٦ وَ ابْتَلُوا الْيَتامى يعنى اختبروا عقولهم قبل البلوغ بان تدفعوا إليهم قليلا من المال حتى يتصرف فيه و يستبين حاله فان كان رشيدا يظهر رشده اوّل الأمر ففى هذه الاية دليل على جواز اذن الصبى العاقل فى التجارة و به قال ابو حنيفة رحمه اللّه و قال الشافعي لا يجوز اذن التجارة للصبى و المراد بالابتلاء ان يكل اليه مقدمات العقد و الاول اظهر حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ اى صلاح النكاح و التوالد و ذلك فى الغلام بالاحتلام و الاحبال و الانزال إذا وطى و فى الجارية بالحيض و الاحتلام و الحبل فان لم يوجد شى ء من ذلك فيهما فباستكمال خمس عشرة سنة غلاما كان او جارية عند مالك و احمد و الشافعي و ابى يوسف و محمد و هو رواية عن ابى حنيفة و عليه الفتوى و المشهور عن ابى حنيفة باستكمال سبع عشرة فى الجارية و ثمان عشرة فى الغلام و فى رواية تسع عشرة فى الغلام، احتج الجمهور بحديث انس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا استكمل المولود خمس عشرة سنة كتب ماله و ما عليه و أقيمت عليه الحدود رواه البيهقي فى الخلافيات و سنده ضعيف و فى الصحيحين عن ابن عمر انه عرض على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يوم أحد و هو ابن اربع عشرة سنة فلم يجزه ثم عرضه يوم الخندق و هو ابن خمس عشرة سنة فاجازه و عند احمد الإنبات ايضا علم على البلوغ و قال الشافعي هو علم فى المشركين و فى المسلمين عنه قولان و قال ابو حنيفة لا عبرة به و الحجة فى الباب حديث عطية القرظي قال عرضت على النبي صلى اللّه عليه و سلم يوم قريظة فشكوا فىّ فامر النبي صلى اللّه عليه و سلم ان ينظروا هل نبت بعد فنظروا فلم يجدونى أنبت فخلى عنى و الحقنى بالسبي رواه اصحاب السنن و صححه الترمذي و ابن حبان و الحاكم فَإِنْ آنَسْتُمْ اى أبصرتم مِنْهُمْ بعد البلوغ رُشْداً اى هداية فى التصرفات و صلاحا فى المعاملات كذا قال ابو حنيفة و مالك و احمد و قال الشافعي صلاحا فى الدين و حفظا للمال و علما بما يصلحه، روى البيهقي من طريق على بن طلحة عن ابن عباس فى قوله تعالى آنستم منهم رشدا معناه رايتم منهم صلاحا فى دينهم بعد الحلم و حفظا لاموالهم و روى مثله الثوري فى جامعه عن منصور عن مجاهد و البيهقي من طريق يزيد بن هارون عن هشام بن حسان عن الحسن فالفاسق غير رشيد عند الشافعي رشيد عند غيره فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ من غير تأخير عن البلوغ، قوله فادفعوا جزاء لان الشرطية و إذا بلغوا ظرف فيه معنى الشرط متعلق بادفعوا و حتى للابتداء و ما قبلها سبب لما بعدها و لا يجوز ان يكون حتى جارة متعلقا بالجملة السّابقة لان إذا لتضمنه معنى فى لا يصلح ان يدخل عليه حتى الجارة فالمعنى و ابتلوا اليتامى حتى تدفعوا إليهم أموالهم إذا بلغوا النكاح و آنستم منهم رشدا فالابتلاء سبب للدفع و الدفع مشروط بشرطين البلوغ و إيناس الرشد و لذا قال الشافعي و مالك و احمد و ابو يوسف و محمد لا يدفع إليهم أموالهم ابدا ما لم يونس منهم الرشد خلافا لابى حنيفة حيث قال إذا بلغ خمسا و عشرين سنة يدفع اليه ماله لان المنع باعتبار اثر الصبا و هو فى أوائل البلوغ و ينقطع بتطاول الزمان فلا يبقى المنع، و لهذا قال ابو حنيفة لو بلغ رشيدا ثم صار سفيها لا يمنع المال عنه لانه ليس بأثر الصبا، قال ابو حنيفة تنكير رشدا فى الاية يفيد التقليل يعنى نوعا من الرشد حتى لا ينتظر به تمام الرشد فاذا بلغ خمسا و عشرين سنة فقد يصير جدا فى هذا السن فلا يخلو عن نوع من الرشد فى التصرفات و ان منع المال عنه بطريق التأديب، و لا تأديب بعد هذا ظاهرا او غالبا فلا فائدة فى المنع فلزم الدفع. (مسئلة:) السفيه الذي لا يدفع اليه ماله لا ينفذ تصرّفه القولى فى ماله مطلقا من البيع و الاعتاق و غير ذلك عند الشافعي و عند محمد ينفذ ما لا يحتمل الفسخ كالعتق و لا ينفذ ما يحتمله، كالبيع الّا بإذن وليه و عند ابى يوسف و اكثر العلماء ينفذ تصرّفاته ما لم يحجر عليه القاضي و يجوز للقاضى حجره فاذا حجره القاضي لا ينفذ بيعه و لا كل تصرّف يؤثر فيه الهزل و ينفذ عتقه و على العبد ان يسعى فى قيمته عند ابى يوسف و محمد و عن محمد انه لا يجب السعاية و عند ابى حنيفة لا يجوز للقاضى الحجر على العاقل البالغ لاجل السفه او الدين او الفسق لان فيه اهدار آدميته و الحاقه بالبهائم و هو أشد ضررا من التبذير فلا يتحمل الا على لدفع الأدنى و الحجة للشافعى و مالك و احمد و غيرهم فى حجر السفيه هذه الاية فانها تدل على منع الأموال عن السفيه و هو لا يفيد بدون الحجر لانه يتلف بلسانه ما منع من يده و قال ابو حنيفة منع المال مفيد لان غالب السفه فى الهبات و الصدقات و ذلك موقوف على اليد إذ لا يتم الهبة الا بالقبض، و الحجة لابى حنيفة حديث انس ان رجلا كان فى عقدته ضعف و كان يبايع و ان اهله أتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قالوا يا رسول اللّه احجر «١» عليه فدعاه نبى اللّه فنهاه عن البيع فقال يا رسول اللّه لا اصبر عن البيع فقال إذا بايعت فقل لا خلابة رواه الترمذي و احمد و قال الترمذي هذا حديث صحيح وجه الاحتجاج ان النبي صلى اللّه عليه و سلم لم يحجر عليه و لم يمنع نهى تحريم و أجيب عنه بان ذلك الرجل لم يكن مبدرا قصدا بل كان يلحقه الخسران فى المبايعة لضعف عقله فامكن تداركه بقوله لا خلابة و كلامنا فى سفيه مبذر مضيع باختياره، قال البغوي و الدليل على جواز الحجر اتفاق الصحابة عليه روى الشافعي عن محمد بن الحسن عن ابى يوسف القاضي عن هشام بن عروة عن أبيه ان عبد اللّه بن جعفر ابتاع أرضا سبخة بستين الف درهم فقال على لاتين عثمان فلا حجرن عليك فاتى ابن جعفر الزبير فاعلمه بذلك فقال الزبير انا شريكك فى بيعك فاتى على عثمان رضى اللّه عنهم و قال احجر على هذا فقال الزبير انا شريكه فقال عثمان كيف احجر على رجل فى بيع شريكه فيه الزبير، و روى ابو عبيد فى كتاب الأموال بسنده عن ابن سيرين قال قال عثمان لعلى الا تأخذ على يد ابن أخيك يعنى عبد اللّه بن جعفر و تحجر عليه اشترى سبخة بستين الف درهم ما تسرنى انها لى بنعلي فذكر القصة كما مرّ، قال البغوي فكان ذلك اتفاقا منهم على جواز الحجر حتى احتال الزبير لدفعه. (١) فى الأصل اهجر عليه. (مسئلة:) إذا بلغ الصغير رشيدا ثم صار سفيها مبذّرا جاز الحجر عليه عند من أجاز الحجر عليه فيما بلغ سفيها كما يدل عليه قصة ابن جعفر رضى اللّه عنهما و الحجة لهم فى جواز حجر المديون حديث كعب بن مالك عن أبيه ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حجر على معاذ ماله و باعه؟؟؟ فى دين كان عليه رواه الدارقطني و الحاكم و البيهقي- و روى ابو داود فى المراسيل من حديث عبد الرزاق مرسلا و كذا روى سعيد فى سننه و ابن الجوزي من حديث ابن المبارك عن معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك مرسلا قال كان معاذ بن جبل شابا سخيا و كان لا يمسك شيئا فلم يزل يد اين حتى غرق ماله كله فى الدين فاتى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فكلمه ليكلم غرماءه فلو تركوا لاحد لتركوا لمعاذ من أجل رسول اللّه فباع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ماله حتى قام معاذ بغير شى ء قال عبد الحق المرسل أصح من المتصل و قال ابن الصلاح فى الاحكام هو حديث ثابت و كان ذلك فى سنة تسع من الهجرة و جعل لغرمائه خمسة اسباع حقوقهم فقالوا يا رسول اللّه بعه لنا قال ليس لكم اليه سبيل و قال ابو حنيفة فى المديون ان القاضي لا يحجر عليه و لا يبيع ماله لانه نوع حجر و لانه تجارة لا عن تراض و قد قال اللّه تعالى إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ و لكن يحبسه ابدا حتى يبيعه فى دينه إيفاء لحق الغرماء و دفعا لظلمه و الجواب عن قصة معاذ انا لا نسلم ان النبي صلى اللّه عليه و سلم باع ماله و لم يرض به معاذ و محال ان لا يرصى معاذ بفعل النبي صلى اللّه عليه و سلم فكان النبي صلى اللّه عليه و سلم باع ماله برضاه فهو من باب بيع الوكيل او الفضولي مع الاجازة اللاحقة من المالك و قول الراوي حجر على معاذ ماله و اباعه زعم منه زعم بيع ماله حجرا «١» عليه كيف و قد اخرج البيهقي من طريق الواقدي هذا الحديث و زاد ان النبي صلى اللّه عليه و سلم بعثه بعد ذلك الى اليمن ليجبره و روى الطبراني فى الكبير ان النبي صلى اللّه عليه و سلم لما حج بعث معاذا الى اليمن و انه أول من تأجر فى مال اللّه فظهر ان النبي صلى اللّه عليه و سلم لم يحجر معاذا عن التصرفات، مسئلة: إذا أفلس و فرق ماله و بقي عليه دين و له حرفة تفضل أجرتها عن كفايته قال احمد جاز للحاكم اجازته فى قضاء دينه و عنه لا يؤجره و هو قول غيره من الائمة، احتج احمد بحديث رواه الدارقطني عن زيد بن اسلم قال رايت شيخا بالاسكندرية يقال له سرق فقلت ماذا لاسم قال اسم سمانيه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و لن ادعه قلت و لم سماك قال (١) فى الأصل بيع ماله عليه مجرا عليه. قدمت المدينة و أخبرتهم ان مالى يقدم فبايعونى فاستهلكت أموالهم فاتوا الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال أنت سرق و باعني باربعة ابعر فقال الغرماء للذى اشترانى ما تصنع به قال اعتقه قالوا فلسنا بأزهد فى الاجر منك فاعتقونى بينهم و بقي اسمى قال ابن الجوزي قد علم انه لم يبع رقبته لانه حر و انما باع منافعه و المعنى أعتقوني من الاستخدام قلت لا وجه لحمل هذا الحديث على الاجارة لانه اجارة على عمل مجهول فالحديث متروك بالإجماع، و كان لرسول اللّه ولاية التصرف فى الناس ما ليس لغيره و روى مسلم عن ابى سعيد أصيب رجل فى عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى ثمار ابتاعها فكثر دينه فقال تصدقوا عليه فلم يبلغ وفاء دينه فقال خذوا ما وجدتم و ليس لكم الّا ذلك فهذا الحديث صريح انه لا سبيل الى المديون الّا فى استيفاء ديونهم من ماله و اللّه اعلم، وَ لا تَأْكُلُوها يعنى اموال اليتامى يا معشر الأولياء إِسْرافاً فى القاموس السرف محركة ضدّ القصد و فى الصحاح السرف تجاوز الحد فى كل فعل يفعله الإنسان قال اللّه تعالى فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ و قال يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لكن ذلك فى الانفاق أشهر، فيقال تارة باعتبار القدر يعنى الكثرة كما فى قوله تعالى كُلُوا وَ اشْرَبُوا وَ لا تُسْرِفُوا و تارة باعتبار الكيفية و لهذا قال سفيان ما أنفقت فى غير طاعة اللّه فهو سرف و ان كان قليلا قال اللّه تعالى أَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ، قلت فاكل مال اليتيم و ان كان قليلا فهو إسراف ان كان الولي غنيا و ان كان فقيرا فالتجاوز عن المعروف إسراف و افراط وَ بِداراً اى مبادرة أَنْ يَكْبَرُوا فياخذوا منكم أموالهم فاسرا فاو بدارا مصدر ان فى موضع الحال و ان يكبروا فى موضع المصدر منصوب المحل ببدارا يعنى لا تأكلوا مسرفين و مبادرين كبرهم و يجوز ان يكونا مفعولى «١» لهما اى لاسرافكم و مبادرتكم فى الاكل و جاز ان يكون ان يكبروا منصوب المحل على انه مفعول له للمبادرة اى لمبادرتكم لاجل مخافة ان يكبروا فيأخذوا من ايديكم وَ مَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ اى ليمتنع من مال اليتيم فلا يأخذ منه قليلا و لا كثيرا استعف ابلغ من عف كانه طلب زيادة العفة، وَ مَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ان رجلا اتى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال انى لفقير ليس لى شى ء ولى يتيم فقال كل (١) فى الأصل مفعولا لهما. من مال يتيمك غير مسرف و لا مبادر و لا متاثل رواه ابو داود و النسائي و ابن ماجة و عن ابن عباس ان رجلا قال لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان فى حجرى يتيما أ فآكل من ماله قال بالمعروف غير متاثل مالا منه و لا واق مالك بماله رواه الثعلبي و المراد اجرة عمله بقدر قيامه و هو قول عائشة و به نأخذ و قال عطاء و عكرمة يأكل باطراف أصابعه و لا يسرف و لا يكتسى منه و قال النخعي لا يلبس الكتان و لا الحلل و لكن ما سد الجوعة و وارى العورة و لا قضاء فى هذه الأقوال كلها و قال الحسن و جماعة يأكل من تمر نخيله و لبن مواشيه بالمعروف و لا قضاء عليه و امّا الفضة و الذهب فلا فان أخذ فعليه رده و قال الكلبي المعروف ركوب الدابة و خدمة الخادم و ليس له ان يأكل من ماله شيئا و روى البغوي بسنده عن القاسم ابن محمد انه جاء رجل الى ابن عباس فقال ان لى يتيما و ان له ابلا ا فاشرب من لبن ابله فقال ان كنت تبغى ضالة ابله و تهنا جرباها و تلط حوضها و تسقيها يوم وردها فاشرب غير مضر بنسل و لا ناهك فى الحلب و قال الشعبي لا يأكل الا ان يضطر اليه كما يضطر الى الميتة و قال قوم المعروف القرض اى يستقرض من مال اليتيم إذا احتاج اليه فاذا أيسر قضاه و هو قول مجاهد و سعيد بن جبير و قال عمر بن الخطاب انى أنزلت نفسى من مال اللّه بمنزلة ولى اليتيم ان استغنيت استعففت و ان افتقرت أكلت بالمعروف فاذا أيسرت قضيت فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ بعد بلوغهم و إيناس رشد منهم فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ هذا امر ارشاد و ليس بواجب و الاولى الاشهاد لدفع التهمة و انقطاع الخصومة و احتج الشافعي و مالك بهذه الاية على ان القيم لا يصدق فى دعواه بالدفع الا بالبينة و قال ابو حنيفة إذا لم يكن له بينة يصدق مع اليمين لانه أمين ينكر الضمان عليه و يدل على ذلك قوله تعالى وَ كَفى بِاللّه حَسِيباً (٦) اى محاسبا و مجازيا و شاهدا لا حاجة الى شاهد غيره بل يصدق الولي مع اليمين و يفوض امره الى اللّه تعالى و الباء زائدة على فاعل الفعل، اخرج ابو الشيخ ابن حبان فى كتاب الفرائض من طريق الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس قال كان اهل الجاهلية لا يورثون النبات و لا الصغار من الذكور حتى يدركوا فمات رجل من الأنصار يقال له أوس بن ثابت و ترك ابنتين و ابنا صغيرا فجاء ابنا عمه خالد و عرفطة و هما عصبتاه فأخذا ميراثه كله فاتت امرأته رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فذكرت له ذلك فقال ما أدرى ما أقول فنزلت. |
﴿ ٦ ﴾