٤٣

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَ أَنْتُمْ سُكارى يعنى لا تقربوها فى حال سكركم حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ ذكر هذا القيد لتعيين حدّ السكر الذي يمنع قربان الصلاة

فان قيل الشكر إذا بلغ حدا لا يعلم الرجل ما يقول فحينئذ لا يصح خطابه فكيف خوطب بالنهى عن اقتراب الصلاة

قلنا الخطاب توجه بعد الصحو و المراد به النهى عن اقتراب المسكر فى اوقات الصلاة

قال البغوي فكانوا بعد نزول هذه الاية يجتنبون السكر فى اوقات الصلاة حتى نزل تحريم الخمر يعنى اية المائدة او يقال هذا نهى و معناه النفي يعنى لا صلوة لكم و أنتم سكارى و حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ غاية لنفى الصلاة على التقدير الثاني و على التقدير الاول حتى لتعليل النهى بمعنى كى و قال الضحاك بن مزاحم أراد به سكر النوم نهى عن الصلاة عند غلبة النوم عن عائشة قالت قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا نعس أحدكم و هو يصلى فلير قد حتى يذهب عنه النوم فان أحدكم إذا صلى و هو ينعس لعله يذهب يستغفر فيسبّ نفسه متفق عليه و رواه ابو داود و الترمذي و ابن ماجة و فى هذه الاية تنبيه على انه يجب على المصلى ان يحضر قلبه حتى يعلم ما يقول و يتعلم معانى القران و يتدبر فيه و يتحرز عما يلهيه و يشغل قلبه و اللّه اعلم

و اخرج الطبراني عن الاسلع قال كنت اخدم النبي صلى اللّه عليه و سلم و ارحل له فقال لى ذات يوم يا اسلع قم فارحل فقلت يا رسول اللّه أصابتني جنابة و كذا روى ابن مردوية بلفظ أصابتني جنابة فى ليلة باردة فخشيت ان اغتسل بالماء البارد فاموت او امرض فأتاه جبرئيل باية الصعيد فارانى التيمم ضربة للوجه و ضربة لليدين الى المرفقين فقمت فيتممت ثم رحلت و كذا اخرج الفريابي و ابن المنذر و ابن ابى حاتم عن على عليه السلام قال هذه الاية قوله وَ لا جُنُباً فى المسافر تصيبه الجنابة فيتيمم انتهى و سنذكر فى سورة المائدة ان شاء اللّه تعالى انّ اوّل اية نزلت لرخصة التيمم اية المائدة و هى اسبق من هذه و لعل نزول هذه الاية لرخصة التيمم لمن خشى المرض او الموت باستعمال الماء البارد فى ليلة باردة كما يدل عليه حديث الاسلع و اللّه اعلم و الجنب الذي أصابته الجنابة و يستوى فيه المذكر و المؤنث و الواحد و الجمع فصحّ عطفه على و أنتم سكارى و فى القاموس الجنابة المنى و قالت الحنفية الجنابة فى اللغة خروج المنى على وجه الشهوة يقال اجنب الرجل إذا قضى شهوته من المرأة بالانزال و قال بعض العلماء الجنابة يطلق على مجرد الجماع انزل ا و لم ينزل نقل الحافظ ابن حجر عن الشافعي ان كلام العرب يقتضى ان الجنابة يطلق بالحقيقة على الجماع و ان لم يكن معه إنزال قال فان كل من خوطب بان فلانا اجنب من فلانة يفهم انه أصابها و ان لم ينزل و اصل الجنابة البعد سمى الجماع جنابة لمجانبته الناس و بعده منهم فى تلك الحالة فذهب داود الى انه لا يجب الغسل بالجماع ما لم ينزل زعما منه ان الجنابة هو خروج المنى و احتج على ذلك بحديث أبيّ بن كعب انه قال يا رسول اللّه إذا جامع الرجل المرأة فلم ينزل قال يغتسل ما مس المرأة منه ثم يتوضا و يصلى متفق عليه و حديث ابى سعيد الخدري ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أرسل الى رجل من الأنصار فجاء و رأسه يقطر فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم لعلّنا اعجلناك قال نعم فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا عجلت او قحطت فعليك الوضوء متفق عليه و فى لفظ مسلم قصّة و فيه انما الماء من الماء-

(مسئلة) و اجمع الائمة الاربعة و جمهور المسلمين على وجوب الغسل بالجماع و ان لم ينزل فان كانت الجنابة بمعنى الجماع كما قاله الشافعي و هو المناسب للاشتقاق فالحكم ثابت بإطلاق هذه الاية و ان كانت بمعنى خروج المنى بشهوة فهذا المعنى ثابت فى الجماع امّا حقيقة و امّا حكما لان الجماع سبب لخروج المنى غالبا و الذكر عند الجماع يغيب عن النظر و المعنى قد يرق فلا يدرك خروجه فاقيم السبب مقام المسبّب كالنوم أقيم مقام الحدث لانه مظنة خروج الريح غالبا، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم العينان وكاء السية فاذا نامت العينان استطلق الوكاء رواه احمد و ابو داؤد و ابن ماجة و الدارقطني عن على و ايضا الحجة على وجوب الغسل بالجماع مطلقا الأحاديث و الإجماع عن ابى هريرة عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهد بها وجب الغسل متفق عليه و عن عائشة قالت قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا قعد بين الشعب الأربع و الزق الختان الختان فقد وجب الغسل رواه مسلم و روى الترمذي و صححه بلفظ إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل فعلته انا و رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فاغتسلنا و الحديثان اللذان احتج بهما داؤد منسوخان روى احمد و اصحاب السنن عن سهل بن سعد حدثنى ابى بن كعب ان الأنصار كانوا يقولون الماء من الماء رخصة كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم رخصها فى اوّل الإسلام ثم أمرنا بالاغتسال بعد، صححه ابن خزيمة و ابن حبّان و قال الإسماعيلي هو صحيح على شرط البخاري

فان قيل جزم ابن هارون و الدارقطني ان الزهري لم يسمعه عن سهل و قال الحافظ ابن حجر وقع عند ابى داؤد ما يقتضى انقطاعه فقال عن عمرو بن الحرب عن ابن شهاب حدثنى بعض من ارضى ان سهل بن سعد أخبره ان أبيّ بن كعب أخبره

قلنا ان سند ابى داؤد صحيح لان الثقة إذا قال أخبرني ثقة او من ارضى يكون الحديث صحيحا و هذا لا يستلزم ان يكون سند احمد و ابن ماجة و غيرهما منقطعا لانه يمكن ان الزهري سمعه عن ثقة عن سهل ثم لقى سهلا فحدثه،

(مسئلة) و يجب الغسل بخروج المنى ايضا اجماعا غير ان أبا حنيفة و محمدا «١» و مالكا و احمد يشترطون ان يكون الخروج بدفق و شهوة عند الانفصال و قال ابو يوسف بدفق و شهوة عند الانفصال و الخروج جميعا و قال الشافعي خروج المنى موجب للغسل و ان لم يقارن اللذة سواء كان بتدفق أو لا- احتج الشافعي بحديث على انه صلى اللّه عليه و سلم لما سئل عن المذي فقال فيه الوضوء و فى المنى الغسل رواه الطحاوي و ما مرّ من قوله صلى اللّه عليه و سلم انما الماء من الماء و حديث أم سلمة انها قالت جاءت أم سليم الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقالت هل على المرأة غسل إذا احتلمت قال نعم إذا رات الماء متفق عليه قال الجمهور اللام فى قوله صلى اللّه عليه و سلم المنى و الماء للعهد و المعهود ما كان منه بدفق و شهوة و قول الشافعي أحوط و اللام عنده

(١) فى الأصل محمد-.

للجنس

(مسئلة) رؤية المستيقظ المنى او المذي يوجب الغسل و ان لم يتذكر الاحتلام و الشهوة لان النوم او ان غفلة و مظنة الاحتلام و المنى قد يرق بطول الزمان او فساد الغذاء فالشك يبلغ الى درجة الظن فى كونه منيا فيوجب الغسل روى الترمذي عن عائشة قالت سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن الرجل يجد البلل و لا يذكر احتلاما قال يغتسل و عن الرجل يرى انه قد احتلم و لم يجد بللا قال لا غسل عليه و فيه عبد اللّه بن عمر يروى عن عبيد اللّه بن عمر عن القاسم بن محمّد عنها قال الترمذي ضعّفه يحيى بن سعيد من قبل حفظه، إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حال متداخل من قوله جنبا استثناء من أعم أحواله او صفة لقوله جنبا و على التقديرين الاستثناء مفرغ اى لا تقربوا الصلاة جنبا فى حال من الأحوال الّا حال كون الجنب مسافرين او جنبا موصوفا بصفة من الصّفات الا بصفة كونهم مسافرين و ذلك إذا لم يجد الماء او لم يقدر على استعماله و يتيمم و يشهد له ما روينا فى شأن نزوله و تعقيبه بذكر التيمم كأنّه عبر عن المتيمّم بالمسافر لان غالب حاله عدم الماء و فيه دليل على ان التيمم لا يرفع الحدث بل يستره و به قال جمهور العلماء و قال داؤد التيمم يرفع الحدث و كذا وقع فى بعض كتب الحنفية ان التيمم يرفع الحدث عنده و ان وجدان الماء ناقض المتيمم مثل سائر نواقض الوضوء و الصحيح عندى انه لا يرفع الحدث و لو كان رافعا للحدث فوجدان الماء لا يتصوّر كونه حدثا و كون وجدان الماء غاية لطهورية الصعيد يقتضى ظهور الحدث السّابق المستور لا ورود الحدث الجديد، وجه قول داود انه يرفع الحدث قوله صلى اللّه عليه و سلم الصعيد الطيّب وضوء المسلم و ان لم يجد الماء عشر سنين الحديث رواه اصحاب السنن من حديث ابى ذرّ و قال الترمذي حديث صحيح و قوله صلى اللّه عليه و سلم جعلت لى الأرض كلّها مسجدا و تربتها طهورا رواه مسلم و ابن خزيمة و غيرهما

قلنا هذان الحديثان و ما فى معناهما مبنيان على المجاز يدل على ذلك قوله صلى اللّه عليه و سلم فى اخر حديث ابى ذرّ المذكور فاذا وجد الماء فليمسّ بشرته فانه ان كان طهورا على الحقيقة لم يجب عليه استعمال الماء بعد رفع الحدث و فى الصحيحين عن عمران بن حصين ذكر قصّة و فيه امر لمجنب عند عدم الماء بالتيمم ثم إذا وجد الماء امره بالغسل و لو كان التيمم رافعا للجنابة لم يأمره بالغسل- (فائدة:) ما ذكرنا من التفسير قول على و ابن عباس و مجاهد و سعيد بن جبير و قال بعض المفسرين معنى هذه الاية لا تقربوا مواضع الصلاة يعنى المساجد بحذف المضاف جنبا الّا عابرى سبيل يعنى الا مجتازين من المسجد بغير مكث لما روى ابن جرير عن يزيد بن ابى حبيب ان رجالا من الأنصار كانت أبوابهم فى المسجد كانت تصيبهم جنابة و لا ماء عندهم فيريدون الماء و لا يجدون ممرّا الّا فى المسجد فانزل اللّه قوله وَ لا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ و هذا قول ابن مسعود و سعيد بن المسيّب و الضحاك و الحسن و عكرمة و النخعي و الزهري و بناء على هذا التفسير قال مالك و الشافعي جاز للجنب المرور من المسجد على الإطلاق و هو قول الحسن فان اللفظ عام و ان كان سبب نزول الاية خاصا يعنى ضرورة عدم وجدان الممرّ الا فى المسجد و عندنا لا يجوز المرور فى المسجد للجنب لان تأويل الاية على هذا الوجه يتوقف على تقدير المضاف و الأصل عدم التقدير و ايضا لو كان معنى الاية لا تقربوا مواضع الصلاة لزم حرمة دخول مساجد البيوت للجنب و لم يقل به أحد و ايضا لا معنى لقوله لا تَقْرَبُوا مواضع الصلاة وَ أَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ فانه صريح فى النهى عن قربان الصلاة و لا يمكن فى المعطوف تقدير غير ما ذكر او قدر فى المعطوف عليه-

(مسئلة) لا يجوز المكث فى المسجد عند مالك و الشافعي ايضا كما لا يجوز عند ابى حنيفة و قال احمد يجوز، لنا قوله صلى اللّه عليه و سلم و جهوا هذه البيوت عن المسجد فانى لا أحل المسجد لحائض و لا جنب رواه ابو داود و ابن ماجة و البخاري فى التاريخ و الطبراني عن أفلت بن خليفة عن جسرة بنت دجاجة عن عائشة و قال الحافظ رواه ابو داؤد من حديث جسرة عن أم سلمة و قال ابو زرعة الصحيح حديث جسرة عن عائشة

فان قيل ضعّف الخطابي هذا الحديث فقال أفلت بن خليفة العامري الكوفي مجهول الحال و قال ابن الرفعة متروك

قلنا قول ابن الرفعة مردود لم يقله أحد من ائمة الحديث بل قال احمد ما ارى به بأسا و صححه ابن خزيمة و حسنه ابن القطان فلا يضرّ ان جهله بعض الناس و هذا الحديث كما هو حجة للجمهور على احمد فهو باطلاقه حجة على الشافعي بل انما سيق الكلام لمنع المرور جنبا فى المسجد و اللّه اعلم-

(مسئلة) لا يجوز للجنب الطواف لانه فى المسجد و لاقراءة القران عند الجمهور و قال مالك يجوزان يقرا آيات يسيرة للتعوذ و قال داود يجوز مطلقا لنا قوله صلى اللّه عليه و سلم لا تقرا الحائض و الجنب شيئا من القران و قد مرّ فى البقرة فى تفسير قوله تعالى وَ لا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ و لانه لا يجوز للجنب مس مصحف فيه نقوش دالة على القران كما سنذكر فى تفسير قوله تعالى لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ فلان لا يجوز له إيراد حروف القران على اللسان اولى و امّا جواز قراءة القران للمحدث مع كونه ممنوعا عن المس بالنص المذكور فلان الحدث لا يسرى فى الفم بل على ظاهر البدن او لان الحدث غالب الوقوع فلم يجعل مانعا عن القراءة دفعا للحرج بخلاف الجنابة فانها نادرة و قد صح عن النبي صلى اللّه عليه و سلم انه لم يكن يحجبه شى ء من القران سوى الجنابة رواه احمد و اصحاب السنن و ابن خزيمة و ابن حبان و الحاكم و ابن الجارود و البيهقي و صححه الترمذي و ابن السكن و البيهقي و عبد الحق و البغوي فى شرح السنة و فى الصحيحين انه صلى اللّه عليه و سلم قرأ عشر آيات خواتيم ال عمران قبل الوضوء- حَتَّى تَغْتَسِلُوا غاية للنهى عن قربان الصلاة للجنب غير المسافر المعذور فانه جائز له بالتيمم لما سيجيئ او غاية لنفى الصّلوة فى حالة الجنابة، لا يقال كيف يقع الاغتسال نهاية عدم القربان حالة الجنابة مع ان الجنابة يرتفع بالاغتسال لانا نقول كلمة حتى تدخل على ما يجاوز الجزء الأخير ايضا كما فى نمت البارحة حتى الصباح كذا هاهنا

فان قيل اىّ فائدة فى هذا القيد مع انّ المقصود يعنى النهى عن الصلاة حالة الجنابة يحصل بدونه،

قلنا فائدته، بيان ما يزيل الجنابة و سنذكر مسائل الغسل فى سورة المائدة فى تفسير قوله تعالى وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ان شاء اللّه تعالى وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضى جمع مريض أَوْ عَلى سَفَرٍ الاشتراط بالمرض او السفر خرج مخرج العادة الغالبة لان فقد الماء غالبا انما يكون لمرض او سفر فلا مفهوم لهذين الشرطين عند الجمهور و قال الشافعي ان كان صحيحا مقيما فى موضع لا يعدم الماء فيه غالبا بان كان فى قرية انقطع ماؤها يصلى بالتيمم و يجب عليه إعادتها نظرا الى مفهوم هذين الشرطين

قلنا مفهوم هذين الشرطين غير معتبر اجماعا و لذلك تجب عليه الصلاة بالتيمم بالإجماع فلا وجه لوجوب الاعادة لان سبب الوجوب واحد لا يتكرر فلا يتكرر الواجب و لكون مفهوم هذين الشرطين غير معتبر لا يجب الاعادة اتفاقا على فاقد ماء صحيح مقيم فى موضع يعدم فيه الماء غالبا- عن ابى ذرّ انه كان مقيما «١» بالربذة و يفقد الماء أياما فسال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن ذلك فقال التراب كافيك و لو لم

(١) فى الأصل مقيم-.

تجد الماء عشر حجج و فى رواية الصعيد الطيّب وضوء المسلم و لو الى عشر حجج رواه اصحاب السنن و صححه ابو داؤد و قوله تعالى مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ تفصيل للجنب تقدير الكلام و ان كنتم جنبا مرضى او على سفر و انما حذف قوله جنبا لما سبق ذكره و ذكر السفر هاهنا مع سبق ذكره بقوله الا عابرى سبيل لبيان التسوية بينه و بين المرض بالحاق الواجد بالفاقد بجامع العجز عن الاستعمال ثم عطف على المقدر يعنى جنبا قوله أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ الغائط المطمئن من الأرض و المجي ء من الغائط كناية عن الاستفراغ الحاصل بخروج البول او البراز لان العادة ان الرجل يذهب للبول او البراز الى المطمئن من الأرض فالمعنى إذا أحدث أحدكم من أجل البول او البراز-

(مسئلة) هذه الاية تدل على ان الخارج من السّبيلين إذا كان معتادا ينقض الوضوء و لا تدل على ان غير المعتاد الخارج منهما ليس بناقض كما قال به مالك-

(مسئلة) و عند الجمهور غير المعتاد ايضا ناقض و هى رواية عن مالك لحديث عائشة فى الاستحاضة انه صلى اللّه عليه و سلم قال لفاطمة بنت حبيش اغسلي عنك الدم و توضئ لكلّ صلوة متفق عليه و لا على ان النجس الخارج من غير السبيلين كالقئ و الدم ليس بناقض كما قاله الشّافعى و قال احمد اليسير منه ليس بناقض و عند ابى حنيفة ينقض مطلقا بشرط كونه نجسا و ما ليس بسائل من الدم ليس ببخس و كذا القليل من القي ء لانه فى حكم البزاق و الحجة لنا القياس على الخارج من السّبيلين لان العلة لوجوب التطهير خروج النجاسة لا غير،

فان قيل وجوب الوضوء بخروج النجاسة غير معقول فلا يجوز فيه القياس،

قلنا كون خروج النجاسة مؤثرا فى زوال الطهارة معقول و الاقتصار على الأعضاء الاربعة غير معقول لكنه يتعدى بتعدي الاوّل و لنا ايضا الأحاديث منها حديث معدان عن ابى الدرداء ان النبي صلى اللّه عليه و سلم قاء فتوضأ فلقيت ثوبان فى مسجد دمشق فذكرت ذلك له فقال صدق انا صببت له وضوءه، رواه احمد عن حسين المعلم عن يحيى بن كثير عن الأوزاعي عن يعيش بن الوليد المخزومي عن أبيه عن معدان عنه قالوا قد اضطربوا فرواه معمر عن يحيى بن كثير عن يعيش عن خالد بن معدان عن ابى الدرداء و الجواب ان اضطراب بعض الرواة لا يؤثر فى ضبط غيره قال الأثرم قلت لاحمد قد اضطربوا فى هذا الحديث فقال حسين المعلم يجوده و قال الترمذي حديث حسن أصح شى ء فى هذا الباب و منها حديث عائشة ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال إذا قاء أحدكم فى صلاته او قلس فلينصرف فليتوضأ ثم ليبن على ما مضى ما لم يتكلم رواه الدارقطني من حديث إسماعيل ابن عياش حدثنى عبد الملك بن عبد العزيز بن جريح عن أبيه عن عبد اللّه بن ابى مليكة عنها

فان قيل قال الدارقطني الحفاظ من اصحاب ابن جريج يروونه عن ابن جريح عن أبيه مرسلا و اما حديثه عن ابن «١» مليكة عن عائشة يرويه إسماعيل بن عياش قال ابو حاتم الرازي ليس بشى ء

قلنا قال يحيى بن معين إسماعيل بن عياش ثقة و الزيادة من الثقة مقبولة و من عادة المحدثين تقديم الإرسال ثم المرسل عندنا حجة و فى الباب أحاديث اخر ضعيفة لم نذكرها مخافة التطويل و احتج احمد على الفرق بين القليل و الكثير بحديث ابى هريرة مرفوعا ليس فى القطرة و لا فى القطرتين من الدم وضوء الّا ان يكون دما سائلا و حديث ابن عباس ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم رخص فى دم الحيوان يعنى الدّماميل رواهما الدارقطني لكن حديث ابى هريرة فيه محمد بن الفضل بن عطية كذبه احمد و يحيى بن حبان و فى الثاني بقية يرويه بلفظ عن و هو مدلس قال الدارقطني هذا باطل احتج مالك و الشافعي بحديث انس انه صلى اللّه عليه و سلم احتجم و صلى و لم يتوضأ و لم يزد على غسل محاجمه رواه الدارقطني و البيهقي و فى اسناده صالح بن مقاتل ضعيف، قال الحافظ ابن حجر قال ابن العربي ان الدارقطني صححه و ليس كذلك بل قال صالح ليس بالقوى و ذكره النووي فى فصل الضعيف، و حديث ثوبان ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قاء فدعا بوضوء فتوضأ فقلت يا رسول اللّه أ فريضة الوضوء من القي ء قال لو كان فريضة لوجدته فى القران رواه الدارقطني و فيه عتبة بن السّكن متروك الحديث قال البيهقي هو منسوب الى الوضع- أَوْ لامَسْتُمُ كذا قرا جمهور القراء هاهنا و فى المائدة

و قرا حمزة و الكسائي فيهما او لمستم النِّساءَ قال على و عائشة و ابن عبّاس و ابو موسى الأشعري و الحسن و مجاهد و قتادة كنى به الجماع و به قال ابو حنيفة و الثوري و على هذا التأويل لا يستقيم العطف على جنبا ان كان الجنابة بمعنى الجماع و يستقيم ان كان الجنابة بمعنى الانزال كما قالت به الحنفية و قال ابن مسعود و عمرو ابن عمر و الشعبي المراد به معناه الحقيقي و

(١) و الصحيح ابن ابى مليكة.

هو التقاء البشرتين و بناء على ذلك قالوا ينتقض الوضوء بمسّ المرأة بلا حائل بينهما، روى عن ابن مسعود فى تفسير هذه الاية قال معناه ما دون الجماع و روى البيهقي عنه القبلة من اللمس و فيها الوضوء و روى الشافعي و مالك عن ابن عمر بلفظ من قبّل امرأته او حبسها بيده فعليه الوضوء و به قال احمد و الزهري و الأوزاعي و هى رواية عن الشافعي ان مسّ المرأة مطلقا ينقض «٢» الوضوء و قال مالك و الشافعي و الليث و إسحاق و هى رواية عن احمد ان كان المسّ

(٢) قال عمر ان القبلة من اللمس فتوضؤا منها و قال عثمان اللمس باليد منه رحمه اللّه.

بشهوة و المرأة مشتهاة ينتقض الوضوء و الا فلا و يشترط الشافعي ان يكون المسّ بباطن الكف قياسا على مسّ الذكر فانه يحمل المطلق على المقيّد و لو كانا فى حادثتين و قد ورد فى مسّ الذكر قوله عليه السلام إذا افضى أحد كم بيده الى فرجه قالوا لفظ الإفضاء يعطى هذا المعنى

قلنا حديث مسّ الذكر بلفظ الإفضاء غير صحيح و إعطاء الإفضاء هذا المعنى ممنوع و حمل المطلق على المقيد فى الحادثتين باطل على أصلنا فتأويل الآية على مذهب ابى حنيفة و ان كنتم جنبا يعنى قاضين الشهوة بالانزال مرضى او على سفر او محدثين بالخارج من السبيلين او جامعتم و لو بلا إنزال فتيمّموا و على مذهب الشافعي إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً اى جامعتم النساء مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ او محدثين بالخارج من السبيلين او يمسّ المرأة فتيمّموا و لو لم يقل تقدير الكلام ان كنتم جنبا مرضى و لا يقدر هناك كلمة جنبا فلا بدّ ان يقال ان كلمة او فى قوله تعالى أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ بمعنى الواو فتقدير الكلام وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فعلى هذا يجب ان يكون لامستم بمعنى الجماع دون مسّ المرأة حتى يستفاد من الاية جواز التيمّم للمجنب إذ لا يجوز الجمع بين الحقيقة و المجاز و كان عمر رضى اللّه عنه بناء على عدم التقدير و زغمه اللمس بمعنى المسّ لم ير جواز التيمم للجنب كما يدل عليه قصّة منازعة عمار معه كما سيجيئ استدل ابن الجوزي على كون مسّ المرأة بشهوة ناقضا للوضوء بحديث رواه عن معاذ بن جبل انه كان قاعدا عند النبي صلى اللّه عليه و سلم فجاءه رجل فقال يا رسول اللّه ما تقول فى رجل أصاب من امراة لا تحل له فلم يدع شيئا يصيبه الرجل من امرأته الا قد أصابه منها غير انه لم يجامعها فقال له النبي صلى اللّه عليه و سلم توضأ وضوءا حسنا ثم قم فصلّ و هذا الحديث لا يصلح حجة فى هذا المقام لان سوال الرجل لم يكن عن نقض الوضوء بمسّ تلك المرأة بل كان سوالا عن كيفية استغفاره و ما يحكم اللّه فيه من عقوبة فعلّمه النبي صلى اللّه عليه و سلم ان الوضوء و الصلاة يكفّران لذنبه كما ورد فى حديث ابى هريرة إذا توضأ المسلم فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة الحديث و حديث عثمان مرفوعا من توضأ وضوئي ثم صلى ركعتين لا يحدّث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه متفق عليه و فى الصحيحين عن انس قال جاء رجل فقال يا رسول اللّه أصبت حدّا فاقم علىّ قال الراوي فلم يسئل عنه و حضرت الصلاة فصلى مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الحديث و ليس فيه الأمر بالوضوء و عن ابن مسعود قال جاء رجل الى النبي صلى اللّه عليه و سلم قال يا رسول اللّه عالجت امراة فى أقصى المدينة و انى أصبت منها ما دون ان امسّها الحديث نحو ما ذكر و زاد ثم تلا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و أقم الصّلوة فى النّهار و زلفا من اللّيل انّ الحسنات يذهبن السّيئات و لنا حديث عائشة قالت كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يصلى و انا معترضة بين يديه «١» اعتراض الجنازة فاذا سجد غمزنى فقبضت رجلى و فى رواية قال الراوي و البيوت يومئذ ليس فيها مصابيح متفق عليه و لهذا الحديث طرق كثيرة للشيخين و غيرهما و عنها فقدته من الليل فلمسته بيدي فذهب يدى على قدمه و هو ساجد و هو يقول أعوذ برضاك من سخطك و أعوذ بمعافاتك من عقوبتك و أعوذ بك منك لا احصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك رواه البخاري و فى رواية للطبرانى ادخلت يدى فى شعره لانظر اغتسل أم لا، قال الحافظ ظاهر هذا السياق يقتضى تغاير القصّتين و عنها انها كانت ترجل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و هو معتكف رواه البخاري و الظاهر ان لبثه صلى اللّه عليه و سلم فى المسجد معتكفا لا يكون على غير وضوء و عنها و عن ميمونة و عن أم سلمة كان يغتسل معها من اناء واحد قلت و السنة الوضوء قبل الغسل و من المحال ان لا يمس يده يدها و عن ابى قتادة كان يصلى و هو حامل امامة بنت زينب متفق عليه و عن عائشة كان فى حجرى و انا حائض فيقرا القران متفق عليه و قد توفى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى

(١) فى الأصل بين يديها.

حجر عائشة و لا يجوّز العقل وفاته صلى اللّه عليه و سلم على غير طهر فهذه الأحاديث حجة لنا على من قال ان مسّ المرأة ناقض للوضوء مطلقا و لاجل هذه الأحاديث خصّص الشافعي و من معه الاية فقالوا لا ينقض الوضوء من المسّ الّا ما كان بشهوة و الحجة لنا عليهم حديث عائشة ان النبي صلى اللّه عليه و سلم قبل بعض نسائه ثم خرج الى الصلاة و لم يتوضأ رواه البزار و حسنه و رواه الترمذي و ابن ماجة و غيرهم عن وكيع عن الأعمش عن حبيب بن ابى ثابت عن عروة عنها

فان قيل ضعّفه البخاري و قال ان حبيبا لم يسمع عروة

قلنا رواته ثقات و شهادة عدم السّماع شهادة على النفي، و رواه احمد و ابن ماجة من طريق حجاج عن عمرو بن شعيب عن زينب السهمية عن عائشة كان عليه السلام يتوضأ ثم يقبل ثم يصلى و لا يتوضأ

فان قيل زينب السهمية مجهولة

قلنا حديث المجهول من القرن الثاني مقبول

فان قيل الحجاج مجروح

قلنا تابعه الأوزاعي فى رواية الدارقطني عن عمرو و هو من أوثق الناس و رواه الدار قطنى من طريق سفيان الثوري عن ابى روق عن ابراهيم التيمي عن عائشة

فان قيل قال الترمذي لا يعرف لابراهيم سماع عن عائشة و لا يصح عن النبي صلى اللّه عليه و سلم فى هذا الباب شى ء قلت إمكان السماع يكفى لصحة الحديث لا معرفة السّماع على ان المرسل عندنا حجة و ابراهيم تابعي ثقة و لعل مراد الترمذي انه لا شى ء فى هذا الباب حديث مرفوع متصل صحيح بنفسه و الا فرجال هذا المرسل ثقات

فان قيل لم يروه عن ابراهيم غير ابى روق و عطية بن الحارث و لا يعلم حدث به عن ابى روق غير الثوري و ابى حنيفة و اختلفا فيه أسنده الثوري عن عائشة و أسنده ابو حنيفة عن حفصة و ابراهيم لم يسمع منها

قلنا هؤلاء الاربعة ثقات ائمة و يمكن ان ابراهيم روى حديثين مرسلين أحدهما عن عائشة و الثانية عن حفصة فبلّغ للثورى حديثه عن عائشة و لابى حنيفة عن حفصة و هذه العلة ليست بقادحة عند الفقهاء و قد روى هذا الحديث عن الثوري عن ابى روق عن ابراهيم التيمي عن أبيه عن عائشة بوصل اسناده،

فان قيل قد اختلف فى لفظ الحديث فروى عثمان بن ابى شيبة ان النبي صلى اللّه عليه و سلم كان يقبل و هو صائم و قال غير عثمان كان يقبل و لا يتوضأ

قلنا بعد كون الرجال ثقات هذا الأمر غير قادح عند الفقهاء لامكان الجمع بين القولين بان يكونا حديثين او يكون حديثا واحدا كأنّه قال يقبّل و هو صائم و لا يتوضأ فروى بعضهم ببعض الألفاظ و بعضهم ببعض آخر و ذلك جائز عند البخاري قال الحافظ ابن حجر قال الشافعي روى سعيد بن بنانة عن محمد بن عمر ابن عطاء عن عائشة عن النبي صلى اللّه عليه و سلم انه كان يقبّل و لا يتوضأ قال الشافعي لا اعرف حال سعيد فان كان ثقة فالحجة ما روى عن النبي صلى اللّه عليه و سلم و قال الحافظ روى من عشرة أوجه أوردها البيهقي فى الخلافيات و ضعّفها قلت الضعيف ايضا بتعدد الطرق يرتفع الى درجة الحسن و قد علمت ان رواة هذه الطرق لم يتهم بالكذب و فى الباب حديث ابى امامة قال قلت يا رسول اللّه الرجل يتوضأ للصلوة ثم يقبل اهله او يلاعبها ينتقض الوضوء بذلك قال لا رواه الدارقطني فيه ركن بن عبد اللّه متروك و إذا اعتضد طرق هذا الحديث بعضها ببعض مع كونها حسنة فى نفسها او مرسلة صحيحة صحّ انه صلى اللّه عليه و سلم كان لا يتوضأ من القبلة فظهر ان مسّ المرأة ليس بناقض و لو كان ناقضا لنقل ذلك برواية أحد من الصحابة خصوصا عن أزواجه صلى اللّه عليه و سلم مع كثرتهنّ و شدّة حرصهنّ على بيان العلم و كثرة مخالطته صلى اللّه عليه و سلم و ملامسته اياهن كما ترى فى حديث رواه الحاكم عن عائشة ما كان يوم الّا و كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يأتينا فيقبل و يلمس الحديث فظهر ان المراد باللمس فى الاية انما هو الجماع و ايضا لو كان المراد باللمس ما دون الجماع لزم تقليل الفائدة مع تكثير العبارة لان جواز التيمم للمحدث يفهم من قوله تعالى أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ و المقصود من الاية بيان خليفة التراب للماء لاعدّ الأحداث لانه قد ترك كثير من الأحداث عن الاية اتفاقا كالنوم و الإغماء و الجنون و الخارج من غير السبيلين و القهقهة و أكل لحوم الجزور و مس الذكر فلا فائدة فى ذكر اللمس فان النوم مضطجعا و متكيا و الإغماء و الجنون مطلقا حدث بالإجماع لقوله صلى اللّه عليه و سلم و لكن من غائط و بول و نوم صححه ابن خزيمة و الترمذي من حديث صفوان بن عسال و كذا نوم الراكع و الساجد عند مالك و نوم القائم ايضا عند الشافعي و النوم الطويل على اىّ هيئة كان عند احمد لكن عند ابى حنيفة إذا نام على حالة من احوال الصلاة لا ينقض لقوله صلى اللّه عليه و سلم ليس على من نام ساجدا وضوء حتى يضطجع فاذا اضطجع استرخت مفاصله رواه عبد اللّه بن احمد عن ابن عباس و روى ابو داود و الترمذي بلفظ لا وضوء على من نام قاعدا و البيهقي بلفظ لا يجب الوضوء على من نام جالسا او قائما او ساجدا و مدار الطرق على يزيد ابى خالد الدالاني و ان ضعّفه بعض الائمة لكن الصحيح ما قال الذهبي انه حسن الحديث و قال احمد لا بأس به و الإغماء و الجنون أشد و أقوى من النوم فى الغفلة و لذلك اجمعوا على انه حدث على اىّ حال كان-

(مسئلة) و القهقهة فى صلوة ذات ركوع و سجود حدث عند ابى حنيفة لقوله صلى اللّه عليه و سلم من ضحك فى صلاته قهقهة فليعد الوضوء و الصلاة رواه ابن عدى عن ابن عمر و فيه بقية أخرجه مسلم متابعا و اختلف فيه و التحقيق انه ثقة مدلس فلو روى عن ثقة بلفظ حدثنا كما فى هذا الحديث فهو حجة و قوله صلى اللّه عليه و سلم فى قصة أعمى من كان منكم قهقه فليعد الوضوء و الصلاة رواه الدارقطني من حديث معبد الخزاعي و الصحيح انه صحابى ابن أم معبد و من رواية الامام ابو حنيفة و وهم ابن الجوزي حيث قال و هم فيه ابو حنيفة و روى الدارقطني عن رجل من الأنصار و فيه خالد بن عبد اللّه الواسطي و لا نعلم أحدا طعن فيه و قال اكثر المحدثين الصحيح انه مرسل عن ابى العالية و المرسل عندنا حجة، و ما احتج به الخصم من حديث جابر مرفوعا الضحك ينقض الصلاة و لا ينقض الوضوء فيه عبد الرحمن بن إسحاق ابو شيبة ضعيف كذا قال يحيى و قال احمد ليس بشى ء منكر

(مسئلة) و أكل لحوم الإبل حدث عند احمد لقوله صلى اللّه عليه و سلم توضؤا من لحوم الإبل رواه اصحاب السنن من حديث البراء و صححه المحدثون و روى مسلم نحوه عن جابر و احمد نحوه عن أسيد بن حضير و ذى العزة و ما احتج به الخصم من حديث ابن عباس مرفوعا الوضوء مما يخرج و ليس ممّا يدخل رواه الدارقطني و البيهقي ضعيف منكر-

(مسئلة) و مس الذكر حدث عند مالك و احمد و كذا عند الشافعي ان كان بباطن الكف لقوله صلى اللّه عليه و سلم من مسّ ذكره فلا يصل حتى يتوضأ رواه الائمة الثلاثة و اصحاب السنن الاربعة و غيرهم من حديث عروة عن بسرة، قالت الحنفية هذا الحديث لا يصح و هو منقطع و التحقيق انه حديث صحيح متصل رواه عروة عن مروان عن بسرة ثم لقى بسرة فسمعه منها و رواته، كلهم فى الصحيحين و صححه احمد و الترمذي و يحيى و الدارقطني و قال البخاري أصح شى ء فى الباب و روى الترمذي و احمد عن زيد بن جالد مرفوعا من مسّ فرجه فليتوضأ و روى الترمذي و احمد و البيهقي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا نحوه صححه البخاري فيما حكى عنه الترمذي و فى الباب ما روى ابن ماجة عن ابى أيوب و هو ضعيف و الحاكم عن سعد بن ابى وقاص و أم سلمة و البيهقي عن ابن عبّاس و هو ضعيف و الطبراني و صححه عن على بن طلق و ذكر ابن مندة حديث النعمان و انس و ابى بن كعب و معاوية بن جندة و قبيصة و الترمذي حديث اروى بنت انس و لابى حنيفة حديث طلق بن على قيل يا رسول اللّه أ يتوضأ أحدنا من مسّ ذكره قال هل هو الّا بضعة منك رواه احمد و اصحاب السنن و صححه عمرو بن على القلاس و ابن المديني و ابن حبّان و الطبراني و ابن حزم و ضعّفه الشافعي و ابو زرعة و ابو حاتم و الدارقطني و البيهقي قلت لهذا الحديث خمسة طرق اربعة منها ضعاف و رجال طريقة واحدة منها ثقات الا قيس بن طلق راويه عن أبيه مختلف فيه ضعفه احمد و وثقه البجلي و عن يحيى روايتين فمن قال بتوثيقه فالحديث عنده صحيح و الا فضعيف و الحق عندى ان الحديث حسن لكن حديث بسرة أقوى منه و فى الباب حديث ابى امامة و عصمة بن مالك و عائشة و كلها ضعاف و ادعى ابن حبان ان حديث طلق منسوخ لان من رواة كون مسّ الذكر ناقضا ابو هريرة و إسلامه فى سنة ستّ و طلق اتى عند رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أول الهجرة و هم يؤسّسون مسجد المدينة كذا روى الدارقطني قلت سند هذه الرواية ضعيف على ان مجى ء طلق اوّل الهجرة لا يدل على عدم مجيئة ثانيا بعد اسلام ابى هريرة و ايضا حديث ابى هريرة ضعيف فلا يثبت به نسخ حديث بسرة «١» و اللّه اعلم فَلَمْ تَجِدُوا ماءً اى لم تقدروا على استعماله كذا ثبت تفسيره بالسنة و الإجماع، و عدم القدرة على استعمال الماء أعم من ان يكون لعدم الماء او لبعده ميلا او بحيث ان ذهب الى الماء و توضأ غابت القافلة او لفقد فمعز الدولة إخراج الماء من البير مثلا او لمانع من حية او سبع أوعد

(١) هكذا فى الأصل و النقول كلها لكن عندى فيه نظر لان حديث بسرة و ابى هريرة كلاهما فى شى ء واحد و هو ان مسّ الذكر حدث ناقض للوضوء و البحث هاهنا فى حديث طلق هل هو منسوخ أم لا فلعل الناسخ الاول فهم بسرة سهوا فى مقام طلق و اللّه اعلم ٢ بو محمد عفا اللّه عنه.

و مسلّط على الماء او خوف عطش او لخوف حدوث مرض لشدة برد او نقاحة او لمرض مانع من التحرك للوضوء و عدم من يناوله او لمرض خيف زيادته باستعمال الماء او بالحركة او خيف تلف نفس او عضو و فى رواية عن الشافعي يشترط فى المرض خوف تلف نفس او عضو- اخرج ابن ابى حاتم عن مجاهد قال نزلت هذه الاية فى رجل من الأنصار كان مريضا فلم يستطع ان يقوم فيتوضأ و لم يكن له خادم يناوله فذكر ذلك لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فانزل اللّه تعالى وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضى الاية

و اخرج ابن جرير عن ابراهيم النخعي قال أصاب اصحاب النبىّ صلى اللّه عليه و سلم جراحة فغشت فيهم ثم ابتلوا بالجنابة فشكوا ذلك الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فنزلت وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضى الاية كلها و عن عمرو بن العاص قال احتلمت فى ليلة باردة فى غزوة ذات السلاسل فاشفقت لى ان اغتسلت ان أهلك فتيمّمت ثم صليت بأصحابي الصبح فذكر ذلك لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال يا عمرو صليت باصحابك و أنت جنب فقلت انى سمعت اللّه عز و جل يقول وَ لا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ الاية فضحك رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و لم يقل شيئا علقه البخاري و رواه ابو داود و الحاكم و عن ابن عمر انه اقبل من ارضه بالجرف فحضرت العصر بمربد النعم فتيمم فمسح وجهه و يديه و صلى العصر ثم دخل المدينة و الشمس مرتفعة فلم يعد رواه الشافعي و مالك فى المؤطا مختصرا و الجرف موضع على فرسخ من المدينة كذا قال ابو إسحاق و المربد على ميل من المدينة و روى البيهقي عن ابن عمر انه يكون فى السفر فيحضر الصلاة و الماء منه على غلوة او غلوتين او نحو ذلك ثم لا يعدل اليه قلت هذا عند خوف ذهاب القافلة و لفظ العدول يقتضى كون الماء على يمينه او يساره لا تلقاء وجهه-

(مسئلة) قال الشافعي المسافر إذا فقد الماء يشترط للتيمم طلب الماء فى رحله و من رفقائه و ان كان فى صحراء لا حائل دون نظره ينظر حواليه و ان كان دون نظره تل او جدار عدل عنه لانه تعالى قال فَلَمْ تَجِدُوا ماءً و لا يقال لم يجد الا لمن طلب و قال ابو حنيفة طلب الماء من الرفيق ليس بشرط لانه غير واجد للماء إذ ليس فى ملكه فَتَيَمَّمُوا يعنى فاقصدوا، فى القاموس التيمم التوخي و التعمد الياء بدل من الهمزة و يممه قصده و اليمامة القصد و لذلك قال ابو حنيفة رحمه اللّه النية شرط فى التيمم بخلاف الوضوء و الغسل و قال زفر لا يشترط النية فى التيمم كما لا يشترط فى الوضوء و الغسل و الحجة عليه هذه الاية و قال الائمة الثلاثة يشترط فى الوضوء و الغسل ايضا و سنذكر هذه المسألة فى سورة المائدة ان شاء اللّه تعالى صَعِيداً الصعيد اسم لوجه الأرض ترابا كان او رملا او جصا او نورة او حجرا او غير ذلك قال الزجاج لا اعلم خلافا بين اهل اللغة فى ذلك قلت و لذلك لم يذكر البيضاوي فى تفسير الصعيد التراب مع كونه شافعيا و

قال البغوي قال ابن عباس الصعيد هو التراب و فى القاموس الصّعيد التراب او وجه الأرض و ذكر فى الهداية انه فسّر ابن عباس صعيدا طيّبا اى ترابا منبتا و قال الحافظ ابن حجر لم أجده لكن روى البيهقي و ابن ابى حاتم عنه أطيب الصّعيد تراب الحرث و رواه ابن مردوية فى تفسيره من حديث ابن عباس مرفوعا و لفظ أطيب يفيد ان غير تراب الحرث ايضا صعيد طيّب، قلت و لو كان لفظ الصعيد مشتركا بين التراب و وجه الأرض كما قاله صاحب القاموس فالمراد به هاهنا وجه الأرض دون التراب بقرينة قوله تعالى فى المائدة ما يُرِيدُ اللّه لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ لان فى إيجاب التراب المنبت حرج خصوصا على من أسكنهم اللّه بواد غير ذى زرع او ارض سبخة او رمل او جبل لا يجدونه الا بحرج عظيم و ايضا يدل على التأويل بوجه الأرض حديث ابى هريرة فضلت على الأنبياء بستّ أعطيت جوامع الكلم و نصرت بالرعب و احلّت لى الغنائم و جعلت لى الأرض طهورا و مسجدا و أرسلت الى الخلق كافة و ختم بي النبوة رواه مسلم و الترمذي و صححه و روى الطبراني بسند صحيح عن السائب بن يزيد فضّلت و بخمس و لم يذكر إعطاء جوامع الكلم و ختم النبوة و زاد ادّخرت «١» شفاعتى لامتى و الباقي نحوه و روى البيهقي بسند صحيح عن ابى امامة فضلت بأربع جعلت لى الأرض كلها و لامتى مسجدا و طهورا فايما رجل من أمتي اتى الصلاة فلم يجد ما يصلى عليه وجد الأرض مسجدا و طهورا و ذكر الرسالة الى الناس كافة و النصرة بالرعب مسيرة شهرين و حلّ الغنائم و عند احمد بلفظ فعنده طهوره و مسجده و فى رواية عمرو بن شعيب فاينما أدركتني الصلاة تمسحت و فى الصحيحين عن جابر أعطيت خمسا لم يعط أحد من الأنبياء قبلى فعدّ منها و جعلت لى الأرض مسجدا و طهورا و عن انس عند ابن الجارود و ابن المنذر بلفظ جعلت لى كل ارض طيبة مسجدا و طهورا فان ألفاظ هذه الأحاديث كلّها تدل على ان الأرض بجميع اجزائها طهوركما هى بجميع اجزائها مسجد اجماعا فان اللام فى الأرض للجنس، و حديث ابى امامة و نحوه ادلّ و اصرح على ذلك فهذه الاية حجّة لابى حنيفة فى جواز التيمم على كل شى ء من جنس الأرض سواء كان سبخة او رملا او حجرا بلا نقع او غير ذلك و قال مالك يجوز بالنبات ايضا إذا كان متصلا بالأرض لاطلاق الصعيد عليه طبعا و قال ابو يوسف لا يجوز الا بالرمل او التراب و قال الشافعي و احمد لا يجوز الا بالتراب احتجوا بحديث حذيفة بلفظ فضلنا على الناس بثلاث جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة و جعلت لنا الأرض كلها مسجدا و جعلت تربتها لنا طهورا إذا لم نجد الماء رواه مسلم و بحديث على و فيه و جعل التراب لى طهورا، قالوا هذا خاص فينبغى ان يحمل عليه العام

قلنا هذا استدلال بمفهوم اللقب و مفهوم اللقب ليس بحجّة عند الجمهور و تخصيص العام بالخاص انما يتصوّر عند التعارض و لا تعارض هاهنا فان جواز

(١) فى الأصل ذخرت.

التيمم بالتراب لا ينفى جواز التيمم بغيره بل هو ساكت عنه و تخصيص التراب بالذكر لبيان الأفضل، و زاد ابو يوسف جواز التيمم بالرمل لحديث ابى هريرة ان ناسا من اهل البادية أتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقالوا انا نكون بالرمال الأشهر الثلاثة او الاربعة فيكون فينا الجنب و النفساء و الحائض و لسنا نجد الماء فقال عليكم بالأرض ثم ضرب بيده على الأرض لوجهه ضربة واحدة ثم ضرب ضربة اخرى فمسح بها على يديه الى المرفقين رواه ابن الجوزي و قال هذا الحديث لا يصحّ فان فيه المثنى بن الصباح قال احمد و الرازي ليس بشى ء و قال النسائي متروك طَيِّباً اى طاهرا و لا جائز ان يراد به منبتا لان طهارة الصعيد شرط بالإجماع فلو أريد به الإنبات ايضا لزم الجمع بين الحقيقة و المجاز و لما كانت الطهارة فى الصعيد شرطا بدليل قطعىّ نصّ الكتاب و الإجماع قال ابو حنيفة إذا تنجس الأرض ثم تطهر باليبس يجوز عليها الصلاة و لا يجوز بها التيمم لان ذكوة الأرض يبسها ثبت بحديث الآحاد فلا يتادّى بها ما ثبت اشتراطها بدليل قطعى و قالت الائمة الثلاثة لا يجوز عليها الصلاة ايضا و حديث ذكوة الأرض يبسها لا يعرف و المعتمد عليه عندى للحكم بطهارة الأرض بيبسها ما رواه البخاري عن حمزة بن عبد اللّه قال كانت الكلاب بتول و تقبل و تدبر فى المسجد فى زمان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فلم يرشون شيئا من ذلك و هكذا فى سنن ابى داود و الإسماعيلي و ابى نعيم «١» و البيهقي و اللّه اعلم فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ الباء زائدة و استيعاب الوجه بالمسح فريضة اجماعا وَ أَيْدِيكُمْ اليد اسم للعضو الى المنكب و لذلك حكى عن الزهري ان الواجب فى التيمم المسح الى الآباط و كذا حكى عن الصحابة انهم بعد نزول هذه الاية مسحوا الى الآباط و المناكب و ذلك قبل تعليم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مراد اللّه تعالى بهذه الاية، عن عمار بن ياسر ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عرّس بذات الجيش و معه عائشة فانقطع عقدتها من جزع ظفار فحبس الناس ابتغاء عقدتها ذلك حتى أضاء الفجر و ليس مع الناس ماء فانزل اللّه تعالى على رسوله رخصة التطهير بالصعيد الطيّب فقام المسلمون فضربوا الأرض ثم رفعوا أيديهم و لم يفيضوا من التراب شيئا فمسحوا بها وجوههم الى المناكب و من بطون أيديهم الى الآباط رواه ابن الجوزي من طريق احمد و روى ابن ماجة بلفظ فتيممنا الى المناكب و فى رواية له فتيممنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الى المناكب لكن ظهر بتعليم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و بالإجماع ان جميع اليد ليس بمراد فهى مجمل فى المقدار فبيّن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان مقدار اليد فى التيمم مقدارها فى الوضوء يعنى الى المرفقين- عن عمار قال «٢» كنت فى القوم حين نزلت اية التيمم فامرنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فضربنا واحدة للوجه ثم ضربة اخرى لليدين الى المرفقين رواه البزار ذكر الحافظ ابن حجر فى تخريج أحاديث الرافعي و لم يطعن فيه و روى ابو داود من حديث عمار انه قال الى المرفقين لكن فى سنده قال قتادة حدثنى محدث عن الشعبي و ذلك المحدث مبهم الّا ان لفظ المحدث يدل على توثيقه فلا بأس به و قد مرّ حديث الاسلع فى شأن نزول الاية قال فارانى

(١) فى الأصل ابو نعيم.

(٢) فى الأصل قال قال.

رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم التيمم ضربة للوجه و ضربة لليدين الى المرفقين لكن فى سنده ربيع ابن بدر ضعيف غير انه يعضد حديث عمار و التحق حديث عمار و اسلع بيانا للاية

(مسئلة) و بناء على هذا قال ابو حنيفة و الشافعي الواجب فى التيمم المسح الى المرفقين و يؤيد هذا المذهب حديث جابر قال جاء رجل الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال أصابتني جنابة و انى تمعكت فى التراب فقال عليه السلام التيمم ضربة للوجه و ضربة للذراعين الى المرفقين و فى رواية ضرب بيده الأرض فمسح وجهه ثم ضرب يديه فمسح بهما الى المرفقين رواه الحاكم و قال صحيح الاسناد و لم يخرجاه و قال الدارقطني رجاله كلهم ثقات و حديث ابن الصمة قال مررت على النبي صلى اللّه عليه و سلم و هو يبول فسلمت عليه فلم يرد علىّ حتى قام الى جدار فحته بعصا كانت معه ثم وضع يده فمسح وجهه و ذراعيه رواه الشافعي و النسائي من طريقه و قال النسائي حديث حسن

فان قيل فيه ابو عصمة و تابعه ابو خارجة قال ابن الجوزي يتكلم فيهما و فيه ابو الحويرث قال الحافظ فيه من الضعف قلت هذه الثلاثة لم يتهم أحد منهم بالكذب فارتقى الحديث الى درجة الحسن و هذا الحديث فى الصحيحين فمسح بوجهه و يديه و حديث عبد اللّه بن ابى اوفى سئل عن التيمم قال امر النبي صلى اللّه عليه و سلم عمارا ان يفعل هكذا و ضرب بيديه الأرض ثم نفضهما و مسح على وجهه و يديه و فى رواية و مرفقيه مكان يديه رواه ابن ماجة و لم يخرج الذهبي فى الضعفاء أحدا من رجال هذا السند الا انه قال عثمان بن ابى شيبة شيخ للبخارى تكلم فيه و هو صدوق فالحديث حسن و فى الباب أحاديث أخر ضعاف منها حديث ابن عمر مثل حديث ابن الصمة رواه ابو داود و مداره على محمد بن ثابت و هو ضعيف و عنه و عن عائشة قوله صلى اللّه عليه و سلم التيمم ضربتان ضربة للوجه و ضربة لليدين الى المرفقين رواه الدارقطني و الحاكم و البيهقي و فى حديث ابن عمر على بن ظبيان ضعّفه القطان و ابن معين و قال الحاكم صدوق و روى ايضا من طريق سليمان ابن داود و هو متروك و فى حديث عائشة الحريش بن الحريث قال ابو حاتم منكر الحديث و عن ابن عمر ايضا تيممنا مع النبي صلى اللّه عليه و سلم ضربنا بايدينا على الصعيد الطيب ثم نفضنا أيدينا فمسحنا بها وجوهنا ثم ضربنا ضربة اخرى فمسحنا من المرافق الى الأكف رواه الدارقطني و فيه سليمان بن أرقم متروك و فى الباب حديث ابى امامة رواه الطبراني و اسناده ضعيف و قال مالك و احمد يجوز فى التيمم الاقتصار على ضربة واحدة يمسح بها وجهه و كفيّه لحديث عمار قال كنت فى سرية فاجتنبت فتمعكت فى التراب فلما أتيت النبي صلى اللّه عليه و سلم ذكرت ذلك له فقال انما يكفيك هكذا و ضرب النبي صلى اللّه عليه و سلم بيده الى الأرض ثم نفخ فيها و مسح بها وجهه و كفيه و فى رواية عنه ان نبى اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال فى التيمم ضربة للوجه و الكفين رواهما احمد و فى الصحيحين بطرق فبعض ألفاظ البخاري انما كان يكفيك هكذا فضرب النبي صلى اللّه عليه و سلم بكفية الأرض و نفخ فيهما ثم مسح بهما وجهه و كفيه و روى مسلم انما يكفيك ان تضرب بيديك الأرض ثم تنفخ ثم تمسح بهما وجهك و كفّيك و عند البخاري يكفيك الوجه و الكفين قلت حديث الصحيحين يدل على ان عمّارا وقت نزول الاية لم يعرف ان التيمم يكفى للمجنّب و انما علم حينئذ انه للمحدث و لذلك تمعك للجنابة قياسا عليه قالوا ما رواه الشيخان من حديث عمار أقوى،

قلنا و ان كان أقوى من كل واحد واحد ممّا ذكرنا من الأحاديث لكن أحاديثنا لكثرة الرواة و طرق شتى صحيحة و ضعيفة يبلغ فى القوة مبلغ حديث الصحيحين فتعارضا فرجّحنا بوجوه أحدها ان ما احتج به احمد متاخر عن وقت نزول الاية و المتأخر لا يصلح بيانا لمجمل الكتاب إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة فلو حمل هذا الحديث على ظاهره لكان ناسخا لكتاب اللّه و لا يجوز نسخ الكتاب بحديث الآحاد فيسقط حديث الصحيحين لاجل معارضة الكتاب و امّا أحاديثنا فمنها ما هو صريح فى كونه بيانا للاية مقارنا لنزولها فالتحق بالكتاب بيانا و ثانيها بان حديث الصحيحين يحتمل التأويل بان يقال اطلق الكف و أريد به اليد مجازا إطلاقا لاسم الجزء على الكل او يقال انما أراد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بيان صورة الضرب و نفى التمعك و ليس المراد به بيان جميع ما لا بد منه للتيمم كما قال فى الغسل انما يكفيك ان تحثى على راسك ثلاث حثيات و لم يذكر فيه المضمضة و الاستنشاق و غسل جميع البدن لان المقصود هناك بيان عدم الحاجة الى نقض الضفائر ثالثها بانه إذا تعارض الحديثان سقطا و عملنا بالقياس على الوضوء رابعها الاخذ بالاحتياط-

(مسئلة) قال ابو حنيفة يجوز التيمم لخوف فوت ما يفوت لا الى خلف كصلوة العيد ابتداء و بناء و صلوة الجنازة لغير الولي لا لخوف فوت الوقت و الجمعة و قال مالك و الشافعي لا يجوز لخوف فوت العيد و الجنازة لعدم الضرورة فى إتيانهما فان صلوة العيد ليست بواجبة عندهما بل سنة و صلوة الجنازة فرض كفاية يتادى بغيره و يجوز لخوف فوت الوقت و الجمعة لكن عند الشافعي يجب الاعادة ايضا و قال احمد لا يجوز لخوف فوت شى ء منها لان طهورية الصعيد مشروطة بعدم وجدان الماء و لم يوجد و الحجة لابى حنيفة انه صلى اللّه عليه و سلم تيمم لردّ السّلام كما مرّ-

(مسئلة) إذا وجد الماء بعد الصّلوة فى الوقت بالتيمم لا يجب عليه الاعادة و ان كان الوقت باقيا و قال عطاء و طاؤس و مكحول و ابن سيرين و الزهري يجب الاعادة لنا حديث ابى سعيد الخدري ان رجلين خرجا فى سفر فحضرت الصّلوة و ليس معهما ماء فتيمّما صعيدا طيّبا و صلّيا ثم وجدا الماء فى الوقت فاعاد أحدهما الوضوء و الصلاة و لم يعد الاخر فاتيا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فذكرا ذلك له فقال للذى لم يعد أصبت السنة و أجزأتك صلوتك و قال للذى أعاد لك الاجر مرتين رواه ابو داود و النسائي و الحاكم و الدارمي-

(مسئلة) من كان بعض أعضائه صحيحا و بعضه جريحا يغسل الصحيح و يتيمم للجريح عند الشافعي و احمد و هو المختار عندى للفتوى و قال ابو حنيفة و مالك ان كان الأكثر صحيحا يغسل الصحيح و يمسح على الجريح و لا يتيمم و الا يتيمم و لا يغتسل لنا انه صحيح بعض أعضائه و هو واجد للماء من وجه فلا يسقط غسله و مريض من وجه حيث لا يقدر على استعمال الماء فى جميع بدنه فيتيمم و يؤيده حديث جابر قال خرجنا فى سفر فاصاب رجلا حجر فشجّه فى رأسه ثم احتلم فسال أصحابه هل تجدون لى رخصة فى التيمم فقالوا ما نجد لك رخصة و أنت تقدر على الماء فاغتسل فمات فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قتلوه قتلهم اللّه الا سالوا إذا لم يعلموا فان شفاء العي السؤال انما كان يكفيه ان يتيمم و يعصر او يعصب على جرحه ثم يمسح عليه و يغسل سائر جسده رواه الدارقطني و من طريقه ابن الجوزي-

(مسئلة) يجوز بتيمم واحد صلوات كثيرة ما لم يحدث او يجد الماء و قال الشافعي و احمد يجب ان يتمم لوقت كل صلوة، لنا قوله صلى اللّه عليه و سلم الصعيد الطيّب وضوء المسلم و ان لم يجد الماء عشر سنين فاذا وجد الماء فليمس بشرته فان ذلك خير رواه اصحاب السّنن من حديث ابى ذرّ قال الترمذي حديث صحيح احتج الشافعي بقول ابن عباس من السنة ان لا يصلى بالتيمم اكثر من صلوة واحدة رواه الدارقطني و البيهقي قال الرافعي قول الصحابي من السنة ينصرف الى سنة الرسول صلى اللّه عليه و سلم فله حكم الرفع و فى الباب اثر على رواه ابن ابى شيبة و عن عمرو بن العاص موقوفا انه كان يتيمم لكل صلوة و به كان يفتى قتادة روى الدارقطني بسنده عن قتادة و كان ابن عمر يتيمّم لكل صلوة رواه البيهقي

قلنا لا يصح شى ء من هذه الآثار امّا اثر ابن عباس قال ابن الجوزي فيه ابو يحيى عن حسن بن عمارة و هما متروكان و قال الحسن ضعيف جدّا و امّا اثر على ففيه الحجاج بن ارطاة تركه ابن مهدى و القطان و قال احمد و الدارقطني لا يحتج به و قال ابن معين و النسائي ليس بالقوى و امّا اثر عمرو بن العاص فهو منقطع بين قتادة و عمر و إرسال شديد و امّا اثر ابن عمر ففيه عامر الأحول مختلف فيه ليّنه احمد و غيره و وثقه ابو حاتم و مسلم ثم هذه الآثار لا يعارض المرفوع الصحيح و ايضا نحملها على الاستحباب و قول ابن عباس من السنة يعنى مستحب ليس بواجب-

(مسئلة) فاقد الطهورين لا يصلى عند ابى حنيفة و مالك و عليه القضاء عند ابى حنيفة دون مالك و عند الشافعي و احمد يصلى و يجب عليه الاعادة عند الشافعي دون احمد إذا وجد الماء لنا هذه الاية حيث قال و لا جنبا يعنى لا تقربوا الصلاة جنبا الّا عابرى سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضى الاية نهى عن الصلاة جنبا و جعل غاية النهى الغسل لواجد الماء و التيمم للفاقد فبقى فاقد الطّهورين داخلا فى النهى لعدم الغاية

فان قيل المسافر خارج عن النهى

قلنا انما هو المسافر المتيمم و لو لا ذلك لجاز للمسافر الصلاة بغير تيمم و يمكن للشافعى ان يقول الخارج عن النهى المسافر مطلقا ثم أوجب عليه التيمم و يشترط لوجوب التيمم القدرة على الصعيد كيلا يلزم التكليف بما لا يطاق فاذا لم يقدر على الصعيد سقط عنه التيمم و بقي خارجا عن النهى و لنا ايضا قوله صلى اللّه عليه و سلم لا يقبل اللّه صلوة الا بطهور رواه الترمذي و الصلاة نكرة فى حيّز النفي فهو عام و القول بانه محمول على من يقدر على الطهور تخصيص للنصّ بلا دليل و لنا ايضا حديث عمار بن ياسر قال لعمر بن الخطّاب اما تذكر انا كنا على سفر انا و أنت فاصابتنا جنابة فامّا أنت فلم تصل و امّا انا فتمعكت فى التراب فصليت فذكرت ذلك للنبىّ صلى اللّه عليه و سلم فقال انما يكفيك هكذا متفق عليه حيث لم ينكر النبي صلى اللّه عليه و سلم على عمر لاجل ترك الصلاة و احتج الشافعي بحديث عائشة انها استعارت من اسماء قلادة فهلكت فارسل رسول اللّه صلى عليه و سلم ناسا من أصحابه فى طلبها فادركتهم الصلاة فصلوا بغير وضوء فلما أتوا النبي صلى اللّه عليه و سلم شكوا ذلك اليه فنزلت اية التيمم فقال أسيد بن حضير جزاك اللّه خيرا فو اللّه ما نزل بك امر قطّ الا جعل اللّه لك منه مخرجا و جعل للمسلمين فيه بركة متفق عليه و فى رواية فقام رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حتى أصبح على غير ماء فانزل اللّه اية التيمم فتيمّموا فقال أسيد بن حضير و هو أحد النقباء ما هى باوّل بركتكم يا ال ابى بكر قالت عائشة فبعثنا البعير الذي كنت عليه فوجدنا العقدة فيه و الجواب ان هذا الحديث حجة لنا لا علينا حيث لم ينقل انه صلى اللّه عليه و سلم صلّى و انما فعلوا ذلك بآرائهم و لو كانت الصّلوة جائزة لما تيمّموا بعد نزول الاية و قول الشافعي بوجوب إعادة الصّلوة مع وجوب الصّلوة بلا طهور باطل على قاعدة الأصول فان سبب الوجوب الوقت واحد لا يتصوّر ان يكون سببا لتكرار الواجب و قول مالك لا قضاء عليه لانه لا تقصير من جانبه فى ترك الصّلوة ايضا باطل لان قوله صلى اللّه عليه و سلم ما فاتكم فاقضوا امر بالقضاء عند الفوات اعمّ من ان يكون بتقصير منه اولا، الا ترى انّ وجوب القضاء على النائم مجمع عليه مع انه لا تقصير منه إِنَّ اللّه كانَ عَفُوًّا حيث يسّر الأمر لكم و رخّص لكم غَفُوراً (٤٣) يغفر لكم ما شربتم المسكر و صليتم فى السّكر و مع الجنابة قبل نزول هذه الاية و اللّه اعلم اخرج ابن إسحاق عن ابن عباس رضى اللّه عنهما انه قال كان رفاعة بن زيد بن التابوت من عظماء اليهود إذا كلم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لوّى لسانه و قال راعنا سمعك يا محمّد حتى نفهمك ثم طعن فى الإسلام و عابه و ذكر البغوي عن ابن عباس قال فى رفاعة بن زيد و مالك ابن دحشم نزلت.

﴿ ٤٣