٩٧ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ يحتمل الماضي و المضارع بحذف أحد التاءين و التوفى قبض الروح الْمَلائِكَةُ قيل أراد به ملك الموت وحده لما ورد فى قوله تعالى قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ و العرب قد يخاطب الواحد بلفظ الجمع و الصحيح انه أراد ملك الموت و أعوانه لما روى احمد و النسائي من حديث ابى هريرة بطوله و فيه قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا احتضر المؤمن أتت ملائكة الرحمة بحريرة بيضاء فيقولون اخرجى راضية مرضية عنك الى روح اللّه و ريحان و ربّ غير غضبان الحديث و امّا الكافر إذا احتضر أتته ملائكة العذاب بمسيح فيقولون اخرجى ساخطة مسخوطة عليك الى عذاب اللّه عز و جل الحديث و روى احمد عن البراء بن عازب حديثا طويلا و فيه ان العبد المؤمن إذا كان فى انقطاع من الدنيا و اقبال من الاخرة نزل اليه ملائكة بيض الوجوه كأنّ وجوههم الشمس معهم كفن من أكفان الجنة و حنوط من حنوط الجنة ثم جلسوا منه مد البصر ثم يجى ء ملك الموت عليه السلام حتى يجلس عند رأسه فيقول أيتها النفس الطيبة اخرجى الى مغفرة من اللّه و رضوان قال فيخرج تسيل كما تسيل القطرة من السقاء فيأخذها فاذا أخذها لم يدعوها فى يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلوها فى ذلك الكفن و ذلك الحنوط الحديث و انّ العبد الكافر إذا كان فى انقطاع من الدنيا و اقبال من الاخرة نزل اليه من السّماء ملائكة سود الوجوه معهم المسوح فيجلسون معه مدّ البصر ثم يجى ء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول أيتها النفس الخبيثة اخرجى الى سخط من اللّه قال فتفرق فى جسده فينزعها كما ينزع السفود من الصوف المبلول فيأخذها فاذا أخذها لم يدعوها فى يده طرفة عين حتى يجعلوها فى تلك المسوخ الحديث و فى رواية ابن جرير و ابن المنذر و ابن عباس انه لما نزلت هذه الاية كتب المسلمون الى من بقي منهم بمكة و انه لا غنى لهم فخرجوا فلحقهم المشركون فردوهم فنزلت فيهم فَإِذا أُوذِيَ فِي اللّه جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللّه فكتب إليهم المسلمون بذلك فقالوا نخرج فان اتبعنا أحد قاتلناه فخرجوا فلحقوهم فنجامنهم من نجا و قتل من قتل فنزلت ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا الاية ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ بترك فريضة الهجرة و المقام بدار الشرك و ارتكاب معصية موافقة الكفار حال من الضمير المفعول قال البغوي قيل لم يكن يقبل الإسلام بعد هجرة النبي صلى اللّه عليه و سلم الّا بالهجرة ثم نسخ ذلك بعد فتح مكة فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم لا هجرة بعد فتح مكة رواه ابو داود و احمد بسند صحيح عن مجاشع بن مسعود و ابن جرير عن الضحاك و الصحيح ان الهجرة من دار الكفر على من قدر عليها فريضة محكمة بالإجماع غير منسوخة و هذه الاية دليل على وجوب الهجرة من موضع لا يتمكن فيه اقامة شرائع الإسلام و معنى قوله صلى اللّه عليه و سلم لا هجرة بعد فتح مكة ان مكة بعد الفتح صارت دار الإسلام و لم تبق الهجرة من مكة بعد الفتح واجبة و من هاجر من مكة بعد الفتح لا يعدّ من المهاجرين و لا يدرك ثوابهم و كون الهجرة فريضة لا يستلزم عدم قبول إسلامهم و الحكم بانهم ليسوا بمؤمنين بل يقتضى عصيانهم و ترك موالاتهم، قال اللّه تعالى و الّذين أمنوا و لم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شى ء حتّى يهاجروا و ان استنصروكم فى الدّين فعليكم النّصر الّا على قوم بينكم و بينهم ميثاق قالُوا اى الملائكة توبيخا، جملة قالوا خبر انّ و العائد محذوف اى قالوا لهم و جاز ان يكون حالا من الملائكة بتقدير قد او من الضمير المنصوب فى تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ بتقدير قد و الضمير اى و قد قالوا لهم فِيمَ كُنْتُمْ مقولة قالوا اى فى اىّ شى ء كنتم فى الإسلام كما يدل عليه إقراركم به أم فى الكفر كما يدل عليه مقامكم مع الكفار و موافقتكم بهم بلا عذر قالُوا يعنى المتوفين الذين تركوا فريضة الهجرة هذا خبر انّ على تقدير كون ما قبله حالا و جملة مستانفة على تقدير كونه خبر ان كانّه فى جواب السائل ما قالت المتوفون إذا قالت الملائكة ما ذكر فاجيب بانهم قالوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ اى ارض مكة لم نقدر على مقاومة الكفار و مخالفتهم او كنا عاجزين عن اظهار الدين و إعلاء كلمته قالُوا اى الملائكة تكذيبا لهم و تبكيتا جملة مستانفة فى جواب ما قالت الملائكة حين اعتذر المتوفون أَ لَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّه واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها يعنى كنتم قادرين على الخروج من مكة الى ارض لا تمنعون فيها من اظهار الإسلام و مخالفة الكفار و إعلاء كلمة اللّه كما فعل المهاجرون الى المدينة و الحبشة و نصب فتهاجروا على جواب الاستفهام فَأُولئِكَ اى المتوفون ظالمى أنفسهم مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ الفاء للتعقيب و السببية يعنى لاجل تركهم الهجرة مأويهم جهنم و ذا لا يستلزم الكفر و لا الخلود فى جهنم و الجملة معطوفة على جملة قبلها مستنتجة منها و جاز ان يكون جملة فاولئك خبر ان و الفاء فيه لتضمن الاسم معنى الشرط و ما قبله حال او استيناف وَ ساءَتْ مَصِيراً (٩٧) مصيرهم او جهنم قال النبي صلى اللّه عليه و سلم من فر بدينه من ارض الى ارض و ان كان شبرا من الأرض استوجبت له الجنة و كان رفيقه أبوه ابراهيم و نبيه محمد صلى اللّه عليه و سلم أخرجه الثعلبي من حديث الحسين مرسلا و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم خير مال المسلم الغنم يتبع بها شعف الجبال يفر بدينه من الفتن رواه البخاري و غيره و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان الإسلام بهدم ما كان قبله و ان الهجرة تهدم ما كان قبلها و ان الحج يهدم ما كان قبله رواه مسلم عن عمرو بن العاص-. |
﴿ ٩٧ ﴾