١٧٢

ْ يَسْتَنْكِفَ اى لن يأنف و لن يتعظم الاستنكاف التكبر مع الانفة من نكفت الدمع إذا نحيّته بإصبعك كيلا يرى اثره عليك ْمَسِيحُ من نْ يَكُونَ عَبْداً للّه فان عبوديته تعالى شرف و كمال يباهى به فانه اصل كل كمال فان الممكن لا يوجد و لا يتصف بشى ء من الكمالات ما لم ينتسب الى اللّه تعالى و لا نسبة له اليه تعالى الا بالعبودية و انما المذلة و الاستنكاف من عبودية غيره تعالى فانه ممكن مثله لَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ عطف على المسيح يعنى و لا يستنكف الملائكة المقربون من ان يكونوا عبيدا للّه تعالى احتج بالآية من زعم بتفضيل الملائكة على البشر لان الترقي يكون من الأدنى الى الأعلى يقال فلان لا يستنكف من هذا و لا من هو أعلى منه و لا يقال لا يستنكف منه زيد و لا عبده و أجيب بانه تعالى لم يقل ذلك للترقى من الأدنى الى الأعلى رفعا لمنزلتهم بل ردّا على عبدة الملائكة كما هو رد على عبدة المسيح او يقال لعله أراد بالعطف المبالغة باعتبار التكثير دون اعتبار التكبير كقولك أصبح الأمير لا يخالفه رئيس و لا مرءوس

قال البيضاوي و ان أراد به التكبير فغايته تفضيل المقربين من الملائكة و هم الكروبيون الذين حول العرش او من هو أعلى منهم من الملائكة على المسيح من الأنبياء و ذلك لا يستلزم فضل أحد الجنسين على الاخر مطلقا و النزاع فيه و قال بعض الأفاضل ان الأظهر فى الدفع ان الترقي بنفي استنكاف الملائكة لانهم اولى بالاستنكاف لا لفضلهم بمعنى كثرة الثواب بل لانهم لا يرون فيما بينهم عبادا بخلاف البشر فان فى بنى نوعهم كثرة العبودية و شيوع الرقية قلت و الاولى عندى ان يقال ان الترقي ليس لفضل الملائكة على الأنبياء فضلا كليا بل لشرفهم من وجه و فضلهم فضلا جزئيا و لا نزاع فيه و المعنى ان البشر مع احتياجه لبقاء شخصه و نوعه الى الاكل و الشرب و الجماع و غير ذلك و قرب زمان حدوثه و قصر عمره و قرب فنائه كيف يستنكف عن عبودية اللّه و مخلوقيته و كيف يدعى الالوهية لنفسه مع ان الملائكة مع تجردهم و عدم احتياجهم و طول أعمارهم و شدة بطشهم و عدم ابتلائهم بالامراض و المصائب و الشدائد لا يدعون الالوهية و لا يستنكفون عن عبادة اللّه و اللّه اعلم و ايضا ان النصارى افرطوا فى شأن عيسى عليه السلام و برءوه من العبودية لما راوا انه ولد بغير اب و انه كان يبرئ الأكمه و الأبرص و يحيى الموتى، و كان ينبئهم بما يأكلون و ما يدخرون فى بيوتهم فيقال لهم هذه الأوصاف فى الملائكة أتم منها فى عيسى و هم لا يستكبرون عن العبودية و ايضا الاشارة الى افضلية الملائكة على عيسى و لو من وجه خرج مخرج جواب النصارى حين افرطوا فى شأن عيسى حتى أنزلوه منزلة لم تكن له كما ان اللّه تعالى اعتبر فضل خضر على موسى حين سئل هل أحد اعلم منك فقال لا فقال اللّه تعالى بلى عبدنا الخضر حتى قال موسى لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً و قال له هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً- مَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَ يَسْتَكْبِرْ الاستكبار دون الاستنكاف و لذلك عطف عليه و انما يستعمل الاستكبار حيث لا استحقاق بخلاف التكبر فانه قد يكون باستحقاق سَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً (١٧٢) فيجازيهم-.

﴿ ١٧٢