١١٥

وَ مَنْ يُشاقِقِ اى يخالف مشتق من الشق كانّ كلا من المتخالفين فى شق غير شق الاخر الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى اى بعد ما ثبت عنده بدليل قطعىّ و ظهر ما حكم به الرسول صلى اللّه عليه و سلم قيد بهذا احترازا عمّن خالف الرسول صلى اللّه عليه و سلم و لم يبلغه الخبر بما حكم به الرسول او بلغه بطريق اتهم بعض رواته او اخطأ المجتهد فى فهم مراده بعد بذل الجهد و قيل معنى خالف الرسول انه ارتد عن الدّين بعد ظهور التوحيد و صدق الرسول بالمعجزات كما حكى عن طعمة وَ يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ اى غير ما هم عليه أجمعون من اعتقاد او عمل و لا بأس بمخالفة البعض إذا وافق البعض لقوله عليه السلام أصحابي كالنجوم بايهم اقتديتم اهتديتم نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى اى نجعله فى الدنيا واليا لما تولى من الضلال و و نخلى بينه و بين ما اختاره من الكفر و قيل معناه نكله فى الاخرة الى ما اتكل عليه فى الدنيا كما فى الصحيحين عن ابى سعيد الخدري و عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص فى حديث طويل قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا كان يوم القيامة اذن مؤذن ليتبع كل امة ما كانت تعبد فلا يبقى أحد كان يعبد غير اللّه من الأصنام و الأنصاب الا يتساقطون فى النار وَ نُصْلِهِ اى ندخله جَهَنَّمَ وَ ساءَتْ مَصِيراً (١١٥) جهنم «٢» او التولية عن الحق

قال البغوي نزلت هذه الاية فى طعمة ابن أبيرق و ذلك انه لما ظهرت عليه السرقة خاف على نفسه من قطع اليد و الفضيحة هرب الى مكة و ارتد عن الدين فقال اللّه تعالى وَ مَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ الاية و هذه الاية دليل على حرمة مخالفة الإجماع لانه تعالى رتّب الوعيد على المشاقة و اتباع غير سبيل المؤمنين و لا وجه لكون أحدهما سببا له دون الاخر و الا للغا ذكر الاخر و لا لكون مجموعهما سببا لان المشاقة محرمة بانفرادها بالنصوص القطعية فظهر ان كل واحد منهما سبب للوعيد فثبت ان اتباع

(٢) عن مالك قال كان عمر بن عبد العزيز يقول من رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و ولاه الأمر من بعدة سننا الاخذ بها تصديق بكتاب اللّه و استكمال بطاعته و قوة على دين اللّه ليس لاحد تغييرها و لا تبديلها و لا النظر فيها خالفها من اقتدى بها مهتد و من استنصر بها منصور و من يخالفها اتبع غير سبيل المؤمنين و ولاه اللّه ما تولى و أصلاه جهنم و ساءت مصيرا منه رحمه اللّه.

غير سبيلهم محرم فثبت ان اتباع سبيلهم واجب لان الإنسان لا محالة سالك سبيلا روى البيهقي و الترمذي عن ابن عمرو ابن عباس قالا قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا يجمع اللّه هذه الامة على الضلالة ابدا و يد اللّه على الجماعة و من شذ شذ فى النار و اللّه اعلم

قال البغوي روى ان طعمة بن أبيرق نزل على رجل من بنى سليم من اهل مكة يقال له الحجاج بن علاظ فنقب بيته فسقط عليه حجر فلم يستطع ان يدخله و لا ان يخرج حتى أصبح فاخذ ليقتل فقال بعضهم دعوه فانه قد لجا إليكم فتركوه فاخرجوه من مكة فخرج مع تجار من قضاعة نحو الشام فنزلوا منزلا فسرق بعض مطاعهم فهرب فطلبوه فاخذوه و رموه بالحجارة حتى قتلوه فصار قبره تلك الحجارة و قيل انه ركب سفينة الى جدة فسرق فيها كيسا فيه دنانير فاخذ فالقى فى البحر و قيل انه نزل فى حرة بنى سليم فكان يعبد صنما لهم الى ان مات فانزل اللّه تعالى فيه.

﴿ ١١٥