٢٤

وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ عطف على أمهاتكم يعنى حرمت عليكم المحصنات من النّساء اى ذوات الأزواج لا يحل للغير نكاحهن ما لم يمت زوجها او يطلقها و تنقضى عدّتها من الوفاة او الطلاق سمّيت المتزوجات محصنات لانه احصنهن التزويج او الأزواج

قال البغوي قال ابو سعيد الخدري رضى اللّه عنه نزلت فى نسائكن يهاجرن الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و لهن ازواج فيتزوجهن بعض المسلمين ثم يقدم أزواجهن مهاجرين فنهى اللّه المسلمين عن نكاحهن قلت لعل المراد من الحديث ان المرأة المهاجرة إذا كان زوجها مسلما لا يحل نكاحها و ان كان فى دار الحرب لعدم اختلاف الدين حقيقة و الدار حكما و امّا إذا أسلمت و هاجرت و زوجها كافر فى دار الحرب فنكاحها حلال لقوله تعالى «٢» يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ ... «٣» فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَ لا هُمْ الى قوله تعالى وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ لكن عند ابى حنيفة و صاحبيه تقع الفرقة بينها و بين زوجها بمجرد الخروج من دار الحرب لاختلاف الدارين حقيقة و حكما و لا عدة عليها بعد الفرقة عنده و عندهما عليها العدة و عند مالك و الشافعي و احمد يقع الفرقة بعد ثلاث حيض من وقت إسلامها ان دخل بها و ان لم يدخل بها فمن وقت إسلامها و لا اثر عندهم لاختلاف الدارين إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ قال عطاء أراد بهذه الاستثناء ان تكون أمته فى نكاح عبده فيجوز له ان ينزعها منه و هذا القول مردود بالإجماع و الصحيح ما روى مسلم و ابو داود و الترمذي و النسائي عن ابى سعيد الخدري قال أصبنا سبايا من سبى أوطاس لهن ازواج فكرهنا ان نقع عليهن و لهن ازواج فسالنا النبي صلى اللّه عليه و سلم فنزلت وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ يقول الا ما أفاء اللّه عليكم فاستحللتم بها فروجهن

و اخرج الطبراني عن ابن عباس قال نزلت يوم حنين لمّا فتح اللّه حنينا أصاب المسلمون نساء من نساء اهل الكتاب لهن ازواج و كان الرجل إذا أراد ان يأتى المرأة قالت ان لى زوجا فسئل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن ذلك فانزلت هذه الآية

(٢) فى الأصل يا ايّها النّبىّ إذا جاءكم لعله من الناسخ.

(٣) و فى القرآن اللّه أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ إلخ-.

فهذه الاية تدل على ان المرأة إذا سبيت مع زوجها او بدونه وقعت الفرقة بينها و بين زوجها و يحل لمن ملكها وطيها بعد الاستبراء لما روى ان منادى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم نادى يوم أوطاس الا لا تنكح الحبالى حتى يضعن حملهن و لا الحيالى حتى يحضن رواه ( «١») و كذا يحل للمالك تزويجها لغيره و ظهران السبي يوجب الصفا للسّابى فى ملك البضع كما يوجب الصفا فى ملك الرقبة و به قال مالك و الشافعي و احمد قالوا ان سبايا أوطاس سبين مع أزواجهن و قال ابو حنيفة لا يقع الفرقة بالسبي الا إذا سبى أحد الزوجين بدون الاخر فان الموجب للفرقة عنده اختلاف الدارين حقيقة و حكما دون السبي قالت الحنفية ان مع اختلاف الدارين لا ينتظم مصالح النكاح فشابه المحرمية و السبي يوجب الصّفا فى ملك الرقبة دون ملك البضع لعدم الاستلزام بينهما و هذا استدلال فى مقابلة النص قال ابن همام روى فى سبايا أوطاس ان النساء سبين وحدهن و رواية الترمذي يفيد ذلك روى عن ابى سعيد قال أصبنا سبايا أوطاس و لهن ازواج فى قومهن فذكروا ذلك لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فنزلت هذه الاية قلت و ليس فى لفظ الترمذي ما يدل قطعا انهن كلهن سبين بغير ازواج و الظاهر فيه قول الشافعي و لو صح انهن سبين كلهن بغير ازواج فالعبرة لعموم اللفظ دون خصوص السبب و قد ذكر اللّه سبحانه الاستثناء من ذوات الأزواج بعنوان ملك اليمين لا بعنوان اختلاف الدّارين و قالت الحنفية الاية ليست على عمومها اجماعا فان مقتضى اللفظ حل المملوكة مطلقا سواء ملكت بالسبي او الشراء او الإرث او نحو ذلك و لا شك ان المشتراة المتزوجة خارجة عن هذا الحكم اجماعا فخصصنا عنها المسبيّة مع زوجها ايضا قلت لا بد لتخصيص العام و ان كان ظنيا من دليل شرعى نصّ او اجماع او قياس و لا يجوز التخصيص بالرأى على ان الإجماع على كون الامة المشتراة المتزوجة خارجة عن هذا الحكم ممنوع

قال البغوي قال ابن مسعود أراد اللّه

(١) هكذا بياض فى الأصل-.

تعالى بهذه الاية ان الجارية المتزوجة إذا بيعت يقع الفرقة بينها و بين زوجها و يكون بيعها طلاقا رواه ابن ابى شيبة و ابن جرير و عبد بن حميد عنه قلت يمكن ان يقال المراد بالمحصنات الجرائر ذوات الأزواج و التحق بهن بالقياس الإماء ذوات الأزواج فمعنى الاية حرّمت عليكم الحرائر ذوات الأزواج الّا ما ملكت ايمانكم بالسبي و الاستيلاء عليهن فحينئذ لا يحتاج الى تخصيص المملوكة بالشراء او الإرث من حكم الحل لا قبل الشراء ليست من المحصنات بل من المملوكات بخلاف المسبية فانها كانت قبل السبي حرّة

كِتابَ اللّه عَلَيْكُمْ مصدر مؤكد اى كتب اللّه عليكم كتابا تحريم من ذكرن اخرج ابن جرير من طريق عبيدة عن عمر بن الخطاب فى قوله تعالى كِتابَ اللّه عَلَيْكُمْ قال الأربع و ابن المنذر من طريق ابن جريح عن ابن عباس قال واحدة الى اربع فى النكاح وَ أُحِلَّ لَكُمْ قرأ ابو جعفر و حمزة و الكسائي و حفص على البناء للمفعول و الباقون على البناء للفاعل و ضمير الفاعل راجع الى اللّه تعالى فى كتاب اللّه معطوف على حرّمت او على فعل مضمر الذي نصب كتاب اللّه

فان قيل العطف يقتضى المشاركة و جملة كتاب اللّه مؤكد لما سبق من التحريم فما وجه مشاركة هذه الجملة معها فى التوكيد

قلنا تحليل ماوراء ذلك يؤكد تحريم ذلك

فان قيل على تقدير العطف على حرمت اىّ نكتة فى إيراد حرمت مجهولا و أحل معروفا على قراءة الجمهور

قلنا التحليل انعام بخلاف التحريم فصرح بإسناد الانعام الى ذاته دون اسناد التحريم ما وَراءَ ذلِكُمْ يعنى ما سوى المحرمات المذكورات فى الآيات السابقة و خصّ عنه بالسنة و الإجماع و القياس ما ذكرنا من المحرمات فى الشرح و ما فوق الأربع من النساء أَنْ تَبْتَغُوا اى تبتغوهن يعنى ما وراء ذلكم من النساء بِأَمْوالِكُمْ بنكاح او باشتراء مُحْصِنِينَ حال من فاعل تبتغوا اى حال كونكم متعففين فان العفة تحصين الفرج عن الفاحشة و النفس عن اللوم و العقاب غَيْرَ مُسافِحِينَ حال بعد حال و السفاح الزنى من السفح و هو صبّ المنى فانه الغرض منه دون بقاء النسل و قوله أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ بدل اشتمال من قوله ما وَراءَ ذلِكُمْ لان المقصود بإسناد الحل الى ما وَراءَ ذلِكُمْ ليس الّا ابتغاءهن بالأموال حلالا فان النساء ما وراء المحرّمات المذكورات لا تحل لاحد مطلقا بل مقيدا بنكاح صحيح «١» او بملك يمين و هو المراد بالابتغاء بالأموال كما ان «٢» فى قواك أعجبني زيد علمه ليس المقصود بالإسناد ذات زيد

(١) و من هاهنا يظهران قوله تعالى وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ليس بعلم يدل على حل كل امرأة غير المحرمات المذكورة و لا ظاهر فى جواز كل ابتغاء بالمال بل هو مجمل منه ما هو نكاح صحيح موجب للاحصان و منه ما هو سفاح مما ثبت بالسنة او الإجماع من شرائط النكاح كالشهادة او الإعلان و الولي و نحو ذلك التحقق بيانا لمجمل الكتاب فلا يرد ما قيل ان اشتراط الشهادة و نحوها يلزم فيه الزيادة على الكتاب او تخصيص الكتاب بخبر الآحاد منه رحمه اللّه.

(٢) فى الأصل كما ان فى ان قولك.

بل علمه و جاز ان يكون قوله ان تبتغوا متعلّقا بقوله احلّ لكم بتقدير الباء يعنى أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ بسبب أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ بنكاح او باشتراء فعلى هذا يظهران المهر من لوازم النكاح لتقييد الاحلال به و يدل على ذلك قوله تعالى وَ امْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ لدلالته على ان النكاح بلا مهر من خصائص النبي صلى اللّه عليه و سلم و كان القياس عدم صحة النكاح عند انعدام التسمية لكنا تركنا القياس لقوله تعالى لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً فانها تدل على صحّة النكاح بغير التسمية فقلنا ان المهر من لوازم النكاح و أحكامه و ليس من شرائطه ذكره و عليه انعقد الإجماع لكن عند الشافعي ان تزوج و لم يسم لها مهرا او تزوج على ان لا مهر لها و مات عنها قبل ان يدخل بها لا يجب لها المهر و عند الجمهور يجب لها مهر المثل كما يجب بالدخول اجماعا لنا ان المهر وجب حقّا للشرع لما ذكرنا من تقييد الحل بالابتغاء بالأموال و لان الباء للالصاق فاللّه سبحانه أحل الابتغاء ملصقا بالمال فالقول بتراخيه الى وجود الوطي كما قاله الشافعي فى المفوضة ترك العمل بمضمون الباء و لحديث علقمة انه سئل ابن مسعود عن رجل تزوج امراة و لم يفرض لها شيئا و لم يدخل بها حتى مات فقال ابن مسعود لها مثل صداق نساءها لاوكس و لا شطط و عليها العدة و لها الميراث فقام معقل بن سنان الأشجعي فقال قضى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى بروع بنت و أشق امراة منا مثل ما قضيت ففرح بها ابن مسعود رواه ابو داؤد و الترمذي و النسائي و الدارمي قال البيهقي جميع روايات هذا الحديث و أسانيدها صحاح

فان قيل لو كان المهر من لوازم النكاح لزم ثبوته فى المفوضة ان طلقت قبل الدخول ايضا و لم يقل به أحد غير احمد فى بعض الروايات عنه حيث قال يجب نصف مهر المثل و الأصح عنه كقول الجمهور انه لا يجب

قلنا المتعة لها عوض عن نصف المهر و لذا

قلنا بوجوب المتعة لها-

(مسئلة) اختلفوا فيما إذا تزوج بشرط ان لا مهر لها فقال مالك لا يصح هذا النكاح لانه عقد معاوضة كالبيع و البيع بشرط ان لا ثمن لا يصح اجماعا فكذا النكاح

قلنا ليس النكاح عقد معاوضة و انما وجب المهر حكما شرعا إظهارا لشرف المحل و لو كان عقد معاوضة كالبيع لما صح النكاح عند ترك التسمية كما لا يصح البيع عند ترك ذكر الثمن فالشرط بان لا مهر شرط فاسد و به لا يفسد النكاح و يلغوا لشرط و الثمن ركن فى البيع لا يصح البيع بدونه فافترقا- فائدة:- هذه الاية تقتضى ان المهر لا بد ان يكون مالا لان الحلّ مقيّد بالابتغاء بالأموال و المنافع المعلومة ملحق بالأموال شرعا و لذا جازت الاجارة بالنصوص و الإجماع مع انها بيع المنافع و كان القياس يأبى عن جوازها لان المعقود عليه و هى المنفعة ليست بمال و ايضا هى معدومة و اضافة التمليك الى ما سيوجد لا يصح لكن الشرع اعتبرها ما لا و جوز الاجارة لمكان الحاجة و اقام ما ينتفع به اعنى الدار مثلا فى اجارة الدار مقام المنفعة فى حق اضافة العقد و اعتبار وجوده و لما ظهر كون المنافع ملحقا بالأموال-

(مسئلة) جاز ان ينكح على سكنى داره و خدمة عبده و ركوب دابته و الحمل عليها و زراعة ارضه و نحوها من منافع الأعيان مدة معلومه لان الحاجة الى النكاح متحقق كالحاجة الى الاستيجار و إمكان الدفع ثابت بتسليم محالها فصار هو ابتغاء بالمال-

(مسئلة) و لو نكح ان يخدمها بنفسه سنة قال محمد يجب قيمة الخدمة لان المسمى يلحق بالأموال الا ان خدمة الزوج للزوجة تناقض مقتضى عقد النكاح لان مقتضاه المالكية و الخدمة من مقتضيات المملوكية فاذا عجز عن تسليم المسمى وجب قيمته و عند ابى حنيفة و ابى يوسف يجب مهر المثل لان اعتبار المنافع مالا انما كان عند إمكان التسليم فاذا امتنع للمناقضة لم يعتبر مالا فلم يصح فوجب مهر المثل-

(مسئلة) و لو نكح على خدمة حرّ اخر يصح و يجب على الزوج قيمتة الخدمة اتفاقا ان لم يرض ذلك الرجل او كانت الخدمة تستدعى مخالطتها مع رجل اجنبى

(مسئلة) و لو نكح على ان يرعى الزوج غنمها او يزرع ارضها لم يجز فى رواية لانه من باب الخدمة و الصحيح انه جاز ذلك لانه لم يتمحض لها خدمة إذ العادة اشتراك الزوجين فى القيام على مصالح مالهما و يدل على صحته قصّة موسى و شعيب عليهما السّلام من غير بيان ففيه فى شرعنا روى احمد و ابن ماجة عن عتبة بن المنذر قال كنا عند رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقرا طسم حتى بلغ قصّة موسى فقال ان موسى اجر نفسه ثمان سنين او عشرا على عفة فرجه و طعام بطنه لكن هذه القصّة لا يصلح حجة الا إذا كان الغنم ملكا للبنت دون شعيب عليه السلام و الظاهر خلافه

(مسئلة) و لو نكح على تعليم سورة من القران جاز عند مالك و الشافعي و هى رواية عن احمد و لم يجز عند ابى حنيفة و احمد فيجب عندهما مهر المثل و هذا الاختلاف مبنى على اختلافهم فى جواز الاستيجار على القرب كالحج و الاذان و تعليم القران و نحو ذلك فمن جوّز الاستيجار عليها جوّز جعلها مهرا فى النكاح لانها من المنافع التي ألحقت بالأموال شرعا و من لم يجوّز الاستيجار لم يجوّز جعلها مهرا و للشافعى فى اثبات جواز جعل القران مهرا طريقان أحدهما الاحتجاج على جواز الاستيجار على القرب مطلقا و ثانيهما الاحتجاج على خصوصية هذه المسألة اعنى جعل تعليم القران مهرا و له فى الطريق الاول حديثان أحدهما عن ابى سعيد ان ناسا من اصحاب النبي صلى اللّه عليه و سلم أتوا على حى من احياء العرب فلم يقروهم فبيناهم كذلك إذ لدغ سيّد أولئك فقال معكم من دواء أوراق فقال انكم لم تقروا و لن نفعل حتى تجعلوا لنا جعلا فجعلو لهم «١» قطيعا من الشاء فجعل يقرا بام القران و يجمع بزاقه و يتفل فبرا فاتوا بالشاء و قالوا لا نأخذ حتى نسئل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فسالوه فضحك و قال و ما يدريك انها رقية خذوها و اضربوا لى بسهم ثانيهما عن ابن عباس ان نفرا من اصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مرّوا بماء فيه لديغ او سليم «٢» فعرض لهم رجل من اهل الماء فقال هل فيكم راق ان فى الماء رجلا لديغا او سليما فانطبق رجل فجاء فقرا بفاتحة الكتاب فبرأ فجاء بالشاء الى أصحابه فكرهوا ذلك و قالوا أخذت على كتاب اللّه اجرا حتى قدموا المدينة فقالوا يا رسول اللّه أخذ على كتاب اللّه اجرا فقال عليه السلام ان احقّ ما أخذتم عليه اجرا كتاب اللّه و فى رواية أصبتم و اضربوا لى معكم سهما الحديثان فى الصحيحين و روى احمد و ابو داود نحو ذلك عن خارجة بن الصلت عن عمه و أجيب عن هذين الحديثين بان القوم كانوا كفارا جاز أخذ أموالهم و بان الرقية ليست قربة محضة جاز أخذ الاجرة عليها و للشافعى فى الطريق الثاني حديث سهل بن سعد ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم جاءته امراة فقالت يا رسول اللّه انى وهبت نفسى لك فقامت طويلا فقام رجل فقال يا رسول

(١) فى الأصل فجعلوهم.

(٢) السليم اللديغ سمى به تفولا منه رح.

اللّه زوّجنيها ان لم يكن لك فيها حاجة فقال هل عندك من شى ء تصدقها قال ما عندى الا إزاري هذا قال التمس و لو خاتما من حديد فالتمس فلم يجد شيئا فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم هل معك من القران شى ء قال نعم سورة كذا و سورة كذا فقال قد زوّجتكها بما معك من القران و فى رواية فانطلق فقد زوّجتكها فعلمها من القران متفق عليه و أجيب عن هذا الحديث بانه كما انه كان من خصائص النبي صلى اللّه عليه و سلم ان ينكح امراة بلا مهران وهبت نفسها له كذلك كان له ان يزوجها غيره بلا مهر بعد ما وهبت نفسها له روى ابن الجوزي عن مكحول ان رسول اللّه صلى عليه و سلم زوّج رجلا على ما معه من القران قال و كان مكحول يقول ليس ذلك لاحد بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و كذا ذكر الطحاوي عن ليث انه قال لا يجوز هذا بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و أجاب ابن الجوزي عن هذا الحديث بانه كان لضرورة الفقر فى اوّل الإسلام، قلت هذا كانّه ادعاء نسخ و النسخ لا يثبت بمجرد الاحتمال و كذا كونه من الخصائص، و لابى حنيفة و من معه فى اثبات ما ادّعوه طريقان أحدهما الاحتجاج على عدم جواز الاستيجار للقرب و ثانيها فى خصوصية عدم صلوح التعليم مهرا و لهم فى الطريق الاول أحاديث منها حديث عبادة بن الصامت قال علّمت ناسا من اصحاب الصّفة الكتابة و القرآن فاهدى الىّ رجل منهم قوسا فقلت ارمى عليها فى سبيل اللّه فسالت النبي صلى اللّه عليه و سلم فقال ان يسرّك ان تطوق طوقا من نار فاقبلها رواه احمد و ابو داؤد و فيه المغيرة قال ابن الجوزي ضعيف و منها حديث ابى بن كعب قال علّمت رجلا القران فاهدى لى قوسا فذكرت ذلك لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال ان أخذتها أخذت قوسا من نار فرددتها رواه ابن الجوزي و منها حديث عبد الرحمن بن سهل الأنصاري قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول اقرءوا «١» القران و لا تغلوا «٢» فيه و لا تجفوا «٣» عنه و لا تأكلوا به و لا تستكبروا به رواه الطبراني و منها حديث مطرف بن عبد اللّه ان عثمان بن ابى العاص قال يا رسول اللّه اجعلنى امام قومى قال اقتد باضعفهم و اتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه اجرا رواه احمد و لهم فى؟؟؟ السائق الثاني انا لو سلمنا جواز الاستيجار على القرب فتعليم القرآن خاصة لا يجوز الاستيجار عليه لان من شرائط صحة الاجارة كون العمل معلوما او الوقت معلوما و التعليم قد يحصل بقليل العمل و قد يحصل بكثيره و ايضا التعليم يتوقف على وصف فى المتعلّم و ذلك

(١) فى الأصل اقرأ القران.

(٢) قوله لا تغلوا اى لا تجاوزوا الحد قال فى النهاية انما قال ذلك لان من أخلاقه و آدابه التي امر بها القصد فى الأمور و خير الأمور أوساطها و كلا طرفى قصد الأمور ذميم منه رحمه اللّه-.

(٣) لا تجفوا اى تعاهدوه و لابتعدوا عن تلاوته و الجفاء البعد عن الشي ء نهاية منه رحمه اللّه-.

ليس فى وسع المعلم فلا يجوز الاستيجار عليه و إذا ظهر عدم جواز الاستيجار عليه ظهران الشرع ما الحقه بالأموال فلا يجوز جعله مهرا لتقتييد الاحلال بابتغاء النساء بالأموال، و حديث سهل بن سعد حديث احاد لا يجوز العمل به فى مقابلة نصّ الكتاب اعنى قوله تعالى أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ

قال البيضاوي قوله تعالى أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مفعول له لقوله تعالى احلّ لكم يعنى ليس قيدا للاحلال و المعنى أحل لكم ماوراء ذلكم ارادة ان تبتغوا النساء باموالكم بالصرف فى مهورهن او أثمانهن فى حال كونكم محصنين غير مسافحين و انما قدر البيضاوي المضاف ليكون المفعول له فعلا لفاعل «١» الفعل المعلل له و الصحيح انه لا حاجة الى تقدير المضاف لان حذف حرف الجر مع ان و انّ قياس فجاز ان يقدر اللام من غير اشتراط اتحاد الفاعل ثم

قال البيضاوي نظرا الى هذا التأويل انه احتج به الحنفية على ان المهر لا بدّ ان يكون مالا و لا حجة فيه و معنى قوله لا حجة فيه ان التحليل لفائدة عدم صرف الأموال فى السّفاح الموجب لخسران الدنيا و الآخرة لا يقتضى ان لا يحصل التحصيل بدون المال، قلت هذا التأويل يقتضى كون حل ماوراء المحرمات مطلقا و ان لا يكون قوله ان تبتغوا قيدا له و ليس كذلك لظهور ان الحل مقيد بالنكاح او ملك اليمين و كون المهر لا بد ان يكون مالا امر مجمع عليه حتى ان من نكح على ميتة او تراب او رماد مثلا مما ليس بمال يجب عليه مهر المثل اجماعا كمن نكح بلا مهر و انما جوّز الشافعي النكاح على تعليم سورة من القران الحاقا له بالمال كما جوّز الاستيجار عليه و قد ذكرنا ما له و ما عليه فالتأويل الصحيح هو الذي ذكرنا الذي يستنبط بها المسائل المجمع عليها و اللّه اعلم-

(مسئلة) من أعتق امة و جعل عتقها صداقها بان قال اعتقتك على ان تزوجنى نفسك بعوض العتق صح العتق بالإجماع و قال احمد ان كان هذا بحضرة شاهدين صح النكاح لقصّة نكاح صفية و عنه لا يصح كقول الجمهور و هى بالخيار فى تزويجه فان تزوجته فلها مهر مثلها عند الجمهور خلافا لابى يوسف و سفيان الثوري لهما الحديث الصحيح انه صلى اللّه عليه و سلم تزوج صفية و جعل عتقها صداقها و قصّة جويرية فى سبايا بنى

(١) فى الأصل للفاعل.

المصطلق انها وقعت فى سهم ثابت بن قيس و ابن عمّ له فكاتبها فجاءت الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم تستعينه فى كتابتها فقال لها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أقضي عنك كتابتك و أتزوجك قالت نعم قال قد فعلت رواه احمد و ابو داؤد من حديث عائشة

قلنا انه نكاح بغير مال إذ رقبة الامة لا تصير ملكها فصار حكمه حكم نكاح بلا مهر فيجب مهر المثل و الحديث لا يصلح حجة لان النكاح بلا مهر كان من خصائص النبي صلى اللّه عليه و سلم لقوله تعالى خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ و ان أبت ان تتزوجه يجب على الامة السعاية فى قيمتها عند ابى حنيفة و الشافعي و ابى يوسف و محمد و قال مالك و زفر لا يجب عليها السّعاية وجه قول ابى حنيفة و صاحبيه و الشافعي ان المولى اجعل العتق عوضا من البضع فاذا أبت عن التزويج بقي العتق بلا عوض و لم يرض به المولى فوجب السعاية عليها كما إذا أعتق على خدمة سنة فمات المولى يجب على العبد قيمة نفسه عند ابى حنيفة و ابى يوسف و قيمة الخدمة عند محمد و وجه قول مالك و زفران العتق لمّا لم يصلح عوضا عن النكاح فبقى العتق بغير عوض فلا سعاية عليها ان أبت كما لا سعاية عليها ان اجابت و هذا القول اظهر،

(مسئلة) اكثر المهر لاحد له اجماعا لما ذكرنا فى تفسير قوله وَ آتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً و اختلفوا فى اقل المهر فقال الشافعي و احمد لاحد لاقل المهر فكل ما جاز ان يكون ثمنا فى البيع جاز ان يكون صداقا فى النكاح و الحجة لهما اطلاق قوله تعالى أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ و قال ابو حنيفة و مالك اقل المهر مقدر شرعا و هو ما يقطع فيه يد السّارق مع اختلافهما فى قدر ذلك فعند ابى حنيفة عشرة دراهم او دينار و عند مالك ربع دينار او ثلثة دراهم احتج ابو حنيفة و مالك على كونه مقدرا من اللّه تعالى بقوله تعالى قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ قالوا الفرض هو التقدير فكان المهر مقدرا شرعا فمن لم يجعله مقدرا كان مبطلا للكتاب و أسند التقدير الى نفسه فمن جعل التقدير مفوضا الى العبد كان مبطلا لموجب ضمير المتكلم

قلنا هذه الاية فى النفقة دون المهر قال اللّه تعالى قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ وَ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ إذ ليس للمملوكة مهر و لو ثبت بهذه الاية تقدير المهر لزم تقدير الثمن فى المملوكة ايضا و لم يقل به أحد و احتج الشافعي لعدم التقدير بأحاديث منها ما ذكرنا من حديث سهل بن سعد و فيه التمس و لو خاتما من حديد و هو حديث صحيح و منها حديث عامر بن ربيعة ان امراة من فزارة تزوجت على نعلين فقال لها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أ رضيت من نفسك و مالك بنعلين قالت نعم فاجازه رواه الترمذي و صححه و قال ابن الجوزي لا يصح لان فى سنده عاصم بن عبيد اللّه قال يحيى بن معين ضعيف لا يحتج بحديثه قال ابن حبان كان فاحش الخطا فترك و منها حديث جابر بن عبد اللّه ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال لو ان رجلا اعطى امراة صداقها ملا يده طعاما كانت له حلالا و فى رواية بلفظ من اعطى فى نكاح ملا كف فقد استحل قال من دقيق او طعام او سويق رواه الدارقطني و روى ابو داود بلفظ ملا كفيه سويقا او تمرا و فى جميع طرقه صالح بن مسلم بن رومان ضعّفه يحيى و الرازي و ذكر فى بعض طرقه موسى بن مسلم مكان صالح بن مسلم و لا يعرف موسى و رواه الدارقطني من حديث عبد اللّه بن مؤمل عن ابى الزبير عن جابر قال كنا تنكح المرأة على الحفنة و الحفنتين قال احمد أحاديث ابن المؤمل منكر و قال يحيى هو ضعيف و منها حديث ابى سعيد الخدري عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انكحوا الأيامى وادوا العلائق قيل ما العلائق بينهم يا رسول اللّه قال ما تراضى عليه الأهلون و لو قضيب من أراك رواه الدارقطني من طريق إسماعيل بن عياش عن برد بن سنان عن ابى هارون العبدى عنه و اسمعيل بن عياش ضعّفوه قال ابن حبّان خرج عن الاحتجاج به و ابو هارون العبدى اسمه عمارة ابن جون قال حماد بن زيد كان كذابا و قال احمد ليس بشى ء و قال شعبة ان اقدم فيضرب عنقى احبّ الى من ان أحدث عنه قال السعدي كذاب مفتر و روى الدارقطني و البيهقي نحوه من طريق محمد بن عبد الرحمن السلماني عن أبيه عن ابن عباس و قيل عن ابن عمر رواه الدارقطني و الطبراني و قال يحيى بن معين محمد بن عبد الرحمن ليس بشى ء و قال ابن حبان حدث عن أبيه بنسخه شبيها بماتى حديث كلها موضوعة و أخرجه البيهقي من حديث عمر و اسناده ضعيف ايضا، و رواه ابو داود فى المراسيل من طريق عبد الملك بن المغيرة الطائفي عن عبد الرحمن السليماني مرسلا حكى عبد الحق المرسل أصح و روى البيهقي عن يحيى بن عبد الرحمن عن أبيه عن جدّه من استحل بدرهم فقد استحل و أخرجه ابن شاهين بلفظ يستحل النكاح بدرهمين فصاعدا و احتج ابو حنيفة بحديث جابر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الا لا يزوج النساء الا الأولياء و لا يزوجن الا من الأكفاء و لا مهر اقل من عشرة دراهم رواه الدارقطني و البيهقي قال ابن الجوزي روينا هذا الحديث من طرق مدارها على مبشر بن عبيد قال ابن حنبل مبشر ليس بشى ء أحاديثه موضوعات كذب يضع الحديث و قال الدارقطني يكذب و قال ابن حبان يروى عن الثقات الموضوعات قال ابن همام لهذا الحديث شاهد يعضده و هو ما روى عن على موقوفا لا يقطع اليد فى اقل من عشرة دراهم و لا يكون المهر اقل من عشرة دراهم و قال محمد بلغنا ذلك عن على و عبد اللّه بن عمرو عامر و ابراهيم و رواه بإسناده الى جابر فى شرح الطحاوي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لكن فى حديث على داود الأزدي عن الشعبي عن على قال يحيى بن معين داود ليس حديثه بشى ء قال ابن حبان كان داود يقول بالرجعة ثم ان الشعبي لم يسمع عن على و فى بعض طرقه غياث بن ابراهيم قال احمد و البخاري و الدارقطني غياث بن ابراهيم متروك و قال يحيى كان كذابا و قال ابن حبان يضع الحديث و قد روى عن على لا مهر اقل من خمسة دراهم و فيه الحسن بن دينار قال احمد لا يكتب حديثه و قال يحيى ليس بشى ء و قال ابو حاتم كذاب قلت فظهران حديث التقدير بعشرة دراهم لم يصح بل صح ما ليضاده و هو حديث سهل بن سعد و لو صح حديث التقدير بعشرة لم يجز به الزيادة على الكتاب المفيد للاطلاق و ما قيل ان المهر وجب حقا للشرع و سببه اظهار الخطر للبضع و مطلق المال لا يقتضى الخطر كحبة حنظة و كسرة خبز فهو تعليل يعود على النص بالابطال فى موجبه و هو الإطلاق فيرد و اللّه اعلم فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ قال جماعة المراد بالاستمتاع عقد المتعة و هى عقد يراد بها ملك البضعة الى مدة معينة بمهر معين بانت المرأة بعد انقضاء تلك المدة بلا طلاق و تستبرئ رحمها و ليس بينهما ميراث و لا تسمى المرأة بها زوجة و لا الرجل زوجا روى عبد الرزاق فى مصنفه عن ابن جريح عن عطاء عن ابن عبّاس انه كان يراها الان حلالا و يقرا فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ قال و قال ابن عباس و فى حرف ابى بن كعب الى أجل مسمى قال و كان يقول يرحم اللّه عمر ما كانت المتعة الا رحمة من اللّه يرحم اللّه بها عباده و لو لا نهى عمر ما احتيج الى الزنى ابدا و روى ابن عبد البر انه سئل ابن عباس عن المتعة أ سفاح هى أم نكاح قال لا نكاح و لا سفاح قيل فما هى قال المتعة كما قال اللّه تعالى قلت و هل عليها حيضة قال نعم قلت و يتوارثان قال لا و روى تحليلها عن جماعة من الصحابة روى النسائي و الطحاوي عن اسماء بنت ابى بكر قالت فعلناها على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و روى مسلم عن جابر قال تمتعنا على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و ابى بكر و صدر خلافة عمر و لما كان اخر خلافة عمر نهانا عنها فلم نعد و روى الطحاوي عنه و عن سلمة بن الأكوع ان النبي صلى اللّه عليه و سلم أتاهم فاذن فى المتعة و فى الصحيحين عن ابن مسعود قال رخص لنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان ننكح المرأة الى أجل مسمى ثم قرا يعنى ابن مسعود يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللّه لَكُمْ و هذه الآثار لا تمنع كونها منسوخة غير اثر ابن عباس و قراءة ابن مسعود يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللّه لَكُمْ و روى عبد الرزاق فى مصنفه عن معاوية انه استمتع بامراة بالطائف و ذكر عمرو بن شيبة فى اخبار المدينة بإسناده ان سلمة بن امية استمتع بامراة فبلغ ذلك عمر فتوعده و روى عبد الرزاق فى مصنفه عن معبد بن امية حل المتعة قال الحافظ و افتى بها من التابعين ابن جريح و طاءوس و عطاء و اصحاب ابن عباس و سعيد بن جبير و فقهاء مكة و لهذا قال الأوزاعي فيما رواه الحاكم عنه فى علوم الحديث يترك من قول اهل الحجاز خمس فذكر منها متعة النساء من قول اهل مكة و إتيان النساء فى أدبارهن من قول اهل المدينة

(مسئلة) و الإجماع انعقد على عدم جواز المتعة و تحريمها لا خلاف فى ذلك فى علماء الأمصار الا من طائفة من الشيعة و الحجة على تحريم المتعة قوله تعالى وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ، إذ لا شك ان المرأة بالمتعة لا تسمّى زوجة و لذا لا توارث بينهما فان كان تأويل الاية على ما قال ابن عباس فالاية منسوخة روى مسلم عن الربيع بن سبرة بن معبد الجهني ان أباه حدّثه انه كان مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال يايّها الناس انى كنت أذنت لكم فى الاستمتاع من النساء و ان اللّه قد حرم ذلك الى يوم القيامة فمن كان عنده شى ء منهن فليخل سبيله و لا تأخذوا ممّا اتيتموهن شيئا و روى مسلم ايضا عنه قال اذن لنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بالمتعة فانطلقت انا و رجل الى امراة من بنى عامر كانها بكرة عيطاء فعرضنا عليها أنفسنا فقالت ما تعطينى فقلت ردائى و قال صاحبى ردائى و كان رداء صاحبى أجود من ردائى و كنت أشبّ منه فاذا نظرت الى رداء صاحبى أعجبها و إذا نظرت الى اعجبتها ثم قالت أنت و رداءك يكفينى فمكثت معها ثلاثا ثم ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال من كان عنده شى ء من النساء التي يتمتع بهنّ فليخلّ سبيلها و روى ابن ماجة بإسناد صحيح عن عمر انه خطب فقال ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اذن لنا فى المتعة ثلاثا ثم حرّمها و اللّه لو اعلم أحدا تمتع و هو محصن الا رجمته بالحجارة و فى رواية خطب عمر فقال ما بال رجال ينكحون هذه المتعة و قد نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عنها لا اوتى أحد نكحها الا رجمته و سئل ابن عمر عن المتعة فقال حرام فقيل له ابن عباس يفتى بها قال فهلّا تزمزم بها فى زمان عمر و روى مسلم عن سلمة بن الأكوع قال رخص لنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عام أوطاس ثلاثا ثم نهانا عنها و روى مسلم عن سبرة بن معبد أمرنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عام الفتح حين دخلنا مكة ثم لم يخرج منها حتى نهانا عنها

و اخرج الحازمي بسنده عن جابر قال خرجنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الى غزوة تبوك حتى إذا كنا عند العقبة مما يلى الشام جاءت نسوة فذكرنا تمتعنا و هن تظعن فى رحالنا فجاء رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فنظر إليهن فقال من هؤلاء النسوة فقلنا يا رسول اللّه نسوة تمتعنا بهن قال فغضب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حتى احمرت و جنتاه و تمعر وجهه و قام فينا خطيبا فحمد اللّه و اثنى عليه ثم نهى عن المتعة فتواد عنا يومئذ الرجال و النساء فلم نعد و لا نعود اليه ابدا و روى الطحاوي عن ابى هريرة قال خرجنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى غزوة تبوك فنزل ثنية الوداع فراى مصابيح و نساء يبكون فقال ما هذا فقيل نساء تمتع بهن ازواجهنّ و فارقوهن فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان اللّه حرم و أهدر المتعة بالطلاق و النكاح و العدة و الميراث و فى لفظ عند الدارقطني بإسناد حسن هدم المتعة بالطلاق و العدة و الميراث و روى البخاري و مسلم عن الحسن و عبد اللّه ابني محمد بن على عن أبيهما عن على انه سمع ابن عباس يلين فى متعة النساء فقال مهلا يا ابن عباس فان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم نهى عنها يوم خيبر و عن أكل لحوم الحمر الانسية و فى رواية عن على انه قال لابن عباس انك رجل تائه و روى مسلم عن عروة بن الزبير ان عبد اللّه بن الزبير قام بمكة فقال ان ناسا أعمى اللّه قلوبهم كما أعمى أبصارهم يفتون بالمتعة يعرض برجل يعنى ابن عباس فانه ذهب بصره فى آخر عمره فناداه يعنى ابن عباس فقال انك لجلف «١» جاف فلعمرى لقد كانت المتعة تفعل على عهد امام المتقين يريد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال له ابن الزبير فجرب بنفسك فو اللّه لان فعلتها لارجمنك باحجارك

(١) الجلف الأحمق و معناه الحقيقي الشاة المسلوخة التي قطع رأسها و قوائمها و يقال للدنى ايضا شبه الأحمق بهما و الجفا البعد عن الشي ء منه رحمه اللّه.

فقال ابن ابى عمرة الأنصاري انها كانت رخصة فى اوّل الإسلام لمن اضطر إليها كالميتة و الدّم و لحم الخنزير ثم احكم اللّه الدّين و نها عنها

و اخرج البيهقي عن الزهري انه قال ما مات ابن عباس حتى رجع عن فتواه بحل المتعة و كذا ذكر ابو عوانة فى صحيحه،

و اخرج ابو داود فى ناسخه و ابن المنذر و النحاس من طريق عطاء عن ابن «١» عطفى هذه الاية قال نسخها يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ...، وَ الْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ ...، وَ اللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ الاية و كذا روى البيهقي و غيره عن ابن مسعود و ابو داود و البيهقي عن سعيد بن المسيّب قال نسخت اية الميراث المتعة و روى الترمذي عن ابن عبّاس انه قال انما كانت المتعة فى اوّل الإسلام كان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة فيتزوج المرأة بقدر ما يرى انه مقيم فتحفظ له متاعه و تصلح له شيئه حتى إذا نزلت الآية إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ قال ابن عباس فكل فرج سواهما فهو حرام قلت لعل ابن عباس انما رجع عن فتواه بعد مناظرة ابن الزبير و غيره من العلماء حين اطلع على حقيقة الأمر و ظهر كونها منسوخة و قد حكى انه انما كان يفتى بإباحتها حالة الاضطرار و العنت فى الاسفار لما روى الحارمى من طريق الخطابي عن ابى المنهال عن سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس سارت بفتياك الركبان و قال فيها الشعراء فقال ما قالوا قلت قالوا قد قلت للشيخ لما طال محبسه يا صاح هل لك فى فتوى ابن عباس هل لك فى رخصة الأطراف أنسة يكون مثواك حتى يصدر الناس، فقال سبحان اللّه ما بهذا أفتيت و ما هى الّا كالميتة و الدم و لحم الخنزير لا يحل الا للمضطر و كذا روى ابن المنذر فى تفسيره و البيهقي فى سننه بلفظ إِنَّا للّه وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ لا و اللّه ما بهذا أفتيت و لا هذا أردت و لا احللتها الا للمضطر انتهى، و ابن جريج ايضا رجع عن فتواه و روى ابو عوانة فى صحيحه عن ابن جريح انه قال بالبصرة اشهدوا انى قد رجعت عنها يعنى عن الفتوى بحل المتعة بعد ان حدثهم ثمانية عشر حديثا انه لا بأس به

فان قيل وقع فى بعض روايات مسلم الرخصة

(١) هكذا فى الأصل لعله ابن عباس.

بالمتعة و تحريمها عام أوطاس و فى بعضها حرّمها يوم الفتح و فى الصحيحين حرمها يوم خيبر و فى بعض الروايات و رود النهى فى غزوة تبوك فكيف التوفيق

قلنا غزوة أوطاس كان مقارنا بالفتح فعام أوطاس و يوم الفتح واحد و التوفيق بين يوم الفتح و يوم خيبر ان المتعة رخصت فيها مرتين ثم نسخت كل مرة و استقر الأمر على التحريم الى يوم القيامة كذا قال ابن همام و فى صحيح مسلم باب نكاح المتعة و انه أبيح ثم نسخ ثم أبيح ثم نسخ و استقر تحريمه الى يوم القيامة و

قال البغوي قال الربيع بن سليمان سمعت الشافعي يقول لا اعلم فى الإسلام شيئا أحل ثم حرم ثم أحل ثم حرم غير المتعة و قال بعضهم نسخت ثلاث مرات و قيل اكثر و اما غزوة تبوك فلم يرد هناك رخصة و انما فعل من فعل هناك بناء على عدم علمهم بالتحريم المؤبد و من ثم غضب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حتى تمعر وجهه و خطب و نهى عن المتعة و قال الحارمى انه صلى اللّه عليه و سلم لم يكن أباحها لهم قط و هم فى بيوتهم و أوطانهم و انما أباحها لهم فى اوقات بحسب الضرورات حتى حرّمها عليهم فى اخر سنينه فى حجة الوداع و كان تحريمه تابيدا يعنى بين الحرمة فى اخر سنينه فى حجة الوداع حتى استقر عليه الأمر و اللّه اعلم و قال اكثر المفسرين المتعة ليست مرادة من هذه الاية بل معنى قوله فما استمتعتم به منهن ما انتفعتم و تلذدتم بالجماع من النساء بالنكاح الصحيح فاتوهن أجورهن اى مهوهن كذا قال الحسن و مجاهد

و اخرج ابن جرير و ابن المنذر و ابن ابى حاتم عن ابن عباس قال الاستمتاع النكاح و هو قوله وَ آتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً،

(مسئلة) قيل هذه الاية بهذا التأويل تدل على ان المرأة لا تستحق المهر الا بالدخول فهى حجّة لمالك حيث قال المرأة لا تملك الصداق الا بالدخول او الموت دون العقد و انما تستحق بالعقد نصف المسمى خلافا للجمهور فعندهم تملك بالعقد لكن يسقط نصف المهر بالطلاق قبل الدخول بالنص

قلنا الباء فى قوله تعالى أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ للالصاق فهى تدل على لصوق وجوب المال بالابتغاء يعنى العقد و تنافى تراخيه الى الدخول كما ذكرنا ثمه و هذه الاية تدل على وجوب الأداء و عدم احتمال السقوط بالاستمتاع- و لا تدل على عدم الوجوب قبل ذلك بنفس العقد بل هو مسكوت عنه فى هذه الآية فلا تعارض بين الآيتين و لا حجة لمالك و إذا ملكت المهر بالعقد جاز لها ان تمنع الزوج من الدخول بها او يسافر بها حتى يؤدى مهرها و جاز اعتاقها لا اعتاقه عبدا سمى مهرا و اللّه اعلم، فَرِيضَةً حال من الأجور بمعنى مفروضة او صفة مصدر محذوف اى إيتاء

مفروضا او مصدر مؤكد اى فرض فريضة وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ فمن حمل ما قبله على المتعة قال معناه إذا عقد الى أجل بمال فاذا تم الاجل فان شاءت المرأة زادت فى الاجل و زاد الرجل فى الاجر و الا تفارقا و من حمل على الاستمتاع بالنكاح الصحيح قال المراد به لا جناح عليكم فيما تراضيتم به من ان تحطّ المرأة بعض المفروض عن الزوج او تهبه كله او يزيد الرجل لها على قدر المفروض،

(مسئلة) و هذه الاية تدل على ان الزيادة فى المهر تلحق بأصل العقد و كذا الحط فللمرءة ان يطالب الزيادة كما ان لها طلب اصل المهر فهى حجة على الشافعي حيث قال الزيادة هبة مستانفة ان قبضها مضت و ان لم يقبضها بطلت، وجه الاحتجاج ان الأمر لو كان كما قال الشافعي فلا فائدة فى هذه الاية و بناء على لحوق الزيادة بأصل المهر قال احمد ان مات الزوج او دخل بها يجب المهر كله مع الزيادة و ان طلقها قبل الدخول ينتصف الزيادة مع المسمى و كذا قال ابو حنيفة غير انه قال تسقط الزيادة بالطلاق قبل الدخول و لا ينتصف لقوله تعالى وَ إِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَ قَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ خصّ الوجوب بنصف المفروض فى العقد فقط و قال مالك الزيادة ثابتة ان دخل بها و ان طلقها قبل الدخول فلها نصف الزيادة مع نصف المسمى و ان مات قبل الدخول و قبل القبض بطلت،

(مسئلة) لو حطت المرأة بعض مهرها صح اتفاقا فلو وهبت اقل من النصف و قبض الباقي و طلقت قبل الدخول رجع الزوج عليها الى تمام النصف عند ابى حنيفة و عند ابى يوسف و محمد ينتصف المقبوض فقط إِنَّ اللّه كانَ عَلِيماً بالمصالح حَكِيماً (٢٤) فيما شرع من الاحكام.

﴿ ٢٤