٩٥ لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ... وَ الْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّه قال زيد فجاءه ابن أم مكتوم و هو يملئها علىّ فقال يا رسول اللّه لو أستطيع الجهاد لجاهدت و كان رجلا أعمى و فى حديث ابن عباس قال عبد اللّه بن جحش و ابن أم مكتوم انا عميان فانزل اللّه تعالى عليه و فخذه على فخذى يعنى على فخذ زيد بن ثابت فثقلت علىّ حتى خفت ان ترض فخذى ثم سر عنه فانزل اللّه تعالى مكانه لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ عن الجهاد مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فى موضع الحال من القاعدين او من الضمير الذي فيه غَيْرُ بالرفع صفة للقاعدين او بدل منه و غير هاهنا اكتسب التعريف لان غير اولى الضرر هو من لا ضرر له فلا يرد ان ابدال النكرة من المعرفة يقتضى نعتها و التوجيه بان القاعدين معرفة فى حكم النكرة لانه لم يقصد به قوم بأعيانهم ضعيف لان المعرفة و ان كان فى حكم النكرة لكن لا يوصف بشى ء مما يوصف به النكرة الا بجملة فعلية فعلها مضارع كما فى قوله و لقد امر على اللئيم يسبنى، و قرا نافع و ابن عامر و الكسائي بالنصب على الاستثناء و نصبه على الحال مشكل لكونه معرفة أُولِي الضَّرَرِ فى الصحاح الضر سوء الحال امّا فى نفسه لقلة العلم و الفضل و العفّة و امّا فى بدنه لعدم جارحة او نقص فيها و امّا فى حالة الظاهر من قلة مال او جاه و فى القاموس الضرر سوء الحال كالضر و منه الضرير فى ذاهب البصر قلت و المراد هاهنا غير اولى الزمانة او المرض او الضعف فى البدل او البصر او المال بقرينة قوله تعالى وَ الْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّه بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ يعنى لا مساوات بينهم و بين غير المجاهدين بانفسهم و أموالهم من غير عذر و امّا غير المجاهدين بعذر الزمانة او العمى او نحو ذلك من الأمراض و غيرها او عدم وجدان ما ينفقون فى سبيل اللّه من الأموال فهم قد يساوون المجاهدين فى سبيل اللّه إذا كان نيتهم المجاهدة لو قدروا عليها روى البخاري عن انس و ابن سعد عنه و عن جابران رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لما رجع من غزوة تبوك فدنا من المدينة قال ان فى المدينة لا قواما ما سرتم من مسير و لا قطعتم من واد الا كانوا معكم قالوا يا رسول اللّه و هم بالمدينة قال نعم و هم بالمدينة حبسهم العذر و روى مقسم عن ابن عباس قال لا يستوى القاعدون من المؤمنين عن بدر و الخارجون الى بدر فَضَّلَ اللّه الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ المؤمنين غير اولى الضرر لان المعرفة إذا أعيدت معرفة فالثانية «١» عين الاولى دَرَجَةً منصوب بنزع الخافض اى بدرجة او على المصدرية لوقوعها موقع المرة من التفضيل كانه قيل فضلهم تفضيلة كقولهم ضربته سوطا او على الحال بمعنى ذوى درجة و الجملة موضحة للجملة السّابقة من نفى الاستواء و انما لم يقتصر على هذه الجملة مع كونه مغنية عن نفى المساوات لان نفى المساوات يتضمن التفضيل اجمالا و دلالة و فى التفصيل بعد الإجمال و التصريح بعد الدلالة مزيد التأكيد و التمكن فان قيل عدم مساوات من عمل بطاعة اىّ طاعة كان و من لم يعملها بديهي غير مخفى فاىّ فائدة فى بيانه قلنا فائدته التنبيه على ذلك و الترغيب فى الجهاد و الاولى ان يقال انه قد يتاتى فى حالة القعود عن الجهاد من الطاعات بفراغ القلب و أداء حقوق اللّه تعالى و حقوق الناس ما لا يتاتى فى حالة الجهاد فيوهم ذلك فضل القاعد على المجاهد ففائدة هذه الاية دفع ذلك التوهم عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مثل المجاهد فى سبيل اللّه كمثل الصّائم القائم القانت بايات اللّه لا يفتر من صيام و لا صلوة حتى يرجع المجاهد فى سبيل اللّه متفق عليه وَ كُلًّا اى كل واحد من المجاهدين و القاعدين بلا عذر وَعَدَ اللّه المثوبة الْحُسْنى يعنى الجنّة بايمانهم فيه دليل على ان الجهاد فرض على الكفاية و لو كان فرضا على الأعيان لاستحق القاعد العقاب دون الثواب، (فصل) اجمعوا على انه إذا كان الكفار قارين فى بلادهم فعلى الامام ان لا يخلو سنة من السنين عن غزوة يغزوها بنفسه او بسراياه حتى لا يكون الجهاد معطلا لان النبي صلى اللّه عليه و سلم و الخلفاء الراشدون لم يهملوا الجهاد فاذا قام على الجهاد فئة من المسلمين بحيث حصل بهم دفع شرّ الكفار و إعلاء كلمة اللّه تعالى سقط عن الباقين و حينئذ لا يجوز للعبد ان يخرج الى الجهاد بغير (١) فى الأصل فالثانى عين الاول. اذن المولى و لا للمرءة بغير اذن الزوج و لا للمديون بغير اذن الدائن و لا للولد إذا منعه أحد أبويه لان بغيرهم مقنعا فلا ضرورة الى ابطال حقوق العباد و ان لم يقم به أحد اثم جميع الناس الا اولى الضرر منهم و اجمعوا على انه يجب على اهل كل قطر من الأرض ان يقاتلوا من يلونهم من الكفّار فان عجزوا ساعدهم الأقرب فالاقرب و كذا إذا تهاونوا مع القدرة يجب القيام به على الأقرب فالاقرب الى منتهى الأرض (مسئلة) و اجمعوا على انه إذا التقى الصفان وجب على المسلمين الحاضرين الثبات و حرم عليهم الفرار الا ان يكونوا متحرفين لقتال او متحيّزين الى فئة او يكون الكفار اكثر من ضعف عدد المسلمين فيباح لهم الفرار لكن الثبات حينئذ أفضل، (مسئلة:) يشترط للجهاد الزاد و الراحلة مع سلامة الأسباب و الآلات عند الائمة الثلاثة إذا تعين الجهاد على اهل بلد و كان بينهم و بين موضع الجهاد مسافة سفر و قال مالك لا يشترط ذلك لنا قوله تعالى غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ و من لا زاد له و لا راحلة فهو من اهل الضرر و قوله تعالى وَ لا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ الاية (مسئلة) و اجمعوا على انه إذا هجم العدو دار قوم من المؤمنين يجب على كل مكلّف من الرجال حرا كان او عبدا غنيا كان او فقيرا ممّن لا عذر له من اهل تلك البلدة الخروج الى الجهاد و حينئذ يكون من فروض الأعيان فلا يظهر فيه حق العبد كالمولى و الدائن و الأبوين كما فى الصلاة و الصوم و قال ابو حنيفة تخرج المرأة ايضا بغير اذن زوجها فان وقع بهم الكفاية سقط عمّن ورائهم و ان لم يقع بهم الكفاية يجب على من يليهم اعانتهم و ان قعد من يليهم يجب على من ورائهم الأقرب فالاقرب و اللّه اعلم، وَ فَضَّلَ اللّه الْمُجاهِدِينَ فى سبيل اللّه باموالهم و أنفسهم عَلَى الْقاعِدِينَ المؤمنين غير اولى الضرر أَجْراً عَظِيماً (٩٥) منصوب على المصدرية لان فضّل بمعنى اجر او على انه المفعول الثاني له لتضمنه معنى الإعطاء كانه قيل و أعطاهم زيادة على القاعدين اجرا عظيما. |
﴿ ٩٥ ﴾