى حاتم عنه أطيب الصّعيد تراب الحرث و رواه ابن مردوية فى تفسيره من حديث ابن عباس مرفوعا و لفظ أطيب يفيد ان غير تراب الحرث ايضا صعيد طيّب، قلت و لو كان لفظ الصعيد مشتركا بين التراب و وجه الأرض كما قاله صاحب القاموس فالمراد به هاهنا وجه الأرض دون التراب بقرينة قوله تعالى فى المائدة ما يُرِيدُ اللّه لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ لان فى إيجاب التراب المنبت حرج خصوصا على من أسكنهم اللّه بواد غير ذى زرع او ارض سبخة او رمل او جبل لا يجدونه الا بحرج عظيم و ايضا يدل على التأويل بوجه الأرض حديث ابى هريرة فضلت على الأنبياء بستّ أعطيت جوامع الكلم و نصرت بالرعب و احلّت لى الغنائم و جعلت لى الأرض طهورا و مسجدا و أرسلت الى الخلق كافة و ختم بي النبوة رواه مسلم و الترمذي و صححه و روى الطبراني بسند صحيح عن السائب بن يزيد فضّلت و بخمس و لم يذكر إعطاء جوامع الكلم و ختم النبوة و زاد ادّخرت «١» شفاعتى لامتى و الباقي نحوه و روى البيهقي بسند صحيح عن ابى امامة فضلت بأربع جعلت لى الأرض كلها و لامتى مسجدا و طهورا فايما رجل من أمتي اتى الصلاة فلم يجد ما يصلى عليه وجد الأرض مسجدا و طهورا و ذكر الرسالة الى الناس كافة و النصرة بالرعب مسيرة شهرين و حلّ الغنائم و عند احمد بلفظ فعنده طهوره و مسجده و فى رواية عمرو بن شعيب فاينما أدركتني الصلاة تمسحت و فى الصحيحين عن جابر أعطيت خمسا لم يعط أحد من الأنبياء قبلى فعدّ منها و جعلت لى الأرض مسجدا و طهورا و عن انس عند ابن الجارود و ابن المنذر بلفظ جعلت لى كل ارض طيبة مسجدا و طهورا فان ألفاظ هذه الأحاديث كلّها تدل على ان الأرض بجميع اجزائها طهوركما هى بجميع اجزائها مسجد اجماعا فان اللام فى الأرض للجنس، و حديث ابى امامة و نحوه ادلّ و اصرح على ذلك فهذه الاية حجّة لابى حنيفة فى جواز التيمم على كل شى ء من جنس الأرض سواء كان سبخة او رملا او حجرا بلا نقع او غير ذلك و قال مالك يجوز بالنبات ايضا إذا كان متصلا بالأرض لاطلاق الصعيد عليه طبعا و قال ابو يوسف لا يجوز الا بالرمل او التراب و قال الشافعي و احمد لا يجوز الا بالتراب احتجوا بحديث حذيفة بلفظ فضلنا على الناس بثلاث جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة و جعلت لنا الأرض كلها مسجدا و جعلت تربتها لنا طهورا إذا لم نجد الماء رواه مسلم و بحديث على و فيه و جعل التراب لى طهورا، قالوا هذا خاص فينبغى ان يحمل عليه العام قلنا هذا استدلال بمفهوم اللقب و مفهوم اللقب ليس بحجّة عند الجمهور و تخصيص العام بالخاص انما يتصوّر عند التعارض و لا تعارض هاهنا فان جواز (١) فى الأصل ذخرت. التيمم بالتراب لا ينفى جواز التيمم بغيره بل هو ساكت عنه و تخصيص التراب بالذكر لبيان الأفضل، و زاد ابو يوسف جواز التيمم بالرمل لحديث ابى هريرة ان ناسا من اهل البادية أتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقالوا انا نكون بالرمال الأشهر الثلاثة او الاربعة فيكون فينا الجنب و النفساء و الحائض و لسنا نجد الماء فقال عليكم بالأرض ثم ضرب بيده على الأرض لوجهه ضربة واحدة ثم ضرب ضربة اخرى فمسح بها على يديه الى المرفقين رواه ابن الجوزي و قال هذا الحديث لا يصحّ فان فيه المثنى بن الصباح قال احمد و الرازي ليس بشى ء و قال النسائي متروك طَيِّباً اى طاهرا و لا جائز ان يراد به منبتا لان طهارة الصعيد شرط بالإجماع فلو أريد به الإنبات ايضا لزم الجمع بين الحقيقة و المجاز و لما كانت الطهارة فى الصعيد شرطا بدليل قطعىّ نصّ الكتاب و الإجماع قال ابو حنيفة إذا تنجس الأرض ثم تطهر باليبس يجوز عليها الصلاة و لا يجوز بها التيمم لان ذكوة الأرض يبسها ثبت بحديث الآحاد فلا يتادّى بها ما ثبت اشتراطها بدليل قطعى و قالت الائمة الثلاثة لا يجوز عليها الصلاة ايضا و حديث ذكوة الأرض يبسها لا يعرف و المعتمد عليه عندى للحكم بطهارة الأرض بيبسها ما رواه البخاري عن حمزة بن عبد اللّه قال كانت الكلاب بتول و تقبل و تدبر فى المسجد فى زمان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فلم يرشون شيئا من ذلك و هكذا فى سنن ابى داود و الإسماعيلي و ابى نعيم «١» و البيهقي و اللّه اعلم فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ الباء زائدة و استيعاب الوجه بالمسح فريضة اجماعا وَ أَيْدِيكُمْ اليد اسم للعضو الى المنكب و لذلك حكى عن الزهري ان الواجب فى التيمم المسح الى الآباط و كذا حكى عن الصحابة انهم بعد نزول هذه الاية مسحوا الى الآباط و المناكب و ذلك قبل تعليم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مراد اللّه تعالى بهذه الاية، عن عمار بن ياسر ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عرّس بذات الجيش و معه عائشة فانقطع عقدتها من جزع ظفار فحبس الناس ابتغاء عقدتها ذلك حتى أضاء الفجر و ليس مع الناس ماء فانزل اللّه تعالى على رسوله رخصة التطهير بالصعيد الطيّب فقام المسلمون فضربوا الأرض ثم رفعوا أيديهم و لم يفيضوا من التراب شيئا فمسحوا بها وجوههم الى المناكب و من بطون أيديهم الى الآباط رواه ابن الجوزي من طريق احمد و روى ابن ماجة بلفظ فتيممنا الى المناكب و فى رواية له فتيممنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الى المناكب لكن ظهر بتعليم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و بالإجماع ان جميع اليد ليس بمراد فهى مجمل فى المقدار فبيّن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان مقدار اليد فى التيمم مقدارها فى الوضوء يعنى الى المرفقين- عن عمار قال «٢» كنت فى القوم حين نزلت اية التيمم فامرنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فضربنا واحدة للوجه ثم ضربة اخرى لليدين الى المرفقين رواه البزار ذكر الحافظ ابن حجر فى تخريج أحاديث الرافعي و لم يطعن فيه و روى ابو داود من حديث عمار انه قال الى المرفقين لكن فى سنده قال قتادة حدثنى محدث عن الشعبي و ذلك المحدث مبهم الّا ان لفظ المحدث يدل على توثيقه فلا بأس به و قد مرّ حديث الاسلع فى شأن نزول الاية قال فارانى (١) فى الأصل ابو نعيم. (٢) فى الأصل قال قال. رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم التيمم ضربة للوجه و ضربة لليدين الى المرفقين لكن فى سنده ربيع ابن بدر ضعيف غير انه يعضد حديث عمار و التحق حديث عمار و اسلع بيانا للاية (مسئلة) و بناء على هذا قال ابو حنيفة و الشافعي الواجب فى التيمم المسح الى المرفقين و يؤيد هذا المذهب حديث جابر قال جاء رجل الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال أصابتني جنابة و انى تمعكت فى التراب فقال عليه السلام التيمم ضربة للوجه و ضربة للذراعين الى المرفقين و فى رواية ضرب بيده الأرض فمسح وجهه ثم ضرب يديه فمسح بهما الى المرفقين رواه الحاكم و قال صحيح الاسناد و لم يخرجاه و قال الدارقطني رجاله كلهم ثقات و حديث ابن الصمة قال مررت على النبي صلى اللّه عليه و سلم و هو يبول فسلمت عليه فلم يرد علىّ حتى قام الى جدار فحته بعصا كانت معه ثم وضع يده فمسح وجهه و ذراعيه رواه الشافعي و النسائي من طريقه و قال النسائي حديث حسن فان قيل فيه ابو عصمة و تابعه ابو خارجة قال ابن الجوزي يتكلم فيهما و فيه ابو الحويرث قال الحافظ فيه من الضعف قلت هذه الثلاثة لم يتهم أحد منهم بالكذب فارتقى الحديث الى درجة الحسن و هذا الحديث فى الصحيحين فمسح بوجهه و يديه و حديث عبد اللّه بن ابى اوفى سئل عن التيمم قال امر النبي صلى اللّه عليه و سلم عمارا ان يفعل هكذا و ضرب بيديه الأرض ثم نفضهما و مسح على وجهه و يديه و فى رواية و مرفقيه مكان يديه رواه ابن ماجة و لم يخرج الذهبي فى الضعفاء أحدا من رجال هذا السند الا انه قال عثمان بن ابى شيبة شيخ للبخارى تكلم فيه و هو صدوق فالحديث حسن و فى الباب أحاديث أخر ضعاف منها حديث ابن عمر مثل حديث ابن الصمة رواه ابو داود و مداره على محمد بن ثابت و هو ضعيف و عنه و عن عائشة قوله صلى اللّه عليه و سلم التيمم ضربتان ضربة للوجه و ضربة لليدين الى المرفقين رواه الدارقطني و الحاكم و البيهقي و فى حديث ابن عمر على بن ظبيان ضعّفه القطان و ابن معين و قال الحاكم صدوق و روى ايضا من طريق سليمان ابن داود و هو متروك و فى حديث عائشة الحريش بن الحريث قال ابو حاتم منكر الحديث و عن ابن عمر ايضا تيممنا مع النبي صلى اللّه عليه و سلم ضربنا بايدينا على الصعيد الطيب ثم نفضنا أيدينا فمسحنا بها وجوهنا ثم ضربنا ضربة اخرى فمسحنا من المرافق الى الأكف رواه الدارقطني و فيه سليمان بن أرقم متروك و فى الباب حديث ابى امامة رواه الطبراني و اسناده ضعيف و قال مالك و احمد يجوز فى التيمم الاقتصار على ضربة واحدة يمسح بها وجهه و كفيّه لحديث عمار قال كنت فى سرية فاجتنبت فتمعكت فى التراب فلما أتيت النبي صلى اللّه عليه و سلم ذكرت ذلك له فقال انما يكفيك هكذا و ضرب النبي صلى اللّه عليه و سلم بيده الى الأرض ثم نفخ فيها و مسح بها وجهه و كفيه و فى رواية عنه ان نبى اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال فى التيمم ضربة للوجه و الكفين رواهما احمد و فى الصحيحين بطرق فبعض ألفاظ البخاري انما كان يكفيك هكذا فضرب النبي صلى اللّه عليه و سلم بكفية الأرض و نفخ فيهما ثم مسح بهما وجهه و كفيه و روى مسلم انما يكفيك ان تضرب بيديك الأرض ثم تنفخ ثم تمسح بهما وجهك و كفّيك و عند البخاري يكفيك الوجه و الكفين قلت حديث الصحيحين يدل على ان عمّارا وقت نزول الاية لم يعرف ان التيمم يكفى للمجنّب و انما علم حينئذ انه للمحدث و لذلك تمعك للجنابة قياسا عليه قالوا ما رواه الشيخان من حديث عمار أقوى، قلنا و ان كان أقوى من كل واحد واحد ممّا ذكرنا من الأحاديث لكن أحاديثنا لكثرة الرواة و طرق شتى صحيحة و ضعيفة يبلغ فى القوة مبلغ حديث الصحيحين فتعارضا فرجّحنا بوجوه أحدها ان ما احتج به احمد متاخر عن وقت نزول الاية و المتأخر لا يصلح بيانا لمجمل الكتاب إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة فلو حمل هذا الحديث على ظاهره لكان ناسخا لكتاب اللّه و لا يجوز نسخ الكتاب بحديث الآحاد فيسقط حديث الصحيحين لاجل معارضة الكتاب و امّا أحاديثنا فمنها ما هو صريح فى كونه بيانا للاية مقارنا لنزولها فالتحق بالكتاب بيانا و ثانيها بان حديث الصحيحين يحتمل التأويل بان يقال اطلق الكف و أريد به اليد مجازا إطلاقا لاسم الجزء على الكل او يقال انما أراد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بيان صورة الضرب و نفى التمعك و ليس المراد به بيان جميع ما لا بد منه للتيمم كما قال فى الغسل انما يكفيك ان تحثى على راسك ثلاث حثيات و لم يذكر فيه المضمضة و الاستنشاق و غسل جميع البدن لان المقصود هناك بيان عدم الحاجة الى نقض الضفائر ثالثها بانه إذا تعارض الحديثان سقطا و عملنا بالقياس على الوضوء رابعها الاخذ بالاحتياط- (مسئلة) قال ابو حنيفة يجوز التيمم لخوف فوت ما يفوت لا الى خلف كصلوة العيد ابتداء و بناء و صلوة الجنازة لغير الولي لا لخوف فوت الوقت و الجمعة و قال مالك و الشافعي لا يجوز لخوف فوت العيد و الجنازة لعدم الضرورة فى إتيانهما فان صلوة العيد ليست بواجبة عندهما بل سنة و صلوة الجنازة فرض كفاية يتادى بغيره و يجوز لخوف فوت الوقت و الجمعة لكن عند الشافعي يجب الاعادة ايضا و قال احمد لا يجوز لخوف فوت شى ء منها لان طهورية الصعيد مشروطة بعدم وجدان الماء و لم يوجد و الحجة لابى حنيفة انه صلى اللّه عليه و سلم تيمم لردّ السّلام كما مرّ- (مسئلة) إذا وجد الماء بعد الصّلوة فى الوقت بالتيمم لا يجب عليه الاعادة و ان كان الوقت باقيا و قال عطاء و طاؤس و مكحول و ابن سيرين و الزهري يجب الاعادة لنا حديث ابى سعيد الخدري ان رجلين خرجا فى سفر فحضرت الصّلوة و ليس معهما ماء فتيمّما صعيدا طيّبا و صلّيا ثم وجدا الماء فى الوقت فاعاد أحدهما الوضوء و الصلاة و لم يعد الاخر فاتيا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فذكرا ذلك له فقال للذى لم يعد أصبت السنة و أجزأتك صلوتك و قال للذى أعاد لك الاجر مرتين رواه ابو داود و النسائي و الحاكم و الدارمي- (مسئلة) من كان بعض أعضائه صحيحا و بعضه جريحا يغسل الصحيح و يتيمم للجريح عند الشافعي و احمد و هو المختار عندى للفتوى و قال ابو حنيفة و مالك ان كان الأكثر صحيحا يغسل الصحيح و يمسح على الجريح و لا يتيمم و الا يتيمم و لا يغتسل لنا انه صحيح بعض أعضائه و هو واجد للماء من وجه فلا يسقط غسله و مريض من وجه حيث لا يقدر على استعمال الماء فى جميع بدنه فيتيمم و يؤيده حديث جابر قال خرجنا فى سفر فاصاب رجلا حجر فشجّه فى رأسه ثم احتلم فسال أصحابه هل تجدون لى رخصة فى التيمم فقالوا ما نجد لك رخصة و أنت تقدر على الماء فاغتسل فمات فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قتلوه قتلهم اللّه الا سالوا إذا لم يعلموا فان شفاء العي السؤال انما كان يكفيه ان يتيمم و يعصر او يعصب على جرحه ثم يمسح عليه و يغسل سائر جسده رواه الدارقطني و من طريقه ابن الجوزي- (مسئلة) يجوز بتيمم واحد صلوات كثيرة ما لم يحدث او يجد الماء و قال الشافعي و احمد يجب ان يتمم لوقت كل صلوة، لنا قوله صلى اللّه عليه و سلم الصعيد الطيّب وضوء المسلم و ان لم يجد الماء عشر سنين فاذا وجد الماء فليمس بشرته فان ذلك خير رواه اصحاب السّنن من حديث ابى ذرّ قال الترمذي حديث صحيح احتج الشافعي بقول ابن عباس من السنة ان لا يصلى بالتيمم اكثر من صلوة واحدة رواه الدارقطني و البيهقي قال الرافعي قول الصحابي من السنة ينصرف الى سنة الرسول صلى اللّه عليه و سلم فله حكم الرفع و فى الباب اثر على رواه ابن ابى شيبة و عن عمرو بن العاص موقوفا انه كان يتيمم لكل صلوة و به كان يفتى قتادة روى الدارقطني بسنده عن قتادة و كان ابن عمر يتيمّم لكل صلوة رواه البيهقي قلنا لا يصح شى ء من هذه الآثار امّا اثر ابن عباس قال ابن الجوزي فيه ابو يحيى عن حسن بن عمارة و هما متروكان و قال الحسن ضعيف جدّا و امّا اثر على ففيه الحجاج بن ارطاة تركه ابن مهدى و القطان و قال احمد و الدارقطني لا يحتج به و قال ابن معين و النسائي ليس بالقوى و امّا اثر عمرو بن العاص فهو منقطع بين قتادة و عمر و إرسال شديد و امّا اثر ابن عمر ففيه عامر الأحول مختلف فيه ليّنه احمد و غيره و وثقه ابو حاتم و مسلم ثم هذه الآثار لا يعارض المرفوع الصحيح و ايضا نحملها على الاستحباب و قول ابن عباس من السنة يعنى مستحب ليس بواجب- (مسئلة) فاقد الطهورين لا يصلى عند ابى حنيفة و مالك و عليه القضاء عند ابى حنيفة دون مالك و عند الشافعي و احمد يصلى و يجب عليه الاعادة عند الشافعي دون احمد إذا وجد الماء لنا هذه الاية حيث قال و لا جنبا يعنى لا تقربوا الصلاة جنبا الّا عابرى سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضى الاية نهى عن الصلاة جنبا و جعل غاية النهى الغسل لواجد الماء و التيمم للفاقد فبقى فاقد الطّهورين داخلا فى النهى لعدم الغاية فان قيل المسافر خارج عن النهى قلنا انما هو المسافر المتيمم و لو لا ذلك لجاز للمسافر الصلاة بغير تيمم و يمكن للشافعى ان يقول الخارج عن النهى المسافر مطلقا ثم أوجب عليه التيمم و يشترط لوجوب التيمم القدرة على الصعيد كيلا يلزم التكليف بما لا يطاق فاذا لم يقدر على الصعيد سقط عنه التيمم و بقي خارجا عن النهى و لنا ايضا قوله صلى اللّه عليه و سلم لا يقبل اللّه صلوة الا بطهور رواه الترمذي و الصلاة نكرة فى حيّز النفي فهو عام و القول بانه محمول على من يقدر على الطهور تخصيص للنصّ بلا دليل و لنا ايضا حديث عمار بن ياسر قال لعمر بن الخطّاب اما تذكر انا كنا على سفر انا و أنت فاصابتنا جنابة فامّا أنت فلم تصل و امّا انا فتمعكت فى التراب فصليت فذكرت ذلك للنبىّ صلى اللّه عليه و سلم فقال انما يكفيك هكذا متفق عليه حيث لم ينكر النبي صلى اللّه عليه و سلم على عمر لاجل ترك الصلاة و احتج الشافعي بحديث عائشة انها استعارت من اسماء قلادة فهلكت فارسل رسول اللّه صلى عليه و سلم ناسا من أصحابه فى طلبها فادركتهم الصلاة فصلوا بغير وضوء فلما أتوا النبي صلى اللّه عليه و سلم شكوا ذلك اليه فنزلت اية التيمم فقال أسيد بن حضير جزاك اللّه خيرا فو اللّه ما نزل بك امر قطّ الا جعل اللّه لك منه مخرجا و جعل للمسلمين فيه بركة متفق عليه و فى رواية فقام رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حتى أصبح على غير ماء فانزل اللّه اية التيمم فتيمّموا فقال أسيد بن حضير و هو أحد النقباء ما هى باوّل بركتكم يا ال ابى بكر قالت عائشة فبعثنا البعير الذي كنت عليه فوجدنا العقدة فيه و الجواب ان هذا الحديث حجة لنا لا علينا حيث لم ينقل انه صلى اللّه عليه و سلم صلّى و انما فعلوا ذلك بآرائهم و لو كانت الصّلوة جائزة لما تيمّموا بعد نزول الاية و قول الشافعي بوجوب إعادة الصّلوة مع وجوب الصّلوة بلا طهور باطل على قاعدة الأصول فان سبب الوجوب الوقت واحد لا يتصوّر ان يكون سببا لتكرار الواجب و قول مالك لا قضاء عليه لانه لا تقصير من جانبه فى ترك الصّلوة ايضا باطل لان قوله صلى اللّه عليه و سلم ما فاتكم فاقضوا امر بالقضاء عند الفوات اعمّ من ان يكون بتقصير منه اولا، الا ترى انّ وجوب القضاء على النائم مجمع عليه مع انه لا تقصير منه إِنَّ اللّه كانَ عَفُوًّا حيث يسّر الأمر لكم و رخّص لكم غَفُوراً (٤٣) يغفر لكم ما شربتم المسكر و صليتم فى السّكر و مع الجنابة قبل نزول هذه الاية و اللّه اعلم اخرج ابن إسحاق عن ابن عباس رضى اللّه عنهما انه قال كان رفاعة بن زيد بن التابوت من عظماء اليهود إذا كلم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لوّى لسانه و قال راعنا سمعك يا محمّد حتى نفهمك ثم طعن فى الإسلام و عابه و ذكر البغوي عن ابن عباس قال فى رفاعة بن زيد و مالك ابن دحشم نزلت. ٤٤ أَ لَمْ تَرَ خطاب لغير معيّن يدل عليه قوله تضلّوا و أعدائكم او خطاب لسيّد القوم فى مقام خطابهم و الرواية مجاز عن النظر و الّا فالرؤية سواء كان من البصر او القلب لا يتعدى بالى و يحتمل تضمين معنى النظر على انها روية البصر او تضمين معنى الانتهاء سواء كانت الرؤية من البصر او القلب و لذا عدى بالى حيث قال إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يعنى يهود المدينة و تنكير نصيبا للتحقير يعنى أوتوا حظّا يسيرا من الكتاب اى التوراة و هو القراءة باللسان دون التفقه و الإذعان بالجنان يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ اى الكفر بنبوة محمد صلى اللّه عليه و سلم يستبدلونها بالهداية التي كانوا عليها قبل البعثة فانهم كانوا يؤمنون بالنبي الأمي المبعوث فى اخر الزمان و كانوا يستفتحون على الذين كفروا، او المعنى يستبدلون الضلالة بالهداية التي تمكنوا على تحصيلها باتباع النبي صلى اللّه عليه و سلم وَ يُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا ايها المؤمنون السَّبِيلَ (٤٤) الى الحق و الاستفهام للتقرير و التعجيب و التحذير يعنى قد رأيت و علمت عداوتهم بك و بالمؤمنين مع علمهم بكونك على الحق فاحذرهم فانّ أعدى الأعداء من أراد بكم الضلالة الموجبة للّهلاك الابدى و لا تستنضحوهم فى أموركم. ٤٥ وَ اللّه أَعْلَمُ منكم بِأَعْدائِكُمْ هذه الجملة تأكيد للتحذير وَ كَفى بِاللّه الباء زائدة فى المرفوع لتأكيد الاتصال الاسنادى بالاتصال الإضافي لافادة زيادة حرف الإلصاق لزوم الكفاية للفاعل وَلِيًّا فى النفع يلى أموركم و ينفعكم وَ كَفى بِاللّه نَصِيراً (٤٥) فى دفع الضر يكفيكم مكرهم و ينصركم عليهم فاكتفوا به عن غيره فى الولاية و النصرة فانه اعلم و اقدر فثقوا به و لا تتولوا و لا تستنصروا غيره و وليا و نصيرا منصوبان اما على التمييز و اما على الحال. ٤٦ مِنَ الَّذِينَ هادُوا قيل متصل بما قبله بيان ل الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ او بيان لاعدائكم او متعلق بقوله نصيرا اى ينصركم من الذين هادوا فعلى هذا قوله يُحَرِّفُونَ حال متداخل او مترادف لما قبله و قيل مِنَ الَّذِينَ هادُوا كلام مستانف ظرف مستقر مسند الى مقدر بعده تقديره من الّذين هادوا فريق يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ جمع كلمة و قيل اسم جنس و ليس بجمع يدل عليه تذكير الضمير الراجع اليه فى قوله تعالى عَنْ مَواضِعِهِ و أجيب بانّ تقديره يحرّفون بعض الكلم عن مواضعه و اختار التفتازانيّ كونه اسم جنس و قال من نفى كونه جمعا نفى كونه جمعا اصطلاحا و من اثبت الجمعية أراد انه جمع معنى و لؤيد كونه كلاما مستانفا قراءة ابن مسعود و من الّذين هادوا بزيادة الواو و ما فى مصحف حفصة من الّذين هادوا من يحرّقون الكلم اى يغيرونها و يزيلونها عن مواضعها التي وضعها اللّه تعالى فيها من التوراة و المراد بالكلم نعت محمد صلى اللّه عليه و سلم لما روى البيهقي عن ابن عباس قال وصف اللّه تعالى محمدا صلى اللّه عليه و سلم فى التورية اكحل أعين ربعة جعد الشعر حسن الوجه فلما قدم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حسده أحبار يهود فغيّروا صفته فى كتابهم و قالوا لا نجد نعته عندنا و قالوا نجد النبي الأمي طويلا ازرق سبط الشعر و قالوا للسفلة هذا ليس هذا فلبسوا بذلك على الناس و انما فعلوا ذلك لان الاخبار كانت لهم ما كلمة يطعمهم إياهم السفلة فخافوا ان تؤمن السفلة «١» فيتنقطع (١) فى الأصل ان يومنوا السفلة [.....]. تلك المأكلة و قال البغوي قال ابن عبّاس كانت اليهود يأتون رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فيسئلونه عن الأمر فيخبرهم فيرى انهم يأخذون بقوله فاذا انصرفوا من عنده حرفوا كلامه فعلى هذا المراد بالكلم مطلق الكلم و قيل معنى تحريف الكلم من التوراة عن مواضعه تأويله على ما يشتهونه غير ما أراد اللّه تعالى منها كما يفعل اهل الأهواء من هذه الامة فى القران و جاز ان يكون معنى تحريف الكلم ان يقولوا كلمة ذات جهتين يحتمل المدح و الذم و التوقير و التحقير فيظهرون المدح و يضمرون به الذم وَ يَقُولُونَ سَمِعْنا وَ عَصَيْنا عطف على قوله يحرّفون و ليس هذا من جملة التحريفات ان كان المراد تحريف التوراة و المعنى انهم يقولون للنبى صلى اللّه عليه و سلم هذا فهو بيان لكفرهم حيث يقولون لا نطيعك بعد السماع و جاز ان يكون المعنى يقولون عند أصحابهم سمعنا قول محمد و عصيناه او يكون قولهم سمعنا عند النبي صلى اللّه عليه و سلم و عصينا عند قومهم فهو بيان لنفاقهم و جاز ان يكون هذا بيانا لبعض تحريفاتهم حيث يقولون بحضرة النبي صلى اللّه عليه و سلم سمعنا و هى كلمة ذات جهتين يعنى سمعنا سماع اجابة و يريدون به سماعا بلا اجابة و جاز ان يكون قوله تعالى حكاية عنهم سمعنا و عصينا كناية عن تحقق عصيانهم بعد السماع فانّ المحقق نزل منزلة القول يعنى انهم يسمعونك ثم يعصونك وَ اسْمَعْ منا غَيْرَ مُسْمَعٍ قيل كانوا يقولون للنبى صلى اللّه عليه و سلم اسمع ثم يقولون فى أنفسهم لا سمعت دعاء عليه بالصمم او الموت و الظاهر انهم كانوا يقولون ذلك جهارا و هى كلمة ذات جهتين يحتمل التعظيم و الدعاء اى اسمع غير مسمع مكروها من قولهم اسمع فلان فلانا اى سبّه و يحتمل السبّ اى اسمع منا ندعوا عليك بلا سمعت او غير مسمع جوابا ترضاه او اسمع غير مجاب الى ما تدعو اليه او اسمع كلاما غير مسمع إياك لان اذنك تأبى عنه فيكون مفعولا به وَ راعِنا هذه ايضا كلمة ذات الجهتين فانّ معناه بالعربية ارقبنا و انتظرنا نكلمك و معناه بالعبرانية او السّريانية السبّ فانهم كانوا يتسابّون بما يشبه ذلك يقولون راعينا فكانوا يقولون ذلك سخرية بالدّين و هزوا برسول ربّ العالمين صلى اللّه عليه و سلم لعنهم اللّه أجمعين لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ مفعول له لقوله تعالى يقولون يعنى يقولون ذلك لان يفتلوا بألسنتهم الحق بالباطل و التوقير فى الظاهر بالشتم المضمر وَ طَعْناً فِي الدِّينِ اى لاجل الطعن فى الدين حيث يقولون لو كان نبيّا حقّا لاخبر بما اضمرنا فيه، وَ لَوْ ثبت أَنَّهُمْ قالُوا سرّا و علانية سَمِعْنا وَ أَطَعْنا مكان قولهم سمعنا و عصينا وَ اسْمَعْ بغير الحاق غير مسمع وَ انْظُرْنا مكان راعنا لَكانَ قولهم ذلك خَيْراً لَهُمْ وَ أَقْوَمَ اى اعدل وَ لكِنْ لَعَنَهُمُ اللّه اى خذلهم و ابعدهم عن الهدى بِكُفْرِهِمْ اى بسبب كفرهم فذلك اللعنة موجب لعدم توفيقهم الى ما هو خير لهم و اعدل فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (٤٦) منصوب على المصدرية او على الظرفية يعنى الّا ايمانا قليلا و تصديقا لا يعبا به شرعا- و ذلك الايمان ببعض الكتب و بعض الرسل او الايمان فى الظاهر بالنفاق و يجوزان يراد بالقلة العدم و قيل معناه الا قليلا منهم كعبد اللّه بن سلام و يتجه عليه ان نصب المستثنى فى الكلام المنفي غير مختار عند النحاة و ان جوّزه ابن الحاجب مع ان القراء متفقون على النصب و ايضا لا بدّ حينئذ حمل قوله تعالى لعنهم على لعن أكثرهم و قال التفتازانيّ هو استثناء من قوله تعالى لَعَنَهُمُ اللّه و اللّه اعلم- اخرج ابن إسحاق عن ابن عباس قال كلم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم رؤساء من أحبار يهود منهم عبد اللّه بن صوريا و كعب بن أسيد فقال لهم يا معشر يهود اتقوا اللّه و اسلموا فو اللّه انكم لتعلمون ان الذي جئتكم به لحق فقالوا ما نعرف ذلك يا محمد و أصروا على الكفر فانزل اللّه تعالى. ٤٧ يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ التورية آمِنُوا بِما نَزَّلْنا على محمد من القران مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ من التورية مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً التنوين عوض للمضاف اليه اى وجوهكم اصل الطمس ازالة الأثر و المعنى نمحوا اثار الوجوه من الانف و العين و الفم و الحاجب فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها اى نجعلها كالاقفاء و قيل نجعل الوجوه منابت الشعر كوجوه القردة لان منابت شعور الآدميين فى ادبار وجوههم قال ابن عباس نجعلها كخف البعير و قال قتادة و الضحّاك نعميها و المراد بالوجه العين فان قيل قد وعدهم اللّه تعالى بالطمس ان لم يؤمنوا يدل على ذلك ما روى ان عبد اللّه بن سلام رضى اللّه عنه لما سمع هذه الاية جاء الى النبي صلى اللّه عليه و سلم قبل ان يأتى اهله و يده على وجهه و اسلم و قال يا رسول اللّه ما كنت ارى ان اصل إليك حتى يتحول وجهى فى قفائى و كذلك ما روى عن كعب الأحبار لما سمع هذه الاية اسلم فى زمن عمر فقال يا ربّ امنت يا رب أسلمت مخافة ان يصيبه وعيد هذه الآية لكنهم لم يؤمنوا و لم يفعل بهم ذلك قلنا قيل هذا الوعيد يأتى و يكون طمس و مسخ فى اليهود قبل قيام السّاعة و قيل كان وعيدا بشرط عدم ايمان كلهم فلمّا اسلم عبد اللّه بن سلام و أصحابه رفع ذلك من الباقين و قيل أوعدهم اللّه بأحد الامرين على سبيل منع الخلو بالطمس او اللعن و قد لعنوا فثبت الوعيد و الصحيح عندى انه يطمسهم يوم القيامة ان لم يؤمنوا- اخرج ابن عساكر و الخطيب عن معاذ بن جبل ان النبي صلى اللّه عليه و سلم تلا يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً قال يحشر أمتي عشرة أفواج صنف على صورة القردة و صنف على صورة الخنازير و صنف على صورة الكلاب و صنف على صورة الحمر الحديث و قد ذكرنا فى تفسير تلك الاية و قال مجاهد أراد بقوله نَطْمِسَ وُجُوهاً اى نتركهم فى الضلالة فيكون المراد طمس وجه القلب و الرد عن بصائر الهدى لكن يرد عليه ان ذلك التأويل يقتضى كون قلوب اليهود نقية قبل ذلك و قال ابن زيد معناه نمحو اثارهم من المدينة فنردها على أدبارها حتى يعودوا الى حيث جاءوا منه و هو الشام، و قد مضى تأويله بإجلاء بنى نضير الى أذرعات و أريحا بالشام أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ من اليهود على لسان داود و عيسى بن مريم وَ كانَ أَمْرُ اللّه مَفْعُولًا (٤٧) نافذا كائنا لا محالة لا يقدر أحد على دفعه- اخرج الطبراني و ابن ابى حاتم عن ابى أيوب الأنصاري قال جاء رجل الى النبي صلى اللّه عليه و سلم فقال ان لى ابن أخ لا ينتهى عن الحرام قال و ما دينه قال يصلى و يوحّد قال استوهب منه دينه فان ابى فاتبعه منه فطلب الرجل ذلك منه فابى عليه فاتى النبي صلى اللّه عليه و سلم فاخبره فقال وجدته شحيحا على دينه فنزلت. ٤٨ إِنَّ اللّه لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ تعالى فى وجوب الوجود او العبادة إذا مات و هو مشرك و امّا إذا تاب عن الشرك و أمن فيغفر له ما قد سلف منه من الشرك و غيره اجماعا لان التائب من الذنب كمن لا ذنب له يعنى كانه لم يصدر عنه ذلك الذنب قط قال اللّه تعالى قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ يعنى ما سوى الشرك من الذنوب صغيرة كانت او كبيرة صدرت عنه خطأ او عمدا و ان مات مذنبا لم يتب لِمَنْ يَشاءُ تعميم المغفرة لما دون الشرك و تقييدها بالمشية مبطل لمذهب المرجئة حيث قالوا بوجوب المغفرة لكل ذنب و قالوا لا يضر ذنب مع الايمان كما لا ينفع عمل مع الشرك و مذهب المعتزلة حيث قيّدوا مغفرة الذنوب بالتوبة فان الاية تدل على نفى التقييد بالتوبة لان سوق الكلام للتفرقة بين حال المشرك و المذنب و التقييد بالمشية يبطل القول بوجوب المغفرة للتائب و وجوب التعذيب لغيره فان قيل التقييد بالمشية لا ينافى الوجوب بل يستلزم وجوب المشية بعد ثبوت المغفرة قلنا فحينئذ لا فائدة فى هذا التقييد و مذهب الخوارج حيث قالوا كل ذنب شرك صاحبه مخلد فى النار اخرج ابو يعلى و ابن المنذر و ابن عدى بسند صحيح عن ابن عمر قال كنا نمسك عن الاستغفار لاهل الكبائر حتى سمعنا من نبينا صلى اللّه عليه و سلم إِنَّ اللّه لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ قال انى ادخرت دعوتى شفاعتى لاهل الكبائر من أمتي فامسكنا عن كثير ممّا كان فى أنفسنا ثم نطقنا بعد و رجونا قال البغوي ناقلا عن الكلبي انّ الاية نزلت فى وحشي بن حرب و أصحابه و ذلك انه لمّا قتل حمزة كان قد جعل له على قتله ان يعتق فلم يوف له بذلك فلمّا قدم مكة ندم على ما صنع هو و أصحابه فكتبوا الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انا قد ندمنا على ما صنعنا و انه ليس يمنعنا عن الإسلام الا انا سمعناك تقول و أنت بمكة وَ الَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللّه إِلهاً آخَرَ الآيات و قد دعونا مع اللّه الهة و قتلنا النّفس الّتى حرم اللّه تعالى و زنينا فلو لا هذه الآيات لاتبعناك فنزلت إِلَّا مَنْ تابَ ... «١» وَ عَمِلَ عَمَلًا صالِحاً الآيتين فبعث بهما رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إليهم فلما قرءوا كتبوا اليه انّ هذا شرط شديد نخاف ان لا نعمل عملا صالحا فنزلت هذه الاية إِنَّ اللّه لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ الاية فبعث بها إليهم فبعثوا اليه انا نخاف ان لا نكون من اهل مشية فنزلت يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ الاية فبعث بها إليهم فدخلوا فى الإسلام و رجعوا الى النبي صلى اللّه عليه و سلم فتقبل منهم ثم قال للوحشى أخبرني كيف قتلت حمزة فلمّا أخبره فقال ويحك غيب وجهك عنى فلحق الوحشي بالشام و كان بها الى ان مات فان قيل هذه القصّة يدل على نسخ تقييد المغفرة بالمشية فيثبت مذهب المرجئة قلنا هذا التقييد لا يحتمل النسخ إذ لا يجوز وجود شى ء من الأشياء مغفرة كانت او غيرها بدون مشية اللّه لكن نزول قوله تعالى يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا فى شأن الوحشي دل على كونه من اهل المشية و اللّه اعلم و قال البغوي ناقلا عن ابى مجلز عن ابن عمر انه لما نزل قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا الاية قام رجل فقال و الشّرك يا رسول اللّه فسكت ثم قام اليه (١) و فى القران إِلَّا مَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ إلخ-. مرتين او ثلاثا فنزلت إِنَّ اللّه لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ الاية «١»- و قال ناقلا عن مطرف بن عبد اللّه ابن الشخير عن ابن عمر قال كنا على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا مات الرجل على كبيرة شهدنا انه من اهل النار حتى نزلت هذه الآية فامسكنا عن الشهادات و قال حكى عن على ان هذه الاية أرجى اية فى القران وَ مَنْ يُشْرِكْ بِاللّه فَقَدِ افْتَرى معنى الافراء الإفساد و الافتراء استعمل فى الكذب و الشرك و الظلم كذا فى الصحاح فالمعنى فقد أفسد و كذب إِثْماً منصوب على المصدرية يعنى ارتكب الكذب و الفساد كذبا و فسادا عظيما و جازان يكون منصوبا على المفعولية و المعنى على التجريد اختلق اثما عَظِيماً (٤٨) يستحقر دونه الآثام و هذا وجه الفرق بينه و بين سائر الآثام عن جابر رضى اللّه عنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ثنتان موجبتان فقال رجل يا رسول اللّه ما الموجبتان قال من مات لا يشرك باللّه شيئا دخل الجنة و من مات يشرك باللّه شيئا دخل النار رواه مسلم و عن ابى ذرّ رضى اللّه عنه قال أتيت النبي صلى اللّه عليه و سلم و عليه ثوب ابيض و هو نائم ثم أتيته و قد استيقظ فقال ما من عبد قال لا اله الا اللّه ثم مات على ذلك الّا دخل الجنة قلت و ان زنى و ان سرق قال و ان زنى و ان سرق قلت و ان زنى و ان سرق قال و ان زنى و ان سرق قلت و ان زنى و ان سرق قال و ان زنى و ان سرق على رغم انف ابى ذرّ و كان ابو ذر إذا حدث بهذا قال و ان رغم انف ابى ذرّ متفق عليه و فى الباب أحاديث كثيرة و اللّه اعلم- اخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس و اخرج ابن جرير نحوه عن عكرمة و ابى مالك و مجاهد و غيرهم انه كانت اليهود يقدمون صبيانهم يصلون بهم و يقربون قربانهم و يزعمون انهم لا خطايا لهم و لا ذنوب فانزل اللّه تعالى. (١) روى ابو يعلى و ابن ابى حاتم عن جابر بن عبد اللّه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما من عبد يموت لا يشرك باللّه شيئا الّا حلّت له المغفرة ان شاء غفر له و ان شاء عذبه ان اللّه استثنى فقال إِنَّ اللّه لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ و اخرج ابو يعلى عن انس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من وعده اللّه على عمل ثوابا فهو منجز له و من وعده على عمل عقابا فهو بالخيار و اخرج الطبراني عن سلمان قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ذنب لا يغفر و ذنب لا يترك و ذنب يغفر فامّا الذي لا يغفر فالشرك و امّا الذي يغفر فذنب بينه و بين اللّه و امّا الذي لا يترك فظلم العباد بعضهم بعضا منه رحمه اللّه. ٤٩ أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ الاستفهام للتعجيب من حال من يزكى نفسه لان غرضه من تزكية نفسه اعتلاؤه بين الناس و لا يحصل ذلك بتزكيته نفسه بل يوجب ذلك دناءة فى أعين الناس و انما يحصل الاعتلاء و الزكاء بتزكية اللّه تعالى و جعله عاليا ناميا فيما بين عباده ذكر البغوي و الثعلبي عن الكلبي انها نزلت فى رجال من اليهود منهم بحرى بن عمرو و النعمان بن اوفى و مرحب بن زيد أتوا بأطفالهم الى النبي صلى اللّه عليه و سلم فقالوا يا محمد هل على هؤلاء ذنب فقال لا قالوا ما نحن الا كهيئتهم ما عملنا بالنهار يكفّر عنا بالليل و ما عملنا بالليل يكفر عنا بالنهار فانزل اللّه تعالى هذه الاية و قال الحسن و الضحّاك و قتادة نزلت فى اليهود و النصارى حين قالوا نَحْنُ أَبْناءُ اللّه وَ أَحِبَّاؤُهُ و قالوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى ، قلت و ان كان سبب نزول الاية خاصّا لكن الحكم عام و قال ابن مسعود هو تزكية بعضهم لبعض، روى عن طارق بن شهاب عن ابن مسعود قال انّ الرجل ليغدوا من بيته و معه دينه فيأتى الرجل لا يملك له و لا لنفسه ضرّا و لا نفعا فيقول و اللّه أنت لذيت و ذيت فيرجع الى بيته و ما معه من دينه شى ء ثم قرا ا لم تر الى الّذين يزكّون أنفسهم (مسئلة) لا يجوز لاحد ان يزكى نفسه و يثنى عليها و ينسبها الى الطهارة من الذنوب، و ايضا لا يجوز ان يحكم لغيره بالطهارة الأعلى سبيل حسن الظن المأمور به فان الحكم بغير العلم لا يجوز قال اللّه تعالى وَ لا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ و تزكية نفسه يفضى الى العجب و الكبر المنهيين ايضا و فى نفس الأمر ما لكل أحد عند اللّه تعالى من القرب و الثواب لا يعلمه الّا اللّه تعالى و لذلك قال بَلِ اللّه يُزَكِّي اى يحكم بالطهارة او يطهر من الذنوب بالمغفرة و يصلح مَنْ يَشاءُ فانه القادر على التطهير و بما ينطوى عليه الإنسان هو العليم الخبير و فيه اشعار بأنه يجوز تزكية نفسه او غيره باعلام من اللّه تعالى بتوسط الوحى او الإلهام بشرط ان لا يكون ذلك على وجه البطر و التكبر فانها من رذائل النفس و هذا هو محمل ما ورد فى الأحاديث قوله صلى اللّه عليه و سلم انا سيد ولد آدم و لا فخر و قد مر فى البقرة و قوله صلى اللّه عليه و سلم و اللّه انى لامين فى السّماء أمين فى الأرض لمّا عرّض المنافقون بانه جارّ فى القسمة و قوله صلى اللّه عليه و سلم و اللّه لا تجدون بعدي اعدل عليكم منى رواه الطبراني و الحاكم بسند صحيح عن ابى هريرة و احمد عن ابى سعيد و قوله صلى اللّه عليه و سلم ابو بكر و عمر سيّدا كهول اهل الجنة و الحسن و الحسين سيّدا شباب اهل الجنة و فاطمة سيدة نساء اهل الجنة و كذا ما ورد فى كلام الأولياء بناء على الهام من اللّه تعالى كقول غوث الثقلين قدمى هذه على رقبة كل ولى اللّه وَ لا يُظْلَمُونَ الضمير راجع الى من يشاء اللّه تزكيته فانهم يثابون على زكائهم و لا ينقص من ثوابهم او الى الناس أجمعين المفهوم فى ضمن ما سبق يعنى ان اللّه لا يظلم الناس فى التزكية فتيلا بل لا يزكى الا من يستأهله و لا يترك الا من لا يستأهله او الى الذين يزكون أنفسهم فانهم يعاقبون على قدر جريمتهم و لا يظلمون فَتِيلًا (٤٩) فى الصّحاح هو ما تقتله بين أصابعك من خيط او وسخ و يضرب بها المثل فى الشي ء الحقير و قيل هو الخيط الذي فى شق النواة منصوب على المصدر اى لا يظلمون ظلما فتيلا اى ادنى ظلم بقدر الفتيل. ٥٠ انْظُرْ يا محمد كَيْفَ يَفْتَرُونَ اى اليهود يكذبون عَلَى اللّه الْكَذِبَ انهم ابناؤه و احباؤه او يغفرهم بالليل ما يعملون بالنهار و بالنهار ما يعملون بالليل وَ كَفى بِهِ الى بافترائهم هذا إِثْماً مُبِيناً (٥٠) ظاهر البطلان لان بطلان كونهم أبناء اللّه و احباؤه بديهي لا يحتاج الى دليل و قولهم هذا ظاهر فى المأثم من بين سائر اثامهم و جملة كفى به حال بتقدير قد من فاعل يفترون و اللّه اعلم قال المفسّرون خرج كعب بن الأشرف فى سبعين راكبا من اليهود الى مكة بعد واقعة أحد ليحالفوا قريشا على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و ينقضوا العهد الذي كان بينهم و بين رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فنزل كعب على ابى سفيان فاحسن مثواه و نزلت اليهود فى دور قريش فقال اهل مكة انكم اهل كتاب و محمد صاحب كتاب و لا نامن ان يكون هذا مكرا منكم فان أردت ان نخرج معك فاسجد لهذين الصنمين و أمن بهما ففعل ذلك ثم قال كعب لاهل مكة ليجى ء منكم ثلاثون و منا ثلاثون فنلزق أكبادنا بالكعبة فنعاهد ربّ هذا البيت لنجهدنّ على قتال محمّد ففعلوا فنزلت. ٥١ أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَ الطَّاغُوتِ اخرج الطبراني و البيهقي فى الدلائل عن ابن عباس نحوه و اختلفوا فى تفسير الجبت و الطّاغوت فقال عكرمة هما صنمان كان المشركون يعبدونهما من دون اللّه و يؤيّده ما روينا من القصّة و روى عنه ان الجبت بلسان الحبشة الشيطان قلت لعل ذلك الصنم سمى باسمه و قال ابو عبيدهما كل معبود يعبد من دون اللّه لكن العطف يقتضى المغايرة و التحقيق ان الجبت أصله الجبس و هو الذي لا خير فيه فقلبت سينه تاء و الطّاغوت فعلوت من الطغيان و التجاوز عن الحد فى الكفر و العصيان أصله طغووت قلبت اللام بالعين ثم قلبت الواو الفا لتحركها و انفتاح ما قبلها فصار طاغوت كذا فى الصحاح و القاموس فعلى هذا جاز اطلاق الجبت على كل ما لا خير فيه و الطاغوت على كل ما تجاوز الحد فى العصيان و لذا سمى بالجبت حيى بن اخطب و بالطاغوت كعب ابن الأشرف كذا قال الضحاك و قال عمرو الشعبي و مجاهد الجبت السحر و الطاغوت الشيطان و قال محمد بن سيرين الجبت الكاهن و الطاغوت الساحر و قال سعيد بن جبير و ابو العالية بعكس ذلك و روى البغوي بسنده عن قبيصة ان النبي صلى اللّه عليه و سلم قال العيافة «١» و الطرق «٢» و الطيرة «٣» من الجبت يعنى لا خير فى شى ء منها قلت فالظاهر ان المراد بالجبت هاهنا الأوثان إذ لا خير فيها أصلا و بالطاغوت شياطين الأوثان و كان لكل صنم شيطان يعبر عنه فيغتر به الناس روى البيهقي عن ابى الطفيل رضى اللّه عنه انه بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم خالد بن الوليد لهدم العزى يوم فتح مكة قال ابو الطفيل فقطع خالد السمرات ثم رجع الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فاخبره فقال هل رايت شيئا قال لا قال فاتك لم تهدمها فرجع خالد فلما رات السدنة خالدا انبعثوا فى الجبل و هم يقولون يا عزى خبلتيه «٤» يا عرى عورته و الا فموتى برغم فخرجت اليه امراة سوداء عريانة ناشزة الرأس تحثوا لتراب على رأسها و وجهها فجرّد خالد سيفه و هو يقول يا عزى كفرانك لا سبحانك انى رأيت اللّه قد هانك، فضربها بالسيف فجزلها باثنتين ثم رجع الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فاخبره فقال نعم تلك العزى قد يئست ان تعبد ببلادكم ابدا- كذا فى سبيل الرشاد و اللّه اعلم اخرج احمد و ابن ابى حاتم عن ابن عبّاس قال لما قدم كعب بن الأشرف مكة قالت قريش ا لا ترى هذا المنصبر المنبتر من قومه يزعم انه خير منا و نحن اهل الحجيج و اهل السدانة و اهل السقاية قال أنتم خير منه فنزلت فيهم إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ و نزلت هذه الاية وَ يَقُولُونَ يعنى كعب الأشرف و أصحابه لِلَّذِينَ كَفَرُوا من اهل مكة ابى «٥» سفيان و غيره هؤُلاءِ يعنى (١) العيافة زجر الطير و التفاؤل بأسمائها و أصواتها و ممرها يقال عاف يعيف عيفا إذا زجر و حدس وطن نهاية منه رح. (٢) الطرق الضرب بالحصى الذي تفعله النساء نهاية منه رح. (٣) الطيرة التشاوم بالشي ء و أصله فيما يقال التطير بالسوانح و البوارح من الطير و الظباء و غيرهما نهاية حزرى منه رحمه اللّه تعالى. (٤) الخبل الجنون و الفساد أصله من النقصان ثم صار الهلاك خبالا نهاية منه رحمه اللّه. (٥) فى الأصل ابو سفيان-. كفّار مكة أَهْدى أقوم و ارشد مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا بمحمد صلى اللّه عليه و سلم سَبِيلًا (٥١) دينا و طريقا و اخرج ابن إسحاق عن ابن عباس قال كان الذين حزبوا الأحزاب من قريش و غطفان و بنى قريظة حيى بن اخطب و سلام بن ابى الحقيق و ابو رافع و الربيع بن ابى الحقيق و ابو عمارة و هودة بن قيس و كان سائرهم من بنى النضير فلما قدموا على قريش قالوا هؤلاء أحبار اليهود و اهل العلم بالكتب الاولى فسئلوهم أ ديننا خير أم دين محمد فقالوا دينكم خير من دينه و أنتم اهدى منه و ممن تبعه فانزل اللّه تعالى هذه الاية الى قوله ملكا عظيما، و ذكر البغوي انه لمّا سال ابو سفيان كعبا عن ذلك قال كعب اعرضوا على دينكم فقال ابو سفيان نحن ننحر للحجيج الكوماء و نسقيهم الماء و نقر الضيف و نفك العاني و نصل الرحم و نعمّر بيت ربّنا و نطوف به و نحن اهل الحرم و محمد فارق دين ابائه و قطع الرحم و فارق الحرم و ديننا القديم و دين محمد الحديث فقال كعب و اللّه أنتم اهدى سبيلا مما عليه محمد. ٥٢ أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّه ابعدهم من رحمته وَ مَنْ يَلْعَنِ اللّه إياه فَلَنْ تَجِدَ ايها المخاطب لَهُ نَصِيراً (٥٢) فى الدنيا فى الحروب و فى الاخرة بدفع العذاب بالشفاعة او غيرها و فيه ردّ للاستنصار بهم و مخالفتهم مع قريش على محاربة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم- ثم وصف اللّه تعالى اليهود بالبخل و الحسد و هما من شرّ الخصال حيث يمنعون مالهم و يتمنون زوال مال غيرهم فقال. ٥٣ أَمْ لَهُمْ اى لليهود نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ أم منقطعة و معنى الهمزة التي فى ضمنها انكار ان يكون لهم نصيب من الملك و نفى ما زعمت اليهود ان الملك سيصير إليهم او المراد بنصيب من الملك الرياسة التي أنكر اليهود النبوة لخوف فواتها فانكر اللّه تعالى رياستهم لفقد لوازمها و هو السخاء بأبلغ الوجوه و ذلك بإثبات كمال الشح فيهم و جاز ان يقال فيه تعريض بان انكار نبوة محمد صلى اللّه عليه و سلم لو نفع انما ينفع لمن خاف فوت ملكه بظهور نبوته فانكار من لا نصيب له من الملك فى غاية السفه فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً (٥٣) يعنى ان كان لهم نصيب من الملك فاذن لا يؤتون أحدا ما يوازى نقيرا لغاية بخلهم و كما شحّهم فكيف يؤتيهم اللّه تعالى الملك و جاز ان يكون المعنى انهم لو كانوا ملوكا بخلوا بالنقير فما ظنكم بهم إذا كانوا أذلاء متفاقرين فهو بيان لغاية بخلهم و النقير هو النقرة فى ظهر النواة و هو مثل فى القلة كالفتيل، اخرج ابن ابى حاتم عن ابن عبّاس انه قال اهل الكتاب يزعم محمد انه اوتى ما اوتى فى التواضع و له تسع نسوة و ليس همه الّا النكاح فاىّ ملك أفضل من هذا فانزل اللّه تعالى. ٥٤ أَمْ بل يَحْسُدُونَ الاية اى اليهود و اخرج ابن سعد عن عمر مولى عفرة ابسط منه النَّاسَ قال ابن عباس و الحسن و مجاهد و جماعة المراد بالناس رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم وحده حسدوه على ما أحل اللّه له من النساء كما مرّ و قيل المراد به محمد صلى اللّه عليه و سلم و أصحابه و قال قتادة المراد بالناس العرب حسدهم اليهود على النبوة و ما أكرمهم اللّه تعالى بالنبي صلى اللّه عليه و سلم و قيل المراد بالناس الناس أجمعون لان من حسد النبوة فكأنّما حسد الناس كلهم كمالهم و رشدهم عَلى ما آتاهُمُ اللّه مِنْ فَضْلِهِ يعنى النبوة و الكتاب و رضوان اللّه تعالى و النصر على الأعداء و الإعزاز فى الدنيا و النساء و غير ذلك مما يشتهونه فى الدنيا من الحلال و جعل النبىّ الموعود منهم فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الذين هم أسلاف محمد صلى اللّه عليه و سلم و أبناء جده يعنى إسماعيل و إسحاق و يعقوب و سائر أنبياء بنى يعقوب عليهم السّلام الْكِتابَ التورية و الإنجيل و الزبور و اللام للجنس وَ الْحِكْمَةَ العلم اللدني او العلوم التي اعطوا مما سوى الكتاب وَ آتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً (٥٤) ملّك يوسف و طالوت و داؤد و سليمان عليهم السلام و غيرهم فلا يبعد ان يعطى محمد صلى اللّه عليه و سلم و اتباعه مثل ما اعطوا او أفضل من ذلك و قد كان لسليمان عليه السلام الف امراة ثلاثمائة مهرية و سبعمائة سرية و كان لداود مائة امراة و لم يكن لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يومئذ الا تسع نسوة قال البغوي فلما قال اللّه تعالى لهم ذلك سكتوا يعنى عن ذكر كثرة نساء النبي صلى اللّه عليه و سلم و غير ذلك من النعماء و جازان يراد بقوله فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ آتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً مع كثرة حسادهم و قوتهم كنمرود و فرعون و غيرهما فلم ينفع الحسد للحساد و لم يضر بالمحسودين-. ٥٥ فَمِنْهُمْ او من اليهود مَنْ آمَنَ بِهِ بمحمد صلى اللّه عليه و سلم كعبد اللّه بن سلام و أصحابه او بما ذكر من حديث ال ابراهيم وَ مِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ اى اعرض عنه و لم يؤمن و قال السدى الضمير المجرور فى آمَنَ بِهِ و صَدَّ عَنْهُ راجع الى ابراهيم و ذلك ان ابراهيم زرع ذات سنة و زرع الناس فهلك زرع الناس و زكا زرع ابراهيم عليه السلام فاحتاج اليه الناس فكان يقول من أمن بي أعطيته فمن أمن به أعطاه و من لم يؤمن به منعه و المعنى على هذا ان لم يوهن عدم ايمان بعض الناس بإبراهيم امر ابراهيم فكذا لا يوهن كفر هؤلاء الأشقياء أمرك وَ كَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً (٥٥) اى نارا مسعور لا موقدة يعذبون بها من ان يعجلوا بالعقوبة بالدنيا-. ٥٦ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كالبيان و التقرير لما سبق كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ اى احترقت بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها بان يعاد ذلك الجلد بعينه على صورة اخرى كقولك بدلت الخاتم قرطا او بان يزال عنه اثر الإحراق ليعود إحساسه بالعذاب و هو المعنى من قول ابن عبّاس يبدلون جلودا بيضاء كامثال القراطيس ذكر عنه البغوي و كذا اخرج ابن ابى خاتم فى الاية عن ابن عمر و اخرج الطبراني و ابن ابى حاتم و ابن مردوية عن ابن عمر قال قرئ عند عمر هذه الاية فقال معاذ عندى تفسيرها يبدل فى ساعة مائة مرة فقال هكذا سمعت من رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و فى رواية أبيّ مكان معاذ و اخرج ابن مردوية و ابو نعيم فى الحلية من وجه اخر بلفظ تبدل فى الساعة الواحدة عشرون و مائة مرة و أخرجه البيهقي من وجه ثالث بلفظ تحرق و تجدد فى مقدار ساعة ستة آلاف مرة و اخرج البيهقي عن الحسن فى الاية قال تأكل النار كل يوم سبعين الف مرة كلما أكلتهم قيل لهم عودوا فيعودون كما كانوا- و اخرج ابن ابى الدنيا عن حذيفة ان فى جهنم سباعا من نار و كلابا من نار و كلاليب من نار و سيوفا من نار و انه يبعث ملائكة يعلقون اهل النار بتلك الكلاليب بأحقابهم و يقطعونهم بتلك السيوف عضوا عضوا و يلقونهم الى تلك السباع و الكلاب كلما قطعوا عضوا عاد مكانه عضو جديد قلت يعنى عضوا جديدا من اجزاء العضو السّابق جلدا جديدا من اجزاء الجلد السّابق و قيل يخلق مكانه جلدا اخر و العذاب فى الحقيقة للنفس العاصية المدركة لالالة إدراكها فلا محذور، قال عبد العزيز بن يحيى ان اللّه عز و جل يلبس اهل النار جلودا لا تألم فيكون زيادة عذاب عليهم كلما احترق جلد بدلهم جلدا غيره كما قال سرابيلهم من قطران فالسّرابيل تؤلمهم و هى لا تألم لِيَذُوقُوا اى ليدوم لهم «١» ذوق الْعَذابَ اسناد الذوق الى الكفار دون الجلود يؤيد قول عبد العزيز و من قال ان (١) فى الأصل له-. العذاب للنفس العاصية و اللّه اعلم- عن ابى هريرة عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال ما بين منكبى الكافر مسيرة ثلاثة ايام للراكب المسرع رواه البخاري و مسلم و عنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ضرس الكافر مثل أحد و غلظ جلده مسيرة ثلاث رواه مسلم، و اخرج ابن المبارك عنه بلفظ ضرس الكافر يوم القيامة أعظم من أحد يعلمون لتمتلى جهنم منهم و ليذوقوا العذاب و عند الترمذي و البيهقي فخذه مثل البيضاء و مقعده من جهنم ما بين مكة و المدينة و غلظ جلده اثنان و أربعون ذراعا و عند احمد و الترمذي و الحاكم و صححه و البيهقي عرض جلده سبعون ذراعا و عضده مثل البيضاء و فخذه مثل ورقان، و عن ابن عمر عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال يعظم اهل النار فى النار حتى ان بين شحمة اذن أحدهم الى عاتقه مسيرة سبعمائة عام و ان غلظ جلده سبعون ذراعا و ان فرسه مثل أحد و اخرج الترمذي و البيهقي و هنا دعنه مرفوعا ان الكافر ليجر لسانه الفرسخين و عند الترمذي الفرسخ و الفرسخين و اخرج احمد و الحاكم عن ابن عباس بين شحمة اذن أحدهم و بين عاتقه مسيرة أربعين خزيفا يجرى فيه اودية من القيح و الدم قيل انهار قال لابل اودية إِنَّ اللّه كانَ عَزِيزاً لا يمتنع عليه ما يريده حَكِيماً (٥٦) يعاقب على وفق حكمته. ٥٧ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ اخرج الحاكم و صحّحه عن ابى سعيد الخدري عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال مطهرة من الحيض و الغائط و النخامة و البزاق و اخرج هناد عن مجاهد قال مطهرة عن الحيض و الغائط و البول و المخاط و البصاق و النخام و الولد و المنى و عن عطاء مثله. وَ نُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا (٥٧) عن ابى هريرة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال ان فى الجنة لشجرة يسير الراكب فى ظلّها مائة عام ما يقطعها اقرءوا ان شئتم وَ ظِلٍّ مَمْدُودٍ متفق عليه و زاد احمد فى آخره و ان ورقها ليخمر الجنة و اخرج ابن ابى حاتم عن الربيع بن انس فى قوله تعالى وَ نُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا قال هو ظل العرش الذي لا يزول و الظليل صفة مشتقة من الظلّ للتأكيد كقولهم شمس شامس و ليل لئيل و يوم ايوم و فيه اشارة الى دوام نعماء الجنة و اللّه اعلم- اخرج ابن مردويه من طريق الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس قال لما فتح رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مكة دعا عثمان بن طلحة فلما أتاه قال ادّنى المفتاح فاتاه به فلما بسط يده قام العباس فقال يا رسول اللّه بابى أنت و امّى اجمعه لك مع السقاية و خلف عثمان يده فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم هات المفتاح يا عثمان فقال هات بامانة اللّه فقام ففتح الكعبة ثم خرج فطاف بالبيت ثم نزل عليه بردّ المفتا الإنبات ايضا لزم الجمع بين الحقيقة و المجاز و لما كانت الطهارة فى الصعيد شرطا بدليل قطعىّ نصّ الكتاب و الإجماع قال ابو حنيفة إذا تنجس الأرض ثم تطهر باليبس يجوز عليها الصلاة و لا يجوز بها التيمم لان ذكوة الأرض يبسها ثبت بحديث الآحاد فلا يتادّى بها ما ثبت اشتراطها بدليل قطعى و قالت الائمة الثلاثة لا يجوز عليها الصلاة ايضا و حديث ذكوة الأرض يبسها لا يعرف و المعتمد عليه عندى للحكم بطهارة الأرض بيبسها ما رواه البخاري عن حمزة بن عبد اللّه قال كانت الكلاب بتول و تقبل و تدبر فى المسجد فى زمان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فلم يرشون شيئا من ذلك و هكذا فى سنن ابى داود و الإسماعيلي و ابى نعيم «١» و البيهقي و اللّه اعلم فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ الباء زائدة و استيعاب الوجه بالمسح فريضة اجماعا وَ أَيْدِيكُمْ اليد اسم للعضو الى المنكب و لذلك حكى عن الزهري ان الواجب فى التيمم المسح الى الآباط و كذا حكى عن الصحابة انهم بعد نزول هذه الاية مسحوا الى الآباط و المناكب و ذلك قبل تعليم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مراد اللّه تعالى بهذه الاية، عن عمار بن ياسر ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عرّس بذات الجيش و معه عائشة فانقطع عقدتها من جزع ظفار فحبس الناس ابتغاء عقدتها ذلك حتى أضاء الفجر و ليس مع الناس ماء فانزل اللّه تعالى على رسوله رخصة التطهير بالصعيد الطيّب فقام المسلمون فضربوا الأرض ثم رفعوا أيديهم و لم يفيضوا من التراب شيئا فمسحوا بها وجوههم الى المناكب و من بطون أيديهم الى الآباط رواه ابن الجوزي من طريق احمد و روى ابن ماجة بلفظ فتيممنا الى المناكب و فى رواية له فتيممنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الى المناكب لكن ظهر بتعليم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و بالإجماع ان جميع اليد ليس بمراد فهى مجمل فى المقدار فبيّن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان مقدار اليد فى التيمم مقدارها فى الوضوء يعنى الى المرفقين- عن عمار قال «٢» كنت فى القوم حين نزلت اية التيمم فامرنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فضربنا واحدة للوجه ثم ضربة اخرى لليدين الى المرفقين رواه البزار ذكر الحافظ ابن حجر فى تخريج أحاديث الرافعي و لم يطعن فيه و روى ابو داود من حديث عمار انه قال الى المرفقين لكن فى سنده قال قتادة حدثنى محدث عن الشعبي و ذلك المحدث مبهم الّا ان لفظ المحدث يدل على توثيقه فلا بأس به و قد مرّ حديث الاسلع فى شأن نزول الاية قال فارانى (١) فى الأصل ابو نعيم. (٢) فى الأصل قال قال. رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم التيمم ضربة للوجه و ضربة لليدين الى المرفقين لكن فى سنده ربيع ابن بدر ضعيف غير انه يعضد حديث عمار و التحق حديث عمار و اسلع بيانا للاية (مسئلة) و بناء على هذا قال ابو حنيفة و الشافعي الواجب فى التيمم المسح الى المرفقين و يؤيد هذا المذهب حديث جابر قال جاء رجل الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال أصابتني جنابة و انى تمعكت فى التراب فقال عليه السلام التيمم ضربة للوجه و ضربة للذراعين الى المرفقين و فى رواية ضرب بيده الأرض فمسح وجهه ثم ضرب يديه فمسح بهما الى المرفقين رواه الحاكم و قال صحيح الاسناد و لم يخرجاه و قال الدارقطني رجاله كلهم ثقات و حديث ابن الصمة قال مررت على النبي صلى اللّه عليه و سلم و هو يبول فسلمت عليه فلم يرد علىّ حتى قام الى جدار فحته بعصا كانت معه ثم وضع يده فمسح وجهه و ذراعيه رواه الشافعي و النسائي من طريقه و قال النسائي حديث حسن فان قيل فيه ابو عصمة و تابعه ابو خارجة قال ابن الجوزي يتكلم فيهما و فيه ابو الحويرث قال الحافظ فيه من الضعف قلت هذه الثلاثة لم يتهم أحد منهم بالكذب فارتقى الحديث الى درجة الحسن و هذا الحديث فى الصحيحين فمسح بوجهه و يديه و حديث عبد اللّه بن ابى اوفى سئل عن التيمم قال امر النبي صلى اللّه عليه و سلم عمارا ان يفعل هكذا و ضرب بيديه الأرض ثم نفضهما و مسح على وجهه و يديه و فى رواية و مرفقيه مكان يديه رواه ابن ماجة و لم يخرج الذهبي فى الضعفاء أحدا من رجال هذا السند الا انه قال عثمان بن ابى شيبة شيخ للبخارى تكلم فيه و هو صدوق فالحديث حسن و فى الباب أحاديث أخر ضعاف منها حديث ابن عمر مثل حديث ابن الصمة رواه ابو داود و مداره على محمد بن ثابت و هو ضعيف و عنه و عن عائشة قوله صلى اللّه عليه و سلم التيمم ضربتان ضربة للوجه و ضربة لليدين الى المرفقين رواه الدارقطني و الحاكم و البيهقي و فى حديث ابن عمر على بن ظبيان ضعّفه القطان و ابن معين و قال الحاكم صدوق و روى ايضا من طريق سليمان ابن داود و هو متروك و فى حديث عائشة الحريش بن الحريث قال ابو حاتم منكر الحديث و عن ابن عمر ايضا تيممنا مع النبي صلى اللّه عليه و سلم ضربنا بايدينا على الصعيد الطيب ثم نفضنا أيدينا فمسحنا بها وجوهنا ثم ضربنا ضربة اخرى فمسحنا من المرافق الى الأكف رواه الدارقطني و فيه سليمان بن أرقم متروك و فى الباب حديث ابى امامة رواه الطبراني و اسناده ضعيف و قال مالك و احمد يجوز فى التيمم الاقتصار على ضربة واحدة يمسح بها وجهه و كفيّه لحديث عمار قال كنت فى سرية فاجتنبت فتمعكت فى التراب فلما أتيت النبي صلى اللّه عليه و سلم ذكرت ذلك له فقال انما يكفيك هكذا و ضرب النبي صلى اللّه عليه و سلم بيده الى الأرض ثم نفخ فيها و مسح بها وجهه و كفيه و فى رواية عنه ان نبى اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال فى التيمم ضربة للوجه و الكفين رواهما احمد و فى الصحيحين بطرق فبعض ألفاظ البخاري انما كان يكفيك هكذا فضرب النبي صلى اللّه عليه و سلم بكفية الأرض و نفخ فيهما ثم مسح بهما وجهه و كفيه و روى مسلم انما يكفيك ان تضرب بيديك الأرض ثم تنفخ ثم تمسح بهما وجهك و كفّيك و عند البخاري يكفيك الوجه و الكفين قلت حديث الصحيحين يدل على ان عمّارا وقت نزول الاية لم يعرف ان التيمم يكفى للمجنّب و انما علم حينئذ انه للمحدث و لذلك تمعك للجنابة قياسا عليه قالوا ما رواه الشيخان من حديث عمار أقوى، قلنا و ان كان أقوى من كل واحد واحد ممّا ذكرنا من الأحاديث لكن أحاديثنا لكثرة الرواة و طرق شتى صحيحة و ضعيفة يبلغ فى القوة مبلغ حديث الصحيحين فتعارضا فرجّحنا بوجوه أحدها ان ما احتج به احمد متاخر عن وقت نزول الاية و المتأخر لا يصلح بيانا لمجمل الكتاب إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة فلو حمل هذا الحديث على ظاهره لكان ناسخا لكتاب اللّه و لا يجوز نسخ الكتاب بحديث الآحاد فيسقط حديث الصحيحين لاجل معارضة الكتاب و امّا أحاديثنا فمنها ما هو صريح فى كونه بيانا للاية مقارنا لنزولها فالتحق بالكتاب بيانا و ثانيها بان حديث الصحيحين يحتمل التأويل بان يقال اطلق الكف و أريد به اليد مجازا إطلاقا لاسم الجزء على الكل او يقال انما أراد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بيان صورة الضرب و نفى التمعك و ليس المراد به بيان جميع ما لا بد منه للتيمم كما قال فى الغسل انما يكفيك ان تحثى على راسك ثلاث حثيات و لم يذكر فيه المضمضة و الاستنشاق و غسل جميع البدن لان المقصود هناك بيان عدم الحاجة الى نقض الضفائر ثالثها بانه إذا تعارض الحديثان سقطا و عملنا بالقياس على الوضوء رابعها الاخذ بالاحتياط- (مسئلة) قال ابو حنيفة يجوز التيمم لخوف فوت ما يفوت لا الى خلف كصلوة العيد ابتداء و بناء و صلوة الجنازة لغير الولي لا لخوف فوت الوقت و الجمعة و قال مالك و الشافعي لا يجوز لخوف فوت العيد و الجنازة لعدم الضرورة فى إتيانهما فان صلوة العيد ليست بواجبة عندهما بل سنة و صلوة الجنازة فرض كفاية يتادى بغيره و يجوز لخوف فوت الوقت و الجمعة لكن عند الشافعي يجب الاعادة ايضا و قال احمد لا يجوز لخوف فوت شى ء منها لان طهورية الصعيد مشروطة بعدم وجدان الماء و لم يوجد و الحجة لابى حنيفة انه صلى اللّه عليه و سلم تيمم لردّ السّلام كما مرّ- (مسئلة) إذا وجد الماء بعد الصّلوة فى الوقت بالتيمم لا يجب عليه الاعادة و ان كان الوقت باقيا و قال عطاء و طاؤس و مكحول و ابن سيرين و الزهري يجب الاعادة لنا حديث ابى سعيد الخدري ان رجلين خرجا فى سفر فحضرت الصّلوة و ليس معهما ماء فتيمّما صعيدا طيّبا و صلّيا ثم وجدا الماء فى الوقت فاعاد أحدهما الوضوء و الصلاة و لم يعد الاخر فاتيا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فذكرا ذلك له فقال للذى لم يعد أصبت السنة و أجزأتك صلوتك و قال للذى أعاد لك الاجر مرتين رواه ابو داود و النسائي و الحاكم و الدارمي- (مسئلة) من كان بعض أعضائه صحيحا و بعضه جريحا يغسل الصحيح و يتيمم للجريح عند الشافعي و احمد و هو المختار عندى للفتوى و قال ابو حنيفة و مالك ان كان الأكثر صحيحا يغسل الصحيح و يمسح على الجريح و لا يتيمم و الا يتيمم و لا يغتسل لنا انه صحيح بعض أعضائه و هو واجد للماء من وجه فلا يسقط غسله و مريض من وجه حيث لا يقدر على استعمال الماء فى جميع بدنه فيتيمم و يؤيده حديث جابر قال خرجنا فى سفر فاصاب رجلا حجر فشجّه فى رأسه ثم احتلم فسال أصحابه هل تجدون لى رخصة فى التيمم فقالوا ما نجد لك رخصة و أنت تقدر على الماء فاغتسل فمات فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قتلوه قتلهم اللّه الا سالوا إذا لم يعلموا فان شفاء العي السؤال انما كان يكفيه ان يتيمم و يعصر او يعصب على جرحه ثم يمسح عليه و يغسل سائر جسده رواه الدارقطني و من طريقه ابن الجوزي- (مسئلة) يجوز بتيمم واحد صلوات كثيرة ما لم يحدث او يجد الماء و قال الشافعي و احمد يجب ان يتمم لوقت كل صلوة، لنا قوله صلى اللّه عليه و سلم الصعيد الطيّب وضوء المسلم و ان لم يجد الماء عشر سنين فاذا وجد الماء فليمس بشرته فان ذلك خير رواه اصحاب السّنن من حديث ابى ذرّ قال الترمذي حديث صحيح احتج الشافعي بقول ابن عباس من السنة ان لا يصلى بالتيمم اكثر من صلوة واحدة رواه الدارقطني و البيهقي قال الرافعي قول الصحابي من السنة ينصرف الى سنة الرسول صلى اللّه عليه و سلم فله حكم الرفع و فى الباب اثر على رواه ابن ابى شيبة و عن عمرو بن العاص موقوفا انه كان يتيمم لكل صلوة و به كان يفتى قتادة روى الدارقطني بسنده عن قتادة و كان ابن عمر يتيمّم لكل صلوة رواه البيهقي قلنا لا يصح شى ء من هذه الآثار امّا اثر ابن عباس قال ابن الجوزي فيه ابو يحيى عن حسن بن عمارة و هما متروكان و قال الحسن ضعيف جدّا و امّا اثر على ففيه الحجاج بن ارطاة تركه ابن مهدى و القطان و قال احمد و الدارقطني لا يحتج به و قال ابن معين و النسائي ليس بالقوى و امّا اثر عمرو بن العاص فهو منقطع بين قتادة و عمر و إرسال شديد و امّا اثر ابن عمر ففيه عامر الأحول مختلف فيه ليّنه احمد و غيره و وثقه ابو حاتم و مسلم ثم هذه الآثار لا يعارض المرفوع الصحيح و ايضا نحملها على الاستحباب و قول ابن عباس من السنة يعنى مستحب ليس بواجب- (مسئلة) فاقد الطهورين لا يصلى عند ابى حنيفة و مالك و عليه القضاء عند ابى حنيفة دون مالك و عند الشافعي و احمد يصلى و يجب عليه الاعادة عند الشافعي دون احمد إذا وجد الماء لنا هذه الاية حيث قال و لا جنبا يعنى لا تقربوا الصلاة جنبا الّا عابرى سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضى الاية نهى عن الصلاة جنبا و جعل غاية النهى الغسل لواجد الماء و التيمم للفاقد فبقى فاقد الطّهورين داخلا فى النهى لعدم الغاية فان قيل المسافر خارج عن النهى قلنا انما هو المسافر المتيمم و لو لا ذلك لجاز للمسافر الصلاة بغير تيمم و يمكن للشافعى ان يقول الخارج عن النهى المسافر مطلقا ثم أوجب عليه التيمم و يشترط لوجوب التيمم القدرة على الصعيد كيلا يلزم التكليف بما لا يطاق فاذا لم يقدر على الصعيد سقط عنه التيمم و بقي خارجا عن النهى و لنا ايضا قوله صلى اللّه عليه و سلم لا يقبل اللّه صلوة الا بطهور رواه الترمذي و الصلاة نكرة فى حيّز النفي فهو عام و القول بانه محمول على من يقدر على الطهور تخصيص للنصّ بلا دليل و لنا ايضا حديث عمار بن ياسر قال لعمر بن الخطّاب اما تذكر انا كنا على سفر انا و أنت فاصابتنا جنابة فامّا أنت فلم تصل و امّا انا فتمعكت فى التراب فصليت فذكرت ذلك للنبىّ صلى اللّه عليه و سلم فقال انما يكفيك هكذا متفق عليه حيث لم ينكر النبي صلى اللّه عليه و سلم على عمر لاجل ترك الصلاة و احتج الشافعي بحديث عائشة انها استعارت من اسماء قلادة فهلكت فارسل رسول اللّه صلى عليه و سلم ناسا من أصحابه فى طلبها فادركتهم الصلاة فصلوا بغير وضوء فلما أتوا النبي صلى اللّه عليه و سلم شكوا ذلك اليه فنزلت اية التيمم فقال أسيد بن حضير جزاك اللّه خيرا فو اللّه ما نزل بك امر قطّ الا جعل اللّه لك منه مخرجا و جعل للمسلمين فيه بركة متفق عليه و فى رواية فقام رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حتى أصبح على غير ماء فانزل اللّه اية التيمم فتيمّموا فقال أسيد بن حضير و هو أحد النقباء ما هى باوّل بركتكم يا ال ابى بكر قالت عائشة فبعثنا البعير الذي كنت عليه فوجدنا العقدة فيه و الجواب ان هذا الحديث حجة لنا لا علينا حيث لم ينقل انه صلى اللّه عليه و سلم صلّى و انما فعلوا ذلك بآرائهم و لو كانت الصّلوة جائزة لما تيمّموا بعد نزول الاية و قول الشافعي بوجوب إعادة الصّلوة مع وجوب الصّلوة بلا طهور باطل على قاعدة الأصول فان سبب الوجوب الوقت واحد لا يتصوّر ان يكون سببا لتكرار الواجب و قول مالك لا قضاء عليه لانه لا تقصير من جانبه فى ترك الصّلوة ايضا باطل لان قوله صلى اللّه عليه و سلم ما فاتكم فاقضوا امر بالقضاء عند الفوات اعمّ من ان يكون بتقصير منه اولا، الا ترى انّ وجوب القضاء على النائم مجمع عليه مع انه لا تقصير منه إِنَّ اللّه كانَ عَفُوًّا حيث يسّر الأمر لكم و رخّص لكم غَفُوراً (٤٣) يغفر لكم ما شربتم المسكر و صليتم فى السّكر و مع الجنابة قبل نزول هذه الاية و اللّه اعلم اخرج ابن إسحاق عن ابن عباس رضى اللّه عنهما انه قال كان رفاعة بن زيد بن التابوت من عظماء اليهود إذا كلم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لوّى لسانه و قال راعنا سمعك يا محمّد حتى نفهمك ثم طعن فى الإسلام و عابه و ذكر البغوي عن ابن عباس قال فى رفاعة بن زيد و مالك ابن دحشم نزلت. ٤٤ أَ لَمْ تَرَ خطاب لغير معيّن يدل عليه قوله تضلّوا و أعدائكم او خطاب لسيّد القوم فى مقام خطابهم و الرواية مجاز عن النظر و الّا فالرؤية سواء كان من البصر او القلب لا يتعدى بالى و يحتمل تضمين معنى النظر على انها روية البصر او تضمين معنى الانتهاء سواء كانت الرؤية من البصر او القلب و لذا عدى بالى حيث قال إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يعنى يهود المدينة و تنكير نصيبا للتحقير يعنى أوتوا حظّا يسيرا من الكتاب اى التوراة و هو القراءة باللسان دون التفقه و الإذعان بالجنان يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ اى الكفر بنبوة محمد صلى اللّه عليه و سلم يستبدلونها بالهداية التي كانوا عليها قبل البعثة فانهم كانوا يؤمنون بالنبي الأمي المبعوث فى اخر الزمان و كانوا يستفتحون على الذين كفروا، او المعنى يستبدلون الضلالة بالهداية التي تمكنوا على تحصيلها باتباع النبي صلى اللّه عليه و سلم وَ يُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا ايها المؤمنون السَّبِيلَ (٤٤) الى الحق و الاستفهام للتقرير و التعجيب و التحذير يعنى قد رأيت و علمت عداوتهم بك و بالمؤمنين مع علمهم بكونك على الحق فاحذرهم فانّ أعدى الأعداء من أراد بكم الضلالة الموجبة للّهلاك الابدى و لا تستنضحوهم فى أموركم. ٤٥ وَ اللّه أَعْلَمُ منكم بِأَعْدائِكُمْ هذه الجملة تأكيد للتحذير وَ كَفى بِاللّه الباء زائدة فى المرفوع لتأكيد الاتصال الاسنادى بالاتصال الإضافي لافادة زيادة حرف الإلصاق لزوم الكفاية للفاعل وَلِيًّا فى النفع يلى أموركم و ينفعكم وَ كَفى بِاللّه نَصِيراً (٤٥) فى دفع الضر يكفيكم مكرهم و ينصركم عليهم فاكتفوا به عن غيره فى الولاية و النصرة فانه اعلم و اقدر فثقوا به و لا تتولوا و لا تستنصروا غيره و وليا و نصيرا منصوبان اما على التمييز و اما على الحال. ٤٦ مِنَ الَّذِينَ هادُوا قيل متصل بما قبله بيان ل الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ او بيان لاعدائكم او متعلق بقوله نصيرا اى ينصركم من الذين هادوا فعلى هذا قوله يُحَرِّفُونَ حال متداخل او مترادف لما قبله و قيل مِنَ الَّذِينَ هادُوا كلام مستانف ظرف مستقر مسند الى مقدر بعده تقديره من الّذين هادوا فريق يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ جمع كلمة و قيل اسم جنس و ليس بجمع يدل عليه تذكير الضمير الراجع اليه فى قوله تعالى عَنْ مَواضِعِهِ و أجيب بانّ تقديره يحرّفون بعض الكلم عن مواضعه و اختار التفتازانيّ كونه اسم جنس و قال من نفى كونه جمعا نفى كونه جمعا اصطلاحا و من اثبت الجمعية أراد انه جمع معنى و لؤيد كونه كلاما مستانفا قراءة ابن مسعود و من الّذين هادوا بزيادة الواو و ما فى مصحف حفصة من الّذين هادوا من يحرّقون الكلم اى يغيرونها و يزيلونها عن مواضعها التي وضعها اللّه تعالى فيها من التوراة و المراد بالكلم نعت محمد صلى اللّه عليه و سلم لما روى البيهقي عن ابن عباس قال وصف اللّه تعالى محمدا صلى اللّه عليه و سلم فى التورية اكحل أعين ربعة جعد الشعر حسن الوجه فلما قدم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حسده أحبار يهود فغيّروا صفته فى كتابهم و قالوا لا نجد نعته عندنا و قالوا نجد النبي الأمي طويلا ازرق سبط الشعر و قالوا للسفلة هذا ليس هذا فلبسوا بذلك على الناس و انما فعلوا ذلك لان الاخبار كانت لهم ما كلمة يطعمهم إياهم السفلة فخافوا ان تؤمن السفلة «١» فيتنقطع (١) فى الأصل ان يومنوا السفلة [.....]. تلك المأكلة و قال البغوي قال ابن عبّاس كانت اليهود يأتون رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فيسئلونه عن الأمر فيخبرهم فيرى انهم يأخذون بقوله فاذا انصرفوا من عنده حرفوا كلامه فعلى هذا المراد بالكلم مطلق الكلم و قيل معنى تحريف الكلم من التوراة عن مواضعه تأويله على ما يشتهونه غير ما أراد اللّه تعالى منها كما يفعل اهل الأهواء من هذه الامة فى القران و جاز ان يكون معنى تحريف الكلم ان يقولوا كلمة ذات جهتين يحتمل المدح و الذم و التوقير و التحقير فيظهرون المدح و يضمرون به الذم وَ يَقُولُونَ سَمِعْنا وَ عَصَيْنا عطف على قوله يحرّفون و ليس هذا من جملة التحريفات ان كان المراد تحريف التوراة و المعنى انهم يقولون للنبى صلى اللّه عليه و سلم هذا فهو بيان لكفرهم حيث يقولون لا نطيعك بعد السماع و جاز ان يكون المعنى يقولون عند أصحابهم سمعنا قول محمد و عصيناه او يكون قولهم سمعنا عند النبي صلى اللّه عليه و سلم و عصينا عند قومهم فهو بيان لنفاقهم و جاز ان يكون هذا بيانا لبعض تحريفاتهم حيث يقولون بحضرة النبي صلى اللّه عليه و سلم سمعنا و هى كلمة ذات جهتين يعنى سمعنا سماع اجابة و يريدون به سماعا بلا اجابة و جاز ان يكون قوله تعالى حكاية عنهم سمعنا و عصينا كناية عن تحقق عصيانهم بعد السماع فانّ المحقق نزل منزلة القول يعنى انهم يسمعونك ثم يعصونك وَ اسْمَعْ منا غَيْرَ مُسْمَعٍ قيل كانوا يقولون للنبى صلى اللّه عليه و سلم اسمع ثم يقولون فى أنفسهم لا سمعت دعاء عليه بالصمم او الموت و الظاهر انهم كانوا يقولون ذلك جهارا و هى كلمة ذات جهتين يحتمل التعظيم و الدعاء اى اسمع غير مسمع مكروها من قولهم اسمع فلان فلانا اى سبّه و يحتمل السبّ اى اسمع منا ندعوا عليك بلا سمعت او غير مسمع جوابا ترضاه او اسمع غير مجاب الى ما تدعو اليه او اسمع كلاما غير مسمع إياك لان اذنك تأبى عنه فيكون مفعولا به وَ راعِنا هذه ايضا كلمة ذات الجهتين فانّ معناه بالعربية ارقبنا و انتظرنا نكلمك و معناه بالعبرانية او السّريانية السبّ فانهم كانوا يتسابّون بما يشبه ذلك يقولون راعينا فكانوا يقولون ذلك سخرية بالدّين و هزوا برسول ربّ العالمين صلى اللّه عليه و سلم لعنهم اللّه أجمعين لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ مفعول له لقوله تعالى يقولون يعنى يقولون ذلك لان يفتلوا بألسنتهم الحق بالباطل و التوقير فى الظاهر بالشتم المضمر وَ طَعْناً فِي الدِّينِ اى لاجل الطعن فى الدين حيث يقولون لو كان نبيّا حقّا لاخبر بما اضمرنا فيه، وَ لَوْ ثبت أَنَّهُمْ قالُوا سرّا و علانية سَمِعْنا وَ أَطَعْنا مكان قولهم سمعنا و عصينا وَ اسْمَعْ بغير الحاق غير مسمع وَ انْظُرْنا مكان راعنا لَكانَ قولهم ذلك خَيْراً لَهُمْ وَ أَقْوَمَ اى اعدل وَ لكِنْ لَعَنَهُمُ اللّه اى خذلهم و ابعدهم عن الهدى بِكُفْرِهِمْ اى بسبب كفرهم فذلك اللعنة موجب لعدم توفيقهم الى ما هو خير لهم و اعدل فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (٤٦) منصوب على المصدرية او على الظرفية يعنى الّا ايمانا قليلا و تصديقا لا يعبا به شرعا- و ذلك الايمان ببعض الكتب و بعض الرسل او الايمان فى الظاهر بالنفاق و يجوزان يراد بالقلة العدم و قيل معناه الا قليلا منهم كعبد اللّه بن سلام و يتجه عليه ان نصب المستثنى فى الكلام المنفي غير مختار عند النحاة و ان جوّزه ابن الحاجب مع ان القراء متفقون على النصب و ايضا لا بدّ حينئذ حمل قوله تعالى لعنهم على لعن أكثرهم و قال التفتازانيّ هو استثناء من قوله تعالى لَعَنَهُمُ اللّه و اللّه اعلم- اخرج ابن إسحاق عن ابن عباس قال كلم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم رؤساء من أحبار يهود منهم عبد اللّه بن صوريا و كعب بن أسيد فقال لهم يا معشر يهود اتقوا اللّه و اسلموا فو اللّه انكم لتعلمون ان الذي جئتكم به لحق فقالوا ما نعرف ذلك يا محمد و أصروا على الكفر فانزل اللّه تعالى. ٤٧ يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ التورية آمِنُوا بِما نَزَّلْنا على محمد من القران مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ من التورية مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً التنوين عوض للمضاف اليه اى وجوهكم اصل الطمس ازالة الأثر و المعنى نمحوا اثار الوجوه من الانف و العين و الفم و الحاجب فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها اى نجعلها كالاقفاء و قيل نجعل الوجوه منابت الشعر كوجوه القردة لان منابت شعور الآدميين فى ادبار وجوههم قال ابن عباس نجعلها كخف البعير و قال قتادة و الضحّاك نعميها و المراد بالوجه العين فان قيل قد وعدهم اللّه تعالى بالطمس ان لم يؤمنوا يدل على ذلك ما روى ان عبد اللّه بن سلام رضى اللّه عنه لما سمع هذه الاية جاء الى النبي صلى اللّه عليه و سلم قبل ان يأتى اهله و يده على وجهه و اسلم و قال يا رسول اللّه ما كنت ارى ان اصل إليك حتى يتحول وجهى فى قفائى و كذلك ما روى عن كعب الأحبار لما سمع هذه الاية اسلم فى زمن عمر فقال يا ربّ امنت يا رب أسلمت مخافة ان يصيبه وعيد هذه الآية لكنهم لم يؤمنوا و لم يفعل بهم ذلك قلنا قيل هذا الوعيد يأتى و يكون طمس و مسخ فى اليهود قبل قيام السّاعة و قيل كان وعيدا بشرط عدم ايمان كلهم فلمّا اسلم عبد اللّه بن سلام و أصحابه رفع ذلك من الباقين و قيل أوعدهم اللّه بأحد الامرين على سبيل منع الخلو بالطمس او اللعن و قد لعنوا فثبت الوعيد و الصحيح عندى انه يطمسهم يوم القيامة ان لم يؤمنوا- اخرج ابن عساكر و الخطيب عن معاذ بن جبل ان النبي صلى اللّه عليه و سلم تلا يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً قال يحشر أمتي عشرة أفواج صنف على صورة القردة و صنف على صورة الخنازير و صنف على صورة الكلاب و صنف على صورة الحمر الحديث و قد ذكرنا فى تفسير تلك الاية و قال مجاهد أراد بقوله نَطْمِسَ وُجُوهاً اى نتركهم فى الضلالة فيكون المراد طمس وجه القلب و الرد عن بصائر الهدى لكن يرد عليه ان ذلك التأويل يقتضى كون قلوب اليهود نقية قبل ذلك و قال ابن زيد معناه نمحو اثارهم من المدينة فنردها على أدبارها حتى يعودوا الى حيث جاءوا منه و هو الشام، و قد مضى تأويله بإجلاء بنى نضير الى أذرعات و أريحا بالشام أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ من اليهود على لسان داود و عيسى بن مريم وَ كانَ أَمْرُ اللّه مَفْعُولًا (٤٧) نافذا كائنا لا محالة لا يقدر أحد على دفعه- اخرج الطبراني و ابن ابى حاتم عن ابى أيوب الأنصاري قال جاء رجل الى النبي صلى اللّه عليه و سلم فقال ان لى ابن أخ لا ينتهى عن الحرام قال و ما دينه قال يصلى و يوحّد قال استوهب منه دينه فان ابى فاتبعه منه فطلب الرجل ذلك منه فابى عليه فاتى النبي صلى اللّه عليه و سلم فاخبره فقال وجدته شحيحا على دينه فنزلت. ٤٨ إِنَّ اللّه لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ تعالى فى وجوب الوجود او العبادة إذا مات و هو مشرك و امّا إذا تاب عن الشرك و أمن فيغفر له ما قد سلف منه من الشرك و غيره اجماعا لان التائب من الذنب كمن لا ذنب له يعنى كانه لم يصدر عنه ذلك الذنب قط قال اللّه تعالى قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ يعنى ما سوى الشرك من الذنوب صغيرة كانت او كبيرة صدرت عنه خطأ او عمدا و ان مات مذنبا لم يتب لِمَنْ يَشاءُ تعميم المغفرة لما دون الشرك و تقييدها بالمشية مبطل لمذهب المرجئة حيث قالوا بوجوب المغفرة لكل ذنب و قالوا لا يضر ذنب مع الايمان كما لا ينفع عمل مع الشرك و مذهب المعتزلة حيث قيّدوا مغفرة الذنوب بالتوبة فان الاية تدل على نفى التقييد بالتوبة لان سوق الكلام للتفرقة بين حال المشرك و المذنب و التقييد بالمشية يبطل القول بوجوب المغفرة للتائب و وجوب التعذيب لغيره فان قيل التقييد بالمشية لا ينافى الوجوب بل يستلزم وجوب المشية بعد ثبوت المغفرة قلنا فحينئذ لا فائدة فى هذا التقييد و مذهب الخوارج حيث قالوا كل ذنب شرك صاحبه مخلد فى النار اخرج ابو يعلى و ابن المنذر و ابن عدى بسند صحيح عن ابن عمر قال كنا نمسك عن الاستغفار لاهل الكبائر حتى سمعنا من نبينا صلى اللّه عليه و سلم إِنَّ اللّه لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ قال انى ادخرت دعوتى شفاعتى لاهل الكبائر من أمتي فامسكنا عن كثير ممّا كان فى أنفسنا ثم نطقنا بعد و رجونا قال البغوي ناقلا عن الكلبي انّ الاية نزلت فى وحشي بن حرب و أصحابه و ذلك انه لمّا قتل حمزة كان قد جعل له على قتله ان يعتق فلم يوف له بذلك فلمّا قدم مكة ندم على ما صنع هو و أصحابه فكتبوا الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انا قد ندمنا على ما صنعنا و انه ليس يمنعنا عن الإسلام الا انا سمعناك تقول و أنت بمكة وَ الَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللّه إِلهاً آخَرَ الآيات و قد دعونا مع اللّه الهة و قتلنا النّفس الّتى حرم اللّه تعالى و زنينا فلو لا هذه الآيات لاتبعناك فنزلت إِلَّا مَنْ تابَ ... «١» وَ عَمِلَ عَمَلًا صالِحاً الآيتين فبعث بهما رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إليهم فلما قرءوا كتبوا اليه انّ هذا شرط شديد نخاف ان لا نعمل عملا صالحا فنزلت هذه الاية إِنَّ اللّه لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ الاية فبعث بها إليهم فبعثوا اليه انا نخاف ان لا نكون من اهل مشية فنزلت يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ الاية فبعث بها إليهم فدخلوا فى الإسلام و رجعوا الى النبي صلى اللّه عليه و سلم فتقبل منهم ثم قال للوحشى أخبرني كيف قتلت حمزة فلمّا أخبره فقال ويحك غيب وجهك عنى فلحق الوحشي بالشام و كان بها الى ان مات فان قيل هذه القصّة يدل على نسخ تقييد المغفرة بالمشية فيثبت مذهب المرجئة قلنا هذا التقييد لا يحتمل النسخ إذ لا يجوز وجود شى ء من الأشياء مغفرة كانت او غيرها بدون مشية اللّه لكن نزول قوله تعالى يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا فى شأن الوحشي دل على كونه من اهل المشية و اللّه اعلم و قال البغوي ناقلا عن ابى مجلز عن ابن عمر انه لما نزل قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا الاية قام رجل فقال و الشّرك يا رسول اللّه فسكت ثم قام اليه (١) و فى القران إِلَّا مَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ إلخ-. مرتين او ثلاثا فنزلت إِنَّ اللّه لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ الاية «١»- و قال ناقلا عن مطرف بن عبد اللّه ابن الشخير عن ابن عمر قال كنا على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا مات الرجل على كبيرة شهدنا انه من اهل النار حتى نزلت هذه الآية فامسكنا عن الشهادات و قال حكى عن على ان هذه الاية أرجى اية فى القران وَ مَنْ يُشْرِكْ بِاللّه فَقَدِ افْتَرى معنى الافراء الإفساد و الافتراء استعمل فى الكذب و الشرك و الظلم كذا فى الصحاح فالمعنى فقد أفسد و كذب إِثْماً منصوب على المصدرية يعنى ارتكب الكذب و الفساد كذبا و فسادا عظيما و جازان يكون منصوبا على المفعولية و المعنى على التجريد اختلق اثما عَظِيماً (٤٨) يستحقر دونه الآثام و هذا وجه الفرق بينه و بين سائر الآثام عن جابر رضى اللّه عنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ثنتان موجبتان فقال رجل يا رسول اللّه ما الموجبتان قال من مات لا يشرك باللّه شيئا دخل الجنة و من مات يشرك باللّه شيئا دخل النار رواه مسلم و عن ابى ذرّ رضى اللّه عنه قال أتيت النبي صلى اللّه عليه و سلم و عليه ثوب ابيض و هو نائم ثم أتيته و قد استيقظ فقال ما من عبد قال لا اله الا اللّه ثم مات على ذلك الّا دخل الجنة قلت و ان زنى و ان سرق قال و ان زنى و ان سرق قلت و ان زنى و ان سرق قال و ان زنى و ان سرق قلت و ان زنى و ان سرق قال و ان زنى و ان سرق على رغم انف ابى ذرّ و كان ابو ذر إذا حدث بهذا قال و ان رغم انف ابى ذرّ متفق عليه و فى الباب أحاديث كثيرة و اللّه اعلم- اخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس و اخرج ابن جرير نحوه عن عكرمة و ابى مالك و مجاهد و غيرهم انه كانت اليهود يقدمون صبيانهم يصلون بهم و يقربون قربانهم و يزعمون انهم لا خطايا لهم و لا ذنوب فانزل اللّه تعالى. (١) روى ابو يعلى و ابن ابى حاتم عن جابر بن عبد اللّه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما من عبد يموت لا يشرك باللّه شيئا الّا حلّت له المغفرة ان شاء غفر له و ان شاء عذبه ان اللّه استثنى فقال إِنَّ اللّه لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ و اخرج ابو يعلى عن انس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من وعده اللّه على عمل ثوابا فهو منجز له و من وعده على عمل عقابا فهو بالخيار و اخرج الطبراني عن سلمان قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ذنب لا يغفر و ذنب لا يترك و ذنب يغفر فامّا الذي لا يغفر فالشرك و امّا الذي يغفر فذنب بينه و بين اللّه و امّا الذي لا يترك فظلم العباد بعضهم بعضا منه رحمه اللّه. ٤٩ أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ الاستفهام للتعجيب من حال من يزكى نفسه لان غرضه من تزكية نفسه اعتلاؤه بين الناس و لا يحصل ذلك بتزكيته نفسه بل يوجب ذلك دناءة فى أعين الناس و انما يحصل الاعتلاء و الزكاء بتزكية اللّه تعالى و جعله عاليا ناميا فيما بين عباده ذكر البغوي و الثعلبي عن الكلبي انها نزلت فى رجال من اليهود منهم بحرى بن عمرو و النعمان بن اوفى و مرحب بن زيد أتوا بأطفالهم الى النبي صلى اللّه عليه و سلم فقالوا يا محمد هل على هؤلاء ذنب فقال لا قالوا ما نحن الا كهيئتهم ما عملنا بالنهار يكفّر عنا بالليل و ما عملنا بالليل يكفر عنا بالنهار فانزل اللّه تعالى هذه الاية و قال الحسن و الضحّاك و قتادة نزلت فى اليهود و النصارى حين قالوا نَحْنُ أَبْناءُ اللّه وَ أَحِبَّاؤُهُ و قالوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى ، قلت و ان كان سبب نزول الاية خاصّا لكن الحكم عام و قال ابن مسعود هو تزكية بعضهم لبعض، روى عن طارق بن شهاب عن ابن مسعود قال انّ الرجل ليغدوا من بيته و معه دينه فيأتى الرجل لا يملك له و لا لنفسه ضرّا و لا نفعا فيقول و اللّه أنت لذيت و ذيت فيرجع الى بيته و ما معه من دينه شى ء ثم قرا ا لم تر الى الّذين يزكّون أنفسهم (مسئلة) لا يجوز لاحد ان يزكى نفسه و يثنى عليها و ينسبها الى الطهارة من الذنوب، و ايضا لا يجوز ان يحكم لغيره بالطهارة الأعلى سبيل حسن الظن المأمور به فان الحكم بغير العلم لا يجوز قال اللّه تعالى وَ لا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ و تزكية نفسه يفضى الى العجب و الكبر المنهيين ايضا و فى نفس الأمر ما لكل أحد عند اللّه تعالى من القرب و الثواب لا يعلمه الّا اللّه تعالى و لذلك قال بَلِ اللّه يُزَكِّي اى يحكم بالطهارة او يطهر من الذنوب بالمغفرة و يصلح مَنْ يَشاءُ فانه القادر على التطهير و بما ينطوى عليه الإنسان هو العليم الخبير و فيه اشعار بأنه يجوز تزكية نفسه او غيره باعلام من اللّه تعالى بتوسط الوحى او الإلهام بشرط ان لا يكون ذلك على وجه البطر و التكبر فانها من رذائل النفس و هذا هو محمل ما ورد فى الأحاديث قوله صلى اللّه عليه و سلم انا سيد ولد آدم و لا فخر و قد مر فى البقرة و قوله صلى اللّه عليه و سلم و اللّه انى لامين فى السّماء أمين فى الأرض لمّا عرّض المنافقون بانه جارّ فى القسمة و قوله صلى اللّه عليه و سلم و اللّه لا تجدون بعدي اعدل عليكم منى رواه الطبراني و الحاكم بسند صحيح عن ابى هريرة و احمد عن ابى سعيد و قوله صلى اللّه عليه و سلم ابو بكر و عمر سيّدا كهول اهل الجنة و الحسن و الحسين سيّدا شباب اهل الجنة و فاطمة سيدة نساء اهل الجنة و كذا ما ورد فى كلام الأولياء بناء على الهام من اللّه تعالى كقول غوث الثقلين قدمى هذه على رقبة كل ولى اللّه وَ لا يُظْلَمُونَ الضمير راجع الى من يشاء اللّه تزكيته فانهم يثابون على زكائهم و لا ينقص من ثوابهم او الى الناس أجمعين المفهوم فى ضمن ما سبق يعنى ان اللّه لا يظلم الناس فى التزكية فتيلا بل لا يزكى الا من يستأهله و لا يترك الا من لا يستأهله او الى الذين يزكون أنفسهم فانهم يعاقبون على قدر جريمتهم و لا يظلمون فَتِيلًا (٤٩) فى الصّحاح هو ما تقتله بين أصابعك من خيط او وسخ و يضرب بها المثل فى الشي ء الحقير و قيل هو الخيط الذي فى شق النواة منصوب على المصدر اى لا يظلمون ظلما فتيلا اى ادنى ظلم بقدر الفتيل. ٥٠ انْظُرْ يا محمد كَيْفَ يَفْتَرُونَ اى اليهود يكذبون عَلَى اللّه الْكَذِبَ انهم ابناؤه و احباؤه او يغفرهم بالليل ما يعملون بالنهار و بالنهار ما يعملون بالليل وَ كَفى بِهِ الى بافترائهم هذا إِثْماً مُبِيناً (٥٠) ظاهر البطلان لان بطلان كونهم أبناء اللّه و احباؤه بديهي لا يحتاج الى دليل و قولهم هذا ظاهر فى المأثم من بين سائر اثامهم و جملة كفى به حال بتقدير قد من فاعل يفترون و اللّه اعلم قال المفسّرون خرج كعب بن الأشرف فى سبعين راكبا من اليهود الى مكة بعد واقعة أحد ليحالفوا قريشا على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و ينقضوا العهد الذي كان بينهم و بين رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فنزل كعب على ابى سفيان فاحسن مثواه و نزلت اليهود فى دور قريش فقال اهل مكة انكم اهل كتاب و محمد صاحب كتاب و لا نامن ان يكون هذا مكرا منكم فان أردت ان نخرج معك فاسجد لهذين الصنمين و أمن بهما ففعل ذلك ثم قال كعب لاهل مكة ليجى ء منكم ثلاثون و منا ثلاثون فنلزق أكبادنا بالكعبة فنعاهد ربّ هذا البيت لنجهدنّ على قتال محمّد ففعلوا فنزلت. ٥١ أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَ الطَّاغُوتِ اخرج الطبراني و البيهقي فى الدلائل عن ابن عباس نحوه و اختلفوا فى تفسير الجبت و الطّاغوت فقال عكرمة هما صنمان كان المشركون يعبدونهما من دون اللّه و يؤيّده ما روينا من القصّة و روى عنه ان الجبت بلسان الحبشة الشيطان قلت لعل ذلك الصنم سمى باسمه و قال ابو عبيدهما كل معبود يعبد من دون اللّه لكن العطف يقتضى المغايرة و التحقيق ان الجبت أصله الجبس و هو الذي لا خير فيه فقلبت سينه تاء و الطّاغوت فعلوت من الطغيان و التجاوز عن الحد فى الكفر و العصيان أصله طغووت قلبت اللام بالعين ثم قلبت الواو الفا لتحركها و انفتاح ما قبلها فصار طاغوت كذا فى الصحاح و القاموس فعلى هذا جاز اطلاق الجبت على كل ما لا خير فيه و الطاغوت على كل ما تجاوز الحد فى العصيان و لذا سمى بالجبت حيى بن اخطب و بالطاغوت كعب ابن الأشرف كذا قال الضحاك و قال عمرو الشعبي و مجاهد الجبت السحر و الطاغوت الشيطان و قال محمد بن سيرين الجبت الكاهن و الطاغوت الساحر و قال سعيد بن جبير و ابو العالية بعكس ذلك و روى البغوي بسنده عن قبيصة ان النبي صلى اللّه عليه و سلم قال العيافة «١» و الطرق «٢» و الطيرة «٣» من الجبت يعنى لا خير فى شى ء منها قلت فالظاهر ان المراد بالجبت هاهنا الأوثان إذ لا خير فيها أصلا و بالطاغوت شياطين الأوثان و كان لكل صنم شيطان يعبر عنه فيغتر به الناس روى البيهقي عن ابى الطفيل رضى اللّه عنه انه بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم خالد بن الوليد لهدم العزى يوم فتح مكة قال ابو الطفيل فقطع خالد السمرات ثم رجع الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فاخبره فقال هل رايت شيئا قال لا قال فاتك لم تهدمها فرجع خالد فلما رات السدنة خالدا انبعثوا فى الجبل و هم يقولون يا عزى خبلتيه «٤» يا عرى عورته و الا فموتى برغم فخرجت اليه امراة سوداء عريانة ناشزة الرأس تحثوا لتراب على رأسها و وجهها فجرّد خالد سيفه و هو يقول يا عزى كفرانك لا سبحانك انى رأيت اللّه قد هانك، فضربها بالسيف فجزلها باثنتين ثم رجع الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فاخبره فقال نعم تلك العزى قد يئست ان تعبد ببلادكم ابدا- كذا فى سبيل الرشاد و اللّه اعلم اخرج احمد و ابن ابى حاتم عن ابن عبّاس قال لما قدم كعب بن الأشرف مكة قالت قريش ا لا ترى هذا المنصبر المنبتر من قومه يزعم انه خير منا و نحن اهل الحجيج و اهل السدانة و اهل السقاية قال أنتم خير منه فنزلت فيهم إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ و نزلت هذه الاية وَ يَقُولُونَ يعنى كعب الأشرف و أصحابه لِلَّذِينَ كَفَرُوا من اهل مكة ابى «٥» سفيان و غيره هؤُلاءِ يعنى (١) العيافة زجر الطير و التفاؤل بأسمائها و أصواتها و ممرها يقال عاف يعيف عيفا إذا زجر و حدس وطن نهاية منه رح. (٢) الطرق الضرب بالحصى الذي تفعله النساء نهاية منه رح. (٣) الطيرة التشاوم بالشي ء و أصله فيما يقال التطير بالسوانح و البوارح من الطير و الظباء و غيرهما نهاية حزرى منه رحمه اللّه تعالى. (٤) الخبل الجنون و الفساد أصله من النقصان ثم صار الهلاك خبالا نهاية منه رحمه اللّه. (٥) فى الأصل ابو سفيان-. كفّار مكة أَهْدى أقوم و ارشد مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا بمحمد صلى اللّه عليه و سلم سَبِيلًا (٥١) دينا و طريقا و اخرج ابن إسحاق عن ابن عباس قال كان الذين حزبوا الأحزاب من قريش و غطفان و بنى قريظة حيى بن اخطب و سلام بن ابى الحقيق و ابو رافع و الربيع بن ابى الحقيق و ابو عمارة و هودة بن قيس و كان سائرهم من بنى النضير فلما قدموا على قريش قالوا هؤلاء أحبار اليهود و اهل العلم بالكتب الاولى فسئلوهم أ ديننا خير أم دين محمد فقالوا دينكم خير من دينه و أنتم اهدى منه و ممن تبعه فانزل اللّه تعالى هذه الاية الى قوله ملكا عظيما، و ذكر البغوي انه لمّا سال ابو سفيان كعبا عن ذلك قال كعب اعرضوا على دينكم فقال ابو سفيان نحن ننحر للحجيج الكوماء و نسقيهم الماء و نقر الضيف و نفك العاني و نصل الرحم و نعمّر بيت ربّنا و نطوف به و نحن اهل الحرم و محمد فارق دين ابائه و قطع الرحم و فارق الحرم و ديننا القديم و دين محمد الحديث فقال كعب و اللّه أنتم اهدى سبيلا مما عليه محمد. ٥٢ أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّه ابعدهم من رحمته وَ مَنْ يَلْعَنِ اللّه إياه فَلَنْ تَجِدَ ايها المخاطب لَهُ نَصِيراً (٥٢) فى الدنيا فى الحروب و فى الاخرة بدفع العذاب بالشفاعة او غيرها و فيه ردّ للاستنصار بهم و مخالفتهم مع قريش على محاربة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم- ثم وصف اللّه تعالى اليهود بالبخل و الحسد و هما من شرّ الخصال حيث يمنعون مالهم و يتمنون زوال مال غيرهم فقال. ٥٣ أَمْ لَهُمْ اى لليهود نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ أم منقطعة و معنى الهمزة التي فى ضمنها انكار ان يكون لهم نصيب من الملك و نفى ما زعمت اليهود ان الملك سيصير إليهم او المراد بنصيب من الملك الرياسة التي أنكر اليهود النبوة لخوف فواتها فانكر اللّه تعالى رياستهم لفقد لوازمها و هو السخاء بأبلغ الوجوه و ذلك بإثبات كمال الشح فيهم و جاز ان يقال فيه تعريض بان انكار نبوة محمد صلى اللّه عليه و سلم لو نفع انما ينفع لمن خاف فوت ملكه بظهور نبوته فانكار من لا نصيب له من الملك فى غاية السفه فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً (٥٣) يعنى ان كان لهم نصيب من الملك فاذن لا يؤتون أحدا ما يوازى نقيرا لغاية بخلهم و كما شحّهم فكيف يؤتيهم اللّه تعالى الملك و جاز ان يكون المعنى انهم لو كانوا ملوكا بخلوا بالنقير فما ظنكم بهم إذا كانوا أذلاء متفاقرين فهو بيان لغاية بخلهم و النقير هو النقرة فى ظهر النواة و هو مثل فى القلة كالفتيل، اخرج ابن ابى حاتم عن ابن عبّاس انه قال اهل الكتاب يزعم محمد انه اوتى ما اوتى فى التواضع و له تسع نسوة و ليس همه الّا النكاح فاىّ ملك أفضل من هذا فانزل اللّه تعالى. ٥٤ أَمْ بل يَحْسُدُونَ الاية اى اليهود و اخرج ابن سعد عن عمر مولى عفرة ابسط منه النَّاسَ قال ابن عباس و الحسن و مجاهد و جماعة المراد بالناس رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم وحده حسدوه على ما أحل اللّه له من النساء كما مرّ و قيل المراد به محمد صلى اللّه عليه و سلم و أصحابه و قال قتادة المراد بالناس العرب حسدهم اليهود على النبوة و ما أكرمهم اللّه تعالى بالنبي صلى اللّه عليه و سلم و قيل المراد بالناس الناس أجمعون لان من حسد النبوة فكأنّما حسد الناس كلهم كمالهم و رشدهم عَلى ما آتاهُمُ اللّه مِنْ فَضْلِهِ يعنى النبوة و الكتاب و رضوان اللّه تعالى و النصر على الأعداء و الإعزاز فى الدنيا و النساء و غير ذلك مما يشتهونه فى الدنيا من الحلال و جعل النبىّ الموعود منهم فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الذين هم أسلاف محمد صلى اللّه عليه و سلم و أبناء جده يعنى إسماعيل و إسحاق و يعقوب و سائر أنبياء بنى يعقوب عليهم السّلام الْكِتابَ التورية و الإنجيل و الزبور و اللام للجنس وَ الْحِكْمَةَ العلم اللدني او العلوم التي اعطوا مما سوى الكتاب وَ آتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً (٥٤) ملّك يوسف و طالوت و داؤد و سليمان عليهم السلام و غيرهم فلا يبعد ان يعطى محمد صلى اللّه عليه و سلم و اتباعه مثل ما اعطوا او أفضل من ذلك و قد كان لسليمان عليه السلام الف امراة ثلاثمائة مهرية و سبعمائة سرية و كان لداود مائة امراة و لم يكن لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يومئذ الا تسع نسوة قال البغوي فلما قال اللّه تعالى لهم ذلك سكتوا يعنى عن ذكر كثرة نساء النبي صلى اللّه عليه و سلم و غير ذلك من النعماء و جازان يراد بقوله فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ آتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً مع كثرة حسادهم و قوتهم كنمرود و فرعون و غيرهما فلم ينفع الحسد للحساد و لم يضر بالمحسودين-. ٥٥ فَمِنْهُمْ او من اليهود مَنْ آمَنَ بِهِ بمحمد صلى اللّه عليه و سلم كعبد اللّه بن سلام و أصحابه او بما ذكر من حديث ال ابراهيم وَ مِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ اى اعرض عنه و لم يؤمن و قال السدى الضمير المجرور فى آمَنَ بِهِ و صَدَّ عَنْهُ راجع الى ابراهيم و ذلك ان ابراهيم زرع ذات سنة و زرع الناس فهلك زرع الناس و زكا زرع ابراهيم عليه السلام فاحتاج اليه الناس فكان يقول من أمن بي أعطيته فمن أمن به أعطاه و من لم يؤمن به منعه و المعنى على هذا ان لم يوهن عدم ايمان بعض الناس بإبراهيم امر ابراهيم فكذا لا يوهن كفر هؤلاء الأشقياء أمرك وَ كَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً (٥٥) اى نارا مسعور لا موقدة يعذبون بها من ان يعجلوا بالعقوبة بالدنيا-. ٥٦ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كالبيان و التقرير لما سبق كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ اى احترقت بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها بان يعاد ذلك الجلد بعينه على صورة اخرى كقولك بدلت الخاتم قرطا او بان يزال عنه اثر الإحراق ليعود إحساسه بالعذاب و هو المعنى من قول ابن عبّاس يبدلون جلودا بيضاء كامثال القراطيس ذكر عنه البغوي و كذا اخرج ابن ابى خاتم فى الاية عن ابن عمر و اخرج الطبراني و ابن ابى حاتم و ابن مردوية عن ابن عمر قال قرئ عند عمر هذه الاية فقال معاذ عندى تفسيرها يبدل فى ساعة مائة مرة فقال هكذا سمعت من رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و فى رواية أبيّ مكان معاذ و اخرج ابن مردوية و ابو نعيم فى الحلية من وجه اخر بلفظ تبدل فى الساعة الواحدة عشرون و مائة مرة و أخرجه البيهقي من وجه ثالث بلفظ تحرق و تجدد فى مقدار ساعة ستة آلاف مرة و اخرج البيهقي عن الحسن فى الاية قال تأكل النار كل يوم سبعين الف مرة كلما أكلتهم قيل لهم عودوا فيعودون كما كانوا- و اخرج ابن ابى الدنيا عن حذيفة ان فى جهنم سباعا من نار و كلابا من نار و كلاليب من نار و سيوفا من نار و انه يبعث ملائكة يعلقون اهل النار بتلك الكلاليب بأحقابهم و يقطعونهم بتلك السيوف عضوا عضوا و يلقونهم الى تلك السباع و الكلاب كلما قطعوا عضوا عاد مكانه عضو جديد قلت يعنى عضوا جديدا من اجزاء العضو السّابق جلدا جديدا من اجزاء الجلد السّابق و قيل يخلق مكانه جلدا اخر و العذاب فى الحقيقة للنفس العاصية المدركة لالالة إدراكها فلا محذور، قال عبد العزيز بن يحيى ان اللّه عز و جل يلبس اهل النار جلودا لا تألم فيكون زيادة عذاب عليهم كلما احترق جلد بدلهم جلدا غيره كما قال سرابيلهم من قطران فالسّرابيل تؤلمهم و هى لا تألم لِيَذُوقُوا اى ليدوم لهم «١» ذوق الْعَذابَ اسناد الذوق الى الكفار دون الجلود يؤيد قول عبد العزيز و من قال ان (١) فى الأصل له-. العذاب للنفس العاصية و اللّه اعلم- عن ابى هريرة عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال ما بين منكبى الكافر مسيرة ثلاثة ايام للراكب المسرع رواه البخاري و مسلم و عنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ضرس الكافر مثل أحد و غلظ جلده مسيرة ثلاث رواه مسلم، و اخرج ابن المبارك عنه بلفظ ضرس الكافر يوم القيامة أعظم من أحد يعلمون لتمتلى جهنم منهم و ليذوقوا العذاب و عند الترمذي و البيهقي فخذه مثل البيضاء و مقعده من جهنم ما بين مكة و المدينة و غلظ جلده اثنان و أربعون ذراعا و عند احمد و الترمذي و الحاكم و صححه و البيهقي عرض جلده سبعون ذراعا و عضده مثل البيضاء و فخذه مثل ورقان، و عن ابن عمر عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال يعظم اهل النار فى النار حتى ان بين شحمة اذن أحدهم الى عاتقه مسيرة سبعمائة عام و ان غلظ جلده سبعون ذراعا و ان فرسه مثل أحد و اخرج الترمذي و البيهقي و هنا دعنه مرفوعا ان الكافر ليجر لسانه الفرسخين و عند الترمذي الفرسخ و الفرسخين و اخرج احمد و الحاكم عن ابن عباس بين شحمة اذن أحدهم و بين عاتقه مسيرة أربعين خزيفا يجرى فيه اودية من القيح و الدم قيل انهار قال لابل اودية إِنَّ اللّه كانَ عَزِيزاً لا يمتنع عليه ما يريده حَكِيماً (٥٦) يعاقب على وفق حكمته. ٥٧ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ اخرج الحاكم و صحّحه عن ابى سعيد الخدري عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال مطهرة من الحيض و الغائط و النخامة و البزاق و اخرج هناد عن مجاهد قال مطهرة عن الحيض و الغائط و البول و المخاط و البصاق و النخام و الولد و المنى و عن عطاء مثله. وَ نُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا (٥٧) عن ابى هريرة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال ان فى الجنة لشجرة يسير الراكب فى ظلّها مائة عام ما يقطعها اقرءوا ان شئتم وَ ظِلٍّ مَمْدُودٍ متفق عليه و زاد احمد فى آخره و ان ورقها ليخمر الجنة و اخرج ابن ابى حاتم عن الربيع بن انس فى قوله تعالى وَ نُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا قال هو ظل العرش الذي لا يزول و الظليل صفة مشتقة من الظلّ للتأكيد كقولهم شمس شامس و ليل لئيل و يوم ايوم و فيه اشارة الى دوام نعماء الجنة و اللّه اعلم- اخرج ابن مردويه من طريق الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس قال لما فتح رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مكة دعا عثمان بن طلحة فلما أتاه قال ادّنى المفتاح فاتاه به فلما بسط يده قام العباس فقال يا رسول اللّه بابى أنت و امّى اجمعه لك مع السقاية و خلف عثمان يده فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم هات المفتاح يا عثمان فقال هات بامانة اللّه فقام ففتح الكعبة ثم خرج فطاف بالبيت ثم نزل عليه بردّ المفتاح فدعا عثمان بن طلحة فاعطاه المفتاح ثم قال. ٥٨ إِنَّ اللّه يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها حتى فرغ من الاية و اخرج سنيد فى تفسيره عن حجاج بن جريح و الأزرقي عن مجاهد قال نزلت هذه الاية فى عثمان بن طلحة أخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم منه مفتاح الكعبة فدخل به البيت يوم الفتح فخرج و هو يتلو هذه الآية فدعا عثمان فناوله المفتاح قال و قال عمر بن الخطّاب لما خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من الكعبة و هو يتلو هذه الاية فداه ابى و أمي و ما سمعته يتلو قبل ذلك فالظاهر انها نزلت فى جوف الكعبة و روى ايضا نحوه عن سعيد بن المسيّب و فيه خذوها يا بنى طلحة خالدة لا يظلمكموها الّا كافر و روى ابن سعد عن ابراهيم بن محمد العبدري عن أبيه و محمد بن عمرو عن شيوخه قالوا قال عثمان بن طلحة لقينى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بمكة قبل الهجرة فدعانى الى الإسلام فقلت يا محمد ا تعجب لك حيث تطمع ان اتبعك و قد خالفت دين قومك و جئت بدين محدث و كنا نفتح الكعبة فى الجاهلية الاثنين و الخميس فاقبل يوما يريد ان يدخل الكعبة مع الناس فاغلظت عليه و نلت منه فحلم عنى ثم قال يا عثمان لعلك سترى هذا المفتاح يوما بيدي أضعه حيث شئت فقلت لقد هلكت قريش و ذلّت قال بل عمرت و عزت و دخل الكعبة فوقعت كلمة منى موقعا ظننت ان الأمر سيصير الى ما قال فاردت الإسلام فاذا قومى يزبروننى زبرا شديدا فلما كان يوم الفتح قال لى يا عثمان ايت بالمفتاح فاتيته به فاخذه منى ثم دفعه الىّ و قال خذها خالدة تالدة لا ينزعها منكم الّا ظالم يا عثمان ان اللّه استأمنكم على بيته فكلوا مما وصل إليكم من هذا البيت بالمعروف فلما و ليت نادانى فرجعت اليه فقال الم يكن الذي قلت لك فذكرت قوله لى بمكة قبل الهجرة فقلت بلى اشهد انك رسول اللّه و روى الفاكهاني عن جبير بن مطعم ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لما ناول عثمان المفتاح قال له غيّبه قال الزهري فلذلك يغيب المفتاح قلت و لعل الوجه فى الأمر بتغييب المفتاح ان الناس كانوا يطمعون فى ان يكون المفتاح عندهم كما ذكرنا من رواية ابن مردوية طمع عباس فيه و روى ابن عابد و الأزرقي ان عليا قال للنبى صلى اللّه عليه و سلم اجمع لنا الحجابة و السقاية فنزلت هذه الاية فدعا عثمان فقال خذوها يا بنى طلحة خالدة مخلدة لا ينزعها منكم الّا ظالم و روى عبد الرزاق و الطبراني عن الزهري ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لما خرج من البيت قال علىّ رضى اللّه عنه انا أعطينا النبوة و السقاية و الحجابة ما من قوم بأعظم نصيبا منا فكره رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مقالته ثم دعا عثمان بن طلحة فدفع اليه و قال غيّبوه و ذكر البغوي انه لما دخل النبي صلى اللّه عليه و سلم مكة يوم الفتح اغلق عثمان باب البيت و صعد السطح فطلب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم المفتاح فقيل له انه مع عثمان فابى و قال لو علمت انه رسول اللّه لم امنعه المفتاح فلوى على رضى اللّه عنه عنقه فأخذ منه المفتاح و فتح الباب فدخل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم البيت و صلى ركعتين فلما خرج ساله العباس المفتاح ان يعطيه و يجمع له بين السّقاية و السدانة فانزل اللّه تعالى هذه الاية فامر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عليا ان يرد المفتاح الى عثمان و يعتذر اليه ففعل ذلك على فقال له عثمان أكرهت و آذيت ثم جئت ترفق فقال لقد انزل اللّه فى شأنك و قرا عليه الاية فقال عثمان اشهد ان محمّدا رسول اللّه و كان المفتاح معه فلما مات دفعه الى أخيه شيبة فالمفتاح و السدانة فى أولادهم الى يوم القيامة (فائدة:) نزول الاية و ان كان فى إعطاء المفتاح لبنى طلحة لكن الاية بعموم لفظها يفيد وجوب أداء كل امانة الى أهلها عن انس قال قلّما خطبنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الّا قال لا ايمان لمن لا امانة له و لا دين لمن لا عهد له رواه البيهقي فى شعب الايمان و فى الصحيحين عن ابى هريرة و عبد اللّه بن عمرو مرفوعا انه صلى اللّه عليه و سلم ذكر من علامات النفاق إذا اؤتمن خان «١» (فائدة:) ليس أداء الامانة منحصرا فى مال الوديعة و نحو ذلك بل كل حق (١) قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أول ما يرفع من الناس الإماتة و اخر ما يبقى الصلاة و رب مصل لا خير فيه رواه الحكيم عن زيد بن ثابت و اخرج ابن جرير عن ابن عباس انه لم يرخص لموسر و لا لمعسر و اخرج البيهقي عن ميمون ابن مهران قال ثلاثة يؤدين الى البر و الفاجر الرحم توصل كانت برة او فاجرة و الامانة تؤدى الى البر و الفاجر و العهد يوفى للبر و الفاجر و اخرج عبد الرزاق و ابن ابى شيبة و عبد بن حميد و ابن المنذر و ابن ابى حاتم و البيهقي عن ابن مسعود رض قال ان القتل فى سبيل اللّه يكفر الذنوب كلها الا الأمانة يجاء بالرجل يوم القيامة و ان كان قتل فى سبيل اللّه فيقال له ادّ أمانتك فيقول من اين و قد ذهبت الدنيا فقال انطلقوا به الى الهاوية فينطلق به فتتمثل أمانته كهيئتها فى قعر جهنم فيحملها فيصعد بها حتى إذا ظن انه خارج بها زلت من عاتقه فهوت و هوى معها ابد الآبدين قال زاذان فاتيت البراء بن عازب فقلت اما سمعت ما قال أخوك ابن مسعود قال صدق ان اللّه يقول إِنَّ اللّه يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها و الامانة فى الصلاة و الامانة فى الغسل من الجنابة و الامانة فى الحديث و الامانة فى الكيل و الامانة فى الوزن و الامانة فى الدين و أشدّ ذلك فى الودائع منه رحمه اللّه-. لاحد على أحد امانة يجب أداؤه لاهله كما يدل عليه سبب نزول هذه الاية فلهذا قال الصوفية العلية ان الوجود و توابعه و كل كمال فى الممكن فهو ليس لذاته بل مقتبس من مرتبة الوجوب جلّت عظمته و امانة مودعة مستعارة منه تعالى و مقتضى هذه الاية وجوب ردّ تلك الأمانات الى أهلها «١» بحيث يرى نفسه عاريا منها كما ان السّلطان إذا لبس كنّاسا لباس الامارة فالواجب على الكنّاس ان يرى نفسه فى كل حين عاريا كما كان منتسبا لباسه الى مالكه و إذا غلب على الصّوفى هذه الملاحظة وجد نفسه فى نفسه معدوما خاليا عن الوجود و عن سائر الكمالات مبدأ للشرور و المناقص و ذلك هو مرتبة الفناء ثم قد ينتفى عنه هذه الرؤية المستعارة ايضا و ذلك فناء الفناء ثم يرى نفسه موجودا بوجود مستعار من اللّه تعالى متصفا بصفات مضافة اليه سبحانه باقيا ببقائه و ذلك مرتبة البقاء و من هاهنا قال اللّه تعالى فى الحديث القدسي كنت سمعه الذي يسمع به و بصره الذي يبصر به الحديث فاذا وصل الصوفي الى تلك المرتبة المعبر عنها بالفناء و البقاء المكنى عنها بأداء الامانة لا يتصور حينئذ ان يصدر من الصوفي تزكية لنفسه حيث يرى نفسه معدوما خاليا عن الكمالات و جاز له حينئذ التكلم بما أعطاه اللّه من الكمالات و التحديث بما أنعم اللّه عليه من الفضائل و المقامات و المعاملات لان الكمالات حينئذ مضافة الى اللّه تعالى و كل ثناء واقع على تلك الكمالات راجعة الى اللّه سبحانه و يظهر استغراق المحامد للّه و انحصار المدائح فى اللّه تعالى فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَ الْحَمْدُ للّه رَبِّ الْعالَمِينَ فكأنّ هذه الاية متصلة بقوله تعالى فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ «٢» ... (١) فى الأصل الى اهله-. (٢) هكذا فى الأصل و النقول لعله سباق قلم او تصحيف من الناسخ لان قوله تعالى المتقدم ليس هكذا بل هو أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللّه يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ نعم وقع فى سورة و النجم فلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى ٢ بو محمد عفا اللّه عنه. بَلِ اللّه يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ و ما بينهما اعتراض و معنى الآيتين لا تزكوا أنفسكم فان كمالاتكم ليست ناشية من أنفسكم بل اللّه يزكى من يشاء بإعطاء نور من أنواره و رشحة من بحار كماله و اللّه يأمركم ان تؤدوا الأمانات التي عندكم من الكمالات الى أهلها حتى لا يتصوّر منكم تزكية نفوسكم و يتاتى منكم أداء بعض محامد ربكم و من هاهنا يظهر لك جواب ما اعترض بعض الجهال على كلمات المشائخ المشعرة بالتفاخر فانها بعد أداء الأمانات الى أهلها ناشية على سبيل التحديث بالنعمة بإذن ربّهم على مقتضى الحكمة و اللّه اعلم- وَ إِذا حَكَمْتُمْ الظرف متعلق بمحذوف دل عليه ما بعده تقديره و يأمركم ان تحكموا بالعدل إذا حكمتم اى قضيتم بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ تفسير للمحذوف لا محلّ له من الاعراب و الحكم بالعدل ايضا من باب أداء الامانة و الإخلال به خيانة- عن ابى ذرّ قال قلت يا رسول اللّه استعملني قال يا أبا ذرّ انك ضعيف و انها امانة و انها يوم القيامة خزى و ندامة الا من أخذ بحقّها وادي الذي عليه فيها و فى رواية قال يا أبا ذرّ انى أراك ضعيفا و انى احبّ لك ما احبّ لنفسى لا تأمرن على اثنين و لا تولين مال يتيم رواه مسلم و كذا ما يذكر بعد ذلك من إطاعة اللّه و الرسول و اولى الأمر ايضا امانة إِنَّ اللّه نِعِمَّا ما نكرة منصوبة على التمييز موصوفة بيعظكم او موصولة مرفوعة على الفاعلية اى نعم شيئا او نعم الشي ء الذي يَعِظُكُمْ بِهِ و المخصوص محذوف اى أداء الامانة و العدل فى الحكم إِنَّ اللّه كانَ سَمِيعاً بأقوالكم و احكامكم بَصِيراً (٥٨) بما تفعلون فى الأمانات عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص يرفعه الى النبي صلى اللّه عليه و سلم قال المقسطون على منابر من نور على يمين الرحمن و كلتا يديه يمين هم الذين يعدلون فى حكمهم و أهلهم و ما ولوا رواه مسلم و عن ابى سعيد قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان احبّ الناس الى اللّه يوم القيامة و أقربهم منه مجلسا امام عادل و ان ابغض الناس الى اللّه يوم القيامة و أشدّهم عذابا و فى رواية ابعدهم منه مجلسا امام جائر رواه الترمذي و قال هذا حديث حسن غريب و عن عائشة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال أ تدرون من السّابقون الى ظلّ اللّه عز و جل يوم القيامة قالوا اللّه و رسوله اعلم قال الذين إذا اعطوا الحق قبلوا و إذا سئلوه بذلوا و حكموا للناس كحكمهم لانفسهم رواه احمد و روى البيهقي فى شعب الايمان نحوه عن عمر بن الخطاب مرفوعا. ٥٩ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّه وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ روى الشيخان و اصحاب السنن عن ابن عباس قال نزلت هذه الاية فى عبد اللّه ابن حذافة إذ بعثه النبي صلى اللّه عليه و سلم فى سرية و اخرج ابن جرير و ابن ابى حاتم عن السدى قال بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم خالد بن الوليد فى سرية و فيها عمار بن ياسر فساروا قبل القوم الذين يريدن فاصبحوا و قد هرب القوم غير رجل اتى عمّارا و قال قد أسلمت و شهدت ان لا اله الا اللّه و ان محمدا عبده و رسوله قال عمار ينفعك إسلامك فاقم فلمّا أصبحوا أغار خالد فقال خل عن الرجل فانه قد اسلم و هو فى أمان منى فاستبّا و ارتفعا الى النبي صلى اللّه عليه و سلم فاجاز أمان عمار و نهاه ان يجير الثانية على امير فاستبّا عند رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يا خالد لا تسبّ عمارا فانه من سبّ عمارا سبّه اللّه و من ابغض عمارا أبغضه اللّه و من لعن عمارا لعنه اللّه فاعتذر اليه خالد فرضى فانزل اللّه هذه الاية «١»، اخرج ابو شيبة و غيره عن ابى هريرة قال هم الأمراء و فى لفظ هم أمراء السّرايا هذا لفظ عام يشتمل الملوك و أمراء الأمصار و القضاة و أمراء السّرايا و الجيوش قال على رضى اللّه عنه حق على الامام ان يحكم بما انزل اللّه و يؤدى الامانة فاذا فعل ذلك فحق على الرعية ان يسمعوا و يطيعوا عن حذيفة رضى اللّه عنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اقتدوا بالذين من بعدي ابى بكر و عمر رواه الترمذي و عن ابى هريرة رضى اللّه عنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من أطاعني فقد أطاع اللّه و من عصانى فقد عصى اللّه و من يطع الأمير فقد أطاعني و من يعص الأمير فقد عصانى متفق عليه و عن عبادة بن الصامت قال بايعنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم على السمع و الطاعة فى العسر و اليسر و المنشط و المكره و ان لا ننازع الأمر اهله و ان نقوم او نقول بالحق حيث ما كنا و ان لا نخاف فى اللّه لومة لائم متفق عليه و عن انس رضى اللّه عنه ان النبي صلى اللّه عليه و سلم قال اسمع و أطع و لو لعبد حبشى كأن رأسه زبيبة رواه البخاري و عن ابى امامة قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يخطب فى حجة الوداع فقال اتقوا اللّه و صلوا خمسكم و صوموا شهركم و ادّوا زكوة أموالكم و أطيعوا إذا أمركم تدخلوا جنة ربكم رواه الترمذي و يشتمل هذه الاية ايضا الزوج يأمر (١) عن عكرمة فى قوله تعالى أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ قال ابو بكر و عمرو عن الكلبي قال ابو بكر و عمر و عثمان و على و ابن مسعود و عن عكرمة انه سئل عن أمهات الأولاد فقال هن أحرار قيل بأيّ شى ء تقول قال بالقرءان قالوا بما ذا فى القران قال قول اللّه عز و جل أَطِيعُوا اللّه وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ و كان عمر من اولى الأمر قال اعتقت و ان كان سقطا عن عمران بن حصين قال كان عمر إذا استعمل رجلا كتب فى عهده اسمعوا له و أطيعوا ما عدل فيكم و عن عمر قال اسمع و أطع و ان امر عليك عبد حبشى مجدع ان ضربك فاصبر و ان ضربك فاصبر و ان أراد امرا ينتقض دينك فقل دمى دون دينى منه رحمه اللّه-. امرأته و السيّد يأمر عبده و الوالد يأمر والده عن عبد اللّه بن عمر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الا كلكم راع و كلكم مسئول عن رعيته فالامام الذي على الناس راع و هو مسئول عن رعيته و الرجل راع فى اهل بيته و هو مسئول عن رعيته و المرأة راعية على بيت زوجها و ولده و هى مسئولة عنهم و عبد الرجل راع فى مال سيّده و هو مسئول عنه فكلكم راع و كلكم مسئول عن رعيته متفق عليه و كذا يشتمل الفقهاء و العلماء و المشائخ بل اولى لانهم ورثة الأنبياء و خازنوا احكام اللّه و احكام رسوله اخرج ابن جرير و الحاكم و غيرهما عن ابن عبّاس هم اهل الفقه و الدين و فى لفظ هم اهل العلم و ابن ابى شيبة و الحاكم و صححه و غيرهما عن جابر بن عبد اللّه نحوه و عن ابى العالية و مجاهد كذلك و قال اللّه تعالى وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم العلماء ورثة الأنبياء رواه احمد و الترمذي و ابو داود و ابن ماجة من حديث كثير بن قيس و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم للصحابة رضوان اللّه عليهم الناس لكم تبع و ان رجالا يأتونكم من أقطار الأرض يتفقهون فى الدّين رواه الترمذي عن ابى سعيد الخدري و اللّه اعلم (مسئلة) و هذا الحكم يعنى وجوب إطاعة الأمير مختص بما لم يخالف امره الشرع يدل عليه سياق الآية فان اللّه تعالى امر الناس بطاعة اولى الأمر بعد ما أمرهم بالعدل فى الحكم تنبيها على ان طاعتهم واجبة ما داموا على العدل و نصّ على ذلك فيما بعد فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْ ءٍ فَرُدُّوهُ، الاية قال بعض الأفاضل صيغة اولى الأمر يفيد ان متابعتهم واجبة فيما ولوه من الأمر و جعلهم اللّه تعالى واليا فيه و انما هو العدل فى الحكم و لو جعلت الأمر على الإيجاب لكان أشدّ دلالة على ذلك فان وجوب طاعتهم فيما كان لهم على الناس إيجابه فان قال الأمير أعط فلانا من مالك الفا لا يجب عليك اطاعته- (مسئلة) إذا قال القاضي قضيت على هذا بالرجم فارجمه او بالقطع فاقطعه او بالضرب فاضربه وسعك ان تفعل و عن محمد انه رجع عن هذا و قال لا يأخذ بقوله حتى يعاين الحجّة و استحسن المشائخ هذه الرواية لفساد الحال فى اكثر القضاة و قال الامام ابو منصور ان كان عدلا عالما يقبل قوله لانعدام تهمة الخطاء و الخيانة و ان كان عدلا جاهلا يستفسر فان احسن التفسير وجب تصديقه و الا فلا و ان كان فاسقا لا يقبل الا ان يعاين سبب الحكم لتهمة الخطاء و الخيانة كذا فى الهداية روى البخاري و غيره عن ابن عباس قال نزلت هذه الاية فى عبد اللّه ابن حذافة بن قيس إذ بعثه النبي صلى اللّه عليه و سلم فى سرية كذا أخرجه مختصرا قال الداودي ان عبد اللّه بن حذافة خرج على جيش فغضب فاوقد نارا و قال اقتحموا فامتنع بعضهم و هم بعضهم ان يفعل قال الحافظ ابن حجر فالمقصود بنزول هذه الاية فى تلك القصّة قوله تعالى فَإِنْ تَنازَعْتُمْ اختلفتم- روى سعيد بن منصور و غيره عن مجاهد يعنى ان تنازع العلماء فردّوه الى اللّه و الى الرسول فِي شَيْ ءٍ مما أمركم به أميركم يعنى قال بعضكم لا يجوز لنا إطاعة الأمير فى هذا الأمر و قال بعض يجب إطاعة الأمير فَرُدُّوهُ يعنى ذلك الأمر إِلَى اللّه اى الى كتابه وَ الرَّسُولِ صلى اللّه عليه و سلم ما دام حيّا و الى سنته بعد وفاته و الإجماع و القياس فيما لا نصّ فيه راجعان الى الكتاب و السنة، فان أباح الشرع ذلك الأمر أطيعوا أميركم فيه و الا فلا، عن ابن عمر رضى اللّه عنهما عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال السمع و الطاعة على المرء المسلم فيما احبّ و كره ما لم يؤمر بمعصية فاذا امر بمعصية فلا سمع و لا طاعة متفق عليه و عن على رضى اللّه عنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا طاعة لاحد فى معصية انما الطاعة فى المعروف متفق عليه و عن عمران بن حصين و الحكيم ابن عمرو الغفاري قالا قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق رواه احمد و الحاكم و صححه قال فى المدارك حكى ان مسلمة بن عبد الملك بن مروان قال لابى حازم أ لستم أمرتم بطاعتنا بقوله تعالى وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فقال ابو حازم أ ليس قد نزعت عنكم إذا خالفتم الحق بقوله تعالى فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْ ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّه وَ الرَّسُولِ- (مسئلة) إذا رفع الى القاضي حكم حاكم أمضاه الا ان يخالف الكتاب كما إذا قضى بشاهد واحد مع يمين المدعى حيث يخالف قوله تعالى وَ اسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ الاية، او السنة المشهورة كما إذا حكم بثبوت الحل للزوج الاوّل بعد الطلقات الثلاث بنكاح الزوج الثاني بدون الوطي و هو يخالف حديث عائشة فى قصّة امراة رفاعة قوله صلى اللّه عليه و سلم لا حتى تذوقى عسيلته و يذوق عسيلتك و قد ذكرناه فى سورة البقرة او الإجماع كما إذا حكم بجواز بيع متروك التسمية عامدا فانه مخالف لما اتفقوا عليه فى الصدر الاوّل فحينئذ لا يجوز امضاؤه كذا فى الهداية (مسئلة) إذا افتى المجتهد و ظهران فتواه مخالف للكتاب او السنة وجب علينا اتباع الكتاب و السنة روى البيهقي فى المدخل بإسناد صحيح الى عبد اللّه بن المبارك قال سمعت أبا حنيفة يقول إذا جاء عن النبي صلى اللّه عليه و سلم فعلى الرأس و العين و ذكر عن روضة العلماء عن ابى حنيفة قال اتركوا قولى بخبر الرسول صلى اللّه عليه و سلم و قول الصحابة رضى اللّه عنهم و نقل عنه انه قال إذا صح الحديث فهو مذهبى و جاز ان يكون قوله تعالى فان تنازعتم خطابا للائمة على سبيل الالتفات إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّه وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ شرط مستغن عن الجزاء بما سبق ذلِكَ الرد الى اللّه و الرسول خَيْرٌ لكم من جمودكم على ما تقرر فى أذهانكم وَ أَحْسَنُ تَأْوِيلًا (٥٩) مالا من تأويلكم بلا ردّ و اللّه اعلم- اخرج ابن جرير عن الشعبي قال كان بين رجل من اليهود و رجل من المنافقين خصومة فقال اليهودي أحاكمك الى النبي صلى اللّه عليه و سلم لانه قد علم انه لا يأخذ الرشوة فى الحكم و قال المنافق نتحاكم الى اليهود لعلمه انهم يأخذون الرشوة و يميلون فى الحكم فاتفقا على ان يأتيا كاهنا فى جهينة فيتحاكما اليه و اخرج الثعلبي عن ابن عباس و ابن ابى حاتم من طريق ابن لهيعة عن ابى الأسود مرسلا و كذا ذكر البغوي قول الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس ان منافقا و سماه الكلبي بشرا خاصم يهوديا فدعاه اليهودي الى النبي صلى اللّه عليه و سلم و دعاه المنافق الى كعب بن الأشرف و ابى اليهودي ان يخاصمه الا الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فلمّا راى المنافق ذلك اتى معه الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقضى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لليهودى فلما خرجا من عنده لزمه المنافق و قال انطلق بنا الى عمر فاتيا عمر رضى اللّه عنه فقال اليهودي اختصمت انا و هذا الى محمد (صلى اللّه عليه و سلم) فقضى لى عليه فلم يرض بقضائه و زعم انه مخاصم إليك فقال عمر رضى اللّه عنه للمنافق أ كذلك قال نعم قال لهما رويدكما حتى اخرج اليكما فدخل عمر رضى اللّه عنه البيت و أخذ السيف و اشتمل عليه ثم خرج فضرب به المنافق حتى برد و قال هكذا أقضي بين من لم يرض بقضاء اللّه و قضاء رسوله فنزلت. ٦٠ أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يعنى المنافقين يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ الاية و قال جبرئيل ان عمر فرّق بين الحق و الباطل فسمى بالفاروق و سمى بالطاغوت كعب بن الأشرف او كاهن من جهينة لفرط طغيانه او لتشبيهه بالشيطان أو لأن التحاكم اليه تحاكم الى الشيطان و اخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس قال كان ابو برزة الأسلمي كاهنا يقضى بين اليهود فيما يتنافرون فيه فتنافر اليه ناس من المسلمين فانزل اللّه تعالى هذه الاية و اخرج ابن ابى حاتم من طريق عكرمة او سعيد عن ابن عباس قال كان الحلاس ابن الصامت و معتب بن قشير و رافع بن زيد و بشر يدّعون الإسلام فدعاهم من قومهم من المسلمين فى خصومة كانت بينهم الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فدعوهم الى الكهان حكّام الجاهلية فانزل اللّه تعالى هذه الاية قال البغوي قال السّدى كان ناس من اليهود اسلموا و نافق بعضهم و كانت قريظة و النضير فى الجاهلية إذا قتل رجل من بنى قريظة رجلا من بنى النضير قتل به او أخذ مائة و سق تمر و إذا قتل رجل من نضير رجلا من قريظة لم يقتل و اعطى ديته ستين وسقا و كانت نضير و هم حلفاء الأوس «١» اشرف و اكثر من قريظة و هم حلفاء الخزرج فلمّا جاء الإسلام و هاجر النبي صلى اللّه عليه و سلم الى المدينة قتل رجل من النضير رجلا من قريظة فاختصموا فى ذلك فقالت بنوا النضير كنا و أنتم اصطلحنا على ان نقتل منكم و لا تقتلون منا و ديتكم ستون و سقا و ديتنا مائة وسق فنحن نعطيكم ذلك فقال الخزرج هذا شى ء فعلتموه فى الجاهلية لكثرتكم و قلتنا فقهرتمونا و نحن و أنتم اليوم اخوة و ديننا و دينكم واحد فلا فضل لكم علينا فقال المنافقون منهم انطلقوا الى ابى برزة الكاهن الأسلمي و قال المسلمون من الفريقين لابل الى النبي صلى اللّه عليه و سلم و ابى المنافقون و انطلقوا الى ابى برزة ليحكم فانزل اللّه تعالى اية القصاص و هذه الاية وَ قَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ يعنى أمروا ان يخالفوا الطاغوت و يتبرؤا عنه كما فى قوله تعالى يَوْمَ ... (١) فيه نظر (أبو محمد عفا اللّه عنه). يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ و المؤمنون أمروا بمخالفة اليهود و الكهان و الشياطين و التبري عنهم قال اللّه تعالى لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَ النَّصارى أَوْلِياءَ و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من اتى كاهنا فصدّقه بما يقول او اتى امراة حائضا او اتى امراة فى دبرها فقد برئ مما نزل على محمّد رواه احمد و اصحاب السنن الاربعة بسند صحيح عن ابى هريرة و روى الطبراني بسند ضعيف من حديث واثلة من اتى كاهنا فساله عن شى ء حجبت عنه التوبة أربعين ليلة فان صدّقه بما قال كفر وَ يُرِيدُ الشَّيْطانُ شيطان الانس و الجنّ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيداً (٦٠) عن الحق. ٦١ وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ اى للمنافقين الذين يزعمون انهم أمنوا، مقولة القول تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللّه يعنى القران وَ إِلَى الرَّسُولِ عطف قوله الىّ الرّسول على قوله ما انزل اللّه يدل على ان الرسول كان قد يحكم بعلمه سوى القران من الوحى الغير المتلو و بالاجتهاد و الظرف اعنى إذا قيل لهم متعلق بقوله رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ وضع المظهر موضع المضمر للتقبيح و التفضيح و بيان سبب الصدّ يَصُدُّونَ يعرضون عَنْكَ الى غيرك لطمعهم بالحكم بالباطل بالرشوة و نحوها و الجملة واقع موقع الحال من المنافقين صُدُوداً (٦١) مصدر او اسم للمصدر الذي هو الصدّ و فى الصحاح الصدود يكون انصرافا عن الشي ء و امتناعا و قد يكون بمعنى الصرف و المنع نحو فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ- قيل لمّا قتل عمر رضى اللّه عنه المنافق جاء أولياؤه طالبين بدمه الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يحلفون باللّه ان أردنا بالتحاكم الى عمر الا إحسانا يحسن عمر الى صاحبنا و توفيقا اى إصلاحا يصلح بين الخصمين فانزل اللّه تعالى ٦٢ فَكَيْفَ استفهام للتعجب، من حلفهم بعد صدّهم صدّا ظاهرا و من انهم كيف يقدرون عليه و لا يستحيون و تقدير الكلام فكيف لا يستحيون و إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ يعنى قتل عمر واحدا منهم و إذ المجرد الظرف دون الاستقبال بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ من الاعراض عن قضاء رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و التحاكم الى غيره ثُمَّ جاؤُكَ للاعتذار و طلب الدم عطف على أصابتهم فكيف يَحْلِفُونَ مع ظهور كذبهم حال من فاعل جاءوك بِاللّه الباء امّا صلة ليحلفون او للقسم و جواب القسم على الوجهين إِنْ أَرَدْنا بتحكيمنا غيرك إِلَّا إِحْساناً وَ تَوْفِيقاً (٦٢) يعنى الا الفصل بالوجه الحسن و التوفيق بين الخصمين و لم نرد مخالفتك و لم نسخط لحكمك يعنى خفنا ان يحدث عداوة بالحكم المرّ و هبنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان نقول يصلح بيننا فجئنا عمر ليصلح بيننا و يبقى الالفة و جاز ان يكون إذا بمعنى الاستقبال للشرط و المراد بالمصيبة العذاب من اللّه تعالى او الانتقام من النبي صلى اللّه عليه و سلم و يدلّ على الجزاء قوله فكيف يَحْلِفُونَ بِاللّه إِنْ أَرَدْنا إلخ فوقع الشرط بين اجزاء الدال على الجزاء، و المراد التعجّب من حلفهم فى الاستقبال و جاز ان يكون تقدير الكلام فكيف يكون حالهم او كيف يصنعون إذا أصابتهم مصيبة عذاب من اللّه او انتقام منك او من أصحابك بما قدّمت أيديهم و قوله ثُمَّ جاؤُكَ امّا معطوف على أصابتهم او على يصدّون و ما بينهما اعتراض و كيف سوال عن حالهم عند العذاب فى الاخرة او فى الدنيا و جاز ان يكون إذا للشرط و يحلفون جزاء للشرط و الشرط و الجزاء بيانا من كيفية حالهم. ٦٣ أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللّه ما فِي قُلُوبِهِمْ من النفاق فلا يفيدهم اليمين الغموس الّا غموسا فى النار فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ اى عن قبول اعتذارهم او عن اجابتهم فى مطالبة دم المقتول فان دمه هدر وَ عِظْهُمْ ان ينتهوا من النفاق و يؤمنوا بالإخلاص وَ قُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ اى فى حق أنفسهم قَوْلًا بَلِيغاً (٦٣) يبلغ صميم قلوبهم بالتأثير قال الحسن القول البليغ ان يقول لهم انكم تقتلون على نفاقكم فانه يبلغ من نفوسهم كل مبلغ و قيل هو التخويف باللّه تعالى و ذكر فى الكشاف احتمال تعلق فى أنفسهم ببليغا يعنى بليغا فى أنفسهم و ضعّفه البيضاوي بان معمول الصفة لا يتقدم على الموصوف و أجيب بالحمل على الحذف و التفسير و جاز ان يكون معنى الاية فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ اى عن عقابهم لمصلحة استبقائهم و عظهم باللسان وَ قُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ يعنى فى الخلوة فان النصح فى السرّ انفع قولا بليغا-. ٦٤ وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ اى لالزام طاعته على الناس فانه المقصود من الرسالة بِإِذْنِ اللّه اى بسبب اذنه و امره المبعوث إليهم بان يطيعوه فمن لم يرض بحكمه و لم يطعه استوجب القتل لانه كانّه لم يقبل رسالته وَ لَوْ ثبت أَنَّهُمْ اى المنافقون إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بالنفاق و التحاكم الى الطاغوت جاؤُكَ تابئين بالإخلاص و هو خبر انّ و الظرف متعلق به فَاسْتَغْفَرُوا اللّه بالتوبة عن النفاق و اعتذروا الى الرسول صلى اللّه عليه و سلم بالإخلاص وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ عدل عن الخطاب الى الغيبة تعظيما لشأنه و تنبيها على انّ شأن الرسول يقتضى قبول العذر و ان عظم الجرم لَوَجَدُوا اللّه لعلموه تَوَّاباً قابلا للتوبة رَحِيماً (٦٤) عليهم و جاز ان يكون وجد بمعنى صادف فحينئذ توابا منصوب على الحال و رحيما بدل منه او حال من الضمير فيه او حال مرادف له و اللّه اعلم اخرج الائمة الستة عن الزبير بن العوام رضى اللّه عنه انه خاصم رجلا من الأنصار الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى شراج من الحرة كانا يسقيان به كلاهما فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اسق يا زبير ثم أرسل الى جارك فغضب الأنصاري فقال يا رسول اللّه ان كان ابن عمتك فتلوّن وجه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ثم قال اسق ثم احبس حتى يبلغ الجدر فاستوفى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حينئذ حقّه للزبير و كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قبل ذلك أشار على الزبير بامر فيه سعة له و للانصارى فلما احفظ الأنصاري رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم استوفى للزبير حقه فى صريح الحكم قال الزبير و اللّه احسب قوله تعالى. ٦٥ فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ الاية نزلت فى ذلك و كذا اخرج الطبراني فى الكبير و الحميدي فى مسنده عن أم سلمة قالت خاصم الزبير رجلا الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقضى للزبير فقال الرجل انما قضى له لانه ابن عمته فنزلت قال البغوي روى ان الأنصاري الذي خاصم الزبير كان اسمه حاطب بن ابى بلتعة قلت أخرجه ابن ابى حاتم عن سعيد بن المسيب فى هذه الاية قال نزلت فى الزبير بن العوام و حاطب ابن ابى بلتعة «١» اختصما فى ماء فقضى النبي صلى اللّه عليه و سلم ان يسقى الأعلى ثم الأسفل قلت و تسمية حاطب بن ابى بلتعة فى هذه القصّة و هم لان حاطبا لم يكن من الأنصار بل من المهاجرين شهد بدرا و لعل ذلك رجل منافق من الأوس او الخزرج سمّى أنصاريا لكونه منهم نسبا قال البغوي لمّا خرجا من عند رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مرّا على المقداد فقال لمن كان القضاء فقال الأنصاري لابن عمته و لوّى شدقه ففطن له يهودى كان مع المقداد فقال قاتل اللّه هؤلاء يشهدون انه رسول اللّه ثم يتهمونه فى قضاء يقضى بينهم و ايم اللّه لقد أذنبنا مرة فى حيوة موسى فدعانا موسى الى التوبة منه فقال اقتلوا أنفسكم ففعلنا فبلغ قتلانا سبعين الفا فى طاعة ربنا حتى رضى عنا فقال ثابت بن شماس بن قيس اما و اللّه ان اللّه ليعلم منى الصدق لو أمرني محمد صلى اللّه عليه و سلم ان اقتل نفسى لفعلت و قال البغوي قال مجاهد و الشعبي نزلت هذه الاية فى بشر المنافق و اليهودي الذي اختصما الى عمر الذي مرّ ذكره كما يقتضيه السياق و معنى الاية فلا اى ليس الأمر كما فعل الذين يزعمون انهم مؤمنون ثم لا يرضون بحكمك ثم استأنف القسم فقال وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ و جاز ان يكون لا زائدة كما فى لا اقسم و المعنى وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ، حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ اى اختلف بينهم و اختلط عليهم الأمر و منه الشجر لالتفات أغصانه ثُمَّ لا يَجِدُوا عطف على يحكموك فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ ضيقا مما حكمت به و قال مجاهد شكّا فان الشاكّ فى ضيق امره وَ يُسَلِّمُوا اى ينقادوا لك تَسْلِيماً (٦٥) انقيادا طوعا بلا كره منهم. (١) فى الأصل هنا ابن بلتعة- [.....]. ٦٦ وَ لَوْ ثبت أَنَّا كَتَبْنا اى فرضنا عَلَيْهِمْ اى على الذين يزعمون انهم أمنوا و لم يرضوا بحكمك و هم المنافقون و لا جائز ان يكون الضمير راجعا الى جميع المؤمنين الموجودين فى ذلك الزمان و هم الصّحابة رضى اللّه عنهم لان سوق الكلام فى المنافقين و كيف يتصوّر الحكم فى حق الصحابة بانه لو كتب عليهم ما فعلوه و قد مدح اللّه تعالى عليهم بقوله كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ و بقوله يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ و نحو ذلك و اثنى عليهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بقوله خير القرون قرنى و بقوله ان اللّه اختارني و اختار لي أصحابا و لو كان الضمير عايدا الى الصحابة لزم فضل اصحاب موسى عليه السلام عليهم فانهم قتلوا أنفسهم حين أمروا به للتوبة، أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ للتوبة عن اعراضهم عن حكمك الى غيرك و ان مفسرة لان فى كتبنا معنى القول او مصدرية يعنى أمرنا بقتل أنفسهم كما أمرنا بنى إسرائيل حين عبدوا العجل أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ كما أمرنا بنى إسرائيل بالخروج من مصر و جاز ان يكون المعنى امرناهم بالخروج من ديارهم للجهاد و تعريض أنفسهم على القتل فيه قرا ابو عمرو و يعقوب بكسر النون فى ان اقتلوا و ضم الواو فى او اخرجوا للاتباع او التشبيه بواو الجمع و قرا عاصم و حمزة بكسرهما على الأصل و الباقون بضمّهما اجراء لهما مجرى همزة الوصل ما فَعَلُوهُ اى القتل او الخروج او المكتوب عليهم إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ قرا ابن عامر الّا قليلا بالنصب على الاستثناء و الباقون بالرفع على انّ المختار فى كلام غير موجب هو البدل و انما يفعل ذلك القليل بتوفيق اللّه تعالى ايّاهم الإخلاص بعد النفاق و اللّه اعلم، اخرج ابن جرير عن السّدى قال لمّا نزلت وَ لَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ افتخر ثابت بن قيس بن شماس و رجل من يهود فقال اليهودي و اللّه لقد كتب اللّه علينا ان اقتلوا أنفسكم فقتلنا أنفسنا فقال ثابت و اللّه لو كتب اللّه علينا ان اقتلوا أنفسكم لقتلنا أنفسنا فانزل اللّه تعالى وَ لَوْ ثبت أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ من متابعة الرسول و مطاوعته طوعا و رغبة لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَ أَشَدَّ تَثْبِيتاً (٦٦) تحقيقا لايمانهم او تثبيتا لثواب أعمالهم و نصبه على التمييز قال الحسن و مقاتل لمّا نزلت هذه الاية قال عمر و عمار ابن ياسر و عبد اللّه بن مسعود و ناس من اصحاب النبي صلى اللّه عليه و سلم و اللّه لو أمرنا لفعلنا و الحمد للّه الذي عافانا فبلغ ذلك النبي صلى اللّه عليه و سلم فقال ان من أمتي لرجالا الايمان فى قلوبهم اثبت من الجبال الرواسي. ٦٧ وَ إِذاً اى إذا فعلوا ذلك عطف على قوله لَكانَ خَيْراً لَهُمْ او استيناف كانه قيل ما لهم بعد التثبت فقال وَ إِذاً لَآتَيْناهُمْ و الواو للاستيناف و أورد عليه انه لا يليق إيراد الشرط فى جواب ما يكون لهم بعد التثبت بل يكفى اتيناهم و أجيب بان تقدير الشرط للاشارة الى بعدهم عن التثبت لما فى لو معنى الدلالة على الامتناع و جاز ان يكون الواو للقسم تقديره و اللّه إذا لَآتَيْناهُمْ و جاز ان يكون الواو للعطف على المقدر اى إذا لهم اجر التثبت و إذا لاتينهم مِنْ لَدُنَّا تفضلا زائدا على ثواب أعمالهم و ثواب التثبت أَجْراً عَظِيماً (٦٧). ٦٨ وَ لَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مفعول ثان مُسْتَقِيماً (٦٨) يصلون يسلوكه الى جناب القدس و اللّه اعلم- اخرج الطبراني بسند لا بأس به و ابو نعيم و الضياء و حسّنه عن عائشة قالت جاء رجل الى النبي صلى اللّه عليه و سلم فقال يا رسول اللّه انك لاحبّ الىّ من نفسى و ولدي و انى لا كون فى البيت فاذكرك فما اصبر حتى اتى فانظر إليك و إذا ذكرت موتى و موتك عرفت انك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين و انى ان دخلت خشيت ان لا أراك فلم يردّ النبي صلى اللّه عليه و سلم شيئا حتى نزل جبرئيل بقوله تعالى. ٦٩ وَ مَنْ يُطِعِ اللّه فى أداء الفرائض وَ الرَّسُولَ فى اتباع سننه فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّه عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ الاية و اخرج الطبراني عن ابن عباس نحوه و ابن ابى حاتم عن مسروق قال قال اصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما ينبغى لنا ان نفارقك فانك لو متّ لرفعت فوقنا فلم نرك اخرج ابن جرير عن الربيع انّ اصحاب النبي صلى اللّه عليه و سلم قالوا قد علمنا ان النبي صلى اللّه عليه و سلم له فضل على من أمن به فى درجات الجنة فمن اتبعه و صدقه كيف لهم إذا اجتمعوا فى الجنة ان يرى بعضهم بعضا فانزل اللّه هذه الاية فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم ان الأعلين ينحدرون الى من هو أسفل منهم فيجتمعون فى رياضها فيذكرون ما أنعم اللّه عليهم و يثنون عليه و اخرج مسلم و ابو داود و النسائي عن ربيعة بن كعب الاسلمىّ قال كنت أتيت النبىّ صلى اللّه عليه و سلم فاتيته بوضوئه و حاجته فقال لى سلنى فقلت يا رسول اللّه أسئلك مرافقتك فى الجنة قال او غير ذلك قلت هو ذلك قال فاعنّى على نفسك بكثرة السجود و اخرج عن عكرمة قال اتى فتى النبي صلى اللّه عليه و سلم فقال يا نبى اللّه ان لنا منك نظرة فى الدنيا و يوم القيامة لا نراك فانك فى الدرجات العلى فانزل اللّه تعالى هذه الاية فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أنت معنى فى الجنة ان شاء اللّه تعالى و اخرج ابن جرير نحوه من مرسل سعيد بن جبير و مسروق و الربيع و قتادة و السدى و ذكر البغوي انها نزلت فى ثوبان مولى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم رضى اللّه عنه و كان شديد الحبّ لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قليل الصّبر عنه فأتاه ذات يوم قد تغير لونه يعرف الحزن فى وجهه فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما غيّر لونك فقال يا رسول اللّه ما لى مرض و لا وجع غير انى إذا لم أرك استوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك ثم ذكرت الاخرة فاخاف ان لا أراك لانك ترفع مع النبيين و انى ان دخلت الجنة كنت فى منزلة ادنى من منزلتك و ان لم ادخل الجنة لا أراك ابدا فنزلت وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ ذكر اللّه سبحانه للذين أنعم اللّه عليهم اربعة اصناف على ترتيب منازلهم فى القرب و حثّ كافة الناس ان لا يتاخروا عنهم، اوّل الأصناف الأنبياء عليهم السلام الذين مبادى تعيناتهم صفات اللّه تعالى و هم المستغرقون فى التجليات الذاتية الصرفة الدائمية بلا حجاب الصفات المعبر عنها بكمالات النبوة الفائزون الراسخون فى هذا المقام بالاصالة المبعوثون لتكميل الخلائق و جذبهم الى مراتب القرب على حسب استعداد افراد الامة و كسبهم و حسب مشية اللّه تعالى المبلّغون من اللّه تعالى أحكامه الى الناس ما يصلح دنياهم و آخرتهم- و ثانيهم الصدّيقون و هم المبالغون فى الصدق المتصفون بكمال متابعة الأنبياء ظاهرا و باطنا المستغرقون فى كمالات النبوة و التجلّيات الذاتية الصرفة الدائمية بلا حجاب بالوراثة و التبعية و ثالثهم الشهداء الباذلون أنفسهم فى سبيل اللّه ليفاض عليهم نوعامن التجليات الذاتية بسبب بذلهم ذواتهم فى سبيل اللّه و رابعهم الصالحون الذين أصلحوا أنفسهم بازالة الرذائل و قلوبهم بشرب بحار الحبّ و دوام الذكر المانع عن الاشتغال بغير اللّه سبحانه و أبدانهم عن المعاصي فصلحوا لتجلّيات الظلال و الافعال بعد حصول الفناء و البقاء على الكمال و تحصلوا برخا من التجلّيات الذاتية ان شاء اللّه تعالى و لو من وراء حجب الصّفات و هم الذين سموا بلسان القوم بالأولياء و وعد اللّه سبحانه سائر المؤمنين بعد دخول الجنة معيتهم و زيارتهم على قدر ما أطاعوا اللّه و رسوله و المراد بالصّديقين هاهنا غير الأنبياء و كذا بالصالحين غير الأنبياء و الصدّيقين و لذلك فسرنا بما ذكرنا و الا فالصديق أعم من النبي و الصالح أعم من الجميع و لذا يطلق الصديق و الصالح على الأنبياء قال اللّه تعالى فى ابراهيم إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا و قال فى يحيى وَ سَيِّداً وَ حَصُوراً وَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ و فى عيسى وَ يُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَ كَهْلًا وَ مِنَ الصَّالِحِينَ فائدة: لمّا استشهد شيخى و امامى قدسنا اللّه بسره السامي توجه قلبى الى تاريخ وفاته فوقع فى قلبى بغتة هذه الاية فاذا قوله تعالى فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّه تاريخ لوفاته اعنى النا «١» و مائة و خمسا و تسعين سنة سبحان من جعل للانسان بطاعته الى نفسه سبيلا وَ حَسُنَ أُولئِكَ الأصناف الاربعة المذكورون رَفِيقاً (٦٩) نصب على التميز او الحال و لم يجمع لاطلاقه على الواحد و الجمع. (١) فى الأصل الف و مائة و خمس و تسعون سنة. ٧٠ ذلِكَ يعنى مرافقتهم مع المنعم عليهم من غير عمل كاعمالهم الْفَضْلُ صفة لاسم الاشارة او خبره مِنَ اللّه خبر أو حال وَ كَفى بِاللّه عَلِيماً (٧٠) بسبب ذلك اللحوق و المرافقة و انما هى المحبّة يعنى ان المحبّة التي هى سبب للحوق المحبّ بالمحبوب من غير عمل كعمله امر لا يعلمه الا اللّه تعالى و لا يظهر ذلك على الكرام الكاتبين ايضا عن انس ان رجلا قال يا رسول اللّه الرجل يحب قوما و لم يلحق بهم فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم المرء مع من احبّ رواه احمد و الشيخان و كذا فى الصحيحين عن ابن مسعود و عن انس قال قال رجل يا رسول اللّه متى السّاعة قال ويلك ما اعددت لها قال ما اعددت لها الا انى أحب اللّه و رسوله قال أنت مع من أحببت قال انس فما رايت المسلمين فرحوا بشئ بعد الإسلام فرحهم بها متفق عليه، و جاز ان يكون المشار اليه بذلك مرتبة الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّه عَلَيْهِمْ يعنى انهم لم ينالوا تلك الدرجة الا بفضل من اللّه دون عملهم فان سبب وصولهم الى اللّه تعالى الاجتباء غالبا عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قاربوا و سدّدوا و اعلموا انه لا ينجو أحد منكم بعمله قالوا و لا أنت يا رسول اللّه قال و لا انا الا ان يتغمدنى اللّه برحمة منه و فضل متفق عليه-. ٧١ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ الحذر و الحذر كالاثر و الأثر و المثل و المثل ما يحذر به من العدو من السّلاح و غيره فَانْفِرُوا اخرجوا الى الجهاد ثُباتٍ «٢» جماعات متفرقات جمع ثبة و يجمع ايضا على ثبين جبرا لما حذف من عجزه أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً (٧١) مجتمعين على حسب المصالح. (٢) روى عن ابن عبّاس فى قوله انفروا ثبات قال عشرة فما فوقها و عن مجاهد قال فرقا قليلا منه رحمه اللّه، فى الأصل مذكورين-. ٧٢ وَ إِنَّ مِنْكُمْ عطف على خذوا حذركم عطف قصّة على قصّة او معترضة الى قوله فليقاتل لَمَنْ اللام للابتداء دخلت على اسم ان للفصل بالخبر لَيُبَطِّئَنَّ جواب قسم محذوف تقديره ان منكم و اللّه ليبطئن يعنى يتخلفون عن الجهاد و يتثاقلون و هم المنافقون من بطّا بمعنى ابطا و هو لازم او المعنى يثبطون غيرهم عن الجهاد كما ثبّط ابن ابى ناسا يوم أحد من بطّا منقولا من بطوء كثقّل من ثقل فَإِنْ أَصابَتْكُمْ ايها المؤمنون مُصِيبَةٌ من قتل او هزيمة قالَ ذلك المنافق المبطئ قال أَنْعَمَ اللّه عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ مع المؤمنين شَهِيداً (٧٢) حاضرا فلم يصبنى ما أصاب المؤمنين. ٧٣ وَ لَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللّه من فتح و غنيمة لَيَقُولَنَّ أكد الفعل تنبيها على فرط تحسّرهم كَأَنْ مخففة من المثقلة اسمه ضمير الشأن محذوف لَمْ تَكُنْ قرا ابن كثير و حفص و يعقوب بالتاء على التأنيث و الباقون بالياء على التذكير بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُ مَوَدَّةٌ جملة معترضة بين ليقولنّ و المقولة و هو التمني للتنبيه على ضعف عقيدتهم و ان قولهم هذا قول من لا مواصلة بينكم و بينه و انما يريد المال بمرافقتكم و يحسدون على ان تفوزوا او حال عن الضمير فى ليقولن او داخل فى المقول اى يقول المبطئ فيما بينهم و مع ضعفة المسلمين كان لم تكن بينكم و بين محمد مودة حيث لم يستعن بكم فتفوزوا كما فازوا يا قوم لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ اى مع المؤمنين فى الوقعة و قيل يا اطلق للتنبيه مجازا فَأَفُوزَ منصوب على جواب التمني فَوْزاً عَظِيماً (٧٣) فاخذ من الغنيمة حظّا وافرا قال البغوي جملة كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُ مَوَدَّةٌ متصلة بالجملة الاولى تقديره فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قالَ قَدْ أَنْعَمَ اللّه عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً ... كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُ مَوَدَّةٌ قال البيضاوي و هو ضعيف إذ لا يفصل بين بعض الجملة بما لا يتعلق بها لفظا و معنى-. ٧٤ فَلْيُقاتِلْ عطف على خذوا حذركم و فيه التفات من الخطاب الى الغيبة و جاز ان يكون الفاء جزائية و التقدير ان بطّا هؤلاء المنافقون فليقاتل فِي سَبِيلِ اللّه الَّذِينَ يَشْرُونَ اى يبيعون الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ و هم المخلصون الباذلون أنفسهم فى طلب الاخرة فالموصول مرفوع على الفاعلية و قيل يشرون هاهنا بمعنى يشترون اى يختارون الدنيا على الاخرة و هم المنافقون يعنى ينبغى لهم ان يؤمنوا بالإخلاص و يتركوا ما يصنعون من النفاق و يقاتلوا فى سبيل اللّه كيلا يكون عليهم حسرة فى الدنيا و الاخرة و جاز ان يكون الموصول فى محلّ النصب على المفعولية و المراد به الكفار و المنافقون الذين يختارون الدنيا على الاخرة و الضمير المرفوع فى فليقاتل راجع الى الذين أمنوا الذين خوطبوا بقوله خذوا حذركم وَ مَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّه فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (٧٤) فى الاخرة، وعد المقاتل بالأجر العظيم على اجتهاده فى إعلاء كلمة اللّه سواء قتل فلم يتيسر له الاعلاء لما بذل ما فى وسعه من الجهد او غلب و حصل له الملك و الغنيمة فان إحرازه الغنائم لا ينقص من اجره شيئا إذا لم يكن همته المال بل إعزاز الدين فحسب عن ابى هريرة عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال انتدب اللّه لمن خرج فى سبيله لا يخرجه الا ايمان بي و تصديق برسلى ان ارجعه بما نال من اجر و غنيمة او ادخله الجنة متفق عليه و الترديد لمنع الخلو- و عنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مثل المجاهد فى سبيل اللّه كمثل الصائم القائم القانت بايات اللّه لا يفتر من صيام و لا صلوة حتى يرجع المجاهد فى سبيل اللّه و فى رواية حتى يرجعه اللّه الى اهله بما يرجعه من غنيمة و اجر او يتوفاه فيدخله الجنة-. ٧٥ وَ ما لَكُمْ مبتدا و خبر لا تُقاتِلُونَ حال و العامل فيه الظرف المستقر و المعنى اى شى ء ثبت لكم تاركين القتال و الاستفهام للانكار على الترك و الاستبطاء فِي سَبِيلِ اللّه وَ الْمُسْتَضْعَفِينَ عطف على اسم اللّه او على سبيل اللّه يعنى فى سبيل اللّه و فى خلاص المستضعفين «١» بحذف المضاف او فى سبيل المستضعفين و هو تخليصهم عن أيدي المشركين بمكة و يجوز نصبه على الاختصاص فان سبيل اللّه يعمّ أبواب الخير و تخليص ضعفاء المسلمين من أيدي الكفار أعظمها مِنَ الرِّجالِ الضعفاء وَ النِّساءِ وَ الْوِلْدانِ الذين كانوا يلقون من المشركين بمكة أذى كثيرا الَّذِينَ يدعون اللّه و يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ يعنى مكة الظَّالِمِ صفة لقرية من حيث اللفظ و ذكّر لاسناده الى ظاهر مذكّر مذكور بعده اعنى أَهْلُها وَ اجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يلى أمرنا وَ اجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً (٧٥) يمنع المشركين عنا فاستجاب اللّه دعاءهم و فتح مكة على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و ولى عليهم عتاب بن أسيد جعله اللّه لهم نصيرا ينصف المظلوم من الظالم. (١) اخرج البخاري عن ابن عباس قال كنت انا و أمي من المستضعفين منه رح. ٧٦ الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ موصل الى اللّه يعنى طاعته وَ الَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فى طاعة الشيطان و سبيل يلحقهم بالشيطان فى دركات جهنم فَقاتِلُوا ايّها المؤمنون أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ اى جنوده و هم الكفار ثم شجعهم بقوله إِنَّ كَيْدَ اى مكر الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً (٧٦) فانه لا يقدر الّا على الوسوسة قال يوم بدر للكفار لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَ إِنِّي جارٌ لَكُمْ فلما راى الملائكة هرب و خذلهم و نكص على عقبيه وَ قالَ إِنِّي بَرِي ءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللّه وَ اللّه شَدِيدُ الْعِقابِ و اللّه اعلم- اخرج النسائي و الحاكم عن ابن عباس ان عبد الرحمن بن عوف و أصحابه أتوا النبي صلى اللّه عليه و سلم و هو بمكة قبل الهجرة فقالوا يا نبى اللّه كنا فى عزّ و نحن مشركون فلمّا أمنا صرنا اذلة فقال انى أمرت بالعفو فلا تقاتلوا القوم فلما حوله اللّه الى المدينة امره بالقتال فحينئذ جبن بعض الناس فكفوا أيديهم فانزل اللّه تعالى. ٧٧ أَ لَمْ تَرَ استفهام للتعجب و مناط التعجب تقاعد فريق منهم عن القتال و خشيتهم عن الناس عند الأمر بالقتال بعد تصديهم كلهم للقتال عند الأمر بالكف و التصدي يفهم من الأمر بالكف لان الكف انما يتحقق فيما يتصدى له المكفوف إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ قال البغوي عن الكلبي ان المراد بهم عبد الرحمن بن عوف الزهري و المقداد بن الأسود الكندي و قدامة بن مطعون الجحمي و سعد بن ابى وقاص و جماعة كانوا يلقون من المشركين بمكة أذى كثيرا قبل ان يهاجروا و يقولون يا رسول اللّه ائذن لنا فى قتالهم فانهم قد آذونا فيقول رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ عن القتال فانى لم اومر بقتالهم وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ و اشتغلوا بما أمرتم به و فيه تنبيه على ان الجهاد مع النفس لاصلاح قلبه و نفسه مقدم على الجهاد مع الكفار فان الاوّل لاصلاح نفسه و هو أهم من الثاني الذي هو الإصلاح «١» لغيره و اخلاء العالم الكبير عن الفساد و لذلك جعل اللّه تعالى الاول من الفروض على الأعيان و الثاني من الفروض على الكفاية فَلَمَّا هاجروا الى المدينة و كُتِبَ فرض عَلَيْهِمُ الْقِتالُ مع المشركين شق ذلك على بعضهم و جبنوا كما يقول اللّه تعالى إِذا للمفاجاة جواب لمّا فَرِيقٌ مبتدأ مِنْهُمْ صفة يَخْشَوْنَ النَّاسَ خبره كَخَشْيَةِ اللّه اضافة (١) في الأصل لإصلاح لغيره. المصدر الى المفعول فى محل النصب على المصدرية يعنى يخشون من الناس خشية كخشيتهم من اللّه او على حال من فاعل يخشون يعنى يخشون الناس حال كونهم مثل اهل خشية اللّه منه أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً عطف عليه ان جعلته حالا اى حال كونهم أشدّ خشية من اهل خشية اللّه منه لا ان جعلته مصدرا لان افعل التفضيل إذا نصب ما بعده لم يكن من جنسه بل حينئذ معطوف على اسم اللّه تعالى اى كخشية اللّه او كخشية أشدّ خشية من خشية اللّه و او للتخيير لا للشكّ اى ان قلت ان خشيتهم الناس كخشية اللّه فانت مصيب و ان قلت انها أشد فانت مصيب لانه حصل مثلها و زيادة- و هذا الكلام مبنى على التجوز فانهم لمّا تقاعدوا عن الحرب باستيلاء النفس جبنا و لم يسارعوا الى امتثال امر اللّه تعالى فى قتالهم قيل فيهم يخشون الناس اكثر من خشية اللّه إطلاقا للسبب اعنى شدة الخشية على المسبب اعنى التقاعد و عدم الامتثال بالأمر و هذا لا يستلزم ان يكون فى الواقع خشيتهم من الناس اكثر من خشيتهم من اللّه فانه كفر بل قد يكون ارتكاب المعصية من سؤلة النفس و الغفلة عن عذاب اللّه و الطمع فى غفرانه لا من الاعتقاد بان الناس أشدّ عذابا من اللّه و اقدر و بناء على ظاهر هذه الاية قالت الخوارج مرتكب الكبيرة كافر فان الاية تدل على ان القاعدين «١» عن الجهاد يخشون من الناس أشد من خشية اللّه و استدلوا على ذلك من العقليات ان العاقل إذا تيقن ان الحية فى هذا الحجر لا يدخل يده فى ذلك الحجر قطعا و إذا ادخل يده فيه يعلم منه قطعا انه لم يتيقن يكون الحية فيه فكذا من ارتكب كبيرة يعلم انه لم يؤمن بايات الوعيد و لو تيقن بوقوع العذاب على الكبيرة لم يرتكبها و بما ذكرنا اندفع هذا الاستدلال و ظهران الاية مبنى على المجاز وَ قالُوا «٢» رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ فنقتل لَوْ لا أَخَّرْتَنا هلا أمهلتنا فى الدنيا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ الى زمان الموت فنموت على الفرش ذكر (١) و فى الأصل القاعدون. (٢) فى الأصل قالوا-. الجملتين بلا عطف ليدل على انّ قولهم تارة كذا و تارة كذا و ليسا بكلام واحد و ليس هذا سوالا عن وجه الحكمة فى إيجاب القتال فانها معلومة بل هو تمنى و استزادة فى مدّة الكف عن القتال حذرا عن الموت و يحتمل انهم ما تفوهوه و لكن قالوه فى أنفسهم فحكى اللّه تعالى عنهم قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا اى منفعتها و الاستمتاع بها قَلِيلٌ من منافع الاخرة و مع ذلك سريع التقضي و ان طال فلا يفيدكم استزادة العمر و ان زاد فرضا وَ ثواب الْآخِرَةُ خَيْرٌ من ثواب الدنيا و أبقى لِمَنِ اتَّقى من الشرك و العصيان فاستزادوا ثواب الاخرة بالتقوى عن التقاعد و امتثال امر اللّه تعالى فى الجهاد و كانه جواب عن قولهم لم كتبت علينا القتال يعنى كتبنا لتكثير تمتيعكم هذا على تقدير كون قولهم لم كتبت سؤالا عن وجه الحكمة وَ لا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (٧٧) يعنى لا تنقصون ادنى شى ء من ثوابكم فلا ترغبوا عنه او المعنى لا تنقصون من اجالكم المقدرة بالقتال- قرا ابن كثير و ابو جعفر و حمزة و الكسائي بالياء لتقدم الغيبة و الباقون بالتاء للخطاب و نزلت ردّا لقول المنافقين الذين قالوا فى قتلى أحد لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَ ما قُتِلُوا. ٧٨ أَيْنَ ما تَكُونُوا ما زائدة لتأكيد معنى الشرط فى اين يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ فى قصورا و حصون مرتفعة و قال قتادة معناه فى قصور محصنة و قال عكرمة مجصّصة و الشيد الجصّ و فى إيراد هذه الاية فى هذا المقام اشعار الى جواب قولهم لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ يعنى بالقتال لا يستعجل الاجل و الحذر لا يبعد الاجل و لا يرد القدر- و لمّا قالت اليهود و المنافقون بعد قدوم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم المدينة ما زلنا نعرف النقص فى ثمارنا و مزارعنا منذ قدم علينا هذا الرجل و أصحابه نزلت وَ إِنْ تُصِبْهُمْ اى المنافقين و اليهود حَسَنَةٌ اى خصب و رخص فى السعر و زيادة فى الأموال و الأولاد يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللّه لنا وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ قحط او بلية يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ اى من شومك و ان كان الفاعل هو اللّه تعالى قُلْ يا محمد كُلٌّ اى كل واحد من الحسنة و السيئة مِنْ عِنْدِ اللّه بخلقه على حسب إرادته تفضلا او انتقاما على مقتضى حكمته و لا يجوز من اللّه تعالى الانتقام من أحد بشوم غيره فنسبتهم السيئة الى النبي صلى اللّه عليه و سلم بسبب شومه مع انغماسهم فى الكفر و المعاصي ظاهر البطلان فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ الكافرين لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ يعنى لا يقربون الفهم و التفقه فضلا من ان يفقهوا حَدِيثاً (٧٨) يعنى القران فانهم لو فهموه و تدبروا معانيه لعلموا ان الخير و الشرّ كل من عند اللّه و ان اللّه لا يعذب أحدا بعمل غيره اولا يفهمون حديثا ما كالانعام او شيئا حادثا فيتفكروا فيما صدر عنهم من الأعمال هل هو حسنة يوجب الانعام او سيئة يقتضى النقمة. ٧٩ ما أَصابَكَ ايّها الإنسان مِنْ حَسَنَةٍ نعمة فَمِنَ اللّه أنعم عليكم تفضلا منه من غير استحقاق عليه سبحانه و استيجاب فان كل ما فعله انسان من الطاعة لو سلم صدوره عنه غير مشوب بالمعصية قابلا للقبول و ان كان عامرا لجميع أوقاته فهو مخلوقة للّه تعالى نعمة منه تعالى حيث حماه عما لا يرضى عنه و وفقه لمرضاته مستوجب على العبد الشكر على توفيقه فكيف يقتضى عليه استحقاق شى ء من ثواب الدنيا او الاخرة مع ان الوجود و توابعه (مما يتوقف عليه صدور الطاعة و ما لا يتوقف عليه) نعماء من اللّه تعالى لا تعد و لا تحصى لا يمكن ان يكون ذلك الطاعة بإزائه شكرا لها و لذلك قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما أحد يدخل الجنة الا برحمة اللّه قيل و لا أنت قال و لا انا متفق عليه من حديث ابى هريرة وَ ما أَصابَكَ ايّها الإنسان مِنْ سَيِّئَةٍ بلاء فَمِنْ نَفْسِكَ روى ابن المنذر عن مجاهد انه كان فى قراءة أبيّ بن كعب و ابن مسعود ما أصابك من سيّئة فمن نفسك و انا كتبتها عليك اى من شامة نفسك استجلابا لا من شامة غيرك يعنى خلق اللّه تعالى تلك المصيبة و البلاء انتقاما لبعض معاصيك و جزاء لسيئاتك فان كان الإنسان كافرا كان أنموذجا لبعض ما يعدله من العقاب و ان كان الإنسان مؤمنا كان كفارة لذنوبه و باعثا لرفع درجاته عن عائشة قالت قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما من مصيبة تصيب المسلم الا كفر اللّه بها عنه حتى الشوكة يشاكها متفق عليه و عن ابى سعيد الخدري قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما من نصب او وصب حتى الشوكة يشاكها الا كفر اللّه من خطاياه متفق عليه و عن ابى موسى ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال لا تصيب عبدا نكبة فما فوقها و ما دونها الا بذنب و ما يعفو اكثر رواه الترمذي ففى هذه الاية جواب عن نسبتهم السوء الى النبي صلى اللّه عليه و سلم وَ أَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا منصوب على المصدرية او الحالية و قصد به التؤكيد ان علق الجار بالفعل و ان علق برسولا قصد به التعميم كما فى قوله تعالى وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ و فى هذه الجملة ايضا ردّ على قولهم هذه من عندك حيث نسبوا الشوم اليه عليه السلام و ما هو الا رسول من اللّه تعالى أرسل رحمة عامّة للناس أجمعين و انما حرم الكفار من الرحمة و أصابهم ما أصابهم من النقمة فى الدنيا و الاخرة بشوم أنفسهم حيث لم يطيعوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم وَ كَفى بِاللّه شَهِيداً (٧٩) يشهد على رسالته فى الدنيا بنصب المعجزات و عند اختصامهم عند اللّه يوم القيامة كَفى بِاللّه شَهِيداً الإلزام الكفار و تعذيبهم فان الملك يومئذ للّه الواحد القهار يحكم بعلمه لا حاجة حينئذ الى شهادة غيره و اللّه اعلم- قال البغوي كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول من أطاعني فقد أطاع اللّه و من أحبني فقد احبّ اللّه فقال بعض المنافقين ما يريد هذا الرجل الا ان نتخده ربّا كما اتخذت النصارى عيسى بن مريم فانزل اللّه تعالى. ٨٠ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللّه لانه فى الحقيقة مبلغ و الأمر هو اللّه تعالى وَ مَنْ تَوَلَّى عن طاعتك فلا تهتم فَما أَرْسَلْناكَ يا محمد عَلَيْهِمْ حَفِيظاً (٨٠) حال من الكاف يعنى انما عليك البلاغ و علينا الحساب ما أرسلناك لحفظ أعمالهم و محاسبتهم. ٨١ وَ يَقُولُونَ اى المنافقون إذا امرتهم بشى ء طاعَةٌ يعنى أمرنا طاعة كان حقها النصب على المصدرية يعنى نطيعك طاعة لكن رفع للدلالة على الدوام و الثبات فَإِذا بَرَزُوا خرجوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طائِفَةٌ قرا ابو عمرو و حمزة بإدغام التاء فى الطاء و الباقون بالإظهار و معنى بيّت غيّر و بدّل و التبييت بمعنى التبديل كذا قال قتادة و الكلبي و قال الأخفش معنى بيّت قدر تقول العرب للشى ء إذا قدر قد بيت يشبهونه ببيت الشعراء او ببيت مبنى و قال ابو عبيدة و القتيبي معناه قدروا ليلا غير ما أعطوك العهد نهارا من البيتوتة مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ الضمير فى تقول راجع الى طائفة يعنى زورت طائفة منهم خلاف الذي قالت عندك من الطاعة و جازان يكون للخطاب يعنى زورت طائفة منهم خلاف الذي قلت ايها النبي و عهدت إليهم وَ اللّه يَكْتُبُ يعنى كتبة اللّه من الملائكة تكتب باذنه ما يُبَيِّتُونَ ليوفى عليهم جزاء تزويرهم او المعنى يكتب اللّه فى جملة ما يوحى إليك حتى تطلع على أسرارهم فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ يعنى لا تلتفت إليهم فالاعراض بمعنى قلة المبالاة و التجافي عنهم او المعنى لا تعاتبهم و لا تخبر بأسمائهم وَ تَوَكَّلْ عَلَى اللّه فى الأمور كلّها و فى شأنهم وَ كَفى بِاللّه وَكِيلًا (٨١) إذا فوضت اليه أمرهم ينتقم لك منهم و لا يضرونك بشى ء. ٨٢ أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ اى المنافقون و يتاملون فى الْقُرْآنَ نظمه و معانيه و ينظرون ما فيه من الغرائب حتى يظهر لهم انه ليس من جنس كلام البشر فيحصل لهم الايمان و يذرون النفاق و اصل التدبر النظر فى ادبار الشي ء فيه دليل على صحة القياس وَ لَوْ كانَ هذا القران مختلقا كائنا مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللّه كما زعم الكفار لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً (٨٢) من تناقض المعنى و تفاوت النظم بحيث يكون بعضه فصيحا و بعضه ركيكا و بعضه صعب المعارضة و بعضه دون ذلك و مطابقة بعض احباره المستقبلة دون بعض لنقصان القوة البشرية و امّا الناسخ و المنسوخ فليس من باب الاختلاف بل النسخ بيان لمدة الحكم الذي اختلف بناء على اختلاف الأحوال فى الحكم و المصالح بحسب اختلاف الزمان و اللّه اعلم- قال البغوي كان النبي صلى اللّه عليه و سلم يبعث السّرايا فاذا غلبوا او غلبوا بادر المنافقون يستخبرون عن حالهم فيحدّثون به قبل ان يحدّث به رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فيضعّفون به قلوب المؤمنين و قيل كان ضعفة الرأى من المسلمين إذا بلغهم خبر السّرايا او أخبرهم الرسول بما اوحى اليه من وعد بالظفر او تخويف اشاعوا ذلك الخبر و تكون فيه مفسدة فانه إذا سمع الخصم الا من يسعى فى حفظ نفسه و إذا سمع الخوف يسعى فى القتال و الفساد فانزل اللّه تعالى. ٨٣ وَ إِذا جاءَهُمْ اى المنافقين او ضعفة الرأى من المسلمين أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ اى الفتح و السلامة أَوِ الْخَوْفِ اى الهزيمة و الاختلاف أَذاعُوا بِهِ اشاعوه وَ لَوْ رَدُّوهُ اى ذلك الخبر إِلَى الرَّسُولِ صلى اللّه عليه و سلم وَ إِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ اى ذوى الرأى من الصحابة كابى بكر و عمر و عثمان و على سموا باولى الأمر لانهم بصراء بالأمور او لانهم يؤمرون منهم غالبا أو لأن النبي صلى اللّه عليه و سلم يستشار منهم قبل ان يأمر الناس بشى ء او يأمر الناس بالاقتداء بهم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم امّا وزير اى من اهل الأرض فابو بكر و عمر رواه الترمذي عن ابى سعيد و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اقتدوا بالذين من بعدي ابى بكر و عمر رواه الترمذي لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ الاستنباط الاستخراج يقال استنبط الماء إذا استخرجه يعنى يستخرجون بانظارهم ما يليق بذلك الأمر من الاشاعة او الإخفاء و المراد بالذين يستنبطون هم النبي صلى اللّه عليه و سلم و أولوا الأمر من أصحابه فههنا وضع المظهر موضع المضمر و كان المقام تعلموه و العلم هاهنا بمعنى المعرفة يقتضى مفعولا واحدا، و منهم حال من الذين و المعنى لعلم المستنبطون من النبي و اولى الأمر ما يليق بذلك الخبر او المراد بالمستنبطين هم المذيعون و منهم على هذا صلة للفعل و المعنى لعلم المذيعون الذين يستخرجون العلم من النبي صلى اللّه عليه و سلم و أصحابه ما يليق بذلك الأمر وَ لَوْ لا فَضْلُ اللّه عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَتُهُ الاضافة للعهد يعنى لولا فضل اللّه و رحمته بإرسال الرسول و إنزال الكتاب لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ بالكفر و الضلال إِلَّا قَلِيلًا (٨٣) استثناء من ضمير المخاطب- او استثناء مفرغ يعنى اتباعا قليلا يعنى لاتبعتم الشيطان الّا بعضا «١» منكم بحسن الرأى و العصمة من اللّه تعالى كزيد بن عمرو بن نفيل و ورقة بن نوفل و هذا نوع اخر من فضل اللّه او لاتبعتم الشيطان الا اتباعا قليلا فى بعض الأمور و الحاصل ان عصمتكم عن اتباع الشيطان غالبا مستفاد من الرسول و القران حيث لا يكفى عقولكم فى معرفة حسن كثير من الأشياء و قبحه فلا تستعجلوا فى اشاعة الاخبار ايضا من غير اذن منه صلى اللّه عليه و سلم روى مسلم عن عمر بن الخطاب قال لما اعتزل النبي صلى اللّه عليه و سلم نساءه دخلت المسجد فاذا الناس ينكتون بالحصا و يقولون طلّق رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم نساءه فقمت على باب المسجد فناديت بأعلى صوتى لم يطلّق رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم نساءه و نزلت هذه الاية وَ إِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ الاية فكنت انا استنبط ذلك الأمر و اللّه اعلم و لمّا ذكر اللّه سبحانه ما فعل المبطئون و ما قالوا إذا جبنوا امر اللّه سبحانه نبيه صلى اللّه عليه و سلم بالقتال و لو كان وحده و وعده بالنصر و نبه ان تقاعد عيره لا يضره و لا مؤاخذة عليه بفعل غيره فقال. (١) فى الأصل بعض. ٨٤ فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّه و ان قعدوا عن الجهاد و تركوك وحدك لا تُكَلَّفُ أنت إِلَّا نَفْسَكَ إلا فعل نفسك لا يضرك مخالفتهم و تقاعدهم «٢» قال البغوي ان النبي صلى اللّه عليه و سلم واعد أبا سفيان بعد حرب أحد موسم بدر الصغرى فى ذى القعدة فلمّا بلغ الميعاد دعا الى الخروج (٢) اخرج ابن سعد عن خالد بن معدان ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال بعثت الى النّاس كافة فان لم يستجيبوا لى قالى العرب فان لم يستجيبوا لى فالى الفرس فان لم يستجيبوا لى فالى بنى هاشم فان لم يستجيبوا لى فالىّ وحدي منه رحمه اللّه-. فكرهه بعضهم فانزل اللّه تعالى هذه الاية كذا اخرج ابن جرير عن ابن عباس «١» وَ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ على القتال إذ ما عليك الا البلاغ و التحريض عَسَى اللّه أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا اى قتالهم فخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى بدر الصغرى فى سبعين راكبا و أنجز اللّه وعده فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللّه وَ فَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ و قد مرّ القصة فى ال عمران وَ اللّه أَشَدُّ بَأْساً صولة و أعظم سلطانا وَ أَشَدُّ تَنْكِيلًا (٨٤) تعذيبا من قريش و من غيرهم فيه تهديد لمن لم يتبع الرسول خوفا من الكفار قال البغوي الفاء فى قوله تعالى فقاتل جواب عن قوله وَ مَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّه فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً ... فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّه ... وَ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ- و اللّه اعلم-. (١) اخرج ابن ابى حاتم و ابن عبد البر عن سفيان بن عيينة قال سمعت ابن شبرمة يقراها عسى اللّه ان يكف من بأس الذين كفروا قال سفيان و هى فى قرأته ابن مسعود منه. ٨٥ مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً راعى بها حق مسلم و دفع بها عنه ضررا او جلب نفعا لوجه اللّه تعالى يَكُنْ لَهُ اى للشافع نَصِيبٌ مِنْها و هو ثواب الشفاعة قال مجاهد هى شفاعة بعضهم لبعض و يؤجر الشفيع على شفاعته و ان لم يشفّع كذا روى ابن ابى حاتم «٢» و غيره عن الحسن و عن ابى موسى قال كان النبي صلى اللّه عليه و سلم إذا جاءه رجل يسئل او طلب حاجة اقبل علينا بوجهه فقال اشفعوا توجرؤا و يقضى اللّه على لسان نبيه ما شاء متفق عليه و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الدال على الخير كفاعله رواه البزار عن ابن مسعود و الطبراني عنه و عن سهل بن سعد- (فائدة) و من الشفاعة الحسنة الدعاء لمسلم عن ابى الدرداء قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا دعا الرجل لاخيه بظهر الغيب قالت الملائكة أمين و لك بمثل ذلك، و قال ابن عبّاس الشفاعة الحسنة الإصلاح بين الناس و قيل هو حسن القول فى الناس ينال به الثواب و الخير، وَ مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً الموجبة للحرمان و قال ابن عباس هى المشى بالنميمة و قيل هى الغيبة و اساءة القول فى الناس ينال به الشرّ يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ اى حظ مِنْها اى من وزرها- عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من أعان على قتل مؤمن بشرط كلمة لقى اللّه مكتوب بين عينيه آيس من رحمة اللّه رواه ابن ماجة وَ كانَ اللّه عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ مُقِيتاً (٨٥) قال ابن عباس اى مقتدرا من اقات على الشي ء إذا قذر و اشتقاقه من القوت فانه يقوّى البدن و قال مجاهد شاهدا و قال قتادة حافظا و قيل مقيتا لكل حيوان اى معطيا له قوته-. (٢) فى الأصل كذا ابن ابى حاتم. ٨٦ وَ إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ التحية مصدر حياك اللّه على الاخبار ثم استعمل للدعاء بذلك و كانت العرب تقول حياك اللّه اى أطال حياتك او نحو ذلك ثم أبدل ذلك بعد الإسلام بالسّلام و جعل اللّه تحية بيننا بالسّلام عن عمران بن حصين قال كنا فى الجاهلية نقول أنعم اللّه بك عينا و أنعم صباحا فلما كان الإسلام نهينا عن ذلك رواه ابو داود و عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم خلق اللّه آدم على صورته طوله ستون ذراعا فلمّا خلقه قال اذهب فسلّم على أولئك النفر و هم نفر من الملائكة جلوس فاسمع ما يحيونك فانها تحيتك و تحيّة ذريتك فذهب فقال السّلام عليكم فقالوا السّلام عليك و رحمة اللّه قال فزادوه و رحمة اللّه متفق عليه فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها اى ردوا مثلها على حذف المضاف، الأمر للوجوب و كلمة او للتخيير فالواجب فى جواب السّلام ردّ مثلها لانه ادنى الامرين و يستحبّ الرد بأحسن منها بزيادة الرحمة و البركة- و كلما زاد فى السّلام او فى الجواب كان اكثر ثوابا و أفضل، عن عمران بن حصين ان رجلا جاء الى النبي صلى اللّه عليه و سلم فقال السلام عليكم فرد عليه فجلس فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم عشر ثم جاء آخر فقال السلام عليكم و رحمة اللّه فرد عليه فقال عشرون ثم جاء اخر فقال السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته فرد عليه فجلس فقال ثلثون رواه الترمذي و ابو داود و عن معاذ بن انس عن النبي صلى اللّه عليه و سلم نحوه و زاد ثم اتى اخر فقال السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته و مغفرته، فقال أربعون هكذا يكون الفضائل رواه ابو داود و قيل كمال الزيادة السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته روى ان رجلا سلم على ابن عباس فقال السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته ثم زاد شيئا آخر فقال ابن عباس ان السلام انتهى الى البركة ذكره البغوي و روى احمد فى الزهد و ابن ابى حاتم و الطبراني فى الكبير و ابن مردوية من حديث سلمان الفارسي ان رجلا قال لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم السلام عليك فقال و عليك السلام و رحمة اللّه و بركاته و قال اخر السلام عليك و رحمة اللّه و بركاته فقال و عليك السلام قال الرجل نقصتنى فاين ما قال اللّه و تلا الاية فقال انك لم تترك لى فضلا فرددت عليك مثله قلت و هذا الحديث يدل على ان قوله و عليك السّلام يكفى فى جواب من قال السّلام عليك و رحمة اللّه و بركاته اما لان المماثلة فى نفس السّلام يكفى و امّا لان اللام فى و عليك السلام للعهد فتضمن فى الجواب ما كان مذكورا فى كلام البادي بالسلام من الرحمة و البركة (مسئلة) و إذا سلم على جماعة و ردّ واحد منهم يسقط عن الباقين لانه فرض كفاية كذا فى السراجية- عن على بن ابى طالب رضى اللّه عنه قال يجزى عن الجماعة إذا مروا ان يسلم أحدهم و يجزئ عن الجلوس ان يرد أحد هم ذكره البغوي فى المصابيح موقوفا و رواه البيهقي فى شعب الايمان مرفوعا و روى ابو داود و قال و رفعه الحسن بن على و هو شيخ ابى داود و امّا إذا سلّم على واحد من الجماعة بعينه فيقول يا فلان السلام عليك او عليكم فحينئذ يجب على ذلك الرجل الجواب و لا يسقط برد غيره من الجماعة و كذا لا يسقط عن الجماعة برد واحد من غيرهم، كذا فى بيان الاحكام- (مسئلة) البداية بالسّلام مسنون و هو احسن و أفضل عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا و لا تؤمنوا حتى تحابوا اولا أدلكم على شى ء إذا فعلتم تحاببتم أفشوا السلام بينكم رواه مسلم، و عن عبد اللّه بن مسعود عن النبي صلى اللّه عليه و سلم البادي بالسلام برى ء من الكبر رواه البيهقي فى شعب الايمان و عن ابى امامة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان اولى الناس باللّه من بدا بالسلام رواه احمد و الترمذي و ابو داود و عن عبد اللّه بن عمرو رضى اللّه عنهما ان الرجل سال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اىّ الإسلام خير يعنى اىّ خصال الإسلام خير قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم تطعم الطعام و تقرا السلام على من عرفت و من لم تعرف متفق عليه مسئلة- يسلم الراكب على الماشي و الماشي على القاعد و القليل على الكثير روى الشيخان فى الصحيحين هذا اللفظ من حديث ابى هريرة مرفوعا و زاد البخاري فى رواية و يسلم الصغير على الكبير مسئلة و يسلم على الغلمان و النساء لحديث انس ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مر على غلمان فسلم عليهم متفق عليه، و حديث جرير ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مر على نسوة فسلم عليهن رواه احمد و فى فتاوى الغرائب ان السّلام يكره على المرأة الشابّة و الأمر دوان سلما لا يجب الجواب قلت و هذا عند خوف الفتنة (مسئلة:) و يسلم على اهل بيته حين يدخل عن انس ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال يا بنى إذا دخلت على أهلك فسلم يكون بركة عليك و على اهل بيتك رواه الترمذي (مسئلة) و ان دخل بيتا ليس فيها أحد فليقل السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين فان الملائكة يردون عليه كذا فى الشرعة قال اللّه تعالى فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللّه مُبارَكَةً طَيِّبَةً، (مسئلة:) يسن السّلام قبل الكلام لحديث جابر مرفوعا السّلام قبل الكلام رواه الترمذي (مسئلة:) و سن ان يسلم على الأخ المسلم كلما لقيه و ان حالت بينهما شجرة او جدار جدّد السلام عليه لحديث ابى هريرة عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال إذا لقى أحدكم أخاه فليسلم عليه فان حالت بينهما شجرا و جدارا و حجر ثم لقيه فليسلم عليه رواه ابو داود (مسئلة:) و يسن السلام ايضا عند الوداع عن قتادة قال قال النبي صلى اللّه عليه و سلم إذا دخلتم بيتا فسلّموا على اهله فاذا خرجتم فاودعوا اهله بالسلام رواه البيهقي فى الشعب مرسلا و عن ابى هريرة عن النبي صلى اللّه عليه و سلم إذا انتهى أحدكم الى مجلس فليسلّم فان بدا له ان يجلس فليجلس ثم إذا قام فليسلم فليست الاولى بأحق من الاخرة رواه الترمذي و ابو داود (مسئلة:) إذا بلّغ رجل بتسليم من الغائب فليقل للمبلغ عليك و عليه السلام روى غالب عن أبيه عن جدّه قال بعثني ابى الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال اتيه فاقرأه السّلام فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عليك و على أبيك السّلام رواه ابو داود (مسئلة:) لا يجوز البداية السّلام على الكفار لقوله صلى اللّه عليه و سلم لا تبدءوا اليهود و لا النصارى بالسلام فاذا لقيتم أحدهم فى طريق فاضطروه الى أضيقه رواه مسلم عن ابى هريرة و ان كان فى القوم اختلاط «١» من المسلمين و المشركين عبدة الأوثان و اليهود يسلم عليهم رواه الشيخان من حديث اسامة بن زيد مرفوعا لكن ينوى بالسلام المسلمين منهم كيلا يلزم بداية السّلام على الكافر مسئلة: لا بأس برد السلام على اهل «٢» الذمّة لكن لا يزيد على قوله و عليك لقوله صلى اللّه عليه و سلم إذا سلم عليكم اهل الكتاب فقولوا و عليكم متفق عليه عن انس- (مسئلة:) لا يجب رد السّلام فى الصلاة و الخطبة بل لا يجوز و يبطل (١) فى الأصل اخلاط-. (٢) قال ابن عباس من سلم عليك من خلق اللّه فاردد عليه و ان كان يهوديا او نصرانيا او مجوسيا ذلك بان اللّه يقول إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ الاية رواه ابن ابى شيبة و البخاري فى الأدب المفرد و غيرهما منه رحمه اللّه. صلاته و لا يجب فى قراءة القران جهرا و رواية الحديث و مذاكرة العلم و الاذان و الاقامة و جاز جوابه فى تلك المواضع إِنَّ اللّه كانَ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ حَسِيباً (٨٦) اى محاسبا مجازيا و قال مجاهد حفيظا يعنى يحاسب اللّه تعالى على كل شى ء من حقوق العباد كالسّلام و تشميت العاطس و غير ذلك عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم للمؤمن على المؤمن ست خصال يعوده إذا مرض و يشهده إذا مات و يجيبه إذا دعاه و يسلم عليه إذا لقيه و يشمّته إذا عطس و ينصح له إذا غاب او شهد رواه النسائي و روى الترمذي و الدارمي عن على عليه السلام نحو ذلك و ذكر السادس و يحبّ له ما يحبّ لنفسه و لم يذكر و ينصح له و المال واحد و عن ابى سعيد الخدري عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال و إياكم و الجلوس بالطرقات فقالوا ما لنا من مجالسنا بد نتحدث فيها قال فاذا أبيتم الّا المجلس فاعطوا الطريق حقه قالوا و ما حق الطريق يا رسول اللّه قال غضّ البصر و كف الأذى و ردّ السلام و الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر متفق عليه و عن ابى هريرة عن النبي صلى اللّه عليه و سلم فى هذه القصّة قال و ارشاد السبيل رواه ابو داود و عن عمر رضى اللّه عنه عن النبي صلى اللّه عليه و سلم فى هذه القصّة قال و تعينوا الملهوف و تهدوا الضال رواه ابو داود (مسئلة) و من تمام التحية المصافحة و المعانقة قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم تمام تحيّاتكم بينكم المصافحة رواه احمد و الترمذي عن ابى امامة- و عن ابى ذرّ قال ما لقيت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قط إلا صافحني و بعث الىّ ذات يوم و لم أكن فى أهلي فلما جئت أخبرت فاتيته و هو على سرير فالتزمنى و كانت تلك أجود و أجود رواه ابو داود و عن الشعبي ان النبي صلى اللّه عليه و سلم تلقى جعفر بن ابى طالب فالتزمه و قبّل ما بين عينيه رواه ابو داود و البيهقي فى الشعب مرسلا و فى شرح السنة عن البياضي متصلا و كذا روى فى شرح السنة عن جعفر بن ابى طالب قال تلقانى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فاعتنقنى و عن عطاء الخراسانى ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال تصافحوا يذهب الغلّ و تهادّوا تحابوا و تذهب الشحناء رواه مالك مرسلا و عن البراء بن عازب المسلمان إذا تصافحا لم يبق بينهما ذنب إلا سقط رواه البيهقي فى شعب الايمان-. ٨٧ اللّه مبتدا لا إِلهَ إِلَّا هُوَ اما خبر مبتدا و الجملة معترضة مؤكدة لتهديد قصد بما قبلها و ما بعدها و قوله تعالى لَيَجْمَعَنَّكُمْ خبر بعد خبر عديل لقوله تعالى حسيبا او يقال اللّه مبتدا و التهليل جملة معترضة و خبر المبتدا ليجمعنكم اى و اللّه ليحشرنهم من القبور إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ اى مفضين اليه او فى يوم القيامة و القيام و القيامة كالطلاب و الطلابة و هى قيامهم للحساب لا رَيْبَ فِيهِ اى فى اليوم او فى الجمع حال من اليوم او صفة للمصدر اى جمعا وَ مَنْ أَصْدَقُ يعنى لا أحد اصدق مِنَ اللّه حَدِيثاً (٨٧) قولا هذه الجملة بمنزلة التعليل لقوله لا ريب فيه فانّ اخباره تعالى لا يحتمل تطرق الكذب اليه بوجه من الوجوه لانه نقص مستحيل على اللّه تعالى فما ثبت بقوله تعالى فهو حق لا ريب فيه قرا حمزة و الكسائي اصدق و كل صاد ساكنة بعدها دال بإشمام الزاء- اخرج البخاري و غيره عن زيد بن ثابت ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لما خرج الى أحد رجع ناس ممّن خرج معه فكان اصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فيهم فرقتين فرقة تقول نقاتلهم و فرقة تقول لا نقاتلهم فنزلت. ٨٨ فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ قوله «١» فئتين حال عاملها الظرف المستقر يعنى لكم او معنى الفعل اى ما تصنعون حال كونكم فئتين و فى المنفقين حال من فئتين اى متفرقين فيهم او من الضمير اى فما لكم تفترقون فيهم و معنى الافتراق يستفاد من فئتين و الفاء للتفريع على كونه تعالى اصدق حديثا يعنى فما لكم تختلفون فيه لم لا تفوضون الأمر الى من هو اصدق حديثا فاعتقدوا بما أخبركم و امتثلوا بما يأمركم و اخرج سعيد بن منصور و ابن ابى حاتم عن سعد بن معاذ قال خطب «٢» رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال من لى بمن يوذينى و يجمع فى بيته من يوذينى فقال سعد بن معاذ ان كان من الأوس قتلناه و ان كان من إخواننا من الخزرج امرتنا فاطعناك فقام سعد بن عبادة فقال ما بك يا ابن معاذ طاعة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و لقد عرفت ما هو منك فقام أسيد بن حضير فقال انك (١) نقل الناسخ فى الأصل على حاشيته حديثا انها طيبة إلخ و أشار ان موضعه بعد قوله تعالى فِئَتَيْنِ فنقله الناقلون هاهنا لكن السياق السياق يأتى عن ذلك و عندى ان موضع هذا الحديث بعد قول الرجال الذين خرجوا من المدينة شاكين من وبائها و حماها او بعد قول ناس من قريش و لكنا اجتوينا المدينة إلخ فلهذا الوجه نقلناه على حاشية ص ٨٣٤ ٢ بو محمد عفا اللّه عنه-. (٢) و اخرج ابن ابى حاتم عن زيد بن اسلم ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم خطب فقال كيف ترون فى الرجل يجادل بين اصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و يسئ القول لاهل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و قد برّاها اللّه ثم قرا ما انزل اللّه فى براءة عائشة فنزل القران فى ذلك فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ منه رحمه اللّه [.....]. يا ابن عبادة منافق و تحبّ المنافقين فقام محمد بن مسلمة فقال اسكتوا ايها الناس فانّ بيننا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و هو يأمرنا فننفذ امره فانزل اللّه تعالى هذه الاية و اخرج احمد عن عبد الرحمن بن عوف رضى اللّه عنه ان قوما من العرب أتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بالمدينة فاثابهم و باء المدينة و حماها فاركسوا و خرجوا من المدينة فاستقبلهم نفر من الصحابة فقالوا ما لكم رجعتم قالوا أصابنا وباء المدينة «١» فقالوا ما لكم فى رسول اللّه أسوة حسنة فقال بعضهم نافقوا و قال بعضهم لم ينافقوا فانزل اللّه تعالى هذه الاية و فى اسناده تدليس و انقطاع قال البغوي قال مجاهدهم قوم خرجوا الى المدينة و اسلموا ثم ارتدوا و استأذنوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الى مكة ليأتوا ببضائع لهم يتجرون فيها فخرجوا و أقاموا بمكة فاختلف المسلمون فيهم فقيل هم منافقون و قيل هم مؤمنون و قال بعضهم هم ناس من قريش قدموا المدينة و اسلموا ثم ندموا على ذلك فخرجوا كهيئة المتنزهين حتى تباعدوا من المدينة فكتبوا الى رسول اللّه صلى اللّه انا على الذي فارقناك عليه من الايمان و لكنا اجتوينا المدينة و اشتقنا الى ارضنا ثم انهم خرجوا فى تجارة لهم نحو الشام فبلغ ذلك المسلمين فقال بعضهم نخرج إليهم فنقتلهم و نأخذ ما معهم لانهم رغبوا عن ديننا و قالت طائفة كيف تقتلون قوما على دينكم بان لا يذروا ديارهم فنزلت و قال بعضهم هم قوم اسلموا بمكة و لم يهاجروا و كانوا يظاهرون المشركين فنزلت وَ اللّه أَرْكَسَهُمْ اى ردّهم الى الكفر اصل الركس ردّ الشي ء مقلوبا بِما كَسَبُوا اى عملوا الردة و اللحوق بدار الحرب أَ تُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللّه اى تجعلوه من المهتدين او تقولوا هؤلاء مهتدون و قد أضلّهم اللّه و فى الاية دليل على ان خالق افعال العباد هو اللّه تعالى و الكسب من العبد وَ مَنْ يُضْلِلِ اللّه فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (٨٨) طريقا الى الحقّ-. (١) فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انها طيبة و انها تتفى الخبث كما تنفى النار خبث الفضة منه رح. ٨٩ وَدُّوا تمنوا أولئك الذين رجعوا الى الكفر لَوْ يعنى ليتكم تَكْفُرُونَ بيان للوداد كَما كَفَرُوا اى كفرا ككفرهم فَتَكُونُونَ سَواءً مستوين معهم فى الضلال عطف على تكفرون و لو نصب على جواب التمني لجاز من جهة النحو لكنه لا يجوز لانه لم يرد فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ منع عن موالاتهم حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللّه معكم بعد ايمانهم صابرا محتسبا لا لغرض من اغراض الدنيا قال عكرمة الهجرة على ثلاثة أوجه هجرة المؤمنين فى اوّل الإسلام و هجرة المنافقين و هى الخروج فى سبيل اللّه مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم صابرا محتسبا و هجرة سائر المؤمنين عمّا نهى اللّه عنه فَإِنْ تَوَلَّوْا عن الايمان او عن الهجرة بعد الايمان فان الهجرة يومئذ كانت فريضة فَخُذُوهُمْ أسارى وَ اقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ كسائر الكفرة وَ لا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا كرّر النهى عن الولاية للتأكيد او يقال السابق نهى عن اتخاذهم اولياء قبل الاخذ و هذا عن موالاتهم بعد الاخذ وَ لا نَصِيراً (٨٩) و هذا دليل على عدم جواز الاستنصار بالكفار ذكر الزهري ان الأنصار استأذنوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لما رجع ابن أبيّ عن أحد فى الاستعانة بحلفائهم من يهود المدينة فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الخبيث لا حاجة لنا بهم. ٩٠ إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ استثناء من قوله فَخُذُوهُمْ وَ اقْتُلُوهُمْ فان قيل ما وجه صحة الاعتراض بين المستثنى و المستثنى منه مع انه لا مدخل له فى الاستثناء قلنا قوله تعالى لا تتخذوا ذكر تأكيدا للقتل كانه قيل فاقتلوهم و لا تتركوا قتلهم بطمع الولاية و النصرة و المعنى الّا الذين يتصلون و ينتهون إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ مِيثاقٌ قال البغوي و هم الاسلميون و ذلك ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و ادع هلال بن عويمر الأسلمي قبل خروجه الى مكة ان لا يعينه و لا يعين عليه و من وصل الى هلال من قومه و غيرهم و لجاء اليه فلهم من الجوار مثل ما لهلال كذا روى ابن ابى حاتم عن مجاهد و اخرج ابن ابى حاتم و ابن مردوية عن الحسن ان سراقة بن مالك المدلجي حدثهم قال لمّا ظهر النبي صلى اللّه عليه و سلم على اهل بدر و أحد و اسلم من حولهم قال سراقة بلغني انه يريدان يبعث خالد بن الوليد الى قومى بنى مدلج فاتيته فقلت أنشدك النعمة بلغني انك تريد ان تبعث الى قومى و انا أريد ان توادعهم فان اسلم قومك اسلموا و دخلوا فى الإسلام و ان لم يسلموا لم يخشين مغلوب قومك عليهم فاخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بيد خالد فقال اذهب معهم فافعل ما تريد فصالحهم خالد على ان لا يعينوا على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و ان أسلمت قريش اسلموا معهم و انزل اللّه إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فكان من وصل إليهم كان منهم على عهدهم و اخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس قال نزلت إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فى هلال بن عويمر الأسلمي و سراقة بن مالك المدلجي و فى بنى خزيمة بن عامر بن عبد مناف و قال الضحاك عن ابن عباس هم بنو بكر بن زيد مناة كانوا فى الصلح و الهدنة و قال مقاتل هم خزاعة أَوْ جاؤُكُمْ عطف على الصلة اى الا الذين وصلوا الى قوم او جاءوكم او الا الذين يصلون الى قوم او يجيئونكم او عطف على صفة قوم يعنى الا الذين يصلون الى قوم معاهدين او قوم كافين عن القتال و الاول اظهر لقوله فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فان ترك التعرض للاعتزال عن القتال لا للاتصال بالمعتزلين حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ حال بإضمار قد او بيان لجاءوكم و قيل صفة لمحذوف اى جاءوكم قوما حصرت اى ضاقت صدورهم أَنْ يُقاتِلُوكُمْ اى عن ان أو لأن او كراهة ان يقاتلوكم أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ يعنى ضاقت صدورهم عن قتالكم للعهد الذي بينكم و بينهم و عن قتال قومهم قريشا معكم و هم بنوا مدلج كانوا عاهدوا ان لا يقاتلوا المسلمين و عاهدوا قريشا ان لا يقاتلوهم نهى اللّه تعالى عن قتال المرتدين إذا لحقوا بالمعاهدين لان من انضمّ الى قوم معاهدين فلهم حكمهم فى حقن الدّماء لان قتالهم يستلزم قتال المعاهدين و لا يجوز ذلك وَ لَوْ شاءَ اللّه لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ بازالة الرعب عنهم فَلَقاتَلُوكُمْ و لم يكفوا عنكم، أعاد اللام تنبيها على انه جواب مستقل و يس المجموع جوابا واحدا فانّ التسليط لا يستلزم المقاتلة بل بعد التسليط يتوقف المقاتلة على مشية اللّه تعالى و فى هذه الاية اشارة الى منة اللّه تعالى على المؤمنين حيث القى الرعب فى قلوب أعدائهم فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ اى اعتزلوا قتالكم فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَ أَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ الصلح و الانقياد فَما جَعَلَ اللّه لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا (٩٠) طريقا الى الاخذ و القتل و ذلك الطريق هو اباحة دمائهم-. ٩١ سَتَجِدُونَ قوما آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ فلا تتعرضوا لهم وَ يَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ فلا يتعرضوا لهم قال الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس هم اسد و غطفان كانوا حاضرى المدينة تكلموا بالإسلام رياء و هم غير مسلمين و كان الرجل يقول له قومه بماذا أسلمت فيقول امنت بهذا القرد و بهذا العقرب و الخنفساء و إذا لقوا اصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قالوا انا على دينكم يريدون بذلك الامن من الفريقين كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ اى دعوا الى الكفر او الى قتال المسلمين أُرْكِسُوا فِيها اى قلبوا و أعيدوا فى الفتنة أقبح قلب و إعادة فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَ يُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ عطف على يعتزلوا وَ كذا قوله يَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ اى ان لم يعتزلوا قتالكم و لم ينقادوا لكم بطلب الصلح و لم يكفوا أيديهم عن الشر فَخُذُوهُمْ أسارى وَ اقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ اى حيث مكنتم منهم و ظفرتم بهم وَ أُولئِكُمْ اى اهل هذه الصفة جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطاناً مُبِيناً (٩١) اى حجة ظاهرة اذنا بالقتل و القتال لظهور عداوتهم و انكشاف حالهم فى الكفر و الغدر و الإضرار بالمسلمين- و اللّه اعلم قال البغوي ان عياش بن ربيعة المخزومي انى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بمكة قبل الهجرة فاسلم ثم خاف ان يظهر إسلامه لاهله فخرج هاربا الى المدينة و تحصن فى أطم من اطامها فجزعت امه لذلك جزعا شديدا و قالت لا بنيها الحارث و ابى جهل ابني هشام و هما أخواه لامه و اللّه لا يظلنى سقف و لا أذوق طعاما و لا شرابا حتى تأتونى به فخرجا فى طلبه و خرج معهما الحارث بن زيد بن ابى انيسة حتى أتوا المدينة فاتوا عياشا و هو فى الأطم و قالا له انزل فان امّك لم يؤويها سقف بيت بعدك و قد خلفت ان لا تأكل طعاما و لا شرابا حتى ترجع إليها و لك اللّه علينا لانكرهك على شى ء و لا نحول بينك و بين دينك فلما ذكروا له جزع امّه و أوثقوا باللّه نزل إليهم و أخرجوه من المدينة ثم أوثقوه «١» بنسعة فجلده كل واحد منهم مائة جلدة ثم قدموا به على امه فلما أتاها قالت و اللّه لا أخليك من وثاقك حتى تكفر بالذي امنت به ثم تركوه موثقا مطروحا فى الشمس ما شاء اللّه فاعطاهم الذي أرادوا فاتاه الحارث بن زيد فقال يا عياش ا هذا الذي كنت عليه فو اللّه لان كان هدى لقد تركت الهدى و لئن كان ضلالة لقد كنت عليها فغضب عياش من مقالته فقال و اللّه لا ألقاك خاليا ابدا الّا قتلتك ثم انّ عيّاشا اسلم بعد ذلك و هاجر ثم اسلم الحارث بن زيد بعده و هاجر الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و ليس عياش حاضرا يومئذ و لم يشعر بإسلامه فبينا عيّاش يسير بظهر قبا إذ لقى الحارث فقتله فقال الناس ويحك اى شى ء صنعت انه قد اسلم فرجع عياش الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و قال يا رسول اللّه قد كان من امرى و امر الحارث ما قد علمت و انى لم أشعر بإسلامه حتى قتلته و اخرج ابن جرير عن عكرمة قال كان الحارث بن زيد بن عامر بن لوى يعذب عياش بن ابى ربيعة مع ابى جهل ثم خرج الحارث مهاجرا الى النبي صلى اللّه عليه و سلم فلقيه عياش بالحرة فقتله بالسيف و هو يحسب انه كافر ثم جاء الى النبي صلى اللّه عليه و سلم فأخبره فنزلت. (١) النسعة بالكسر سير مضفور يجعل زماما للبعير و غيره و قد ينسج عريضة على صدر البعير- نهاية يعنى نوادر منه رحمه اللّه. ٩٢ وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً الاية و اخرج نحوه عن مجاهد و السدى و اخرج ابن إسحاق و ابو يعلى و الحارث بن ابى اسامة و ابو مسلم الكحى عن القاسم بن محمد نحوه و اخرج ابن ابى حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس نحوه و معنى الاية ما كان لمؤمن من حيث انه مؤمن اى ما وقع له و لا يقع عنه و لا يوجد و لا يحصل على يديه ان يقتل مؤمنا بغير حق فان ذلك من أعظم محظورات دينه و إيمانه مانع عنه فهو اخبار بعدم صدور قتل المؤمن من المؤمن و المقصود منه المبالغة كانه نزل ايمان من قتل مؤمنا متعمدا لكمال نقصانه منزلة العدم و هو المعنى من قوله صلى اللّه عليه و سلم لا يقتل حين يقتل و هو مؤمن رواه البخاري عن ابن عباس مرفوعا و فى الصحاح ان الشي ء إذا كان وصفا لازما لشى ء قليل الانفكاك عنه يستعمل هناك كان كما فى قوله تعالى كانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً ...، كانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً قلت فعلى هذا إذا كان الشي ء منفكا عنه غالبا نادر الحصول او عديم الحصول يستعمل هناك ما كان كما فى قوله تعالى وَ ما كانَ اللّه لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ مع ان اللّه تعالى عذبهم يوم أحد بالقتل و الهزيمة حين اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا من مخالفة امر النبي صلى اللّه عليه و سلم و قيل هو نفى و معناه النهى كما فى قوله تعالى ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللّه وَ لا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِلَّا خَطَأً منصوب على الحالية او العلية او المصدرية يعنى كائنا على اىّ حال الا خاطئا او لاجل شى ء الا للخطأ او قتلا الا قتلا خطأ فالاستثناء مفرغ و جاز ان يكون استثناء من قوله لمؤمن، لا يقال المختار حينئذ الجرّ مع ان القراء اتفقوا على النصب لان المختار مع الفصل الكثير بين المستثنى و المستثنى منه النصب على الاستثناء صرح به الشهيد و وافقه الرضى و جاز ان يكون الاستثناء منقطعا لان قوله ان يقتل يدل على قتل العمد كما هو شأن الافعال الاختيارية فقتل الخطأ غير داخل فيما سبق و المعنى لكن ان قتله خطأ فجزاؤه كذلك وَ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً اعلم ان القتل نوعان قتل عمد و قتل خطأ و قد ذكرنا تفسير العمد على اختلاف الأقوال و حكمه من القصاص و وجوب المال و كيفية القصاص فى سورة البقرة فى تفسير قوله تعالى كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ، بقي الكلام هناك فى انه هل تجب الكفارة فى قتل العمد أم لا فقال ابو حنيفة و مالك لا تجب و قال الشافعي تجب و عن احمد روايتان كالمذهبين قال الشافعي وجبت الكفارة فى القتل خطأ بهذه الاية فتجب بالقتل عمدا بالطريق الاولى و عن واثلة بن الأسقع قال اتينا النبي صلى اللّه عليه و سلم فى صاحب لنا قد استوجب النار بالقتل فقال أعتقوا عنه رقبة يعتق لكل عضو منه عضوا منه من النار كذا ذكره الرافعي قلنا الحديث رواه احمد و ابو داود و النسائي و ابن حبان و الحاكم و لفظهم قد استوجب فقط و لم يقولوا النار بالقتل فلا حجة فيه و دلالة النصّ ممنوع لان القتل عمدا كبيرة محضة لا يمكن الطهارة عنه بالكفارة و لو كان كذلك لا نفتح باب القتل عمدا بخلاف الخطأ فانه دائر بين العصيان بترك الحزم و إتيان المباح فيمكن الطهارة منه بامر دائر بين العبادة و العقوبة و هذا هو الفرق بين اليمين الغموس و المنعقدة فى وجوب الكفارة فى الثاني دون الاول عندنا «١» و امّا القتل خطأ فعلى اقسام أحدها شبيه العمد و اختلفوا فى تفسيره فقال ابو حنيفة هو القتل عمدا بما ليس موضوعا للقتل و قال ابو يوسف و محمد هو القتل عمدا بما يلبث غالبا و قال الشافعي هو ضربه عمدا ضربا لا يموت به غالبا فمات فمن ضرب سوطا او سوطين عمدا فمات فهو شبيه العمد بالاتفاق و من ضرب بسوط صغير و والى حتى مات فهو عمد عند الشافعي و شبيه بالعمد عند ابى حنيفة و صاحبيه و من ضرب بحجر عظيم او خشبة عظيمة لا تلبث غالبا فهو عمد عند الكل و شبيه بالعمد عند ابى حنيفة قال ابو حنيفة لا قصاص و لو رماه بابا قبيس و ما هو شبيه بالعمد فى النفس فهو عمد فيما دون (١) و لنا ايضا على عدم الكفارة فى القتل عمدا و اليمين الغموس ما رواه ابن ابى شبية و البخاري و مسلم و الترمذي و النسائي و ابن ماجة عن ابن مسعود قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من لقى اللّه لا يشرك به شيئا وادي ركوة ماله طيبة نفسه محتسبا و سمع و أطاع فله الجنة و خمس ليس لهن كفارة قتل النفس بغير حق و بهت مؤمن و الفرار من الزحف و يمين صابرة يقطع بها ما لا بغير حق منه رحمه اللّه. النفس اجماعا احتج ابو حنيفة بقوله صلى اللّه عليه و سلم الا ان قتل الخطأ شبه العمد قتل السوط و العصا و سيأتى وجه الاحتجاج ان السوط و العصا يعم الصغير و الكبير قال الجمهور العصا لا يطلق الا على الصغير عرفا و اللّه اعلم، و ثانى انواع الخطأ ما اخطأ فى القصد و هو ان يرمى شخصا يظنه صيدا فاذا هو آدمي او حربيّا فاذا هو مسلم و ثالثها ما اخطأ فى الفعل و هو ان يرمى غرضا فاصاب مؤمنا، رابعها ما اجرى مجرى الخطأ مثل النّائم ينقلب على رجل مؤمن فقتله خامسها القتل بالتسبيب كحافر بئر و واضع حجر فى غير ملكه و حكم جميع الاقسام المذكورة وجوب الدية على العاقلة اجماعا لانه قتل لم يجب فيه القصاص فوجب الدية تحرّزا عن اهدار دم معصوم و ايضا حكم جميعها وجوب الكفارة على القاتل و حرمانه عن الإرث اجماعا الا عند ابى حنيفة فى القتل بالتّسبيب لانه ليس بقتل حقيقة لانه تصرف فى الجثة و لم يوجد و انما وجد التصرف فى محل اخر و وجه قول الجمهور ان الشرع أنزله قاتلا حتى وجبت الدية اجماعا فعموم قوله تعالى وَ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ يقتضى وجوب الكفارة ايضا كيف و مقتضى الاية ان الدية قد يجب فى القتل و قد لا يجب بخلاف الكفارة فانه يجب لا محالة و ايضا الكفارة لدفع الإثم فالقول بوجوب الكفارة على النائم إذا انقلب على رجل فقتله مع انه صلى اللّه عليه و سلم قال رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى استيقظ الحديث و عدم وجوبها على من حفر بيرا فى غير ملكه ظلما حتى مات بالوقوع فيه مؤمن غير مرضى (مسئلة:) و فى رواية عن ابى حنيفة لا يجب الكفارة فى الشبيه بالعمد ذكر فى الكفاية شرح الهداية انه قال الجرجاني وحدت رواية عن أصحابنا ان الكفارة لا يجب فى شبه العمد، قلت و هذا هو الأظهر لان القصاص انما سقط هناك بشبهة من جهة الآلة و اما المعصية فكمالها انما يبتنى على القصد فى قتل المؤمن فاذا كان بالقصد فهو كبيرة محضة بل أقبح من القتل بالسّيف الا ترى انه لا يجوز قتل من وجب قتله بالقصاص الا بالسّيف قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان اللّه كتب الإحسان على كل شى ء فاذا قتلتم فاحسنوا القتلة و إذا ذبحتم فاحسنوا الذبحة و ليحد شفرته و ليرح ذبيحته رواه احمد و مسلم و اصحاب السنن الاربعة من حديث شدّاد بن أوس و قوله تحرير رقبة خبر مبتدا محذوف تقديره فجزاؤه تحرير رقبة واجب على القاتل و التحرير الاعتاق و الحر العتيق الكريم من الشي ء، قال فى القاموس الحر خيار كل شى ء سمى به لان الكرم و الخير فى الأحرار و الرقبة عبر بها عن النسمة كما عبر عنها بالرأس و تحرير الرقبة يقتضى ان يكون كاملا فى الرقبة فلا يجوز اعتاق أم الولد حيث استحقت العتق و لا يجوز بيعها قال عليه السلام أعتقها ولدها و كذا لا يجوز اعتاق المدبّر عند ابى حنيفة و يجوز عند الشافعي حيث لا يجوز بيعه عند ابى حنيفة و يجوز عند الشافعي و يجوز اعتاق المكاتب ما لم يؤد شيئا عند ابى حنيفة لان الكتابة يحتمل الفسخ برضائهما و لا يجوز عند الشافعي كما لا يجوز عتق من ادى بعض مكاتبته اتفاقا و لا يجوز اعتاق المجنون و الأعمى و الأخرس و الاصمّ الذي لا يسمع أصلا و مقطوع اليدين او الرجلين او يد و رجل من جانب واحد لان فائت جنس المنفعة كالهالكة معنى و يجوز اعتاق مقطوع أحد اليدين واحد الرجلين من خلاف و الأعور و الأعمش و الأبرص و الارمد لانه ناقص المنفعة لا فائدة به و يجوز اعتاق العنين و الحصى و المجبوب لان منفعة النسل زائد على ما يطلب من المماليك و كذا يجوز اعتاق الامة الرتقاء و القرناء لبقاء منفعة الاستخدام (مسئلة:) يشترط لوجوب الكفارة ان يكون القاتل عاقلا بالغا مسلما لانها عبادة فيشترط لها ما يشترط لسائر العبادات و قال الشافعي لا يشترط شيئا من ذلك قياسا على ضمان الأموال كالدية قلنا هذا قياس مع الفارق (مسئلة:) يشترط للكفارة عند الشافعي رحمه اللّه الاعتاق باختياره فلو اشترى أباه بنية الكفارة لا يجوز عنده و عند ابى حنيفة يشترط اقتران النية بسبب اختياري موجب للعتق فيجوز عنده إذا نوى الكفارة عند شراء قريبه و كذا إذا وهب له او اوصى له و نوى و لو ورث أباه او ابنه و نوى الكفارة عند ذلك لا يجوز اجماعا مُؤْمِنَةٍ اجمعوا على اشتراط الايمان فى كفّارة القتل بناء على هذا النصّ دون كفارة اليمين و الظهار و الصوم لكن يكفى ان يكون محكوما بإسلامها فلو أعتق صغيرا أحد أبويه مسلم جاز و روى ابن المنذر و ابن جرير و ابن ابى حاتم عن ابن عباس قال يعنى بالمؤمنة من قد عقل الايمان و صام و صلى و كل رقبة فى القران لم تسم مؤمنة؟؟؟ يجوز المولود فما فوقه ممن ليس له امانة، كذا اخرج عبد الرزاق عن قتادة و قال فى حرف أبيّ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ لا يجزى فيها صبىّ- وَ دِيَةٌ عطف على تحرير رقبة يعنى جزاؤه دية قال فى القاموس الدية بالكسر حق القتيل و هى مجملة فى المقدار و من يجب عليه بيّنه النبي صلى اللّه عليه و سلم (مسئلة:) يجب الدية على العاقلة و القاتل كاحدهم عند ابى حنيفة و عند الشافعي لا يجب على القاتل شى ء منها و هذا يعنى وجوب الدية على العاقلة و ان كان غير ظاهر الاستنباط من القران لكنه ثبت بالسنة المشهورة و الإجماع عن ابى هريرة قال اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الاخرى بحجر فقتلتها و ما فى بطنها فقضى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان دية جنينها غرة عبدا و وليدة و قضى بدية المرأة على عاقلتها و فى لفظ جعل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم دية المقتولة على عصبة القاتلة و غرة لما فى بطنها و أحاديث الآحاد بمصاعدة الإجماع يقوى قوة الكتاب روى البيهقي من طريق الشافعي انه قال وجدنا عامّا فى اهل العلم ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قضى فى جناية الحر المسلم على الحرّ خطأ مائة من الإبل على عاقلة الجاني و عامّا فيهم ايضا انها فى ثلاث سنين فى كل سنة ثلثها، و روى البيهقي من طريق ابن لهيعة عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيّب قال من السنة ان تنجم الدية فى ثلاث سنين و ممّا حكى عن الشافعي يستفاد الإجماع كذا نقل الترمذي فى جامعه و ابن المنذر و روى ابن ابى شيبة و عبد الرزاق و البيهقي من طريق الشعبي عن عمر و هو منقطع ان عمر بن الخطاب جعل الدية الكاملة فى ثلاث سنين و جعل نصف الدية فى سنتين و ما دون النصف فى سنة، و كذا روى البيهقي ايضا عن على من رواية يزيد بن ابى حبيب و هو منقطع و فيه ابن لهيعة- (مسئلة) لا يجب على العاقلة ما يجب من المال فى قتل العمد بالصلح او بعفو بعض الورثة او غير ذلك بل فى مال القاتل و ايضا لا يجب على العاقلة ما ثبت بإقرار القاتل و لا فى قتل العبد سواء كان العبد قاتلا او مقتولا و كل ذلك فى مال الجاني روى الدار قطنى و الطبراني فى مسند الشاميين من حديث عبادة «١» بن الصّامت ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال لا تجعلوا على العاقلة من دية المعترف شيئا و اسناده واه فيه محمد بن سعيد كذاب و الحارث بن نبهان منكر الحديث و روى الدارقطني و البيهقي عن عمر موقوفا العبد و العمد و الصلح و الاعتراف لا يعقله العاقلة و هو منقطع و فى اسناده عبد الملك بن حسين ضعيف قال البيهقي و (١) فى الأصل عبادة الصامت-. المحفوظ عن عامر عن الشعبي من قوله و روى البيهقي عن ابن عباس لا يحمل العاقلة عمدا و لا صلحا و لا اعترافا و لا ما جنى المملوك و فى المؤطا عن الزهري مضت السنة ان العاقلة لا يحمل شيئا من ذلك و روى البيهقي عن ابى الزناد عن الفقهاء من اهل المدينة نحوه، (مسئلة:) العاقلة قبيلته و عصباته عند الشافعي و عند ابى حنيفة اهل ديوانه فان لم يكن من اهل الديوان فقبيلته و يضم الأقرب فالاقرب و للمعتق عاقلة المعتق و لمولى الموالاة مولاه و عاقلة مولاه (مسئلة) لا يزاد على رجل واحد من العاقلة على اربعة دراهم فى كل سنة عند ابى حنيفة و فى رواية عنه فى ثلاث سنين على اربعة دراهم و قال الشافعي على نصف دينار (مسئلة:) و من لا عاقلة له فدية مقتوله فى بيت المال، (فصل) فى مقدار الدية (مسئلة): اجمعوا على ان فى شبيه العمد دية مغلظة و هو الواجب فى العمد إذا سقط القصاص بعارض قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عقل شبه العمد مغلّظا مثل قتل العمد و لا يقتل صاحبه و ذلك ان ينزو الشيطان بين الناس فيكون رميا فى عميا فى غير فتنة و لا سلاح رواه احمد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، و فى غيرها من انواع الخطاء دية مخففة و لا تغليظ الا فى الإبل توقيفا و الدية المغلظة عند ابى حنيفة و ابى يوسف مائة من الإبل ارباعا خمس و عشرون بنت مخاض و كذا بنت لبون و كذا حقة و كذا جزعة و عند محمد و الشافعي و غيرهما ثلاثون جذعة و ثلاثون حقة و أربعون ثنية كلها خلفات فى بطونها أولادها احتج الشافعي و من معه بحديث عبد اللّه بن عمرو ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال الا انّ دية قتل شبه العمد قتل السّوط و العصا فيه مائة منها أربعون فى بطونها أولادها رواه احمد و ابو داؤد و النسائي و صحّحه ابن حبّان و روى الترمذي و ابن ماجة من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه عبد اللّه بن عمرو من قتل متعمدا سلّم الى اولياء المقتول فان أحبوا قتلوا و ان احبّوا أخذوا العقل ثلاثين حقة و ثلاثين جذعة و أربعين «١» خلفة فى بطونها أولادها و عن عبادة بن الصّامت الا ان فى الدية العظمى مائة من الإبل منها أربعون خلفة فى بطونها أولادها رواه الدارقطني و البيهقي و فى اسناده انقطاع قال ابو حنيفة قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى نفس المؤمن مائة من الإبل و كون الناقة ذات حمل فى بطنها ولدها لا يعلم يقينا و لو علمت فالحمل حيوان من وجه و له عرضة الانفصال ففى إيجاب الخلفات الحاملات إيجاب للزيادة على ما قدره الشرع يعنى المائة (١) فى الأصل أربعون. و هذا استدلال فى مقابلة النصّ و الظاهر ان المراد بكونها فى بطنها ولدها صلاحها لذلك و اللّه اعلم (مسئلة:) و الدية المخففة من الإبل أخماس فعند ابى حنيفة و احمد عشرون جذعة و عشرون حقة و عشرون بنت لبون و عشرون بنت مخاض و عشرون ابن مخاض و عند مالك و الشافعي كذلك لكن ابن لبون مكان ابن مخاض، و الحجة لابى حنيفة و احمد ما روى احمد و اصحاب السّنن و البزار و الدارقطني و البيهقي من حديث حجاج بن ارطاة عن زيد بن جبير عن حشف بن مالك عن ابن مسعود قال قضى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى دية الخطأ عشرون بنت مخاض و عشرون ابن مخاض ذكور و عشرون بنت لبون و عشرون حقة و عشرون جذعة و احتج مالك و الشافعي بما رواه الدارقطني عن ابى عبيدة ان أباه يعنى ابن مسعود قال دية الخطأ أخماس عشرون حقة و عشرون جذعة و عشرون بنات مخاض و عشرون بنات لبون و عشرون أبناء لبون ذكور قال الدارقطني هذا اسناد حسن و رواته ثقات و امّا حديث حشف بن مالك فضعيف غير ثابت عند اهل المعرفة بوجوه أحدها انه مخالف لما رواه ابو عبيدة عن أبيه بالسند الصحيح و ابو عبيدة اعلم بحديث أبيه و مذهبه من حشف بن مالك و ابن مسعود اتقى لربّه و أشحّ على دينه من ان يروى عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انه قضى يقضاء و يفتى بخلافه قال و حشف رجل مجهول لم ير و عنه الّا زيد بن جبير ثم لا يعلم أحد رواه عن زيد غير الحجاج بن ارطاة و هو رجل مدلس ثم قد رواه عن الحجاج أقوام فاختلفوا عنه، و قال ابن الجوزي يعارض قول الدارقطني هذا ان أبا عبيدة لم يسمع من أبيه فكيف جاز له ان يسكت عن ذكر هذا و كيف يقال عن الثقة مجهول و اشتراط المحدثين ان يروى عنه اثنان لا وجه له و قال الحافظ ابن حجر تعقب البيهقي الدارقطني و قال و هم الدارقطني فيه و الجواد قد يغتر قال و قد رايته فى جامع سفيان الثوري عن منصور عن ابراهيم عن عبد اللّه، و عن ابى اسحق عن علقمة عن عبد اللّه، و عن عبد الرحمن بن يزيد بن هارون عن سليمان التيمي عن ابى مجلد عن ابى عبيدة عن عبد اللّه و عند الجميع بنى مخاض و اللّه اعلم، (مسئلة) و الدية من الذهب الف دينار و من الورق اثنا عشر الف درهم عند احمد و قال ابو حنيفة عشرة آلاف درهم و قال الشافعي الأصل الإبل فان عدمت فعلى قولين أحدهما يعدل الى الف دينار او اثنى عشر الف درهم و الثاني الى قيمتها حين القبض زائدة و ناقصة و الدية من الذهب الف دينار يثبت من حديث ابى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم و سنذكره و فى المدية من الورق حديث ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه و سلم انه جعل الدية اثنى عشر الفا رواه اصحاب السّنن من حديث عكرمة و اختلف فيه على عمرو بن دينار فقال محمد بن مسلمة الطائفي عنه عن عكرمة عن ابن عبّاس عن النبي صلى اللّه عليه و سلم و قال سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة مرسلا كذا رواه عبد الرزاق فى مصنفه قال ابن ابى حاتم عن أبيه المرسل أصح قال ابن حزم هكذا رواه مشاهير اصحاب ابن عينية و وجه قول ابى حنيفة ان الدراهم كان على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم وزن ستة و هى الان من زمن عمر وزن سبعة فاثنا عشر الفا على وزن ستة تقارب عشرة آلاف وزن سبعة و وجه قول الشافعي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه ان النبي صلى اللّه عليه و سلم كان يقوّم على اهل القرى فاذا غلت رفع فى قيمتها و إذا اهانت نقص من قيمتها رواه الشافعي عن مسلم عن ابن جريج عنه و رواه ابو داود و النسائي من حديث محمد بن راشد عن سليمان بن موسى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه- (مسئلة) لا يثبت الدية الا من هذه الأنواع الثلاثة عند الجمهور و قال ابو يوسف و محمد و احمد منها و من البقر مائتا بقرة و من الغنم ألفا شاة و من الحلل مائتا حلة كل حلة ثوبان لحديث عطاء عن جابر بن عبد اللّه قال فرض رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى الدية على اهل الإبل مائة من الإبل و على اهل البقرة مائتى بقرة و على اهل الشاة الفى شاة و على اهل الحلل مائتى حلية رواه ابو داود و ابن الجوزي من طريقه و سكت عن الطعن فيه و رواه ابو داود فى المراسيل عن عطاء قضى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم هكذا- (مسئلة:) دية ما دون النفس عامتها مذكور فى حديث ابى بكر بن محمد ابن عمرو بن حزم عن أبيه عن جدّه ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كتب الى اهل اليمن و كان فى كتابه ان من اعتبط «١» مؤمنا قتلا فانه قوديده الا ان يرضى اولياء المقتول و فيه ان الرجل يقتل بالمرأة و فيه فى النفس الدية مائة من الإبل و على اهل الذهب الف دينار و فى الالف إذا اوعب جذعة الدية مائة من الإبل و فى الأسنان الدية و فى الشفتين الدية و فى البيضتين الدية و فى الذكر الدية و فى الصلب الدية و فى العينين الدية و فى اليدين مائة من الإبل و فى اليد خمسون و فى الرجلين الدية و فى الرجل الواحد نصف الدية و فى المامومة ثلث الدية و فى الجائفة ثلث الدية و فى المنقلة خمس عشرة من الإبل و فى كل إصبع من أصابع اليد و الرجل عشر من الإبل و فى السنّ خمس من الإبل رواه النسائي و الدارمي و فى رواية مالك فى العين خمسون و فى الموضحة خمس اختلف اهل الحديث فى صحة هذا الحديث قال ابو دلود فى المراسيل قد أسند هذا الحديث و لا يصح و صححه الحاكم و ابن حبان و البيهقي و نقل عن احمد انه قال أرجو أن (١) اعتبط اى قتله بلا جناية منه و لا جريمة توجب قتله و كل من مات بغير علة فقد اعتبط و مات فلان عبطة اى شابا ضحيحا و عبطت الناقة ذبحت من غير مرض، نهاية منه رحمه اللّه. يكون صحيحا و قد صحح الحديث بالكتاب المذكور جماعة من الائمة لا من حيث الاسناد بل من حيث الشهرة فقال الشافعي فى رسالته لم يقبلوا هذا الحديث حتى ثبت عندهم انه كتاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و قال ابن عبد البر هذا كتاب مشهور عند اهل السير معروف ما فيه عند اهل العلم معرفة يستغنى بشهرتها عن الاسناد لانه أشبه التواتر فى مجيئه لتلقى الناس له بالقبول و المعرفة و قال الحاكم قد شهد عمر بن عبد العزيز و امام عصره الزهري بالصّحة لهذا الكتاب ثم ساق ذلك بسنده إليهما و اخرج عبد الرزاق بسنده عن سعيد بن المسيّب قضى ابو بكر فى الجائفة إذا أنفذت فى الجوف بثلثي الدية، كذا روى ابن ابى شيبة و روى الدارقطني موقوفا عن زيد بن ثابت فى الهاشمة عشر من الإبل و كذا اخرج عنه عبد الرزاق و البيهقي و روى مرفوعا و لا يصح و روى ابن ابى شيبة و البيهقي عن ابن ابى إسحاق عن مكحول ان النبي صلى اللّه عليه و سلم جعل فى الموضحة خمسا من الإبل و لم يوقت فيما دون ذلك شيئا و روى عبد الرزاق عن شيخ له عن الحسن ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لم يقض فيما دون الموضحة بشى ء و رواه البيهقي عن ابن شهاب و ربيعة و ابى الزناد و إسحاق بن ابى طلحة مرسلا و جعل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أصابع اليد و الرجل سواء و قال الأسنان سواء الثنية و الضرس سواء و هذه و هذه سواء رواه ابو داود و البزار بتمامه و ابن ماجة مختصرا و ابن حبان و فى صحيح البخاري بلفظ هذه و هذه سواء يعنى الخنصر و الإبهام و لابى داود و النسائي و ابن ماجة من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه بلفظ الأصابع و الأسنان سواء فى كل إصبع عشر من الإبل و فى كل سنّ خمس من الإبل و روى ابن ابى شيبة عن ابى خالد عن عوف سمعت شيخا فى زمن الحجاج و هو ابو المهلّب عمّ ابى قال رمى رجل رجلا بحجر فى رأسه فى زمن عمر فذهب سمعه و عقله و لسانه و ذكره فلم يقرب النساء فقضى فيه عمر بأربع ديات و هو حىّ (مسئلة) دية المرأة على النصف من دية الرجل نفسا و جرحا و قال الشافعي ما دون الثلث لا ينصف ثم رجع الشافعي عن هذا القول الى قول الجمهور و روى الشافعي عن محمد بن الحسن عن ابى حنيفة عن حماد عن ابراهيم عن عليّ قال عقل المرأة على النصف من عقل الرجل فى النفس و ما دونها و روى سعيد بن منصور عن زكريا و غيره عن الشعبي ان عليا كان يقول جراحات النساء على النصف من دية الرجل فيما قل و كثر و روى البغوي عن على بن الجعد عن شعبة عن الحكم عن الشعبي عن زيد بن ثابت قال جراحات الرجال و النساء سواء الى الثلث فما زاد فعلى النصف و قال ابن مسعود الا السن و الموضحة فانهما سواء و قال علىّ على النصف و روى سعيد بن منصور عن هشيم عن مغيرة عن ابراهيم عن عمر انّ الخنصر و الإبهام سواء و ان جراح الرجال و النساء سواء فى الأسنان و الموضحة و ما خلى ذلك فعلى النصف كذا روى البيهقي عن سفيان عن جابر عن الشعبي عن شريح قال كتب الىّ عمر فذكر نحوه و روى النسائي من رواية إسماعيل بن عباس عن ابن جريح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه عقل المرأة كعقل الرجل الى ثلث الدية فاختار مالك قول زيد بن ثابت و عمرو ابن مسعود و من معهم و قال الشافعي كان مالك يذكر انه السنة و كنت أتابعه عليه و فى نفسى منه شى ء ثم ظهر انه، يريد انه سنة اهل المدينة فرجعت عنه و كان قول على أعجبها الى الشعبي و اختاره الجمهور لان حال المرأة انقص من حال الرجل و منفعتها اقل و قد ظهر اثر النقصان فى التنصيف فى النفس اجماعا فكذا فى أطرافها و اجزائها اعتبارا بها و بالثلث و ما فوقه (مسئلة) دية العبد قيمته و دية الامة قيمتها بالغا ما بلغ عند الشافعي و ابى يوسف و كذا عند ابى حنيفة و محمد غير انهما قالا إذا كان قيمة العبد عشرة آلاف او اكثر و الامة خمسة آلاف او اكثر ينقص من كل واحد منهما عشرة دراهم و جراح العبد من قيمته كجراح الحر من ديته، روى البيهقي عن عمر و علىّ انهما قالا فى الحر يقتل العبد عليه ثمنه بالغا ما بلغ و روى عبد الرزاق ان عمر جعل فى العبد ثمنه كعقل الحرّ فى ديته و فيه انقطاع و روى ابن ابى شيبة عن على و اخرج الشافعي بسند صحيح الى الزهري جراح العبد من قيمته كجراح الحرّ من ديته وجه قول ابى حنيفة انه تعالى قال وَ دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ يعم الحرّ و العبد و لذا تجب الكفارة بقتل العبد فما وجب بقتل العبد خطأ انما هودية و ضمان نفسه من حيث الآدمية فلا يجوز ان يكون زائدا او مساويا لدية الحرّ بل يجب ان يكون ناقصا عنه الا ترى ان دية الحرة مع كمال آدميتها ينقص من دية الحرّ فدية العبد و هو آدمي من وجه و مال من وجه اولى ان ينقص و لو غصب عبدا قيمته عشرون الفا و هلك فى يده يجب قيمته بالغا ما بلغت بالإجماع لان ضمان الغصب بمقابلة المالية لا غير- (مسئلة:) إذا جنى العبد جناية خطأ قيل لمولاه امّا ان تدفعه بها او تفديه و قال الشافعي جنايته فى رقبته يباع فيها الا ان يقضى المولى الأرش و فائدة الاختلاف فى اتباع الجاني بعد العتق او المولى قال الشافعي انما يطالب العبد بعد العتق دون المولى و قال ابو حنيفة ان اعتقه بعد العلم بالجناية كان المولى مختارا للفداء و ان أعتق قبل العلم بالجناية يجب على المولى الأقل من الأرش و القيمة و اللّه اعلم- مُسَلَّمَةٌ مؤداة إِلى أَهْلِهِ اى اهل المقتول يعنى ورثة يصرفونها مصارف تركته فى تجهيزه و ما بقي فى أداء ديونه ثم ما بقي فى إنفاذ وصاياه من الثلث و ما زادان شاءوا و ما بقي يقسم بين الورثة كسائر المواريث إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا يعنى ان يعفوا الى الورثة او المقتول بعد الجرح قبل ان يموت سمى اللّه سبحانه العفو صدقة للحثّ عليه و التنبيه على فضله قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كل معروف صدقة رواه البخاري من حديث جابر و مسلم من حديث حذيفة و ايضا فيه حث على ادائه لمن يستنكف عن قبول الصّدقة فانها من أوساخ الأموال استثناء مفرغ متعلق بمحذوف اى واجبة على عاقلته او بمسلّمة و هو فى محل النصب على انه حال من العاقلة او الأهل او على انه ظرف زمان يعنى واجبة على العاقلة كائنين على اىّ حال كانوا الا حال تصدّق ورثة القاتل عليهم او مسلمة الى اهله كائنين على اى حال الا حال تصدّقهم على العاقلة او مسلمة فى كل زمان الأزمان تصدقهم على العاقلة فَإِنْ كانَ القتيل مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ يعنى الكفار و العدو يطلق على الواحد و الجمع وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ اى فجزاؤه تحرير رقبة مؤمنة فقط دون الدية قالوا معناه إذا كان الرجل المسلم فى دار الحرب لم يهاجر إلينا بعد إسلامه او هاجر ثم رجع الى دار الحرب مسلما فقتله مسلم خطأ تجب الكفارة بقتله للعصمة المؤثمة بالإسلام و لا يجب الدية لان العصمة المقومة بالدار و لم يوجد و لان العاقلة انما تعقل لتركهم النصرة و لا نصرة لهم فى دار الحرب اخرج ابن المنذر عن جرير بن عبد اللّه البجلي انّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال من اقام مع المشركين فقد برئت منه الذمّة و قيل المراد منه إذا كان المقتول مسلما فى دار الإسلام و هو من نسب قوم كفار و قرابته فى دار الحرب حرب للمسلمين كما كان الحارث ابن زيد فالواجب فيه تحرير رقبة مؤمنة فقط و ليس فيه دية لانه ليس بين قومه و بين المسلمين عهد فلا سبيل لهم للوجوب على المسلمين و لانه لا وراثة بين المسلم و الكفار و الاوّل أصح لان المقتول إذا لم يكن له وارث فديته يوضع فى بيت المال و عموم الآية يرجّح الأخير وَ إِنْ كانَ «١» القتيل مِنْ قَوْمٍ كفّار بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ مِيثاقٌ من المعاهدين و اهل الذمة فَدِيَةٌ يعنى فجزاؤه دية واجبة على عاقلة القاتل مُسَلَّمَةٌ مؤداة إِلى أَهْلِهِ اى ورثة المقتول و ذا لا يتصوّر الا إذا كان المقتول كافرا ذمّيّا او معاهدا او مسلما كان له وارث مسلم و الا فديته توضع فى بيت المال قال فى المدارك فيه دليل على ان دية الذمّى كدية المسلم قلت لا دليل فيه لان الدية لفظ مجمل ورد بيانه من النبي صلى اللّه عليه و سلم مختلفا كما ذكرنا من الاختلاف فى دية الرجل و المرأة و الحرّ و العبد فكذا جاز الاختلاف بين دية المسلم و الكافر (مسئلة) دية المسلم و (١) اخرج ابن ابى شيبة و ابن ابى حاتم و الحاكم و صححه و الطبراني و البيهقي فى سننه عن ابن عباس فى قوله فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ قال كان الرجل يأتى النبي صلى اللّه عليه و سلم فيسلم ثم يرجع الى قومه فيكون فيهم و هم مشركون فيصيبه المسلمون خطأ فى سرية إذا أغارت فيعتق الذي يصيبه رقبة و فى قوله وَ إِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ مِيثاقٌ قال كان الرجل يكون معاهدا و قومه اهل عهد فيسلم إليهم ديته و يعتق الذي أصابه رقبة منه رحمه اللّه. الكافر سواء عند ابى حنيفة رحمه اللّه و قال مالك دية الكافر من اىّ نوع كان ستة آلاف درهم يعنى نصف دية المسلم على قوله و قال الشافعي دية اليهودي و النصراني اربعة آلاف درهم و دية المجوسي و كذا الوثني ثمانى مائة درهم و قال احمد ان كان القتل عمدا فديته على المسلم مثل دية المسلم فى ماله و ان كان خطأ فعنه روايتان كقولى مالك و الشافعي فى الكتابي و اما دية المجوسي و الوثني فثمانى مائة درهم، احتج مالك بحديث عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جدّه قال خطب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عام الفتح الحديث بطوله و فيه لا يقتل مؤمن بكافر و دية الكافر نصف دية المسلم و فى رواية دية المعاهد نصف دية الحرّ رواه ابو داود و كذا روى الترمذي و قال السيوطي حسن، و روى احمد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه عبد اللّه بن عمرو عن النبي صلى اللّه عليه و سلم بطريقين لفظ أحدهما دية الكافر نصف دية المسلم و لفظ الآخر أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قضى ان عقل اهل الكتابين نصف عقل المسلم و وجه قول الشافعي فى اهل الكتابين حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه قال كانت قيمة الدية على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ثمان مائة دينار او ثمانية آلاف درهم و دية اهل الكتاب يومئذ النصف من دية المسلمين قال فكان كذلك حتى استخلف عمر فقام خطيبا فقال ان الإبل قد غلت قال ففرضها عمر على اهل الذهب الف دينار و على اهل الورق اثنى عشر الف درهم و على اهل البقرة مائتى بقرة و على اهل الشاء الفى شاة و على اهل الحلل مائتى حلة، قال و ترك دية اهل الذمّة لم يرفعها فيما رفع من الدية رواه ابو داود و روى الشافعي عن فضيل بن عياص عن منصور بن المعتمر عن ثابت الحداد عن ابن المسيّب ان عمر مضى فى دية اليهودي و النصراني باربعة آلاف درهم و فى دية المجوسي ثمان مائة درهم و كذا روى الدارقطني بسنده عن سعيد بن المسيّب و روى البيهقي من طريق الشافعي عن سفيان عن صدقة ابن بشار قال أرسلنا يعنى صدقة الى سعيد بن المسيب يسئله عن دية المعاهد قال قضى فيه عثمان باربعة آلاف درهم و روى البيهقي و الدارقطني عن عمر فى المجوسية اربعمائة درهم و روى ابن حزم فى الإيصال من طريق ابن لهيعة عن يزيد بن حبيب عن ابى الخير عن عقبة بن عامر ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال دية المجوسي ثمانى مائة درهم و كذا اخرج الطحاوي و ابن عدى و البيهقي و اسناده ضعيف من أجل ابن لهيعة قال عقبة بن عامر قتل رجل فى خلافة عثمان كليا يصيد لا يعرف مثله فى الكلاب فقوّم ثمانى مائة درهم فالزمه عثمان بتلك القيمة فصار دية المجوسي قيمة الكلب و روى البيهقي من طريق ابن لهيعة عن يزيد بن ابى حبيب عن ابن شهاب ان عليّا و ابن مسعود كانا يقولان فى دية المجوسي ثمانى مائة درهم و الحجة لابى حنيفة حديث ابن عمران النبي صلى اللّه عليه و سلم قال دية الذمّى دية المسلم رواه الطبراني فى الأوسط و ذكر فى الهداية بلفظ دية كل ذى عهد فى عهده الف دينار قال صاحب الهداية و كذا قضى ابو بكر و عمر قلت اما حديث ابن عمر فرواه الدارقطني ايضا و قال لم يروه عن نافع عن ابن عمر غير ابى بكر القرشي عبد اللّه بن عبد الملك النهدي و هو متروك و قال هذا الحديث باطل لا اصل له و كذلك قال ابن حبان هذا باطل لا اصل له من كلام رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و لا يحل الاحتجاج بابى بكر و روى الدارقطني ايضا حديث اسامة بن زيد ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم جعل دية المعاهد كدية المسلم و قال فيه عثمان بن عبد الرحمن الوقاصى متروك و روى الدارقطني ايضا حديث ابن عباس قال جعل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم دية العامريين دية المسلم قال ابو بكر بن عياش روايه كان لهما عهد قال الدارقطني فيه ابو سعيد سعيد بن المرزبان البقّال قال يحيى ليس بشى ء و لا يكتب حديثه و قال القلاس متروك و امّا اثر عمر فروى عبد الرزاق فى مصنفه عن رباح عن عبيد اللّه عن حميد عن انس انّ يهوديا قتل عيلة فقضى عمر باثنى عشر الف درهم و رباح ضعيف و روى الطحاوي و الحاكم من حديث جعفر بن عبد اللّه بن الحكم ان رفاعة بن اشمول اليهودي قتل بالشام فجعل عمر ديته الف دينار و احمد رحمه اللّه حمل ما احتج به ابو حنيفة على القتل عمدا و ما احتج به غيره على القتل خطأ و اللّه اعلم وَ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فى مال القاتل ان كان القاتل واجدا للرقبة مالكا لها او قادرا على تحصيلها بوجود ثمنها فاضلا عن الديون و عن حوائجه الاصلية فَمَنْ لَمْ يَجِدْ رقبة فَصِيامُ يعنى فالواجب على القاتل فى جميع الصّور المذكورة صيام شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ فمن أفطر يوما فى خلال الشهرين بلا عذر او نسى النية او نوى صوما اخر وجب عليه الاستيناف اجماعا لاشتراط التتابع و ان أفطرت المرأة بحيض فلا استيناف عليها اجماعا و من أفطر بعذر مرض او سفر يجب عليه الاستيناف عند الجمهور خلافا لاحد قولى الشافعي و هو القديم منه كذا روى ابن ابى حاتم عن مجاهد فان عجز عن الصّوم لا يجزيه الإطعام عند ابى حنيفة و مالك و أصح قولى الشافعي و قال الشافعي فى أحد قوليه و احمد يجزيه قياسا على الظهار كذا روى ابن ابى حاتم عن مجاهد قلنا هو قياس من غير جامع و فى مورد النصّ و المذكور فى الاية كل الواجب تَوْبَةً منصوب على العلية اى شرع ذلك له لكى يتوب اللّه عليه او على المصدرية اى تاب اللّه عليكم توبة او فليتب توبة او على انه بحذف المضاف حال من الصّيام ان جعل فاعلا للظرف و من ضميره فى الظرف ان جعل مبتدا و المعنى فعليه صيام شهرين و التوبة بمعنى ان الصيام سبب لقبول التوبة و لك ان تجعل النصب على المدح فيكون مدحا للصيام بجعله توبة مِنَ اللّه صفة للتوبة وَ كانَ اللّه عَلِيماً بحال من قتل حَكِيماً (٩٢) فيما قدّر و اللّه اعلم قال البغوي ان مقيس بن ضبابة الكندي اسلم هو و اخوه هشام فوجد أخاه هشاما قتيلا فى بنى النجار فاتى النبي صلى اللّه عليه و سلم فذكر ذلك له فارسل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم معه رجلا من بنى فهر الى بنى النجار ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يأمركم ان علمتم قاتل هشام ابن ضبابة ان تدفعوا الى مقيس فيقتصّ منه و ان لم تعلموا ان تدفعوا اليه ديته فابلغهم الفهري ذلك فقالوا سمعا و طاعة للّه و لرسوله ما نعلم له قاتلا لكنا نؤدى ديته فاعطوه مائة من الإبل ثم انصرفا راجعين نحو المدينة فاتى الشيطان مقيسا فوسوس اليه فقال تقبل دية أخيك فتكون عليك مسبة اقتل الذي معك فتكون نفس مكان نفس و فضل الدية فتغفل الفهري فرماه بصخر فشدخه ثم ركب بعيرا و ساق بقيتها راجعا الى مكة كافرا فنزل. ٩٣ وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً من حيث انه مؤمن يعنى سخطا لايمانه او مستحلا لقتله كما قتل مقيس فهريا مُتَعَمِّداً و ما ذكر البغوي من قصّة مقيس يمكن الاستدلال به على ابى حنيفة فى ان القتل بالمثقل ايضا من قبيل العمد و قد قال ابو حنيفة هو شبه العمد و يمكن الجواب عنه على رواية الجرجاني ان شبه العمد من حيث الإثم حكمه حكم العمد و لذا قلنا لا كفارة له و انما خالف العمد فى سقوط القصاص لتمكن الشبهة من جهة الآلة و مقتضى هذه الاية الإثم دون القصاص، (فائدة:) قال البغوي مقيس ابن ضبابة هو الذي استثناه النبي صلى اللّه عليه و سلم يوم فتح مكة عمن امّنه فقتل و هو متعلق بأستار الكعبة و اخرج ابن جرير من طريق ابن جريح عن عكرمة ان رجلا من الأنصار قتل أخا مقيس ابن ضبابة فاعطاه النبي صلى اللّه عليه و سلم الدية فقبلها ثم وثب على قاتل أخيه فقتله فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم لا أومنه فى حل و لا حرم فقتل يوم الفتح فقال ابن جريح فيه نزلت هذه الاية و هذه الرواية مرسلة ظاهرا لكن روى ابو داود عن عكرمة انه قال كل شى ء أقول لكم فى التفسير فهو عن ابن عباس فعلى هذا يكون متصلا و هذه الرواية تدل على ان قاتل هشام كان معروفا و لعل ذلك القتل كان خطأ حيث حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بالدية و رواية البغوي تدلّ على ان القاتل لم يعلم و الحكم فى مثل ذلك القسامة و الدية و مسائل القسامة و شرائطها و الاختلاف فيها يقتضى بسطا لا حاجة الى ذكره هاهنا فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها لاجل كفره لازما لسخطه من الايمان او لاستباحته القتل او المراد بالخلود المكث الطويل اخرج الطبراني بسند ضعيف عن ابى هريرة عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال ان جازاه وَ غَضِبَ اللّه عَلَيْهِ وَ لَعَنَهُ طرده من الرحمة وَ أَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً (٩٣) روى الشيخان عن ابن عباس انه لا يقبل نوبة قاتل المؤمن عمدا و قال البغوي حكى عن ابن عباس ان قاتل المؤمن عمدا لا توبة له فقيل له ا ليس قد قال اللّه تعالى و لا يقتلون «١» النّفس الّتى حرّم اللّه الّا بالحقّ الى ان قال وَ مَنْ يَفْعَلْ (١) فى الأصل و لا تقتلوا بصيغه النهى لكنه سهو- ابو محمد عفا اللّه عنه. ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ يَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً إِلَّا مَنْ تابَ فقال كانت هذه فى الجاهلية و ذلك ان ناسا من اهل الشرك كانوا قد قتلوا و زنوا فاتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقالوا ان الذي تدعونا «١» اليه لحسن لو تخبرنا ان لما عملنا كفارة فنزل وَ الَّذِينَ لا «٢» يَدْعُونَ مَعَ اللّه إِلهاً آخَرَ الى قوله إِلَّا مَنْ تابَ وَ آمَنَ فهذه أولئك و امّا التي فى النساء فالرجل إذا عرف الإسلام بشرائعه ثم قتل فجزاؤه جهنم و روى عن ابن عبّاس خلافه ذكر فى التفسير انه قال ابن عبّاس فجزاؤه جهنم خالدا فيها لو جازاه اللّه لكنه يتفضل عليه و لا يخلده لايمانه و اخرج سعيد ابن منصور و البيهقي فى السنن عن ابن عباس ان رجلا أتاه فقال ملأت حوضى انتظرت بهيمتى ترد عليه فقال لم استيقظ الا برجل قد اسرع ناقته و ثلم الحرض و سال الماء فقمت فزعا فضربته بالسّيف فامره بالتوبة قال سعيد بن منصور حدثنا سفيان بن عيينة قال كان اهل العلم إذا سئلوا قالوا لا توبة له فاذا ابتلى رجل قالوا له تب قلت وجه الجمع بين القولين لابن عباس و غيره من اهل العلم ان قتل العمد جناية على حق العبد و جناية على حق اللّه تعالى فقولهم لا توبة له معناه لا توبة له فى حق العبد و فيه القصاص لا محالة امّا فى الدنيا او فى الاخرة كما ينطق به النصوص و هو المعنى من قوله صلى اللّه عليه و سلم كل ذنب عسى اللّه ان يغفره الا من مات مشركا او من يقتل مؤمنا متعمدا رواه ابو داود من حديث ابى الدرداء و رواه النسائي و صححه الحاكم عن معاوية و امّا قول العلماء بقبول التوبة فمعناه تفيد التوبة لاستدراك حق اللّه تعالى و قال زيد بن ثابت لما نزلت التي فى الفرقان وَ الَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللّه إِلهاً آخَرَ عجبنا من لينها فلبثنا سبعة أشهر ثم نزلت الغليظة بعد اللينة فنسخت اللينة و أراد بالتغليظ هذه الاية و القول (١) فى الأصل تدعون-. (٢) فى الأصل و الذين يدعون ٨٥٣. بان هذه الاية ناسخة لما فى الفرقان زعم من زيد بن ثابت رضى اللّه عنه إذ لا تدل هذه الاية على انه لا توبة له بل المذكور فى هذه الآية جزاء القتل عمدا و ذا لا يتصوّر الّا إذا لم يتب و مات فان تاب فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له اعنى فى حق اللّه تعالى و امّا فى حق العبد فلا بد فيه ردّ المظالم و استرضاؤه، (فائدة) احتجت المعتزلة بهذه الاية على خلود مرتكب الكبيرة فى النار و الخوارج على انّ مرتكب الكبيرة كافر و امّا اهل السنة و الجماعة فياوّلون هذه الاية كما ذكرنا للاجماع على ان المؤمن لا يخلد فى النار و ان مات بلا توبة و ان الكبيرة لا يخرج المؤمن من إيمانه مستندا ذلك الإجماع على ما تواتر من الكتاب و السنة من قوله تعالى فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ و قد ذكرنا الكلام فى تفسيره فى موضعه و قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى حيث ذكر عنوان القاتل بقوله الَّذِينَ آمَنُوا و قوله صلى اللّه عليه و سلم من قال لا اله الا اللّه دخل الجنة و ان زنى و ان سرق متفق عليه عن ابى ذرّ- و قوله صلى اللّه عليه و سلم من مات لا يشرك باللّه دخل الجنة رواه مسلم عن جابر و قوله صلى اللّه عليه و سلم بايعونى على ان لا تشركوا باللّه شيئا و لا تسرقوا و لا تزنوا و لا تقتلوا أولادكم و لا تأتوا ببهتان تفترونه بين ايديكم و أرجلكم و لا تعصوا فى معروف فمن و فى منكم فاجره على اللّه و من أصاب من ذلك شيئا فعوقب فى الدنيا فهو كفارة له و من أصاب من ذلك شيئا ثم ستره اللّه فهو الى اللّه ان شاء عفا عنه و ان شاء عاقبه فبايعناه على ذلك متفق عليه من حديث عبادة بن الصّامت، (فصل) فيما ورد فى القاتل عمدا، عن ابن مسعود قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اوّل ما يقضى بين الناس يوم القيامة فى الدّماء متفق عليه و عنه قال رجل يا رسول اللّه اىّ الذنب اكبر قال ان تدعو للّه ندّا و هو خلقك قال ثم اىّ قال ان تقتل ولدك خشية ان يطعم معك الحديث متفق عليه و عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اجتنبوا السبع الموبقات و عدّ منها قتل النفس التي حرم اللّه الّا بالحق متفق عليه و فى حديث عن بن عبّاس مرفوعا لا يقتل حين يقتل و هو مؤمن رواه البخاري و عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص ان النبي صلى اللّه عليه و سلم قال لزوال الدنيا أهون عند اللّه من قتل رجل مسلم رواه الترمذي و النسائي و رواه ابن ماجة عن البراء بن عازب و روى النسائي من حديث بريدة قتل المؤمن أعظم عند اللّه من زوال الدّنيا و عن ابى سعيد و ابى هريرة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال لو ان اهل السّماء و الأرض اشتركوا فى دم مؤمن لاكبّهم اللّه فى النار رواه الترمذي و عن عبد اللّه بن عمرو قال رايت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يطوف بالكعبة و يقول ما اطيبك و ما أطيب ريحك و ما أعظمك و ما أعظم حرمتك و الذي نفسى بيده لحرمة المؤمن أعظم من حرمتك ماله و دمه رواه ابن ماجة و عن ابى الدرداء عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال لا يزال المؤمن معتقا صالحا ما لم يصب دما حراما فاذا أصاب دما حراما بلّح رواه ابو داود و عن ابى هريرة من أعان على قتل مسلم و لو بشطر كلمة لقى اللّه و هو مكتوب بين عينيه آيس من رحمة اللّه، رواه ابن ماجة و روى الطبراني من حديث ابن عباس نحوه و ابن الجوزي عن ابى سعيد الخدري نحوه و ابو نعيم فى الحلية عن عمر بن الخطاب موقوفا نحوه و اللّه اعلم، روى البخاري و الترمذي و الحاكم و غيرهم عن عكرمة عن ابن عباس قال مرّ رجل من بنى سليم بنفرس اصحاب النبي صلى اللّه عليه و سلم و هو يسوق غنما له فسلم عليهم فقالوا ما سلم علينا الا ليتعوّذ منا فعمدوا اليه فقتلوه و أتوا بغنمه الى النبي صلى اللّه عليه و سلم فنزلت. ٩٤ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذاضَرَبْتُمْ يعنى سافرتم و ذهبتم فِي سَبِيلِ اللّه للجهاد فَتَبَيَّنُوا قرا حمزة و الكسائي فى الموضعين هاهنا و فى الحجرات بالتاء المثناة الفوقانية و الثاء المثلثة من التثبت اى قفوا حتى تعرفوا المؤمن من الكافر و قرا الباقون بالتاء المثناة الفوقانية و الباء الموحدة و الياء المثناة التحتانية و النون من التبيّن يقال تبينت الأمر إذا تامّلته، و طلبت بيانه يعنى لا تعجلوا قبل وضوح الأمر ذكر البغوي من طريق الكلبي عن ابن عبّاس ان اسم المقتول مرداس بن نهيك من اهل فدك و كان مسلما و لم يسلم من قومه غيره فسمعوا بسرية لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم تريدهم و كان على السرية رجل يقال له غالب بن فضالة الليثي فهربوا و اقام الرجل لانه كان على دين المسلمين فلما راى الخيل خاف ان يكونوا غير اصحاب النبي صلى اللّه عليه و سلم فالجأ غنمه الى عاقول من جبل و صعد هو الى الجبل فلما تلاحقت الخيل سمعهم يكبرون فلما سمع التكبير عرف انهم من اصحاب النبي صلى اللّه عليه و سلم فكبر و نزل و هو يقول لا اله الا اللّه محمد رسول اللّه السّلام عليكم فتغشاه اسامة بن زيد فقتله و استاق غنمه ثم رجعوا الى النبي صلى اللّه عليه و سلم فوجد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من ذلك وجدا شديدا و قد كان قد سبقهم قبل ذلك الخبر قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قتلتموه ارادة ما معه ثم قرا هذه الاية على اسامة بن زيد فقال يا رسول اللّه استغفر لى فقال فكيف بلا اله الا اللّه قالها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ثلاث مراة قال اسامة رضى اللّه عنه فما زال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يعيدها حتى وددت انى لم أكن أسلمت الا يومئذ ثم ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم استغفر لى بعد ثلاث مرات و قال أعتق رقبة كذا روى الثعلبي من طريق الكلبي و روى ابو ظبيان عن اسامة رضى اللّه عنه قال قلت يا رسول اللّه انما قال خوفا من السّلاح قال ا فلا شققت عن قبله حتى تعلم أ قالها أم لا و اخرج البزار من وجه اخر عن ابن عبّاس قال بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم سرية فيها المقداد فلمّا أتوا القوم وجدوهم قد تفرقوا و بقي رجل له مال كثير فقال اشهد ان لا اله الّا اللّه فقتله المقداد فقال له النبي صلى اللّه عليه و سلم كيف لك بلا اله الا اللّه غدا و انزل اللّه تعالى هذه الاية و اخرج احمد و الطبراني و غيرهما عن عبد اللّه بن ابى حد رد الأسلمي و روى ابن جرير نحوه من حديث ابى عمرة قال عبد اللّه بن ابى حدرد بعثنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى نفر من المسلمين فيهم ابو قتادة و محلم بن حثامة بن قيس الليثي فمرّ بنا عامر بن الأضبط الأشجعي فسلم علينا فحمل عليه محلم فقتله «١» فلمّا قدمنا النبي صلى اللّه عليه و سلم و أخبرناه الخبر نزل فينا القران يعنى هذه الاية و اخرج ابن مندة عن جزء بن الحدرجان قال وفد أخي فداد الى النبي صلى اللّه عليه و سلم فقال لهم انا مؤمن فلم يقبلوا منه فقتلوه فبلغنى ذلك فخرجت الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فنزلت هذه الاية فاعطانى النبي صلى اللّه عليه و سلم دية أخي و اخرج ابن جرير من طريق السدى و عبد من طريق قتادة و ابن ابى حاتم من طريق ابن لهيعة عن ابى الزبير انّ قوله تعالى وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ كذا قرا نافع و ابن عامر و حمزة و معناه الاستسلام و الانقياد و قرا الباقون السّلام يعنى السلام عليكم و قيل المراد بكلا القرائتين هو القول بالسلام عليكم نزلت فى مرداس و هذا شاهد حسن لما رواه الثعلبي و غيره عن ابن عباس لَسْتَ مُؤْمِناً و انما فعلت ذلك متعوّذا تَبْتَغُونَ حال من الضمير فى تقولوا مشعر بما هو سبب لترك التثبت و طلب البيان عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا اى منافعها من المال و الغنيمة سمّى به لفنائه و العرض اسم (١) و اخرج ابن جرير عن ابن عمر قال بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم محلم بن حثامة مبعثا فلقيهم عامر بن الأضبط فحياهم بتحية الإسلام و كانت بينهم إحنة فى الجاهلية فرماه محلم بسهم فقتله فجاء الخبر الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ليستغفر له فقال لا غفر اللّه لك فقام و هو يتلقى دموعه سردته فما مضت به ساعة حتى مات فدفنوه فلفظته الأرض فجاءوا النبي صلى اللّه عليه و سلم فذكروا ذلك له فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم ان الأرض تقبل من هو شر من صاحبكم و لكن اللّه أراد ان يعظهم ثم طرحوه فى جبل و القوا عليه الحجارة فنزلت هذه الاية منه رحمه اللّه-. لما لا دوام له فَعِنْدَ اللّه مَغانِمُ كَثِيرَةٌ فى الدنيا و الاخرة يغنيكم فى الدنيا عن مثل هذه الافعال لاجل المال و اعدّ فى الاخرة اجورا كثيرة لمن أمن و اتقى كَذلِكَ كُنْتُمْ الكاف فى كذلك خبر كان قدم عليها مِنْ قَبْلُ اى قبل هذا حين دخلتم فى الإسلام و قلتم كلمة التوحيد فعصمت بها دماؤكم و أموالكم من غير ان يعلم مواطاة قلوبكم بألسنتكم فَمَنَّ اللّه عَلَيْكُمْ بالاشتهار بالايمان و الاستقامة فى الدين او المعنى كذلك كنتم قبل الهجرة تأمنون فى قومكم من المؤمنين بلا اله الا اللّه فمن اللّه عليكم بالهجرة و قال قتادة كذلك كنتم ضلالا من قبل فمن اللّه عليكم بالإسلام و وفقتم بقول لا اله الا اللّه و قال سعيد بن جبير كذلك كنتم تكتمون ايمانكم من المشركين فمن اللّه عليكم بإظهار الإسلام فَتَبَيَّنُوا كرر الأمر بالتثبت و التبيين امّا لتأكيد امر التثبت و تعظيمه و تأكيد ترتب الحكم على حالهم حيث علل الحكم بالمذكور من حالهم ثم قرع عليه فتأكد الترتيب و يقال هذا متفرع على قوله فَعِنْدَ اللّه مَغانِمُ كَثِيرَةٌ يعنى فتثبتوا فى أخذ الغنيمة و تبيّنوا حتى يظهر لكم ان هذه الغنيمة هل هى مسوقة إليكم من عند اللّه تعالى حلالا أم هو محرم من اعراض الحيوة الدنيا او يقال الأمر بالتبيين و التثبت اولا لنفى العجلة فى القتل حتى يظهر منه امارة الإسلام و ثانيا لنفى العجلة فى القتل بعد ظهور امارات الإسلام حتى يظهر كفره و نفاقه إِنَّ اللّه كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (٩٤) عالما بأعمالكم و أغراضكم فيجازيكم على أعمالكم على حسب أغراضكم و نياتكم، (فائدة:) فى هذه الاية دليل على صحة ايمان المكره لاجراء احكام الدنيا عليه و ان المجتهد قد يخطى و ان خطأه مغفوران كان بلا تقصير منه فى طلب الحق و ان المجتهد يجب عليه التثبت و التبين و كمال الجهد و لا يلتفت الى ما لاح له فى اوّل نظره و انه إذا اتى بما وجب عليه من التثبت و التبين فهو ماجور و ان اخطأ فى اجتهاده و انه لا يجوز الحكم بكفر من قال لا اله الا اللّه مع انه مشترك بين الكتابي و المسلم و لا يعجل فى قتله حتى يتبين امره و اللّه اعلم إذا راى الغزاة فى بلد او قرية شعار الإسلام فالواجب ان يكفوا عنهم فان النبي صلى اللّه عليه و سلم كان إذا غزى قوما فان سمع اذانا كفّ عنهم و ان لم يسمع أغار عليهم و روى البغوي من طريق الشافعي عن ابن عصام عن أبيه ان النبي صلى اللّه عليه و سلم كان إذا بعث سرية قال إذا رايتم مسجدا او سمعتم مؤذنا فلا تقتلن أحدا و اللّه اعلم روى البخاري و ابو داود و الترمذي و النسائي عن زيد بن ثابت و البخاري عن البراء بن عازب و الطبراني عن زيد بن أرقم و ابن حبان من حديث ابن عاصم و الترمذي عن ابن عباس نحوه ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم املى على زيد بن ثابت. ٩٥ لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ... وَ الْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّه قال زيد فجاءه ابن أم مكتوم و هو يملئها علىّ فقال يا رسول اللّه لو أستطيع الجهاد لجاهدت و كان رجلا أعمى و فى حديث ابن عباس قال عبد اللّه بن جحش و ابن أم مكتوم انا عميان فانزل اللّه تعالى عليه و فخذه على فخذى يعنى على فخذ زيد بن ثابت فثقلت علىّ حتى خفت ان ترض فخذى ثم سر عنه فانزل اللّه تعالى مكانه لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ عن الجهاد مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فى موضع الحال من القاعدين او من الضمير الذي فيه غَيْرُ بالرفع صفة للقاعدين او بدل منه و غير هاهنا اكتسب التعريف لان غير اولى الضرر هو من لا ضرر له فلا يرد ان ابدال النكرة من المعرفة يقتضى نعتها و التوجيه بان القاعدين معرفة فى حكم النكرة لانه لم يقصد به قوم بأعيانهم ضعيف لان المعرفة و ان كان فى حكم النكرة لكن لا يوصف بشى ء مما يوصف به النكرة الا بجملة فعلية فعلها مضارع كما فى قوله و لقد امر على اللئيم يسبنى، و قرا نافع و ابن عامر و الكسائي بالنصب على الاستثناء و نصبه على الحال مشكل لكونه معرفة أُولِي الضَّرَرِ فى الصحاح الضر سوء الحال امّا فى نفسه لقلة العلم و الفضل و العفّة و امّا فى بدنه لعدم جارحة او نقص فيها و امّا فى حالة الظاهر من قلة مال او جاه و فى القاموس الضرر سوء الحال كالضر و منه الضرير فى ذاهب البصر قلت و المراد هاهنا غير اولى الزمانة او المرض او الضعف فى البدل او البصر او المال بقرينة قوله تعالى وَ الْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّه بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ يعنى لا مساوات بينهم و بين غير المجاهدين بانفسهم و أموالهم من غير عذر و امّا غير المجاهدين بعذر الزمانة او العمى او نحو ذلك من الأمراض و غيرها او عدم وجدان ما ينفقون فى سبيل اللّه من الأموال فهم قد يساوون المجاهدين فى سبيل اللّه إذا كان نيتهم المجاهدة لو قدروا عليها روى البخاري عن انس و ابن سعد عنه و عن جابران رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لما رجع من غزوة تبوك فدنا من المدينة قال ان فى المدينة لا قواما ما سرتم من مسير و لا قطعتم من واد الا كانوا معكم قالوا يا رسول اللّه و هم بالمدينة قال نعم و هم بالمدينة حبسهم العذر و روى مقسم عن ابن عباس قال لا يستوى القاعدون من المؤمنين عن بدر و الخارجون الى بدر فَضَّلَ اللّه الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ المؤمنين غير اولى الضرر لان المعرفة إذا أعيدت معرفة فالثانية «١» عين الاولى دَرَجَةً منصوب بنزع الخافض اى بدرجة او على المصدرية لوقوعها موقع المرة من التفضيل كانه قيل فضلهم تفضيلة كقولهم ضربته سوطا او على الحال بمعنى ذوى درجة و الجملة موضحة للجملة السّابقة من نفى الاستواء و انما لم يقتصر على هذه الجملة مع كونه مغنية عن نفى المساوات لان نفى المساوات يتضمن التفضيل اجمالا و دلالة و فى التفصيل بعد الإجمال و التصريح بعد الدلالة مزيد التأكيد و التمكن فان قيل عدم مساوات من عمل بطاعة اىّ طاعة كان و من لم يعملها بديهي غير مخفى فاىّ فائدة فى بيانه قلنا فائدته التنبيه على ذلك و الترغيب فى الجهاد و الاولى ان يقال انه قد يتاتى فى حالة القعود عن الجهاد من الطاعات بفراغ القلب و أداء حقوق اللّه تعالى و حقوق الناس ما لا يتاتى فى حالة الجهاد فيوهم ذلك فضل القاعد على المجاهد ففائدة هذه الاية دفع ذلك التوهم عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مثل المجاهد فى سبيل اللّه كمثل الصّائم القائم القانت بايات اللّه لا يفتر من صيام و لا صلوة حتى يرجع المجاهد فى سبيل اللّه متفق عليه وَ كُلًّا اى كل واحد من المجاهدين و القاعدين بلا عذر وَعَدَ اللّه المثوبة الْحُسْنى يعنى الجنّة بايمانهم فيه دليل على ان الجهاد فرض على الكفاية و لو كان فرضا على الأعيان لاستحق القاعد العقاب دون الثواب، (فصل) اجمعوا على انه إذا كان الكفار قارين فى بلادهم فعلى الامام ان لا يخلو سنة من السنين عن غزوة يغزوها بنفسه او بسراياه حتى لا يكون الجهاد معطلا لان النبي صلى اللّه عليه و سلم و الخلفاء الراشدون لم يهملوا الجهاد فاذا قام على الجهاد فئة من المسلمين بحيث حصل بهم دفع شرّ الكفار و إعلاء كلمة اللّه تعالى سقط عن الباقين و حينئذ لا يجوز للعبد ان يخرج الى الجهاد بغير (١) فى الأصل فالثانى عين الاول. اذن المولى و لا للمرءة بغير اذن الزوج و لا للمديون بغير اذن الدائن و لا للولد إذا منعه أحد أبويه لان بغيرهم مقنعا فلا ضرورة الى ابطال حقوق العباد و ان لم يقم به أحد اثم جميع الناس الا اولى الضرر منهم و اجمعوا على انه يجب على اهل كل قطر من الأرض ان يقاتلوا من يلونهم من الكفّار فان عجزوا ساعدهم الأقرب فالاقرب و كذا إذا تهاونوا مع القدرة يجب القيام به على الأقرب فالاقرب الى منتهى الأرض (مسئلة) و اجمعوا على انه إذا التقى الصفان وجب على المسلمين الحاضرين الثبات و حرم عليهم الفرار الا ان يكونوا متحرفين لقتال او متحيّزين الى فئة او يكون الكفار اكثر من ضعف عدد المسلمين فيباح لهم الفرار لكن الثبات حينئذ أفضل، (مسئلة:) يشترط للجهاد الزاد و الراحلة مع سلامة الأسباب و الآلات عند الائمة الثلاثة إذا تعين الجهاد على اهل بلد و كان بينهم و بين موضع الجهاد مسافة سفر و قال مالك لا يشترط ذلك لنا قوله تعالى غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ و من لا زاد له و لا راحلة فهو من اهل الضرر و قوله تعالى وَ لا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ الاية (مسئلة) و اجمعوا على انه إذا هجم العدو دار قوم من المؤمنين يجب على كل مكلّف من الرجال حرا كان او عبدا غنيا كان او فقيرا ممّن لا عذر له من اهل تلك البلدة الخروج الى الجهاد و حينئذ يكون من فروض الأعيان فلا يظهر فيه حق العبد كالمولى و الدائن و الأبوين كما فى الصلاة و الصوم و قال ابو حنيفة تخرج المرأة ايضا بغير اذن زوجها فان وقع بهم الكفاية سقط عمّن ورائهم و ان لم يقع بهم الكفاية يجب على من يليهم اعانتهم و ان قعد من يليهم يجب على من ورائهم الأقرب فالاقرب و اللّه اعلم، وَ فَضَّلَ اللّه الْمُجاهِدِينَ فى سبيل اللّه باموالهم و أنفسهم عَلَى الْقاعِدِينَ المؤمنين غير اولى الضرر أَجْراً عَظِيماً (٩٥) منصوب على المصدرية لان فضّل بمعنى اجر او على انه المفعول الثاني له لتضمنه معنى الإعطاء كانه قيل و أعطاهم زيادة على القاعدين اجرا عظيما. ٩٦ دَرَجاتٍ فى القرب و الجنة كائنة مِنْهُ تعالى وَ مَغْفِرَةً وَ رَحْمَةً كل واحد من الثلاثة بدل من اجرا الدرجات لغير المذنب و المغفرة للمذنب و الرحمة يعمّهما و جاز ان ينصب درجات على المصدر كقولهم ضربتهم أسواطا و اجرا على الحال منها تقدمت عليها لكونها نكرة و مغفرة و رحمة على المصدرية بإضمار فعليهما كرّر تفضيل المجاهدين و بالغ فيها اجمالا و تفصيلا حيث أومى الى التفضيل اوّلا بنفي المساوات ثم صرح بالتفضيل مجملا بقوله درجة ثم فضل تفصيلا بقوله أَجْراً عَظِيماً دَرَجاتٍ مِنْهُ وَ مَغْفِرَةً وَ رَحْمَةً ترغيبا فى الجهاد و تعظيما لامره، و لا تنافى فى توحيد الدرجة اوّلا و تكثيرها ثانيا لان المراد تفضيل كل مجاهد على كل قاعد اولا و فيما بعد تفضيل الجميع على الجميع و مقتضاه انقسام الآحاد على الآحاد أو لأن المراد اختلاف حال المجاهدين فمنهم من فضل بدرجة و منهم من فضل بدرجات و قيل أراد بقوله فَضَّلَ اللّه الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ درجة فى الدنيا من الغنيمة و الظفر و السلطنة و جميل الذكر و أفرد الدرجة تحقيرا لما فى الدنيا و أراد بقوله فضّل اللّه الثاني ما أعد اللّه لهم فى الاخرة و قيل المراد بالدرجة الاولى ارتفاع منزلتهم عند اللّه تعالى و بالدرجات منازلهم فى الجنة و قيل المجاهدون الأولون من جاهد الكفار لهم درجة و الآخرون من جاهد نفسه أعد اللّه لهم اجرا عظيما درجات القرب منه تعالى و مغفرة و رحمة قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم المجاهد يعنى المجاهد الكامل من جاهد نفسه فى طاعة اللّه و المهاجر من هجر الخطايا و الذنوب رواه البيهقي فى شعب الايمان عن فضالة و قيل القاعدون فى الاية الاولى اولى الضرر منهم فضل اللّه المجاهدين عليهم درجة لان المجاهدين باشروا الجهاد مع النية و اولى الضرر من القاعدين كانت لهم نية و لم يتيسّر لهم الجهاد و كلا من المجاهدين و القاعدين المعذورين وعد اللّه الحسنى على نياتهم كذا قال مقاتل و القاعدون الثاني غير معذورين فضل اللّه المجاهدين عليهم اجرا عظيما درجات منه و مغفرة و رحمة عن ابى سعيد الخدري ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال يا أبا سعيد من رضى باللّه ربّا و بالإسلام دينا و بمحمد نبيا وجبت له الجنة قال فعجب لها ابو سعيد فقال أعدها عليّ يا رسول اللّه ففعل قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و اخرى يرفع اللّه بها للعبد مائة درجة فى الجنة ما بين كل درجتين كما بين السماء و الأرض قال و ما هى يا رسول اللّه قال الجهاد فى سبيل اللّه الجهاد فى سبيل اللّه رواه مسلم و عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من أمن باللّه و رسوله و اقام الصّلوة و صام رمضان كان حقا على اللّه عز و جل ان يدخله الجنة جاهد فى سبيله او جلس فى ارضه التي ولد فيه قالوا يا رسول اللّه أ فلا نبشر الناس بذلك قال ان فى الجنة مائة درجة أعدها اللّه للمجاهدين فى سبيله ما بين كلّ درجتين كما بين السّماء و الأرض فاذا سالتم اللّه فاسئلوا الفردوس فانه اوسط الجنة و أعلى الجنة و فوقه عرش الرحمن و منه تفجر انهار الجنة رواه البخاري وَ كانَ اللّه غَفُوراً لذنوبهم رَحِيماً (٩٦) بهم يعطيهم درجات عظام و اللّه اعلم ذكر البغوي ان ناسا من اهل مكة تكلموا بالإسلام و لم يهاجروا منهم قيس بن الفاكة بن المغيرة و قيس بن الوليد بن المغيرة و أشباههما فلما خرج المشركون الى بدر خرجوا معهم فقتلوا مع الكفار و روى البخاري عن ابن عبّاس انّ ناسا من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سواد المشركين على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فيأتى السهم يرمى به فيصيب أحدهم فيقتله او يضرب فيقتل قلت قوله يكثر سواد المشركين يدل على انهم لم يكونوا يقاتلون و أخرجه ابن مندة و سمى منهم فى روايته قيس بن الوليد بن المغيرة و ابو القيس بن الفاكة بن المغيرة و الوليد بن عتبة بن ربيعة و عمرو ابن امية سفيان و على بن امية بن خلف و ذكر شأنهم انهم خرجوا الى بدر فلما راوا قلة المسلمين دخلهم شك و قالوا غرّ هؤلاء دينهم فقتلوا ببدر قلت و هذه الرواية يعنى قوله دخلهم شكّ يدل على ارتدادهم و نظم القران لا يدل على كفرهم و أخرجه ابن ابى حاتم و زاد فيهم الحارث ابن ربيعة بن الأسود و العاص بن عتبة بن حجاج و اخرج الطبراني عن ابن عباس قال كان قوم بمكة قد اسلموا فلما هاجر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كرهوا ان يهاجروا و خافوا و اخرج ابن جرير و ابن المنذر عن ابن عباس قال كان قوم من اهل مكة قد اسلموا و كانوا يخفون الإسلام فاخرجهم المشركون معهم يوم بدر فاصيب بعضهم فقال المسلمون هؤلاء كانوا مسلمين فاكرهوا فاستغفروا لهم فنزلت. ٩٧ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ يحتمل الماضي و المضارع بحذف أحد التاءين و التوفى قبض الروح الْمَلائِكَةُ قيل أراد به ملك الموت وحده لما ورد فى قوله تعالى قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ و العرب قد يخاطب الواحد بلفظ الجمع و الصحيح انه أراد ملك الموت و أعوانه لما روى احمد و النسائي من حديث ابى هريرة بطوله و فيه قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا احتضر المؤمن أتت ملائكة الرحمة بحريرة بيضاء فيقولون اخرجى راضية مرضية عنك الى روح اللّه و ريحان و ربّ غير غضبان الحديث و امّا الكافر إذا احتضر أتته ملائكة العذاب بمسيح فيقولون اخرجى ساخطة مسخوطة عليك الى عذاب اللّه عز و جل الحديث و روى احمد عن البراء بن عازب حديثا طويلا و فيه ان العبد المؤمن إذا كان فى انقطاع من الدنيا و اقبال من الاخرة نزل اليه ملائكة بيض الوجوه كأنّ وجوههم الشمس معهم كفن من أكفان الجنة و حنوط من حنوط الجنة ثم جلسوا منه مد البصر ثم يجى ء ملك الموت عليه السلام حتى يجلس عند رأسه فيقول أيتها النفس الطيبة اخرجى الى مغفرة من اللّه و رضوان قال فيخرج تسيل كما تسيل القطرة من السقاء فيأخذها فاذا أخذها لم يدعوها فى يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلوها فى ذلك الكفن و ذلك الحنوط الحديث و انّ العبد الكافر إذا كان فى انقطاع من الدنيا و اقبال من الاخرة نزل اليه من السّماء ملائكة سود الوجوه معهم المسوح فيجلسون معه مدّ البصر ثم يجى ء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول أيتها النفس الخبيثة اخرجى الى سخط من اللّه قال فتفرق فى جسده فينزعها كما ينزع السفود من الصوف المبلول فيأخذها فاذا أخذها لم يدعوها فى يده طرفة عين حتى يجعلوها فى تلك المسوخ الحديث و فى رواية ابن جرير و ابن المنذر و ابن عباس انه لما نزلت هذه الاية كتب المسلمون الى من بقي منهم بمكة و انه لا غنى لهم فخرجوا فلحقهم المشركون فردوهم فنزلت فيهم فَإِذا أُوذِيَ فِي اللّه جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللّه فكتب إليهم المسلمون بذلك فقالوا نخرج فان اتبعنا أحد قاتلناه فخرجوا فلحقوهم فنجامنهم من نجا و قتل من قتل فنزلت ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا الاية ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ بترك فريضة الهجرة و المقام بدار الشرك و ارتكاب معصية موافقة الكفار حال من الضمير المفعول قال البغوي قيل لم يكن يقبل الإسلام بعد هجرة النبي صلى اللّه عليه و سلم الّا بالهجرة ثم نسخ ذلك بعد فتح مكة فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم لا هجرة بعد فتح مكة رواه ابو داود و احمد بسند صحيح عن مجاشع بن مسعود و ابن جرير عن الضحاك و الصحيح ان الهجرة من دار الكفر على من قدر عليها فريضة محكمة بالإجماع غير منسوخة و هذه الاية دليل على وجوب الهجرة من موضع لا يتمكن فيه اقامة شرائع الإسلام و معنى قوله صلى اللّه عليه و سلم لا هجرة بعد فتح مكة ان مكة بعد الفتح صارت دار الإسلام و لم تبق الهجرة من مكة بعد الفتح واجبة و من هاجر من مكة بعد الفتح لا يعدّ من المهاجرين و لا يدرك ثوابهم و كون الهجرة فريضة لا يستلزم عدم قبول إسلامهم و الحكم بانهم ليسوا بمؤمنين بل يقتضى عصيانهم و ترك موالاتهم، قال اللّه تعالى و الّذين أمنوا و لم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شى ء حتّى يهاجروا و ان استنصروكم فى الدّين فعليكم النّصر الّا على قوم بينكم و بينهم ميثاق قالُوا اى الملائكة توبيخا، جملة قالوا خبر انّ و العائد محذوف اى قالوا لهم و جاز ان يكون حالا من الملائكة بتقدير قد او من الضمير المنصوب فى تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ بتقدير قد و الضمير اى و قد قالوا لهم فِيمَ كُنْتُمْ مقولة قالوا اى فى اىّ شى ء كنتم فى الإسلام كما يدل عليه إقراركم به أم فى الكفر كما يدل عليه مقامكم مع الكفار و موافقتكم بهم بلا عذر قالُوا يعنى المتوفين الذين تركوا فريضة الهجرة هذا خبر انّ على تقدير كون ما قبله حالا و جملة مستانفة على تقدير كونه خبر ان كانّه فى جواب السائل ما قالت المتوفون إذا قالت الملائكة ما ذكر فاجيب بانهم قالوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ اى ارض مكة لم نقدر على مقاومة الكفار و مخالفتهم او كنا عاجزين عن اظهار الدين و إعلاء كلمته قالُوا اى الملائكة تكذيبا لهم و تبكيتا جملة مستانفة فى جواب ما قالت الملائكة حين اعتذر المتوفون أَ لَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّه واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها يعنى كنتم قادرين على الخروج من مكة الى ارض لا تمنعون فيها من اظهار الإسلام و مخالفة الكفار و إعلاء كلمة اللّه كما فعل المهاجرون الى المدينة و الحبشة و نصب فتهاجروا على جواب الاستفهام فَأُولئِكَ اى المتوفون ظالمى أنفسهم مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ الفاء للتعقيب و السببية يعنى لاجل تركهم الهجرة مأويهم جهنم و ذا لا يستلزم الكفر و لا الخلود فى جهنم و الجملة معطوفة على جملة قبلها مستنتجة منها و جاز ان يكون جملة فاولئك خبر ان و الفاء فيه لتضمن الاسم معنى الشرط و ما قبله حال او استيناف وَ ساءَتْ مَصِيراً (٩٧) مصيرهم او جهنم قال النبي صلى اللّه عليه و سلم من فر بدينه من ارض الى ارض و ان كان شبرا من الأرض استوجبت له الجنة و كان رفيقه أبوه ابراهيم و نبيه محمد صلى اللّه عليه و سلم أخرجه الثعلبي من حديث الحسين مرسلا و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم خير مال المسلم الغنم يتبع بها شعف الجبال يفر بدينه من الفتن رواه البخاري و غيره و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان الإسلام بهدم ما كان قبله و ان الهجرة تهدم ما كان قبلها و ان الحج يهدم ما كان قبله رواه مسلم عن عمرو بن العاص-. ٩٨ إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ استثناء منقطع لعدم دخولهم فى الموصول و ضميره و الاشارة اليه فانهم ليسوا بظالمى أنفسهم إذ لا وجوب الا بعد القدرة لا يُكَلِّفُ اللّه نَفْساً إِلَّا وُسْعَها مِنَ الرِّجالِ كالشيخ الفاني و المريض و الضعيف و الزمن الذي لا يستطيع السفر راجلا و لا يقدر على الراحلة و ذى عيال لا يستطيع نقلهم و يخاف عليهم الضياع ان هاجر بدونهم وَ النِّساءِ فانهن مستضعفات غالبا وَ الْوِلْدانِ يعنى الصبيان ذكرهم فى الاستثناء مبالغة فى الأمر و الاشعار بانهم على صدد وجوب الهجرة إذا بلغوا و قدروا على الهجرة او المراد بالولدان أولياؤهم فان أولياءهم إذا قدروا على نقلهم من دار الشرك وجب عليهم ذلك و الا فهم من المستضعفين و لم يذكر العبيد فان العبد إذا كان قادرا على الهجرة يجب عليه ذلك و لا يمنعه حق المولى لان حقوق العباد لا تظهر فى الفروض على الأعيان قال محمد بن إسحاق فى رواية يونس بن بكير حدثنى عبد اللّه بن المكرم و محمد بن يحيى عن شيوخه قال نادى منادى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يعنى إذا حاصر الطائف ايّما عبد نزل من الحصن و خرج إلينا فهو حر فخرج من الحصن بضعة عشر رجلا سماهم الحافظ محمد بن يوسف الصالحي الشافعي فى سبيل الرشاد و روى احمد عن ابن عباس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من خرج إلينا من العبيد فهو حر فخرج العبيد فيهم ابو بكرة فاعتقهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و فى الصحيحين عن ابى عثمان النهدي قال سعد و هو اوّل من رمى بسهم فى سبيل اللّه و ابو بكرة «١» كان بسور حصن الطائف نزل الى النبي صلى اللّه عليه و سلم ثالث ثلاثة و عشرين من الطائف فشق ذلك على اهل الطائف مشقة شديدة و اغتاظوا على غلمانهم فاعتقهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و دفع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كل رجل منهم الى رجل من المسلمين يمونه و يحمله و أمرهم ان يقرءوهم القران و اعلموهم السنن فلما أسلمت ثقيف تكلمت اشرافهم فى هؤلاء المعتقين منهم الحارث بن كلدة يردونهم فى الرق فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أولئك عتقاء اللّه لا سبيل إليهم لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً الحيلة الحذق وجودة النظر و القدرة على التصرف يعنى لا يقدرون على الهجرة و لا يجدون أسبابها وَ لا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (٩٨) اى لا يعرفون السبيل بنفسه و لا يجدون الدليل. (١) فى الأصل أبا بكرة. ٩٩ فَأُولئِكَ عَسَى اللّه أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ ذكر اللّه سبحانه صيغة الاطماع و لفظ العفو إيذانا بان ترك الهجرة امر خطير حتى ان المعذور ايضا ينبغى ان لا يأمن و يترصد الفرصة و يتعلق بها قلبه وَ كانَ اللّه عَفُوًّا غَفُوراً (٩٩) قال ابن عباس كنت انا و أمي ممن عذر اللّه يعنى من المستضعفين و كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يدعو لهؤلاء المستضعفين فى الصلاة، روى البخاري و غيره عن ابى هريرة ان النبي صلى اللّه عليه و سلم كان إذا قال سمع اللّه لمن حمده فى الركعة الاخيرة من صلوة العشاء قنت اللّهم انج عياش بن ابى ربيعة اللّهم انج الوليد بن الوليد اللّهم انج سلمة بن هشام اللّهم انج المستضعفين من المؤمنين اللّهم اشدد وطأتك على مضر اللّهمّ اجعلها سنين كسنى يوسف ١٠٠ وَ مَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّه يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً قال على بن ابى طلحة عن ابن عباس مراغما اى متحولا يتحول اليه مشتق من الرغام و هو التراب و قيل طريقا يراغم قومه اى يفارقهم على رغم أنوفهم و هو ايضا من الرغام بمعنى التراب و قال مجاهد متزحزحا عما يكره و قال ابو عبيد المراغم المهاجر يقال راغمت قومى اى هاجرتهم و هو المضطرب و المذهب فى القاموس المراغمة الهجران و التباعد و المراغم بالضم و فتح الغين المذهب و المهرب و الحصن و المضطرب وَ سَعَةً فى الرزق و المعاش و سعة فى الصدر بالأمن و زوال الخوف و اظهار الدّين قال البغوي روى انه لما نزلت هذه الاية سمعها رجل من بنى ليث شيخ كبير مريض يقال له جندع بن ضمرة فقال و اللّه ما انا ممن استثنى اللّه عز و جل و انى لاجد حيلة ولى من المال ما يبلّغنى المدينة و ابعد منها و اللّه لا أبيت الليلة بمكة أخرجوني فخرجوا به يحملونه على سرير حتى أتوا به التنعيم فادركه الموت فصفق بيمينه على شماله ثم قال اللّهم هذه لك و هذه لرسولك أبايعك على ما بايعك عليه رسولك فمات فبلغ خبره رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقالوا لو وافى المدينة لكان أتم و اوفى اجرا و ضحك المشركون فقالوا ما أدرك هذا ما طلب و اخرج ابن ابى حاتم و ابو يعلى بسند جيّد عن ابن عباس قال خرج ضمرة بن جندب من بيته مهاجرا فقال لاهله احملوني فاخرجونى من ارض المشركين الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فمات فى الطّريق قبل ان يصل النبي الى صلى اللّه عليه و سلم فنزلت وَ مَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً حال من الضمير فى يخرج إِلَى اللّه وَ رَسُولِهِ اى الى حيث امر اللّه و رسوله ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ قبل بلوغه مهاجره عطف على يخرج فَقَدْ وَقَعَ اى ثبت و الوقوع بمعنى الوجوب و هو مجاز عن تأكيد حصول الاجر بوعد اللّه تعالى إذ لا يجب على اللّه شى ء أَجْرُهُ عَلَى اللّه وَ كانَ اللّه غَفُوراً رَحِيماً (١٠٠) و اخرج ابن ابى حاتم عن سعيد بن جبير عن ابى ضمرة الزرقي الذي كان مصاب البصر و كان بمكة فلما نزلت إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ الاية فقال انى بلغني و انى لذو حيلة فتجهز مريدا الى النبي صلى اللّه عليه و سلم فادركه الموت بالتنعيم فنزلت هذه الاية و اخرج ابن جرير نحو ذلك عن سعيد بن جبير و عكرمة و قتادة و السدىّ و الضحّاك و غيرهم سمى فى بعضها ضمرة بن العيص و فى بعضها العيص بن ضمرة و فى بعضها جندب بن ضمرة الجندعي و فى بعضها الضمري و فى بعضها رجل من بنى ضمرة و فى بعضها رجل من خزاعة و فى بعضها من بنى ليث و فى بعضها من بنى كنانة و فى بعضها من بنى بكر و اخرج ابن سعد فى الطبقات عن يزيد بن عبد اللّه بن قسيط ان جندع بن ضمرة الضمري الجندعي كان بمكة فقال لبنيه أخرجوني من مكة فقد قتلنى غمّها فقالوا الى اين فاومى بيده نحو المدينة يريد الهجرة فخرجوا به فلمّا بلغوا اضاءة بنى عمارة مات فانزل اللّه تعالى فيه هذه الاية و اخرج ابن ابى حاتم و ابن مندة و الباوزدى فى الصحابة عن هشام بن عروة عن أبيه ان الزبير بن عوام قال هاجر خالد بن حرام الى ارض الحبشة فنهشه حيّة فى الطريق فنزلت فيه هذه الاية و اخرج الأموي فى مغازيه عن عبد الملك بن عمير قال لمّا بلغ اكتم بن صيفى مخرج النبي صلى اللّه عليه و سلم أراد ان يأتيه فابى قومه ان يدعوه قال فليأت من يبلّغه عنى و يبلّغنى عنه فانتدب له رجلان فاتيا النبي صلى اللّه عليه و سلم فقالا نحن رسل اكتم بن صيفى و هو يسئلك من أنت و ما أنت و بما جئت فقال انا محمد بن عبد اللّه و انا عبد اللّه و رسوله ثم تلا إِنَّ اللّه يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ الاية فاتيا اكتم فقالا له ذلك فقال اى قوم انه يأمر بمكارم الأخلاق و ينهى عن ملائمها فكونوا فى هذا لامر رؤساء و لا تكونوا اذنابا فركب بعيره متوجها الى المدينة فمات فى الطريق فنزلت فيه هذه الاية و هذا مرسل و اسناده ضعيف و اخرج ابو حاتم فى كتاب المعمرين من طريقين عن ابن عباس انه سئل عن هذه الاية فقال نزلت فى اكتم بن صيفى قيل فاين الليثي قال كان هذا قبل الليثي بزمانة هى خاصة عامة، (فائدة:) قالوا كل هجرة لطلب علم او حج او جهاد او فرار الى بلد يزداد فيه طاعة او قناعة او زهدا او ابتغاء رزق طيّب فهى هجرة الى اللّه و رسوله و من أدركه الموت فى طريقه فقد وقع اجره على اللّه و اللّه اعلم- اخرج ابن جرير عن على قال سال قوم من بنى النجار رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقالوا يا رسول اللّه انا نضرب فى الأرض فكيف نصلى فانزل اللّه تعالى. ١٠١ وَ إِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ اى سافرتم فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ اى اثم كذا فى القاموس أَنْ تَقْصُرُوا اى فى ان تقصروا مِنَ الصَّلاةِ الرباعية دون الثنائية و الثلاثية اجماعا الى ركعتين و الجار و المجرور صفة لمحذوف اى شيئا من الصلاة عند سيبويه و مفعول لتقصروا بزيادة من عند الأخفش و هاهنا ابحاث البحث الاوّل فى مقدار مسافة السفر المرخص للقصر و قد مرّ هذا البحث فى سورة البقرة فى رخصة إفطار الصّوم (البحث الثاني) فى انه هل يجوز الإتمام فى السفر أم لا، فقال ابو حنيفة و بعض اصحاب مالك لا يجوز قال البغوي و هو المروي عن عمر و على و ابن عمر و جابر و ابن عباس و به قال الحسن و عمر بن عبد العزيز و قتادة و مالك و قال الشافعي و احمد و هو المشهور من مذهب مالك انه يجوز قال البغوي و هو المروي عن عثمان و سعد بن ابى وقاص و الحجة للشافعى ظاهر هذه الاية فان نفى الجناح يقال فى الرخص لا فيما يكون حتما و حديث عائشة ان النبي صلى اللّه عليه و سلم كان يقصر فى السفر و يتم و يفطر و يصوم رواه الشافعي و ابن ابى شيبة و البزار و الدارقطني و قال الدارقطني اسناده صحيح و اعترض عليه بانه من رواية مغيرة بن زياد عن عطاء بن «١» رباح و قد ضعّفه احمد و قال ابو زرعة لا يحتج بحديثه لكن ابن الجوزي أخرجه من طريق عمر بن سعيد عن عطاء و المغيرة بن زياد قد وثقه وكيع و يحيى بن معين و حديث عبد الرحمن بن اسود عن عائشة قالت خرجت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى عمرة فى رمضان فافطر و صمت و قصر و أتممت فقلت بابى أنت و أمي أفطرت و صمت و قصرت و أتممت قال أحسنت يا عائشة رواه النسائي و الدارقطني و حسنه و البيهقي و صححه و اعترض عليه بان عبد الرحمن بن اسود دخل على عائشة و هو صغير لم يسمع منها و قال الدارقطني دخل عليها و هو مراهق و فى تاريخ البخاري و غيره ما يشهد لذلك و روى الدارقطني هذا الحديث عن عبد الرحمن بن اسود عن أبيه عن عائشة و اختلف قول الدارقطني فيه فقال فى السير اسناده حسن و قال فى العلل المرسل أشبه و اعترض عليه ايضا بانه صلى اللّه عليه و سلم لم يعتمر فى رمضان باتفاق اصحاب السير لكن قوله فى عمرة رمضان فى رواية الدارقطني و ليس فى رواية غيره و اللّه اعلم احتج ابو حنيفة بحديث يعلى بن امية قال سالت عمر بن الخطّاب قلت ليس عليكم جناح ان تقصروا من الصّلوة ان خفتم ان يفتنكم الّذين (١) ابن ابى رباح [.....]. كفروا و قد أمن الناس فقال لى عمر عجبت منه فسالت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن ذلك فقال صدقة تصدق اللّه بها عليكم فاقبلوا صدقته رواه مسلم و حديث انس بن مالك رجل من بنى عبد اللّه بن كعب ليس له رواية عن النبي صلى اللّه عليه و سلم غير هذا الحديث قال أغارت علينا خيل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فاتيت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فوجدته يتغذى فقال ادن فكل فقلت انى صائم فقال ادن أحدثك عن الصوم ان اللّه وضع عن المسافر الصّوم و شطر الصلاة و عن الحامل و الموضع الصوم فيالهف نفسى ان لا أكون طعمت من طعام رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم رواه ابن الجوزي من طريق الترمذي و الشافعي احتج بهذا الحديث لمذهبه حيث قرن الصوم بالصّلوة و رخصة المسافر فى فطر الصوم رخصة التخيير اجماعا، وجه احتجاج ابى حنيفة ان الوضع هو الاسقاط لكن استعماله فى رخصة الصوم يدل على ان المراد به هاهنا التخيير و لو مجازا و الجمع بين الحقيقة و المجاز لا يجوز حتى يقال انه فى حق الصوم للتخيير و فى حق الصلاة للاسقاط و وجه احتجاج ابى حنيفة بحديث يعلى بن امية عن عمر انّ التصدق بما لا يحتمل التمليك إسقاط محض و ان كان المتصدق ممن لا يلزم و طاعته كولى القصاص إذا عفى فممّن يلزم طاعته اولى و ان الأمر بقبول الصدقة للوجوب و احتج ابو حنيفة ايضا بأثر عمر بن الخطاب قال صلوة السفر ركعتان و صلوة الأضحى ركعتان و صلوة الفطر ركعتان و صلوة الجمعة ركعتان تمام غير قصر على لسان محمد صلى اللّه عليه و سلم أخرجه النسائي و ابن ماجة و اثر ابن عباس قال فرض اللّه الصّلوة على نبيكم فى الحضر أربعا و فى السّفر ركعتين و فى الخوف ركعة رواه مسلم و اثر عائشة قالت فرضت الصلاة ركعتين فاقرت صلوة السّفر و زيد فى صلوة الحضر متفق عليه و فى لفظ قال الزهري قلت لعروة فما بال عائشة تتم فى السفر قال انها تاوّلت كما تاوّل عثمان و فى لفظ للبخارى فرضت الصلاة ركعتين ركعتين ثم لمّا هاجر النبي صلى اللّه عليه و سلم فرضت أربعا فتركت صلوة السفر على الاول و بحديث ابن عمر قال صحبت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى السفر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه اللّه و صحبت عمر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه اللّه و صحبت عثمان فلم يزد على ركعتين حتى قبضه اللّه و قد قال اللّه تعالى لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّه أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ رواه البخاري و فى الصحيحين بلفظ صحبت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فكان لا يزيد فى السفر على ركعتين و أبا بكر و عمر و عثمان كذلك و ايضا فيهما عنه صلى اللّه عليه و سلم صلى بمنى ركعتين و ابو بكر بعده و عمر بعد ابى بكر و عثمان صدرا من خلافته ثم ان عثمان صلى بعده أربعا و بما روى احمد ان عثمان صلى بمنى اربع ركعات فانكر الناس عليه فقال ايها الناس انى تاهلت بمكة منذ قدمت و انى سمعت رسول اللّه صلىاللّه عليه و سلم يقول من تاهل فى بلد فليصل صلوة المقيم وجه الاحتجاج ان انكار الناس على عثمان فى إتمامه و بيانه العذر بالتأهل بمكة دليل واضح على انه لا يجوز الإتمام و لو جاز لما أنكروا عليه و لما اعتذر بالتأهل بل ببيان التخيير- و أجيب عن الآثار بان اثر عمر بن الخطاب ان صلوة السفر ركعتان تمام فى الاجر غير قصر يعنى لا نقصان فى صلوته و كيف يقول عمر غير قصر مع انه تعالى يقول فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا فانه صريح فى كونه قصرا و حديث الآحاد و ان كان مرفوعا ساقط فى مقابلة نصّ الكتاب فكيف الموقوف و اثر ابن عباس متروك بالإجماع حيث لم يذهب أحد الى ان الصّلوة فى الخوف ركعة و اثر عائشة لا يجوز العمل به لان عمل الراوي على خلاف ما يرويه جرح فى الحديث و لا شك ان عائشة كانت تتم فى السفر و روت عن النبي صلى اللّه عليه و سلم رخصة التخيير فيجب ان يحمل قولها تركت صلوة السفر على الاول على من ان من اختار الركعتين فكانّ الصلاة تركت فى حقه على الحالة الاولى و امّا حديث ابن عمر فشهادة على النفي و حديث عائشة شهادة على الإثبات فهو اولى او يقال معناه لم يزد على ركعتين غالبا و ايضا ذكر ابن عمران عثمان صلى صدرا من خلافته ركعتين ثم صلى أربعا و لم يذكر انكار الناس عليه و هذا دليل التخيير و ايضا قوله لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّه أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ تدل على الاولوية دون الوجوب و انكار الناس على عثمان و اعتذاره جاز ان يكون لترك الاولى و احتج الحنفية بالمعقول بان الشفع الثاني لا يقضى و لا يأثم بتركه و هذا اية النافلة بخلاف الصوم فانه يقضى و بخلاف الحج على الفقير فانه يصير فريضة إذا دخل الميقات و ان التخيير بين الواجبات لا يكون الا لنوع يسر فى كلا الامرين كما فى صوم رمضان للمسافر فان فيه ايضا نوع يسر بسهولة فى الصوم مع الناس ما ليس فى انفراده و لا كذلك فى الاثنين و الأربع فان اليسر فى الاثنين متيقن و امّا جمعة السافر و ظهره فكل واحد منهما جنس اخر من الصلاة و فى كل منهما نوع يسر حيث يشترط فى الجمعة ما لا يشترط فى الظهر و التخيير بلا مراعاة يسر للمكلّف مناف لشأن العبودية و أجيب بان التخيير بين القليل و الكثير مفيد فاختيار القليل لليسر و اختيار الكثير لزيادة الاجر و زيادة الاجر فى الأربع لا يوجب نقصانا فى الثنتين نظيره القراءة فى الصلاة فان المصلى مخيّربين ان يقرا ادنى ما يجوز به الصلاة و حينئذ لا نقصان فى صلوته و بين ان يقرا القران كله فى ركعة و كلّما قرا فى الصلاة و ان كان جميع القران وقع من الفريضة لانه فرد من افراد المأمور به حيث قال اللّه تعالى فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ و يرد عليه ان تقريركم هذا يدل على ان الإتمام للمسافر أفضل و اكثر ثوابا من القصر كما انّ زيادة القراءة فى الصلاة أفضل اجماعا و انما يكره الزيادة على القدر المسنون فى حقّ الامام رعاية للقوم و امّا فى المنفرد و كذا فى حق الامام إذا كان القوم راغبين فلا كراهة اجماعا لكن القصر فى السفر أفضل من الإتمام اجماعا و ما روى عن الشافعي من أحد قوليه ان الإتمام أفضل فقد رجع عنه و أجاب الحنفية عن استدلال الشافعي بهذه الاية ان الناس لما كانوا الفوا بالإتمام كان مظنة ان يخطر ببالهم ان عليهم نقصانا فى القصر فنفى عنهم الجناح لتطيب أنفسهم بالقصر و يطمانوا اليه نظيره قوله تعالى إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللّه فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما ورد بان هذا ترك بظاهر الاية من غير موجب فلا يجوز و اللّه اعلم البحث الثالث ان سفر المعصية يبيح القصر عند ابى حنيفة لعموم هذه الاية و قالت الائمة الثلاثة لا يبيح و ليس لهم ما يمكن التعويل عليه من الحجة البحث الرابع إذا فارق المسافر بيوت المصر صلى ركعتين عند الائمة الاربعة و فى رواية عن مالك إذا كان من المصر على ثلثة أميال و حكى عن الحارث بن ربيعة انه أراد سفرا فصلى بهم ركعتين فى منزله و فيهم الأسود و غير واحد من اصحاب عبد اللّه و عن مجاهد انه كان إذا خرج نهارا لم يقصر حتى يدخل الليل و ان خرج ليلا لم يقصر حتى يدخل النهار، لنا ان الاقامة يتعلق بدخول المصر فالسفر يتعلق بخروجها و روى ابن ابى شيبة عن على رضى اللّه عنه انه خرج من البصرة فصلى الظهر أربعا يعنى قبل التجاوز عن بيوت المصر ثم قال لو جاوزنا هذا الحصن لصلينا ركعتين و كذا إذا رجع من السفر و أراد دخول بلده صلى ركعتين ما لم يدخل بيوت مصره فاذا دخل البيوت صلى أربعا اجماعا ذكر البخاري تعليقا قال خرج على فقصر و هو يرى البيوت فلمّا رجع قيل له هذه الكوفة قال لا حتى ندخلها يريد انه صلى ركعتين و الكوفة بمراء منهم و روى عبد الرزاق قال أخبرنا الثوري عن وفا بن إياس الأسدي قال خرجنا مع على و نحن ننظر الكوفة فصلى ركعتين ثم رجعنا فصلى ركعتين و هو ينظر الى القرية فقلنا له الا نصلى أربعا قال لا حتى ندخلها البحث الخامس فى انه فى أثناء السفر إذا نوى فى بلد او قرية اقامة اربعة ايام غير يومى الدخول و الخروج صلى أربعا عند مالك و الشافعي، و عن احمد ان نوى اقامة مدة يفعل فيها اكثر من عشرين صلوة أتم و قال ابو حنيفة لا يتم حتى ينوى اقامة خمسة عشر يوما فى مصر او قرية و لا عبرة بنية الاقامة فى الصحراء و الاخبية لنا ما صح انه صلى اللّه عليه و سلم دخل مكة فى حجة الوداع صبيحة رابعة ذى الحجة يوم الأحد فلما كان يوم التروية ثامن ذى الحجة يوم الخميس توجه الى منى و بعد طلوع الشمس من يوم عرفة توجه الى عرفة فاذا فرغ من الحج بات بالمحصّب ليلة الأربعاء ثم طاف عليه السلام طواف الوداع سحرا قبل الصبح و خرج صبيحة و هو اليوم الرابع عشر فتمت عشر ليال و اقام بمكة الى يوم التروية اربعة ايام و لياليها كوامل فظهر بذلك بطلان قول مالك و الشافعي دون قول احمد حيث صلى النبي صلى اللّه عليه و سلم بمكة عشرين صلوة لا مزيد عليه احتج ابو حنيفة بالآثار اخرج الطحاوي عن ابن عباس و ابن عمر قالا إذا قدمت بلدة و أنت مسافر و فى نفسك ان تقوم خمس عشرة ليلة فاكمل الصلاة بها و ان كنت لا تدرى متى تظعن فاقصرها و روى ابن ابى شيبة بسنده عن مجاهد ان ابن عمر كان إذا جمع على اقامة خمسة عشر أتم و قال محمد فى كتاب الآثار ثنا ابو حنيفة ثنا موسى بن مسلم عن مجاهد عن ابن عمر قال إذا كنت مسافرا فوطنت نفسك على اقامة خمسة عشر يوما فاتمم الصلاة و ان كنت لا تدرى متى تظعن فاقصر مسئلة:- لو دخل مصرا يريد ان يخرج غدا او بعد غد او متى أنجز حاجته و لم ينو مدة الاقامة حتى بقي على ذلك سنين قصرا بدا كذا قال الجمهور و هو أحد اقوال الشافعي و فى قول يقصر اربعة عشر يوما و أرجح أقواله يقصر سبعة عشر و يتم ثمانية عشر لحديث ابن عباس قال سافر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم سفرا فصلى سبعة عشر يوما ركعتين ركعتين قال ابن عباس فنحن نصلى الى سبعة عشر ركعتين ركعتين فاذا قمنا اكثر من ذلك صلينا أربعا رواة الترمذي و قال هذا حديث صحيح و لا حجة فيه لانه اتفقت الا قامة تلك المدة و الظاهر لو زادت دام القصر و قد روى احمد و ابو داود عن جابر قال اقام رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بتبوك عشرين يوما يقصر الصلاة و روى عبد الرزاق بسنده ان ابن عمر اقام بآذربيجان ستة أشهر يقصر الصلاة و رواه البيهقي بسند صحيح و روى البيهقي بسنده ان ابن عمر قال ارتج علينا الثلج و نحن بآذربيجان ستة أشهر فى غزاة فكنا نصلى ركعتين و فيه انه كان مع غيره من الصحابة يفعلون ذلك و اخرج عبد الرزاق عن الحسن قال كنا مع عبد الرحمن بن سمرة ببعض بلاد فارس سنين فكان لا يجمع و لا يزيد على ركعتين و اخرج عن انس بن مالك انه كان مع عبد الملك بن مروان بالشام شهرين فيصلى ركعتين ركعتين مسئلة:- الملاح إذا سافر فى سفينة فيها اهله و ماله و كذا المكاري الذي يسافر دائما يقصر عند الثلاثة لاطلاق النص و قال احمد لا يقصر- مسئلة نية الاقامة من اهل الكلاء و هم الاخبية قيل لا يصح و الصحيح انهم مقيمون لان الاقامة اصل فلا يبطل بالانتقال من مرعى الى مرعى (مسئلة) إذا اقتدى المسافر بمقيم فى جزء من صلاته أتم أربعا عند الجمهور و قال مالك ان أدرك ركعة من صلوته أتم و الا فلا و قال إسحاق بن راهويه يقصر المسافر خلف المقيم روى احمد عن موسى بن سلمة قال كنا مع ابن عباس بمكة فقلت انا إذا كنّا معكم صلينا أربعا و إذا رجعنا صلينا ركعتين قال تلك سنة ابى القاسم صلى اللّه عليه و سلم مسئلة من فاته صلوة الحضر فقضاها فى السفر قضاها تامّة قال ابن المنذر لا اعرف فيه خلافا الّا شيئا يحكى عن الحسن و المزني انه يقصر و ان فاتته صلوة فى السفر فقضاها فى الحضر يقصر عند ابى حنيفة و مالك واحد قولى الشافعي و عند احمد يتم و هو أصح قولى الشافعي (مسئلة) ان صلى المسافر بالمقيمين صلى ركعتين و أتم المقيمون صلاتهم اجماعا عن عمران بن حصين قال غزوت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و شهدت معه الفتح فاقام بمكة ثمان عشر ليلة لا نصلى الا ركعتين يقول يا اهل مكة صلّوا أربعا فانا قوم سفر رواه الترمذي و صححه- إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ اى ينالكم بمكروه من قتل او جرح او اسر او سلب مال، الَّذِينَ كَفَرُوا هذا شرط استغنى عن الجزاء بما سبق يعنى ان خفتم الفتنة من الكفّار فاقصروا من الصلاة فالخوف شرط لجواز القصر بظاهر هذا النصّ و به قالت الخوارج و الإجماع على انه ليس بشرط بل الكلام خارج مخرج الغالب فان غالب اسفار النبي صلى اللّه عليه و سلم كان مظنة الخوف فلا حكم لهذا الشرط كما فى قوله تعالى وَ لا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً و قد تظاهرت السنن على قصر الصلاة فى حالة الامن كما ذكرنا حديث يعلى بن امية عن عمر و روى الشافعي عن ابن عبّاس قال سافر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بين مكة و المدينة أمنا لا يخاف الّا اللّه يصلى ركعتين- و عن حارثة بن وهب الخزاعي صلى بنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و نحن اكثر ما كنا قطّ و امنة بمنى ركعتين متفق عليه و قيل قوله ان خفتم متصل بما بعده من صلوة الخوف منفصل عما قبله و هذا و ان كان بعيدا من حيث النظم لكنه قريب من حيث المعنى إذ الخوف فى صلوة الخوف شرط قطعا اجماعا و لم يذكر فيما بعد و يؤيده ما قال البغوي انه روى عن ابى أيوب الأنصاري انه قال نزل قوله فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ هذا القدر ثم بعد حول سالوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن صلوة الخوف فنزل إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً وَ إِذا كُنْتَ فِيهِمْ الاية قال البغوي و مثله فى القران كثير يجى ء الخبر بتمامه ثم ينسق عليه خبر اخر هو فى الظاهر كالمتّصل به و هو منفصل عنه كقوله تعالى الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ و هذه حكاية عن امراة العزيز و قوله ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ اخبار عن يوسف عليه السلام و اخرج ابن جرير عن على عليه السلام قال سال قوم من بنى نجار رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قالوا يا رسول اللّه انا نضرب فى الأرض فكيف نصلى فانزل اللّه تعالى وَ إِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ ثم انقطع الوحى فلما كان بعد ذلك بحول غزا النبي صلى اللّه عليه و سلم فصلى الظهر فقال المشركون لقد أمكنكم محمد و أصحابه من ظهورهم فهلا شددتم عليهم فقال قائل منهم ان لهم اخرى مثلها فى اثرها فانزل اللّه بين الصلاتين إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا الى قوله عَذاباً مُهِيناً قلت فعلى هذا جزاء الشرط محذوف يدل عليه ما بعده يعنى إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فلا تتركوا الحزم و الجهاد فى حالة الصلاة إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً (١٠١) ظاهر العداوة و اخرج احمد و الحاكم و صححه و البيهقي فى الدلائل عن ابى عياش الزرقي قال كنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بعسفان فاستقبلنا المشركون عليهم خالد بن وليد و هم بيننا و بين القبلة فصلى بنا النبي صلى اللّه عليه و سلم الظهر فقالوا قد كانوا على حالة لو أصبنا غرتهم ثم قالوا يأتى عليهم الان صلوة هى احبّ إليهم من أبنائهم و أنفسهم قال فنزل جبرئيل بهذه الاية بين الظهر و العصر. ١٠٢ وَ إِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ الاية قال فحضرت فامرهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فاخذوا بسلاح قال فصففنا خلفه صفين قال ثم ركع فركعنا جميعا ثم رفع فرفعنا جميعا ثم سجد النبي صلى اللّه عليه و سلم بالصّف الذي يليه و الآخرون قيام يحرسونهم فلمّا سجدوا و قاموا جلس الآخرون فسجدوا فى مكانهم ثم تقدم هؤلاء الى مصاف هؤلاء و جاء هؤلاء الى مصاف هؤلاء قال ثم ركع فركعوا جميعا ثم رفع فرفعوا جميعا ثم سجد النبي صلى اللّه عليه و سلم ثم انصرف فصلّاها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مرتين مرة بعسفان و مرة بأرض بنى سليم و روى مسلم صلوة الخوف عن النبي صلى اللّه عليه و سلم مثل هذا من حديث جابر قوله تعالى وَ إِذا كُنْتَ يا محمد حاضرا فِيهِمْ و أنتم تخافون العدو قيدنا بهذا القيد للاجماع على كون الحكم مقيدا به و ان كان قوله تعالى ان خفتم الاية متصلا بما بعده كما قيل فهو قرينة على هذا التقييد و على هذا جاز ان يكون هذه الاية معطوفة على قوله ان خفتم و الشرط مجموع الامرين الخوف و كونه صلى اللّه عليه و سلم فيهم و بناء على اشتراط كونه صلى اللّه عليه و سلم فيهم كما ينطق به ظاهر النصّ قال ابو يوسف رحمه اللّه انّ صلوة الخوف كانت مختصة به صلى اللّه عليه و سلم غير مشروع بعده و عامة العلماء على انها ثابت الحكم بعد النبي صلى اللّه عليه و سلم و الائمة نواب عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى كل عصر فكان الخطاب متنا و لا لكل امام و هذا جرى على عادة القران فى الخطاب للنبى صلى اللّه عليه و سلم و ان كان المقصود جميع الامة كما فى قوله تعالى فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ و الحجة على جواز صلوة الخوف بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان الصحابة رضوان اللّه عليهم أجمعين صلوا صلوة الخوف بعد النبي صلى اللّه عليه و سلم من غير نكير بعضهم على بعض فصار اجماعا روى ابو داود انهم غزوا مع عبد الرحمن بن سمرة كابل فصلى بنا صلوة الخوف و روى عن على عليه السلام انه صلاها يوم الصفين و ذكر الرافعي انه صلى المغرب صلوة الخوف ليلة الهرير بالطائفة الاولى ركعة و بالثانية ركعتين و قال البيهقي يذكر عن جعفر ابن محمّد عن أبيه ان عليا صلى المغرب صلوة الخوف ليلة الهرير و قال الشافعي و حفظ عن علىّ انه صلى صلوة الخوف ليلة الهرير كما روى صالح بن خوات عن النبي صلى اللّه عليه و سلم و روى البيهقي من طريق قتادة عن ابى العالية عن ابى موسى الأشعري انه صلى صلوة الخوف بأصبهان و روى البيهقي عن سعد بن ابى وقاص انه صلى صلوة الخوف بحرب مجوس بطبرستان و معه الحسن ابن على و حذيفة بن اليمان و عبد اللّه بن عمرو بن العاص و روى ابو داود و النسائي من طريق ثعلبة بن زهرم قال كنا مع سعيد بن العاص فقال أيكم صلى مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم صلوة الخوف فقال حذيفة انا فصلى مع هؤلاء ركعة و مع هؤلاء ركعة فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ يعنى فاجعلهم طائفتين فليقم أحدهما معك فصل بهم وَ لْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ قال مالك يجب حمل السّلاح فى صلوة الخوف و هو أحد قولى الشافعي و قال اكثر العلماء الأمر للاستحباب فَإِذا سَجَدُوا يعنى إذا أتم المصلون ركعة مع الامام و جاز ان يكون معناه فاذا صلوا اطلق السجود و أريد به الصلاة بتمامها تسمية الكل باسم الجزء فَلْيَكُونُوا اى المصلون مِنْ وَرائِكُمْ ايها الائمة الى تجاه العدو وَ لْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فى محل الرفع صفة لطائفة فَلْيُصَلُّوا اى تلك الطائفة الاخرى مَعَكَ يحتمل ان يراد بالصلوة الصلاة بتمامها و ان يراد بالصلوة الركعة الثانية وَ لْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَ أَسْلِحَتَهُمْ المراد بالحذر ما يتحذر به من العدو كالدرع و الجنة و بالسّلاح ما يقاتل به- اعلم انه روى صلوة الخوف عن النبي صلى اللّه عليه و سلم على وجوه أحدها ما ذكرنا من حديث ابى عياش الزرقي و حديث جابر قصة صلاته صلى اللّه عليه و سلم بعسفان إذا كان العدو بيننا و بين القبلة ثانيها ما رواه الشيخان فى الصحيحين عن جابر قال أقبلنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حتى إذا كنا بذات الرقاع و فيه فصلى بطائفة ركعتين ثم تاخروا فصلى بالطائفة الاخرى ركعتين قال فكانت لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اربع ركعات و للقوم ركعتان متفق عليه و هذا الحديث يحتمل الوجهين أحدهما انه صلى اللّه عليه و سلم صلى أربعا بتسليمة واحدة و كل طائفة صلى معه ركعتين ركعتين و ثانيهما ان النبي صلى اللّه عليه و سلم صلى بكل طائفة ركعتين و سلم على كل ركعتين كذا وقع صريحا فى حديث جابر ان النبي صلى اللّه عليه و سلم كان يصلى بالناس صلوة الظهر فى الخوف ببطن نخل فصلى بطائفة ركعتين ثم سلم ثم جاء طائفة اخرى فصلى بهم ركعتين رواه البغوي من طريق الشافعي و شيخ الشافعي مجهول لكن وثقه الشافعي فقال أخبرني الثقة ابو عليّة او غيره، عن يونس عن الحسن عن جابر و رواه ابن الجوزي من طريق الدارقطني عن عنبسة عن الحسن عن جابر قال ابن الجوزي لا يصح قال يحيى بن معين عنبسة ليس بشى ء و قال النسائي متروك و قال ابو حاتم كان يضع الحديث و روى هذا الحديث ابو داود و ابن حبان و الحاكم و الدارقطني من حديث ابى بكرة ففى رواية ابى داود و ابن حبان انها الظهر و فى رواية الدارقطني انها المغرب و أعلها ابن القطّان بان أبا بكرة اسلم بعد وقوع صلوة الخوف قال الحافظ هذا ليس بعلة فانه يكون مرسل الصحابي ثالثها ما رواه الشيخان عن يزيد بن رومان عن صالح بن خوات عن من صلى مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يوم ذات الرقاع و اخرج البخاري بطريق اخر عن صالح بن خوات عن سهيل بن ابى حثمة عن النبي صلى اللّه عليه و سلم ان طائفة صفت معه و طائفة و جاه العدو فصلى بالتي معه ركعة ثم ثبت قائما و أتموا لانفسهم ثم انصرفوا وصفوا و جاه العدو و جاءت الطائفة الاخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته ثم ثبت جالسا و اتمّوا لانفسهم ثم سلم بهم رابعها ما رواه الترمذي و النسائي عن ابى هريرة ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم نزل بين ضحنان و عسفان فقال المشركون لهؤلاء صلوة هى احبّ إليهم من ابائهم و أبنائهم و هى العصر فاجمعوا أمركم فتميلوا عليهم ميلة واحدة و ان جبرئيل اتى النبي صلى اللّه عليه و سلم فامره ان يقسّم أصحابه شطرين فيصلى بهم و يقوم طائفة اخرى وراءهم و ليأخذوا حذرهم و أسلحتهم فيكون لهم ركعة و لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ركعتان رواه الترمذي و النسائي و هكذا قال البغوي انه روى عن حذيفة عن النبي صلى اللّه عليه و سلم فى صلوة الخوف صلى بهؤلاء ركعة و بهؤلاء ركعة و لم يقضوا قال البغوي و رواه زيد بن ثابت و قال كانت للقوم ركعة ركعة و للنبى صلى اللّه عليه و سلم ركعتان و تاوّله قوم على صلوة شدة الخوف و قالوا الفرض فى هذه الحالة ركعة واحدة خامسها ما رواه البخاري فى الصحيح عن سالم بن عمر عن أبيه قال غزوت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قبل نجد فوازينا العدو فصاففنا فقام رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يصلى لنا فقامت طائفة معه و أقبلت طائفة على العدو و ركع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم معه و سجد سجدتين ثم انصرفوا مكان الطائفة التي لم يصل فجاءوا فركع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بهم ركعة و سجد سجدتين ثم سلم فقام كل واحد منهم فركع لنفسه ركعة و سجد سجدتين و روى نافع نحوه و زاد فان كان خوف هو أشد من ذلك صلوا رجالا على أقدامهم او ركبانا مستقبلى القبلة او غير مستقبليها قال نافع لا ارى قال ابن عمر ذلك الّا عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و ليس فى رواية ابن عمر هذه اىّ الطّائفتين يتم صلاته اوّلا بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و اختار ابو حنيفة من وجوه صلوة الخوف هذا الوجه الأخير و لم يجوّز سواه و قال يذهب الطائفة الثانية بعد سلام الامام و جاه العدو و يجى ء الطائفة الاولى فيتم صلاته اوّلا ثم يجى ء الطائفة الثانية فيتم صلاته و يسلم لما ذكر محمد فى كتاب الآثار هكذا من رواية ابى حنيفة قول ابن عباس و الموقوف فيه كالمرفوع و لم يجوّز سواه اما الوجه الثاني صلاته عليه السلام ببطن نخل فهو يستلزم اقتداء المفترض بالمتنفل قال الطحاوي انه كان فى وقت كانت الفريضة تصلى مرتين ثم نسخ ذلك و لو كانت الفريضة مشروعة تكرارها لما احتيج الى شرع صلوة الخوف مع المنافى و امّا الوجه الثالث صلاته صلى اللّه عليه و سلم بذات الرقاع فهو يستلزم ان يركع المؤتم و يسجد قبل الامام و ذلك لم يعهد و ان انتظار الامام المأموم على خلاف مقتضى الامامة و امّا الوجه الرابع صلاته صلى اللّه عليه و سلم بين ضحنان و عسفان يكون للقوم ركعة واحدة فمتروك العمل بالإجماع لانهم اتفقوا على ان الخوف لا ينقص عدد الركعات و امّا الوجه الاوّل صلاته صلى اللّه عليه و سلم بعسفان حين كان العدو بينه و بين القبلة فهو مخالف لكتاب اللّه تعالى حيث قال اللّه تعالى فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ و فى هذا الوجه تقوم الطائفتان جميعا و قال اللّه تعالى وَ لْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا و فى هذا الوجه انهم قد صلوا و قال الشافعي و احمد و مالك جميع الصفات المروية عن النبي صلى اللّه عليه و سلم فى صلوة الخوف معتد بها و انما الخلاف فى الترجيح و قال احمد بن حنبل ما اعلم فى هذا الباب الّا حديثا صحيحا و اختار الشافعي من الوجوه المذكورة اربعة أوجه و احمد ثلاثة ان كان العدو بينه و بين القبلة فالمختار عندهما الوجه الاول صلاته بعسفان و ان كان فى جهة غير جهة القبلة فالمختار عند الشافعي امّا الوجه الثاني صلاته عليه السلام ببطن نخل و اقتداء المفترض بالمتنفل صحيح عنده خلافا لاحمد و امّا الوجه الثالث صلاته عليه السلام بذات الرقاع و عند احمد هو المختار فحسب قالوا هذا الوجه أشدّ موافقة لظاهر القران و أحوط للصلوة و ابلغ للحراسة عن العدو و ذلك لان اللّه تعالى قال فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ اى إذا صلوا ثم قال وَ لْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا و هذا يدل على ان الطائفة الاولى قد صلوا و قال فليصلّوا معك، و مقتضاه ان بصلوا تمام الصلاة و ظاهره يدل على ان كل طائفة تفارق الامام بعد تمام الصلاة و فيه الاحتياط لامر الصلاة من حيث انه لا يكثر فيها العمل و الذهاب و المجي ء و الاحتياط لامر الحرب من حيث انهم إذا لم يكونوا فى الصلاة كان أمكن للحرب و الهرب ان احتاجوا اليه و الوجه الرابع للشافعى و هو الثالث لاحمد حين يلتحم القتال و يشتد الخوف فيصلى كيف أمكن راكبا و ماشيا و يعذر فى ترك القبلة و فى الأعمال الكثيرة لحاجة و ان عجز عن ركوع و سجود اومأ و السجود اخفض و قال ابو حنيفة لا يجوز الصلاة فى حالة القتال ماشيا و القتال و العمل الكثير يفسد الصلاة عنده و يجوز الصلاة راكبا يومى ايماء او قائما على قدميه و قد مرّت هذه المسألة فى سورة البقرة فى تفسير قوله تعالى فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً- (فائدة) قال الحافظ رويت صلوة الخوف عن النبي صلى اللّه عليه و سلم على اربعة عشر نوعا ذكرها ابن حزم فى جزء مفرد بعضها فى صحيح مسلم و معظمها فى سنن ابى داود و ذكر الحاكم منها ثمانية انواع و ابن حبان تسعة مسئلة يجوز صلوة الخوف فى الحضر عند الجمهور خلافا لمالك فيصلى بكل طائفة ركعتين و يصلى المغرب بالأولى ركعتين و بالثانية ركعة و اللّه اعلم- وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اى يتمنون لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَ أَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ عطف على تغفلون اى يحملون و يشدون عليكم مَيْلَةً واحِدَةً بجملتهم و كلمة لو للتمنى و الجملة بيان للوداد و جاز ان يكون لو مصدرية و الجملة فى محل النصب على انه مفعول ودوا و هذا بيان ما لاجله أمروا بأخذ السلاح و الصلاة بهذه الكيفية و اللّه اعلم، قال الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم غزى محاربا و بنى انمار فنزلوا و لا يرون من العدو واحدا فوضع الناس أسلحتهم و خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لحاجة له قد وضع سلاحه حتى قطع الوادي و السماء ترش فحال الوادي بين رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و بين أصحابه فجلس رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى ظل شجرة فبصر به غويرث بن الحارث المحاربي فقال قتلنى اللّه ان لم اقتله ثم انحدر من الجبل و معه السيف قد سلّه من غمده فقال يا محمد من يعصمك منى الان قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ثم قال اللّهم اكفنى غويرث بن الحارث بما شئت ثم أهوى بالسيف الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ليضربنه فانكب بوجهه من زلّخة «١» زلّخها بين كتفيه و ندر سيفه فقام رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فاخذ ثم قال يا غويرث من يمنعك (١) زلخة بضم الزاء و تشديد اللام و فتحها وجع يأخذ فى الظهر لا يتحرك الإنسان من شدته و اشتقاقها من الزلخ و هو الزلق نهاية- منه رحمه اللّه و فى القران ودّ. منى الان قال لا أحد قال تشهد ان لا اله الا اللّه و ان محمدا عبده و رسوله و أعطيك سيفك قال لا و لكن اشهد ان لا أقاتلك ابدا و لا أعين عليك عدوا فاعطاه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم سيفه فقال غويرث و اللّه لانت خير منى قال النبي أجل انا أحق بذلك منك فرجع غويرث الى أصحابه فقالوا ويلك ما منعك منه قال لقد أهويت اليه بالسّيف لاضربنه فو اللّه ما أدرى من زلخنى بين كتفى فخررت بوجهي و ذكر حاله فنزل قوله تعالى وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ يبلّ السلاح أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى لا تستطيعون حمل السّلاح لثقلها أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ اى فى ان تضعوا وقع الشرط فى خلال جملة تصلح للجزاء فحذف الجزاء استغناء تقدير الكلام و ان كان بكم أذى من مطر او كنتم مرضى فلا جناح عليكم فى ان تضعوا أسلحتكم، رخص اللّه سبحانه فى وضع الأوزار بعذر المطر او المرض و ذلك يدل على ان الأمر بأخذ السلاح فيما سبق للوجوب كما قال مالك و الشافعي دون الاستحباب وَ خُذُوا حِذْرَكُمْ من التحصن بالحصن او التحيز الى المنعة فى مثل هذه الحالة أمرهم فى تلك الحالة بأخذ الحذر كيلا يهجم عليهم العدو فان حفظ الأنفس عن الضياع بلا فائدة (يعود الى إعلاء كلمة اللّه) واجب و هذه الجملة اعنى الأمر بأخذ الحذر فى مثل تلك الحالة وجه المناسبة للاية بما ذكرنا من شأن نزولها كأنّ اللّه سبحانه ارشد نبيه صلى اللّه عليه و سلم ان لا يبعد عن المعسكر وحده لحاجة الإنسان عند خوف العدو إِنَّ اللّه أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (١٠٢) فى الدنيا بالقتل و الاسر و فى الاخرة بالنار و فيه وعد للمؤمنين بالنصر على الكافرين بعد الأمر بالحزم ليتقوى قلوبهم و ليعلموا ان الأمر بالحذر ليس لضعفهم و غلبة عدوهم بل لان الواجب التشبث بالأسباب على مقتضى جرى العادة و ان تحافظوا على التيقظ و التدبر مع التوكل على اللّه ثم الكلبي فى الرواية المذكورة قال و سكن الوادي فقطع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الوادي الى أصحابه و أخبرهم الخبر و قرا عليهم هذه الآية و اخرج البخاري عن ابن عباس قال نزلت إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى فى عبد الرحمن بن عوف كان جريحا يعنى رخص هو لاجل الجرح فى وضع الاسلحة. ١٠٣ فَإِذا «١» قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ اى فرغتم منها يعنى من صلوة الخوف فَاذْكُرُوا اللّه قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلى جُنُوبِكُمْ يعنى فدوموا على الذكر بالتسبيح و التحميد و التهليل و التكبير و غير ذلك فى جميع الأحوال عن عائشة قالت كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يذكر اللّه على كل احيانه رواه ابو داود و الظاهر ان المراد بالآية و الحديث دوام الحضور بالقلب إذ لا يتصور دوام الذكر باللسان (١) فى الأصل و إذا-. و قيل المراد به إذا فرغتم من صلوة الخوف فاذكروا اللّه يعنى صلوا قياما فى حالة الصحة و قعودا او على جنوبكم بحسب الطاقة فى حالة المرض او الزمانة او الجرح او الضعف او المراد إذا أردتم الصلاة فى حالة الخوف فصلوا قياما ان قدرتم عليه و قعودا ان عجزتم عن القيام و على جنوبكم ان عجزتم عن القعود فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ اى سكنت قلوبكم بزوال الخوف فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ فعدلوا و احفظوا أركانها و شرائطها و لا يجوز حينئذ فى الصلاة ما يجوز فى حالة الخوف إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً اى مكتوبا مفروضا مَوْقُوتاً (١٠٣) محدودا بالأوقات لا يجوز إخراجها عنها ما أمكن كانه تعليل لتشريع صلوة الخوف و الصلاة قاعدا او راقدا عند العذر و لا دليل فى هذه الاية على جواز الصلاة فى حالة الحرب و المسابقة كما قال به الشافعي و استدل عليه البيضاوي بهذه الاية لانه لو كانت الصلاة جائزة فى حالة المسابقة لذكرها كما ذكرها قاعدا و على الجنوب فاذا لم يذكر فالاصل عدم الجواز و الاية مجملة فى الأوقات ورد بيانها بالسنة، مسئلة اجمعوا على انّ وقت الظهر بعد الزوال الى وقت العصر و العصر الى غروب الشمس الا انه يكره تحريما بالإجماع بعد اصفرار الشمس و الوقت المختار عند الشافعي ان لا يؤخر العصر عن مصير الظل مثلين و وقت المغرب بعد غروب الشمس و العشاء بعد غروب الشفق الى طلوع الفجر لكن المختار بالإجماع ان لا يؤخر العشاء بعد نصف الليل و الفجر بعد طلوع الصبح المعترض الى طلوع الشمس و اختلفوا فى اخر وقت الظهر و المغرب فالجمهور على ان وقت الظهر الى بلوغ ظل كل شى ء مثله سوى فى ء الزوال و المغرب الى غروب الشفق خلافا لابى حنيفة فى اخر الظهر حيث قال الى المثلين و خلافا لمالك و الشافعي فى أحد قوليه فى اخر المغرب حيث قالا لا يؤخر المغرب فى الاختيار عن غروب الشمس و الأصل فى الباب حديث امامة جبرئيل عن ابن عباس ان النبي صلى اللّه عليه و سلم قال امّنى جبرئيل عند البيت مرتين فصلى بي الظهر فى الاولى منهما حين كان الفي ء مثل الشراك ثم صلى العصر حين كان كل شى ء مثل ظله ثم صلى المغرب حين وجبت الشمس و أفطر الصائم ثم صلى العشاء حين غاب الشفق ثم صلى الفجر حين «١» برق الفجر و حرم الطعام على الصّائم و صلى المرة الثانية الظهر حين صار ظل كل شى ء مثله كوقت العصر بالأمس و صلى العصر حين صار ظل كل شى ء مثليه ثم المغرب بوقته الاول و العشاء الاخر حين ذهب ثلث الليل ثم صلى الصبح حين اصفرت الأرض ثم التفت (١) فى الأصل حتى. الىّ جبرئيل فقال يا محمد هذا وقت الأنبياء من قبلك و الوقت فيما بين هذين رواه ابو داود و الترمذي و قال حسن صحيح و ابن حبان فى صحيحه و الحاكم و قال صحيح الاسناد لكن فيه عبد الرحمن بن الحرث ضعّفه احمد و النسائي و ابن معين و ابو حاتم و وثقه ابن سعد و ابن حبان و قد توبع عليه اخرج عبد الرزاق عن العمرى عن عمرو بن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه عن ابن عباس نحوه قال ابن دقيق العبد هى متابعة حسنة و صححه ابو بكر بن العربي و ابن عبد البر و قد روى حديث امامة جبرئيل عن عدة من الصحابة منهم جابر بمعناه و فيه فصلى العشاء فى اليوم الثاني حين ذهب نصف الليل او قال ثلث الليل قال البخاري أصح حديث فى المواقيت حديث جابر و عن بريدة قال انّ رجلا سال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن وقت الصلاة فقال له صل معنا هذين يعنى اليومين فلمّا زالت الشمس امر بلالا فاذن ثم امره فاقام الظهر ثم امره فاقام العصر و الشمس مرتفعة بيضاء نقية ثم امره فاقام المغرب حين غابت الشمس ثم امره فاقام العشاء حين غاب الشفق ثم امره فاقام الفجر حين طلع الفجر فلما كان اليوم الثاني امره فابرد بالظهر فابردها فانعم ان يبردها و صلى العصر و الشمس مرتفعة آخرها فوق الذي كان و صلى المغرب قبل ان يغيب الشفق و صلى العشاء بعد ما ذهب ثلث الليل و صلى الفجر فاسفرها ثم قال اين السائل عن وقت الصلاة فقال الرجل انا يا رسول اللّه قال وقت صلاتكم بين ما رايتم رواه مسلم و عن ابى موسى نحو حديث بريدة و فيه اخّر النبي صلى اللّه عليه و سلم المغرب يعنى فى اليوم الثاني حتى كان عند سقوط الشفق رواه مسلم و عن عبد اللّه بن عمرو عن النبي صلى اللّه عليه و سلم انه قال وقت الظهر إذا زالت الشمس و كان ظل كل شى ء كطوله ما لم يحضر العصر و وقت العصر ما لم تصفر الشمس و وقت المغرب ما لم يغب «١» الشفق و وقت العشاء الى نصف الليل الأوسط و وقت الفجر من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس (١) فى الأصل ما لم يغرب. رواه مسلم، و فى حديث ابى هريرة اوّل وقت المغرب حين تغرب الشمس و اخر وقتها حين تغيب الأفق و ان اوّل وقت العشاء الاخرة حين تغيب الأفق و ان اخر وقتها حين ينتصف الليل و ان اوّل وقت الفجر حين يطلع و اخر وقتها حين تطلع الشمس رواه الترمذي من حديث محمد بن فضيل عن الأعمش عن ابى صالح عن ابى هريرة و خطأ البخاري رفعه و هذه الأحاديث حجة للجمهور على مالك و الشافعي فى ان اخر وقت المغرب الى ان يغيب الشفق و اما اخر وقت العصر الى غروب الشمس فمستفاد من قوله تعالى إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِناتُ الْجِيادُ فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ و قوله صلى اللّه عليه و سلم من أدرك ركعة من الصبح قبل ان تطلع الشمس فقد أدرك الصبح و من أدرك ركعة من العصر قبل ان تغرب الشمس فقد أدرك العصر متفق عليه من حديث ابى هريرة و امّا اخر وقت العشاء ما لم تطلع الفجر فلم يوجد فى شى ء من الأحاديث صحيح و لا ضعيف لكن اختلف الأحاديث الصحاح فيه روى عن ابن عباس و ابى موسى الأشعري و ابى سعيد الخدري انه صلى اللّه عليه و سلم آخرها الى ثلث الليل و روى عن ابى هريرة و انس انه صلى اللّه عليه و سلم آخرها حتى انتصف الليل و روى ابن عمر انه صلى اللّه عليه و سلم آخرها حتى ذهب ثلثا اللّيل و روت عائشة انه اعتم بها حتى ذهب عامة الليل و كل هذه الأحاديث فى الصحيح قال الطحاوي يفيد مجموع هذه الأحاديث ان الليل كله وقت لها لكن على ثلاث مراتب الى الثلث أفضل و الى النصف دونه و ما بعده دونه، ثم ساق بسنده الى نافع بن جبير قال كتب عمر الى ابى موسى الأشعري وصل العشاء اىّ الليل شئت و لا تغفلها و عند مسلم فى قصّة ليلة التعريس عن ابى قتادة ان النبي صلى اللّه عليه و سلم قال ليس فى النوم تفريط انما التفريط ان يؤخر صلوة حتى يدخل وقت الاخرى و هذا يدل على ان وقتها الى طلوع الفجر و قد اجمعوا على انه إذا اسلم الكافر او طهرت الحائض او بلغ الصبى و قد بقي من الليل شى ء يجب عليه العشاء و امّا أحاديث امامة جبرئيل و امامة النبي صلى اللّه عليه و سلم للسّائل عن وقت الصّلوة فمحمولة على المختار من الوقت ما لا كراهة فيه و لذا قال ابو حنيفة رحمه اللّه تأخير المغرب عن اوّل الوقت مكروه تنزيها لا تحريما لما صحّ عنه صلى اللّه عليه و سلم انه اخر المغرب حتى كان عند سقوط الشفق و تأخير العشاء عما ثبت عنه صلى اللّه عليه و سلم و العصر الى اصفرار الشمس مكروه تحريما و أشدّ كراهة تأخير العصر الى الاصفرار لورود النهى عن الصّلوة فى ذلك الوقت و كونه منسوبا الى الشيطان و امّا ما ورد فى حديث امامة جبرئيل اخر وقت العصر حين صار ظل كل شى ء مثليه فمنسوخ من قوله صلى اللّه عليه و سلم وقت العصر ما لم تصفى الشمس و امّا اخر وقت الظهر فلم يوجد فى حديث صحيح و لا ضعيف انه يبقى بعد مصير ظل كل شى ء مثله و لذا خالف أبا حنيفة فى هذه المسألة صاحباه و وافقا الجمهور و احتج ابو حنيفة بما مرّ من حديث بريدة فلما كان اليوم الثاني امره فامره «١» فابرد بالظهر فابردها فانعم ان يبردها و لقوله صلى اللّه عليه و سلم إذا اشتد الحرّ فابردوا بالصلوة فان شدة الحرّ من فيح جهنم رواه الستة قال ابو حنيفة و أشدّ الحر (١) هكذا فى الأصل-. فى ديارهم فى هذا الوقت حين صار ظل كل شى ء مثله فكان حديث الإبراد ناسخا لحديث امامة جبرئيل فانه اوّل أحاديث الباب و إذا ثبت بقاء وقت الظهر بعد صيرورة الظل مثل الشي ء نسخا لامامة جبرئيل بحديث الإبراد ثبت نسخ حديث امامة جبرئيل فى حق اوّل وقت العصر ايضا لانّ قوله تعالى إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً يقتضى كون «١» الوقت لكل صلوة وقتا على حدة و لذا قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انما التفريط ان يؤخر صلوة حتى تدخل وقت الاخرى لكن امامة جبرئيل فى اليوم الثاني العصر عند صيرورة ظل كل شى ء مثليه يفيد انه وقته و لم ينسخ فيستمر ما علم ثبوته من بقاء وقت الظهر الى ان يدخل هذا الوقت المعلوم كونه وقتا للعصر و هذا الاستدلال ضعيف جدّا و دلالة حديث الأبرار على بقاء وقت الظهر بعد المثل ممنوع بل الأبرار امر إضافي و شدة الحرّ انما يكون عند الزوال و بعض الأبرار يحصل قبيل بلوغ الظل مثل الشي ء و لو كان الحرّ فى ديارهم حين بلوغ ظل الشي ء مثله أشد مما قبله لكان مقتضى الأمر بالابرار تعجيل الصلاة فى اوّل الوقت و اللّه اعلم (مسئلة) الشفق الحمرة عند الجمهور و هو رواية عن ابى حنيفة رحمه اللّه و المشهور من مذهبه انه البياض التي بعد الحمرة لان اللفظ مشترك بينهما و لا يزول وقت المغرب و لا يدخل وقت العشاء بالشك و لان الأحوط ذلك فانه لا يجوز الصلاة قبل الوقت و يجوز بعده احتج الجمهور بقوله صلى اللّه عليه و سلم الشفق الحمرة فاذا غاب الشفق وجبت الصلاة رواه ابن عساكر فى غرائب مالك من حديث عتيق بن يعقوب عن مالك عن نافع عن ابن عمر مرفوعا و رواه ابن عساكر من حديث ابى حذافة عن مالك و قال حديث عتيق أمثل اسنادا و صحح البيهقي وقفه و ذكر الحاكم فى المدخل حديث ابى حذافة و جعله مثالا لما رفعه المخرجون من الموقوفات و رواه ابن خزيمة فى صحيحه من حديث محمد بن يزيد الواسطي عن شعبة عن قتادة عن ابى أيوب عن ابن عمر و رفعه وقت المغرب الى ان يذهب حمرة الشفق قال ابن خزيمة ان صحّت هذه الرواية بهذا اللفظ اغنت عن جميع الروايات لكن تفرّد بها محمد بن يزيد و انما قال فيه اصحاب شعبة ثور الشفق مكان حمرة الشفق قال الحافظ ابن حجر محمد بن يزيد صدوق و قال البيهقي روى هذا الحديث عن عمرو على و ابن عباس و عبادة بن الصامت و شداد بن أوس و ابى هريرة و لا يصح فيه شى ء و اللّه اعلم ذكر البغوي ان أبا سفيان و أصحابه لما رجعوا يوم أحد بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم طائفة فى اثارهم فشكوا الم الجراحات فانزل اللّه تعالى. (١) فى الأصل كون لكل صلوة-. ١٠٤ وَ لا تَهِنُوا اى لا تضعفوا ايّها المؤمنون فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ فى طلب الكفار بالقتال إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ الم الجراحات فَإِنَّهُمْ اى الكفار يَأْلَمُونَ من الجراحات كَما تَأْلَمُونَ يعنى ضرر القتال دائر بين الفريقين غير مختصّ بكم وَ تَرْجُونَ من الاجر و الثواب مِنَ اللّه ما لا يَرْجُونَ اى الكفار فينبغى ان تكونوا ارغب فى القتال منهم و اصبر وَ كانَ اللّه عَلِيماً بأعمالكم و ضمائركم حَكِيماً (١٠٤) فيما يأمر و ينهى و اللّه اعلم، ما ذكر البغوي يدل على ان الاية نزلت فى غزوة حمراء الأسد و يدل عليه قوله تعالى إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ و قال البيضاوي نزلت فى بدر الصغرى و لا دليل عليه و لم يذكر اصحاب السير نزول هذه الاية فى أحد الغزوتين و لا يدل عليه سياق الكلام بل ذكروا فيه نزول الَّذِينَ اسْتَجابُوا للّه وَ الرَّسُولِ الاية اية ال عمران و اللّه اعلم، روى الترمذي و الحاكم و غيرهما عن قتادة بن النعمان قال كان اهل بيت يقال لهم بنوا أبيرق بشر و بشير و مبشر و كان بشير رجلا منافقا يقول الشعر يهجو به اصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ثم ينحله «١» بعض العرب يقول قال فلان كذا و كانوا اهل بيت حاجة و فاقة فى الجاهلية و الإسلام و كان الناس انما طعامهم بالمدينة التمر و الشعير فابتاع عمّى رفاعة بن زيد حملا من الدرر «٢» مك فجعله فى مشربة «٣» له فيها سلاح و درع و سيف فعدى «٤» عليه من تحت فنقبت المشربة و أخذ الطعام و السّلاح فلما أصبح أتاني عمّى رفاعة فقال يا ابن أخي انه قد عدى علينا فى فى ليلتنا هذه فنقبت مشربتنا و ذهب بطعامنا و سلاحنا فتجسسنا فى الدار و سالنا فقيل لنا راينا بنى أبيرق استوقد وافى هذه الليلة و لا نرى فيما نرى الأعلى بعض طعامكم فقال بنوا أبيرق و نحن نسئل فى الدار و اللّه ما نرى صاحبكم الّا لبيد بن سهيل رجل منا له صلاح و اسلام فلما سمع لبيد اخترط سيفه و قال انا (١) اى ينسبه إليهم من النخلة بمعنى النسبة بالباطل نهاية. (٢) الدقيق الحرارى نهاية منه رح. (٣) بالضم و الفتح الغرفة نهاية منه رح. (٤) اى سرق ماله و ظلم نهاية منه رح. اسرق فو اللّه ليخالطنكم هذا السيف او لتبيننّ هذه السرقة قالوا إليك عنا ايها الرجل فما أنت بصاحبها فسالنا فى الدار حتى لم نشك انهم أصحابها فقال لى عمّى يا ابن أخي لو أتيت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فذكرت ذلك له فاتيته فقلت اهل بيت منا اهل جفاء عمدوا الى عمّى فنقبوا مشربة له و أخذوا سلاحه و طعامه فليردوا علينا سلاحنا فامّا الطعام فلا حاجة لنا فيه فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم سانظر فى ذلك فلما سمع بنوا أبيرق أتوا «١» رجلا منهم يقال له أسير بن عروة فكلموه فى ذلك فاجتمع فى ذلك أناس من اهل الدار فقالوا يا رسول اللّه ان قتادة بن النعمان و عمه عمدا الى اهل بيت نا اهل اسلام و صلاح يرمونهم بالسرقة من غير بينة و لا يثبت قال قتادة فاتيت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال عمدت الى اهل بيت ذكر منهم اسلام و صلاح ترميهم بالسرقة فلم نلبث ان نزل القران. (١) فى الأصل و أتوا-. ١٠٥ إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ الآيات الى قوله عظيما، فلما نزل القران اتى رسول اللّه بالسلاح فرده الى رفاعة و لحق بشير المشركين فنزل على سلافة بنت سعد فانزل اللّه وَ مَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى الى قوله ضللا بعيدا، قال الحاكم صحيح على شرط مسلم و اخرج ابن سعد فى الطبقات بسنده عن محمود بن لبيد قال عدا بشير بن الحارث على علية رفاعة بن زيد عمّ قتادة بن النعمان فنقبها من ظهرها و أخذ طعاما له و درعين باداتهما فاتى قتادة النبي صلى اللّه عليه و سلم فاخبره بذلك فدعا بشيرا فساله فانكر و رمى بذلك لبيد بن سهيل رجلا من اهل الدار ذا حسب و نسب فنزل القران بتكذيب بشير و براءة لبيد إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ الآيات فلما نزل القران فى بشير و عثر عليه هرب الى مكة مرتدا فنزل على سلافة بنت سعد فجعل يقع فى النبي صلى اللّه عليه و سلم و فى المسلمين فنزل القران فيه و هجاه حسان بن ثابت حتى رجع و كان ذلك فى شهر الربيع الثاني سنة اربع من الهجرة و قال البغوي روى الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس و أخرجه ابن جرير عنه قال نزلت هذه الاية فى رجل من الأنصار يقال له طعمة بن أبيرق بنى ظفر بن الحارث سرق درعا من جار له يقال له قتادة بن النعمان و كانت الدرع فى جراب فيه دقيق فجعل الدقيق ينتثر من خرق فى الجراب حتى انتهى الى الدار ثم خبأها عند رجل من اليهود يقال له زيد السمين فالتمست الدرع من عند طعمة فحلف و اللّه ما أخذها و ماله بها علم فقال اصحاب الدرع لقد راينا اثر الدقيق حتى دخل داره فلما خلف تركوه و اتبعوا اثر الدقيق الى منزل اليهودي فاخذوه فقال اليهودي دفعها الىّ طعمة بن أبيرق فجاء بنوا ظفر و هم قوم طعمة الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و سالوه ان يجادل عن صاحبهم و قال له انك ان لم تفعل افتضح صاحبنا فهمّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان يعاقب اليهودي و قال البغوي و يروى عن ابن عبّاس رواية اخرى انّ طعمة سرق الدرع فى جراب فيه نخالة فخرق الجراب حتى كان يتناثر منه النخالة طول الطريق فجاء به الى دار زيد السمين و تركه على بابه و حمل الدرع الى بيته فلما أصبح صاحب الدرع جاء على اثر النخالة الى دار زيد السمين فاخذه و حمله الى النبي صلى اللّه عليه و سلم فهمّ النبي صلى اللّه عليه و سلم ان يقطع يد زيد اليهودي و قال البغوي قال مقاتل ان زيد السمين أودع درعا عند طعمة فجحدها طعمة فانزل اللّه تعالى هذه الاية إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ متلبسا بِالْحَقِّ اى بالأمر و النهى و العلوم الحقة لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللّه قال البيضاوي الرؤية ليست بمعنى العلم و الا لاستدعى ثلثة مفاعيل و الروية بمعنى الابصار ظاهر الانتفاء فالمعنى بما عرفك اللّه و اوحى إليك و قال بعض الأفاضل يمكن حمله على معنى العلم بحذف مفعوله الثاني و الثالث اى بما علمكه اللّه حقا و هو و ان كان محتاجا الى زيادة الحذف لكنه غنى عن التجوز قلت و الظاهر عندى ان الرؤية بمعنى العلم و ما الموصولة عبارة عن مضمون جملة يتعلق بها العلم و الضمير العائد الى الموصول محذوف فى حكم المذكور مغنى عن المفعولين لقيام مضمون الجملة مقامها كانه قيل لتحكم بين الناس بكون طعمة سارقا و لبيد او زيد «١» بريا و هذه الاية دليل على ان النبي صلى اللّه عليه و سلم لم يكن يعمل بالمظنون لكنها لا ينفى الاجتهاد عن النبي صلى اللّه عليه و سلم لانه إذا حصل للنبى صلى اللّه عليه و سلم ظن بالاجتهاد و قرر اللّه سبحانه و لم يطلعه على الخطأ ظهر عنده بيقين انه الحق بخلاف المجتهد و يؤيده ما روى عن عمرو بن دينار ان رجلا قال لعمر احكم بما أراك اللّه قال مه انما هذا للنبى صلى اللّه عليه و سلم خاصّة و جاز ان (١) فى الأصل لبيدا او زيدا. يكون هذا الحكم عاما و يقال ان المجتهد إذا ظهر عنده الحكم بدليل ظنى من خبر الآحاد او القياس فالعمل به واجب بدلائل قطعية من الكتاب و السنة و الإجماع ما لم يظهر دليل راجح يخالفه فالحكم المظنون عند المجتهد بعد بذل جهده و ان كان غير معلوم عنده انه فى نفس الأمر لكنه معلوم عنده انه واجب «٢» العمل و قال الشيخ ابو منصور رحمه اللّه معنى الاية بما ألهمك اللّه بالنظر فى الأصول المنزلة و قال فيه دليل على جواز الاجتهاد فى حقه (٢) و عن ابن وهب قال قال لى مالك الحكم الذي يحكم بين الناس على وجهين فالذى حكم بالقران و السنة الماضية فذلك الحكم الواجب و الصّواب و الحكم الذي يجتهد فيه العالم نفسه فيما لم يأت فيه شى ء فلعله ان يوافق و الثالث التكلف لما لا يعلم فما أشبه ذلك ان لا يوافق منه رحمه اللّه. وَ لا تَكُنْ عطف على أنزلنا بتقدير القول يعنى و قلنا لا تكن او عطف على الكتاب لكونه منزلا يعنى أنزلنا إليك الكتاب و أنزلنا إليك لا تكن لِلْخائِنِينَ يعنى لاجلهم و للذب عنهم و المراد بهم بنوا أبيرق خَصِيماً (١٠٥) للبراء و هم لبيد بن سهيل او زيد السمين اليهودي. ١٠٦ وَ اسْتَغْفِرِ اللّه ممّا قلت لقتادة بن النعمان كذا فى رواية الترمذي و الحاكم عن قتادة و قال البغوي استغفر اللّه مما هممت به من معاقبة اليهودي و قال مقاتل استغفر اللّه من جدالك عن طعمة إِنَّ اللّه كانَ غَفُوراً رَحِيماً (١٠٦) لمن استغفره-. ١٠٧ وَ لا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ اى يخونونها فان وبال خيانتهم يعود عليهم او جعل المعصية خيانة لانفسهم لما جعلت ظلما عليها و الضمير لابن أبيرق و أمثاله اوله و لقومهم حيث شاركوه فى الإثم و سالوا النبي صلى اللّه عليه و سلم ان يجادل عنه إِنَّ اللّه لا يُحِبُ اى يبغض مَنْ كانَ خَوَّاناً اى مبالغا فى الخيانة مصرّا عليها أَثِيماً (١٠٧) بانكار الحق و الكذب و رميه بالسرقة البري ء منه قيل انه خطاب مع النبي صلى اللّه عليه و سلم و المراد به غيره كقوله فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ قال البغوي الاستغفار فى حقّ الأنبياء على أحد الوجوه الثلاثة امّا لذنب تقدم على النبوة او لذنوب أمته و قرابته او لمباح جاء فى الشرع تحريمه فتركه و الاستغفار معناه السمع و الطاعة لحكم الشرع. ١٠٨ يَسْتَخْفُونَ «١» اى يستترون حياء و خوفا من الفضيحة يعنى قوم بنى أبيرق مِنَ النَّاسِ وَ لا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّه اى لا يستحيون من اللّه و هو أحق ان يستحيى منه و أحق ان يخاف الفضيحة لديه او لا يمكنهم الاستخفاء من اللّه تعالى وَ هُوَ مَعَهُمْ لا يخفى عليه سرهم و لا طريق معه الا ترك ما يستقبحه و يؤاخذ عليه إِذْ يُبَيِّتُونَ اى يزورون ليلا و يتقولون و قد مر معنى التبييت فى قوله تعالى بيّت طائفة ما لا يَرْضى اللّه مِنَ الْقَوْلِ قال البغوي ذلك ان قوم طعمة قالوا فيما بينهم نرفع الأمر الى النبي صلى اللّه عليه و سلم فانه يسمع قول طعمة و يمينه لانه مسلم و لا يسمع قول اليهودي لانه كافر فلم يرض اللّه بذلك القول وَ كانَ اللّه بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً (١٠٨) لا يفوت منه شى ء- (١) عن ابن حميد و ابن ابى حاتم عن ابن مسعود موقوفا من صلى صلوة عند الناس لا يصلى بها إذا خلا فهى استهانة استهان بها ربّه ثم تلا هذه الاية يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَ لا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّه وَ هُوَ مَعَهُمْ منه رحمه اللّه [.....]. ١٠٩ ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ أنتم مبتدا و هؤلاء منادى بحذف حرف النداء و ما بعده خبر المبتدا او يقال هؤلاء خبر مبتدا و قوله جادَلْتُمْ الى آخره جملة مبيّنة بوقوع هؤلاء خبرا و صلة عند من يجعله موصولا عَنْهُمْ يعنى عن ابن أبيرق و أمثاله و قومه و الجدال شدة المخاصمة من الجدل و هو شدة الفتل و هو يريد قتل الخصم عن مذهبه بطريق الحجاج و قيل الجدال من الجدالة بمعنى الأرض فكأنّ كل واحد من الخصمين يريد إلقاء صاحبه على الأرض فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فَمَنْ يُجادِلُ اللّه عَنْهُمْ يعنى لا أحد يجادل اللّه عن أمثال ابن أبيرق إذا أراد تعذيبهم يَوْمَ الْقِيامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (١٠٩) محاميا يحميهم و يدفع عنهم عذاب اللّه لان من وكل اليه الأمر يحافظ عليه و أم فى مثل هذا الموضع حيث وقع بعده حرف استفهام مثل أم ما ذا كنتم و أم كيف ينفع ليست بمتصلة و لا منقطعة بل هى بمعنى بل و يجوز الحمل على أحد معنييه بتأويل. ١١٠ وَ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً «١» قبيحا يسوء به غيره أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ بما يختص به و قيل المراد بالسوء ما دون الشرك و بالظلم الشرك و قيل الصغيرة و الكبيرة ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ «٢»لَّهَ بالتوبة و رد المظالم يَجِدِ اللّه غَفُوراً لذنوبه رَحِيماً (١١٠) متفضلا عليه فيه حث لابن أبيرق و قومه على التوبة و الاستغفار. (١) اخرج ابن راهويه فى مسنده عن عمر بن الخطاب قال لمّا نزلت مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَ لا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللّه وَلِيًّا وَ لا نَصِيراً لبثنا ما ينفضا طعام و لا شراب حتى انزل اللّه بعد ذلك وَ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّه يَجِدِ اللّه غَفُوراً رَحِيماً منه رحمه اللّه-. (٢) روى من طرق متعددة عن على قال سمعت أبا بكر يقول سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول ما من عبد أذنب ذنبا فقام فتوضأ فاحسن وضوءه ثم قام فصلى و استغفر من ذنبه الا كان حقا على اللّه ان يغفره لانه يقول وَ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّه يَجِدِ اللّه غَفُوراً رَحِيماً رواه ابن ابى حاتم و ابن السنى و ابن مردوية منه رحمه اللّه. ١١١ وَ مَنْ يَكْسِبْ إِثْماً صغيرا او كبيرا فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ حيث يتضرر به نفسه لا يتعدى وباله الى غيره وَ كانَ اللّه عَلِيماً بما كسب عبده حَكِيماً (١١١) فى مجازاته. ١١٢ وَ مَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً صغيرة او ما لا عمد فيه أَوْ إِثْماً كبيرة او ما كان عن عمد ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً كما رمى ابن أبيرق لبيدا او زيد السمين و وحد الضمير لمكان او فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً اى كذبا يبهت «٣» و يتحير به العقول وَ إِثْماً ذنبا مُبِيناً (١١٢) ظاهرا بسبب رمى البري ء و تبرئة النفس الخاطئة (٣) عن زيد بن اسلم ان عمر بن الخطاب اطلع على ابى بكر و هو يمد لسانه قال ما تصنع يا خليفة رسول اللّه قال ان هذا الذي أورد فى الموارد ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال ليس شى ء من الجسد الا يشكو ذرب اللسان على حدته منه رحمه اللّه-. ١١٣ وَ لَوْ لا فَضْلُ اللّه عَلَيْكَ ايها النبي وَ رَحْمَتُهُ اى عصمته و لطفه من الاطلاع على سرّهم لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ اى بنوا ظفر أَنْ يُضِلُّوكَ فى القضاء بالتزوير و يلبسوا عليك الأمر حتى تدافع عن ابن أبيرق و الجملة جواب لو لا و ليس القصد فيه الى نفى همّهمبل الى نفى تأثيره فيه كانّه نزل وجود الهمّ منزلة العدم لعدم تأثيره وَ ما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ فان ضرر اضلالهم انما يعود إليهم وَ ما يَضُرُّونَكَ بعصمة اللّه مِنْ شَيْ ءٍ منصوب المحل على المصدرية اى شيئا من الضرر كان مقتضى الظاهر و ما أضلوا الا أنفسهم و ما أضرّوك من شى ء عدل الى المضارع لحكاية الحال وَ أَنْزَلَ اللّه عَلَيْكَ الْكِتابَ اى القران وَ الْحِكْمَةَ اى العلوم الحقة بالوحى الغير المتلوّ وَ عَلَّمَكَ العلوم بالاسرار و المغيبات قال قتادة علمه اللّه بيان الدنيا و الاخرة من حلاله و حرامه ليحتج بذلك على صحة ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ جملة و انزل اللّه و علّمك جملة حالية بتقدير قد متعلق بنفي الإضلال و نفى الضرر على سبيل التنازع وَ كانَ فَضْلُ اللّه عَلَيْكَ عَظِيماً (١١٣) إذ لا فضل أعظم من النبوة و اللّه اعلم. ١١٤ لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ النجوى السرّ كذا فى القاموس و ناجيته ساررته قال فى الصحاح أصله ان تخلو به فى نجوة من الأرض يعنى ما ارتفع منها و قيل أصله من النجاة و هو ان يعاونه على ما فيه خلاصة قال البغوي النجوى هو الاسرار فى التدبير و قيل النجوى ما يتفرد بتدبيره قوم سرّا كان او جهارا و يؤيّده قوله تعالى وَ أَسَرُّوا النَّجْوى و معنى الاية لا خير فى كثير ممّا يزور به بينهم و جاز ان يكون المصدر بمعنى الفاعل و المراد به الرجال المتناجون كما فى قوله تعالى وَ إِذْ هُمْ نَجْوى و الضمير المجرور عائد الى قوم ابن أبيرق الذين يستخفون من الناس إذ هم يبيون ما لا يرضى اللّه من القول و قال مجاهد الاية عامّة فى حق جميع الناس فعلى تقدير عوده الى قوم ابن أبيرق قوله تعالى إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ الاستثناء منقطع لان من امر بصدقة غير داخلين فيهم و على تقدير عود الضمير الى جميع الناس استثناء متصل من الضمير المذكور و قيل هذا استثناء من قوله كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ فان كان النجوى بمعنى الفاعل فلا خفاء فيه و ان كان بمعنى المصدر يقدر المضاف فى المستثنى يعنى لا خير فى كثير من نجويهم الّا نجوى من امر بصدقة و يرد عليه ان هذا الاستثناء لا يجوز لانه مثل جاءنى كثير من الرجال الّا زيد لعدم الجزم بدخول زيد فى كثير و لا فى خروجه فلا يصح المتصل و لا المنقطع و أجيب بان المراد لا خير فى كثير من نجوى واحد منهم الا نجوى من امر و هذا الجواب لا يتأتى إذا كان النجوى بمعنى المتناجى إذ لا معنى لان يقال لا خير فى كثير من متناجى كل واحد منهم و الظاهر ان الّا هاهنا بمعنى غير صفة كما فى قوله تعالى لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللّه لَفَسَدَتا أَوْ مَعْرُوفٍ اى ما يعرف حسنها شرعا من اعمال البر قيل المراد القرض و اعانة الملهوف و صدقة التطوع و بالصدقة الزكوة المفروضة أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ عطف على معروف تخصيص بعد تعميم لمزيد الاهتمام او يقال قد يباح لاجل الإصلاح بين الناس ما ليس بمعروف فى غيره كالكذب عن أم كلثوم بنت عقبة بن ابى معيط و كانت من المهاجرات الاول قالت قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ليس بالكذاب من أصلح بين الناس فقال خيرا او نمى خيرا متفق عليه عن ابى الدرداء قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الا أخبركم بأفضل من درجة الصيام و الصدقة و الصلاة قال قلنا بلى قال إصلاح ذات البين و إفساد ذات البين هى الحالقة رواه ابو داود و الترمذي و قال هذا حديث صحيح و عن اسماء بنت يزيد قالت قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا يحل الكذب الّا فى ثلاث كذب الرجل امرأته ليرضيها و الكذب فى الحرب و الكذب ليصلح بين الناس رواه احمد و الترمذي وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ اى الأمر بأحد هذه الأشياء او أحد هذه الأشياء المذكورة يعنى الصدقة و أختيه و الظاهر هو الاول و اختار البيضاوي الثاني و قال بنى الكلام على الأمر و رتّب الجزاء على الفعل ليدل على انه لما دخل الأمر فى زمرة الخيّرين كان الفاعل ادخل فيهم و ان العمدة و الغرض هو الفعل و الأمر وصلة اليه ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللّه قيد الفعل به لان من فعل رياءا و سمعة لم يستحق الاجر انما الأعمال بالنيات متفق عليه من حديث عمر مرفوعا فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ قرا حمزة و ابو عمرو بالياء على الغيبة و الباقون بالتاء «١» على الخطاب أَجْراً عَظِيماً (١١٤) يستحقر فى جنبه اعراض الدنيا روى الشيخان فى الصحيحين و احمد عن ابى شريح الخزاعي قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من كان يؤمن باللّه و اليوم الاخر فليقل خيرا او ليصمت و روى البيهقي عن انس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم رحم اللّه امرأ تكلم فغنم او سكت فسلم (١) الصحيح بالنون على التكلم. و لما ذكر اللّه سبحانه جزاء المستثنيين الخيار عقبه جزاء من بقوا بعد الاستثناء «١» من الشرار فقال. (١) فى الأصل بعد الثنيا. ١١٥ وَ مَنْ يُشاقِقِ اى يخالف مشتق من الشق كانّ كلا من المتخالفين فى شق غير شق الاخر الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى اى بعد ما ثبت عنده بدليل قطعىّ و ظهر ما حكم به الرسول صلى اللّه عليه و سلم قيد بهذا احترازا عمّن خالف الرسول صلى اللّه عليه و سلم و لم يبلغه الخبر بما حكم به الرسول او بلغه بطريق اتهم بعض رواته او اخطأ المجتهد فى فهم مراده بعد بذل الجهد و قيل معنى خالف الرسول انه ارتد عن الدّين بعد ظهور التوحيد و صدق الرسول بالمعجزات كما حكى عن طعمة وَ يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ اى غير ما هم عليه أجمعون من اعتقاد او عمل و لا بأس بمخالفة البعض إذا وافق البعض لقوله عليه السلام أصحابي كالنجوم بايهم اقتديتم اهتديتم نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى اى نجعله فى الدنيا واليا لما تولى من الضلال و و نخلى بينه و بين ما اختاره من الكفر و قيل معناه نكله فى الاخرة الى ما اتكل عليه فى الدنيا كما فى الصحيحين عن ابى سعيد الخدري و عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص فى حديث طويل قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا كان يوم القيامة اذن مؤذن ليتبع كل امة ما كانت تعبد فلا يبقى أحد كان يعبد غير اللّه من الأصنام و الأنصاب الا يتساقطون فى النار وَ نُصْلِهِ اى ندخله جَهَنَّمَ وَ ساءَتْ مَصِيراً (١١٥) جهنم «٢» او التولية عن الحق قال البغوي نزلت هذه الاية فى طعمة ابن أبيرق و ذلك انه لما ظهرت عليه السرقة خاف على نفسه من قطع اليد و الفضيحة هرب الى مكة و ارتد عن الدين فقال اللّه تعالى وَ مَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ الاية و هذه الاية دليل على حرمة مخالفة الإجماع لانه تعالى رتّب الوعيد على المشاقة و اتباع غير سبيل المؤمنين و لا وجه لكون أحدهما سببا له دون الاخر و الا للغا ذكر الاخر و لا لكون مجموعهما سببا لان المشاقة محرمة بانفرادها بالنصوص القطعية فظهر ان كل واحد منهما سبب للوعيد فثبت ان اتباع (٢) عن مالك قال كان عمر بن عبد العزيز يقول من رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و ولاه الأمر من بعدة سننا الاخذ بها تصديق بكتاب اللّه و استكمال بطاعته و قوة على دين اللّه ليس لاحد تغييرها و لا تبديلها و لا النظر فيها خالفها من اقتدى بها مهتد و من استنصر بها منصور و من يخالفها اتبع غير سبيل المؤمنين و ولاه اللّه ما تولى و أصلاه جهنم و ساءت مصيرا منه رحمه اللّه. غير سبيلهم محرم فثبت ان اتباع سبيلهم واجب لان الإنسان لا محالة سالك سبيلا روى البيهقي و الترمذي عن ابن عمرو ابن عباس قالا قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا يجمع اللّه هذه الامة على الضلالة ابدا و يد اللّه على الجماعة و من شذ شذ فى النار و اللّه اعلم قال البغوي روى ان طعمة بن أبيرق نزل على رجل من بنى سليم من اهل مكة يقال له الحجاج بن علاظ فنقب بيته فسقط عليه حجر فلم يستطع ان يدخله و لا ان يخرج حتى أصبح فاخذ ليقتل فقال بعضهم دعوه فانه قد لجا إليكم فتركوه فاخرجوه من مكة فخرج مع تجار من قضاعة نحو الشام فنزلوا منزلا فسرق بعض مطاعهم فهرب فطلبوه فاخذوه و رموه بالحجارة حتى قتلوه فصار قبره تلك الحجارة و قيل انه ركب سفينة الى جدة فسرق فيها كيسا فيه دنانير فاخذ فالقى فى البحر و قيل انه نزل فى حرة بنى سليم فكان يعبد صنما لهم الى ان مات فانزل اللّه تعالى فيه. ١١٦ إِنَّ اللّه لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ من الصغائر و الكبائر بالتوبة و بلا توبة لِمَنْ يَشاءُ مغفرته وَ مَنْ يُشْرِكْ بِاللّه فى وجوب الوجود و تاصله او فى العبادة شيئا فَقَدْ ضَلَّ عن سبيل الحق ضَلالًا بَعِيداً (١١٦) لا يمكن وصوله الى النجاة و المغفرة و قال البغوي قال الضحاك عن ابن عباس رضى اللّه عنهما ان هذه الاية السابقة نزلت فى شيخ من الاعراب جاء الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال يا نبى اللّه انى شيخ منهمك فى الذنوب الا انى لم أشرك باللّه شيئا منذ عرفته و امنت به و لم اتخذ من دونه وليا و لم اواقع المعاصي جرءة على اللّه و ما توهمت انى أعجز اللّه هربا و انى لنادم تائب مستغفر فما ذا حالى، و كذا اخرج الثعلبي عنه و اللّه اعلم قال البغوي و نزل فى اهل مكة قوله تعالى. ١١٧ إِنْ يَدْعُونَ اى ما يعبدون قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الدعاء هو العبادة ثم قال و قال رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي الاية رواه احمد و اصحاب السنن الاربعة، و لان من عبد شيئا دعاه لحوائجه و مصالحه مِنْ دُونِهِ تعالى إِلَّا إِناثاً قال اكثر المفسرين معناه الّا أوثانا و وجه تسميتها بالإناث اما لان العرب كانوا يزعمونها إناثا و يسمونها بأسماء الإناث اللات و العزى و مناة و نحوها و يقولون ربة بنى فلان و أنثى بنى فلان لما روى عبد اللّه بن احمد فى زوائد المسند و ابن المنذر و ابن ابى حاتم عن ابى بن كعب انه قال الّا إناثا قال مع صنم جنية و امّا لانه لا حقيقة لها الا اسماءها قال اللّه تعالى ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها فاعتبرت إناثا باعتبار تأنيث أسمائها و امّا لانها كانت جمادات و الإناث يطلق على الجمادات لغة فى القاموس الإناث جمع الأنثى كالاناثى و الموات كالشجر و الحجر و صغار النجوم فهذا اطلاق لغوى أصلي من غير تجوّز كما قيل فى كتب النحو الضمير بالألف و التاء و نون الجماعة لغير العقلاء فى الأصل يقال سفن جاريات و نخل باسقات و صرن الأيام ليالى و انما جعل ضمير جماعة النساء بها لتنزيلهن منزلة غير العقلاء لنقصان عقلهن و قال الحسن و قتادة الّا إناثا اى مواتا لا روح فيه سماها إناثا لانها تخبر عن الموات كما تخبر عن الإناث او لان الإناث أدون الجنسين كما ان الموات أرذل من الحيوان و على هذين الوجهين الإطلاق مجازى و قرا ابن عباس الّا اثنا جمع الأوثان جمع وثن قلبت الواو همزة و قال الضحاك أراد بالإناث الملائكة فانهم كانوا يقولون الملائكة بنات اللّه قال اللّه تعالى وَ جَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً وَ إِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطاناً و ذلك انه كان فى كل وثن شيطانا يتزا اى للسدنة و الكهنة و يكلمهم كما ذكرنا فيما سبق و قيل المراد به إبليس فانه هو الذي أمرهم بعبادتها فعبادتها طاعته و عبادته مَرِيداً (١١٧) المارد و المريد الذي لا يعلق بخير و اصل التركيب للملاسة و منه صرح ممرد و غلام امرد و المراد هاهنا العاتي الخارج عن طاعة اللّه. ١١٨ لَعَنَهُ اللّه صفة ثانية للشيطان وَ قالَ عطف على لعن اى شيطانا مريدا جامعا بين لعنة اللّه و هذا القول الدال على فرط عداوته للناس و التوصيف بهذا القول يدل على ان المراد بالشيطان إبليس فانه إذا ابى عن سجود آدم و لعنه اللّه قال و عزتك و جلالك لا أبرح اغوى بنى آدم ما دامت الأرواح فيهم كذا فى الصحيح من الحديث و هو المعنى من قوله تعالى لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (١١٨) اى مقدرا قدر لى قال الحسن من كل الف تسعمائة و تسعا و تسعين الى النار و واحدا الى الجنة قلت كذا ورد فى حديث بعث النار او المعنى نصيبا مقطوعا عمن عداه يعنى جماعة أشقياء ممتازة من السعداء. ١١٩ وَ لَأُضِلَّنَّهُمْ عن الحق بإلقاء الوسوسة فى قلوبهم و تزيين الشهوات عندهم فنسبة الإضلال اليه انما هو بالمجاز عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يأتى الشيطان أحدكم فيقول من خلق كذا من خلق كذا حتى يقول من خلق ربّك فاذا بلغه فليستعذ باللّه و لينته متفق عليه وَ لَأُمَنِّيَنَّهُمْ الأماني الباطلة ان لا بعث و لا عذاب و طول الحيوة و ادراك الاخرة مع ارتكاب المعاصي عن انس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان الشيطان يجرى من الإنسان مجرى الدم متفق عليه و عن ابن مسعود قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان للشيطان لمّة بابن آدم و للملك لمة فاما لمة الشيطان فايعاد بالشر و تكذيب بالحق و امّا لمة الملك فايعاد بالخير و تصديق بالحق فمن وجد ذلك فليعلم انه من اللّه فليحمد اللّه و من وجد الاخرى فليستعذ باللّه من الشيطان الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَ يَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ رواه الترمذي و قال حديث غريب وَ لَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ البتك القطع و الشق و التبتيك للتكثير و التكرير اى ليقطعن و يشققن آذانَ الْأَنْعامِ و هى عبارة عما كانت تفعل بالبحائر قال قتادة و السدى كانوا يبتكون آذانها لطواغيتهم قال فى القاموس البحر الشق و شق الاذن و منه البحيرة كانوا إذا أنتجت الناقة عشرة ابطن بحروها اى شقوا اذنها و تركوها ترعى و حرموا لحمها إذا ماتت على نسائهم و أكلها الرجال و فيه اشارة الى تحريم كل ما أحل اللّه و تنقيص كل ما خلق كاملا بالفعل او بالقوة وَ لَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّه عن وجهه صورة «١» او صفة «٢» و يندرج فيه فقوعين الحامى و خصاء العبيد و الوشيم «٣» و الوشير «٤» و المثلة و اللواطة و السحق و عبادة الشمس و القمر و الحجارة لانها ما وضعت لها و استعمال الجوارح و القوى فيما لا يعود على النفس كمالا و تغيير فطرة اللّه التي هى الإسلام، عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما من مولود الا يولد على الفطرة فابواه يهود انه و ينصرانه و يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء «٥» هل تحسون فيها من جدعاء «٦» ثم يقول فِطْرَتَ اللّه (١) قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لعن اللّه الواشمات و المتوشمات و المتنمصات و المتفلحات للحسن المغيرات خلق اللّه رواه احمد و الشيخان عن ابن مسعود و روى احمد و الشيخان عن ابن عمر عنه صلى اللّه عليه و سلم لعن اللّه الواصلة و المستوصلة و الواشمة و المستوشمة و روى احمد عن عائشة قالت كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يلعن القاشرة و المقشورة و الواشمة و المستوشمة و الواصلة و المستوصلة منه رحمه اللّه. (٢) عن ابن عمر ان عمر بن الخطاب كان ينهى عن اختصاء البهائم و يقول هل النماء الا فى الذكور و امّا خصاء البهائم فلا يأس به عند ابى حنيفة كذا فى الهداية كذا روى عبد الرزاق و عبد بن حميد عن الحسن و روى ابن ابى شيبة و ابن المنذر عن محمد بن سيرين و الحسن لكن روى ابن ابى شيبة و البيهقي و ابن المنذر ان عمر بن الخطاب كان ينهى عن خصاء البهائم و روى ابن المنذر و البيهقي عن ابن عباس قال نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن صبر الروح و اخصاء البهائم و اخرج ابن ابى شيبة و البيهقي عن ابن عمر قال نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن خصاء الخيل و البهائم و روى ابن ابى شيبة و غيره عن ابن عباس انه قال فيه نزلت وَ لَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّه و روى ابن جرير و ابن المنذر و ابن ابى حاتم عن ابن عباس و لامرنهم ليغيرن خلق اللّه قال دين اللّه منه رحمه اللّه. (٣) الوشم غرز الابرة فى البدن و ذر النيلج عليه منه رح. (٤) الوشر تحديد المرأة أسنانها و ترقيقها منه رح. (٥) جمعاء اى سليمة من العيوب مجتمعة الأعضاء كاملتها نهاية. (٦) جدعاء اى مقطوعة الأطراف او أحدها و الجدع قطع الانف او الاذن او الشفة نهاية منه رح. الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللّه متفق عليه يعنى لا تبدلوا خلق اللّه و جاز ان تكون هذه الجمل الخمس حكاية عمّا يأتيه الشيطان فعلا فحينئذ لا يختص هذا القول بإبليس، برهن اللّه سبحانه على ان الشرك ضلال غاية الضلال بان ما تشركون به تعالى جمادات لا تضر و لا تنفع بل هى اسماء سميتموها بأسماء الإناث لا حقيقة لها و بان الإشراك طاعة للشيطان المريد المنهمك فى الشر و الضلال لا يعلق بشى ء من الخير و الهدى و بانه ملعون لضلالته فلا يستجلب مطاوعته الا اللعن و الضلال و بانه فى غاية العداوة للانسان و السعى فى إهلاكهم فموالات من هذا شأنه بعيد عن العقل ضلال غايته فضلا عن عبادته ثم حكم بما هو كالنتيجة لما سبق من البرهان فقال وَ مَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا ربّا يطيعه مِنْ دُونِ اللّه بايثاره ما يدعوه اليه على ما امر اللّه تعالى فيه اشارة الى ان عبادة اللّه بالاشراك غير مقبول عند اللّه تعالى بل هو عبادة لغير اللّه فقط و لا يجتمع عبادة اللّه مع عبادة غيره عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال اللّه تعالى انا اغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معى غيرى تركته و شركه و فى رواية فانا منه برئ و هو للذى عمله رواه مسلم فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً (١١٩) حيث ضيع رأس ماله و اشترى النار بالجنة. ١٢٠ يَعِدُهُمْ بالخواطر الفاسدة او بلسان أولياءه ما لا ينجزه و يحتمل ان يتصور بصورة انسان و يعدهم كما فعل يوم بدر إِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَ قالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَ إِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ الاية وَ يُمَنِّيهِمْ الأماني الباطلة التي لا ينالونها من طول العمر و نيل الدنيا و نحو ذلك وَ ما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً (١٢٠) باطلا و هو اظهار النفع فيما فيه الضرر و اظهار الضرر فيما فيه النفع قال اللّه تعالى الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ يعنى بالإنفاق فى سبيل اللّه و صلة الرحم و يأمركم بالفحشاء. ١٢١ أُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ لا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً (١٢١) اى هربا او مهربا فى القاموس حاص عنه يحيص حيصا و حيصة و محيصا عدل و حاد و كلمة عنها حال منه و ليس صلة لانه اسم مكان او مصدر فلا يعمل فيما قبله. ١٢٢ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا اى تحت قصورها و غرفها الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَعْدَ اللّه حَقًّا اى وعد اللّه وعدا و حق ذلك حقا فالمصدر الاول مؤكد لنفسه لان مضمون الجملة الاسمية وعد التي قبلها و الثاني مؤكد لغيره و يجوز نصب الموصول بفعل يفسره ما بعده و وعد اللّه بقوله سندخلهم لانه بمعنى نعدهم ادخالهم الجنة وعدا حقا على انه حال من المصدر وَ مَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّه قِيلًا (١٢٢) اى لا أحد جملة مؤكدة بليغة فى التأكيد و المقصود من الاية معارضة المواعيد الشيطانية الكاذبة لقرنائه بوعد اللّه الصادق لاوليائه و جاز ان يكون جملة معترضة بالواو و فائدتها التأكيد او معطوفة على محذوف اى صدق اللّه و من اصدق من اللّه و جاز ان يكون عطفا على خالدين بتقدير القول اى و قائلين من اصدق و اللّه اعلم اخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس قالت اليهود و النصارى لا يدخل الجنة غيرنا و قالت قريش انا لا نبعث فانزل اللّه تعالى. ١٢٣ لَيْسَ الأمر منوطا بِأَمانِيِّكُمْ يا اهل مكة حيث تقولون لا بعث و لا نشور و تقولون هؤلاء الأصنام شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللّه و تقولون ان كان الأمر كما يزعم اصحاب محمد لنكونن خيرا منهم و احسن حالا و يدل على كون الخطاب لاهل مكة سياق الاية و به قال مجاهد وَ لا الأمر منوطا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ اليهود و النصارى حيث يقولون نَحْنُ أَبْناءُ اللّه وَ أَحِبَّاؤُهُ و يقولون لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى ، و لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ بل امر النجاة و الثواب و ضدهما منوط بالايمان و الأعمال الصالحة و ضدّها ثم فصّل الجملة فقال مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً من الكفر و المعاصي يُجْزَ بِهِ وَ لا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللّه وَلِيًّا يوصل اليه خيرا وَ لا نَصِيراً (١٢٣) يدفع عنه شرا، كلمة من عامة شاملة للمؤمن و الكافر و ان كان سبب النزول خاصا اعنى أماني الكفار من اهل مكة و اهل الكتاب فان العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب كذا ذكر البغوي قول ابن عباس و سعيد بن جبير و غيرهم ان الاية عامة فى حق كل عامل و قوله تعالى يجز به مقيد بعدم المغفرة كغيره من آيات الوعيد و الجزاء يعم ما يصيبه فى الدنيا و ما يصيبه فى الاخرة ان لم يغفر اللّه تعالى عن عبادة بن الصامت قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و حوله عصابة من أصحابه بايعونى على ان لا تشركوا باللّه شيئا و لا تسرقوا و لا تزنوا و لا تقتلوا أولادكم و لا تأتوا ببهتان تفترونه بين ايديكم و أرجلكم و لا تعصوا فى معروف فمن و فى منكم فاجره على اللّه و من أصاب من ذلك شيئا فعوقب على ذلك فى الدنيا فهو كفارة له و من أصاب من ذلك شيئا ثم ستره اللّه فهو الى اللّه ان شاء عفا عنه و ان شاء عاقبه فبايعناه على ذلك متفق عليه و قوله تعالى لا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللّه وَلِيًّا وَ لا نَصِيراً لا يدل على ان هذا الحكم خاص بالكفار و لا يضر ذلك بالمؤمنين فان مولاهم اللّه تعالى كفى باللّه وليا و كفى باللّه نصيرا فيغفرهم اللّه تعالى ان شاء يشفع لهم الملائكة و الأنبياء و الصالحون بإذن اللّه تعالى و لا يطلبون من دون اللّه وليا و لا نصيرا و امّا الكفار فيطلبون الولاية و النصرة ممّا عبدوها دون اللّه تعالى فلا يجدونها لهم اولياء و لا أنصارا و يدل على عموم هذه الاية المؤمنين و الكفار حديث ابى بكر الصديق رضى اللّه عنه قال كنت عند رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فانزلت هذه الاية مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يا أبا بكر الا اقرئك اية أنزلت عليّ قال قلت بلى قال فاقرانيها قال و لا اعلم انى وجدت انفصاما فى ظهرى حتى تمطيت لها فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما لك ما لك يا أبا بكر فقلت يا رسول اللّه بابى أنت و امّى أينا لم يعمل سوءا و انا لمجزيون بكل سوء عملناه فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اما أنت و أصحابك المؤمنون فيجزون بذلك فى الدنيا حتى تلقوا اللّه و ليست لكم ذنوب و امّا الآخرون فيجمع ذلك لهم حتى يجزوا يوم القيامة رواه البغوي بسنده و الترمذي و عبد ابن حميد و ابن المنذر و أخرجه احمد و ابن حبان و الحاكم بلفظ قال ابو بكر فمن ينجو مع هذا فقال عليه السلام اما تحزن اما تمرض اما يصيبك البلاء قال بلى يا رسول اللّه قال هو ذلك و روى احمد و البخاري فى تاريخه و ابو يعلى و البيهقي نحوه عن عائشة و قال البغوي قال الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس رضى اللّه عنهما لما نزلت هذه الاية شقت «١» على المسلمين و قالوا يا رسول اللّه و ايّنا (١) و عن محمد بن المنتشر قال قال عمر لبثنا حين نزلت مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَ لا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللّه وَلِيًّا وَ لا نَصِيراً ما ينفعنا طعام و لا شراب حتى انزل اللّه بعد ذلك و رخص و قال وَ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّه يَجِدِ اللّه غَفُوراً رَحِيماً منه رحمه اللّه. لم يعمل سوءا غيرك فكيف الجزاء قال منه ما يكون فى الدنيا فمن يعمل حسنة فله عشر حسنات و من جوزى بالسيئة نقصت واحدة من عشر و بقيت له تسع حسنات فويل لمن غلبت احاده أعشاره و امّا ما كان جزاء فى الاخرة فيقابل من حسناته و سيئاته فيلقى مكان كل سيئة حسنة و ينظر فى الفضل فيعطى الجزاء فى الجنة فيؤتى كل ذى فضل فضله «١» و اللّه اعلم قلت ما ذكرنا تخريج ابن ابى حاتم عن ابن عباس فى سبب نزول قوله تعالى ليس بامانيّكم هو الظاهر من حيث الرواية و الدراية و لكن روى له سبب اخر ايضا أخرجه ابن جرير عن مسروق مرسلا و نحوه عن قتادة و الضحاك و السدىّ و عن ابن عباس من طريق العوفى ان قوله تعالى لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَ لا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ نزلت فى تفاخر النصارى و اهل الإسلام و فى لفظ تفاخر اهل الأديان جلس ناس من اليهود و ناس من النصارى و ناس من المسلمين فقال هؤلاء نحن أفضل و قال هؤلاء نحن أفضل قال البغوي قال اهل الكتاب نبينا قبل نبيكم و كتابنا قبل كتابكم فنحن اولى باللّه منكم و قال المسلمون نبينا خاتم الأنبياء و كتابنا يقضى على الكتب و قد أمنا بكتابكم و لم تؤمنوا بكتابنا فنحن اولى و على هذا الخطاب فى لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ مع المؤمنين و لا خفاء حينئذ فى عموم قوله تعالى مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً- و اخرج ابن جرير ايضا عن مسروق و كذا ذكر البغوي عن الأعمش عن ابن الضحى عنه انه قال لما نزلت لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَ لا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ قال اهل الكتاب نحن و أنتم سواء فنزلت هذه الاية. (١) و اخرج ابن ابى شيبة و احمد و البخاري و مسلم عن ابى هريرة و ابى سعيد انهما سمعا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول ما يصيب المؤمن من وصب و لا نصب و لا سقم و لا حزن حتى الهم بهم الا كفر اللّه به من سيئاته و فى الصحيحين و غيرهما عن عائشة نحوه و اخرج ابن الى الدنيا و البيهقي عن بريدة الأسلمي قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول ما أصاب رجلا من المسلمين نكبة فما فوقها حتى ذكر الشوكة الا لاحد خصلتين الا ليغفر اللّه من الذنوب ذنبا لم يكن يغفر له الا بمثل ذلك او يبلغ به من الكرامة كرامة لم يبلغها الّا بمثل ذلك، و اخرج ابن سعد و البيهقي عن ابى فاطمة عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال و الذي نفسى بيده ان اللّه ليبتلى المؤمن و ما يبتليه الّا لكرامة عليه و ان العبد لتكون له الدرجة فى الجنة لا يبلغها بشى ء من عمله حتى يبتليه بالبلاء ليبلغ به تلك الدرجة و روى البيهقي عن ابى هريرة نحوه منه رحمه اللّه- [.....]. ١٢٤ وَ مَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ يعنى بعضها و شيئا منها بدليل قوله تعالى فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى فى موضع الحال من المستكن فى يعمل و من لتبيين الإبهام او فى موضع الحال من الصّالحات اى كائنة من ذكر او أنثى و من للابتداء واو على التأويلين فيه تأكيد بشمول الحكم فى مَنْ يَعْمَلْ قال بعض الأفاضل فى تبيين العامل بالذكر و الأنثى توبيخ للمشركين فى إهلاكهم إناثهم وَ هُوَ مُؤْمِنٌ حال من المستكن فى يعمل قيد جزاء الحسنات بشرط الايمان و لم يقيد جزاء السيئات بشرط الكفر لان كل سيئة صغيرة كانت او كبيرة غير مرضية للّه منهية فاتيانها يقتضى العقاب ان لم يتداركه المغفرة و لذلك عمّ الوعيد على السيئات للفريقين المؤمنين و الكفار و امّا الحسنات فلا يعتد بشى ء منها ما لم يقترن بالايمان لان اعمال الكفار ليست خالصة للّه تعالى و ما ليس بخالص له تعالى فهو شرك و معصية و ليست بحسنة فان قيل فعلى هذا لا حاجة الى هذا القيد لان عنوانها بالصالحات يغنى عنه فان اعمال الكفار ليست من الصالحات فى شى ء قلنا نعم لكن قيد بذلك للتصريح و دفع توهم الكفار ان من أعمالهم ما هو حسنة كالنفقات و صلة الأرحام و نحو ذلك فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ و ان كانوا فساقا ماتوا بلا توبة امّا بمغفرة ذنوبهم او بعد جزاء سيئاتهم قرا ابن كثير و ابو جعفر و ابو عمرو و ابو بكر يدخلون بضم الياء و فتح الخاء على البناء للمفعول هاهنا و فى سورة مريم و حم المؤمن و زاد ابو عمرو يدخلونها فى سورة فاطر و الباقون على البناء للفاعل، وَ لا يُظْلَمُونَ نَقِيراً (١٢٤) اى مقدار النقير و هو النقرة التي تكون فى ظهر النواة و هذه الاية بعبارته تدل على عدم تنقيص ثواب المطيع و بالدلالة بالطريق الاولى على عدم الزيادة فى عذاب العاصي لان الأذى فى زيادة العذاب أشد منه فى تنقيص الثواب فاذا لم يرض ارحم الراحمين بهذا فكيف يرضى باشد منه و قال بعض الأفاضل لترك هذا القيد فى قوله تعالى وَ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً وجه «١» اخر و هو ان مقام تهديد الكافر لتنفيره عن الشرك يقتضى تركه هناك و مقام ترغيب المؤمن بالعمل الصالح و المواظبة على الانقياد يقتضى ذكره هاهنا قلت و عندى ان معنى قوله تعالى وَ لا يُظْلَمُونَ نَقِيراً انه لا ينقص أحد من ثواب طاعاته و لا يزاد أحد على عقاب سيئاته و لما كان قوله تعالى وَ مَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ شاملا لجميع المؤمنين الصلحاء و الفساق لان الفاسق ايضا لا يخلو عن إتيان عمل صالح أدناه شهادة ان لا اله الا اللّه و هو أعلى شعاب الايمان ففى هذه الاية بشارة للفريقين من المؤمنين المطيعين و العصاة بالأمرين حميعا عدم تنقيص الثواب و عدم زيادة العذاب و امّا قوله تعالى وَ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً و ان كان شاملا للفريقين المؤمنين و الكفار و كان الفساق من المؤمنين داخلين فى كلا الآيتين لكن لما كان جزاء سيئات الكفار غير متناه لعدم تناهى قبح الكفر باللّه فكان زيادة العذاب على سيئات الكفار غير متصور لاستحالة الزيادة على ما لا تناهى له او يقال يجوز الزيادة فى عذاب الكفار على سيئاتهم قال اللّه تعالى زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ فلذلك لم يذكر هذه الجملة هناك كيلا يكون بشارة للكفار فان قيل الظلم قبيح و ان كان فى حق الكفار و اللّه سبحانه منزه عن القبائح فكيف يجوز الزيادة على عذاب الكافر قلنا الظلم عبارة عن التصرّف فى غير ملكه و اللّه سبحانه مالك الملك يتصرّف فى ملكه كيف يشاء فلو عذب العالمين بغير جرم لا يكون منه تعالى ظلما و قوله تعالى لا يُظْلَمُونَ نَقِيراً و أَنَّ اللّه لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ مبنى على التجوز معناه ان اللّه سبحانه لا يفعل بالمؤمنين ما لو فعله بهم غيره تعالى يعد ظلما و اللّه اعلم ذكر البغوي عن مسروق انه قال لما نزلت لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ الاية قال اهل الكتاب نحن و أنتم سواء فنزلت وَ مَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ كما ذكر سابقا و نزلت ايضا. (١) فى الأصل وجها اخر-. ١٢٥ وَ مَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للّه يعنى أخلص نفسه للّه بحيث لا يكون لقلبه تعلقا علميا و لا حبيا بغيره تعالى و يكون نفسه و قلبه و قالبه منقادا لاوامره تعالى منتهيا عن مناهيه لا يثبت لنفسه و لا لغيره فى دائرة الإمكان لشى ء من الأشياء وجودا متاصلا فضلا من اتخاذه معبودا او محبوبا او موجودا بوجود مستقل بنفسه و فى هذا الاستفهام اشارة الى ان ذلك غاية مبلغ الكمال وَ هُوَ مُحْسِنٌ ات بالحسنات تارك للسيئات متصف بدوام الحضور و الإخلاص قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى حديث سوال جبرئيل ما الإحسان ان تعبد ربك كانك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك متفق عليه من حديث عمر رضى اللّه عنه وَ اتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ خصّ ابراهيم عليه السلام بالذكر مع ان دين الأنبياء كلهم واحد و هو صرف نفسه و أعضائه و قواه ظاهرا و باطنا فى مرضات اللّه تعالى مشتغلا به تعالى معرضا عن غيره تعالى لاتفاق جميع الأمم على كونه نبيا حقا حميدا فى كل دين و لكون دين الإسلام موافقا لشريعة ابراهيم عليه السلام فى كثير من فروع الأعمال كالصلوة الى الكعبة و الطواف بها و مناسك الحج و الختان و حسن الضيافة و غير ذلك من كلمات ابتلاه اللّه تعالى بها فاتمهن حَنِيفاً حال من ابراهيم او من الملة او من المستكن فى و اتبع يعنى مستقيما على الطريق الحق مائلا عن الطرق الباطلة وصف ابراهيم به لانه استقام على الإسلام و اعتزل عن عبادة الأصنام مع ما كان أبوه و قومه عاكفين على عبادتهن وَ اتَّخَذَ اللّه إِبْراهِيمَ خَلِيلًا (١٢٥) صديقا صافى المحبة و الخلة مشتق من الخلال فانه ودّ يخلل النفس و يخالطها و قيل من الخلل فان كل واحد من الخليلين يسد خلل الاخر و قال الزجاج الخليل الذي ليس فى محبته خلل او من الخل و هو الطريق فى الرمل فانهما يتوافقان فى الطريق او من الخلة بمعنى الخصلة فانهما يتوافقان فى الخصال و قيل هو من الخلة بمعنى الحاجة فان كل واحد من الخليلين يحتاج اليه صاحبه قيل سمى ابراهيم خليلا اى فقيرا الى اللّه لانه لم يجعل فقره و فاقته الّا الى «١» اللّه تعالى روى عنه عليه السلام انه لما القى الى النار جاءه جبرئيل فقال هل لك حاجة قال امّا إليك فلا فقال سل ربك قال حسبى عن سوالى عمله بحالي فان قيل لا يستقيم هذا المعنى فان قوله تعالى وَ اتَّخَذَ اللّه إِبْراهِيمَ خَلِيلًا يقتضى الخلة من الجانبين و لا يتصور الحاجة من الجانبين قلنا قد عرفت فى مبدا الكتاب ان اسماء اللّه تعالى و صفاته يؤخذ باعتبار الغايات دون المبادي فانه تعالى رحمن رحيم و هما مشتقان من الرحمة بمعنى رقة القلب المقتضى للتفضل و الإحسان فاطلاقهما عليه سبحانه باعتبار التفضل و الإحسان لا باعتبار رقة القلب إذ هو منزه عن القلب و رقته فكذا اطلاق الخلة عليه سبحانه باعتبار صفاء المحبة المبنى على الحاجة فى غيره تعالى لا باعتبار الحاجة تعالى عن ذلك علوّا كبيرا و قوله تعالى وَ اتَّخَذَ اللّه إِبْراهِيمَ خَلِيلًا جملة معترضة لا محل لها من الاعراب و فائدتها التأكيد فى وجوب اتباع ملته لان من بلغ من اللّه منزلة اتخذه اللّه خليلا كان جديرا بالاتباع قال المجدّد رضى اللّه عنه الخليل هو النديم الذي يعرض المرء عليه اسرار محبّه و محبوبه اخرج عبد الرزاق و ابن جرير و ابن المنذر و ابن ابى حاتم فى تفاسيرهم عن زيد بن اسلم قال ان اوّل جبار كان فى الأرض نمرود و كان الناس يخرجون يمتارون من عنده الطعام فخرج ابراهيم عليه السلام يمتار مع من يمتار فاذا مرّ به ناس قال من ربّكم قالوا أنت حتى مرّ ابراهيم فقال من ربّك قال رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَ يُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي وَ (١) فكان يعطى و لا يأخذ و لا يتوجه الى أحد غيره تعالى اخرج البيهقي فى الشعب عن عبد اللّه بن عمرو قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يا جبرئيل لم اتخذ اللّه ابراهيم خليلا قال لا طعامه الطعام يا محمد و اخرج ابن المنذر عن ابن أبزى انه سال ابراهيم ملك الموت باىّ شى ء اتخذني ربى خليلا قال بانك تحب ان تعطى و لا تأخذ و اخرج الديلمي عن ابى هريرة نحوه عن النبي صلى اللّه عليه و سلم و سنده واه و عن زبير بن بكار قال اوحى اللّه الى ابراهيم أ تدري لم اتخذتك خليلا قال لا يا رب قال لانى اطلعت على قلبك فوجدتك تحبّ ان ترزا و لا ترزا يعنى تعطى و لا تعطى منه رحمه اللّه. أُمِيتُ قالَ ... فَإِنَّ اللّه يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ فرده بغير طعام فرجع ابراهيم الى اهله فمرّ على كثيب من رمل اعفر فقال الا أخذ من هذا فاتى به أهلي تطيب نفوسهم حين ادخل عليهم فاخذ منه فاتى اهله فوضع أشياءه ثم نام فقامت امرأته ففتحته فاذا هى بأجود طعام راه أحد فصنعت له منه فقربته اليه و كان عهده باهله انه ليس عندهم طعام فقال من اين هذا قالت من الطعام الذي جئت به فعرف ان اللّه رزقه فحمد اللّه و اخرج ابن ابى شيبة فى المصنف عن ابى صالح قال انطلق ابراهيم عليه السلام يمتار فلم يقدر على الطعام فمر بسهلة حمراء و «١» أخذ منها ثم رجع الى اهله فقالوا ما هذا قال حنطة حمراء ففتحوها فوجدوها حنطة حمراء فكان إذا زرع منها شى ء خرج سنبلة من أصلها الى فرعها متراكما و ذكر البغوي انه قال الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس كان ابراهيم عليه السلام أبا الضيفان و كان منزله على ظهر الطريق يضيف من مر به من الناس فاصاب الناس سنة فحشروا الى باب ابراهيم عليه السلام يطلبون الطعام وكانت الميرة له كل سنة من صديق له بمصر فبعث غلمانه بالإبل الى الخليل الذي بمصر فقال خليله لغلمانه لو كان ابراهيم انما يريده لنفسه لاحتملنا ذلك له فقد دخل علينا ما دخل على الناس من الشدة فرجع رسل ابراهيم عليه السلام فمروا ببطحاء فقالوا لو انا حملنا من هذه البطحاء لبزى الناس انا قد جئنا بميرة فانا نستحيى ان نمر بهم و إبلنا فارغة فملئوا تلك الغرائر سهلة ثم أتوا ابراهيم فاعلموه و سارة نائمة فاهتم ابراهيم لمكان الناس ببابه فغلبته عيناه فنام و استيقظت سارة و قد ارتفع النهار فقالت سبحان اللّه ما جاء الغلمان قالوا بلى قالت فما جاءوا بشى ء قالوا بلى فقامت الى الغرائر ففتحتها فاذا هو أجود خوارى تكون فامرت الخبازين فخبزوا و أطعموا الناس فاستيقظ ابراهيم عليه السلام فوجد ريح الطعام فقال يا سارة من اين هذا قالت من عند خليلك المصري فقال هذا من عند خليلى اللّه قال فيومئذ اتخذ اللّه ابراهيم- (فائدة:) و لما كان نبينا سيد (١) فى الأصل إذا أخذ. الأنبياء صلى اللّه عليه و سلم ارفع درجة من مقام الخلة حيث كان مستقرا فى مقام المحبوبية الصرفة و كان مروره صلى اللّه عليه و سلم على مقام الخلة كعابر سبيل سمى نفسه لذلك العبور و المرور خليلا حيث قال لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا و لكنه أخي و صاحبى و قد اتخذ اللّه صاحبكم خليلا رواه مسلم من حديث ابن مسعود و قال لو كنت متخذا خليلا غير ربى لاتخذت أبا بكر خليلا متفق عليه من حديث ابى سعيد الخدري و قال الا و صاحبكم خليل اللّه رواه الترمذي عن ابى هريرة و اخرج الحاكم و صححه عن جندب انه سمع النبي صلى اللّه عليه و سلم يقول قبل ان يتوفى ان اللّه اتخذني خليلا كما اتخذ ابراهيم خليلا و اخرج الطبراني عن ابن مسعود قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان اللّه اتخذ ابراهيم خليلا و ان صاحبكم خليل اللّه و ان محمّدا سيد بنى آدم يوم القيامة ثم قرا عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً «١» لكن لاجل غدم استقراره فى هذا المقام لعلو شأنه و عدم اقتضاء المحبوبية بعد ما ارتفع عن هذا المقام غير انه كان طالبا لحصول ذلك المقام بالتفصيل لبعض اتباعه حتى يكون ذلك التفصيل معدودا فى كماله بناء على ان كمالات الاتباع بنذ من كمال المتبوع قال العلماء من اهل السنة بالإجماع فى كتب اصول الدين كرامات الأولياء معجزات لنبيه و قال عليه السلام من سنّ سنة حسنة فله أجرها و اجر من عمل بها من غير ان ينقص من أجورهم شى ء و قال عليه الصلاة و السلام الدال على الخير كفاعله و يرشدك ما روينا ان اعمال الامة و كمالاتهم داخلة فى اعمال النبي صلى اللّه عليه و سلم و كماله و لطلب ذلك التفصيل له و لاتباعه قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى الصلاة المأثورة اللّهم صل على محمّد و ال محمّد كما صليت على ابراهيم و على ال ابراهيم فاستجاب اللّه تعالى هذا الدعاء و اعطى بعد الف سنة ذلك للمجدد رضى اللّه عنه فاستقر فى مقام الخلة و اتصف بتفصيله و لم يتيسر ذلك قبله رضى اللّه عنه لاحد اما لرفعة شأن بعض السّابقين من أكابر الصحابة و ائمة اهل البيت الذين رسخوا فى مقام المحبوبية الصرفة بتبعية النبي صلى اللّه عليه و سلم و اما لعدم وصولهم الى تلك المقام ذلِكَ فَضْلُ اللّه يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللّه ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ قال رسول اللّه (١) اخرج الترمذي و ابن مردوية عن ابن عباس انه صلى اللّه عليه و سلم قال ابراهيم خليل اللّه و هو كذلك الأواني حبيب اللّه و لا فخر و انى اوّل شافع و اوّل مشفّع و لا فخر و انا اوّل من يحرك حلق الجنة فيفتحها اللّه فيدخلنيها و معى فقراء المؤمنين و لا فخر و انا أكرم الأولين و الآخرين يوم القيامة و لا فخر و اخرج ابن جرير و الطبراني عن ابن عباس قال ان اللّه اصطفى ابراهيم بالخلة و اصطفى موسى بالكلام و اصطفى محمّدا بالرؤية منه رحمه اللّه. صلى اللّه عليه و سلم مثل أمتي كمثل المطر لا يدرى اوله خير أم آخره او كحديقة اطعم فوجا منها عاما و فوجا منها عاما لعل آخرها فوجا هى اعرضها عرضا و أعمقها عمقا و أحسنها حسنا رواه رزين من حديث جعفر بن محمّد و هذا امر ثبت بالكشف الصحيح و لا علينا لو أنكره أحد و انما كلامنا مع من يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللّه «١» وَ أُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ و انما ذكرت هذا الكلام لان بعض قاصرى الافهام كانوا يعترضون على كلام المجدد رضى اللّه عنه فى هذا المقال و يزعمونه مستحيلا و كفرا و الإنسان عدو لما جهل و بما ذكرنا لك اتضح ان هذا القول دعوى امر ممكن يقتضى الحسن الظنّ بالاكابر قبوله او السكوت عنه و كان من الناس من يقول لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ فقال اللّه تعالى أَ هُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ و كان من الناس من يقول ا انزل «٢» عليه الذّكر مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ قال اللّه تعالى سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ و لا يلزم من رسوخ بعض أكابر الصحابة و ائمة اهل البيت فى مقام المحبوبية الصرفة فضلهم على ابراهيم عليه السلام لان وصول الصحابة و الائمة الى مقام المحبوبية كان بالتبعية و الوراثة و ما كان لابراهيم عليه السلام كان بالاصالة و شتان ما بينهما و ما ذكرنا من استقرار المجدد رضى اللّه عنه فى مقام الخلة لا ينافى ترقياته «٣» من ذلك المقام و سيره و عبوره بالتبعية و الوراثة الى مقام المحبوبية الصّرفة فان السير و العبور غير الاستقرار و المقام و اللّه اعلم. (١) فى الأصل هدى اللّه. (٢) و فى القران أَ أُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ إلخ فى سورة القمر. (٣) و مى تواند كه گفته شود كه ترقى در مقام خلّت كه حاصل بود خواسته باشند پس فرمودند طلب صلوة رحمت و خلت كه حضرت ابراهيم عليه السلام بان امتياز دارند بخواهيد و امة مامور شده بدعاء ترقى در مرتبه خلت و ظاهر است كه حصول آن از بعضى كم هست از بعضى زياده و پيداست كه درجات قرب حضرت حق سبحانه يا بجذب فضل او سبحانه هست يا باعمال مرضيه خودشان يا باعمال مرضيه صالحان امت است الدال على الخير كفاعله و گفته اند كه بعضى معانى بر دلهاء عارفان مى آيند ألفاظ و عبارت از ان قاصر مى بود پس سكوت اولى منه رحمه اللّه. ١٢٦ وَ للّه ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ خلقا و ملكا تقديم الظرف لقصد الحصر يعنى ليس لاحد غيره تعالى دخل فى خلق شى ء من الممكنات و ملكه و انما خص ذكر ما فى السموات و ما فى الأرض لظهورهما و هذه الجملة متصلة بقوله تعالى وَ مَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للّه تعليل له يعنى إذا كان جميع الأشياء خالصا للّه تعالى فالواجب على كل أحد تخليص وجهه للّه تعالى او هى متصلة بقوله تعالى وَ اتَّخَذَ اللّه إِبْراهِيمَ خَلِيلًا يعنى انه له تعالى ما فى السموات و ما فى الأرض يختار منها ما يشاء و من يشاء او هى متصلة بذكر الأعمال مقرر بوجوب طاعته على اهل السموات و الأرض و كمال قدرته على مجازاتهم على الأعمال وَ كانَ اللّه بِكُلِّ شَيْ ءٍ مُحِيطاً (١٢٦) احاطة لا كيف لها يعنى ليس شى ء من الأشياء مستقلا بنفسه بل كل شى ء موجود بوجوده محتاج اليه فى ذاته و صفاته و أفعاله مشمول بعواطفه و افضاله فلا يجوز لاحد الا ان يسلم وجهه خالصا له و قيل محيط احاطة علم و قدرة فيجازيهم على حسب أعمالهم ان خيرا فخيرا و ان شرّا فشرّا و اللّه اعلم اخرج الحاكم فى المستدرك عن ابن عباس قال كان اهل الجاهلية لا يورثون المولود حتى يكبر و لا يورثون المرأة فلما كان الإسلام قال اللّه تعالى. ١٢٧ وَ يَسْتَفْتُونَكَ اى يستخبرونك فى الصحاح الفتوى الجواب عما يشكل من الاحكام فِي النِّساءِ اخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير قال كان الرجل الذي قد بلغ لا يورث الصغير و لا المرأة شيئا فلما نزلت المواريث فى سورة النساء شق ذلك على الناس و قالوا يرث الصغير و المرأة كما يرث الرجل فسالوا النبي صلى اللّه عليه و سلم فانزل اللّه تعالى هذه الاية و كذا اخرج عبد بن حميد و ابن جرير عن مجاهد و قال البغوي قال الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس نزلت هذه الاية فى بنات أم كحة و ميراثهن عن ابيهن و قد مضت القصة فى اوّل السورة «١» و روى البخاري عن عائشة فى هذه الاية قال هو الرجل تكون عنده اليتيمة هو وليها و وارثها قد شركته فى ماله فيعضلها قال البغوي فيرغب عنها ان يتزوجها لدمامتها و يكره ان يزوج غيره فيدخل عليه فى ماله فيحبسها حتى تموت فيرثها فنهاهم اللّه عن ذلك و فى رواية عنها قالت هى اليتيمة فى حجر الرجل و هو وليها فيرغب فى نكاحها إذا كانت ذات جمال و مال باقل من سنة صداقها و إذا كانت مرغوبا عنها فى قلة المال و الجمال تركها قُلِ يا محمد اللّه يُفْتِيكُمْ يبيّن لكم حكمه فِيهِنَّ وَ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ الموصول معطوف على اسم اللّه او ضميره المستكن فى يفتيكم و جاز للفصل يعنى يفتيكم اللّه فيهن و يفتيكم فيهن كتابه «٢» يعنى اية الميراث او قوله تعالى وَ آتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً و نحو ذلك و جاز ان يكون الجملة معترضة لتعظيم المتلوّ عليهم على ان الموصول مبتدا و فى الكتاب خبره و المراد بالكتاب اللوح المحفوظ و يجوز ان ينصب الموصول بفعل محذوف على معنى و يبيّن لكم ما يتلى عليكم او يخفض على القسم كانه قيل و اقسم بما يتلى عليكم فِي يَتامَى النِّساءِ متعلق بيتلى ان عطف الموصول على ما قبله او كان الموصول منصوبا او مجرورا اى يتلى عليكم (١) اخرج القاضي إسماعيل فى احكام القران عن عبد الملك بن محمد بن حزم ان عمرة بنت حزم كانت تحت سعد بن الربيع فقتل عنها بأحد و كانت له منها ابنة فانت النبي صلى اللّه عليه و سلم تطلب ميراث أبيها ففيها نزلت و يستفتونك فى النّساء منه رحمه اللّه. (٢) و روى البخاري و مسلم عن عائشة انها قالت الذي ذكر اللّه اية يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ الاية الاولى التي قال اللّه وَ إِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ الاية منه رحمه اللّه. فى شأنهن و الا فبدل من فيهن او صلة اخرى ليفتيكم على معنى يفتيكم فيهن بسبب يتامى النساء كما فى قوله عليه السلام «١» دخلت امراة النار فى هرة و الاضافة بيانية لان المضاف اليه جنس المضاف اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ اى ما فرض من الميراث و الصداق و غير ذلك من الحقوق وَ تَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ يعنى فى ان تنكحوهن إذا كن جميلات او عن ان تنكحوهن إذا كن دميمات روى ابن المنذر عن الحسن و ابن سيرين فى هذه الاية قال أحدهما ان ترغبوا فيهن و قال الاخر ان ترغبوا عنهن و اخرج ابن ابى شيبة عن الحسن ان ترغبوا عنهن و الواو اما للعطف او للحال وَ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ عطف على يتامى النساء فانهم كانوا لا يورثونهم كما ذكرنا و يأكلون أموالهم اى ما يتلى عليكم فى اليتامى و ذلك قوله تعالى وَ آتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ- وَ أَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ بالعدل فى ميراثهم و أموالهم ايضا عطف على يتامى النساء يعنى يتلى عليكم فى ان تقوموا لليتامى بالقسط هذا إذا جعل فى يتامى النساء متعلقا بيتلى و ان جعلته بدلا فالوجه نصبها عطفا على موضع فيهن و يجوز نصب ان تقوموا بإضمار فعل اى و يأمركم ايها الائمة او ايها الأولياء ان تقوموا لليتامى بالعدل و الانصاف وَ ما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فى حق النساء و اليتامى و غير ذلك فَإِنَّ اللّه كانَ بِهِ عَلِيماً (١٢٧) فيثيبكم عليه روى البخاري و ابو داود و الحاكم عن عائشة و الترمذي مثله عن ابن عباس انه توقعت سودة ان يفارقها النبي صلى اللّه عليه و سلم فسالت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حين أسنت فقالت يومى لعائشة فانزل اللّه تعالى. (١) فى الأصل و فى النقول كما فى قوله تعالى دخلت امراة إلخ و هو وهم لعله من الناسخ ٢ بو محمد عفا اللّه عنه. ١٢٨ وَ إِنِ امْرَأَةٌ مرفوع بفعل مضمر يفسّره ما بعده اى خافَتْ و جاز ان يكون خافت صفة و المقدر كانت تقديره و ان كانت امراة خافت يعنى توقعت مِنْ بَعْلِها مكروها يعنى نُشُوزاً اى ترفعا عن صحبتها كراهة لها يعنى خافت ان يطلقها لما ظهر لها ذلك بالأمارات أَوْ إِعْراضاً بوجهه عنها بان يقل مجالستها و محادثتها و يمنعها عن حقوقها و هى تريد ان لا يطلقها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا أصله ان يتصالحا أبدلت التاء صادا و أدغمت كذا قرا أكثرهم و قرا الكوفيون يصلحا بضم الياء و سكون الصاد من أصلح بَيْنَهُما بان تحطّ المرأة بعض المهر او كله او النفقة او نصيبها من القسم او تهب له شيئا تستميله به إليها قال البغوي يقول الزوج انك قد دخلت فى السن و انى أريد ان أتزوج امراة شابة جميلة اوثرها عليك فى القسم ليلا و نهارا فان رضيت بهذا فاقيمى و ان كرهت خلّيت سبيلك فان رضيت كانت هى المحسنة و لا تجبر على ذلك و ان لم ترض بدون حقها كان على الزوج ان يوفيها حقها من القسم و النفقة او يسرحها بإحسان فان أمسكها و وفاها حقها مع كراهة فهو المحسن و قال مقاتل بن حبان هو ان الرجل تكون تحته المرأة الكبيرة فيتزوج عليها الشابة فيقول للكبيرة أعطيك من مالى نصيبا على ان اقسم لهذه الشابة اكثر مما اقسم لك فترضى بما اصطلحا عليه فان أبت ان ترضى فعليه ان يعدل بينهما فى القسم و عن على رضى اللّه عنه فى هذه الاية قال تكون المرأة عند الرجل فتبنو عينه عنها من دمامة او كبر فتكره المرأة فرقته فان أعطته من مالها فهو له حل و ان «١» أعطته من أيامها فهو حل له و فى كلمة بينهما اشارة الى ان الأحب ان يتصالحا من غير مدخلية ثالث لئلا يطلع غيرهما على ما بينهما ممّا يعاب صُلْحاً منصوب على المصدرية و المفعول به بينهما او هو محذوف قيل انما يتم نصبه على المصدرية لو جاء الصلح بمعنى الإصلاح و التصالح قلنا كون الصلح فردا للاصلاح يكفى فى جعله مصدرا على انه جاز ان يكون المصدر من غير بابه كما فى قوله تعالى أنبته «٢» اللّه نباتا و على القراءة الثانية جاز ان ينتصب صلحا على المفعول به على ارادة ان يوقعا بينهما صلحا خاليا عن الفساد و يستفاد من هذه الاية بالدلالة انه لو خاف الرجل نشوز المرأة لا جناح عليهما فى الإصلاح ايضا و يحتمل ان يجعل هذا الحكم تحت قوله تعالى وَ الصُّلْحُ خَيْرٌ من الفرقة او من الخصومة او من سوء المعاشرة او المعنى الصلح خير من الخيرات يعنى من جملتها كما ان الخصومة شر من جملة الشرور و هذه الجملة معترضة لدفع توهم الكراهة التي تستفاد من قوله لا جناح فانه لنفى الإثم و لان إعطاء المرأة شيئا من حقها تشابه (١) ليس فى الأصل و ان أعطته من أيامها فهو حل له-. (٢) و فى القران و أنبتها نباتا حسنا-. الرشوة و هذه الاية و ان كانت واردة فى المصالحة بين الزوجين لدفع الخصومة الواقعة لحقوق النكاح لكن اللفظ عام يشتمل كل صلح واقع بعد دعوى صحيح و ذلك على ثلاثة اضرب صلح مع اقرار و صلح مع سكوت و صلح مع انكار و كل ذلك جائز عند الائمة الثلاثة لاطلاق هذه الاية و قال الشافعي لا يجوز الصلح مع انكار و سكوت لقوله صلى اللّه عليه و سلم كل صلح جائز بين المسلمين الا صلحا أحل حراما او حرم حلالا و المسلمون على شروطهم الا شرطا حرم حلالا رواه الحاكم عن كثير بن عبد اللّه بن عوف عن أبيه عن جده وجه الاستدلال ان البدل كان حلالا على الدافع حراما على الاخذ فينقلب الأمر و لان المدعى عليه يدفع المال لقطع الخصومة و هذا رشوة قال الائمة الثلاثة هذا الحديث حجة لنا لا علينا لاطلاق قوله صلى اللّه عليه و سلم كل صلح جائز و معنى قوله صلى اللّه عليه و سلم الا صلحا أحل حراما بعينه كالخمر او حرم حلالا بعينه كما ان يصالح امرأته على ان لا يطأ ضرتها ا لا ترى ان الرجل إذا أراد ان يطلق امرأته و المرأة صالحته على ان لا يطلقها و تترك قسمها لضرتها جاز اجماعا حيث أسقطت حقها مع ان ترجيح بعض النساء فى القسم كان حراما ثم صار حلالا بعد رضائها و الصلح بعد السكوت او الإنكار صلح بعد دعوى صحيح فيقتضى بجوازه لان المدعى يأخذ عوضا عن حقه فى زعمه و هذا مشروع و المدعى عليه يدفع لدفع الخصومة عن نفسه و هذا مشروع ايضا إذ المال وقاية للانفس و دفع الرشوة لدفع الظلم امر جائز غير ان من علم ان عليه حقا للمدعى و لم يقر له فعجز المدعى عن اثبات حقه فصالح على بعض حقه لا يحل للمدعى عليه ذلك عند اللّه تعالى اجماعا لانه هضم الحق و امّا إذا لم يعلم ذلك و ادعى عليه فالصلح جائز عند الثلاثة و منعه الشافعي- مسئلة:- فان وقع الصلح عن اقرار اعتبر فيه ما يعتبر فى البياعات ان وقع عن مال بمال فيجرى فيه الشفعة و يردّ بالعيب و يثبت فيه خيار الروية و الشرط و يفسده جهالة البدل لا جهالة المصالح عنه لانه يسقط فلا يفضى الى المنازعة و يشترط القدرة على تسليم البدل و ان وقع عن مال بمنافع يعتبر بالاجارة فيشترط التوقيت فيها و يبطل الصلح بموت أحدهما فى المدة، مسئلة و الصلح عن السكوت و الإنكار فى حق المدعى عليه لافتداء اليمين و فى حق المدعى بمعنى المعاوضة فان صالح عن دار لا يجب فيه الشفعة بخلاف ما إذا صالح على دار مسئلة و لو ادعى دارا فصالح على قطعة منها لم يصح الصلح لان ما قبضه من عين حقه و هو على دعواه فى الباقي الّا ان يزيد درهما فى بدل الصلح او يلحق به ذكر البراءة عن دعوى الباقي مسئلة:- و يصح الصلح عن جناية العمد و الخطأ لانه حق من الحقوق و قد قال اللّه تعالى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْ ءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَ أَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ، و عن دعوى النكاح من الرجل فكان دفع المال من جانبها بمنزلة الخلع و عن دعوى الرق و كان بمنزلة الاعتاق على مال مسئلة:- و إذا وقع الصلح عن دين يحمل على انه استوفى بعض حقه و أسقط باقيه فمن صالح عن الف جياد حال على خمسمائة زيوف مؤجل جاز لانه أسقط بعض حقه قدرا و وصفا و اجّل الباقي و عن الف زيوف على خمسمائة جياد لم يجز لان الجياد غير مستحق له و هى زائد وصفا فصار معاوضة الف بخمسمائة و زيادة وصف و هو ربوا و لو صالح عن الدراهم بالدنانير يشترط قبض الدنانير قبل الافتراق لانه صرف و اللّه اعلم و اخرج سعيد بن منصور عن سعيد بن المسيب ان ابنة محمد بن مسلمة كانت عند رافع بن خديج فكره منها امرا امّا كبرا او غيره فاراد طلاقها فقالت لا تطلقنى و اقسم لى ما بدأ لك فانزل اللّه تعالى وَ إِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ الاية و له شواهد موصول أخرجه الحاكم من طريق سعيد بن المسيّب عن رافع بن خديج قال البغوي نزلت فى غمرة، و يقال خويلة ابنة محمد بن مسلمة و فى زوجها اسعد بن الربيع و يقال رافع بن خديج تزوجها و هى شابة فلما علا الكبر تزوج عليها امراة شابة و اثر عليها و جفا ابنة محمد بن مسلمة فاتت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فشكت اليه فنزلت هذه الاية و اخرج الحاكم عن عائشة قالت نزلت هذه الاية و الصلح خير فى رجل كانت تحته امراة قد ولدت أولادا فاراد ان يستبدلها فراضته على ان تقر عنده و لا يقسم لها و قال البغوي قال سعيد بن جبير كان رجل له امراة قد كبرت و له أولاد فاراد ان يطلقها و يتزوج غيرها فقالت لا تطلقنى و دعنى على ولدي و اقسم لى فى كل شهرين ان شئت و ان شئت فلا تقسم لى، فقال ان كان تصلح على ذلك فهو احبّ الىّ فاتى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فذكر له ذلك فانزل اللّه تعالى وَ إِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ و اخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير قال جاءت المرأة حين أنزلت هذه الاية وَ إِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فقالت انى أريد ان تقسم لى من نفقتك و قد كانت رضيت ان تدعها فلا يطلقها و لا يأتيها فانزل اللّه تعالى وَ أُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ اى جعل الشح حاضرا لها مطبوعة عليها «١» لا يغيب عنها ابدا، و الشح البخل مع الحرص كذا فى الصحاح و القاموس يعنى الشح لا يذهب عن أحد غالبا فلا تكاد المرأة ان تسمح بالاعراض عنها و التقصير فى حقها و لا الرجل يسمح بان يمسكها و يقوم بحقها على ما ينبغى إذا كرهها او احبّ غيرها و هذه الجملة ايضا معترضة كانت الجملة الاولى للترغيب فى المصالحة و هذه الجملة لتمهيد العذر فى المماكسة و لكونهما معترضتين اغتقر عدم مجانستهما فان الاولى اسمية و الثانية فعلية وَ إِنْ تُحْسِنُوا فى المعاشرة اى يحسن الأزواج بأداء حقوق الزوجات و الاقامة معهن بالعدل و لو مع الكراهة و تحسن الزوجات بأداء حقوق الأزواج و لو على خلاف ما تشتهى انفسهن وَ تَتَّقُوا النشوز و الاعراض و تنفيص الحق فَإِنَّ اللّه كانَ بِما تَعْمَلُونَ من الإحسان و الإضرار خَبِيراً (١٢٨) فيجازيكم عليه اقام كونه عالما بأعمالهم مقام إثابته إياهم عليها الذي هو جواب الشرط حقيقة اقامة السبب مقام المسبب-. (١) فى الأصل عليه. ١٢٩ وَ لَنْ تَسْتَطِيعُوا ايها الناس أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ يعنى العدل بين النساء و عدم الميل الى واحدة منهن بوجه من الوجوه مع كونها محبوبة اليه متعذر «١» جدّا و تمام العدل ان يسوى بينهن فى القسم و النفقة و التعهد و النظر و الإقبال و الممالحة و المفاكهة و غيرها و كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقسم بين نسائه فيعدل و يقول اللّهم هذه قسمى فيما املك فلا تؤاخذني فيما تملك و لا املك يعنى المحبة أخرجه احمد و الاربعة و ابن حبان و الحاكم و صححه من حديث ابى هريرة و رواه اصحاب السنن الاربعة و الدارمي عن عائشة وَ لَوْ حَرَصْتُمْ اى بالغتم فى تحرى ذلك فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ يعنى فلا تجوروا على المرغوب عنها كل الجور فى القسم و النفقة اى لا تتبعوا أهواءكم أفعالكم فَتَذَرُوها اى المرغوبة عنها كَالْمُعَلَّقَةِ و هى التي ليست بمطلقة و لا ذات بعل عن ابى هريرة عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال من كانت له امرأتان فمال الى أحدهما جاء يوم القيامة و شقه مائل رواه اصحاب السنن الاربعة و الدارمي وَ إِنْ تُصْلِحُوا ما كنتم تفسدون من امورهن- وَ تَتَّقُوا فيما يستقبل فَإِنَّ اللّه كانَ غَفُوراً رَحِيماً (١٢٩) يغفر لكم ما مضى من ميلكم. (١) قال ابن مسعود يعنى فى الجماع رواه ابن المنذر و عن مجاهد و عبيدة يعنى فى الحب رواه البيهقي و غيره منه رحمه اللّه [.....]. ١٣٠ وَ إِنْ يَتَفَرَّقا اى الزوج و الزوجة بالطلاق يُغْنِ اللّه كُلًّا اى كل واحد منهما عن الاخر مِنْ سَعَتِهِ من غناه و قدرته المرأة بزوج اخر و الزوج بامراة اخرى وَ كانَ اللّه واسِعاً مقتدرا على كل شى ء او واسع الفضل و الرحمة او واسعا و سعة لا كيف لها كل خير و وجود ظل لوسعة خيراته و وجوده حَكِيماً (١٣٠) متقنا فى أفعاله و أحكامه (مسئلة:) بمقتضى هذه الاية و السنة يجب على الزوج التسوية بين نسائه فى القسم فان ترك التسوية بينهن فى فعل القسم عصى اللّه تعالى و عليه قضاؤه للمظلومة و التسوية شرط فى البيتوتة دون الجماع لانه يدور على النشاط و ليس ذلك فى وسعه و لو كانت فى نكاحه حرة و امة فللحرة الثلثان من القسم و للامة الثلث بذلك ورد الأثر قال ابن همام قضى به ابو بكر و على رضى اللّه عنهما و بالقضاء عن على احتج احمد و تضعيف ابن حزم إياه بالمنهال ابن عمر و بابن ابى ليلى ليس بشى ء لانهما ثقتان حافظان و إذا تزوج جديدة على قديمات فالقديمة و الجديدة فى القسم سواء عند ابى حنيفة رحمه اللّه لاطلاق الحديث المذكور و عند الائمة الثلاثة يبيت عند الجديدة سبع ليال على التوالي ان كانت بكرا و ان كانت ثيبا فثلاث ليال ثم يسوى بعد ذلك بين الكل- و لا يجب قضاء هذه الليالى للقديمات لحديث ابى قلابة عن انس رضى اللّه عنه قال من السنة إذا تزوج البكر على الثيب اقام عندها سبعا ثم قسم و إذا تزوج الثيب اقام عندها ثلاثا ثم قسم قال ابو قلابة لو شئت لقلت ان أنسا رفعه الى النبي صلى اللّه عليه و سلم متفق عليه و إذا أراد الرجل السفر فعند ابى حنيفة رحمه اللّه لا حق لهن فى القسم حالة السفر يسافر بمن شاء منهن و الاولى ان يقرع بينهن فيسافر بمن خرجت قرعتها و عند الشافعي و احمد لا يجوز له الخروج بإحداهن الا برضائهن او بالقرعة و عن مالك روايتان كالمذهبين فان سافر من غير قرعة و لا تراض وجب عليه القضاء لهن عند الشافعي و احمد و عند ابى حنيفة و مالك لا يجب احتج الشافعي و احمد بحديث عائشة قالت كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا أراد سفرا اقرع بين نسائه فايتهن خرج سهمها خرج بها متفق عليه قال ابو حنيفة كان هذا من رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لتطيّب قلوبهن فكان مستحبا و لم يكن واجبا لانه لا حق للمرءة عند مسافرة الزوج الا ترى ان له ان لا يستصحب واحدة منهنّ اجماعا فكذا له ان يسافر بواحدة منهن و يرد عليه ان تركهن كلهن لا يستوجب الغيرة و الإيذاء بخلاف إيثار إحداهن على سائرهن و ان رضيت احدى الزوجات بترك قسمها لصاحبتها جاز لحديث عائشة ان سودة لما كبرت قالت يا رسول اللّه قد جعلت يومى منك لعائشة فكان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقسم لعائشة يومين يومها و يوم سودة متفق عليه و لها ان ترجع فى ذلك لانها أسقطت حقا لم يجب بعد فلا يسقط قال البغوي قال سليمان بن يسار عن ابن عباس فى قوله تعالى فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما انه قال فان صالحته عن بعض حقّها من القسم، او النفقة فذلك جائز ما رضيت و ان أنكرت بعد الصلح فذلك لها و لها حقها (مسئلة) و لا يجوز ترك القسم لاجل المرض الا برضائهن لحديث عائشة ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كان يسئل فى مرضه الذي مات فيه اين انا غدا يريد يوم عائشة فاذن له أزواجه يكون حيث شاء فكان فى بيت عائشة حتى مات عندها رواه البخاري-. ١٣١ وَ للّه ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ خلقا و ملكا تنبيه على كمال وسعته و قدرته وَ لَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ اليهود و النصارى و من قبلهم من الأمم و الكتاب للجنس مِنْ قَبْلِكُمْ متعلق بوصينا او باوتوا وَ إِيَّاكُمْ عطف على الذين أَنِ اتَّقُوا اللّه ان مفسرة لوصينا فانه بمعنى القول و جاز ان يكون مصدرية بحذف حرف الجرّ و المراد بالتقوى التقوى عن الشرك بدليل قوله تعالى وَ إِنْ تَكْفُرُوا و جاز ان يكون التقوى عبارة عن ترك المعاصي و بالكفر الكفران بترك طاعته و عدم امتثال أوامره او التقوى عبارة عن وقاية قلبه عن الاشتغال بغير اللّه و الكفر الاشتغال بغيره و قوله و ان تكفروا عطف على وصينا بتقدير القول يعنى و قلنا لهم و لكم ان تكفروا فَإِنَّ للّه ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ فهو قادر على عقوبتكم بما يشاء لا منجى عن عقوبته لكم او يقال فان للّه ملائكة السّموات و الأرض و هم أطوع له منكم او يقال معناه انه تعالى غنى عنكم لا ينتفع بعبادتكم و لا يتضرر بكفركم و النفع و الضرر انما يعود إليكم بما يأمركم و ينهاكم تفضلا عليكم و على هذا فقوله تعالى وَ كانَ اللّه غَنِيًّا يعنى عن الخلق و طاعتهم كانه بيان و تأكيد لما سبق حَمِيداً (١٣١) فى ذاته حمده الخلق ا و لم يحمد. ١٣٢ وَ للّه ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ كرره ثالثا للدلالة على كونه مستأهلا لان يتوكل عليه فهو تمهيد لقوله تعالى وَ كَفى بِاللّه وَكِيلًا (١٣٢) جاز ان يكون هذا راجعا الى قوله يغنى اللّه كلّا من سعته فان ذلك القول يدل على انه تعالى توكل بكفايتهما و كفى به وكيلا. ١٣٣ إِنْ يَشَأْ اذهابكم يُذْهِبْكُمْ اى يفنيكم يا أَيُّهَا النَّاسُ فان مجرد مشيته تعالى كافية فى اعدامكم وَ يَأْتِ بِآخَرِينَ اى يوجد قوما آخرين أطوع منكم مكانكم او خلقا اخر مكان الانس وَ كانَ اللّه عَلى ذلِكَ الاعدام و الإيجاد قَدِيراً (١٣٣) كامل القدرة لا يعجزه شى ء هذه الاية ايضا تقرير لغنائه و قدرته و تهديد لمن كفر به و خالف امره، اخرج سعيد بن منصور و ابن جرير و ابن ابى حاتم من حديث ابى هريرة انه لما نزلت هذه الاية ضرب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يده على ظهر سلمان و قال انهم قوم هذا فهذه الاية حينئذ بمعنى قوله تعالى إِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ الاية و فى الصحيحين عن ابى هريرة قال كنا جلوسا عند النبي صلى اللّه عليه و سلم إذ نزلت سورة الجمعة فلما نزلت وَ آخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ قيل من هؤلاء يا رسول اللّه وضع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يده على سلمان ثم قال لو كان الايمان عند الثريا لنا له رجال من هؤلاء و عنه عند الترمذي انه صلى اللّه عليه و سلم تلا وَ إِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ قالوا من هؤلاء يا رسول اللّه فضرب على فخذ سلمان ثم قال هذا و قومه و لو كان الدين «١» عند الثريا لتناوله رجال من الفرس و عنه عند الترمذي قال ذكرت الأعاجم عند رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لانابهم او ببعضهم أوثق منى بكم او ببعضكم قلت لعل فى هذه الأحاديث اشارة الى مشائخ ما وراء النهر بهاء الدين النقشبندي و أمثاله فان هؤلاء الكرام من الأعاجم توطنا و ان كان أكثرهم من ال النبي صلى اللّه عليه و سلم و أصحابه نسبا قد أحيوا سنة النبي صلى اللّه عليه و سلم بعد ما أميتت و ما رضوا بالبدعة و ان كانت حسنة و لنعم ما قال الجامى شعر سكة كه در يثرب و بطحا زدند نوبت آخر ببخارا زدند- و ايضا الى علماء ماوراء النهر مثل ابى عبد اللّه البخاري و أمثاله من المحدثين و الفقهاء و اللّه اعلم. (١) قال الشيخ محمد بن يوسف الصالحي انه قال الشيخ يعنى جلال الدين السيوطي رحمه اللّه ان المراد بهذا الحديث ابو حنيفة و أصحابه رحمهم اللّه لا شك فيه لانه لم يبلغ من أبناء فارس فى العلم مبلغه و لا مبلغ أصحابه و انه كان جد الامام ابى حنيفة منهم منه رحمه اللّه-. ١٣٤ مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا كالمرائى بالأعمال و المجاهد لاجل الملك او الغنيمة فَعِنْدَ اللّه ثَوابُ الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ تقديره فقد خسروا خطأ فى الطلب إذ عند اللّه ثواب الدارين فليطلبهما و ليقل رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً او ليطلب الأشرف منهما فان من جاهد خالصا للّه لم يخطئه الغنيمة و له فى الاخرة ما هى فى جنبه كالعدم وَ كانَ اللّه سَمِيعاً بَصِيراً (١٣٤) عارفا بالأغراض فيجازى كلا على حسب نيته قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من كانت هجرته الى دنيا يصيبها او امراة ينكحها فهجرته الى ما هاجر اليه متفق عليه من حديث عمر بن الخطاب رضى اللّه عنه و اللّه اعلم اخرج ابن ابى حاتم عن السدى قال اختصم الى النبي صلى اللّه عليه و سلم رجلان غنى و فقير فكان ضلعه مع الفقير يرى ان الفقير لا يظلم الغنى فانزل اللّه تعالى. ١٣٥ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ بالغين فى بذل الجهد فى اقامة العدل مواظبين على القيام به فالواجب على القاضي التسوية بين الخصمين فى الجلوس و الإقبال عن أم سلمة قالت قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا ابتلى أحدكم بالقضاء فليساو بينهم فى المجلس و الاشارة و النظر و لا يرفع صوته على أحد الخصمين اكثر من الاخر رواه إسحاق ابن راهويه فى مسنده و الدارقطني نحوه شُهَداءَ خبر بعد خبر او حال للّه تقيمون شهاداتكم خالصا لوجه اللّه وَ لَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ اى و لو كانت الشهادة على نفسه و هو الإقرار على نفسه أَوِ الْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ يعنى و لو كانت الشهادة على والديكم و أقربيكم فلا تكتموها و قولوا الحق و لا تحابوا غنيا لغناه و لا ترحموا فقيرا لفقره كذا اخرج البيهقي و غيره عن ابن عباس إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فلا تمتنعوا عن الشهادة و لا تجوروا فيها ميلا او ترحما فَاللّه أَوْلى بِهِما منكم فلو لم يكن الشهادة عليهما او لهما صلاحا لما شرعت أقيمت علة الجواب مقامه و كان حقه اولى به لان المذكور أحد الامرين من الغنى و الفقير بكلمة او لكن ثنى الضمير نظرا الى ان المرجع ما دل عليه المذكور و هو جنس الغنى و الفقير و الوجه للعدول عن الظاهر تعميم الاولوية و دفع توهم الاختصاص بأحدهما كذا ذكر التفتازانيّ و يرد عليه ان الواحد غير متعين فلا توهم قال الرضى الضمير الراجع الى المذكور الذي عطف بعضه على بعض يجوز فيه ان يوحد الضمير و ان يطابق المتعدد و ذلك يدور على القصد قلت جاز ان يكون مرجع الضمير المشهود له و المشهود عليه الذين دل عليهما الكلام يعنى مشروعية الشهادة مصلحة لكليهما للمشهود له مصلحة عاجلة و للمشهور عليه مصلحة اجلة كى تفرغ ذمته عن حقوق الناس و جاز ان يكون معنى الاية كونوا شهداء للّه تشهدون بوحدانيته و صفات كماله و حقيّة كتبه و رسله و أحكامه و لو كانت الشهادة مضرة على أنفسكم او والديكم و أقاربكم بان تقتلوا و يسلب أموالكم ان يكن الشاهد غنيا يضر تلك الشهادة غناه او فقيرا يسدّ شهادته دفع حاجته فاللّه اولى بهما من أنفسهما فينبغى ان يرجحا اللّه على أنفسهما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا اى لان تعدلوا عن الحق او كراهة ان تعدلوا عن العدل او المعنى لا تتبعوا الهوى لتكونوا عادلين وَ إِنْ تَلْوُوا قرا ابن عامر و حمزة و ان تلوا بضم اللام و اسكان الواو يعنى تلوا القيام بأداء الشهادة من الولاية و قيل أصله تلووا كما قرا الجمهور حذفت أحد الواوين تخفيفا و ألقيت حركتها على اللام يعنى ان تحرفوا الشهادة و تلووا السنتكم عن شهادة الحق و قيل معناه تدافعوا فى أداء الشهادة الى غيركم، و قيل هذا خطاب مع الحكام من لهم الأشداق اى ان تميلوا الى أحد الخصمين أَوْ تُعْرِضُوا عن شهادة الحق و حكومة العدل فَإِنَّ اللّه كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (١٣٥) فيجازيكم عليه. ١٣٦ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللّه وَ رَسُولِهِ حقيقة الايمان و كمال الايمان ان يعرف ببصيرته انه تعالى هو المتأصل فى الوجود خالقا لكل شى ء من الاعراض و الجواهر نافعا ضارا و ليس شى ء ممّا سواه موصوفا بحسن و كمال الا مستعارا منه تعالى فلا يبقى لقلبه علاقة علمى و لا حبى الا به تعالى و يكون نفسه بعلاقة الحبّ به تعالى مجبولا على إتيان ما امره اللّه و انتهاء ما نهى عنه حتى يكره صدور المعصية منه أشدّ ممّا يكره ان يقع فى النار قال البغوي قال ابو العالية و جماعة هذا خطاب للمؤمنين فقال يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا اى اقيموا و اثبتوا على الايمان و مرجع هذا التفسير الى ما قلت ان شاء اللّه تعالى و قال الضحاك أراد بالخطاب اليهود و النصارى يقول يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بموسى و عيسى آمَنُوا بمحمد و القران و قال مجاهد أراد به المنافقين يقول يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا باللسان آمَنُوا بالقلب و قيل المراد به اهل الشرك يعنى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا باللات و العزى آمَنُوا باللّه و رسوله و هذه الأقوال واهية إذ الكفار اليهود و النصارى و المشركون لا يخاطبون بعنوان الذين أمنوا و كذا المنافقون فان الايمان ليس من صفات اللسان الا مجازا و الحمل على الحقيقة ما أمكن اولى- و قال البغوي قال الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس و كذا اخرج الثعلبي عنه انه قال نزلت هذه الاية فى عبد اللّه بن سلام و اسد و أسيدا بنى كعب و ثعلبة بن قيس و سلام بن اخت عبد اللّه بن سلام و سلمة بن أخيه و يامين بن يامين فهؤلاء مؤمنوا اهل الكتاب أتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقالوا انا نؤمن بك و بكتابك و بموسى و التورية و عزير و نكفر بمن سواه من الكتب و الرسل فقال اللّه تعالى أمنوا باللّه و رسوله يعنى محمدا صلى اللّه عليه و سلم وَ الْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ يعنى القران وَ الْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ اى قبل القران من التورية و الإنجيل و الزبور و سائر الكتب و الصحف قال ابن عباس فامنوا بكلّهم قرا الكوفيون و نافع الفعلين بفتح النون و الهمزة و الزاء على البناء للفاعل و الباقون الفعلين بضم النون و الهمزة و كسر الزاء على البناء للمفعول وَ مَنْ يَكْفُرْ بِاللّه وَ مَلائِكَتِهِ وَ كُتُبِهِ وَ رُسُلِهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يعنى بشى ء من ذلك فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً (١٣٦) من المقصد بحيث لا يكاد يعود الى طريقة الصواب فان الايمان بكل واحد منها ملازم للاخر فالكفر بواحد منها بعد من اللّه و ضل «١» عن سواء السبيل و بالكفر بجميع ذلك بالطريق الاولى- قلت بل بالكفر بشى ء من صفاته كما ان المعتزلة كفروا بكونه تعالى متكلما او خالقا لافعال العباد و بقولهم انه تعالى يريد شيئا و لا يوجد ذلك الشي ء يلزم عجزه تعالى عن إتيان مراده فيلزمهم الكفر باللّه تعالى بما هو عليه قال بعض الأكابر المعتزلة يقولون بان العباد خالقون لافعالهم و اللّه تعالى خالق للعباد فينسبون خلق افعال العباد الى اللّه تعالى بالواسطة و امّا العوام فهم أسوأ حالا من المعتزلة لغفلتهم عن نسبة الافعال الى اللّه تعالى مطلقا لا يزعمون النفع و الضرر الا عن السلاطين او اللصوص او السموم او الترياقات فلا بد لقطع مادة الغفلة من التشبث «٢» بأذيال الصوفية حتى يسقط عن البصائر كل ما عدا اللّه تعالى. (١) فى الأصل و ضل سواء السبيل-. (٢) فى الأصل التشبث. ١٣٧ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً قال قتادة هم اليهود أمنوا بموسى ثم كفروا من بعد بعبادتهم العجل ثم أمنوا بالتورية ثم كفروا بعيسى ثم ازدادوا كفرا بمحمد صلى اللّه تعالى و سلم عليه و على جميع الأنبياء و قيل هم جميع اهل الكتاب أمنوا بنبيهم ثم كفروا به و أمنوا بالكتاب الذي نزل عليه ثم كفروا به و كفرهم تركهم العمل عليه ثم ازدادوا كفرا بمحمد صلى اللّه عليه و سلم و قيل هذا فى قوم مرتدين أمنوا ثم ارتدوا ثم أمنوا ثم ارتدوا ثم أمنوا ثم ارتدوا- حكى عن على رضى اللّه عنه انه لا يقبل توبة مثل هذا لقوله تعالى لَمْ يَكُنِ اللّه لِيَغْفِرَ لَهُمْ لكن الإجماع انعقد على قبول توبته قال مجاهد معنى قوله تعالى ثم ازدادوا كفرا اى ماتوا عليه و قيل معنى قوله تعالى لَمْ يَكُنِ اللّه لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَ لا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا (١٣٧) انه يستبعد منهم ان يتوبوا عن الكفر و يثبتوا على الايمان فانه ران على قلوبهم بكفرهم و عميت أبصارهم عن الحق و اللام فى ليغفر لهم و ليهديهم للجحود اى لتأكيد النفي و الفعل بتأويل المصدر بان المصدرية المقدرة بمعنى الفاعل يعنى لم يكن اللّه غافرا لهم و لا هاديهم سبيلا و قيل خبر كان محذوف تعلق به اللام يعنى لم يكن اللّه مريدا ليغفر لهم و اللّه اعلم- و يؤيد قول من قال الاية السابقة فى المرتدين تعقيب تلك الاية بقوله تعالى. ١٣٨ بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ الذين يؤمنون فى الظاهر كلما لقوك او لقوا أحدا من المخلصين و كفروا فى السرّ كلّما خلوا الى شياطينهم ثم ازدادوا كفرا بالإصرار على النفاق و العزم على الإفساد و وضع بشّر مكان انذرتهكما بهم كذا قال الزجاج و قيل البشارة كل خبر يتغير بشرة الوجه سارا كان او غير سار بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٣٨). ١٣٩ الَّذِينَ منصوب او مرفوع على الذم بمعنى أريد الذين أو هم الذين او بدل او نعت للمنافقين يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ يعنى اليهود أَوْلِياءَ أنصارا و؟؟؟ لما يتوهمون فيهم القوة مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَ يَبْتَغُونَ يطلبون عِنْدَهُمُ عند الكفار الْعِزَّةَ القوة و الغلبة على محمد صلى اللّه عليه و سلم بمعونتهم و موالاتهم و الاستفهام للانكار او التهكم او التعجب و وجه الإنكار و أخويه قوله تعالى فَإِنَّ الْعِزَّةَ للّه جَمِيعاً (١٣٩) لا يتعزز الّا من أعزه اللّه و قد كتب العزة لاوليائه فقال وَ للّه الْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ-. ١٤٠ وَ قَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ اى فى القران- قرا عاصم بفتح النون و الزاء على البناء للفاعل يعنى قد نزل اللّه عليكم و الباقون بضم النون و كسر الزاء على البناء للمفعول و القائم مقام الفاعل أَنْ مخفة من المثقلة يعنى انه إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللّه يُكْفَرُ بِها وَ يُسْتَهْزَأُ بِها حالان من الآيات جى ء بهما لتقييد النهى عن المجالسة فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ اى مع الذين يكفرون و يستهزءون حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ اى غير الاستهزاء فحينئذ لا بأس بمجالستهم لضرورة دعت و من غير ضرورة يكره مجالستهم مطلقا و قال الحسن لا يجوز مجالستهم و ان خاضوا فى حديث غيره و فى هذه الاية اشارة الى ما نزل سابقا بمكة فى سورة الانعام وَ إِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ- قال الضحاك عن ابن عباس دخل فى هذه الاية كل محدث فى الدين و كل متبدع الى يوم القيامة إِنَّكُمْ ايها المؤمنون إِذا يعنى إذا قعدتم عند من يكفرون و يستهزءون بالآيات و رضيتم به كفار مِثْلُهُمْ غير ان الرضاء بالكفر من غير تفوه نفاق أفرد كلمة مثل لانه كالمصدر او للاستغناء بالاضافة الى الجمع إِنَّ اللّه جامِعُ الْمُنافِقِينَ القاعدين عند الكفار الراضين بالكفر و الاستهزاء وَ الْكافِرِينَ المستهزئين الخائضين فى القران فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً (١٤٠) كما اجتمعوا فى الدنيا على الكفر و المجالسة. ١٤١ الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ الدوائر و الأحداث بدل من الذين يتخذون او ذم منصوب او مرفوع او مبتدا خبره فَإِنْ كانَ لَكُمْ ايها المؤمنون فَتْحٌ مِنَ اللّه يعنى ظفرا «١» و غنيمة قالُوا لكم أَ لَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ على دينكم و فى الجهاد فاجعلوا لنا نصيبا من الغنيمة وَ إِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ من الحرب و ظهور على المسلمين قالُوا للكافرين أَ لَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ الاستحواذ الاستيلاء يعنى الم نغلبكم مع المؤمنين قبل ذلك فابقيناكم وَ نَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اى ندفع عنكم صولة المؤمنين بتخذيلهم عنكم و مراسلتنا إياكم اخبارهم و أمورهم و قال المبرد معناه الم نغلبكم على رأيكم و نمنعكم من المؤمنين اى عن الدخول فى جملتهم فَاللّه يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ و بين المنافقين يَوْمَ الْقِيامَةِ فيدخل المؤمنين الجنة و المنافقين النار، روى الشيخان فى الصحيحين و الحاكم فى حديث طويل عن ابى سعيد الخدري إذا كان يوم القيامة ينادى مناد ليذهب كل قوم الى ما كانوا يعبدون الحديث فيقول اللّه تعالى ايها الناس لحقت كل امة بما يعبد و بقيتم فيقولون نحن ننتظر ربنا فيكشف عن ساق فيسجد له كل مؤمن و يبقى من كان يسجد له رياء و سمعة فيذهب كما يسجد فيعود ظهره طبقا واحدا- زاد الحاكم كلما أراد ان يسجد خرّ على قفاه الحديث بطوله وَ لَنْ يَجْعَلَ اللّه لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (١٤١) قال علىّ فى الاخرة رواه ابن جرير و كذا روى عن ابن عباس و هو الظاهر و قال عكرمة عن ابن عباس اى حجة كذا روى ابن جرير و عبد بن حميد عن السدى و قيل ظهورا على اصحاب النبي صلى اللّه عليه و سلم و امّا ظهور الكافرين على المؤمنين فى هذا الزمان فلضعف ايمانهم و كثرة عصيانهم و قيل يعنى سبيلا الى استيصالهم احتج الشافعي بهذه الاية على فساد اشتراء الكافر العبد المسلم، و قال ابو حنيفة الشراء صحيح لصدور العقد من اهله مضافا الى محله لكن يجبر الكافر ان يبيع العبد بحكم هذه الاية نظرا للجانبين و احتج ابو حنيفة بهذه الاية على حصول البينونة بنفس الارتداد إذا كانت تحته مسلمة و اللّه اعلم-. (١) فى الأصل ظفر و غنيمة. ١٤٢ إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللّه وَ هُوَ خادِعُهُمْ سبق الكلام فيه فى اوّل سورة البقرة وَ إِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ مع المؤمنين قامُوا كُسالى متثاقلين كالمكره كراهة على الفعل لا يرجون بها ثوابا و لا يخافون على تركها عذابا بل يُراؤُنَ النَّاسَ صلاتهم ليخالوهم مؤمنين وَ لا يَذْكُرُونَ اللّه إِلَّا قَلِيلًا (١٤٢) يعنى ذكرا قليلا او فى زمان قليل و المراد بالذكر الصلاة و وجه التقليل ان المرائى لا يفعل الا بحضرة من يراه «١» و هو اقل أحواله و جملة يراءون حال من فاعل قاموا كقوله كسالى و لا يذكرون اللّه معطوف على يراءون او حال من فاعل يراءون. (١) اخرج ابو يعلى عن ابن مسعود قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من حسن الصلاة حين يراه الناس و أساءها حيث لم يرها فتلك استهانة استهان بها ربّه منه رحمه اللّه-. ١٤٣ مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ حال من فاعل لا يذكرون او من فاعل يراءون اى يراءونهم غير ذاكرين او منهما على سبيل التنازع او منصوب على الذم و المعنى مترددين بين الايمان و الكفر مشتق من الذبذبة بمعنى جعل الشي ء مضطربا واصله الذب بمعنى الطرد و الدفع و المذبذب الذي يدفع من كلا الجانبين فلا يتقرر فى جانب واحد لا مستقرين مطمئنين إِلى هؤُلاءِ المؤمنين ظاهرا و باطنا حتى يؤفى معهم أجورهم فى الاخرة وَ لا إِلى هؤُلاءِ الكفار بالكلية حتى يعامل بهم فى الدنيا ما يعامل بالكافرين وَ مَنْ يُضْلِلِ اللّه إياه عن طريق الحق فَلَنْ تَجِدَ ايها المخاطب لَهُ سَبِيلًا (١٤٣) الى الحق و الصواب نظيره قوله تعالى وَ مَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللّه لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ- عن ابن عمر عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين تعير الى هذه مرة و الى هذه اخرى رواه مسلم،. ١٤٤ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ فان موالاتهم أهلك المنافقين و صيرهم الى النفاق فاحذروهم أَ تُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا بموالاتهم للّه عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً (١٤٣) حجة «١» بنية فى تعذيبكم. (١) روى ابن ابى حاتم و ابن مردوية و غيرهما عن ابن عباس قال كل سلطان فى القران فهو حجة منه رحمه اللّه. ١٤٥ إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ قرا اهل الكوفة الدّرك بسكون الراء و الباقون بفتحها و هما لغتان- قال السيوطي الدركات الطبقات و المنازل و يختص بما يستافل و يقال فيما علا درجات الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ اخرج ابن المبارك عن ابن مسعود فى هذه الاية قال توابيت من حديد تضمت عليهم أسفل النار و ذكر البغوي بلفظ فى توابيت من حديد مقفلة فى النار و قال البغوي قال ابو هريرة توابيت يقفل عليهم تتوقد فيه النار من فوقهم و من تحتهم و اخرج ابن وهب عن كعب الاخبار قال ان فى النار لبيرا لما فتحت ابوابها بعد مغلقها ما جاء على جهنم يوم منذ خلقها اللّه تعالى الّا يستعيذ باللّه من حرّها و هى الدرك الأسفل من النار و انما استحق المنافقون الدرك الأسفل من النار لانهم أخبث الكفرة حيث ضمّوا الى الكفر الاستهزاء باللّه و الرسول و الإسلام و الخداع للمسلمين و لانهم أمنوا من السيف و الجزية فى الدنيا فاستحقوا الدرك الأسفل تعديلا وَ لَنْ تَجِدَ ايها المخاطب لَهُمْ نَصِيراً (١٤٥) يخرجهم من النار و يمنعهم من عذاب اللّه. ١٤٦ إِلَّا الَّذِينَ تابُوا من النفاق و أمنوا وَ أَصْلَحُوا أعمالهم وَ اعْتَصَمُوا وثقوا بِاللّه و تمسّكوا بدينه وَ أَخْلَصُوا دِينَهُمْ للّه من الرياء- لا يريدون بالايمان و الأعمال الا وجه اللّه تعالى خالصا، اخرج ابن عساكر عن ابى إدريس قال ما يبلغ عند حقيقة الإخلاص حتى لا يجب ان يحمده أحد على شى ء من عمل عمل للّه عزّ و جلّ و روى ابن ابى شيبة و احمد عن ابى ثمامة قال قال الحواريون لعيسى عليه السلام يا روح اللّه من المخلص للّه قال الذي يعمل للّه لا يحب ان يحمده الناس عليه و اخرج الحكيم الترمذي فى نوادر الأصول عن زيد بن أرقم قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من قال لا اله الا اللّه مخلصا دخل الجنة قيل يا رسول اللّه ما إخلاصها قال ان تحجزه عن المحارم و اخرج الحاكم و صححه و البيهقي فى الشعب عن معاذ بن جبل انه قال لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حين بعثه الى اليمن أوصني قال أخلص دينك يكفيك القليل من العمل و اخرج ابن ابى الدنيا فى الإخلاص و البيهقي فى الشعب عن ثوبان قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول طوبى للمخلصين أولئك مصابيح الهدى ينجلى عنهم كل فتنة ظلماء فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ المخلصين الذين سبقوهم بالايمان و الإخلاص فى الجنة قال الفراء اى من المؤمنين وَ سَوْفَ يُؤْتِ حذفت الياء فى الخط تبعا للفظ اللّه الْمُؤْمِنِينَ المخلصين فى الاخرة أَجْراً عَظِيماً (١٤٦) الجنة و رضوان اللّه و مراتب القرب. ١٤٧ ما يَفْعَلُ اللّه بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ نعمة اللّه وَ آمَنْتُمْ به استفهام للانكار و التقرير معناه انه تعالى لا يعذب المؤمن الشاكر لان تعذيبه عباده لا يزيد فى ملكه و تركه عقابهم لا ينقص من سلطانه و ليس تعذيبه تعالى لاستجلاب نفع او دفع ضرر عنه و هو الغنى المتعالي عن النفع و الضرر و انما يعذب العباد جريا على عادته فى ترتيب المسبب العادي على السبب العادي كسوء مزاج يؤدى الى المرض فاذا زال مرضه القلبي من الكفر و النفاق فى الدنيا بالايمان و الشكر و نقّى نفسه عنه يخلص من تبعته قال البغوي فى الاية تقديم و تأخير تقديره ان أمنتم و شكرتم قلت لا حاجة الى هذا القول فان الواو للجمع المطلق دون الترتيب و قيل انما قدم الشكر لان الناظر يدرك النعمة اوّلا فيشكر شكرا مبهما ثم يمعن النظر حتى يعرف المنعم فيؤمن به قلت لعل المراد بالشكر ضد الكفر اعنى الايمان المجازى العامي و بالايمان الايمان الحقيقي وَ كانَ اللّه شاكِراً مثيبا على الشكر يقبل اليسير و يعطى الجزيل عَلِيماً (١٤٧) بحقيقة ايمانكم. ١٤٨ لا يُحِبُّ اللّه الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ يعنى يبغض الجهر بالسوء و غير الجهر ايضا لكن الجهر افحش و انما حصّ الجهر بالذكر لمطابقة الحادثة إِلَّا مَنْ ظُلِمَ «١» الّا جهر من (١) اخرج ابن جرير عن ابن زيد قال كان ابى يقرا لا يحبّ اللّه الجهر بالسّوء الّا من ظلم قال ابن زيد يقول من حلم على جملك النوق فجهر له بالسوء حتى ينزع و اخرج ابن جرير و ابن المنذر و ابن ابى حاتم عن ابن عبّاس قال لا يحبّ اللّه ان يدعو أحد على أحد الّا ان يكون مظلوما فانه رخص له ان يدعو على من ظلمه و ان يصبر فهو خير له و اخرج ابن ابى شيبة و الترمذي عن عائشة ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال من دعا على من ظلمه فقد انتصف و اخرج ابن جرير و ابن المنذر عن الحسين قال الرجل يظلم الرجل فلا يدع عليه و لكن ليقل اللّهم اعنى عليه اللّهم استخرج لى حقى و حل بينه و بين ما يريد و نحو هذا منه رحمه. ظلم بالدعاء على الظالم و التظلم منه و قيل الجهر بالسوء من القول هو الشتم الّا من ظلم فانه ان ردّ عليه مثله فلا حرج عليه لقوله تعالى وَ لَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ الاية عن انس و ابى هريرة ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال المستبان ما قالا فعلى البادي ما لم يعتد المظلوم رواه مسلم و قال البغوي قال مجاهد هدا فى الضيف إذا نزل بقوم فلم يقروه و لم يحسنوا ضيافته فله ان يشكو و يذكر ما صنع به اخرج هناد فى كتاب الزهد عن مجاهد ان رجلا أضاف بالمدينة فاساءه قراه فتحول عنه فجعل ثينى عليه بما أولاه فرخص له ان يثنى عليه بما أولاه و نزلت هذه الاية و كذا اخرج عبد الرزاق و عبد بن حميد و ابن جرير عنه ان رجلا ضاف قوما فلم يطعموه فاشتكاهم فعوقب عليه فنزلت هذه الاية و عن عقبة بن عامر انه قال قلنا يا رسول اللّه انك تبعثنا فننزل بقوم فلا يقرونا فما ترى فقال لنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان نزلتم بقوم فامروا لكم بما ينبغى للضيف فاقبلوا فان لم يأمروا فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغى لهم متفق عليه وَ كانَ اللّه سَمِيعاً لشكوى المظلوم و دعائه عَلِيماً (١٤٨) بما فعل الظالم. ١٤٩ إِنْ تُبْدُوا خَيْراً يعنى طاعة و برّا و قيل معناه تبدوا خيرا بالظالم مكان الجهر بالسوء فتمحوا السيئة بالحسنة أَوْ تُخْفُوهُ اى تفعلوا ذلك الخير سرا و قيل المراد بالخير المال يعنى ان تبدوا صدقة او تخفوها أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ يعنى عن مظلمة و تمحوه عن قلوبكم و ان لم تفعلوا بالظالم خيرا قال البيضاوي و غيره و العفو عن المظلوم هو المقصود و ذكر إبداء الخير و إخفاءه توطية و تمهيدا بدليل قوله تعالى فَإِنَّ اللّه كانَ عَفُوًّا قَدِيراً (١٤٩) اى يكثر العفو عن العصاة مع كمال قدرته على الانتقام فانتم اولى بذلك لانه تجارة فى حقكم فهذه الاية حث المظلوم على العفو بعد ما رخص له فى الانتصار حملا على مكارم الأخلاق- عن ابن عمر انه سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كم اعفوا عن الخادم قال كل يوم سبعين مرة رواه ابو داود و الترمذي و ابو يعلى و اللّه اعلم. ١٥٠ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّه وَ رُسُلِهِ قال البغوي نزلت فى اليهود فانهم لما كفروا بمحمد صلى اللّه عليه و سلم و القران و بعيسى و الإنجيل فكانهم كفروا بجميع الأنبياء لان بعضهم مصدق لبعض و كفروا باللّه حيث جحدوا باياته وَ يُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللّه وَ رُسُلِهِ بان يؤمنوا باللّه دون الرسل كاهل الشرك و كاليهود حيث أمنوا باللّه و بموسى على زعمهم و كفروا بعيسى و بمحمد صلى اللّه عليه و عليهم و غيرهما من الرسل و القران و الإنجيل وَ يَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ من الأنبياء وَ نَكْفُرُ بِبَعْضٍ منهم وَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ اى بين الايمان و الكفر سَبِيلًا (١٥٠) دينا و طريقا. ١٥١ أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ الكاملون فى الكفر إذ لا واسطة بين الايمان و الكفر فان الايمان باللّه انما يتم بالايمان برسله أجمعين و تصديقهم فيما بلغوا عنه اجمالا و تفصيلا و الحق واحد مشترك بين أديان الأنبياء كلهم فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ حَقًّا مصدر مؤكد بغيره اى حق ذلك الأمر حقا او صفة لمصدر الكافرين بمعنى هم الذين كفروا كفرا حقّا اى يقينا محققا وَ أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ أجمعين و منهم اليهود عَذاباً مُهِيناً (١٥١). ١٥٢ وَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللّه وَ رُسُلِهِ كلهم أجمعين وَ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ الموصول مبتدا و الظاهر ان خبره أولئك سنؤتيهم أجورهم «١» و قيل خبره محذوف تقديره أولئك هم المؤمنون حقا او تقديره أضدادهم و مقابلوهم و وجه هذا القول ان يكون هذه الاية على و تيرة ما سبق و انما دخل بين على أحد مع اقتضائه المتعدد لعمومه من حيث انه وقع فى سياق النفي أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ قرا حفص بالياء على الغيبة و الباقون بالنون على التكلم أُجُورَهُمْ الموعود لهم و تصديرهم بسوف لتأكيد الوعد و الدلالة على انه كائن لا محالة و ان تأخر وَ كانَ اللّه غَفُوراً لما فرط منهم رَحِيماً (١٥٢) عليهم يضاعف حسناتهم اخرج ابن جرير عن محمّد بن كعب القرظي قال جاء ناس من اليهود الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقالوا ان موسى جاءنا بالالواح من عند اللّه فأتنا بالالواح حتى نصدّقك، و سمى البغوي ذلك اليهود كعب بن الأشرف و فخاص بن عازورا فقالا ذلك فانزل اللّه تعالى. (١) و الصحيح سوف يؤتيهم ابو محمد عفا اللّه عنه. ١٥٣ يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ و كان هذا السؤال منهم سوال تحكم و اقتراح لا سوال الانقياد و اللّه تعالى لا ينزل الآيات على اقتراح العباد اخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي انه لما نزل قوله تعالى يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ الى قوله بُهْتاناً عَظِيماً جثا رجل من اليهود فقال ما انزل اللّه عليك و لا على موسى و لا على عيسى و لا على أحد شيئا فانزل اللّه تعالى وَ ما قَدَرُوا اللّه حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللّه عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْ ءٍ فَقَدْ سَأَلُوا الضمير عائد الى اهل الكتاب أضاف الحكم إليهم باعتبار ان السؤال صدر عن بعضهم و هم السبعون الذين خرج بهم موسى عليه السلام الى الجبل و الفاء للسببية و التقدير لا تستكبر منهم هذا السؤال لانهم قد سالوا الاية و قيل الفاء جواب شرط مقدر اى ان استكبرت ما سال هؤلاء عنك فقد سال أسلافهم مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ يعنى ما اقترحوا عليك ليس باول جهالاتهم فَقالُوا تفسير للسوال أَرِنَا اللّه جَهْرَةً اى اراءة جهرة او رؤية جهرة على انه مصدر من غير لفظه يعنى عيانا او مجاهرين يعنى معاينين له و قال ابو عبيدة معناه قالوا جهرة أرنا اللّه فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ اى أهلكتهم نار جاءت من السماء بِظُلْمِهِمْ بسبب ظلمهم على أنفسهم و هو تعنتهم و سوالهم بما كان خلاف العادة و الحكمة و ذلك لا يقتضى امتناع الرؤية مطلقا ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ الها هذه جناية اخرى ارتكبها اوائلهم مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ يعنى المعجزات الواضحات فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ و لم نستأصلهم هذا استدعاء الى التوبة يعنى عفونا عن اوائلكم حين تابوا فتوبوا أنتم حتى نعفو عنكم وَ آتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً (١٥٣) اى تسلّطا ظاهرا حتى أمرهم بان يقتلوا أنفسهم او حجة ظاهرة و هى الآيات التسع على من خالفه. ١٥٤ وَ رَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ اى بسبب ميثاقهم حتى يقبلوه وَ قُلْنا لَهُمُ على لسان موسى و الطور مظل عليهم ادْخُلُوا الْبابَ يعنى باب ايليا سُجَّداً مطاطئين رءوسكم وَ قُلْنا لَهُمُ على لسان داؤد، و يحتمل ان يكون هذا القول ايضا على لسان موسى حين ظلل عليهم الجبل فانه شرع السبت لكن الاعتداء و المسخ كان فى زمن داؤد عليه السلام لا تَعْدُوا قرا ورش بفتح العين و تشديد الدال و قالون بإخفاء حركة العين و تشديد الدال أصله تعتدوا أدغمت التاء فى الدال و النص عن قالون بالإسكان و الباقون بإسكان العين و تخفيف الدال يعنى لا تظلموا أنفسكم بقتل الحيتان فِي السَّبْتِ وَ أَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (١٥٤) على قبول حكم التورية و عدم الاعتداء فى السبت حتى قالوا سمعنا و اطعنا. ١٥٥ فَبِما نَقْضِهِمْ ما زائدة لتأكيد مضمون الكلام و الباء متعلق بمحذوف تقديره فخالفوا حكم التورية و نقضوا الميثاق ففعلنابهم ما فعلنا و لعناهم بسبب نقضهم و يجوز ان يكون متعلقا بحرّمنا عليهم طيّبت احلّت لهم و قوله فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا بدل من قوله فَبِما نَقْضِهِمْ لكن يلزم حينئذ تكرار الفاء و جاز ان يكون الفاء للعطف فحينئذ لم يحتج الى جعله بدلا، و يمكن ان يقال قوله فبما نقضهم ظرف مستقر خبر للمبتدا المحذوف و الباء بمعنى فى تقديره فهم فى نقضهم مِيثاقَهُمْ الذي واثقوا بموسى عليه السلام وَ كُفْرِهِمْ بِآياتِ اللّه الواردة فى التورية فى نعت محمد صلى اللّه عليه و سلم و بالقران و الإنجيل و غيرهما وَ قَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَ قَوْلِهِمْ للنبى صلى اللّه عليه و سلم قُلُوبُنا غُلْفٌ اوعية للعلوم او فى اكنة مما تدعونا اليه و ليس الأمر كذلك بَلْ طَبَعَ اللّه عَلَيْها اى ختم على قلوبهم بِكُفْرِهِمْ فجعلها محجوبة عن العلم او خذلها و منعها التوفيق للتدبر فى الآيات فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (١٥٥) اى ايمانا قليلا لا يعتد به و هو الايمان ببعض الكتب و بعض الرسل او الا قليلا منهم كعبد اللّه بن سلام و أصحابه و قيل معناه لا يؤمنون قليلا و لا كثيرا ١٥٦ وَ بِكُفْرِهِمْ ثانيا بعيسى و هو معطوف على بكفرهم و كرر الباء للفصل بينه و بين ما عطف عليه و الكفر المطلق من اسباب الطبع كالكفر بعيسى و ليس هذا من قبيل عطف الشي ء على نفسه للعموم و الخصوص او يقال عطف مجموع الكفر و ما عطف عليه على الكفر كما يقال قال الامام و سائر الناس او هو معطوف على قوله فَبِما نَقْضِهِمْ و يكون تكرير ذكر الكفر إيذانا لتكرر كفرهم، فانهم كفروا بموسى ثم بعيسى و داود و سليمان ثم بمحمد صلى اللّه عليه و سلم و عليهم أجمعين، او يقال مجموع هذا مع ما عطف عليه معطوف على مجموع قبله فلا تكرار. وَ قَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً (١٥٦) يعنى نسبتها الى الزنى. ١٥٧ وَ قَوْلِهِمْ مفتخرين إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّه اى بزعمه و يحتمل انهم قالوا ذلك استهزاء- و جاز ان يكون رسول اللّه منصوبا على المدح استينافا من اللّه تعالى او وضع اللّه سبحانه الذكر الحسن مكان ذكرهم القبيح حتى يستحق القائلون الذم وَ ما قَتَلُوهُ وَ ما صَلَبُوهُ وَ لكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ روى ان رهطا من اليهود سبوه و امه فدعا عليهم فمسخهم اللّه قردة و خنازير فاجتمعت اليهود على قتله فاخبره اللّه بانه يرفعه الى السماء كما مر القصة فى ال عمران و وقع فى بعض الروايات انه قال عيسى لاصحابه أيكم يرضى ان يلقى عليه شبهى فيقتل و يصلب و يدخل الجنة فقام رجل منهم فالقى اللّه عليه شبهه فقتل و صلب كذا اخرج النسائي عن ابن عباس- و فى رواية ذكره البغوي ان اللّه تعالى القى شبه عيسى عليه السلام على الذي دل اليهود عليه و ذكرنا فى سورة ال عمران من رواية الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس انه امر يهودا رأس اليهود رجلا من أصحابه يقال له طيطانوس ان يدخل بيتا كان عيسى فيه ليقتله فرفعه اللّه الى السماء و القى اللّه شبهه على طيطانوس فلما خرج ظنوا انه عيسى فاخذ و صلب و قيل انهم حبسوا عيسى عليه السلام فى بيت و جعلوا عليه رقيبا فالقى اللّه شبهه على الرقيب فقتلوه و اللّه اعلم، وَ إِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ اى فى قتله لَفِي شَكٍّ مِنْهُ اى تردد من قتله قال الكلبي اختلافهم فيه هو ان اليهود قالت نحن قتلناه و قالت طائفة من النصارى نحن قتلناه، و قالت طائفة منهم ما قتله هؤلاء و لا هؤلاء بل رفعه اللّه الى السماء و نحن ننظر اليه و قيل كان اللّه القى شبه عيسى عليه السلام على وجه طيطانوس و لم يلقه على جسده فاختلفوا فيه فقال بعضهم قتلنا عيسى فان الوجه وجه عيسى و قال بعضهم لم نقتله لان جسده ليس بجسد عيسى و قال السدى اختلافهم من حيث انهم قالوا ان كان هذا عيسى فاين صاحبنا و ان كان صاحبنا فاين عيسى و قيل الضمير فى قوله الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ راجع الى عيسى اختلفوا فى شأن عيسى فقال بعضهم انه كان كاذبا فقتلناه حقّا و تردد آخرون و قال من سمع منه ان اللّه يرفعنى الى السماء انه رفع الى السماء ما لَهُمْ بِهِ اى بقتله مِنْ عِلْمٍ انه قتل او لم يقتل إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ استثناء منقطع اى و لكنهم يتبعون الظن فى قولهم انا قتلنا وَ ما قَتَلُوهُ يَقِيناً (١٥٧) يعنى ما قتلوا عيسى متيقن هذا الأمر يقينا و قيل معناه ما قتلوا عيسى قتلا يقينا عندهم كما زعموه انا قتلنا المسيح او ما قتلوه متيقنين انه عيسى كذا قال الفراء. ١٥٨ بَلْ رَفَعَهُ اللّه إِلَيْهِ رد و انكار لقتله و اثبات لرفعه وَ كانَ اللّه عَزِيزاً منيعا بالنقمة على اليهود و لا يغلبه أحد على ما يريده حَكِيماً (١٥٨) حكم باللعنة و الغضب على اليهود فسلط عليهم صطيونس بن استسيانوس الرومي فقتل منهم مقتلة عظيمة او حكيما فيما دبر بعيسى -. ١٥٩ وَ إِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أحد إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ يعنى الا من ليؤمنن جملة خبرية مؤكدة لجمله انشائية قسمية صفة لمستثنى مفرغ مقدر بِهِ اى بعيسى عليه السلام كذا قال اكثر المفسرين و عامة اهل العلم و روى عن عكرمة ان الهاء كناية عن محمد صلى اللّه عليه و سلم و قيل هى راجعة الى اللّه عز و جل و المال واحد فان الايمان باللّه لا يعتد ما لم يؤمن بجميع رسله و الايمان بمحمد صلى اللّه عليه و سلم يستلزم الايمان بعيسى عليه السلام و بالعكس، قَبْلَ مَوْتِهِ اى قبل موت ذلك الأحد من اهل الكتاب عند معانية ملائكة العذاب عند الموت حين لا ينفعه إيمانه- هذا رواية على بن طلحة عن ابن عبّاس رضى اللّه عنهما قال فقيل لابن عباس ارايت ان خرمن فوق بيت قال يتكلم به فى الهواء فقيل ارايت ان ضرب عنقه قال تلجلج لسانه و الحاصل انه لا يموت كتابىّ حتى يؤمن باللّه عز و جل وحده لا شريك له و ان محمدا صلى اللّه عليه و سلم عبده و رسوله و ان عيسى عبد اللّه و رسوله قيل يؤمن الكتابي فى حين من الأحيان و لو عند معاينة العذاب قلت لعل ذلك لان الكتابي يعرف نبوة موسى و التورية و كلاهما ناطق بحقية عيسى و الإنجيل و داود و زبور و محمد صلى اللّه عليه و سلم و القران و انما يكفر عنادا و تعصّبا فقد ينصف فيعتقد فى نفسه ان محمدا صلى اللّه عليه و سلم حق شهد به موسى و التورية من قبل و لو لم يخطر ذلك الخطرة فى باله فلا شك انه حين يرى ملائكة العذاب يزعم حينئذ ان ما كان يقول محمد صلى اللّه عليه و سلم كان حقّا فهذه الاية كالوعيد و التحريض على معاجلة الايمان به قبل ان يضطروا اليه و لا ينفعهم ايمانهم و قيل الضميران لعيسى و المعنى انه إذا نزل عيسى من السماء أمن به اهل الملل أجمعون و لا يبقى أحد من اهل الأديان الا يؤمن به حتى يكون الملة واحدة ملة الإسلام و هذا التأويل مروى عن ابى هريرة رضى اللّه عنه روى الشيخان فى الصحيحين عن ابى هريرة عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال و الذي نفسى بيده ليوشكن ان ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا يكسر الصليب و يقتل الخنزير و يضع الجزية و يفيض المال حتى لا يقبله أحد حتى تكون السجدة الواحدة خيرا من الدنيا و ما فيها قال ابو هريرة فاقرءوا ان شئتم وَ إِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ اى قبل موت عيسى بن مريم و فى بعض الروايات كان ابو هريرة يعيدها ثلاثة مرات و عنه عن النبي صلى اللّه عليه و سلم فى نزول عيسى قال و يهلك فى زمانه الملل كلها الا الإسلام الحديث روى ابن جرير و الحاكم و صححه عن ابن عباس موقوفا فلا يبقى أحد من اهل الكتاب الا يؤمن به قلت نزول عيسى قبل يوم القيامة حق و ان يهلك فى زمانه الملل كلها الا الإسلام حق ثابت بالصحاح من الأحاديث المرفوعة لكن كونه مستفادا من هذه الاية و تأويل الاية بإرجاع الضمير الثاني الى عيسى ممنوع انما هو زعم من ابى هريرة ليس ذلك فى شى ء من الأحاديث المرفوعة و كيف يصح هذا التأويل مع ان كلمة ان من اهل الكتب شامل للموجودين فى زمن النبي صلى اللّه عليه و سلم البتة سواء كان هذا الحكم خاصا بهم اولا فان حقيقة الكلام للحال و لا وجه لان يراد به فريق من اهل الكتاب يوجدون حين نزول عيسى عليه السلام فالتأويل الصحيح هو الاول و يؤيده قراءة أبيّ بن كعب اخرج ابن المنذر عن ابى هاشم و عروة قالا فى مصحف ابى بن كعب و ان من اهل الكتب الّا ليؤمننّ به قبل موتهم وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عيسى او محمد صلى اللّه عليهما و سلم او اللّه عز و جل على حسب إرجاع الضمير فى ليؤمننّ به عَلَيْهِمْ شَهِيداً (١٥٩) فان اللّه سبحانه يشهد على عباده و كفى باللّه شهيدا و الأنبياء يشهدون على أممهم و محمد صلى اللّه عليه و سلم يكون عليهم شهيدا-. ١٦٠ فَبِظُلْمٍ عظيم مِنَ الَّذِينَ هادُوا و هو ما تقدم ذكره من نقضهم الميثاق و كفرهم بايات اللّه و قتلهم الأنبياء و بهتانهم على مريم و قولهم تفاخرا قتلنا المسيح حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ قبل ذلك و هى ما ذكر فى سورة الانعام وَ عَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ الى قوله تعالى ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَ إِنَّا لَصادِقُونَ و يحتمل ان يراد طيبات الجنة و يلائم هذا قوله تعالى وَ أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ الاية و يحتمل ان يراد الأرزاق الطيبة فى الدنيا و المراد بالتحريم جعلهم محرومين مصروفين عنها بالأمر التكويني يعنى انهم مع كثرة الرزق الحلال الطيب فى الدنيا جعلهم اللّه تعالى محرومين عنها فلا يأكلون الا رزقا حراما خبيثا حتى تكون النار اولى بهم- قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كل لحم نبت من الحرام فالنار اولى به وَ بِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللّه يعنى عن الايمان و الاتباع لمحمد صلى اللّه عليه و سلم كَثِيراً (١٦٠) اى كثيرا من الناس او صدا كثيرا. ١٦١ وَ أَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَ قَدْ نُهُوا عَنْهُ فى التورية و فيه دليل على ان النهى يوجب التحريم وَ أَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ بالرشوة و الخداع و الغصب و غير ذلك من الوجوه المحرمة قوله بصدّهم مع ما عطف عليه معطوف على بظلمهم متعلق بقوله حرّمنا و معطوف على قوله حرّمنا قوله تعالى وَ أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٦١) فى نار جهنم ثم لما كان الكلام السابق منشأ لتوهم شمول الحكم لجميع اهل الكتاب استدرك و قال. ١٦٢ لكِنِ «١» الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ (١) اخرج ابن إسحاق و البيهقي فى الدلائل عن ابن عباس قال نزلت فى عبد اللّه بن سلام و أسيد بن شعبة و ثعلبة بن شعبة حين فارقوا يهودا و اسلموا منه رحمه اللّه-. اى من اهل الكتاب كعبد اللّه بن سلام و أصحابه مؤمنى اهل الكتاب الثابتون على ما هو مقتضى العلم بالكتاب وَ الْمُؤْمِنُونَ يعنى اصحاب النبي صلى اللّه عليه و سلم من المهاجرين و الأنصار او المعنى و المؤمنون منهم و المراد بهم و بالراسخون واحد و الراسخون مبتدأ خبره يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ اى القران وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يعنى سائر الكتب المنزلة على الرسل وَ الْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ قال البغوي حكى عن عائشة و ابان بن عثمان انه غلط من الكاتب ينبغى ان يكتب و المقيمون الصلاة و كذلك قوله تعالى فى سورة المائدة إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ الَّذِينَ هادُوا وَ الصَّابِئُونَ و قوله تعالى إِنْ هذانِ لَساحِرانِ قالوا ذلك خطأ من الكاتب و قال عثمان ان فى المصحف لحنا سيقيمه العرب بألسنتها فقيل له الا تغيره فقال دعوه فانه لا يحل حراما و لا يحرم حلالا، و الصحيح انّ هذا القول سهو من القائلين عفا اللّه تعالى عنهم و انعقد الإجماع على انه هو الحق الصحيح فاختلفوا فى توجيهه فقيل هو نصب على المدح لبيان فضل الصلاة تقديره امدح المقيمين و قيل منصوب بتقدير اعنى المقيمين الصلاة- و هم المؤتون الزكوة و قيل انه منصوب على التوهم لان السابق كان مقام لكن المثقلة وضع موضعه المخففة و قيل موضعه خفض معطوف على ما انزل إليك معناه يؤمنون بما انزل إليك و بالمقيمين الصلاة يعنى الأنبياء وَ الْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ عطف على الراسخون او مبتدا خبره أولئك وَ الْمُؤْمِنُونَ بِاللّه وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ عطف على المؤتون قدم عليه الايمان بالأنبياء و الكتب و ما يصدقه من الصلاة و الزكوة لانه المقصود بسوق الاية فان اهل الكتاب كانوا يؤمنون باللّه و اليوم الاخر فى زعمهم و انما المقصود هاهنا تحريضهم على ما ليس لهم من الايمان و هو الايمان بالأنبياء و الكتب كلهم و جاز ان يكون المراد بالأول الايمان المجازى و بالثاني الايمان الحقيقي المترتب عليه و على إتيان الشرائع أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً (١٦٢) قرا حمزة سيؤتيهم يعنى اللّه تعالى بالياء على الغيبة و الباقون بالنون على التكلم- روى ابن إسحاق عن ابن عباس قال قال عدى بن زيد ما نعلم ان اللّه انزل على بشر من شى ء من بعد موسى فانزل اللّه تعالى. ١٦٣ إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ بدا بذكره عليه السلام لانه كان أبا البشر مثل آدم قال اللّه تعالى وَ جَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ و لانه أول نبى من أنبياء الشريعة و أول نذير على الشرك و أول من عذبت أمته لردهم دعوته و أهلك اهل الأرض بدعائه و كان أطول الأنبياء عمرا و جعل معجزته فى نفسه فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً و لم يسقط له سن و لم يشب له شعر و لم ينقص له قوة و صبر على أذى قومه على طول عمره وَ النَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ إدريس و هود و صالح و شعيب و غيرهم وَ كما أَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ وَ الْأَسْباطِ و هم أولاد يعقوب اما ابناؤه اثنا عشر او أنبياء بنى إسرائيل من ذريتهم- وَ عِيسى وَ أَيُّوبَ وَ يُونُسَ وَ هارُونَ وَ سُلَيْمانَ خص هؤلاء من الأسباط لمزيد الفضل وَ آتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (١٦٣) عطف على أوحينا قرا الأعمش و حمزة زبورا بضم الزاء و هو اسم للكتاب الذي انزل عليه قال البغوي كان فيه التحميد و التمجيد و الثناء على اللّه عز و جل و كان داود يخرج الى البرية فيقوم و يقرا الزبور و يقوم معه علماء بنى إسرائيل فيقومون خلفه و يقوم الناس خلف العلماء و يقوم الجن خلف الانس الأعظم فالاعظم و يجى ء الدواب التي فى الجبال فيقمن بين يديه تعجبا لما يسمعن منه و الطير ترفرف «١» على رءوسهم عن ابى موسى الأشعري قال قال لى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لو رايتنى البارحة و انا اسمع لقراءتك لقد أعطيت مزمارا من مزامير ال داود قال اما و اللّه يا رسول اللّه لو علمت (١) يقال رفرف الطائر بجناحيه إذا بسطهما عند السقوط الى شى ء يحوم عليه ليقع فوقه- نهايه منه رحمه اللّه. انك تسمع لحبرّته «١» تحبيرا و كان عمر رضى اللّه عنه إذ أراه يقول ذكرنا يا أبا موسى فيقرا عنده. (١) يقال حبرت الشي ء تحبيرا إذا احسنته نهاية منه رحمه اللّه-. ١٦٤ وَ رُسُلًا منصوب بمضمر دلّ عليه أوحينا تقديره و أرسلنا رسلا، قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ هذا اليوم مثل آدم عليه السلام و شيث و إدريس و زكريا و يحيى و ذا الكفل و غيرهم وَ رُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ عن ابى ذرّ قال قلت يا رسول اللّه اى الأنبياء كان اوّل قال آدم قلت و نبى كان قال نعم نبى مكلم قلت يا رسول اللّه كم المرسلون قال ثلاثمائة و بضعة عشر جما غفيرا و عن ابى امامة عنه صلى اللّه عليه و سلم قال قلت يا رسول اللّه كم وفاء عدة الأنبياء قال مائة الف و اربعة و عشرون الفا الرسل من ذلك ثلاثمائة و خمسة عشر جمّا غفيرا رواه احمد و ابن ابى حاتم و روى الحاكم بسند ضعيف و ابو يعلى و ابو نعيم فى الحلية عن انس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انه تعالى بعث ثمانية آلاف نبى اربعة آلاف من بنى إسرائيل و اربعة آلاف من سائر «٢» الناس و هذه الاية تدل على ان معرفة الأنبياء بأعيانهم لا يشترط لصحة الايمان بل من شرطه ان يؤمن بهم جميعا و لو كان معرفة كل شرطا لقصّ اللّه علينا جميعهم وَ كَلَّمَ اللّه مُوسى تَكْلِيماً (١٦٤) و هو منتهى مراتب الوحى خص به موسى عليه السلام من بينهم و قد فضل اللّه محمدا صلى اللّه عليه و سلم و رفعه درجات. ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى ... «٣» وَ لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى و أعطاه مثل ما اعطى كل واحد من الأنبياء مع مزيد فضل قال الفراء العرب تسمى ما يوصل الى الإنسان كلاما باىّ طريق وصل و لكن لا يحققه بالمصدر فاذا حقق بالمصدر لم يكن الا حقيقة الكلام يقال على سبيل المجاز أراد الجدار ان ينقض و لا يقال أراد الجدار ارادة (٢) روى ابن حبان فى صحيحه و الحاكم و ابن عساكر و الحكيم الترمذي فى نوادر الأصول و عبد بن حميد عن ابى ذرّ قال قلت يا رسول اللّه كم الأنبياء قال مائة الف نبى و اربعة و عشرون الفا قلت يا رسول اللّه كم الرسل منهم قال ثلاثمائة و ثلاثة عشر جما غفيرا ثم قال يا أبا ذرّ اربعة بانيون آدم و شيث و نوح و خنوخ و هو إدريس و هو اوّل من خط بالقلم و اربعة من العرب هود و صالح و شعيب و نبيك و اوّل نبىّ من بنى إسرائيل موسى و آخرهم عيسى و اوّل نبىّ آدم و آخرهم نبيّك منه رحمه اللّه. (٣) و بين هذين الآيتين فى القران أ فتمارونه على ما يرى. ١٦٥ رُسُلًا منصوب على المدح او بإضمار أرسلنا او على الحال و يكون رسلا هذا تمهيدا لقوله. مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ لِئَلَّا اللام متعلق بأرسلنا او بقوله مبشرين و منذرين، يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّه حُجَّةٌ بَعْدَ إرسال الرُّسُلِ إليهم حجة اسم كان و خبره للناس او على اللّه و الاخر حال و لا يجوز تعلقه بحجة لانه مصدر و بعد ظرف لها او صفة حجة يعنى لئلا يقول الناس رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا فنتبعه، عن المغيرة قال قال سعد ابن عبادة لو رايت رجلا مع امراتى لضربته بالسيف غير مصفح «١» فبلغ ذلك رسول اللّه صلى اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال تعجبون من غيرة سعد و اللّه لانا أغير منه و اللّه أغير منى و من أجل غيرة اللّه حرم الفواحش ما ظهر منها و ما بطن و لا أحد أحب اليه العذر من اللّه و من أجل ذلك بعث المنذرين و المبشرين و لا أحد أحب اليه المدحة من اللّه تعالى و من أجل ذلك وعد اللّه الجنة رواه البخاري و غيره قال البغوي فى هذه الاية دليل على ان اللّه تعالى لا يعذب الخلق قبل بعثة الرسل كما قال اللّه تعالى وَ ما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا، و قالت الحنفية لا يعذب اللّه على الشرائع من المأمورات و المنهيات الّا بعد بعثة الرسل و امّا وجوب نفس التوحيد فغير متوقف عليه لدلالة الآيات الآفاقية و الانفسية عليه و كفاية ادراك العقل فيه و اللّه اعلم وَ كانَ اللّه عَزِيزاً لا يغلب فيما يريد حَكِيماً (١٦٥) فيما دبر من امر النبوة و خصّ كل نبى بنوع من الوحى و الاعجاز و الفضل و اعطى خاتم النبيين لاجل بعثته الى كافة الخلق الموجودين الى يوم القيامة ما اعطى كل نبى- روى ابن إسحاق و ابن جرير عن ابن عباس قال دخل جماعة من اليهود على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال لهم و اللّه انكم تعلمون انى رسول اللّه فقالوا ما نعلم ذلك، و قال البغوي ان رؤساء مكة أتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقالوا يا محمد انا سالنا عنك اليهود و عن صفتك فى كتابهم فزعموا انهم لا يعرفونك فانزل اللّه تعالى. (١) قال فى النهاية يقال اصفحه بالسيف إذا ضربه بعرضه دون حده و هو مصفّح و السيف مصفح- منه رح [.....]. ١٦٦ لكِنِ اللّه يَشْهَدُ على نبوتك بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ من القران المعجز بالنظم و المعنى الدال على نبوتك أَنْزَلَهُ متلبسا «٢» بِعِلْمِهِ الخاص به تعالى و هو العلم بالمغيبات الماضية و المستقبلة و العلم بتأليفه بحيث يعجز عن إتيان مثل اقصر سورة منه غيره او العلم بمن هو اهل للنبوة و نزول (٢) فى الأصل ملتبسا. الكتاب عليه و بعلمه الذي يحتاج اليه الناس فى إصلاح معاشهم و معادهم، فالجار و المجرور على الاوّلين حال عن الفاعل و على الثالث عن المفعول و جاز ان يكون مفعولا مطلقا اى انزالا متلبسا «١» بعلمه و الجملة كالتفسير لما قبلها وَ الْمَلائِكَةُ ايضا يَشْهَدُونَ على نبوتك حيث يأتونك لا عانتك فى القتال ظاهرين كما كان فى غزوة بدر وَ كَفى بِاللّه شَهِيداً (١٦٦) يعنى كفى بما اقام من الحجج على نبوتك عن الاستشهاد بغيره او يقال جزاء المؤمنين و الكافرين فى الاخرة بيد اللّه تعالى فكفى به شهيدا إذ الحاكم بالعدل إذا كان عالما شهيدا لا يحتاج الى شهادة غيره .. (١) فى الأصل ملتبسا-. ١٦٧ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ صَدُّوا غيرهم عَنْ سَبِيلِ اللّه يعنى عن الايمان بالنبي صلى اللّه عليه و سلم بكتمان ما ورد نعته فى التورية و تحريفه و منع الناس عن اتباعه و هم اليهود قَدْ ضَلُّوا عن الحق ضَلالًا بَعِيداً (١٦٧) لانهم جمعوا بين الضلال و الإضلال. ١٦٨ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا باللّه و رسله وَ ظَلَمُوا محمّدا صلى اللّه عليه و سلم بانكار نبوته بعد العلم بها او ظلموا الناس بصدهم عما فيه صلاحهم يعنى اليهود لَمْ يَكُنِ اللّه لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَ لا لِيَهْدِيَهُمْ فى الاخرة طَرِيقاً (١٦٨). ١٦٩ إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ اى الطريق المؤدى إليها خالِدِينَ فِيها أَبَداً اى مقدرين الخلود فيها إذا دخلوها حال مقدرة وَ كانَ ذلِكَ اى ادخالهم النار عَلَى اللّه يَسِيراً (١٦٩) لا يصعب عليه شى ء هذه الاية فى حق من سبق حكمه فيهم انهم يموتون على الكفر و اللّه اعلم و لما قرر اللّه سبحانه امر النبوة و بين الطريق الموصل الى العلم بها و وعيد من أنكرها خاطب الناس بالدعوة عامة فقال. ١٧٠ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ محمد صلى اللّه عليه و سلم بِالْحَقِّ بالقران و الدين الحق مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا به خَيْراً لَكُمْ اى ايمانا خيرا لكم او و ائتوا امرا خيرا لكم ممّا أنتم عليه و قال البغوي تقديره يكن الايمان خيرا لكم و منعه البصريون قالوا كان لا يحذف مع اسمه الا فيما لا بد منه و لانه يؤدى الى حذف الشرط و جوابه و يرد على عدم تجويز حذف كان مع اسمه قولهم الناس مجزيون بأعمالهم «٢» ان خيرا فخيرا وَ إِنْ تَكْفُرُوا فاللّه غنى عنكم لا يتضرر بكفركم كما لا ينتفع بايمانكم و انما يعود نفع ايمانكم و ضرر كفركم إليكم، و نبه على غنائه تعالى بقوله فَإِنَّ للّه ما فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ خلقا و ملكا وَ كانَ اللّه عَلِيماً بمن يؤمن و من لا يؤمن حَكِيماً (١٧٠) لا يسوى بينهما فى الجزاء-. (٢) فى الأصل بأعمالكم. ١٧١ يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ قيل الخطاب للفريقين اليهود و النصارى فاليهود غلت فى تنقيص عيسى حتى كذبوه و سبوا امه و النصارى فى رفعه حتى اتخذوه الها و اصل الغلو مجاوزة الحد و قال البغوي نزلت فى النصارى و هم اصناف اربعة اليعقوبية و الملكائية و النسطورية و المرقوسية فقالت اليعقوبية و الملكائية ان عيسى هو اللّه و قالت النسطورية عيسى ابن اللّه و قالت المرقوسية ثالث ثلاثة و يقال الملكائية يقولون عيسى هو اللّه و اليعقوبية يقولون ابن اللّه و النسطورية يقولون ثالث ثلاثة علمهم رجل من اليهود يقال له بولس سيأتى فى سورة التوبة ان شاء اللّه تعالى وَ لا تَقُولُوا عَلَى اللّه إِلَّا الْحَقَّ يعنى نزهوه عن الشريك و الصاحبة و الولد و كونه جسما محتاجا الى الاكل و غير ذلك إِنَّمَا الْمَسِيحُ مبتدا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عطف بيان من المسيح رَسُولُ اللّه خبر مبتدا يعنى ليس كما قالت النصارى انه ابن اللّه و لا كما قالت اليهود انه كذاب بل هو رسول اللّه وَ كَلِمَتُهُ يعنى اثر قوله كن فكان بشرا من غير اب أَلْقاها حال بتقدير قد يعنى أوصلها إِلى مَرْيَمَ وَ رُوحٌ مِنْهُ عطف على الخبر اى ذو روح صادر منه تعالى بخلقه كسائر الحيوانات لا يمكن ان يكون الها و استد الى نفسه تشريفا و قيل سمى روحا لانه كان يحيى الموتى او القلوب الميتة و قيل الروح هو النفخ الذي نفخه جبرئيل فى درع مريم فحملت بإذن اللّه سمى النفخ روحا لانه ريح تخرج من الروح و اضافه اليه تعالى لانه كان بامره من غير مادة و قيل و روح منه يعنى رحمة منه و قد كان رحمة لمن اتبعه و أمن به و قيل الروح الوحى الى مريم بالبشارة و الى جبرئيل بالنفخ و الى عيسى ان كن فكان و قيل أراد بالروح جبرئيل و هو معطوف على الضمير المستتر فى القاها و يجوز العطف للفصل يعنى القاها اللّه سبحانه الى مريم و ألقاه جبرئيل بامره، أسند الإلقاء الى اللّه سبحانه لكونه امرا و الى جبرئيل لكونه فاعلا او الى اللّه لكونه خالقا و الى جبرئيل لكونه كاسبا، عن عبادة رضى اللّه عنه عن النبي صلى اللّه عليه و سلم من شهد ان لا اله الا اللّه و ان محمدا عبده و رسوله و ان عيسى عبد اللّه و رسوله و كلمته القاها الى مريم و روح منه و الجنة حق و النار حق ادخله الجنة على ما كان من عمل متفق عليه فَآمِنُوا بِاللّه كما يليق بتنزيهاته وَ رُسُلِهِ و منهم عيسى وَ لا تَقُولُوا الالهة ثَلاثَةٌ اللّه و المسيح و مريم كما يدل عليه قوله تعالى أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَ أُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللّه و قيل كانوا يقولون بالأقانيم الثلاثة اللّه و عيسى و جبرئيل و يسمونهم بالأب و الابن و روح القدس قالوا كانت ذات لها العلم و الحيوة فانتقلت صفة العلم و استعلت و صارت جسما و سميت بعيسى و صفة الحيوة فسميت جبرئيل انْتَهُوا عن التثليث و ائتوا امرا خَيْراً لَكُمْ مما أنتم عليه او انتهاء خيرا لكم او يكن الانتهاء خيرا لكم إِنَّمَا اللّه مبتدا إِلهٌ خبره واحِدٌ صفة للتأكيد يعنى لا تعدّد فيه بوجه ما سُبْحانَهُ اى أسبحه سبحانا من أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ فانه انما يكون لمن يتصور له مثل و يتطرق اليه فناء و لذلك سمى اللّه سبحانه ذلك القول شتما فى حقه، عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال اللّه تعالى كذبنى ابن آدم و لم يكن له ذلك و شتمنى و لم يكن له ذلك و امّا تكذيبه إياي فقوله لن يعيدنى كما بدانى و ليس أول الخلق باهون عليّ من إعادته و امّا شتمه إياي فقوله اتخذ اللّه ولدا و انا الأحد الصمد الذي لم الد و لم اولد و لم يكن لى كفوا أحد و فى رواية ابن عباس فقوله لى ولد و سبحانى ان اتخذ صاحبة او ولدا رواه البخاري لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ يعنى جميع من عداه ملكا و خلقا فمن يماثله حتى يتصور كونه ولدا له فهذه الجملة كانه تعليل لما سبق وَ كَفى بِاللّه وَكِيلًا (١٧١) حافظا و مدبرا لكل من سواه فهو تعالى غنى عن الولد فان الحاجة الى الولد ليكون وكيلا لابيه قائما مقامه و اللّه اعلم،- قال البغوي (و عزاه الواحدي فى اسباب النزول الى الكلبي) انه قال وفد نجران يا محمد انك تعيب صاحبنا قال و اىّ شى ء أقول قال تقول انه عبد اللّه و رسوله قال انه ليس بعار لعيسى ان يكون عبد اللّه فنزلت. ١٧٢ ْ يَسْتَنْكِفَ اى لن يأنف و لن يتعظم الاستنكاف التكبر مع الانفة من نكفت الدمع إذا نحيّته بإصبعك كيلا يرى اثره عليك ْمَسِيحُ من نْ يَكُونَ عَبْداً للّه فان عبوديته تعالى شرف و كمال يباهى به فانه اصل كل كمال فان الممكن لا يوجد و لا يتصف بشى ء من الكمالات ما لم ينتسب الى اللّه تعالى و لا نسبة له اليه تعالى الا بالعبودية و انما المذلة و الاستنكاف من عبودية غيره تعالى فانه ممكن مثله لَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ عطف على المسيح يعنى و لا يستنكف الملائكة المقربون من ان يكونوا عبيدا للّه تعالى احتج بالآية من زعم بتفضيل الملائكة على البشر لان الترقي يكون من الأدنى الى الأعلى يقال فلان لا يستنكف من هذا و لا من هو أعلى منه و لا يقال لا يستنكف منه زيد و لا عبده و أجيب بانه تعالى لم يقل ذلك للترقى من الأدنى الى الأعلى رفعا لمنزلتهم بل ردّا على عبدة الملائكة كما هو رد على عبدة المسيح او يقال لعله أراد بالعطف المبالغة باعتبار التكثير دون اعتبار التكبير كقولك أصبح الأمير لا يخالفه رئيس و لا مرءوس قال البيضاوي و ان أراد به التكبير فغايته تفضيل المقربين من الملائكة و هم الكروبيون الذين حول العرش او من هو أعلى منهم من الملائكة على المسيح من الأنبياء و ذلك لا يستلزم فضل أحد الجنسين على الاخر مطلقا و النزاع فيه و قال بعض الأفاضل ان الأظهر فى الدفع ان الترقي بنفي استنكاف الملائكة لانهم اولى بالاستنكاف لا لفضلهم بمعنى كثرة الثواب بل لانهم لا يرون فيما بينهم عبادا بخلاف البشر فان فى بنى نوعهم كثرة العبودية و شيوع الرقية قلت و الاولى عندى ان يقال ان الترقي ليس لفضل الملائكة على الأنبياء فضلا كليا بل لشرفهم من وجه و فضلهم فضلا جزئيا و لا نزاع فيه و المعنى ان البشر مع احتياجه لبقاء شخصه و نوعه الى الاكل و الشرب و الجماع و غير ذلك و قرب زمان حدوثه و قصر عمره و قرب فنائه كيف يستنكف عن عبودية اللّه و مخلوقيته و كيف يدعى الالوهية لنفسه مع ان الملائكة مع تجردهم و عدم احتياجهم و طول أعمارهم و شدة بطشهم و عدم ابتلائهم بالامراض و المصائب و الشدائد لا يدعون الالوهية و لا يستنكفون عن عبادة اللّه و اللّه اعلم و ايضا ان النصارى افرطوا فى شأن عيسى عليه السلام و برءوه من العبودية لما راوا انه ولد بغير اب و انه كان يبرئ الأكمه و الأبرص و يحيى الموتى، و كان ينبئهم بما يأكلون و ما يدخرون فى بيوتهم فيقال لهم هذه الأوصاف فى الملائكة أتم منها فى عيسى و هم لا يستكبرون عن العبودية و ايضا الاشارة الى افضلية الملائكة على عيسى و لو من وجه خرج مخرج جواب النصارى حين افرطوا فى شأن عيسى حتى أنزلوه منزلة لم تكن له كما ان اللّه تعالى اعتبر فضل خضر على موسى حين سئل هل أحد اعلم منك فقال لا فقال اللّه تعالى بلى عبدنا الخضر حتى قال موسى لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً و قال له هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً- مَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَ يَسْتَكْبِرْ الاستكبار دون الاستنكاف و لذلك عطف عليه و انما يستعمل الاستكبار حيث لا استحقاق بخلاف التكبر فانه قد يكون باستحقاق سَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً (١٧٢) فيجازيهم-. ١٧٣ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ كالمسيح و الملائكة و المؤمنين فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ على حسب وعده إياهم وَ يَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ما شاء من التضعيفات و المعاملات فى مقام القرب و الروية ما لا عين رات و لا اذن سمعت و لا خطر ببال أحد و اخرج الطبراني و غيره بسند ضعيف عن ابن مسعود قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يزيدهم من فضله الشفاعة فيمن وجبت له النار ممن صنع إليهم المعروف فى الدنيا وَ أَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَ اسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَ لا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللّه وَلِيًّا وَ لا نَصِيراً (١٧٣) فان قلت التفصيل غير مطابق للاجمال فان الضمير المنصوب فى قوله تعالى فسيحشرهم عائد الى من يستنكف فالمجمل كان ذكر المستنكفين و فى التفصيل ذكر الفريقين و أجيب بانه ليس هذا تفصيلا للمنطوق بل لما دل عليه فحوى الكلام كانه قال فسيحشر المستنكفين اليه جميعا فيجازيهم يوم يحشر العباد كلهم للجزاء فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا إلخ او يقال جزاء مقابليهم بالإحسان تعذيب لهم بالغم و الحسرة فكانّه فصل تعذيبهم بوجهين، قال التفتازانيّ هذا الجواب ليس بمستقيم لدخول امّا على الفريقين لا على الجزاء للمستنكفين و قدر صاحب الكشاف فى المجمل فسيحشرهم و المؤمنين لاقتضاء التفصيل ذلك، او لان أحد المتقابلين يدل على ذكر الاخر قلت بل ذكر الفريقين فيما سبق غير المستنكفين فى ضمن قوله تعالى نْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً للّه وَ لَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ و المستنكفون فى ضمن قوله تعالى مَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَ يَسْتَكْبِرْ فبين اللّه جزاء الفريقين-. ١٧٤ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ يعنى المعجزات الدالة على نبوة محمد صلى اللّه عليه و سلم او المعنى قد جاءكم حجة عليكم من ربكم و هو النبي صلى اللّه عليه و سلم وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً (١٧٤) يعنى القران فانه ينكشف به الحق كما ينكشف الأشياء بالنور. ١٧٥ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللّه وَ اعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ يعنى جنة و ثوابا قدر له بإزاء إيمانه و عمله رحمة منه تعالى لا قضاء لحق وجب عليه خلافا للمعتزلة وَ فَضْلٍ احسان زائد على ما وعد له فى الرؤية و درجات القرب وَ يَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ اى الى صراط اللّه سبحانه الموصل الى الذات البحت المتعالي عن الشيون و الاعتبارات صِراطاً مُسْتَقِيماً (١٧٥) و هو الإسلام و الطاعة و سلوك طريق الصوفية فى الدنيا و طريق الجنة و مقام الرؤية و القرب فى الاخرة و صراطا حال من المضاف المحذوف فى اليه او يقال تقديره يهديهم مقربين اليه او مقربا إياهم اليه فهو حال من الفاعل او المفعول و صراطا مفعول ثان او يقال صراطا مستقيما بدل من اليه و اللّه اعلم- اخرج ابن مردوية عن عمر انه سال النبي صلى اللّه عليه و سلم كيف يورث الكلالة فانزل اللّه تعالى. ١٧٦ يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّه يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ و مر معنى الكلالة فى اوّل السورة و روى النسائي من طريق ابى الزبير عن جابر قال اشتكيت فدخل علىّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقلت يا رسول اللّه اوصى لاخواتى بالثلث قال احسن قلت بالشطر قال احسن- ثم خرج ثم دخل علىّ فقال لا أراك تموت فى وجعك هذا ان اللّه انزل و بين ما لاخواتك و هو الثلثان فكان جابر يقول نزلت هذه الاية فىّ قال الحافظ ابن حجر العسقلاني هذه قصّة اخرى لجابر غير التي تقدمت فى اوّل السورة- فائدة:- اجمع العلماء على ان هذه الاية فى بيان ميراث الاخوة و الأخوات لاب و أم كما ذكرنا فى اوّل السورة عن ابى بكر الصديق رضى اللّه عنه و قيس عليهم بالإجماع الاخوة و الأخوات لاب عند فقد بنى الأعيان إِنِ امْرُؤٌ مرفوع بفعل مضمر يفسره ما بعده هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ صفة لامرئ او حال من المستكن فى هلك و الولد يعم الذكر و الأنثى يعنى ليس له ولد ذكر و لا أنثى وَ لَهُ أُخْتٌ واحدة لاب و أم يحتمل العطف و الحال فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَ هُوَ اى المرء يَرِثُها اى يرث جميع مال أخته ان هلكت عن أخ لها لاب و أم إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها اى للمتوفاة وَلَدٌ ذكر و لا أنثى و عدم كون الأب و الجد للميت مفهوم من الكلالة فَإِنْ كانَتَا اى من ترث بالاختية اثْنَتَيْنِ فصاعدا بدون الذكر، اجمعوا على ان حكم الزائد على اثنتين حكم الثنتين فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ الأخ وَ إِنْ كانُوا اى من يرث بالاخوة إِخْوَةً اى جماعة و حكم الاثنين فى الباب حكم الجماعة بالإجماع رِجالًا وَ نِساءً مختلطين كان حق الكلام و ان كانوا اخوة و أخوات رجالا و نساء لكن غلّب المذكر فَلِلذَّكَرِ اى فالواجب للذكر منهم مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يعنى ان كان مع الأنثيين او اكثر ذكر واحد او اكثر يعطى لكل واحد منهم مثل ما يعطى للانثيين و يعلم بدلالة النص انه ان كان ذكر واحد او اكثر مع أنثى واحدة يعطى للانثى نصف ما يعطى لذكر واحد منهم و الحاصل انه يجعل لكل ذكر سهمان و لكل أنثى سهم- (مسئلة) اجمعوا على انه كما يشترط عدم الولد لكون نصيب الاخت النصف و نصيب الأختين فصاعدا الثلثين «١» كذلك يشترط لذلك الحكم عدم ولد الابن و ان سفل و على انه لا نصيب للاخوة و الأخوات أصلا مع ذكر من الأولاد او أولاد الابن و ان كان واحدا و مع أنثى واحدة او اكثر منهم للاخوة و الأخوات ذكرا كان او أنثى واحدا كان او اكثر الباقي بعد فرض الإناث من الأولاد و أولاد الابن اعنى بعد النصف للواحدة و الثلثين للاكثر منهن اما للاخوة فلقوله صلى اللّه عليه و سلم الحقوا الفرائض باهلها و ما أبقت فلاولى رجل ذكر متفق عليه من حديث ابن عباس- و كذا (١) فى الأصل الثلثان. للاخت واحدة كانت او اكثر مع البنت واحدة كانت او اكثر لقوله صلى اللّه عليه و سلم اجعلوا الأخوات مع البنات عصبة و لحديث الهذيل عن شرحبيل قال جاء رجل الى ابى موسى و سليمان بن ربيعة فسالهما عن رجل مات عن ابنة و ابنة ابن و اخت لاب و أم فقالا للبنت النصف و للاخت النصف و ائت ابن مسعود فانه سيتا بعنا فاتى ابن مسعود فقال ل قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَ ما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ساقضى بما قضى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم للبنت النصف و لابنة الابن السدس تكملة للثلثين و ما بقي فللاخت «١» رواه البخاري- (مسئلة) و اجمعوا على انه لا يرث الاخوة و الأخوات لاب مع أخ واحد ذكر لاب و أم لحديث على رضى اللّه عنه ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال اعيان بنى الام يتوارثون دون بنى العلات يرث الرجل اخوه لابيه و امه دون أخيه لابيه رواه الترمذي و ابن ماجة و الحاكم من حديث الحرث عن على و الحرث ضعيف و قد قال الترمذي لا يعرف الا من حديثه لكن العمل عليه و كان عالما بالفرائض و قد قال النسائي لا بأس به و قول الترمذي العمل عليه حكاية عن الإجماع (مسئلة) و اجمعوا على ان للاخت لاب واحدة كانت او اكثر مع اخت واحدة لاب و أم السدس تكملة للثلثين قياسا على بنت الابن واحدة كانت او اكثر مع بنت واحدة صلبية و لا يرثن مع الثنتين من الأخوات لاب و أم لاحرازهما تمام الثلثين الا ان يكون معهن ذكر فيعصبهن فيقسم الثلث الباقي بعد حظ الأختين لاب و أم او النصف الباقي بعد حظ اخت واحدة من الأعيان بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين (مسئلة:) و اجمعوا على ان بنى العلات لهم حكم بنى الأعيان عند عدم واحد منهم امّا لهذه الاية ان قيل ان لفظ الأخ و الاخت يشملهم و ترجيح بنى الأعيان على بنى العلات بالسنة لكن يلزم على هذا الجمع بين معينى المشترك، و اما بالنقل المستفيض فلاخت واحدة منهم النصف و للثنتين فصاعدا الثلثان و يجوز الذكر منفردا جميع المال و عند الاختلاط للذكر مثل حظ الأنثيين و يحجبهم الابن و ابن الابن و الأب و الجد و لهم مع الإناث من الأولاد مثل ما لبنى الأعيان معهن و اللّه اعلم يُبَيِّنُ اللّه لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا اى يبين اللّه لكم ضلالكم الذي من شأنكم إذا خليتم و (١) و كان ابن عباس يقول ليس للاخت شى ء مع البنت ما بقي فللعصبة و يقول لا تجدونه فى كتاب اللّه و فى قضاء رسول اللّه و قال اللّه تعالى إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَ لَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ لكن ما قلنا ثبت بالسنة و عليه انعقد الإجماع منه رحمه اللّه-. طباعكم لتحترزوا عنه و تتخيروا خلافه او يبين لكم الحق و الصواب كراهة ان تضلوا و قال الكوفيون لئلا تضلوا فحذف لا وَ اللّه بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيمٌ (١٧٦) فهو يعلم مصالح العباد فى المحيا و الممات و اللّه اعلم- عن البراء بن عازب قال اخر سورة نزلت كاملة براءة و اخر اية نزلت خاتمة سورة النساء يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّه يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ متفق عليه و قال البغوي عن ابن عباس اخر اية نزلت اية الربوا و اخر سورة نزلت إِذا جاءَ نَصْرُ اللّه وَ الْفَتْحُ و روى عنه ان اخر اية نزلت قوله تعالى وَ اتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّه و يروى انه بعد ما نزلت سورة النصر عاش النبي صلى اللّه عليه و سلم عامّا و نزلت بعدها سورة براءة و هى اخر سورة نزلت كاملة فعاش بعدها ستة أشهر ثم نزلت فى طريق حجة الوداع يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّه يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ فسميت اية الصيف ثم نزلت بعدها و هو واقف بعرفة الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ فعاش بعدها أحدا و ثمانين يوما ثم نزلت اية الربوا ثم نزلت وَ اتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّه فعاش بعدها أحد «١» او عشرين يوما و اللّه اعلم- و فى قوله و عاش النبي صلى اللّه عليه و سلم بعد سورة براءة سنة أشهر نظر لانها نزلت حين بعث النبي صلى اللّه عليه و سلم أبا بكر رضى اللّه عنه أميرا للحج سنة تسع من الهجرة بعد خروج ابى بكر فبعث النبي صلى اللّه عليه و سلم عليّا رضى اللّه عنه بأربعين اية من اوّل سورة براءة يقرا على الناس فعاش النبي صلى اللّه عليه و سلم بعد نزوله خمسة عشر شهرا و أياما فلعل الراوي قال ستة عشر تكميلا للايام شهرا فسقط لفظ عشر و كذا فى قوله بعد ما نزلت النصر عاش النبي صلى اللّه عليه و سلم عاما نظر فان النبي صلى اللّه عليه و سلم حين دخل مكة عام الفتح كان يقرا سورة النصر كما ذكر فى تفسير سورة النصر و كان الفتح قبل موته صلى اللّه عليه و سلم بثلثين شهرا و اللّه اعلم «٢»- تمّ تفسير سورة النساء من تفسير المظهرى حادى عشر شهر رجب سنة الف و مائة و ثمان و تسعين من الهجرة على صاحبها صلى اللّه عليه و سلم بتصحيح: مولانا غلام نبى تونسوى الراجي الى مغفرة ربه القوى (١) فى الأصل أحد. (٢) عن عمر بن الخطاب قال من قرا البقرة و النساء و ال عمران كتب عند اللّه من الحكماء منه رحمه اللّه. إِ |
﴿ ٠ ﴾