١٢٤

وَ مَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ يعنى بعضها و شيئا منها بدليل قوله تعالى فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى فى موضع الحال من المستكن فى يعمل و من لتبيين الإبهام او فى موضع الحال من الصّالحات اى كائنة من ذكر او أنثى و من للابتداء واو على التأويلين فيه تأكيد بشمول الحكم فى مَنْ يَعْمَلْ قال بعض الأفاضل فى تبيين العامل بالذكر و الأنثى توبيخ للمشركين فى إهلاكهم إناثهم وَ هُوَ مُؤْمِنٌ حال من المستكن فى يعمل قيد جزاء الحسنات بشرط الايمان و لم يقيد جزاء السيئات بشرط الكفر لان كل سيئة صغيرة كانت او كبيرة غير مرضية للّه منهية فاتيانها يقتضى العقاب ان لم يتداركه المغفرة و لذلك عمّ الوعيد على السيئات للفريقين المؤمنين و الكفار و امّا الحسنات فلا يعتد بشى ء منها ما لم يقترن بالايمان لان اعمال الكفار ليست خالصة للّه تعالى و ما ليس بخالص له تعالى فهو شرك و معصية و ليست بحسنة

فان قيل فعلى هذا لا حاجة الى هذا القيد لان عنوانها بالصالحات يغنى عنه فان اعمال الكفار ليست من الصالحات فى شى ء

قلنا نعم لكن قيد بذلك للتصريح و دفع توهم الكفار ان من أعمالهم ما هو حسنة كالنفقات و صلة الأرحام و نحو ذلك فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ و ان كانوا فساقا ماتوا بلا توبة امّا بمغفرة ذنوبهم او بعد جزاء سيئاتهم قرا ابن كثير و ابو جعفر و ابو عمرو و ابو بكر يدخلون بضم الياء و فتح الخاء على البناء للمفعول هاهنا و فى سورة مريم و حم المؤمن و زاد ابو عمرو يدخلونها فى سورة فاطر و الباقون على البناء للفاعل، وَ لا يُظْلَمُونَ نَقِيراً (١٢٤) اى مقدار النقير و هو النقرة التي تكون فى ظهر النواة و هذه الاية بعبارته تدل على عدم تنقيص ثواب المطيع و بالدلالة بالطريق الاولى على عدم الزيادة فى عذاب العاصي لان الأذى فى زيادة العذاب أشد منه فى تنقيص الثواب فاذا لم يرض ارحم الراحمين بهذا فكيف يرضى باشد منه و قال بعض الأفاضل لترك هذا القيد فى قوله تعالى وَ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً وجه «١» اخر و هو ان مقام تهديد الكافر لتنفيره عن الشرك يقتضى تركه هناك و مقام ترغيب المؤمن بالعمل الصالح و المواظبة على الانقياد يقتضى ذكره هاهنا قلت و عندى ان معنى قوله تعالى وَ لا يُظْلَمُونَ نَقِيراً انه لا ينقص أحد من ثواب طاعاته و لا يزاد أحد على عقاب سيئاته و لما كان قوله تعالى وَ مَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ شاملا لجميع المؤمنين الصلحاء و الفساق لان الفاسق ايضا لا يخلو عن إتيان عمل صالح أدناه شهادة ان لا اله الا اللّه و هو أعلى شعاب الايمان ففى هذه الاية بشارة للفريقين من المؤمنين المطيعين و العصاة بالأمرين حميعا عدم تنقيص الثواب و عدم زيادة العذاب و امّا قوله تعالى وَ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً و ان كان شاملا للفريقين المؤمنين و الكفار و كان الفساق من المؤمنين داخلين فى كلا الآيتين لكن لما كان جزاء سيئات الكفار غير متناه لعدم تناهى قبح الكفر باللّه فكان زيادة العذاب على سيئات الكفار غير متصور لاستحالة الزيادة على ما لا تناهى له او يقال يجوز الزيادة فى عذاب الكفار على سيئاتهم قال اللّه تعالى زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ فلذلك لم يذكر هذه الجملة هناك كيلا يكون بشارة للكفار

فان قيل الظلم قبيح و ان كان فى حق الكفار و اللّه سبحانه منزه عن القبائح فكيف يجوز الزيادة على عذاب الكافر

قلنا الظلم عبارة عن التصرّف فى غير ملكه و اللّه سبحانه مالك الملك يتصرّف فى ملكه كيف يشاء فلو عذب العالمين بغير جرم لا يكون منه تعالى ظلما و قوله تعالى لا يُظْلَمُونَ نَقِيراً و أَنَّ اللّه لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ مبنى على التجوز معناه ان اللّه سبحانه لا يفعل بالمؤمنين ما لو فعله بهم غيره تعالى يعد ظلما و اللّه اعلم ذكر البغوي عن مسروق انه قال لما نزلت لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ الاية قال اهل الكتاب نحن و أنتم سواء فنزلت وَ مَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ كما ذكر سابقا و نزلت ايضا.

(١) فى الأصل وجها اخر-.

﴿ ١٢٤