٩٦

دَرَجاتٍ فى القرب و الجنة كائنة مِنْهُ تعالى وَ مَغْفِرَةً وَ رَحْمَةً كل واحد من الثلاثة بدل من اجرا الدرجات لغير المذنب و المغفرة للمذنب و الرحمة يعمّهما و جاز ان ينصب درجات على المصدر كقولهم ضربتهم أسواطا و اجرا على الحال منها تقدمت عليها لكونها نكرة و مغفرة و رحمة على المصدرية بإضمار فعليهما كرّر تفضيل المجاهدين و بالغ فيها اجمالا و تفصيلا حيث أومى الى التفضيل اوّلا بنفي المساوات ثم صرح بالتفضيل مجملا بقوله درجة ثم فضل تفصيلا بقوله أَجْراً عَظِيماً دَرَجاتٍ مِنْهُ وَ مَغْفِرَةً وَ رَحْمَةً ترغيبا فى الجهاد و تعظيما لامره، و لا تنافى فى توحيد الدرجة اوّلا و تكثيرها ثانيا لان المراد تفضيل كل مجاهد على كل قاعد اولا و فيما بعد تفضيل الجميع على الجميع و مقتضاه انقسام الآحاد على الآحاد أو لأن المراد اختلاف حال المجاهدين فمنهم من فضل بدرجة و منهم من فضل بدرجات و قيل أراد بقوله فَضَّلَ اللّه الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ درجة فى الدنيا من الغنيمة و الظفر و السلطنة و جميل الذكر و أفرد الدرجة تحقيرا لما فى الدنيا و أراد بقوله فضّل اللّه الثاني ما أعد اللّه لهم فى الاخرة و قيل المراد بالدرجة الاولى ارتفاع منزلتهم عند اللّه تعالى و بالدرجات منازلهم فى الجنة و قيل المجاهدون الأولون من جاهد الكفار لهم درجة و الآخرون من جاهد نفسه أعد اللّه لهم اجرا عظيما درجات القرب منه تعالى و مغفرة و رحمة قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم المجاهد يعنى المجاهد الكامل من جاهد نفسه فى طاعة اللّه و المهاجر من هجر الخطايا و الذنوب رواه البيهقي فى شعب الايمان عن فضالة و قيل القاعدون فى الاية الاولى اولى الضرر منهم فضل اللّه المجاهدين عليهم درجة لان المجاهدين باشروا الجهاد مع النية و اولى الضرر من القاعدين كانت لهم نية و لم يتيسّر لهم الجهاد و كلا من المجاهدين و القاعدين المعذورين وعد اللّه الحسنى على نياتهم كذا قال مقاتل و القاعدون الثاني غير معذورين فضل اللّه المجاهدين عليهم اجرا عظيما درجات منه و مغفرة و رحمة عن ابى سعيد الخدري ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال يا أبا سعيد من رضى باللّه ربّا و بالإسلام دينا و بمحمد نبيا وجبت له الجنة قال فعجب لها ابو سعيد فقال أعدها عليّ يا رسول اللّه ففعل قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و اخرى يرفع اللّه بها للعبد مائة درجة فى الجنة ما بين كل درجتين كما بين السماء و الأرض قال و ما هى يا رسول اللّه قال الجهاد فى سبيل اللّه الجهاد فى سبيل اللّه رواه مسلم و عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من أمن باللّه و رسوله و اقام الصّلوة و صام رمضان كان حقا على اللّه عز و جل ان يدخله الجنة جاهد فى سبيله او جلس فى ارضه التي ولد فيه قالوا يا رسول اللّه أ فلا نبشر الناس بذلك قال ان فى الجنة مائة درجة أعدها اللّه للمجاهدين فى سبيله ما بين كلّ درجتين كما بين السّماء و الأرض فاذا سالتم اللّه فاسئلوا الفردوس فانه اوسط الجنة و أعلى الجنة و فوقه عرش الرحمن و منه تفجر انهار الجنة رواه البخاري وَ كانَ اللّه غَفُوراً لذنوبهم رَحِيماً (٩٦) بهم يعطيهم درجات عظام و اللّه اعلم ذكر البغوي ان ناسا من اهل مكة تكلموا بالإسلام و لم يهاجروا منهم قيس بن الفاكة بن المغيرة و قيس بن الوليد بن المغيرة و أشباههما فلما خرج المشركون الى بدر خرجوا معهم فقتلوا مع الكفار و روى البخاري عن ابن عبّاس انّ ناسا من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سواد المشركين على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فيأتى السهم يرمى به فيصيب أحدهم فيقتله او يضرب فيقتل قلت قوله يكثر سواد المشركين يدل على انهم لم يكونوا يقاتلون و أخرجه ابن مندة و سمى منهم فى روايته قيس بن الوليد بن المغيرة و ابو القيس بن الفاكة بن المغيرة و الوليد بن عتبة بن ربيعة و عمرو ابن امية سفيان و على بن امية بن خلف و ذكر شأنهم انهم خرجوا الى بدر فلما راوا قلة المسلمين دخلهم شك و قالوا غرّ هؤلاء دينهم فقتلوا ببدر قلت و هذه الرواية يعنى قوله دخلهم شكّ يدل على ارتدادهم و نظم القران لا يدل على كفرهم و أخرجه ابن ابى حاتم و زاد فيهم الحارث ابن ربيعة بن الأسود و العاص بن عتبة بن حجاج

و اخرج الطبراني عن ابن عباس قال كان قوم بمكة قد اسلموا فلما هاجر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كرهوا ان يهاجروا و خافوا

و اخرج ابن جرير و ابن المنذر عن ابن عباس قال كان قوم من اهل مكة قد اسلموا و كانوا يخفون الإسلام فاخرجهم المشركون معهم يوم بدر فاصيب بعضهم فقال المسلمون هؤلاء كانوا مسلمين فاكرهوا فاستغفروا لهم فنزلت.

﴿ ٩٦