٣١ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ قال على رضى اللّه عنه الكبيرة كل ذنب ختمه اللّه بنار او غضب او لعنة او عذاب و كذا قال الضحاك انه ما أوعد اللّه عليه حدا فى الدنيا او عذابا فى الاخرة قلت و الكبائر على ثلاثة مراتب، المرتبة الاولى و هى اكبر الكبائر الإشراك باللّه و يلتحق به كل ما فيه تكذيب بما جاء به النبي صلى اللّه عليه و سلم و ثبت بدليل قطعى امّا تكذيبا صريحا، بلا تأويل و يسمّى كفرا او بتأويل و يسمى هوى و بدعة كاقوال الروافض و الخوارج و القدرية و المجسمة و أمثالهم و من هاهنا قال على و ابن مسعود اكبر الكبائر الإشراك باللّه و الا من من مكر اللّه و القنوط من رحمة اللّه و اليأس من روح «١» اللّه قلت قال اللّه تعالى فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللّه إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ ...، وَ مَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ...، إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللّه إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ و المرتبة الثانية ما فيه إتلاف حقوق العباد من المظالم فى الدماء و الأموال و الاعراض قال سفيان الثوري الكبائر ما كان فيه المظالم بينك و بين العباد فانها اكبر ممّا بينك و بين اللّه تعالى لان اللّه كبير يغفر الذنوب جميعا كل شى ء بالنسبة اليه صغير قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اللّهم مغفرتك أوسع من ذنوبى و قال اللّه تعالى وَ رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ ءٍ عن عائشة قالت قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الدواوين عند اللّه ثلاثة فديوان لا يعبأ اللّه به شيئا و ديوان لا يترك اللّه منه شيئا و ديوان لا يغفر اللّه امّا الديوان الذي لا يغفره اللّه فهو الشرك و امّا الدّيوان الذي لا يعبأ اللّه به شيئا فظلم العبد نفسه فيما بينه و بين ربّه من صوم تركه او صلوة تركها فانّ اللّه تعالى يغفر ذلك (١) روى البزار و الطبراني فى الأوسط عن ابن عباس قال سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما الكبائر قال الشرك باللّه و الياس من روح اللّه و الامن من مكر اللّه منه رحمه اللّه-. و يتجاوز لمن يشاء و امّا الديوان الذي لا يترك اللّه منه شيئا فظلم العباد بعضهم بعضا القصاص لا محالة رواه احمد و الحاكم و روى الطبراني مثله من حديث سلمان و ابى هريرة و البزار مثله من حديث انس و عن انس بن مالك قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ينادى مناد من بطنان العرش يوم القيامة يا امة محمد ان اللّه عز و جل قد عفا عنكم جميعا المؤمنين و المؤمنات تواهبوا لمظالم و ادخلوا الجنّة برحمتي رواه البغوي و عن ابى بكرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى خطبته يوم النحر فى حجة الوداع ان دماءكم و أموالكم و اعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا فى بلدكم هذا فى شهركم هذا متفق عليه و رواه الترمذي و صححه عن عمرو بن الأحوص و عن اسامة بن شريك قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا حرج الأعلى رجل اقترض عرض مسلم و هو ظالم فذلك الذي حرج و أهلك رواه ابو داؤد و قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ «١» يُؤْذُونَ اللّه وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللّه فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ أَعَدَّ «٢» لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً وَ الَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِيناً، بيان للمرتبتين المذكورتين الكفر و الظلم على العباد و فى إيراد هذه الاية بعد قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ ...، (١) فى الأصل و الذين إلخ. (٢) فى الأصل و لهم عذاب مهين. وَ لا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ اشارة الى ان الظلم على اموال العباد و أنفسهم من أعظم الكبائر و الأحاديث الصحاح التي وردت فى عدّ الكبائر انما ورد فيها غالبا المظالم من حقوق العباد و الإشراك منها حديث انس و عبد اللّه بن عمرو قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الكبائر الإشراك باللّه و عقوق الوالدين و قتل النفس و اليمين الغموس فى رواية عبد اللّه عند البخاري و فى رواية انس و شهادة الزور بدل اليمين الغموس متفق عليه و روى ابن مردوية عن انس انها سبع و زاد و قذف المحصنة و أكل مال اليتيم و أكل الربوا و الفرار عن الزحف و منها حديث ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اجتنبوا السبع الموبقات قالوا يا رسول اللّه و ماهن قال الشرك باللّه و السحر و قتل النفس التي حرم اللّه الا بالحق و أكل الربوا و أكل مال اليتيم و التولي يوم الرجف و قذف المحصنات المؤمنات الغافلات متفق عليه و فى رواية زاد ابن راهويه و غيره عقوق الوالدين و الإلحاد بالبيت الحرام و منها حديث ابن مسعود قال قال رجل يا رسول اللّه اىّ الذنب اكبر عند اللّه قال ان تدعو للّه ندّا و هو خلقك قال ثم اىّ قال ان تقتل ولدك خشية ان بطعم معك قال ثم اىّ قال ان تزنى حليلة جارك فانزل اللّه تصديقها وَ الَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللّه إِلهاً آخَرَ وَ لا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّه إِلَّا بِالْحَقِّ وَ لا يَزْنُونَ الاية متفق عليه قيد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الزنى بحليلة الجار لان فيه إتلاف حق الجار و قد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لان يزنى الرجل بعشر نسوة أيسر عليه من ان يزنى بحليلة جاره رواه احمد عن المقداد بن اسود و رواته ثقات و رواه الطبراني عنه فى الكبير و الأوسط و منها حديث عبد اللّه بن عمرو عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال من اكبر الكبائر ان يسبّ الرجل والديه قال و كيف يسبّ الرجل والديه قال يسبّ أبا الرجل فيسبّ أباه و يسبّ امه فيسبّ امه رواه البغوي و غيره و منها حديث ابى بكرة قال قال النبي صلى اللّه عليه و سلم الا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثا قالوا بلى يا رسول اللّه قال الإشراك باللّه و عقوق الوالدين (و جلس و كان متكيا) الا و قول الزور الا و قول الزور الا و قول الزور فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت رواه البخاري، (فائدة) مبالغة النبي صلى اللّه عليه و سلم فى التهديد فى قول الزور لشمولها كثيرا من الكبائر الإشراك باللّه و شهادة الزور و اليمين الغموس و القذف و الدعوى الباطل و الكذب على النبي صلى اللّه عليه و سلم فانه صلى اللّه عليه و سلم قال من كذب على متعمدا فليتبوا مقعده من النار متفق عليه و الغيبة التي هى أشد من الزنى رواه البيهقي عن ابى سعيد و جابر مرفوعا و النميمة، عن عبد الرحمن ابن غنم و اسماء مرفوعا شرار عباد اللّه مشاؤن بالنميمة رواه احمد و مدح الفاسق عن انس مرفوعا إذا مدح الفاسق غضب الرب و اهتز له العرش رواه البيهقي و لعن من لا يستحقه فانه من لعن شيئا ليس له اهل رجعت اللعنة عليه رواه الترمذي عن ابن عباس و ابو داؤد عنه و عن ابى الدرداء مرفوعا و الطعن و الفحش عن ابن مسعود مرفوعا ليس المؤمن بالطعان و لا باللعان و لا الفاحش و لا البذي ء رواه الترمذي و غير ذلك من المعاصي و لذلك قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من يضمن لى ما بين لحييه و ما بين رجليه اضمن له الجنة رواه البخاري عن سهل بن سعد و روى مالك و البيهقي عن صفوان بن سليم مرسلا انه سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أ يكون المؤمن جبانا قال نعم قيل أ يكون بخيلا قال نعم قيل أ يكون كذابا قال لا و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اية المنافق ثلاث و ان صام و صلى و زعم انه مسلم إذا حدث كذب و إذا وعد اخلف و إذا اؤتمن خان رواه مسلم و البخاري نحوه و فى الصحيحين عن عبد اللّه بن عمرو مرفوعا اربع من كن فيه كان منافقا خالصا و من كان فيه خصلة كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا اؤتمن خان و إذا حدث كذب و إذا عاهد غدر و إذا خاصم فجروا للّه اعلم و المرتبة الثالثة من الكبائر ما يتعلق منها بحقوق اللّه تعالى كالزنى و الشرب، اخرج ابن ابى حاتم عن ابن عمرو انه سئل عن الخمر فقال سألت عنها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال هى اكبر الكبائر و أم الفواحش من شرب الخمر ترك الصلاة و وقع على امه و عمته و خالته كذا روى عبد ابن حميد عن ابن عباس، عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا يزنى الزاني حين يزنى و هو مؤمن و لا يسرق «١» السارق حين يسرق و هو مؤمن و لا يشرب الخمر حين يشربها و هو مؤمن و لا ينتهب نهبة يرفع الناس اليه فيها أبصارهم حين ينتهبها و هو مؤمن و لا يغل أحدكم حين يغل و هو مؤمن فاياكم إياكم متفق عليه و فى رواية عن ابن عباس و لا يقتل حين يقتل و هو مؤمن رواه البخاري قلت و اللواطة فى معنى الزنى و قد قال اللّه تعالى فيها أَ تَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ و أشد من السرقة قطع الطريق فان فيه قوله تعالى إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللّه وَ رَسُولَهُ الاية و يلحق بالسرقة التطفيف قال اللّه تعالى وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ و الخيانة فبئست البطانة و هى من علامات النفاق و أعظم الذنوب من هذا الباب ما يستحقره الفاعل و يزعمه سهلا فان استحقار الذنب و ان كان صغيرا يبعده عن (١) السرقة و الخيانة و التطفيف من القسم الثاني منه رحمه اللّه. المغفرة و يدل على التمرد و ربما يفضى الى الكفر و ما استعظمه و خاف عنه فهو يستحق المغفرة قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم المؤمن يرى ذنبه كأنّ جبلا على راسه و المنافق يرى ذنبه كذباب على انفه قال به هكذا فطارت و عن انس قال انكم لتعملون أعمالا هى أدق فى أعينكم من الشعر ان كنا نعد على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من الموبقات رواه البخاري و احمد مثله عن ابى سعيد بسند صحيح و بهذا التحقيق يظهر انه من قال بحصر الكبائر فى سبع و نحو ذلك فقد اخطأ و ان «٢» الصغيرة بالإصرار و كذا بالاستحقار يصير كبيرة اخرج ابن ابى حاتم عن سعيد بن جبير انّ رجلا سال ابن عباس عن الكبائر أ سبع هى قال هى الى «٣» سبعمائة اقرب الا انه لا كبيرة مع استغفار و لا صغيرة مع اصرار، و قال كل شى ء عصى اللّه به فهو كبير فمن عمل شيئا (٢) اخرج الترمذي و ابن ابى حاتم عن ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال الجمع بين الصلاتين من غير عذر من الكبائر و كذا اخرج ابن ابى شيبة عن عمرو ابى موسى و ابى قتادة من قولهم منه رحمه اللّه-. (٣) فى الأصل الى السبعمائة. منها فليستغفر اللّه فان اللّه لا يخلد فى النار من هذه الامة الا راجعا عن اسلام او جاحدا فريضة او مكذبا بقدر قلت و معنى قول ابن عباس لا كبيرة مع استغفار المراد بالكبيرة ما تعلق منها بحقوق اللّه تعالى و امّا ما تعلق بحقوق العباد فلا بدّ فيه من ردّ المظالم و استرضاء المظلوم- (فائدة:) أساس المعاصي كلها قساوة القلب الموجب للغفلة عن اللّه سبحانه و رذائل النفس الداعية الى الشهوات السّبعية و البهيمية قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان فى جسد بنى آدم لمضغة إذ أصلحت صلح الجسد كله و إذا فسدت فسد الجسد كله ألا و هي القلب و قال اللّه تعالى وَ قالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللّه وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَ وَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَ ما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَ لُومُوا أَنْفُسَكُمْ و لا يتصوّر التنزه عن المعاصي الّا بدوام الحضور و صفاء القلوب و النفوس و ذا لا يتصوّر الا بجذب من اللّه تعالى بتوسط المشائخ فعليك التشبّث بأذيالهم فهم قوم لا يشقى جليسهم و لا يخاب انيسهم- (فائدة:) ما قيل ان العبد يبلغ درجة لا يضره ذنب عمله ليس معناه ان بعض الناس يسقط عنهم التكاليف الشرعية و يباح لهم المحرمات فانه كفر و زندقة بل معناه ان العبد بعد تصفية القلب و تزكية النفس إذا دام حضوره لا يصدر عنه ذنب الّا نادرا و كلما صدر عنه ذنب صغير او كبير يستعظم ذلك و يندم و يغتم كانما هلك نفسه و اهله و ماله و ولده بحيث يصير ذلك الندم و التوبة و الاغتمام موجبا لمزيد درجته و نزول الرحمة عليه أولئك يبدل اللّه شيئاتهم حسنات ذكر العارف الرومي قصّة إيقاظ الشيطان معاوية رضى اللّه عنه لصلوة الصبح و تلك القصّة و ان لم اطلع على صحة سندها لكن يكفى للتمثيل مجرد الفرض، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و الذي نفسى بيده لو لم تذنبوا لجاء اللّه بقوم يذنبون فيستغفرون اللّه فيغفر لهم كانّ هذا الحديث اشارة الى هذه الحالة و اللّه اعلم نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ يعنى الصغائر مثل النظرة و اللمسة و القبلة و لشباهها قال النبي صلى اللّه عليه و سلم العينان تزنيان و اليدان تزنيان و الرجلان تزنيان و يصدّق ذلك الفرج او يكذّبه كل ذلك يكفرهن الصلاة و الصوم و الاذكار ان شاء اللّه تعالى إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ و عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الصلوات الخمس و الجمعة الى الجمعة و رمضان الى رمضان مكفرات لما بينهنّ إذا اجتنب الكبائر رواه مسلم وَ نُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيماً (٣١) قرا نافع مدخلا هاهنا و فى الحج بفتح الميم و الباقون بالضم و على كلا القرائتين يحتمل المكان فيكون مفعولا به و المصدر على ان المفعول به محذوف اى ندخلكم الجنّة الحسناء او ندخلكم الجنة دخولا حسنا و اللّه اعلم- قال مجاهد قالت أم سلمة يا رسول اللّه ان الرجال يغزون و لا نغزوا و لهم ضعف ما لنا من الميراث و لو كنا رجالا غزونا كما غزوا و أخذنا من الميراث ما أخذوا فنزلت. |
﴿ ٣١ ﴾