٩٣ وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً من حيث انه مؤمن يعنى سخطا لايمانه او مستحلا لقتله كما قتل مقيس فهريا مُتَعَمِّداً و ما ذكر البغوي من قصّة مقيس يمكن الاستدلال به على ابى حنيفة فى ان القتل بالمثقل ايضا من قبيل العمد و قد قال ابو حنيفة هو شبه العمد و يمكن الجواب عنه على رواية الجرجاني ان شبه العمد من حيث الإثم حكمه حكم العمد و لذا قلنا لا كفارة له و انما خالف العمد فى سقوط القصاص لتمكن الشبهة من جهة الآلة و مقتضى هذه الاية الإثم دون القصاص، (فائدة:) قال البغوي مقيس ابن ضبابة هو الذي استثناه النبي صلى اللّه عليه و سلم يوم فتح مكة عمن امّنه فقتل و هو متعلق بأستار الكعبة و اخرج ابن جرير من طريق ابن جريح عن عكرمة ان رجلا من الأنصار قتل أخا مقيس ابن ضبابة فاعطاه النبي صلى اللّه عليه و سلم الدية فقبلها ثم وثب على قاتل أخيه فقتله فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم لا أومنه فى حل و لا حرم فقتل يوم الفتح فقال ابن جريح فيه نزلت هذه الاية و هذه الرواية مرسلة ظاهرا لكن روى ابو داود عن عكرمة انه قال كل شى ء أقول لكم فى التفسير فهو عن ابن عباس فعلى هذا يكون متصلا و هذه الرواية تدل على ان قاتل هشام كان معروفا و لعل ذلك القتل كان خطأ حيث حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بالدية و رواية البغوي تدلّ على ان القاتل لم يعلم و الحكم فى مثل ذلك القسامة و الدية و مسائل القسامة و شرائطها و الاختلاف فيها يقتضى بسطا لا حاجة الى ذكره هاهنا فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها لاجل كفره لازما لسخطه من الايمان او لاستباحته القتل او المراد بالخلود المكث الطويل اخرج الطبراني بسند ضعيف عن ابى هريرة عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال ان جازاه وَ غَضِبَ اللّه عَلَيْهِ وَ لَعَنَهُ طرده من الرحمة وَ أَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً (٩٣) روى الشيخان عن ابن عباس انه لا يقبل نوبة قاتل المؤمن عمدا و قال البغوي حكى عن ابن عباس ان قاتل المؤمن عمدا لا توبة له فقيل له ا ليس قد قال اللّه تعالى و لا يقتلون «١» النّفس الّتى حرّم اللّه الّا بالحقّ الى ان قال وَ مَنْ يَفْعَلْ (١) فى الأصل و لا تقتلوا بصيغه النهى لكنه سهو- ابو محمد عفا اللّه عنه. ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ يَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً إِلَّا مَنْ تابَ فقال كانت هذه فى الجاهلية و ذلك ان ناسا من اهل الشرك كانوا قد قتلوا و زنوا فاتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقالوا ان الذي تدعونا «١» اليه لحسن لو تخبرنا ان لما عملنا كفارة فنزل وَ الَّذِينَ لا «٢» يَدْعُونَ مَعَ اللّه إِلهاً آخَرَ الى قوله إِلَّا مَنْ تابَ وَ آمَنَ فهذه أولئك و امّا التي فى النساء فالرجل إذا عرف الإسلام بشرائعه ثم قتل فجزاؤه جهنم و روى عن ابن عبّاس خلافه ذكر فى التفسير انه قال ابن عبّاس فجزاؤه جهنم خالدا فيها لو جازاه اللّه لكنه يتفضل عليه و لا يخلده لايمانه و اخرج سعيد ابن منصور و البيهقي فى السنن عن ابن عباس ان رجلا أتاه فقال ملأت حوضى انتظرت بهيمتى ترد عليه فقال لم استيقظ الا برجل قد اسرع ناقته و ثلم الحرض و سال الماء فقمت فزعا فضربته بالسّيف فامره بالتوبة قال سعيد بن منصور حدثنا سفيان بن عيينة قال كان اهل العلم إذا سئلوا قالوا لا توبة له فاذا ابتلى رجل قالوا له تب قلت وجه الجمع بين القولين لابن عباس و غيره من اهل العلم ان قتل العمد جناية على حق العبد و جناية على حق اللّه تعالى فقولهم لا توبة له معناه لا توبة له فى حق العبد و فيه القصاص لا محالة امّا فى الدنيا او فى الاخرة كما ينطق به النصوص و هو المعنى من قوله صلى اللّه عليه و سلم كل ذنب عسى اللّه ان يغفره الا من مات مشركا او من يقتل مؤمنا متعمدا رواه ابو داود من حديث ابى الدرداء و رواه النسائي و صححه الحاكم عن معاوية و امّا قول العلماء بقبول التوبة فمعناه تفيد التوبة لاستدراك حق اللّه تعالى و قال زيد بن ثابت لما نزلت التي فى الفرقان وَ الَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللّه إِلهاً آخَرَ عجبنا من لينها فلبثنا سبعة أشهر ثم نزلت الغليظة بعد اللينة فنسخت اللينة و أراد بالتغليظ هذه الاية و القول (١) فى الأصل تدعون-. (٢) فى الأصل و الذين يدعون ٨٥٣. بان هذه الاية ناسخة لما فى الفرقان زعم من زيد بن ثابت رضى اللّه عنه إذ لا تدل هذه الاية على انه لا توبة له بل المذكور فى هذه الآية جزاء القتل عمدا و ذا لا يتصوّر الّا إذا لم يتب و مات فان تاب فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له اعنى فى حق اللّه تعالى و امّا فى حق العبد فلا بد فيه ردّ المظالم و استرضاؤه، (فائدة) احتجت المعتزلة بهذه الاية على خلود مرتكب الكبيرة فى النار و الخوارج على انّ مرتكب الكبيرة كافر و امّا اهل السنة و الجماعة فياوّلون هذه الاية كما ذكرنا للاجماع على ان المؤمن لا يخلد فى النار و ان مات بلا توبة و ان الكبيرة لا يخرج المؤمن من إيمانه مستندا ذلك الإجماع على ما تواتر من الكتاب و السنة من قوله تعالى فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ و قد ذكرنا الكلام فى تفسيره فى موضعه و قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى حيث ذكر عنوان القاتل بقوله الَّذِينَ آمَنُوا و قوله صلى اللّه عليه و سلم من قال لا اله الا اللّه دخل الجنة و ان زنى و ان سرق متفق عليه عن ابى ذرّ- و قوله صلى اللّه عليه و سلم من مات لا يشرك باللّه دخل الجنة رواه مسلم عن جابر و قوله صلى اللّه عليه و سلم بايعونى على ان لا تشركوا باللّه شيئا و لا تسرقوا و لا تزنوا و لا تقتلوا أولادكم و لا تأتوا ببهتان تفترونه بين ايديكم و أرجلكم و لا تعصوا فى معروف فمن و فى منكم فاجره على اللّه و من أصاب من ذلك شيئا فعوقب فى الدنيا فهو كفارة له و من أصاب من ذلك شيئا ثم ستره اللّه فهو الى اللّه ان شاء عفا عنه و ان شاء عاقبه فبايعناه على ذلك متفق عليه من حديث عبادة بن الصّامت، (فصل) فيما ورد فى القاتل عمدا، عن ابن مسعود قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اوّل ما يقضى بين الناس يوم القيامة فى الدّماء متفق عليه و عنه قال رجل يا رسول اللّه اىّ الذنب اكبر قال ان تدعو للّه ندّا و هو خلقك قال ثم اىّ قال ان تقتل ولدك خشية ان يطعم معك الحديث متفق عليه و عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اجتنبوا السبع الموبقات و عدّ منها قتل النفس التي حرم اللّه الّا بالحق متفق عليه و فى حديث عن بن عبّاس مرفوعا لا يقتل حين يقتل و هو مؤمن رواه البخاري و عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص ان النبي صلى اللّه عليه و سلم قال لزوال الدنيا أهون عند اللّه من قتل رجل مسلم رواه الترمذي و النسائي و رواه ابن ماجة عن البراء بن عازب و روى النسائي من حديث بريدة قتل المؤمن أعظم عند اللّه من زوال الدّنيا و عن ابى سعيد و ابى هريرة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال لو ان اهل السّماء و الأرض اشتركوا فى دم مؤمن لاكبّهم اللّه فى النار رواه الترمذي و عن عبد اللّه بن عمرو قال رايت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يطوف بالكعبة و يقول ما اطيبك و ما أطيب ريحك و ما أعظمك و ما أعظم حرمتك و الذي نفسى بيده لحرمة المؤمن أعظم من حرمتك ماله و دمه رواه ابن ماجة و عن ابى الدرداء عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال لا يزال المؤمن معتقا صالحا ما لم يصب دما حراما فاذا أصاب دما حراما بلّح رواه ابو داود و عن ابى هريرة من أعان على قتل مسلم و لو بشطر كلمة لقى اللّه و هو مكتوب بين عينيه آيس من رحمة اللّه، رواه ابن ماجة و روى الطبراني من حديث ابن عباس نحوه و ابن الجوزي عن ابى سعيد الخدري نحوه و ابو نعيم فى الحلية عن عمر بن الخطاب موقوفا نحوه و اللّه اعلم، روى البخاري و الترمذي و الحاكم و غيرهم عن عكرمة عن ابن عباس قال مرّ رجل من بنى سليم بنفرس اصحاب النبي صلى اللّه عليه و سلم و هو يسوق غنما له فسلم عليهم فقالوا ما سلم علينا الا ليتعوّذ منا فعمدوا اليه فقتلوه و أتوا بغنمه الى النبي صلى اللّه عليه و سلم فنزلت. |
﴿ ٩٣ ﴾