١٣٦

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللّه وَ رَسُولِهِ حقيقة الايمان و كمال الايمان ان يعرف ببصيرته انه تعالى هو المتأصل فى الوجود خالقا لكل شى ء من الاعراض و الجواهر نافعا ضارا و ليس شى ء ممّا سواه موصوفا بحسن و كمال الا مستعارا منه تعالى فلا يبقى لقلبه علاقة علمى و لا حبى الا به تعالى و يكون نفسه بعلاقة الحبّ به تعالى مجبولا على إتيان ما امره اللّه و انتهاء ما نهى عنه حتى يكره صدور المعصية منه أشدّ ممّا يكره ان يقع فى النار

قال البغوي قال ابو العالية و جماعة هذا خطاب للمؤمنين فقال يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا اى اقيموا و اثبتوا على الايمان و مرجع هذا التفسير الى ما قلت ان شاء اللّه تعالى و قال الضحاك أراد بالخطاب اليهود و النصارى يقول يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بموسى و عيسى آمَنُوا بمحمد و القران

و قال مجاهد أراد به المنافقين يقول يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا باللسان آمَنُوا بالقلب و قيل المراد به اهل الشرك يعنى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا باللات و العزى آمَنُوا باللّه و رسوله و هذه الأقوال واهية إذ الكفار اليهود و النصارى و المشركون لا يخاطبون بعنوان الذين أمنوا و كذا المنافقون فان الايمان ليس من صفات اللسان الا مجازا و الحمل على الحقيقة ما أمكن اولى- و

قال البغوي قال الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس و كذا اخرج الثعلبي عنه انه قال نزلت هذه الاية فى عبد اللّه بن سلام و اسد و أسيدا بنى كعب و ثعلبة بن قيس و سلام بن اخت عبد اللّه بن سلام و سلمة بن أخيه و يامين بن يامين فهؤلاء مؤمنوا اهل الكتاب أتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقالوا انا نؤمن بك و بكتابك و بموسى و التورية و عزير و نكفر بمن سواه من الكتب و الرسل فقال اللّه تعالى أمنوا باللّه و رسوله يعنى محمدا صلى اللّه عليه و سلم وَ الْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ يعنى القران وَ الْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ اى قبل القران من التورية و الإنجيل و الزبور و سائر الكتب و الصحف قال ابن عباس فامنوا بكلّهم قرا الكوفيون و نافع الفعلين بفتح النون و الهمزة و الزاء على البناء للفاعل و الباقون الفعلين بضم النون و الهمزة و كسر الزاء على البناء للمفعول وَ مَنْ يَكْفُرْ بِاللّه وَ مَلائِكَتِهِ وَ كُتُبِهِ وَ رُسُلِهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يعنى بشى ء من ذلك فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً (١٣٦) من المقصد بحيث لا يكاد يعود الى طريقة الصواب فان الايمان بكل واحد منها ملازم للاخر فالكفر بواحد منها بعد من اللّه و ضل «١» عن سواء السبيل و بالكفر بجميع ذلك بالطريق الاولى-

قلت بل بالكفر بشى ء من صفاته كما ان المعتزلة كفروا بكونه تعالى متكلما او خالقا لافعال العباد و بقولهم انه تعالى يريد شيئا و لا يوجد ذلك الشي ء يلزم عجزه تعالى عن إتيان مراده فيلزمهم الكفر باللّه تعالى بما هو عليه قال بعض الأكابر المعتزلة يقولون بان العباد خالقون لافعالهم و اللّه تعالى خالق للعباد فينسبون خلق افعال العباد الى اللّه تعالى بالواسطة و امّا العوام فهم أسوأ حالا من المعتزلة لغفلتهم عن نسبة الافعال الى اللّه تعالى مطلقا لا يزعمون النفع و الضرر الا عن السلاطين او اللصوص او السموم او الترياقات فلا بد لقطع مادة الغفلة من التشبث «٢» بأذيال الصوفية حتى يسقط عن البصائر كل ما عدا اللّه تعالى.

(١) فى الأصل و ضل سواء السبيل-.

(٢) فى الأصل التشبث.

﴿ ١٣٦