١٠١

وَ إِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ اى سافرتم فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ اى اثم كذا فى القاموس أَنْ تَقْصُرُوا اى فى ان تقصروا مِنَ الصَّلاةِ الرباعية دون الثنائية و الثلاثية اجماعا الى ركعتين و الجار و المجرور صفة لمحذوف اى شيئا من الصلاة عند سيبويه و مفعول لتقصروا بزيادة من عند الأخفش و هاهنا ابحاث البحث الاوّل فى مقدار مسافة السفر المرخص للقصر و قد مرّ هذا البحث فى سورة البقرة فى رخصة إفطار الصّوم (البحث الثاني) فى انه هل يجوز الإتمام فى السفر أم لا، فقال ابو حنيفة و بعض اصحاب مالك لا يجوز

قال البغوي و هو المروي عن عمر و على و ابن عمر و جابر و ابن عباس و به قال الحسن و عمر بن عبد العزيز و قتادة و مالك و قال الشافعي و احمد و هو المشهور من مذهب مالك انه يجوز

قال البغوي و هو المروي عن عثمان و سعد بن ابى وقاص و الحجة للشافعى ظاهر هذه الاية فان نفى الجناح يقال فى الرخص لا فيما يكون حتما و حديث عائشة ان النبي صلى اللّه عليه و سلم كان يقصر فى السفر و يتم و يفطر و يصوم رواه الشافعي و ابن ابى شيبة و البزار و الدارقطني و قال الدارقطني اسناده صحيح و اعترض عليه بانه من رواية مغيرة بن زياد عن عطاء بن «١» رباح و قد ضعّفه احمد و قال ابو زرعة لا يحتج بحديثه لكن ابن الجوزي أخرجه من طريق عمر بن سعيد عن عطاء و المغيرة بن زياد قد وثقه وكيع و يحيى بن معين و حديث عبد الرحمن بن اسود عن عائشة قالت خرجت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى عمرة فى رمضان فافطر و صمت و قصر و أتممت فقلت بابى أنت و أمي أفطرت و صمت و قصرت و أتممت قال أحسنت يا عائشة رواه النسائي و الدارقطني و حسنه و البيهقي و صححه و اعترض عليه بان عبد الرحمن بن اسود دخل على عائشة و هو صغير لم يسمع منها و قال الدارقطني دخل عليها و هو مراهق و فى تاريخ البخاري و غيره ما يشهد لذلك و روى الدارقطني هذا الحديث عن عبد الرحمن بن اسود عن أبيه عن عائشة و اختلف قول الدارقطني فيه فقال فى السير اسناده حسن و قال فى العلل المرسل أشبه و اعترض عليه ايضا بانه صلى اللّه عليه و سلم لم يعتمر فى رمضان باتفاق اصحاب السير لكن قوله فى عمرة رمضان فى رواية الدارقطني و ليس فى رواية غيره و اللّه اعلم احتج ابو حنيفة بحديث يعلى بن امية قال سالت عمر بن الخطّاب قلت ليس عليكم جناح ان تقصروا من الصّلوة ان خفتم ان يفتنكم الّذين

(١) ابن ابى رباح [.....].

كفروا و قد أمن الناس فقال لى عمر عجبت منه فسالت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن ذلك فقال صدقة تصدق اللّه بها عليكم فاقبلوا صدقته رواه مسلم و حديث انس بن مالك رجل من بنى عبد اللّه بن كعب ليس له رواية عن النبي صلى اللّه عليه و سلم غير هذا الحديث قال أغارت علينا خيل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فاتيت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فوجدته يتغذى فقال ادن فكل فقلت انى صائم فقال ادن أحدثك عن الصوم ان اللّه وضع عن المسافر الصّوم و شطر الصلاة و عن الحامل و الموضع الصوم فيالهف نفسى ان لا أكون طعمت من طعام رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم رواه ابن الجوزي من طريق الترمذي و الشافعي احتج بهذا الحديث لمذهبه حيث قرن الصوم بالصّلوة و رخصة المسافر فى فطر الصوم رخصة التخيير اجماعا، وجه احتجاج ابى حنيفة ان الوضع هو الاسقاط لكن استعماله فى رخصة الصوم يدل على ان المراد به هاهنا التخيير و لو مجازا و الجمع بين الحقيقة و المجاز لا يجوز حتى يقال انه فى حق الصوم للتخيير و فى حق الصلاة للاسقاط و وجه احتجاج ابى حنيفة بحديث يعلى بن امية عن عمر انّ التصدق بما لا يحتمل التمليك إسقاط محض و ان كان المتصدق ممن لا يلزم و طاعته كولى القصاص إذا عفى فممّن يلزم طاعته اولى و ان الأمر بقبول الصدقة للوجوب و احتج ابو حنيفة ايضا بأثر عمر بن الخطاب قال صلوة السفر ركعتان و صلوة الأضحى ركعتان و صلوة الفطر ركعتان و صلوة الجمعة ركعتان تمام غير قصر على لسان محمد صلى اللّه عليه و سلم أخرجه النسائي و ابن ماجة و اثر ابن عباس قال فرض اللّه الصّلوة على نبيكم فى الحضر أربعا و فى السّفر ركعتين و فى الخوف ركعة رواه مسلم و اثر عائشة قالت فرضت الصلاة ركعتين فاقرت صلوة السّفر و زيد فى صلوة الحضر متفق عليه و فى لفظ قال الزهري قلت لعروة فما بال عائشة تتم فى السفر قال انها تاوّلت كما تاوّل عثمان و فى لفظ للبخارى فرضت الصلاة ركعتين ركعتين ثم لمّا هاجر النبي صلى اللّه عليه و سلم فرضت أربعا فتركت صلوة السفر على الاول و بحديث ابن عمر قال صحبت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى السفر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه اللّه و صحبت عمر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه اللّه و صحبت عثمان فلم يزد على ركعتين حتى قبضه اللّه و قد قال اللّه تعالى لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّه أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ رواه البخاري و فى الصحيحين بلفظ صحبت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فكان لا يزيد فى السفر على ركعتين و أبا بكر و عمر و عثمان كذلك و ايضا فيهما عنه صلى اللّه عليه و سلم صلى بمنى ركعتين و ابو بكر بعده و عمر بعد ابى بكر و عثمان صدرا من خلافته ثم ان عثمان صلى بعده أربعا و بما روى احمد ان عثمان صلى بمنى اربع ركعات فانكر الناس عليه فقال ايها الناس انى تاهلت بمكة منذ قدمت و انى سمعت رسول اللّه صلىاللّه عليه و سلم يقول من تاهل فى بلد فليصل صلوة المقيم وجه الاحتجاج ان انكار الناس على عثمان فى إتمامه و بيانه العذر بالتأهل بمكة دليل واضح على انه لا يجوز الإتمام و لو جاز لما أنكروا عليه و لما اعتذر بالتأهل بل ببيان التخيير- و أجيب عن الآثار بان اثر عمر بن الخطاب ان صلوة السفر ركعتان تمام فى الاجر غير قصر يعنى لا نقصان فى صلوته و كيف يقول عمر غير قصر مع انه تعالى يقول فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا فانه صريح فى كونه قصرا و حديث الآحاد و ان كان مرفوعا ساقط فى مقابلة نصّ الكتاب فكيف الموقوف و اثر ابن عباس متروك بالإجماع حيث لم يذهب أحد الى ان الصّلوة فى الخوف ركعة و اثر عائشة لا يجوز العمل به لان عمل الراوي على خلاف ما يرويه جرح فى الحديث و لا شك ان عائشة كانت تتم فى السفر و روت عن النبي صلى اللّه عليه و سلم رخصة التخيير فيجب ان يحمل قولها تركت صلوة السفر على الاول على من ان من اختار الركعتين فكانّ الصلاة تركت فى حقه على الحالة الاولى و امّا حديث ابن عمر فشهادة على النفي و حديث عائشة شهادة على الإثبات فهو اولى او يقال معناه لم يزد على ركعتين غالبا و ايضا ذكر ابن عمران عثمان صلى صدرا من خلافته ركعتين ثم صلى أربعا و لم يذكر انكار الناس عليه و هذا دليل التخيير و ايضا قوله لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّه أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ تدل على الاولوية دون الوجوب و انكار الناس على عثمان و اعتذاره جاز ان يكون لترك الاولى و احتج الحنفية بالمعقول بان الشفع الثاني لا يقضى و لا يأثم بتركه و هذا اية النافلة بخلاف الصوم فانه يقضى و بخلاف الحج على الفقير فانه يصير فريضة إذا دخل الميقات و ان التخيير بين الواجبات لا يكون الا لنوع يسر فى كلا الامرين كما فى صوم رمضان للمسافر فان فيه ايضا نوع يسر بسهولة فى الصوم مع الناس ما ليس فى انفراده و لا كذلك فى الاثنين و الأربع فان اليسر فى الاثنين متيقن و امّا جمعة السافر و ظهره فكل واحد منهما جنس اخر من الصلاة و فى كل منهما نوع يسر حيث يشترط فى الجمعة ما لا يشترط فى الظهر و التخيير بلا مراعاة يسر للمكلّف مناف لشأن العبودية و أجيب بان التخيير بين القليل و الكثير مفيد فاختيار القليل لليسر و اختيار الكثير لزيادة الاجر و زيادة الاجر فى الأربع لا يوجب نقصانا فى الثنتين نظيره القراءة فى الصلاة فان المصلى مخيّربين ان يقرا ادنى ما يجوز به الصلاة و حينئذ لا نقصان فى صلوته و بين ان يقرا القران كله فى ركعة و كلّما قرا فى الصلاة و ان كان جميع القران وقع من الفريضة لانه فرد من افراد المأمور به حيث قال اللّه تعالى فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ و يرد عليه ان تقريركم هذا يدل على ان الإتمام للمسافر أفضل و اكثر ثوابا من القصر كما انّ زيادة القراءة فى الصلاة أفضل اجماعا و انما يكره الزيادة على القدر المسنون فى حقّ الامام رعاية للقوم و امّا فى المنفرد و كذا فى حق الامام إذا كان القوم راغبين فلا كراهة اجماعا لكن القصر فى السفر أفضل من الإتمام اجماعا و ما روى عن الشافعي من أحد قوليه ان الإتمام أفضل فقد رجع عنه و أجاب الحنفية عن استدلال الشافعي بهذه الاية ان الناس لما كانوا الفوا بالإتمام كان مظنة ان يخطر ببالهم ان عليهم نقصانا فى القصر فنفى عنهم الجناح لتطيب أنفسهم بالقصر و يطمانوا اليه نظيره قوله تعالى إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللّه فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما ورد بان هذا ترك بظاهر الاية من غير موجب فلا يجوز و اللّه اعلم البحث الثالث ان سفر المعصية يبيح القصر عند ابى حنيفة لعموم هذه الاية و قالت الائمة الثلاثة لا يبيح و ليس لهم ما يمكن التعويل عليه من الحجة البحث الرابع إذا فارق المسافر بيوت المصر صلى ركعتين عند الائمة الاربعة و فى رواية عن مالك إذا كان من المصر على ثلثة أميال و حكى عن الحارث بن ربيعة انه أراد سفرا فصلى بهم ركعتين فى منزله و فيهم الأسود و غير واحد من اصحاب عبد اللّه و عن مجاهد انه كان إذا خرج نهارا لم يقصر حتى يدخل الليل و ان خرج ليلا لم يقصر حتى يدخل النهار، لنا ان الاقامة يتعلق بدخول المصر فالسفر يتعلق بخروجها و روى ابن ابى شيبة عن على رضى اللّه عنه انه خرج من البصرة فصلى الظهر أربعا يعنى قبل التجاوز عن بيوت المصر ثم قال لو جاوزنا هذا الحصن لصلينا ركعتين و كذا إذا رجع من السفر و أراد دخول بلده صلى ركعتين ما لم يدخل بيوت مصره فاذا دخل البيوت صلى أربعا اجماعا ذكر البخاري تعليقا قال خرج على فقصر و هو يرى البيوت فلمّا رجع قيل له هذه الكوفة قال لا حتى ندخلها يريد انه صلى ركعتين و الكوفة بمراء منهم و روى عبد الرزاق قال أخبرنا الثوري عن وفا بن إياس الأسدي قال خرجنا مع على و نحن ننظر الكوفة فصلى ركعتين ثم رجعنا فصلى ركعتين و هو ينظر الى القرية فقلنا له الا نصلى أربعا قال لا حتى ندخلها البحث الخامس فى انه فى أثناء السفر إذا نوى فى بلد او قرية اقامة اربعة ايام غير يومى الدخول و الخروج صلى أربعا عند مالك و الشافعي، و عن احمد ان نوى اقامة مدة يفعل فيها اكثر من عشرين صلوة أتم و قال ابو حنيفة لا يتم حتى ينوى اقامة خمسة عشر يوما فى مصر او قرية و لا عبرة بنية الاقامة فى الصحراء و الاخبية لنا ما صح انه صلى اللّه عليه و سلم دخل مكة فى حجة الوداع صبيحة رابعة ذى الحجة يوم الأحد فلما كان يوم التروية ثامن ذى الحجة يوم الخميس توجه الى منى و بعد طلوع الشمس من يوم عرفة توجه الى عرفة فاذا فرغ من الحج بات بالمحصّب ليلة الأربعاء ثم طاف عليه السلام طواف الوداع سحرا قبل الصبح و خرج صبيحة و هو اليوم الرابع عشر فتمت عشر ليال و اقام بمكة الى يوم التروية اربعة ايام و لياليها كوامل فظهر بذلك بطلان قول مالك و الشافعي دون قول احمد حيث صلى النبي صلى اللّه عليه و سلم بمكة عشرين صلوة لا مزيد عليه احتج ابو حنيفة بالآثار اخرج الطحاوي عن ابن عباس و ابن عمر قالا إذا قدمت بلدة و أنت مسافر و فى نفسك ان تقوم خمس عشرة ليلة فاكمل الصلاة بها و ان كنت لا تدرى متى تظعن فاقصرها و روى ابن ابى شيبة بسنده عن مجاهد ان ابن عمر كان إذا جمع على اقامة خمسة عشر أتم و قال محمد فى كتاب الآثار ثنا ابو حنيفة ثنا موسى بن مسلم عن مجاهد عن ابن عمر قال إذا كنت مسافرا فوطنت نفسك على اقامة خمسة عشر يوما فاتمم الصلاة و ان كنت لا تدرى متى تظعن فاقصر مسئلة:- لو دخل مصرا يريد ان يخرج غدا او بعد غد او متى أنجز حاجته و لم ينو مدة الاقامة حتى بقي على ذلك سنين قصرا بدا كذا قال الجمهور و هو أحد اقوال الشافعي و فى قول يقصر اربعة عشر يوما و أرجح أقواله يقصر سبعة عشر و يتم ثمانية عشر لحديث ابن عباس قال سافر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم سفرا فصلى سبعة عشر يوما ركعتين ركعتين قال ابن عباس فنحن نصلى الى سبعة عشر ركعتين ركعتين فاذا قمنا اكثر من ذلك صلينا أربعا رواة الترمذي و قال هذا حديث صحيح و لا حجة فيه لانه اتفقت الا قامة تلك المدة و الظاهر لو زادت دام القصر و قد روى احمد و ابو داود عن جابر قال اقام رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بتبوك عشرين يوما يقصر الصلاة و روى عبد الرزاق بسنده ان ابن عمر اقام بآذربيجان ستة أشهر يقصر الصلاة و رواه البيهقي بسند صحيح و روى البيهقي بسنده ان ابن عمر قال ارتج علينا الثلج و نحن بآذربيجان ستة أشهر فى غزاة فكنا نصلى ركعتين و فيه انه كان مع غيره من الصحابة يفعلون ذلك

و اخرج عبد الرزاق عن الحسن قال كنا مع عبد الرحمن بن سمرة ببعض بلاد فارس سنين فكان لا يجمع و لا يزيد على ركعتين

و اخرج عن انس بن مالك انه كان مع عبد الملك بن مروان بالشام شهرين فيصلى ركعتين ركعتين مسئلة:- الملاح إذا سافر فى سفينة فيها اهله و ماله و كذا المكاري الذي يسافر دائما يقصر عند الثلاثة لاطلاق النص و قال احمد لا يقصر- مسئلة نية الاقامة من اهل الكلاء و هم الاخبية قيل لا يصح و الصحيح انهم مقيمون لان الاقامة اصل فلا يبطل بالانتقال من مرعى الى مرعى

(مسئلة) إذا اقتدى المسافر بمقيم فى جزء من صلاته أتم أربعا عند الجمهور و قال مالك ان أدرك ركعة من صلوته أتم و الا فلا و قال إسحاق بن راهويه يقصر المسافر خلف المقيم روى احمد عن موسى بن سلمة قال كنا مع ابن عباس بمكة فقلت انا إذا كنّا معكم صلينا أربعا و إذا رجعنا صلينا ركعتين قال تلك سنة ابى القاسم صلى اللّه عليه و سلم مسئلة من فاته صلوة الحضر فقضاها فى السفر قضاها تامّة قال ابن المنذر لا اعرف فيه خلافا الّا شيئا يحكى عن الحسن و المزني انه يقصر و ان فاتته صلوة فى السفر فقضاها فى الحضر يقصر عند ابى حنيفة و مالك واحد قولى الشافعي و عند احمد يتم و هو أصح قولى الشافعي

(مسئلة) ان صلى المسافر بالمقيمين صلى ركعتين و أتم المقيمون صلاتهم اجماعا عن عمران بن حصين قال غزوت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و شهدت معه الفتح فاقام بمكة ثمان عشر ليلة لا نصلى الا ركعتين يقول يا اهل مكة صلّوا أربعا فانا قوم سفر رواه الترمذي و صححه- إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ اى ينالكم بمكروه من قتل او جرح او اسر او سلب مال، الَّذِينَ كَفَرُوا هذا شرط استغنى عن الجزاء بما سبق يعنى ان خفتم الفتنة من الكفّار فاقصروا من الصلاة فالخوف شرط لجواز القصر بظاهر هذا النصّ و به قالت الخوارج و الإجماع على انه ليس بشرط بل الكلام خارج مخرج الغالب فان غالب اسفار النبي صلى اللّه عليه و سلم كان مظنة الخوف فلا حكم لهذا الشرط كما فى قوله تعالى وَ لا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً و قد تظاهرت السنن على قصر الصلاة فى حالة الامن كما ذكرنا حديث يعلى بن امية عن عمر و روى الشافعي عن ابن عبّاس قال سافر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بين مكة و المدينة أمنا لا يخاف الّا اللّه يصلى ركعتين- و عن حارثة بن وهب الخزاعي صلى بنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و نحن اكثر ما كنا قطّ و امنة بمنى ركعتين متفق عليه و قيل قوله ان خفتم متصل بما بعده من صلوة الخوف منفصل عما قبله و هذا و ان كان بعيدا من حيث النظم لكنه قريب من حيث المعنى إذ الخوف فى صلوة الخوف شرط قطعا اجماعا و لم يذكر فيما بعد و يؤيده ما

قال البغوي انه روى عن ابى أيوب الأنصاري انه قال نزل قوله فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ هذا القدر ثم بعد حول سالوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن صلوة الخوف فنزل إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً وَ إِذا كُنْتَ فِيهِمْ الاية

قال البغوي و مثله فى القران كثير يجى ء الخبر بتمامه ثم ينسق عليه خبر اخر هو فى الظاهر كالمتّصل به و هو منفصل عنه كقوله تعالى الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ و هذه حكاية عن امراة العزيز و قوله ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ اخبار عن يوسف عليه السلام

و اخرج ابن جرير عن على عليه السلام قال سال قوم من بنى نجار رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قالوا يا رسول اللّه انا نضرب فى الأرض فكيف نصلى فانزل اللّه تعالى وَ إِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ ثم انقطع الوحى فلما كان بعد ذلك بحول غزا النبي صلى اللّه عليه و سلم فصلى الظهر فقال المشركون لقد أمكنكم محمد و أصحابه من ظهورهم فهلا شددتم عليهم فقال قائل منهم ان لهم اخرى مثلها فى اثرها فانزل اللّه بين الصلاتين إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا الى قوله عَذاباً مُهِيناً قلت فعلى هذا جزاء الشرط محذوف يدل عليه ما بعده يعنى إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فلا تتركوا الحزم و الجهاد فى حالة الصلاة إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً (١٠١) ظاهر العداوة

و اخرج احمد و الحاكم و صححه و البيهقي فى الدلائل عن ابى عياش الزرقي قال كنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بعسفان فاستقبلنا المشركون عليهم خالد بن وليد و هم بيننا و بين القبلة فصلى بنا النبي صلى اللّه عليه و سلم الظهر فقالوا قد كانوا على حالة لو أصبنا غرتهم ثم قالوا يأتى عليهم الان صلوة هى احبّ إليهم من أبنائهم و أنفسهم قال فنزل جبرئيل بهذه الاية بين الظهر و العصر.

﴿ ١٠١