١٠٣

فَإِذا «١» قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ اى فرغتم منها يعنى من صلوة الخوف فَاذْكُرُوا اللّه قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلى جُنُوبِكُمْ يعنى فدوموا على الذكر بالتسبيح و التحميد و التهليل و التكبير و غير ذلك فى جميع الأحوال عن عائشة قالت كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يذكر اللّه على كل احيانه رواه ابو داود و الظاهر ان المراد بالآية و الحديث دوام الحضور بالقلب إذ لا يتصور دوام الذكر باللسان

(١) فى الأصل و إذا-.

و قيل المراد به إذا فرغتم من صلوة الخوف فاذكروا اللّه يعنى صلوا قياما فى حالة الصحة و قعودا او على جنوبكم بحسب الطاقة فى حالة المرض او الزمانة او الجرح او الضعف او المراد إذا أردتم الصلاة فى حالة الخوف فصلوا قياما ان قدرتم عليه و قعودا ان عجزتم عن القيام و على جنوبكم ان عجزتم عن القعود فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ اى سكنت قلوبكم بزوال الخوف فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ فعدلوا و احفظوا أركانها و شرائطها و لا يجوز حينئذ فى الصلاة ما يجوز فى حالة الخوف إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً اى مكتوبا مفروضا مَوْقُوتاً (١٠٣) محدودا بالأوقات لا يجوز إخراجها عنها ما أمكن كانه تعليل لتشريع صلوة الخوف و الصلاة قاعدا او راقدا عند العذر و لا دليل فى هذه الاية على جواز الصلاة فى حالة الحرب و المسابقة كما قال به الشافعي و استدل عليه البيضاوي بهذه الاية لانه لو كانت الصلاة جائزة فى حالة المسابقة لذكرها كما ذكرها قاعدا و على الجنوب فاذا لم يذكر فالاصل عدم الجواز و الاية مجملة فى الأوقات ورد بيانها بالسنة، مسئلة اجمعوا على انّ وقت الظهر بعد الزوال الى وقت العصر و العصر الى غروب الشمس الا انه يكره تحريما بالإجماع بعد اصفرار الشمس و الوقت المختار عند الشافعي ان لا يؤخر العصر عن مصير الظل مثلين و وقت المغرب بعد غروب الشمس و العشاء بعد غروب الشفق الى طلوع الفجر لكن المختار بالإجماع ان لا يؤخر العشاء بعد نصف الليل و الفجر بعد طلوع الصبح المعترض الى طلوع الشمس و اختلفوا فى اخر وقت الظهر و المغرب فالجمهور على ان وقت الظهر الى بلوغ ظل كل شى ء مثله سوى فى ء الزوال و المغرب الى غروب الشفق خلافا لابى حنيفة فى اخر الظهر حيث قال الى المثلين و خلافا لمالك و الشافعي فى أحد قوليه فى اخر المغرب حيث قالا لا يؤخر المغرب فى الاختيار عن غروب الشمس و الأصل فى الباب حديث امامة جبرئيل عن ابن عباس ان النبي صلى اللّه عليه و سلم قال امّنى جبرئيل عند البيت مرتين فصلى بي الظهر فى الاولى منهما حين كان الفي ء مثل الشراك ثم صلى العصر حين كان كل شى ء مثل ظله ثم صلى المغرب حين وجبت الشمس و أفطر الصائم ثم صلى العشاء حين غاب الشفق ثم صلى الفجر حين «١» برق الفجر و حرم الطعام على الصّائم و صلى المرة الثانية الظهر حين صار ظل كل شى ء مثله كوقت العصر بالأمس و صلى العصر حين صار ظل كل شى ء مثليه ثم المغرب بوقته الاول و العشاء الاخر حين ذهب ثلث الليل ثم صلى الصبح حين اصفرت الأرض ثم التفت

(١) فى الأصل حتى.

الىّ جبرئيل فقال يا محمد هذا وقت الأنبياء من قبلك و الوقت فيما بين هذين رواه ابو داود و الترمذي و قال حسن صحيح و ابن حبان فى صحيحه و الحاكم و قال صحيح الاسناد لكن فيه عبد الرحمن بن الحرث ضعّفه احمد و النسائي و ابن معين و ابو حاتم و وثقه ابن سعد و ابن حبان و قد توبع عليه اخرج عبد الرزاق عن العمرى عن عمرو بن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه عن ابن عباس نحوه قال ابن دقيق العبد هى متابعة حسنة و صححه ابو بكر بن العربي و ابن عبد البر و قد روى حديث امامة جبرئيل عن عدة من الصحابة منهم جابر بمعناه و فيه فصلى العشاء فى اليوم الثاني حين ذهب نصف الليل او قال ثلث الليل قال البخاري أصح حديث فى المواقيت حديث جابر و عن بريدة قال انّ رجلا سال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن وقت الصلاة فقال له صل معنا هذين يعنى اليومين فلمّا زالت الشمس امر بلالا فاذن ثم امره فاقام الظهر ثم امره فاقام العصر و الشمس مرتفعة بيضاء نقية ثم امره فاقام المغرب حين غابت الشمس ثم امره فاقام العشاء حين غاب الشفق ثم امره فاقام الفجر حين طلع الفجر فلما كان اليوم الثاني امره فابرد بالظهر فابردها فانعم ان يبردها و صلى العصر و الشمس مرتفعة آخرها فوق الذي كان و صلى المغرب قبل ان يغيب الشفق و صلى العشاء بعد ما ذهب ثلث الليل و صلى الفجر فاسفرها ثم قال اين السائل عن وقت الصلاة فقال الرجل انا يا رسول اللّه قال وقت صلاتكم بين ما رايتم رواه مسلم و عن ابى موسى نحو حديث بريدة و فيه اخّر النبي صلى اللّه عليه و سلم المغرب يعنى فى اليوم الثاني حتى كان عند سقوط الشفق رواه مسلم و عن عبد اللّه بن عمرو عن النبي صلى اللّه عليه و سلم انه قال وقت الظهر إذا زالت الشمس و كان ظل كل شى ء كطوله ما لم يحضر العصر و وقت العصر ما لم تصفر الشمس و وقت المغرب ما لم يغب «١» الشفق و وقت العشاء الى نصف الليل الأوسط و وقت الفجر من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس

(١) فى الأصل ما لم يغرب.

رواه مسلم، و فى حديث ابى هريرة اوّل وقت المغرب حين تغرب الشمس و اخر وقتها حين تغيب الأفق و ان اوّل وقت العشاء الاخرة حين تغيب الأفق و ان اخر وقتها حين ينتصف الليل و ان اوّل وقت الفجر حين يطلع و اخر وقتها حين تطلع الشمس رواه الترمذي من حديث محمد بن فضيل عن الأعمش عن ابى صالح عن ابى هريرة و خطأ البخاري رفعه و هذه الأحاديث حجة للجمهور على مالك و الشافعي فى ان اخر وقت المغرب الى ان يغيب الشفق و اما اخر وقت العصر الى غروب الشمس فمستفاد من قوله تعالى إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِناتُ الْجِيادُ فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ و قوله صلى اللّه عليه و سلم من أدرك ركعة من الصبح قبل ان تطلع الشمس فقد أدرك الصبح و من أدرك ركعة من العصر قبل ان تغرب الشمس فقد أدرك العصر متفق عليه من حديث ابى هريرة و امّا اخر وقت العشاء ما لم تطلع الفجر فلم يوجد فى شى ء من الأحاديث صحيح و لا ضعيف لكن اختلف الأحاديث الصحاح فيه روى عن ابن عباس و ابى موسى الأشعري و ابى سعيد الخدري انه صلى اللّه عليه و سلم آخرها الى ثلث الليل و روى عن ابى هريرة و انس انه صلى اللّه عليه و سلم آخرها حتى انتصف الليل و روى ابن عمر انه صلى اللّه عليه و سلم آخرها حتى ذهب ثلثا اللّيل و روت عائشة انه اعتم بها حتى ذهب عامة الليل و كل هذه الأحاديث فى الصحيح قال الطحاوي يفيد مجموع هذه الأحاديث ان الليل كله وقت لها لكن على ثلاث مراتب الى الثلث أفضل و الى النصف دونه و ما بعده دونه، ثم ساق بسنده الى نافع بن جبير قال كتب عمر الى ابى موسى الأشعري وصل العشاء اىّ الليل شئت و لا تغفلها و عند مسلم فى قصّة ليلة التعريس عن ابى قتادة ان النبي صلى اللّه عليه و سلم قال ليس فى النوم تفريط انما التفريط ان يؤخر صلوة حتى يدخل وقت الاخرى و هذا يدل على ان وقتها الى طلوع الفجر و قد اجمعوا على انه إذا اسلم الكافر او طهرت الحائض او بلغ الصبى و قد بقي من الليل شى ء يجب عليه العشاء و امّا أحاديث امامة جبرئيل و امامة النبي صلى اللّه عليه و سلم للسّائل عن وقت الصّلوة فمحمولة على المختار من الوقت ما لا كراهة فيه و لذا قال ابو حنيفة رحمه اللّه تأخير المغرب عن اوّل الوقت مكروه تنزيها لا تحريما لما صحّ عنه صلى اللّه عليه و سلم انه اخر المغرب حتى كان عند سقوط الشفق و تأخير العشاء عما ثبت عنه صلى اللّه عليه و سلم و العصر الى اصفرار الشمس مكروه تحريما و أشدّ كراهة تأخير العصر الى الاصفرار لورود النهى عن الصّلوة فى ذلك الوقت و كونه منسوبا الى الشيطان و امّا ما ورد فى حديث امامة جبرئيل اخر وقت العصر حين صار ظل كل شى ء مثليه فمنسوخ من قوله صلى اللّه عليه و سلم وقت العصر ما لم تصفى الشمس و امّا اخر وقت الظهر فلم يوجد فى حديث صحيح و لا ضعيف انه يبقى بعد مصير ظل كل شى ء مثله و لذا خالف أبا حنيفة فى هذه المسألة صاحباه و وافقا الجمهور و احتج ابو حنيفة بما مرّ من حديث بريدة فلما كان اليوم الثاني امره فامره «١» فابرد بالظهر فابردها فانعم ان يبردها و لقوله صلى اللّه عليه و سلم إذا اشتد الحرّ فابردوا بالصلوة فان شدة الحرّ من فيح جهنم رواه الستة قال ابو حنيفة و أشدّ الحر

(١) هكذا فى الأصل-.

فى ديارهم فى هذا الوقت حين صار ظل كل شى ء مثله فكان حديث الإبراد ناسخا لحديث امامة جبرئيل فانه اوّل أحاديث الباب و إذا ثبت بقاء وقت الظهر بعد صيرورة الظل مثل الشي ء نسخا لامامة جبرئيل بحديث الإبراد ثبت نسخ حديث امامة جبرئيل فى حق اوّل وقت العصر ايضا لانّ قوله تعالى إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً يقتضى كون «١» الوقت لكل صلوة وقتا على حدة و لذا قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انما التفريط ان يؤخر صلوة حتى تدخل وقت الاخرى لكن امامة جبرئيل فى اليوم الثاني العصر عند صيرورة ظل كل شى ء مثليه يفيد انه وقته و لم ينسخ فيستمر ما علم ثبوته من بقاء وقت الظهر الى ان يدخل هذا الوقت المعلوم كونه وقتا للعصر و هذا الاستدلال ضعيف جدّا و دلالة حديث الأبرار على بقاء وقت الظهر بعد المثل ممنوع بل الأبرار امر إضافي و شدة الحرّ انما يكون عند الزوال و بعض الأبرار يحصل قبيل بلوغ الظل مثل الشي ء و لو كان الحرّ فى ديارهم حين بلوغ ظل الشي ء مثله أشد مما قبله لكان مقتضى الأمر بالابرار تعجيل الصلاة فى اوّل الوقت و اللّه اعلم

(مسئلة) الشفق الحمرة عند الجمهور و هو رواية عن ابى حنيفة رحمه اللّه و المشهور من مذهبه انه البياض التي بعد الحمرة لان اللفظ مشترك بينهما و لا يزول وقت المغرب و لا يدخل وقت العشاء بالشك و لان الأحوط ذلك فانه لا يجوز الصلاة قبل الوقت و يجوز بعده احتج الجمهور بقوله صلى اللّه عليه و سلم الشفق الحمرة فاذا غاب الشفق وجبت الصلاة رواه ابن عساكر فى غرائب مالك من حديث عتيق بن يعقوب عن مالك عن نافع عن ابن عمر مرفوعا و رواه ابن عساكر من حديث ابى حذافة عن مالك و قال حديث عتيق أمثل اسنادا و صحح البيهقي وقفه و ذكر الحاكم فى المدخل حديث ابى حذافة و جعله مثالا لما رفعه المخرجون من الموقوفات و رواه ابن خزيمة فى صحيحه من حديث محمد بن يزيد الواسطي عن شعبة عن قتادة عن ابى أيوب عن ابن عمر و رفعه وقت المغرب الى ان يذهب حمرة الشفق قال ابن خزيمة ان صحّت هذه الرواية بهذا اللفظ اغنت عن جميع الروايات لكن تفرّد بها محمد بن يزيد و انما قال فيه اصحاب شعبة ثور الشفق مكان حمرة الشفق قال الحافظ ابن حجر محمد بن يزيد صدوق و قال البيهقي روى هذا الحديث عن عمرو على و ابن عباس و عبادة بن الصامت و شداد بن أوس و ابى هريرة و لا يصح فيه شى ء و اللّه اعلم ذكر البغوي ان أبا سفيان و أصحابه لما رجعوا يوم أحد بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم طائفة فى اثارهم فشكوا الم الجراحات فانزل اللّه تعالى.

(١) فى الأصل كون لكل صلوة-.

﴿ ١٠٣