٧٩

ما أَصابَكَ ايّها الإنسان مِنْ حَسَنَةٍ نعمة فَمِنَ اللّه أنعم عليكم تفضلا منه من غير استحقاق عليه سبحانه و استيجاب فان كل ما فعله انسان من الطاعة لو سلم صدوره عنه غير مشوب بالمعصية قابلا للقبول و ان كان عامرا لجميع أوقاته فهو مخلوقة للّه تعالى نعمة منه تعالى حيث حماه عما لا يرضى عنه و وفقه لمرضاته مستوجب على العبد الشكر على توفيقه فكيف يقتضى عليه استحقاق شى ء من ثواب الدنيا او الاخرة مع ان الوجود و توابعه (مما يتوقف عليه صدور الطاعة و ما لا يتوقف عليه) نعماء من اللّه تعالى لا تعد و لا تحصى لا يمكن ان يكون ذلك الطاعة بإزائه شكرا لها و لذلك قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما أحد يدخل الجنة الا برحمة اللّه قيل و لا أنت قال و لا انا متفق عليه من حديث ابى هريرة وَ ما أَصابَكَ ايّها الإنسان مِنْ سَيِّئَةٍ بلاء فَمِنْ نَفْسِكَ روى ابن المنذر عن مجاهد انه كان فى قراءة أبيّ بن كعب و ابن مسعود ما أصابك من سيّئة فمن نفسك و انا كتبتها عليك اى من شامة نفسك استجلابا لا من شامة غيرك يعنى خلق اللّه تعالى تلك المصيبة و البلاء انتقاما لبعض معاصيك و جزاء لسيئاتك فان كان الإنسان كافرا كان أنموذجا لبعض ما يعدله من العقاب و ان كان الإنسان مؤمنا كان كفارة لذنوبه و باعثا لرفع درجاته عن عائشة قالت قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما من مصيبة تصيب المسلم الا كفر اللّه بها عنه حتى الشوكة يشاكها متفق عليه و عن ابى سعيد الخدري قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما من نصب او وصب حتى الشوكة يشاكها الا كفر اللّه من خطاياه متفق عليه و عن ابى موسى ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال لا تصيب عبدا نكبة فما فوقها و ما دونها الا بذنب و ما يعفو اكثر رواه الترمذي ففى هذه الاية جواب عن نسبتهم السوء الى النبي صلى اللّه عليه و سلم وَ أَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا منصوب على المصدرية او الحالية و قصد به التؤكيد ان علق الجار بالفعل و ان علق برسولا قصد به التعميم كما فى قوله تعالى وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ و فى هذه الجملة ايضا ردّ على قولهم هذه من عندك حيث نسبوا الشوم اليه عليه السلام و ما هو الا رسول من اللّه تعالى أرسل رحمة عامّة للناس أجمعين و انما حرم الكفار من الرحمة و أصابهم ما أصابهم من النقمة فى الدنيا و الاخرة بشوم أنفسهم حيث لم يطيعوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم

وَ كَفى بِاللّه شَهِيداً (٧٩) يشهد على رسالته فى الدنيا بنصب المعجزات و عند اختصامهم عند اللّه يوم القيامة كَفى بِاللّه شَهِيداً الإلزام الكفار و تعذيبهم فان الملك يومئذ للّه الواحد القهار يحكم بعلمه لا حاجة حينئذ الى شهادة غيره و اللّه اعلم-

قال البغوي كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول من أطاعني فقد أطاع اللّه و من أحبني فقد احبّ اللّه فقال بعض المنافقين ما يريد هذا الرجل الا ان نتخده ربّا كما اتخذت النصارى عيسى بن مريم فانزل اللّه تعالى.

﴿ ٧٩