١٢٥

وَ مَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للّه يعنى أخلص نفسه للّه بحيث لا يكون لقلبه تعلقا علميا و لا حبيا بغيره تعالى و يكون نفسه و قلبه و قالبه منقادا لاوامره تعالى منتهيا عن مناهيه لا يثبت لنفسه و لا لغيره فى دائرة الإمكان لشى ء من الأشياء وجودا متاصلا فضلا من اتخاذه معبودا او محبوبا او موجودا بوجود مستقل بنفسه و فى هذا الاستفهام اشارة الى ان ذلك غاية مبلغ الكمال وَ هُوَ مُحْسِنٌ ات بالحسنات تارك للسيئات متصف بدوام الحضور و الإخلاص قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى حديث سوال جبرئيل ما الإحسان ان تعبد ربك كانك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك متفق عليه من حديث عمر رضى اللّه عنه وَ اتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ خصّ ابراهيم عليه السلام بالذكر مع ان دين الأنبياء كلهم واحد و هو صرف نفسه و أعضائه و قواه ظاهرا و باطنا فى مرضات اللّه تعالى مشتغلا به تعالى معرضا عن غيره تعالى لاتفاق جميع الأمم على كونه نبيا حقا حميدا فى كل دين و لكون دين الإسلام موافقا لشريعة ابراهيم عليه السلام فى كثير من فروع الأعمال كالصلوة الى الكعبة و الطواف بها و مناسك الحج و الختان و حسن الضيافة و غير ذلك من كلمات ابتلاه اللّه تعالى بها فاتمهن حَنِيفاً حال من ابراهيم او من الملة او من المستكن فى و اتبع يعنى مستقيما على الطريق الحق مائلا عن الطرق الباطلة وصف ابراهيم به لانه استقام على الإسلام و اعتزل عن عبادة الأصنام مع ما كان أبوه و قومه عاكفين على عبادتهن وَ اتَّخَذَ اللّه إِبْراهِيمَ خَلِيلًا (١٢٥) صديقا صافى المحبة و الخلة مشتق من الخلال فانه ودّ يخلل النفس و يخالطها و قيل من الخلل فان كل واحد من الخليلين يسد خلل الاخر و قال الزجاج الخليل الذي ليس فى محبته خلل او من الخل و هو الطريق فى الرمل فانهما يتوافقان فى الطريق او من الخلة بمعنى الخصلة فانهما يتوافقان فى الخصال و قيل هو من الخلة بمعنى الحاجة فان كل واحد من الخليلين يحتاج اليه صاحبه قيل سمى ابراهيم خليلا اى فقيرا الى اللّه لانه لم يجعل فقره و فاقته الّا الى «١» اللّه تعالى روى عنه عليه السلام انه لما القى الى النار جاءه جبرئيل فقال هل لك حاجة قال امّا إليك فلا فقال سل ربك قال حسبى عن سوالى عمله بحالي

فان قيل لا يستقيم هذا المعنى فان قوله تعالى وَ اتَّخَذَ اللّه إِبْراهِيمَ خَلِيلًا يقتضى الخلة من الجانبين و لا يتصور الحاجة من الجانبين

قلنا قد عرفت فى مبدا الكتاب ان اسماء اللّه تعالى و صفاته يؤخذ باعتبار الغايات دون المبادي فانه تعالى رحمن رحيم و هما مشتقان من الرحمة بمعنى رقة القلب المقتضى للتفضل و الإحسان فاطلاقهما عليه سبحانه باعتبار التفضل و الإحسان لا باعتبار رقة القلب إذ هو منزه عن القلب و رقته فكذا اطلاق الخلة عليه سبحانه باعتبار صفاء المحبة المبنى على الحاجة فى غيره تعالى لا باعتبار الحاجة تعالى عن ذلك علوّا كبيرا و قوله تعالى وَ اتَّخَذَ اللّه إِبْراهِيمَ خَلِيلًا جملة معترضة لا محل لها من الاعراب و فائدتها التأكيد فى وجوب اتباع ملته لان من بلغ من اللّه منزلة اتخذه اللّه خليلا كان جديرا بالاتباع قال المجدّد رضى اللّه عنه الخليل هو النديم الذي يعرض المرء عليه اسرار محبّه و محبوبه اخرج عبد الرزاق و ابن جرير و ابن المنذر و ابن ابى حاتم فى تفاسيرهم عن زيد بن اسلم قال ان اوّل جبار كان فى الأرض نمرود و كان الناس يخرجون يمتارون من عنده الطعام فخرج ابراهيم عليه السلام يمتار مع من يمتار فاذا مرّ به ناس قال من ربّكم قالوا أنت حتى مرّ ابراهيم فقال من ربّك قال رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَ يُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي وَ

(١) فكان يعطى و لا يأخذ و لا يتوجه الى أحد غيره تعالى اخرج البيهقي فى الشعب عن عبد اللّه بن عمرو قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يا جبرئيل لم اتخذ اللّه ابراهيم خليلا قال لا طعامه الطعام يا محمد

و اخرج ابن المنذر عن ابن أبزى انه سال ابراهيم ملك الموت باىّ شى ء اتخذني ربى خليلا قال بانك تحب ان تعطى و لا تأخذ

و اخرج الديلمي عن ابى هريرة نحوه عن النبي صلى اللّه عليه و سلم و سنده واه و عن زبير بن بكار قال اوحى اللّه الى ابراهيم أ تدري لم اتخذتك خليلا قال لا يا رب قال لانى اطلعت على قلبك فوجدتك تحبّ ان ترزا و لا ترزا يعنى تعطى و لا تعطى منه رحمه اللّه.

أُمِيتُ قالَ ... فَإِنَّ اللّه يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ فرده بغير طعام فرجع ابراهيم الى اهله فمرّ على كثيب من رمل اعفر فقال الا أخذ من هذا فاتى به أهلي تطيب نفوسهم حين ادخل عليهم فاخذ منه فاتى اهله فوضع أشياءه ثم نام فقامت امرأته ففتحته فاذا هى بأجود طعام راه أحد فصنعت له منه فقربته اليه و كان عهده باهله انه ليس عندهم طعام فقال من اين هذا قالت من الطعام الذي جئت به فعرف ان اللّه رزقه فحمد اللّه

و اخرج ابن ابى شيبة فى المصنف عن ابى صالح قال انطلق ابراهيم عليه السلام يمتار فلم يقدر على الطعام فمر بسهلة حمراء و «١» أخذ منها ثم رجع الى اهله فقالوا ما هذا قال حنطة حمراء ففتحوها فوجدوها حنطة حمراء فكان إذا زرع منها شى ء خرج سنبلة من أصلها الى فرعها متراكما و ذكر البغوي انه قال الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس كان ابراهيم عليه السلام أبا الضيفان و كان منزله على ظهر الطريق يضيف من مر به من الناس فاصاب الناس سنة فحشروا الى باب ابراهيم عليه السلام يطلبون الطعام وكانت الميرة له كل سنة من صديق له بمصر فبعث غلمانه بالإبل الى الخليل الذي بمصر فقال خليله لغلمانه لو كان ابراهيم انما يريده لنفسه لاحتملنا ذلك له فقد دخل علينا ما دخل على الناس من الشدة فرجع رسل ابراهيم عليه السلام فمروا ببطحاء فقالوا لو انا حملنا من هذه البطحاء لبزى الناس انا قد جئنا بميرة فانا نستحيى ان نمر بهم و إبلنا فارغة فملئوا تلك الغرائر سهلة ثم أتوا ابراهيم فاعلموه و سارة نائمة فاهتم ابراهيم لمكان الناس ببابه فغلبته عيناه فنام و استيقظت سارة و قد ارتفع النهار فقالت سبحان اللّه ما جاء الغلمان قالوا بلى قالت فما جاءوا بشى ء قالوا بلى فقامت الى الغرائر ففتحتها فاذا هو أجود خوارى تكون فامرت الخبازين فخبزوا و أطعموا الناس فاستيقظ ابراهيم عليه السلام فوجد ريح الطعام فقال يا سارة من اين هذا قالت من عند خليلك المصري فقال هذا من عند خليلى اللّه قال فيومئذ اتخذ اللّه ابراهيم- (فائدة:) و لما كان نبينا سيد

(١) فى الأصل إذا أخذ.

الأنبياء صلى اللّه عليه و سلم ارفع درجة من مقام الخلة حيث كان مستقرا فى مقام المحبوبية الصرفة و كان مروره صلى اللّه عليه و سلم على مقام الخلة كعابر سبيل سمى نفسه لذلك العبور و المرور خليلا حيث قال لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا و لكنه أخي و صاحبى و قد اتخذ اللّه صاحبكم خليلا رواه مسلم من حديث ابن مسعود و قال لو كنت متخذا خليلا غير ربى لاتخذت أبا بكر خليلا متفق عليه من حديث ابى سعيد الخدري و قال الا و صاحبكم خليل اللّه رواه الترمذي عن ابى هريرة

و اخرج الحاكم و صححه عن جندب انه سمع النبي صلى اللّه عليه و سلم يقول قبل ان يتوفى ان اللّه اتخذني خليلا كما اتخذ ابراهيم خليلا

و اخرج الطبراني عن ابن مسعود قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان اللّه اتخذ ابراهيم خليلا و ان صاحبكم خليل اللّه و ان محمّدا سيد بنى آدم يوم القيامة ثم قرا عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً «١» لكن لاجل غدم استقراره فى هذا المقام لعلو شأنه و عدم اقتضاء المحبوبية بعد ما ارتفع عن هذا المقام غير انه كان طالبا لحصول ذلك المقام بالتفصيل لبعض اتباعه حتى يكون ذلك التفصيل معدودا فى كماله بناء على ان كمالات الاتباع بنذ من كمال المتبوع قال العلماء من اهل السنة بالإجماع فى كتب اصول الدين كرامات الأولياء معجزات لنبيه و قال عليه السلام من سنّ سنة حسنة فله أجرها و اجر من عمل بها من غير ان ينقص من أجورهم شى ء و قال عليه الصلاة و السلام الدال على الخير كفاعله و يرشدك ما روينا ان اعمال الامة و كمالاتهم داخلة فى اعمال النبي صلى اللّه عليه و سلم و كماله و لطلب ذلك التفصيل له و لاتباعه قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى الصلاة المأثورة اللّهم صل على محمّد و ال محمّد كما صليت على ابراهيم و على ال ابراهيم فاستجاب اللّه تعالى هذا الدعاء و اعطى بعد الف سنة ذلك للمجدد رضى اللّه عنه فاستقر فى مقام الخلة و اتصف بتفصيله و لم يتيسر ذلك قبله رضى اللّه عنه لاحد اما لرفعة شأن بعض السّابقين من أكابر الصحابة و ائمة اهل البيت الذين رسخوا فى مقام المحبوبية الصرفة بتبعية النبي صلى اللّه عليه و سلم و اما لعدم وصولهم الى تلك المقام ذلِكَ فَضْلُ اللّه يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللّه ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ قال رسول اللّه

(١) اخرج الترمذي و ابن مردوية عن ابن عباس انه صلى اللّه عليه و سلم قال ابراهيم خليل اللّه و هو كذلك الأواني حبيب اللّه و لا فخر و انى اوّل شافع و اوّل مشفّع و لا فخر و انا اوّل من يحرك حلق الجنة فيفتحها اللّه فيدخلنيها و معى فقراء المؤمنين و لا فخر و انا أكرم الأولين و الآخرين يوم القيامة و لا فخر

و اخرج ابن جرير و الطبراني عن ابن عباس قال ان اللّه اصطفى ابراهيم بالخلة و اصطفى موسى بالكلام و اصطفى محمّدا بالرؤية منه رحمه اللّه.

صلى اللّه عليه و سلم مثل أمتي كمثل المطر لا يدرى اوله خير أم آخره او كحديقة اطعم فوجا منها عاما و فوجا منها عاما لعل آخرها فوجا هى اعرضها عرضا و أعمقها عمقا و أحسنها حسنا رواه رزين من حديث جعفر بن محمّد و هذا امر ثبت بالكشف الصحيح و لا علينا لو أنكره أحد و انما كلامنا مع من يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللّه «١» وَ أُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ و انما ذكرت هذا الكلام لان بعض قاصرى الافهام كانوا يعترضون على كلام المجدد رضى اللّه عنه فى هذا المقال و يزعمونه مستحيلا و كفرا و الإنسان عدو لما جهل و بما ذكرنا لك اتضح ان هذا القول دعوى امر ممكن يقتضى الحسن الظنّ بالاكابر قبوله او السكوت عنه و كان من الناس من يقول لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ فقال اللّه تعالى أَ هُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ و كان من الناس من يقول ا انزل «٢» عليه الذّكر مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ قال اللّه تعالى سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ و لا يلزم من رسوخ بعض أكابر الصحابة و ائمة اهل البيت فى مقام المحبوبية الصرفة فضلهم على ابراهيم عليه السلام لان وصول الصحابة و الائمة الى مقام المحبوبية كان بالتبعية و الوراثة و ما كان لابراهيم عليه السلام كان بالاصالة و شتان ما بينهما و ما ذكرنا من استقرار المجدد رضى اللّه عنه فى مقام الخلة لا ينافى ترقياته «٣» من ذلك المقام و سيره و عبوره بالتبعية و الوراثة الى مقام المحبوبية الصّرفة فان السير و العبور غير الاستقرار و المقام و اللّه اعلم.

(١) فى الأصل هدى اللّه.

(٢) و فى القران أَ أُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ إلخ فى سورة القمر.

(٣) و مى تواند كه گفته شود كه ترقى در مقام خلّت كه حاصل بود خواسته باشند پس فرمودند طلب صلوة رحمت و خلت كه حضرت ابراهيم عليه السلام بان امتياز دارند بخواهيد و امة مامور شده بدعاء ترقى در مرتبه خلت و ظاهر است كه حصول آن از بعضى كم هست از بعضى زياده و پيداست كه درجات قرب حضرت حق سبحانه يا بجذب فضل او سبحانه هست يا باعمال مرضيه خودشان يا باعمال مرضيه صالحان امت است الدال على الخير كفاعله و گفته اند كه بعضى معانى بر دلهاء عارفان مى آيند ألفاظ و عبارت از ان قاصر مى بود پس سكوت اولى منه رحمه اللّه.

﴿ ١٢٥