سُورَةُ الْأَنْعَامِ مَكِّيَّةٌوَهِيَ مِائَةٌ وَخَمْسٌ وَ سِتُّونَ آيَةًمكيّة و هى مائة و خمس او ست و ستون اية و عشرون ركوعا بِسْمِ اللّه الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ _________________________________ ١ الْحَمْدُ للّه تعليم للعباد بالتحميد فى ضمن الاخبار بثبوت جميع المحامد له تعالى و التعريض بانه سبحانه مستغن عن تحميد العباد فله الحمد و ان لم يحمد الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ يعنى قدرهما و أوجدهما من غير مثال سبق و فى التوصيف به تنبيه على ظهور ثبوت الحمد للّه تعالى من غير احتياج الى الاستدلال خص اللّه سبحانه السموات و الأرض بالذكر لانهما أعظم المخلوقات فيما يرى العباد و فيهما العبر و المنافع للناس و لان خلق غيرهما و حدوثهما مما يراه الناس من الحوادث اليومية ظاهر و من ثم زعم بعض الجهلة قدمهما بالزمان و ذكر السموات بلفظ الجمع دون الأرض و هى مثلهن اشعارا باختلاف ماهيات السموات و أشكالها دون الأرضين قال كعب الأحبار هذه الاية اوّل اية فى التورية و اخر اية فى التورية قل الحمد للّه الذي لم يتخذ ولدا الاية قال ابن عباس فتح اللّه الخلق بالحمد فقال الحمد للّه الذي خلق السموات و الأرض و ختمهم بالحمد فقال و قضى بينهم بالحق و قيل الحمد للّه رب العلمين وَ جَعَلَ الظُّلُماتِ وَ النُّورَ فى القاموس الجعل بمعنى الخلق و قال البيضاوي الفرق بينهما ان الخلق بمعنى التقدير و الجعل فيه معنى التضمين اى جعل الشي ء فى ضمن الشي ء اى تحصيل منه او تصير إياه او ينقل منه اليه بالجملة فيه اعتبار الشيئين و ارتباط بينهما و لذلك عبر عن احداث النور و الظلمة بالجعل تنبيها على انهما لا يقومان بانفسهما كما زعمت الثنوية قلت و لاجل عدم قيامهما بانفسهما أسند الجعل الى الظلمة مع كونها عدميا و العدم لا يتعلق به الجعل نظرا الى كونها منتزعا من محل مخلوق و جمع الظلمات لكثرة اجرام حاملة لها بالنسبة الى الاجرام النورانية فالنور بالنسبة الى الظلمة كل واحد بالنسبة الى المتعدد و قال الحسن جعل الظلمات و النور يعنى الكفر و الايمان فعلى هذا أورد الظلمات بلفظ الجمع دون النور لتعدد طرق الكفر و اتحاد طريقة الايمان عن ابن مسعود رض قال خط لنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم خطا ثم قال هذا سبيل اللّه ثم خط خطوطا عن يمينه و عن شماله و قال هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعوا اليه ثم قرا ان هذا صراطى مستقيما فاتبعوه و لا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله رواه احمد و النسائي و الدارمي و قدم الظلمات فى الذكر لتقدمها فى الوجود عن عبد اللّه ابن عمرو بن العاص عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال ان اللّه خلق الخلق فى ظلمة فالقى عليهم من نوره فمن أصابه من ذلك النور اهتدى و من أخطأه ضل فلذلك أقول جف القلم على علم اللّه رواه احمد و الترمذي ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ عطف على قوله الحمد للّه يعنى انه تعالى حقيق بالحمد على ما خلقه نعمة على العباد ثم الذين كفروا به يعدلون فيكفرون نعمته او على قوله خلق يعنى انه خلق ما لا يقدر عليه أحد غيره ثم هم يعدلون به ما لا يقدر على شى ء أصلا و معنى ثم استبعاد عدولهم بعد هذا البيان و الباء فى بربهم متعلق بكفروا و صلة يعدلون محذوف ليقع الإنكار على الفعل يعنى يعدلون عنه و على الثاني متعلق بيعدلون يعنى ان الكفار يعدلون اى يسوون بربهم الأوثان و قال النضر بن شميل الباء بمعنى عن اى عن ربهم يعدلون اى يميلون و ينحرفون الى غيره من العدول. ٢ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ يعنى ابتدأ خلقكم منه حيث خلق منه أصلكم آدم عليه السلام او المعنى خلق أباكم آدم بحذف المضاف قال السدى بعث اللّه تعالى جبرئيل الى الأرض لياتيه طائفة منها فقالت الأرض انى أعوذ باللّه منك ان تنقص منى فرجع و لم يأخذ و قال يا رب انها عاذت بك فبعث ميكائيل فاستعاذت فرجع فبعث ملك الموت فعاذت منه باللّه فقال و انا أعوذ باللّه ان أخالف امره فاخذ من وجه الأرض فخلط الحمراء و السوداء و البيضاء فلذلك اختلف ألوان بنى آدم ثم عجنها بالماء العذب و الملح و المر كذلك و لذا اختلف اخلاقهم فقال اللّه تعالى رحم جبرئيل و ميكائيل الأرض و لم ترحمها لا جرم اجعل أرواح من اخلق من هذا الطين بيدك روى عن ابى هريرة رضى اللّه عنه خلق اللّه آدم عليه السلام من تراب و جعله طينا ثم تركه حتى كان حماء مسنون ثم خلقه و صوره و تركه حتى صار صلصالا كالفخار ثم نفخ فيه روحه كذا قال البغوي و عن ابى موسى قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول ان اللّه خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر الأرض منهم الأحمر و الأبيض و الأسود و بين ذلك و السهل و الحزن و الخبيث و الطيب رواه احمد و الترمذي و ابو داؤد و عن ابى هريرة عن النبي صلى اللّه عليه و سلم خلق اللّه آدم من تراب الجابية «١» و عجنه بماء الجنة رواه الحكيم و ابن عدى بسند حسن ثُمَّ قَضى أَجَلًا و المراد به و اللّه اعلم انه يكتب الملك اجله بإذن ربه بعد تمام خلقه كما يدل عليه كلمة ثم و الجملة الفعلية عن ابن مسعود قال حدثنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و هو الصادق المصدوق ان خلق أحدكم يجمع فى بطن امه أربعين يوما نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث اللّه اليه ملكا بأربع كلمات فيكتب عمله و اجله و رزقه و شقى او سعيد ثم ينفخ فيه الروح فو الذي لا اله غيره ان أحدكم ليعمل بعمل اهل الجنة حتى ما يكون بينه و بينها الاذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل اهل النار فيدخلها و ان أحدكم ليعمل بعمل اهل النار حتى ما يكون بينه و بينها الا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل اهل الجنة فيدخلها متفق عليه وَ أَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ اى أجل مثبت معين عند اللّه فى علمه القديم لا يقبل التغير و لا مدخل فيه لغيره تعالى و لذا عبر عنه بالجملة الاسمية الدالة على الدوام و الاستمرار و الاستيناف به لتعظيمه و لذلك نكر و كونه مخصوصة بالصفة اغنى عن تقديم الخبر و قال الحسن و قتادة و الضحاك الاجل الاول من الولادة الى (١) الجبا بالكسر ما جمعت فيه الماء ١٢. الموت و الاجل الثاني من الموت الى البعث و هو البرزخ روى ذلك عن ابن عباس و قال لكل واحد أجلان أجل من الولادة الى الموت و أجل من الموت الى البعث فان كان برا تقيا و صولا للرحم زيد له من أجل البعث فى أجل العمر و ان كان فاجرا قاطعا للرحم نقص من أجل العمر و زيد فى أجل البعث و قال مجاهد و سعيد بن جبير الاجل الاول أجل الدنيا و أجل الثاني أجل الاخرة و قال عطية عن ابن عباس ثم قضى أجلا يعنى النوم يقبض فيه الروح ثم يرجع عند اليقظة و أجل مسمى عنده أجل الموت ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ اى تشكون من المرية او تجادلون من المراء فى قضائه و قدره تعالى او فى البعث بعد الموت و كلمة ثم لاستبعاد المرية و المراء بعد ظهور انه تعالى خالقهم و خالق أصولهم و محييهم الى اجالهم فمن كان هذا شانه لا يخرج من قضائه و علمه شى ء و يقدر هو على اعادتهم كما خلق أول مرة عن عائشة قالت قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ستة لعنتهم و لعنهم اللّه و كل نبى مجاب الزائد فى كتاب اللّه و المكذب بقدر اللّه و المتسلط بالجبروت ليعز من اذله اللّه و يذل من أعزه اللّه و المستحل لحرمة اللّه و المستحل من عزتى ما حرم اللّه و التارك لسنتى رواه البيهقي فى المدخل و رزين فى كتابه قلت الزائد فى كتاب اللّه الروافض يزيدون فى كتاب اللّه عشرة اجزاء فوق ثلثين جزء و يزعمون ان عثمان أسقطها من القران و يزعمون ان سورة الأحزاب مثل سورة البقرة و المستحل من عترة النبي صلى اللّه عليه و سلم الخوارج و المكذب بقدر اللّه المعتزلة و هم المشار إليهم بهذه الاية و المستحل لحرمة اللّه المرجئة القائلين بالجبر و المتسلط بالجبروت السلاطين الظلمة و التارك للسنة جميع اهل الأهواء و الفساق. ٣ وَ هُوَ اللّه الضمير راجع الى اللّه الموصوف بما ذكروا اللّه خبره او بدل منه و جاز ان يكون الضمير للشان و اللّه مبتدا نظيره قوله تعالى قل هو اللّه أحد فِي السَّماواتِ وَ فِي الْأَرْضِ متعلق باسم اللّه على تقدير كونه مشتقا بمعنى المعبود يعنى هو المعبود على الاستحقاق فيهما لا غيره نظيره قوله تعالى و هو الذي فى السماء اله و فى الأرض اله او على تاويل المشتق يعنى هو المعرف بذلك الاسم او المذكور به فيهما او ظرف مستقر وقع خبرا على التجوز فان الخلائق كلها مظاهر صفاته و مجالى كمالاته و قال البيضاوي انه تعالى لكمال علمه بما فيهما كانه فيهما و قوله تعالى يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَ جَهْرَكُمْ الجملة خبر ثان او هى الخبر و الظرف متعلق به و يكفى لصحة الظرفية كون المعلوم فيهما يقال رميت الصيد فى المفازة من العمران و المعنى يعلم ما تكتمون فى أنفسكم و ما تبدون منها وَ يَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ بالجوارح من خيرا و شر فيجازيكم عليها و جاز ان يكون المعنى يعلم ما أسررتم من افعال القلوب و الجوارح و ما أعلنتم منها و ما تكسبونها فى الاستقبال و لم تعملوا بعد فانه من خصائص معلومات اللّه تعالى. ٤ وَ ما تَأْتِيهِمْ يعنى اهل مكة مِنْ آيَةٍ من زايدة للاستغراق مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ مثل انشقاق القمر و نطق الحصيات و غير ذلك و قال عطاء من آيات القران و من للتبعيض إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ تاركين النظر فيه. ٥ فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ بالقران و قيل بمحمد عليه السلام لَمَّا جاءَهُمْ الفاء للتفريع على ما سبق فانهم لما اعرضوا عن الآيات كلها كذبوا بالحق الذي جاءهم فانه من الآيات او للسببية يعنى انهم لما كذبوا بالقران الذي هو أعظم المعجزات باهر الاعجاز لفظا و معنى فى كل حين و زمان و كذبوا محمدا صلى اللّه عليه و سلم مع ظهور اعجاز وجوده الشريف حيث كان مولودا فيهم اميا لم يقرء و لم يكتب فى زمان الجاهلية و فترة العلم و الحكمة و قد تفجر منه ينابيع العلم و الحكمة و الآداب على ما تساعده الكتب القيمة المتقدمة و أقر بنبوته القسيسين و الأحبار و الرهبان فكيف لا يعرضون عن افراد المعجزات فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ يوم القيمة او عند ظهور الإسلام و ارتفاع امره أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ يعنى يظهر لهم قبحه عند نزول العذاب بهم فى الاخرة او فى الدنيا. ٦ أَ لَمْ يَرَوْا فى أسفارهم الى الشام كَمْ خبرية بمعنى كثيرا أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ من زائدة و كذا فى قوله تعالى مِنْ قَرْنٍ القرن القوم المقترنون فى زمان واحد و جمعه قرون و منه قوله صلى اللّه عليه و سلم خير القرون قرنى يعنى من اقترن معى او طائفة من الزمان يقترن فيها الناس فقيل هو أربعون سنة او عشرة او عشرون او ثلثون او خمسون او ستون او سبعون او ثمانون او مائة او مائة و عشرون و الأصح انه مائة سنة لانه صلى اللّه عليه و سلم قال لعبد اللّه بن بشر المازني انك تعيش قرنا فعاش مائة سنة كذا ذكر البغوي و فى نهاية الجزري انه صلى اللّه عليه و سلم مسح راس غلام و قال عش قرنا فعاش مائة سنة و على تقدير كونه للزمان معناه اهل قرن مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ يعنى قررناهم فيها و أعطيناهم من القوى و الأسباب و العدد ما تمكنوا بها على ما أرادوا و الجملة فى موضع الجر صفة لقرن و جمع نظرا للمعنى ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ ما لم نعطكم من القوى و المال و الأسباب و العدد ما موصوفة بمعنى شيئا منصوب اما على انه مفعول ثان لمكناهم بتضمين أعطيناهم او على المصدرية يعنى مكناهم شيئا من التمكين لم نمكن لكم مثلهم قال ابن عباس امهلناهم فى العمر ما لم نعمركم مثل قوم نوح و عاد و ثمود فيه التفات من الغيبة الى الخطاب و قال البصريون اخبر عن اهل مكة بلفظ الغيبة فقال الم يروا و لما كان فيهم محمد صلى اللّه عليه و سلم و أصحابه أورد بلفظ الخطاب وَ أَرْسَلْنَا عطف على مكنا السَّماءَ يعنى المطر عَلَيْهِمْ مِدْراراً مفعال من الدر و الدر اللبن و فى اللبن خير كثير للعرب حال من السماء يعنى حال كونه كثير النفع فى اوقات حاجاتهم و قال ابن عباس يعنى متتابعا وَ جَعَلْنَا الْأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ اى من تحت مساكنهم فعاشوا مترفهين بين الثمار و الأنهار فَأَهْلَكْناهُمْ إذا جاءتهم الرسل و كذبوهم بِذُنُوبِهِمْ بسبب عصيانهم الرسل و لم يغن مكنتهم فى الدنيا و رفاهيتهم فيها عنهم شيئا فكيف يغنى هؤلاء الكفار أسبابهم فى الدنيا إذا كذبوا محمدا صلى اللّه عليه و سلم القران وَ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ فكما أهلكنا من قبلكم و أنشأنا مكانهم آخرين نفعل بكم يا اهل مكة ان لم تؤمنوا قال الكلبي و مقاتل ان النضر بن الحارث و عبد اللّه بن ابى امية و نوفل بن خويلد قالوا يا محمد لن نؤمن لك حتى تأتينا بكتاب من عند اللّه و معه اربعة من الملئكة يشهدون عليه انه من عند اللّه و انك رسوله فانزل اللّه تعالى. ٧ وَ لَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً مكتوبا فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ اى مسوا ذلك القرطاس بِأَيْدِيهِمْ بحيث لا يحتمل التزوير بوجه فان السحر لا يجرى فى الملموس فلا يمكنهم ان يقولوا سكرت أبصارنا لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا تعنتا و عنادا إِنْ هذا المكتوب إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ لانه سبق علمه تعالى فيهم انهم لا يؤمنون. ٨ وَ قالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ يعنى على محمد اى معه مَلَكٌ يكلمنا انه نبى كما فى قوله تعالى لو لا انزل معه ملك فيكون معه نذيرا وَ لَوْ أَنْزَلْنا معه مَلَكاً كما اقترحوا لَقُضِيَ الْأَمْرُ باهلاكهم بجريان سنة اللّه تعالى باهلاك الأمم عند نزول الآيات على اقتراحهم ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ اى لا يهملون بعد نزوله طرفة عين و قال مجاهد لقضى الأمر اى لقامت القيامة و قال الضحاك لو أتاهم ملك فى صورته لماتوا من هوله و كلمة ثم لبعد ما بين الامرين قضاء الأمر و عدم الانظار فان عدم الانظار بمعنى فجاءد العذاب أشد من نفس العذاب. ٩ وَ لَوْ جَعَلْناهُ الضمير للمطلوب او للرسول مَلَكاً يعنى لو جعلنا قرينا لك ملكا يعاينوه او جعلنا الرسول ملكا فانهم تارة يقولون لو لا انزل معه ملكا فيكون معه نذيرا و تارة يقولون لو شاء ربنا لانزل ملئكة لَجَعَلْناهُ رَجُلًا يعنى لمثلناه رجلا كما كان جبرئيل يتمثل للنبى صلى اللّه عليه و سلم غالبا فى صورة دحية لان القوة البشرية لا يقوى على روية الملك فى صورته و انما رأهم كذلك الافراد من الأنبياء أحيانا لقوتهم القدسية و لان الرسول برزخ بين الخالق و الخلق و لا بد فى البرزخ من المناسبتين مناسبة بالخالق كى يتلقى الفيوض من جنابه المقدس و مناسبة بالخلق كى يفيض عليهم ما استفاض من الجناب المقدس فان الافادة و الاستفادة لا يتصور من غير مناسبة فالرسول له مناسبة باطنية بالخالق فان مبدأ تعينه صفة من صفات اللّه تعالى بخلاف سائر الخلائق سوى الأنبياء و الملائكة فان مبادى تعيناتهم ظلال الصفات فلا بد ان يكون للرسول مناسبة صورية بالناس المرسل إليهم و لان بناء التكليف على الايمان بالغيب فلابد من التلبيس و التخليط لبقاء التكليف و من ثم قال اللّه تعالى وَ لَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ اى لخلطنا و اشكلنا عليهم فلا يدرون انه ملك بل يقولون ما هذا الا بشر مثلكم ما يَلْبِسُونَ على أنفسهم من امر الرّسول بعد ظهور رسالته بالآيات ثم سلى نبيه صلى اللّه عليه و سلم على ما أصابه من استهزاء قومه بقوله. ١٠ وَ لَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ كما استهزئك يا محمد فلا تهتم فَحاقَ قال الضحاك أحاط و كذا فى القاموس و قال الربيع بن انس نزل و قال عطاء حل بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ فكذا يحيق بهؤلاء ما يستهزءون بك و ما موصولة او مصدرية و المضاف على التقديرين محذوف يعنى أحاط بهم و بال الذي كانوا يستهزءون به او وبال كونهم مستهزئين. ١١ قُلْ يا محمد سِيرُوا فِي الْأَرْضِ بالاقدام او بالعقول و القوى الفكرية معتبرين ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ اى جزاء أمرهم و كيف أورثهم الكفر و التكذيب الهلاك و الخسران فان قيل جاء فى موضع اخر قل سيروا فى الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين بكلمة الفاء و هاهنا بكلمة ثم و الفاء للتعقيب بلا مهلة و ثم للتراخى فكيف التوفيق قلنا السير ممتد و النظر على مساكن المكذبين من الأمم السابقة يقع متراخيا بالنسبة الى ابتداء السير غالبا و يترتب على بعض اجزاء السير بلا مهلة فايراد الفاء نظرا الى بعض اجزاء السير و إيراد ثم نظرا الى بداية السير قال البيضاوي و الفرق بين هذه و بين قوله تعالى سيروا فى الأرض فانظروا ان السير ثمه لاجل النظر و لا كذلك هاهنا و لذلك قيل معنى هذه الاية اباحة السير للتجارة و غيرها و إيجاب النظر فى اثار الهالكين و كذا قال صاحب المدارك و زاد انه تعالى نبه على إيجاب النظر فى اثار الهالكين بثم للتباعد بين الواجب و المباح قلت بناء قول الشيخين على ان الفاء للسببية دون ثم و مقتضى السببية كون السير سببا للنظر فى الواقع سواء كان السير لاجل النظر قصدا اولا فمفاد الآيتين ان المطلوب شيئان ..... السير مطلقا و النظر فى اثار الهالكين غير ان هذا الاية بكلمة ثم لا يفيد سببية أحدهما للاخر و تلك الاية تفيدها و سياق كلتا الآيتين يقتضى ان المأمور به قصدا انما هو النظر و السير انما امر به لكونه وسيلة الى النظر و كانّ فى كلمة ثم اشارة الى التباعد بين ما هو المطلوب قصدا و بالذات و ما هو المطلوب ليكون وسيلة الى غيره و على هذا التحقيق لا حاجة فى التوفيق بين الآيتين الواردتين إحداهما بالفاء و الاخرى بثم الى ملاحظة بداية السير و نهايته. ١٢ قُلْ يا محمد تبكيت للخصم لِمَنْ من استفهامية و الظرف خبر و المبتدأ ما يعنى الأشياء التي هى كائنة فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ يعم العقلاء و غيرهم و لذلك أورد بكلمة ما قُلْ للّه تقرير لهم اى هو اللّه لا خلاف بيننا و بينكم فيه و تنبيه على انه لا يمكن لاحد ان يجيب بغيره كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ يعنى التزم و وعد وعدا مؤكدا لا يمكن خلفه الرَّحْمَةَ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لما قضى اللّه الخلق كتب كتابا فهو عنده فوق العرش ان رحمتى غلبت غضبى و فى رواية بلفظ ان رحمتى سبقت غضبى رواه البغوي من حديث ابى هريرة و عنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان للّه مائة رحمة انزل منها رحمة واحدة بين الجن و الانس و البهائم و الهوام فبها يتعاطفون و بها يتراحمون و بها يتعاطف الوحوش على أولادها و اخّر تسعة و تسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيمة رواه مسلم قلت لعل المراد بعدد المائة تمثيل التكثير دون تعيين العدد فان ما عندكم ينفد و ما عند اللّه باق كيف و صفات الممكنات متناهية و صفاته تعالى غير متناهية و ما انزل اللّه من الرحمة فى خلقه و خلقها فى قلوبهم انما هى ظل من ظلال رحمة اللّه تعالى و عن عمر بن الخطاب قال قدم على النبي صلى اللّه عليه و سلم سبى فاذا امراة من السبي قد تحلب ثديها تسعى إذا وجدت صبيا فى السبي أخذته فالصقته ببطنها و ارضعته فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم ترون هذه طارحة ولدها فى النار قلنا لا و هى تقدر على ان لا تطرحه فقال للّه ارحم بعباده من هذه بولدها و اعلم ان رحمة اللّه تعالى منها ما يترتب عليها نعماء الدنيا و منها ما يترتب عليها نعماء الاخرة لارسال الرسل و إنزال الكتب و نصب الادلة الدالة على التوحيد و الموت و البعث بعدها المفضى الى نعيم الجنان و لقاء الرحمن و العمدة فى الباب و المقصود بالذكر انما هى التي تعلقت بالاخرة كما يدل عليه ما ذكرنا من الأحاديث و يدل عليه قوله تعالى لَيَجْمَعَنَّكُمْ يعنى ليجمعن اجزاءكم مبعوثين إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ الظاهر ان الى هاهنا بمعنى فى او المعنى ليجمعنكم فى القبور ميتين الى يوم القيمة و يفهم منه التزاما انه ثم يبعثكم فتصدرون أشتاتا لتروا أعمالكم و الجملة جواب قسم محذوف و هو بدل من الرحمة بدل البعض و بهذا يظهر ان المقصود انما هى الرحمة الاخروية و لما كان الكفار مبالغين فى انكار البعث أكده سبحانه بالقسم بعد الانذار على تكذيب المبلغ الصادق و بيان قدرته عليه بقوله لمن ما فى السموات و الأرض و بيان الحكمة فى البعث بقوله كتب على نفسه الرحمة لا رَيْبَ فِيهِ اى فى الجمع او فى اليوم و لما كان مقتضى الاية عموم رحمة اللّه تعالى موهما شمولها للكفار قال اللّه تعالى لدفع ذلك التوهم و بيان ان حرماتهم من رحمة اللّه تعالى بسوء اختيارهم و خسرانهم الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بالاشراك حيث ضيعوا رأس ما لهم و هو الفطرة السليمة و العقل السليم و فوتوا حظهم من الرحمة و اشتروا به العذاب و النقمة الموصول مبتدأ و خبره فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ الفاء للدلالة على ان خسرانهم فى علم اللّه تعالى سبب لعدم ايمانهم و كان القياس العطف على لا ريب فيه و وجه الفصل تقدير السؤال كانه قيل فلم يرتاب الكافرون فاجيب بان خسرانهم أنفسهم صار سببا لعدم الايمان و جاز ان يكون الموصول منصوبا على الذم و كما يدل هذه الاية على شمول رحمة اللّه تعالى و حرمان الكفار بسوء اختيارهم و خسرانهم يدل عليه حديث ابى امامة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كلكم يدخل الجنة الا من شرد على اللّه شرد «١» البعير على اهله رواه الطبراني و الحاكم بسند صحيح. (١) اى اخرج عن طاعته و فارق الجماعة يقال شرد البعير إذا نفر و ذهب فى الأرض ١٢ نهايه. ١٣ وَ لَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَ النَّهارِ من السكنى و تعديته الى المكان بفي كما فى قوله تعالى و سكنتم فى مساكن الذين ظلموا أنفسهم و عدى هاهنا الى الزمان اتساعا و المراد كل ما يمر عليه الليل و النهار او من السكون و المعنى كل ما سكن فيهما و تحرك فاكتفى بأحد الضدين عن الاخر كما فى قوله تعالى سرابيل تقيكم الحر يعنى الحر و البرد وَ هُوَ السَّمِيعُ لاصواتهم الْعَلِيمُ بأحوالهم و عيد للمشركين على أقوالهم و أفعالهم. ١٤ قُلْ أَ غَيْرَ اللّه أَتَّخِذُ وَلِيًّا ناصرا و معبودا استفهام لانكار اتخاذ غير اللّه و ليالا لاتخاذ الولي و لذلك قدم المفعول الاول لاتخذ عليه و ذكره متصلا بالهمزة فاطِرِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ اى خالقهما و مبدعهما و الاضافة معنوية لان فاطر بمعنى فطر و لذلك قرا فطر فهو مجرور صفة للّه وَ هُوَ يُطْعِمُ وَ لا يُطْعَمُ اى يرزق المرزوقين و لا يرزق و تخصيص الطعام لشدة احتياج الناس اليه و الجملة حال من اللّه و الاية نزلت حين دعى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الى دين ابائه قُلْ إِنِّي قرأ نافع بفتح الياء و الباقون بالإسكان أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ لان النبي صلى اللّه عليه و سلم سابق أمته فى الدين وَ لا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ معطوف على قل او على أمرت بتقدير و قيل لى ان لا تكونن من المشركين ١٥ قُلْ إِنِّي قرأ نافع و ابن كثير و ابو عمرو بفتح الياء و الباقون بالإسكان. أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي بان عبدت غيره عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ مبالغة فى قطع اطماعهم و تعريض بهم باستيجابهم العذاب بالكفر و العصيان اعترض الشرط بين الفعل و المفعول به و حذف جزاء الشرط لدلالة الجملة عليه يعنى انى أخاف عذاب يوم عظيم اى يوم القيمة ان عصيت ربى عذبنى يومئذ. ١٦ مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ قرأ حمزة و الكسائي و ابو بكر عن عاصم و يعقوب يصرف بفتح الياء و كسر الراء على البناء للفاعل و الضمير عائد الى ربى و المفعول به محذوف او يومئذ بحذف المضاف و اقامة المضاف اليه مقامه يعنى من يصرف ربى العذاب يومئذ او عذاب يومئذ يعنى يوم القيامة و الباقون بضم الياء و فتح الراء على البناء للمفعول و الضمير عائد الى العذاب يعنى من يصرف عنه العذاب يومئذ او يكون مسندا الى يومئذ بحذف المضاف اى عذاب يومئذ و حينئذ و يومئيذ «١» مبنى على الفتح فَقَدْ رَحِمَهُ اللّه حيث نجاه من العذاب و ادخله الجنة رحمة منه لا لاداء حق عليه وَ ذلِكَ الصرف الْفَوْزُ الْمُبِينُ فى القاموس الفوز النجاة و الظفر بالخير و الهلاك فالمراد هاهنا الظفر بالخير لان الهلاك ليس بمراد البتة لدلالة السياق و كذا النجاة غير مراد إذ المراد باسم الاشارة هو الصرف و هو عين النجاة فيكون الحمل غير مفيد و بهذا يظهر ان دخول الجنة لازم لصرف العذاب عنه فيمكن بهذه الاية الاستدلال على نفى المنزلة بين المنزلتين كما قالت بها المعتزلة. (١) لاكتسابه البناء من المضاف اليه ١٢ منه. ١٧ وَ إِنْ يَمْسَسْكَ اللّه بِضُرٍّ بشدة كفقر او مرض او عذاب فَلا كاشِفَ لَهُ يعنى لا قادر على كشفه أحد إِلَّا هُوَ و الا يلزم عجزه تعالى و هو محال مناف للالوهية و وجوب الوجود وَ إِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ بعافية و نعمة من صحة و غنى و غيرهما فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ فكان قادرا على ادامته و حفظه و كذا على إزالته و لا يستطيع أحد غيره إزالته روى البغوي بسنده عن ابن عباس رض قال اهدى للنبى صلى اللّه عليه و سلم بغلة اهديها له كسرى فركبها بحبل من شعر ثم أردفني خلفه ثم سار بي مليا ثم التفت الى فقال يا غلام قلت لبيك يا رسول اللّه قال احفظ اللّه يحفظك احفظ اللّه تجده امامك تعرف اللّه فى الرخاء يعرفك فى الشدة فاذا سالت فاسال اللّه و إذا استعنت فاستعن باللّه قد مضى القلم بما هو كائن فلو جهد الخلائق ان ينفعوك بما لم يقضه اللّه تبارك و تعالى لك لم يقدروا عليه و لو جهدوا ان يضروك بما لم يكتبه اللّه سبحانه و تعالى عليك ما قدروا عليه فان استطعت ان تعمل بالصبر مع اليقين فافعل فان لم تستطع فاصبر فان فى الصبر على ما تكره خيرا كثيرا و اعلم ان النصر مع الصبر و ان مع الكرب الفرج و ان مع العسر يسرا و روى احمد و الترمذي نحوه و قال الترمذي حديث حسن صحيح و ليس فى روايتهما من قوله فان استطعت ان تعمل بالصبر إلخ. ١٨ وَ هُوَ الْقاهِرُ مبتدأ و خبر و القهر الغلبة و التذليل معا و فيه زيادة معنى على القدرة و هى منع غيره عن بلوغ المراد من غير إرادته فَوْقَ عِبادِهِ خبر بعد خبر تصوير لقهره و علوه وَ هُوَ الْحَكِيمُ فى امره الْخَبِيرُ بكل شى ء لا يخفى عليه شى قال الكلبي اتى اهل مكة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقالوا أرنا من يشهد انك رسول اللّه فانا لا نرى أحدا يصدقك و لقد سالنا عنك اليهود و النصارى فزعموا انه ليس لك عندهم ذكر فانزل اللّه تعالى. ١٩ قُلْ أَيُّ شَيْ ءٍ الشي ء يقع على كل موجود و قد مر الكلام فيه فى سورة البقرة و المعنى اى شاهد أَكْبَرُ اى أعظم شَهادَةً اى شى ء مبتدأ و اكبر خبره و شهادة تميز عن النسبة يعنى شهادة اى شاهد اكبر فان أجابوك و الا قُلْ أنت اللّه اكبر شهادة حذف الخبر لقرينة السؤال و تم الكلام و قوله شَهِيدٌ بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ خبر مبتدأ محذوف يعنى هو شهيد بينى و بينكم و جاز ان يكون اللّه شهيد هو الجواب لانه تعالى إذا كان شهيدا كان اكبر شى ء شهادة و جاز ان يكون تاويل الاية انه اى مشهود اكبر شهادة يعنى مشهودية رسالتى او عدمها و الجواب اللّه شهيد على رسالتى و معلوم انه ما كان اللّه عليه شهيدا فهو اكبر شهادة و حينئذ لا حاجة الى تكلف و شهادة اللّه تعالى على الرسالة اظهار المعجزات الدالة على صدقه صلى اللّه عليه و سلم و لما كان أعظم المعجزات القران بين الشهادة بقوله وَ أُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ المعجز المخبر بأخبار المبدأ و المعاد على ما نطق به الكتب السابقة لِأُنْذِرَكُمْ أخوفكم من عذاب اللّه ان لم تؤمنوا بِهِ اى بالقران اكتفى بالإنذار عن ذكر البشارة لدلالة الحال و المقال و لمزيد الاهتمام بالإنذار فان دفع المضرة اولى من جلب المنفعة وَ مَنْ بَلَغَ منصوب بالعطف على ضمير المخاطبين يعنى لانذركم يا اهل مكة و من بلغه القران من الموجودين فى ذلك الزمان و بعد ذلك الزمان الى يوم القيامة من الجن و الانس عن عبد اللّه بن عمر و قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بلغوا عنى و لو اية و حدثوا عن بنى إسرائيل و لا حرج و من كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار متفق عليه و المراد ببني إسرائيل فى هذا الحديث المؤمنين الصادقين منهم إذ لا وثوق برواية الكفرة الكذابين بدليل حديث سمرة بن جندب و المغيرة ابن شعبة قالا قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من حدث عنى بحديث يرى انه كذب فهو أحد الكاذبين رواه مسلم و عن ابن مسعود ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال نضر اللّه عبد اسمع مقالتى فحفظها و وعاها و أداها فرب حامل فقه الى من هو افقه منه ثلث لا يغل عليهن قلب مسلم اخلاص العمل للّه تعالى و نصيحة المسلمين و لزوم جماعتهم فان دعوتهم تحيط من ورائهم رواه الشافعي و البيهقي فى المدخل و رواه احمد و الترمذي و ابو داؤد و ابن ماجة و الدارمي عن زيد بن ثابت الا ان الترمذي و أبا داؤد لم يذكرا ثلاث لا يغل إلخ قال محمد بن كعب القرظي من بلغه القران فكانما رأى محمدا صلى اللّه عليه و سلم و سمع منه أَ إِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ يا اهل مكة أَنَّ مَعَ اللّه آلِهَةً أُخْرى تقرير لهم مع انكار و استبعاد و تعجب حيث يشهدون على امر ظاهر بطلانه بالادلة القطعية النقلية و العقلية على التوحيد هذه الاية تدل على ان اهل مكة طلبوا من النبي صلى اللّه عليه و سلم شاهدا على التوحيد و معنى الاية ان اللّه يشهد على التوحيد بنصب الادلة عليه و إنزال القران المعجز و هو اكبر شهادة ا أنتم تشهدون على خلافه قلت لعلهم طلبوا شاهدا على التوحيد و الرسالة جميعا و اقتصر الكلبي فى ذكر شان النزول على طلب الشهادة على الرسالة فان الشهادة على الرسالة يستلزم الشهادة على التوحيد من غير عكس قُلْ لا أَشْهَدُ بما تشهدون قُلْ إِنَّما هُوَ اى اللّه إِلهٌ واحِدٌ متوحد فى استحقاق العبودية و وجوب الوجود و التخليق و الترزيق و غير ذلك من صفات الكمال لا شريك له فى شى ء منها منزه عن أنحاء التركيب و التعدد و ما يستلزمه أحدهما من الجسمية و التحيز و المشاركة لشئ من الأشياء فى صفة من صفات الكمال فلا يرد ما يقال ان الحمل غير مفيد فان اللّه جزئى حقيقى و الجزئى الحقيقي لا يحتمل التعدد هذا على تقدير كون ما كافة و ضمير هو راجعا الى اللّه تعالى و جاز ان يكون ما موصولة مبتدأ و ضمير هو راجعا الى الموصولة و جملة هو اله صلة و واحد خبر للموصول مع الصلة فلا إشكال يعنى ما هو اله مستحق للعبادة لاجل كونه واجبا وجوده و صفات كماله مقتضيا لوجود من عداه و توابعه واحد لا شريك له و المعنى لا اشهد ما تشهدون بل على التوحيد وَ إِنَّنِي بَرِي ءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ باللّه تعالى إياه فى استحقاق العبادة من الأصنام او من اشراككم. ٢٠ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ يعنى محمدا صلى اللّه عليه و سلم موصوفا بالرسالة من اللّه تعالى لتطابق حليته و أخلاقه و أوصافه بما نعت فى التورية و الإنجيل كَما يَعْرِفُونَ اى معرفة كمعرفة أَبْناءَهُمُ من بين الصبيان بحلاهم الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ من اهل الكتاب بكتمان نعته صلى اللّه عليه و سلم حيث قدر اللّه تعالى عليهم بالخسران فى علمه القديم فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ بالنبي صلى اللّه عليه و سلم و يجحدون بنبوته بعد ما استيقنت به أنفسهم ظلما و علوا و تعنتا و عنادا هذه الاية جواب لقولهم لقد سالنا عنك اليهود و النصارى فزعموا انه ليس لك عندهم ذكر يعنى انهم كذبوا و خسروا أنفسهم حيث بدلوا منازلهم من الجنة ان أمنوا بمنازلهم من النار اخرج ابن ماجة و البيهقي بسند صحيح عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما منكم من أحد الا له منزلان منزل فى الجنة و منزل فى النار فاذا مات فدخل النار ورث اهل الجنة منزله فذلك قوله تعالى أولئك هم الوارثون قال البغوي إذا كان يوم القيامة جعل اللّه للمؤمنين منازل اهل النار فى الجنة و لاهل النار منازل اهل الجنة فى النار و ذلك الخسران قلت كان مقتضى سياق الكلام الذين لا يؤمنون خسروا أنفسهم قلب الحمل مبالغة. ٢١ وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللّه كَذِباً يعنى ادعى الرسالة كاذبا و قال اوحى الى و لم يوح اليه شى ء أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ المنزلة فى القران و المعجزات الدالة على التوحيد و صدق الرسول يعنى لا أحد اظلم منه فهذه الاية بهذا التأويل لتنزيه النبي صلى اللّه عليه و سلم عن الكذب و تنبيه الكافرين على كونهم اظلم الناس و جاز ان يكون المعنى من اظلم ممن افترى على اللّه كذبا و قال فيه ما لا يليق به من نسبة الولد او الشريك و قال للحجارة هؤلاء شفعاءنا عند اللّه او كذب باياته و كان المناسب على هذا التأويل العطف بالواو مكان او لانهم قد جمعوا بين الامرين لكن ذكر كلمة او تنبيها على ان كل واحد من الامرين بالغ غاية الافراط فى الظلم فكيف إذا اجتمعا و جاز ان يكون فى كلمة او اشعارا بكون الامرين متناقضين مع كونهما قبيحا و مع ذلك جمع الكفار بين الامرين المتناقضين لفرط حماقتهم وجه التناقض ان الافتراء على اللّه و دعوى انه تعالى حرم كذا و أحل كذا و اتخذ صاحبة و ولدا و يقبل شفاعة الأصنام مثل دعوى الرسالة يزعمون وجوب قبوله بلا دليل و تكذيبهم الآيات و المعجزات و قولهم الرسول لا يكون بشرا بل لا بد ان يكون ملكا يشعر وجوب عدم قبول دعوى الرسالة مع قيام الادلة القاطعة إِنَّهُ اى الشان لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ فضلا عمن هو اظلم الناس لا أحد اظلم منه «١». (١) شعر. ٢٢ وَ يَوْمَ نَحْشُرُهُمْ يعنى الكفار و ما عبدوه جَمِيعاً يعنى يوم القيمة قرا يعقوب بالياء على الغيبة و الضمير عائد الى اللّه تعالى و وافقه حفص فى سبا و الباقون بالنون على التكلم فى الموضعين و الظرف معمول بفعل واى بر قومى كه بت را سجده بي حجت كنند با رسل گويند ايتونا بسلطن مبين . ١٢ منه محذوف حذف الفعل لينتقل الذهن الى احوال كثيرة و اهوال متعددة تلحق الناس فى ذلك اليوم كانه قال يدهشون دهشة لا يحيط به العبارة و تدنو الشمس منهم و يلجمهم العرق و يذهب عرقهم فى الأرض سبعين باعا كما ورد فى الصحاح من الأحاديث و يفعل بهم كيت كيت يوم يحشرهم و جاز ان يكون مفعولا به لا ذكر ثُمَّ نَقُولُ معطوف على نحشر و فى كلمة ثم اشارة الى انتظارهم بعد الحشر الى السؤال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كيف بكم إذا جمعكم اللّه كما يجمع النبل فى الكنانة خمسين الف سنة لا ينظر إليكم رواه الحاكم و صححه و البيهقي عن ابن عمر و قال تمكثون الف عام فى الظلمة يوم القيامة لا تكلمون رواه البيهقي عن ابن عمر لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ اى الهتكم التي جعلتموها شركاء اللّه فى العبادة الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ اى تزعمونها شركاء فى استحقاق العبادة او تزعمونها شفعاء عند اللّه حذف المفعولان و المراد من الاستفهام التوبيخ. ٢٣ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ قرأ حمزة و الكسائي و يعقوب بالياء على التذكير و فِتْنَتُهُمْ بالنصب على انه خبر كان و اسمها إِلَّا أَنْ قالُوا و قرا نافع و ابو عمرو و ابو بكر و ابو جعفر لم تكن بالتاء على التأنيث لتانيث الخبر و فتنتهم بالنصب و ابن كثير و ابن عامر و حفص لم تكن بالتاء على التأنيث و فتنتهم بالرفع على انه اسم كان و المستثنى حبره و كلمة ثم تدل على طول التأمل فى الجواب و المراد بالفتنة الكفر يعنى يكون عاقبة كفرهم هذا القول بعد طول التأمل و الندامة و قال ابن عباس و قتادة معذرتهم و انما سمى المعذرة فتنة لانهم يتوهمون بها خلاص أنفسهم من فتنت الذهب إذا أخلصته و قيل معنى فتنتهم جوابهم و انما سماه فتنة لانه كذبا و لانهم قصدوا بها الخلاص و قيل معناه التجربة و لما كان سوالهم تجربة لاظهار ما فى قلوبهم سمى الجواب فتنة قال الرجاج فى قوله تعالى ثم لم تكن فتنتهم معنى لطيف و ذلك مثل الرجل يفتن بحبوب ثم يصيبه فيه محنة فيتبرأ من محبوبه فيقال لم تكن فتنة الا هذا كذلك الكفار فتنوا بمحبة الأصنام قلت بل بتقليد الآباء ثم لما رأوا العذاب تبرأوا منها وَ اللّه رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ مقولة قالوا قرا حمزة ربنا بالنصب على النداء او المدح و الباقون بالجر على انه نعت للّه روى البخاري و غيره عن ابن عباس فى قوله تعالى و لا يكتمون اللّه حديثا و قوله تعالى و اللّه ربنا ما كنا مشركين انه قال ان المشركين لما راوا يوم القيامة ان اللّه يغفر لاهل الإسلام و يغفر الذنوب و لا يغفر الشرك جحدوا رجاء ان يغفر لهم فقالوا و اللّه ربنا ما كنا مشركين فيختم اللّه على أفواههم و تكلمت أيديهم و أرجلهم بما كانوا يعملون فعند ذلك يود الذين كفروا و عصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض و لا يكتمون اللّه حديثا فقال اللّه تعالى. ٢٤ انْظُرْ ايها المخاطب كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ ضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ اى زال و ذهب عنهم افترائهم بان اللّه حرم هذا و هؤلاء شفعاءنا عند اللّه عطف على كذبوا و كيف حال من فاعل كذبوا قدم لاقتضاء الاستفهام الصدارة و مضمون الجملة مفعول انظر يعنى انظر كذبهم على أنفسهم متكيفين باى كيفية حيث لا يفيدهم قال الكلبي اجتمع ابو سفيان بن حرب و ابو جهل بن هشام و الوليد بن المغيرة و النضر بن الحارث و عتبة و شيبة ابنا ربيعه و امية و ابى ابنا خلف و الحرث بن عامر يستمعون القران فقالوا للنضر يا با قتيلة ما يقول محمد قال ما أدرى ما يقول الا انه يحرك لسانه و يقول أساطير الأولين مثل ما أحدثكم عن القرون الماضية و كان النضر كثير الحديث عن القرون و اخبارها فقال ابو سفيان انى ارى بعض ما يقول حقا فقال ابو جهل كلا لا تقر بشئ من هذا و فى رواية الموت أهون علينا من هذا فانزل اللّه تعالى. ٢٥ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حين تتلو القران وَ جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً جمع كنان و هو ما يستر الشي ء أَنْ يَفْقَهُوهُ اى لئلا يفقهوه او كراهة ان يفقهوه وَ فِي آذانِهِمْ وَقْراً صمما و ثقلا يمنع أسماعهم وَ إِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ من المعجزات لا يُؤْمِنُوا بِها لانه تعالى جعل على أبصارهم غشاوة و على قلوبهم اكنة و تلك الاكنة موجبة لفرط عنادهم بالنبي صلى اللّه عليه و سلم و استحكام تقليدهم بالآباء حيث لا يرون الحسن حسنا و لا القبيح قبيحا حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا حتى عاطفة تدخل على الجمل عطف على لا يؤمنون و إذا ظرف تضمن معنى الشرط جوابه يجادلونك و يقول تفسير له او يقال يجادلونك منصوب المحل على انه حال من فاعل جاؤا و جواب الشرط يقول و المعنى بلغ عدم ايمانهم و تكذيبهم الى مرتبة المجادلة و جعل اصدق الحديث خرافات الأولين و المجي ء لاجل المجادلة و هذا غاية التكذيب و جاز ان يكون حتى جارة و إذا فى محل الجر متعلقا بقوله تعالى لا يؤمنون على مذهب سيبويه حيث يقول بجواز وقوع إذا غير ظرف خلافا لجمهور النحاة و على هذا التأويل يجادلونك حال و يقول تفسير له و فى يقول الذين كفروا وضع المظهر موضع المضمر إِنْ هذا يعنى ما هذا القران إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ مقولة يقول فى القاموس السطر الصف من الشي ء كالكتاب و الشجر و الخط و الجمع اسطر و سطور و اسطار و جمع الجمع أساطير و الأساطير الأحاديث التي لا نظام لها و قال البيضاوي الأساطير الأباطيل قلت هذا لازم معناه الحقيقي فان المكتوب فى كتب قصص الأولين غالبا يكون أباطيل لعدم الاطلاع على ما سبق و عدم الاحتياط فى الرواية و يكون قصص الأولين غالبا لا نظام لها لاجل اختلاف الروايات ثم استعمل لفظ أساطير الأولين فى الأحاديث الباطلة الكاذبة حتى صار هو معناه الحقيقي المنقول اليه. ٢٦ وَ هُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَ يَنْأَوْنَ عَنْهُ قال ابن عباس نزلت الاية فى ابى طالب كان ينهى المشركين ان يؤذوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و يتباعد عما جاء به فلا يؤمن به كذا اخرج الحاكم و غيره عنه و على هذا ضمير الجمع راجع الى ابى طالب و من يساعده و كذا اخرج ابن ابى حاتم عن سعيد بن ابى هلال حيث قال نزلت فى عمومة النبي صلى اللّه عليه و سلم و كانوا عشرة فكانوا أشد الناس معه فى العلانية و أشد الناس عليه فى السر فمعنى الاية ينهون الناس عن إيذائه صلى اللّه عليه و سلم و ينئون اى يتباعدون عن اتباعه قال البغوي انه روى انه اجتمع رؤس المشركين الى ابى طالب و قالوا خذ شابا من أصبحنا وجها و ادفع إلينا محمدا صلى اللّه عليه و سلم فقال ابو طالب ما أنصفتموني ادفع إليكم ولدي لتقتلوه و اربى ولدكم و روى ان النبي صلى اللّه عليه و سلم دعاه الى الإسلام فقال لو لا ان يعيرنى قريش لا قررت به عينك و لكن أذب عنك ما حييت و قال فيه أبياتا شعر و اللّه لن يصلوا إليك بجمعهم حتى اوسّد فى التراب دفينا فاصدع بامرك ما عليك غضاضة و ابشر و قر بذاك عنك عيونا دعوتنى و عرفت انك ناصحى و لقد صدقت و كنت ثم أمينا و عرضت دينا قد علمت بانه من خير أديان البرية دينا لو لا الملامة او حذار مسبة لوجدتنى سمحا بذاك مبينا غضاضة الشباب نضارته و طراوته و قال محمد بن الحنفية و الضحاك و قتادة نزلت فى كفار مكة و معناه ينهون الناس عن اتباع محمد صلى اللّه عليه و سلم او القران و يتباعدون عنه وَ إِنْ اى ما يُهْلِكُونَ بذلك إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَ ما يَشْعُرُونَ ان ضرره يعود إليهم و لا يعود الى النبي صلى اللّه عليه و سلم منه شى ء. ٢٧ وَ لَوْ تَرى الكفار إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ يعنى حين يوقفون على النار حتى يعاينوها و يطلعوا عليها او يدخلوها فيعرفوا عذابها و جواب لو محذوف يعنى لرايت امرا عجيبا فزيعا فَقالُوا عطف على وقفوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ الى الدنيا دار العمل وَ لا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَ نَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قرأ حفص و حمزة الفعلين منصوبين على جواب التمني بإضمار ان بعد الواو و قرا ابن عامر برفع الاول عطفا على نرد او حالا من الضمير فيه و نصب الثاني على الجواب و الباقون بالرفع فيهما عطفا على نرد او حالا من فاعله او استينافا و قال المحقق التفتازانيّ هو عطف الخبر على الإنشاء و هو جائز إذا اقتضاه المقام. ٢٨ بَلْ إعجاب عن ارادة الايمان و العزم عليه المفهوم من التمني يعنى انما قالوا ذلك ضجرا على كفرهم لا عزما على الايمان بَدا لَهُمْ اى ظهر لهم ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ فى الدنيا من النفاق او ما كان اهل الكتاب يخفون نعت النبي صلى اللّه عليه و سلم و قد كانوا يعرفون النبي صلى اللّه عليه و سلم كما يعرفون أبناءهم او ما كانوا يخفون فى الاخرة من الشرك حين قالوا و اللّه ربنا ما كنا مشركين قال النضر بن شميل معناه بدا عنهم و قال المبرد بدا لهم جزاء ما كانوا يخفون وَ لَوْ رُدُّوا الى الدنيا فرضا بعد ما عاينوا نار جهنم لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ من الكفر و المعاصي لان مبادى تعيناتهم ظلال اسم اللّه المضل لا يحتمل صدور الايمان منهم و ان كانوا على يقين من حقية الايمان و بطلان الكفر كما ان اليهود كانوا ينكرون و يبغضون محمدا عليه السلام و هم كانوا يعرفونه كما يعرفون أبناءهم و يجحدون بما استيقنت به أنفسهم ظلما و علوا وَ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ فيما وعدوه بعدم التكذيب و الايمان على قراءة الرفع او فيما يفهم من الوعد من التمني او المعنى انهم معتادون بالكذب لا يتكلمون بمقتضى الآيات من التوحيد و غير ذلك عوض العايضين اخرج الطبراني فى الأوسط عن ابى هريرة قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول ليعذرن اللّه الى آدم يوم القيمة ثلثة معاذير يقول يا آدم لو لا انى لعنت الكاذبين و أبغضت الكذب و الخلف و واعدت عليه لرحمتك اليوم ولدك أجمعين و لكن حق القول منى لئن كذّبت رسلى و عصى امرى لاملأن جهنم من الجنة و الناس أجمعين و يقول اللّه يا آدم انى لا ادخل النار أحدا و لا أعذب منهم الا من علمت بعلمي انى لورددته الى الدنيا لعاد الى شر ما كان فيه لم يرجع و لم يعقب و يقول اللّه يا آدم قد جعلتك حكما بينى و بين زريتك قم عند الميزان إذا يرفع إليك من أعمالهم فمن رجح منهم خيره على شره مثقال ذرة فله الجنة حتى تعلم انى لا ادخل النار الا ظالما. ٢٩ وَ قالُوا عطف على لعادوا يعنى لوردوا قالوا او على انهم لكاذبون يعنى و هم الذين قالوا ذلك فى الدنيا او على نهوا يعنى لو ردوا لعادوا لما نهوا و لما قالوا او استيناف بذكر ما قالوه فى الدنيا إِنْ هِيَ الضمير للحيوة إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا اى القربى مؤنث ادنى من الدنو وَ ما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ ٣٠ وَ لَوْ تَرى يا محمد إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ مجاز عن الحبس للسوال و التوبيخ و قيل معناه على قضاء ربهم او جزائه او عرفوه حق التعريف و جواب لو محذوف مثل ما تقدم قالَ اللّه او خزنة النار بإذن اللّه كانه جواب قائل قال ماذا قال ربهم حينئذ أَ لَيْسَ هذا بِالْحَقِّ المشار اليه البعث و ما ترتب عليه من الثواب و العقاب استفهام للتفريع و التعيير على التكذيب قالُوا بَلى وَ رَبِّنا أقروا مؤكدا باليمين لظهور الأمر كل الظهور و للتبرى عن الشرك و التكذيب و قال ابن عباس هذا فى موقف و للقيامة مواقف ففى موقف يقرون و فى موقف ينكرون قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ع اى بسبب كفركم او يبدله. ٣١ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللّه اى بالبعث بعد الموت المفضى الى روية اللّه خسر الكافرون حيث أنكروا البعث و الجنة و النار ففاتهم النعيم المقيم و استبدلوا بها العذاب الأليم و خسر المعتزلة حيث أنكروا روية اللّه تعالى فيحرمون عنها و أنكروا الشفاعة و المغفرة فيحرمون عنهما قال اللّه تعالى انا عند ظن عبدى بي متفق عليه عن ابى هريرة مرفوعا و عند الطبراني و الحاكم بسند صحيح عن واثلة و اخرج اللالكائى عن ابراهيم الصائغ قال ما يسرنى ان لى نصف الجنة بالروية ثم تلى كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ثم انهم لصالوا الجحيم ثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون قال بالروية حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ قال البيضاوي غاية لكذبوا لا لخسروا فان خسرانهم لا غاية له فان قيل تكذيبهم منته الى الموت لا الى قيام الساعة قلنا لعل المراد بالساعة ساعة الموت فانه من مات فقد قامت قيامته فى الصحيحين عن عائشة قالت كان رجال من الأعراب يأتون النبي صلى اللّه عليه و سلم فيسألونه عن الساعة فكان ينظر الى أصغرهم فيقول ان يعش هذا لا يدركه الهرم حتى تقوم عليكم ساعتكم و ان كان المراد بها القيامة فالموت مقدمة للساعة فكانها هى الساعة او جعل الساعة زمان الموت لسرعة مجئ الساعة بعدها و حينئذ يمكن ان يقال انه غاية للخسران لان الخسران فوات راس المال و حين الموت لم يبق راس المال و هى الحيوة فانتهى زمان خسرانهم و بعده زمان الإفلاس بَغْتَةً يعنى فجأة منصوب على الحال او المصدر فانها نوع من المجي ء قالُوا يا حَسْرَتَنا جواب إذا ذكر على وجه النداء يعنى تعال هذا او انك عَلى ما فَرَّطْنا فِيها اى فى الحيوة الدنيا من عمل الخير فهو إضمار بلا ذكر المرجع للعلم به او الضمير راجع الى الساعة يعنى قصرنا فى شان الساعة و الايمان بها وَ هُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ يعنى أعمالهم القبيحة عَلى ظُهُورِهِمْ إذا خرجوا من القبور اخرج ابن ابى حاتم عن عمرة بن قيس الملائى ان المؤمن إذا خرج من قبره استقبله عمله فى احسن صورة و أطيب ريح فيقول هل تعرفنى فقال لا الا ان اللّه قد أطيب ريحك و احسن صورتك فيقول كذلك كنت فى الدنيا انا عملك الصالح طال ما ركبتك فى الدنيا اركبنى اليوم و تلا يوم نحشر المتقين الى الرحمن وفدا و إن كان الكافر يستقبله عمله فى أقبح صورة و أنتنه ريحا فيقول او لا تعرفنى قال لا الا ان اللّه قبح صورتك و نتن ريحك فيقول كذلك كنت فى الدنيا انا عملك السي ء طال ما ركبتى فى الدنيا و انا أركبك اليوم و تلى و هم يحملون أوزارهم على ظهورهم و عن ابى هريرة قال قام رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فعظم الغلول و امره ثم قال الا الفين أحدكم يجئ يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء فيقول يا رسول اللّه أغثني فاقول لا املك من اللّه شيئا قد أبلغتك الحديث ذكر فيه على رقبته فرس له حمحمة على رقبته شاة لها ثغاء على رقبته صامة متفق عليه و روى ابو يعلى و البزار عن عمر بن الخطاب نحوه و اخرج الطبراني عن ابن مسعود مرفوعا من بنى بناء فوق ما يكفيه كلف ان يحمل على عاتقه و فى الصحيحين عن عائشة مرفوعا من ظلم قيد شبر من ارض طوقه اللّه يوم القيامة من سبع ارضين و فى الباب عند الطبراني عن الحكم بن حارث و انس و عنده و عند احمد عن يعلى بن مرة و ابى مالك الأشعري أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ اى بئس شيئا يزرونه و زرهم. ٣٢ وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ جواب لقولهم ان هى الا حيوتنا الدنيا و اللعب فعل لا يكون له غرض صحيح و لا يترتب عليه منفعة و اللّهو ما يشغله عما ينفعه يعنى ما الأعمال التي يقصد بها معيشة الدنيا و لذاتها من غير ان يبتغى بها وجه اللّه تعالى الا باطلا لا ينفع منفعة معتدة بها لسرعة زوالها فكانها لا منفعة فيها أصلا و هى شاغلة عما يفيده فى الحيوة الابدية وَ لَلدَّارُ الْآخِرَةُ قرأ ابن عامر و لدار الاخرة بالاضافة بتأويل و لدار الساعة الاخرة كصلوة الوسطى و مسجد الجامع و الباقون بالتوصيف خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ عن الشرك و المعاصي لدوامها و خلوص منافعها و لذاتها و تخصيص الخيرية بالمتقين لانها شر للمشركين حيث يعذبون فيها و فيه اشارة الى انه ما ليس من اعمال المتقين لعب و لهو فان اعمال المتقين فى مقابلة اعمال الدنيا أَ فَلا تَعْقِلُونَ قرأ نافع و ابن عامر و حفص بالتاء على الخطاب و الباقون بالياء على الغيبة يعنى أ فلا يعقلون اى الامرين من اعمال الدنيا و الاخرة خير فان خير ما يكون منفعته قوية خالصة ابدية على ما هى ضعيفة مشوبة بالمضرات على شرف الزوال بديهية روى الترمذي و الحاكم عن على ان أبا جهل قال للنبى صلى اللّه عليه و سلم انا لا نكذبك و لكن نكذب بما جئت به فانزل اللّه تعالى. ٣٣ قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ الاية قال البيضاوي قد لزيادة الفعل و كثرته كما فى قوله و لكنه قد يهلك المال نايله و ضمير انه للشان قال السدى التقى الأخنس بن شريف و ابو جهل ابن هشام فقال الأخنس لابى جهل يا أبا الحكم أخبرني عن محمد بن عبد اللّه ا صادق هو أم كاذب فانه ليس هاهنا أحد يسمع كلامك غيرى فقال ابو جهل و اللّه ان محمد الصادق و ما كذب محمد قط لكن إذا ذهب بنو قصى باللواء و السقاية و الحجابة و الندوة و النبوة فماذا يكون لساير قريش فانزل اللّه عز و جل فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ قرأ نافع و الكسائي بالتخفيف من الافعال من أكذبه إذا وجده كاذبا و الباقون بالتشديد من التفعيل بمعنى نسبته الى الكذب وَ لكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللّه يَجْحَدُونَ قال ناجية بن كعب قال ابو جهل للنبى صلى اللّه عليه و سلم لا نتهمك و لا نكذبك و لكنا نكذب التي جئت به وضع الظالمين موضع الضمير للدلالة على انهم ظلموا لجحودهم او جحدوا لتمرنهم على الظلم و الباء لتضمين الجحود معنى التكذيب يعنى ان تكذيبهم إياك راجع الى اللّه تعالى فانهم انما يكذبونك من حيث الرسالة و تكذيب الرسول من حيث انه رسول تكذيب للمرسل. ٣٤ وَ لَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ تسلية لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يعنى كذّبهم قومهم كما كذبك قومك و فيه دليل على ان قوله لا يكذبونك ليس على حقيقة بل المراد منه ان تكذيبه صلى اللّه عليه و سلم راجع الى تكذيب اللّه سبحانه قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من آذاني فقد أذى اللّه فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَ أُوذُوا يعنى على تكذيبهم و إيذائهم حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا جعل غاية الصبر النصر فاصبر أنت ايضا كما صبروا حتى يأتيك النصر ففيه وعد بالنصر وَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللّه اى لمواعيده بالنصرة لانبيائه قال اللّه تعالى و لقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين انهم لهم المنصورون و ان جندنا لهم الغالبون و قال انا لننصر رسلنا و قال كتب اللّه لاغلبن انا و رسلى و جاز ان يكون المعنى لا مبدل لقضائه و كلماته التكوينية يعنى متى لم يأت وقت النصر لا فائدة للاضطراب بل لا بد من الصبر و إذا جاء وقت النصر لا مرد له وَ لَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ من زائدة عند الأخفش و تبعيضية عند سيبويه حيث لا يجوز زيادة من فى الكلام الموجب يعنى جاءك ما يكفيك للتسلية من نبأ المرسلين و لما كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حريصا أشد الحرص على ايمان قومه و كان يشق عليه اعراضهم من الايمان و كان إذا سئلوا اية أحب ان يريهم اللّه تعالى طمعا فى ايمانهم انزل اللّه تعالى. ٣٥ وَ إِنْ كانَ كَبُرَ اى شق عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ عن الايمان بما جئت به فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ تطلب نَفَقاً سريا فِي الْأَرْضِ صفة لنفقا يعنى تطلب منفذا تنفذ الى جوف الأرض فتطلع لهم اية أَوْ سُلَّماً يعنى مصعدا فِي السَّماءِ صفة سلما يعنى تطلب مصعدا جانب العلو تصعد منه الى السماء فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ فتنزل منها اية و جواب الشرط الثاني محذوف يعنى فافعل و الجملة جواب للشرط الاول و الحاصل انك لا تقدر على إتيان اية فلا تتعب و ان كبر عليك اعراضهم بل تصبر وَ لَوْ شاءَ اللّه هدايتهم أجمعين لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فان مشية العباد مخلوقة للّه تعالى تابع للمشية لكنه لم يشأ لحكمة لا يعلمها الا اللّه و لا تتمالك أنت فلا تتعب و اصبر فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ فان اتعاب النفس فيما لا يفيد و الجزع فى مواضع الصبر من داب الجاهلين او المعنى لا تكونن من الجاهلين بان هدايتهم بمشية اللّه تعالى لا بمشيتك. ٣٦ إِنَّما يَسْتَجِيبُ دعوتك من أمتك الَّذِينَ يَسْمَعُونَ يعنى الذين يخلق اللّه تعالى فى قلوبهم علما بحقية المسموع اطلق السمع و أريد به العلم الحاصل بعد ذلك جريا على عادة اللّه تعالى وَ الْمَوْتى يعنى الكافر عبر اللّه تعالى الكافر بالموتى لان اللّه تعالى لما طبع على قلوبهم و على سمعهم و على أبصارهم فلا يخلق فى قلوبهم العلم بحقية ما هو حق و بطلان ما هو باطل فلا ينتفعون بالأسماع و الابصار كانوا كالموتى يَبْعَثُهُمُ اللّه يوم القيامة ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ فيجازيهم على كفرهم و لا يسمعون الحق و لا يبصرونه قبل ذلك او المعنى و الموتى من المؤمن و الكافر يبعثهم اللّه ثم اليه يرجعون بعد البعث فيجازيهم على حسب أعمالهم. ٣٧ وَ قالُوا يعنى روساء قريش لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ يعنى اية مما اقترحوه او اية اخرى سوى ما انزل عليه من الآيات المتكثرة لعدم اعتدادهم بها عنادا قُلْ إِنَّ اللّه قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً مما اقترحوه او اية يضطرهم الى الايمان كنتق الجبل او اية ان جحدوا بعدها هلكوا وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ان اللّه قادر على انزالها او ما عليهم فى انزالها من الاستيصال بعد تكذيب اية ينزل باقتراحهم كما هو عادة اللّه تعالى. ٣٨ وَ ما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ تدب عليها وَ لا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ فى الهواء وضعه به تأكيدا و قطعا لاحتمال مجاز السرعة و نحوها الّا امم أَمْثالُكُمْ فى الخلق و الموت و البعث و فى الغذاء و ابتغاء الرزق و العافية و إصابة البلاء لا مزية لكم عليها الا بمعرفة اللّه تعالى ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ يعنى فى اللوح المحفوظ مِنْ شَيْ ءٍ من زائد و شى ء فى موضع المصدر اى شيئا من التفريط و ليس بمفعول به فان فرط لا يتعدى بنفسه يعنى علم اللّه تعالى شامل لكل شى ء خفى و جلى و لم يهمل فى اللوح المحفوظ امر حيوان و لا جماد او المراد بالكتاب القران فانه قد دون فيه ما يحتاج اليه من امر الدين مفصلا او مجملا ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ يعنى الأمم كلها المشبه و المشبه به فصح الجمع بالواو قال ابن عباس و الضحاك حشرها موتها و روى ابن جرير و ابن ابى حاتم و البيهقي عن ابى هريرة قال يحشر الخلق كلهم يوم القيامة البهائم و الدواب و الطير و كل شى ء فبلغ من عدل اللّه تبارك و تعالى ان يأخذ للجماء من القرناء ثم يقول كونى ترابا فذلك حين يقول الكافر يا ليتنى كنت ترابا و روى البغوي عنه انه قال عليه الصّلوة و السّلام لتؤدن الحقوق الى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من القرناء و روى الطبراني فى الأوسط عنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان أول خصم يقضى فيه يوم القيامة عنزان ذات قرن و غير ذات قرن و نحوه عن ابى ذر عند احمد و البزار و الطبراني و روى الحاكم عن ابن عمر و نحوه و لما ذكر من خلائقه و اثار قدرته ما يدل على عظمته و شمول علمه و قدرته على البعث و الجزاء قال. ٣٩ وَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ لا يسمعون مثل هذه الآيات المنبهة خبر للموصول وَ بُكْمٌ لا ينطقون بالحق معطوف على صم فِي الظُّلُماتِ خبر بعد خبر و المراد بالظلمات ظلمة الكفر و الجهل و العناد و تقليد الآباء و جاز ان يكون حالا من المستكن فى الخبر ثم قال إيذانا بان الاهتداء بالآيات و عدمه يتوقف على مشية اللّه تعالى و انه تعالى يفعل ما يريد مَنْ يَشَأِ اللّه ضلاله يُضْللّه وَ مَنْ يَشَأْ هدايته يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ موصل الى ما هو حق فى نفس الأمر. ٤٠ قُلْ يا محمد لهؤلاء المشركين أَ رَأَيْتَكُمْ قرأ نافع ارايتكم و ارايتم و أ فرأيت و شبهه إذا كان قبل الراء همزة بتسهيل الهمزة و التي بعد الراء و الكسائي يسقطها أصلا و حمزة يوافق نافعا فى الوقف فقط و الباقون يحققونها فى الحالين استفهام تعجيب و الكاف حرف خطاب أكد به الضمير المرفوع المفرد بناء على شمول الجمع المفرد و لا محل له من الاعراب و مفعولاه محذوفان تقديره ارايتكم الهتكم تنفعكم إذ تدعونها يدل عليهما ما بعده او الفعل فى المعنى متعلق بغير اللّه تدعون لكنه معلق لان الروية تعلق قبل الاستفهام كما عرف فى موضعه قال البيضاوي الاستفهام للتعجيب فانهم لما عاملوا معاملة من يعلم انه يدعو غير اللّه فى الابتلاء الشديد نزلهم منزلتهم و تعجيب عن هذا العلم و قال الفراء يقولون ارايتك و هم يريدون أخبرنا قال المحقق التفتازانيّ انما وضع الاستفهام عن العلم او عن روية البصر عن الاستخبار لان الروية بالبصر سبب للعلم و العلم سبب للاخبار فوضع السبب موضع المسبب إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللّه فى الدنيا كما اتى الأمم الماضية أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ باهوالها أَ غَيْرَ اللّه تَدْعُونَ بصرف العذاب عنكم استفهام انكار فيه تبكيت لهم إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ان الأصنام الهة فادعوها و ليس الأمر كذلك. ٤١ بَلْ إِيَّاهُ يعنى اللّه تعالى تَدْعُونَ قدم المفعول للحصر يعنى لا تدعون فى الشدائد الا اللّه سبحانه لا غير فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ اى ما تدعونه الى كشفه إِنْ شاءَ كشفه ذلك فى الدنيا دون الاخرة وَ تَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ ع يعنى تتركون الهتكم فى ذلك الوقت لما تقرر فى العقول ان القادر على كشف الضر هو اللّه تعالى لا غير. ٤٢ وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ من زائدة فكذبوهم فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ بالشدة و الفقر وَ الضَّرَّاءِ المرض و الآفات لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ اى يتوبون بالتضرع و الخشوع عن ذنوبهم التضرع السؤال بالتذلل. ٤٣ فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا يعنى فلم يتضرعوا إذ جاءهم بأسنا و انما عدل عن نفى التضرع الى صيغة التنديم ليفيد ان ترك التضرع منهم لم تكن من عذر بل كان مع قيام ما يدعوهم اليه وَ لكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ فلم ينتبهوا بما ابتلوا به وَ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ فاستحسنوا سيئات أعمالهم استدراك على المعنى و بيان للصارف لهم عن التضرع و انه لا مانع لهم الا قساوة قلوبهم و إعجابهم بأعمالهم بتزيين الشيطان. ٤٤ فَلَمَّا نَسُوا تركوا ما ذُكِّرُوا بِهِ ما وعظوا و أمروا به و لم ينتبهوا بالبأساء و الضراء و لم يتضرعوا فَتَحْنا قرأ ابن عامر هاهنا و فى الأعراف و القمر و فتحت فى الأنبياء بتشديد التاء فى الاربعة من التفعيل للتكثير و قرا ابو جعفر فى كل القران بالتشديد و الباقون بالتخفيف فى الكل عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْ ءٍ من انواع النعم استدراجا و مكرا بهم عن عقبة بن عامر مرفوعا إذا رايت يعطى العبد فى الدنيا و هو مقيم على معاصيه ما يجب فانما هو استدراج ثم تلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فلما نسوا ما ذكروا به الاية و التي بعدها حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا فرح بطر اى بطروا و لم يتوجهوا الى المنعم شكرا كما لم يتضرعوا اليه فى الضراء و قام عليهم حجة بامتخانهم بالسراء و الضراء و لم يبق بهم معذرة أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً أخذا فجاة اعجب ما كانت الدنيا لهم فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ آيسون من كل خير. ٤٥ فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا فى القاموس الدابر التابع و اخر كل شى ء و الأصل و المعنى انهم اهلكوا كلهم و لم يبق منهم أحد حتى يتوالد فقطع نسلهم فقطع الدابر اما باعتبار هلاك الأصول او باعتبار قطع الاتباع و الفروع وضع المظهر موضع المضمر ليدل على ان هلاكهم كان لاجل ظلمهم وَ الْحَمْدُ للّه رَبِّ الْعالَمِينَ على إهلاكهم حمد نفسه عند هلاك الظلمة لانه نعمة جليلة من حيث دفع شرهم عن المؤمنين و تطهير الأرض عن العقائد و الأعمال الفاسدة الموجبة لنزول العذاب و وصف نفسه برب العالمين لان مقتضى ربوبية العالم إهلاك الظلمة و فيه إيذان بوجوب الحمد عند هلاك من لم يحمد للّه ثم دل على قدرته و توحيده بقوله. ٤٦ قُلْ يا محمد أَ رَأَيْتُمْ ايها المشركون إِنْ أَخَذَ اللّه سَمْعَكُمْ وَ أَبْصارَكُمْ بان اصمكم و اعميكم وَ خَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ بان يغشها بما يزول به عقولكم و جواب الشرط محذوف يدل عليه قوله مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللّه يَأْتِيكُمْ بِهِ يعنى لا يأتكم به أحد و الجملة الشرطية فى موضع المفعولين لرايتم و الاستفهام للتقرير يعنى قد علمتم انه لا يأتيكم أحد بشئ مما ذكره ان اخذه اللّه انْظُرْ يا محمد كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ فى القاموس صرف الآيات تبيينها كذا قال البغوي يعنى نبيّن العلامات الدالة على التوحيد و قال البيضاوي معناه نكررها تارة من جهة المقدمات العقلية و تارة من حيث الترغيب و الترهيب و تارة بالتنبيه و التذكير بأحوال المتقدمين ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ اى يعرضون عنها و ثم لاستبعاد الاعراض بعد تصريف الآيات و ظهورها. ٤٧ قُلْ يا محمد أَ رَأَيْتَكُمْ ايها المشركون إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللّه بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً منصوبان على المصدرية او على الحالية يعنى اتيانا بغتة فجاة من غير تقدم امارة إتيانه او اتيانا جهرة اى ظاهرة قبل إتيانه بتقدم اماراته او المعنى أتاكم عذابه حال كونه مباغتا اى مفاجيا او مجاهرا و قال ابن عباس و الحسن معناه ليلا او نهارا هَلْ يُهْلَكُ استفهام انكار و معناه النفي و من ثم جاز الاستثناء المفرغ فالتقدير ما يهلك إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ على أنفسهم بالكفر. ٤٨ وَ ما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ المؤمنين بالجنة وَ مُنْذِرِينَ الكافرين بالنار يعنى ما نرسلهم قادرين على إتيان الآيات المقترحة و هداية من لم يشأ اللّه هدايته و لا على شى ء اخر من الأحوال التي يتوقعها الكفار الا حال كونهم مبشرين و منذرين فَمَنْ آمَنَ بما جاؤا به وَ أَصْلَحَ عمله طمعا فيما بشروا به و خوفا مما حذروه من النار فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ من العذاب وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ بفوات الثواب. ٤٩ وَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا المبشرة و المنذرة يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ جعل العذاب ما سالهم كانه حى يفعل بهم ما يريد بِما كانُوا يَفْسُقُونَ اى بسبب خروجهم عن الايمان و الطاعة. ٥٠ قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللّه اى مقدوراته او خزائن رزقه وَ لا أَعْلَمُ الْغَيْبَ عطف على عندى خزائن اللّه و لا زائدة يعنى لا أقول لكم اعلم الغيب ما لم يوح الىّ وَ لا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ من الملئكة حتى ينافى دعوى الاكل و الشرب و النكاح يعنى لا أقول لكم شيئا يجب إنكاره عقلا او يستدعى اقتراح الآيات إِنْ أَتَّبِعُ فى تعليم العلوم و تبليغ الاحكام شيئا إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ يعنى انما ادعى النبوة و اتصدى بما يتصدى له الأنبياء و لا استحالة فيه بل هو جائز عقلا واقع تواتر به الاخبار عن الأنبياء الماضين فيه رد على استبعادهم دعواه و جزمهم على فساد مدعاه و قال البغوي هذه الاية نزلت حين اقترحوا الآيات يعنى قل لهم لا أقول لكم عندى خزائن اللّه حتى اجعل لكم الصفا ذهبا و أعطيكم ما تريدون و لا اعلم الغيب حتى أخبركم بما مضى و ما سيكون من غير وحي من اللّه و لا أقول لكم انى ملك حتى لا احتاج الى الاكل و الشرب و النكاح ان اتبع الا ما يوحى إليّ قُلْ يا محمد هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى يعنى الذي لا يمتاز بين الحق و الباطل فينكر ما لا يجوز إنكاره و يصدق ما لا يجوز تصديقه وَ الْبَصِيرُ الذي يمتاز بينهما فيصدق من يدعى النبوة بعد شهادة الآيات و المعجزات و يكذب من يدعى ان مع اللّه الهة اخرى و يقول للحجارة هؤلاء شفعاءنا عند اللّه و ان الملئكة بنات اللّه و يقول بتحريم السوائب مثلا بلا دليل أَ فَلا تَتَفَكَّرُونَ فتهتدوا للامتياز بين الحق و الباطل و ما يجب تصديقه و ما لا يجوز القول به. ٥١ وَ أَنْذِرْ بِهِ اى خوف بما يوحى الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا اى يجمعوا و يبعثوا إِلى رَبِّهِمْ قال البيضاوي أراد بالموصول المؤمنون المفرّطون فى العمل او المجوزون الحشر مومنا كان او كافرا مقرا به من اهل الكتاب او مترددا فيه فان الانذار ينجع فيهم دون الفارغين الجازمين باستحالته و الباعث له على هذا القول كون الخوف صلة له و هذا ليس بشئ لان الأمر بالإنذار لم يكن مختصا بمن ذكر بل امره اللّه تعالى بان يقول اوحى الىّ هذا القران لانذركم به و من بلغ و ايضا لا وجه لتخصيص الانذار بالمفرطين فان المجتهدين فى العمل ايضا ينفعهم الانذار كيلا يخرجوا من اجتهادهم كيف و لم يكن من المؤمنين فى خير القرون مفرط بل كلهم كانوا مجتهدين فالاولى ان يقال المراد بالموصول من كان من شانه ان يخاف فيعم الناس أجمعين فان العبد المقهور حقيق ان يخاف الخالق القهار او يقال خص الخائفون بالذكر لانهم هم المنتفعون بالإنذار لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ اى من دون اللّه وَلِيٌّ وَ لا شَفِيعٌ الجملة فى موضع الحال من الضمير فى يحشروا فان المخوف هو الحشر فى هذا الحال يعنى يحشرون غير منصورين و لا مشفوعا لهم قلت و جاز ان يكون مضمون هذه الجملة بدلا من الضمير المجرور فى انذر به يعنى انذر بان ليس لهم من دون اللّه من ولى و لا شفيع فلا يعبدوا و لا يدعوا الا إياه فان قيل هذه الاية ينفى الولاية و الشفاعة لغير اللّه تعالى من الأولياء و الأنبياء قلنا لا بل ولاية الأولياء و شفاعتهم انما هى بإذن اللّه تعالى فهى ولاية اللّه تعالى و شفاعته لا غير لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ اى لكى يتقوا روى احمد و الطبراني و ابن ابى حاتم عن ابن مسعود قال مر الملأ من قريش على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و عنده خبّاب و صهيب و بلال و عمار فقالوا يا محمد رضيت بهؤلاء أ هؤلاء منّ اللّه عليهم من بيننا لو طردت هؤلاء لاتبعناك فانزل فيهم القران و انذر به الذين يخافون ان يحشروا الى ربهم الى قوله سبيل المجرمين و روى ابن حبان و الحاكم عن سعد ابن ابى وقاص قال لقد نزلت هذه الاية فى ستة انا و عبد اللّه بن مسعود و اربعة قالوا يعنى كفار قريش رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اطردهم فانا نستحيى ان نكون تبعا لك كهولاء فوقع فى نفس النبي صلى اللّه عليه و سلم ما شاء اللّه فانزل اللّه تعالى و روى مسلم بلفظ كنا مع النبي صلى اللّه عليه و سلم ستة نفر فقال المشركون اطردهم لا يجترؤا علينا قال كنت انا و ابن مسعود و رجل من هذيل و بلال و رجلان نسيت اسمها فوقع فى نفس رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما شاء اللّه ان يقع فحدث نفسه فانزل اللّه تعالى. ٥٢ وَ لا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ اى يعبدونه و يذكرونه فان عبادة الكريم و ذكره داع الى انعامه و قيل المراد منه حقيقة الدعاء بِالْغَداةِ قرأ ابن عامر هاهنا و فى سورة الكهف بضم الغين و سكون الدال و واو مفتوحة و الباقون بفتح الغين و و الدال و الالف وَ الْعَشِيِّ قال ابن عباس يعنى صلوة الصبح و العصر و يروى عنه ان المراد منه الصلوات الخمس و ذلك ان ناسا من الفقراء كانوا مع النبي صلى اللّه عليه و سلم فقال ناس من الاشراف إذا صلينا فاخّره هؤلاء ليصلوا خلفنا فنزلت الاية يُرِيدُونَ وَجْهَهُ حال من فاعل يدعون يعنى يدعون مخلصين فان الإخلاص ملاك الأمر رتب النهى عليه اشعارا بانه يقتضى إكرامهم و ينافى طردهم ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْ ءٍ وَ ما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْ ءٍ من زائدة و شى ء اسم ما و الظرف خبره و من حسابك و كذا من حسابهم حال من الظرف يعنى ان الطرد و ترك المجالسة انما يجوز بل يجب إذا أضر مجالسة أحدهما صاحبه و ليس فلا يجوز او المعنى لا يضرك حسابهم بل ينفعك فانهم يأتون بالحسنات و ثواب حسنات الامة راجع الى النبي صلى اللّه عليه و سلم و لا يضرهم حسابك بل ينفعهم فانك قد بلغتهم و أرشدتهم و هديتهم و الجملة المنفية فى موضع الحال من الموصول فى لا تطرد الذين و يمكن ان يكون ضمير حسابهم و عليهم راجعا الى المشركين و المعنى لا تواخذ بحساب المشركين و لا هم بحسابك حتى يهمك ايمانهم بحيث تطرد المؤمنين طمعا فيه فَتَطْرُدَهُمْ منصوب على جواب النفي يعنى ما ثبوت حسابهم عليك فتطردهم منك فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ منصوب على جواب النهى يعنى لا يكن منك طردهم فكونك من الظالمين. ٥٣ وَ كَذلِكَ الكاف زائدة كما فى قوله تعالى ليس كمثله شى ء و المشار اليه ضلال رؤساء قريش و اسم الاشارة منصوب المصدرية بقوله تعالى فَتَنَّا يعنى اضللنا ذلك الضلال بَعْضَهُمْ اى بعض الناس يعنى كفار قريش بِبَعْضٍ اى ببعضهم يعنى فقراء المؤمنين حيث امتنعوا من الإسلام بسببهم قال التفتازانيّ شاع هذا التركيب فى معنى فتنا بعضهم ببعض ذلك الفتن و لا يراد به مثل ذلك الفتن او يقال معناه مثل ذلك الفتنة التي فتنا رؤساء قريش فتنا بعض الناس ببعض فى الأمم السابقة حيث قال قوم نوح ما نريك الا بشرا مثلنا و ما نريك اتبعك الا الذين هم أراذلنا بادى الرأي و قال نوح ما انا بطارد الذين أمنوا و قال البيضاوي معناه مثل ذلك الفتن و هو اختلاف الناس فى امور الدنيا بالفقر و الغناء فتنا يعنى ابتلينا بعضهم ببعض فى امر الدين فقد منا هؤلاء الضعفاء على اشراف قريش بالسبق الى الايمان لِيَقُولُوا اى الأغنياء و اللام للعاقبة أَ هؤُلاءِ الفقراء مَنَّ اى أنعم اللّه عَلَيْهِمْ بالهداية و التوفيق لما يسعدهم مِنْ بَيْنِنا دوننا انكار لتخصيص الفقراء باصابة الحق و السبق الى الخير و حاصله لو كان خيرا ما سبقونا اليه أَ لَيْسَ اللّه بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ يعنى بالذين هم مستعدون للشكر فيوفقهم له و بمن ليس فى استعداده قبول الايمان و الشكر فيخذله و هذه الاية تدل على ان الاستعداد يسبق الوجود كما قال المجدد رضى اللّه عنه ان مربيات تعينات المؤمنين ظلال اسم اللّه تعالى الهادي و مربيات تعينات الكفار ظلال اسم اللّه تعالى المضل فلا يمكن لاحد من الفريقين ان يصدر منه الا ما خلق منه و خلق لاجله و جاز ان يكون معنى قول الكفارا هؤلاء الفقراء الأراذل منّ اللّه عليهم بتخصيص صحبة نبيه صلى اللّه عليه و سلم دوننا فقال اللّه تعالى أ ليس اللّه بأعلم بالشاكرين فان الشاكرين هم الاحقاء بصحبة النبي صلى اللّه عليه و سلم دون الأغنياء قال البغوي قال سلمان و خباب بن الأرت فينا نزلت هذه الاية جاء الأقرع ابن حابس التميمي و عيينة بن حصين الفزاري و غيرهم من المؤلفة فوجدوا النبي صلى اللّه عليه و سلم قاعدا مع بلال و صهيب و عمار و خباب فى ناس من ضعفاء المؤمنين فلما راوهم حوله حقروهم فاتوا و قالوا يا رسول اللّه لو جلست فى صدر المجلس و نفيت عنا هؤلاء و أرواح جبابهم و كان عليهم جباب صوف لم يكن عليهم غيرها لجالسناك و أخذنا عنك فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم ما انا بطارد المؤمنين فقالوا فانا نحب ان تجعل لنا منك مجلسا تعرف العرب فضلنا فان وفود العرب تأتيك فنستحيى ان يرانا العرب مع هؤلاء الا عبد فاذا نحن جئناك فاقمهم عنا فاذا نحن فرغنا فاقعد معهم ان شئت قال نعم قالوا اكتب لنا عليك بذلك كتابا قال فدعا بالصحيفة و دعا عليا ليكتب قال و نحن قعود فى ناحية إذ نزل جبرئيل بقوله تعالى و لا تطرد الذين الى قوله بالشاكرين فالقى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الصحيفة من يده ثم دعانا فاتيناه و هو يقول سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة فكنا نقعد معه فاذا أراد ان يقوم قام و تركنا فانزل اللّه عز و جل و اصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغدوة و العشى يريدون وجهه فكان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقعد معنا بعدو و ندنوا منه حتى كادت ركبتنا تمس ركبته فاذا بلغ الساعة التي يقوم فيه قمنا و تركنا حتى يقوم و قال لنا الحمد للّه الذي لم يمتنى حتى أمرني ان اصبر مع قوم من أمتي معكم المحيي و الممات و قال الكلبي قالوا له اجعل لنا يوما و لهم يوما قال لا افعل قالوا فاجعل المجلس واحدا فاقبل علينا و ولّ ظهرك عليهم فانزل اللّه تعالى هذه الاية و روى ما ذكر البغوي عن سلمان و خباب و ابن جرير و ابن ابى حاتم و غيرهما عن خباب و زادوا ثم ذكر اللّه تعالى الأقرع و صاحبه فقال و كذلك فتنا بعضهم ببعض الاية قال ابن كثير هذا غريب فان الاية مكية و الأقرع و عيينة انما أسلما بعد الهجرة بدهر و روى البغوي بسنده عن ابى سعيد الخدري جلست فى نفر من المهاجرين و ان بعضهم ليستتر ببعض من العرى و قارئ يقرأ علينا إذ جاء رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقام علينا فلما قام رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم سكن القاري فسلم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و قال ما كنتم تصنعون قلنا يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كان قاريا يقرأ علينا فكنا نسمع الى كتاب اللّه تعالى فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الحمد للّه الذي جعل من أمتي من أمرني ان اصبر نفسى معهم ثم جلس وسطنا ليعدل نفسه فينا ثم قال بيده هكذا فتحلقوا و برزت وجوههم له قال فما رايت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عرف منهم أحدا غيرى فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ابشروا يا معاشر صعاليك المهاجرين بالنور التام يوم القيامة يدخلون الجنة قبل اغنياء الناس بنصف يوم و ذلك مقدار خمسمائة سنة و اخرج ابن جرير عن عكرمة قال جاء عتبة بن ربيعة و شيبة بن ربيعة و مطعم بن عدى و الحارث بن نوفل فى اشراف بنى عبد مناف من اهل الكفر الى ابى طالب فقالوا لو ان ابن أخيك يطرد عنه هؤلاء الا عبد كان أعظم فى صدورنا و أطوع له عندنا و اولى لاتباعنا إياه فكلم ابو طالب النبي صلى اللّه عليه و سلم فقال عمر بن الخطاب لو فعلت ذلك حتى تنتظر ما الذي يريدون فانزل اللّه و انذر به الذين يخافون الى قوله أ ليس اللّه بأعلم بالشاكرين و كانوا بلالا و عمار بن ياسر و سالما مولى ابى حذيفة و صبيحا مولى أسيد و ابن مسعود و المقداد بن عبد اللّه و واقد ابن عبد اللّه الحنظلي و أشباههم فاقبل عمر فاعتذر من مقالته فنزل. ٥٤ وَ إِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ قال عكرمة نزلت فى الذين نهى اللّه عز و جل نبيه عن طردهم فكان النبي صلى اللّه عليه و سلم إذا راهم بدأهم بالسّلام و قال عطاء نزلت فى ابى بكر و عمر و عثمان و على و بلال و سالم و ابى عبيدة و مصعب بن عمير و حمزة و جعفر و عثمان بن مظعون و عمار بن ياسر و أرقم بن الأرقم و ابى سلمة بن عبد الأسد رضى اللّه عنهم أجمعين و اخرج الفريابي و ابن ابى حاتم عن ماهان قال جاء ناس الى النبي صلى اللّه عليه و سلم فقالوا انا أصبنا ذنوبا عظاما فما رد عليهم شيئا فانزل اللّه تعالى و إذا جاءك الذين يؤمنون باياتنا فقل سلام عليكم كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ امر اللّه تعالى نبيه صلى اللّه عليه و سلم بان يبدأهم بالتسليم او يبلغ سلام اللّه إليهم و يبشرهم بوجوب الرحمة من اللّه لهم بوعده المؤكد تفضلا بعد بشارتهم بالسلامة مما يكره المستفاد من السّلام أَنَّهُ الضمير للشان قرا نافع و ابن عامر و عاصم بفتح الهمزة على انه بدل من الرحمة او بتقدير الباء و الباقون بالكسر على الاستيناف على انه تفسير للرحمة مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ فى موضع الحال اى من عمل سوءا جاهلا بحقيقة ما يتبعه ....... من المضار و المفاسد او متجاهلا بارتكاب ما يودى الى الضرر من افعال اهل الجهل و ذلك التجاهل انما هو لغلبة شهوة النفس فمفعول الجهالة على التقدير الاول محذوف و على التقدير الثاني لا يقتضى المفعول ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ اى بعد السوء يعنى رجع عن ذنبه بان ندم على ما فعل و عزم على ان لا يفعل ابدا وَ أَصْلَحَ عمله فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قرأ ابن عامر و عاصم و يعقوب انه بفتح الهمزة على انه خبر مبتدا محذوف او مبتدا خبره محذوف يعنى فامره انه تعالى غفور رحيم او فله انه تعالى غفور و الباقون بالكسر و الفاء تدل على ان التوبة سبب للغفران. ٥٥ وَ كَذلِكَ يعنى كما فصلنا لك فى هذه السورة نُفَصِّلُ الْآياتِ آيات القران او دلائلنا فى كل حق ينكره الكافرون وَ لِتَسْتَبِينَ قرأ ابو بكر و حمزة و الكسائي بالياء على الغيبة و تذكير الفاعل و ابن كثير و ابو عمرو و ابن عامر و حفص بالتاء على تأنيث الفاعل الغائب و رفع كلهم سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ ع على الفاعلية و السبيل يذكر و يؤنث و قرا نافع لتستبين بالتاء على الخطاب اى لتستوضح يا محمد و سبيل منصوبا على المفعولية و العطف على مقدر تقديره ليظهر الصراط المستقيم و لتستبين سبيل المجرمين. ٥٦ قُلْ إِنِّي نُهِيتُ اى صرفت و زجرت بالآيات و الادلة العقلية و الآيات القرآنيّة السمعية أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّه يعنى ما تدعونها و تسمونها الهة و تعبدونها من دون اللّه قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ تأكيد لقطع اطماعهم و بيان لان ما هم عليه انما هو امر لا دليل عليه سمعا و لا عقلا بل بتبعية الهوى و تعليل لتركه موافقتهم و تنبيه لمن طلب الحق ان يتبع الحجة و لا يقلد قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً يعنى إذا اتبعت أهواءكم فقد ضللت وَ ما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ حينئذ و فيه تعريض بانهم ليسوا بمهتدين. ٥٧ قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ تنبيه على ما يجب اتباعه بعد بيان ما لا يجوز اتباعه يعنى انى على برهان و بصيرة مِنْ رَبِّي صفة لبينة أو صلة له يعنى بينة كائنة من ربى او بينة من معرفة ربى و انه لا معبود سواه وَ كَذَّبْتُمْ بِهِ الضمير راجع الى البينة باعتبار المعنى يعنى كذبتم بالبرهان او راجع الى ربى و المعنى كذبتم بربي حيث أشركتم به ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ من العذاب حيث تقولون ان كان هذا هو الحق من عندك فامطر علينا حجارة من السماء او ائتنا بعذاب اليم او المراد ما تستعجلون به من القيامة قال اللّه تعالى يستعجل بها الذين لا يومنون بها إِنِ الْحُكْمُ فى تعجيل العذاب و تأخيره و إتيان القيامة لاحد إِلَّا للّه يَقُصُّ قرأ نافع و ابن كثير و عاصم بالصاد المهملة المشددة يعنى يقول و يبين الْحَقَّ و يفصله او يتبع الحق و الحكم من قص اثره و الباقون بالضاد المعجمة المكسورة بحذف الياء من يقضى لاجتماع الساكنين وصلا و كذا وقفا اتباعا للخط يعنى يحكم بالحق وَ هُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ الحاكمين و المظهرين. ٥٨ قُلْ يا محمد لَوْ ثبت أَنَّ عِنْدِي اى فى قدرتى ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ من العذاب او إتيان القيامة لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ اى فرغ من العذاب و أهلكتم و انقطع ما بينى و بينكم من المنازعة او المعنى لقضى بإحقاق الحق و ابطال الباطل اليوم بقيام الساعة ما يقضى بينى و بينكم أجلا يوم القيامة قال اللّه تعالى ثم اليه مرجعكم ثم يحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون و لما كان قوله لقضى الأمر بينى و بينكم مجملا لم يتعين فيه مورد العذاب يبيّنه بقوله وَ اللّه أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ فيهلكهم على مقتضى حكمة. ٥٩ وَ عِنْدَهُ تعالى دون عند غيره يستفاد الحصر من تقديم الظرف مَفاتِحُ الْغَيْبِ مفاتح جمع مفتح بفتح الميم و هو المخزن او جمع مفتح بكسر الميم بمعنى المفتاح و هو ما يتوصل به الى شى ء مغلق و المراد بمفتاح الغيب علمه فان بالعلم يدرك المعلوم كانه وصلة و المراد بالغيب ما لم يوجد بعد كاخبار المعاد و من هذا القبيل ان المطر هل ينزل او لا و متى ينزل و منه ما تكسب نفس غدا و انه باى ارض تموت او وجد و لم يظهر اللّه تعالى على أحد و منه ما فى الأرحام و معنى عنده خزائن الغيب احاطة علمه بها كانه موجود عنده تعالى روى البغوي بسنده عن ابن عمر انه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مفاتح الغيب خمس لا يعلمها الا اللّه لا يعلم ما يغيض الأرحام أحد الا اللّه و لا يعلم ما فى الغد أحد الا اللّه و لا يعلم متى يأتي المطر أحد الا اللّه و لا تدرى نفس باى ارض تموت و لا يعلم متى تقوم الساعة أحد الا اللّه و كذا روى احمد و البخاري و فى الصحيحين فى حديث ابى هريرة فى قصة سوال جبرئيل انه عليه السلام قال فى خمس يعنى الساعة لا يعلمهن الا اللّه ثم قرا ان اللّه عنده علم الساعة و ينزل الغيث الاية قلت و ليست خزائن الغيب منحصرة فى الخمس المذكورة بل كل ما لم يوجد او لم يظهر بعد و قال الضحاك مفاتح الغيب خزائن الأرض و علم نزول العذاب و قال عطاء ما غاب عنكم من الثواب و العقاب و قيل انقضاء الآجال و قيل احوال العباد من السعادة و الشقاوة و خواتيم أحوالهم و لا تعارض بين هذه الأقوال بناء على ما قلت لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ تنصيص بما أشير اليه من حصر علم الغيب به تعالى يعنى لا يعلم شيئا من المغيبات الا اللّه تعالى و لا يعلم غيره منها الا بتوقيفه و هو سبحانه يعلم أوقاتها و ما فى تعجيلها و تأخيرها من الحكمة و فيه دليل على انه تعالى يعلم الأشياء قبل وجودها وَ يَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ من النبات و الدواب و غيرها وَ الْبَحْرِ من الحيوانات و الجواهر و غيرها هذه الجملة للاخبار عن تعلق علمه بالموجودات المشاهدات عطف على الاخبار عن علمه تعالى بالمغيبات وَ ما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها مبالغة فى احاطة علمه بالجزئيات بعد ما علم ذلك فيما سبق فان ما للنفى و من للاستغراق اى يعلم عددها و أحوالها قبل السقوط و بعده وَ لا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَ لا رَطْبٍ وَ لا يابِسٍ قال ابن عباس الرطب الماء و اليابس البادية و قال عطاء ما ينبت و ما لا ينبت و قيل الحي و الميت و الصحيح انه عبارة عن كل شى ء قوله وَ لا حَبَّةٍ مع ما عطف عليه معطوف على ورقة و العطف يشاركهما فى الصفة اعنى لا يعلمها فكانه قال و لا رطب و لا يابس الا يعلمها فقوله تعالى إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ بدل من الاستثناء الاول من بدل الكل على ان الكتاب المبين علم اللّه تعالى او بدل اشتمال ان أريد به اللوح المحفوظ او يقال حبة معطوف على ورقة و الا فى كتاب مبين معطوف على الا يعلمها عطف المعمولين على المعمولين بفعل واحد. ٦٠ وَ هُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ اى ينيمكم فان النوم أحد اقسام التوفى و أصله قبض الشي ء بتمامه او هو مستعار من الموت بِاللَّيْلِ وَ يَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ اى كسبتم بالجوارح بِالنَّهارِ خص النوم بالليل و الكسب بالنهار نظرا الى الغالب المعتاد و تخصيص الشي ء بالذكر لا يدل على نفى الحكم عما عداه ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ اى فى النهار فيه تقديم و تأخير تقديره يتوفيكم بالليل ثم يبعثكم فى النهار و يعلم ما جرحتم به و وجه التقديم الاهتمام بذكر الكسب لِيُقْضى اى ليؤخر أَجَلٌ مُسَمًّى للموت سمى ذلك الاجل حين كان جنينا فى بطن امه بل فى الأزل ثُمَّ إِلَيْهِ اى الى حكمه تعالى بجزاء ما كسبتم مَرْجِعُكُمْ بعد الموت ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ يوم القيامة بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ع عند الحساب فيجازيكم عليه فى الاية السابقة تنبيه على شمول علمه تعالى و فى هذه الاية على كمال قدرته و ايماء بالاستدلال بما نشاهد من قدرته على الاحياء بعد النوم التي هى اخت الموت على البعث بعد الموت. ٦١ وَ هُوَ الْقاهِرُ الغالب الذي لا يتصور من أحد مقاومة فى إنفاذ المراد فَوْقَ عِبادِهِ تصوير للغلبة و الاستعلاء وَ يُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً يحفظون أعمالكم و يكتبونها فى الصحف و ينشر تلك الصحف يوم القيامة ليظهر المطيع من العاصي على رؤس الاشهاد حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ غاية لارسال الحفظة او غاية للغلبة يعنى بلغت غلبته الى انهم لا يقدرون على مخالفته فى قبض أرواحهم تَوَفَّتْهُ جواب إذا قرا حمزة توفاه بالألف الممال على التذكير و الباقون بالتاء على التأنيث رُسُلُنا اخرج ابن ابى حاتم و ابن ابى شيبة عن ابن عباس ان المراد بهم أعوان ملك الموت من الملئكة و كذا اخرج ابو الشيخ عن النخعي و ذكر السيوطي عن وهب بن منبه قال ان الملئكة الذين يقربون بالناس هم الذين يتوفونهم و يكتبون اجالهم فاذا توفى الأنفس اجالهم دفعوها الى ملك الموت و هو كالعاقب اى العشار الذي يودى اليه من تحته و اخرج ابن حبان و ابو الشيخ عن الربيع بن انس انه سئل عن ملك الموت هل هو وحده الذي يقبض الأرواح قال هو الذي يلى امر الأرواح و له أعوان على ذلك غير ان ملك الموت هو الرئيس و كل خطوة منه من المشرق الى المغرب قلت اين تكون أرواح المؤمنين قال عند سدرة المنتهى قال القرطبي لا منافاة بين قوله تعالى توفته رسلنا و قوله تعالى يتوفيكم ملك الموت الذي و كل بكم و قوله تعالى اللّه يتوفى الأنفس لان اضافة التوفى الى ملك الموت لانه المباشر للقبض و الى الملئكة الذين هم أعوانه لانهم يأخذون فى جذبها فهو قابض و هم معالجون و الى اللّه تعالى لانه هو الفاعل على الحقيقة يعنى افعال العباد مخلوقة له تعالى و قال القرطبي انه فى الخبر انه ينزل عليه اى على الميت اربعة من الملئكة ملك يجذب النفس من قدمه اليمنى و ملك يجذبها من قدمه اليسرى و ملك يجذبها من يده اليمنى و ملك يجذبها من يده اليسرى ذكره ابو حامد و قال الكلبي يقبض ملك الموت الروح من الجسد ثم يسلمها الى ملئكة الرحمة او ملئكة العذاب و اخرج جويبر فى تفسيره عن ابن عباس قال قال ملك الموت هو الذي يتوفى الأنفس كلها و قد سلط على ما فى الأرض كما سلط على ما فى راحته و معه ملئكة من ملئكة الرحمة و العذاب فاذا توفى نفسا طيبة دفعها الى ملئكة الرحمة و إذا توفى نفسا خبيثة دفعها الى ملئكة العذاب و اخرج ابن ابى الدنيا و ابو الشيخ عن ابن المثنى الحمصي نحوه و يدل على هذا ما روى احمد و ابو داؤد و الحاكم و ابن ابى شيبة و البيهقي و غيرهم من طرق صحيحة فى حديث طويل عن البراء بن عازب و فيه قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان العبد المؤمن إذا كان فى انقطاع من الدنيا و اقبال من الاخرة نزل اليه ملئكة بيض الوجوه كأنّ وجوههم الشمس معهم كفن من أكفان الجنة و حنوط من حنوط الجنة حتى يجلسوا منه مد البصر ثم يجئ ملك الموت عليه السلام حتى يجلس عند راسه فيقول أيتها النفس الطيبة اخرجى الى مغفرة من اللّه و رضوان قال فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من السقاء فياخذها يعنى ملك الموت فاذا أخذها لم يدعوها فى يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلوها فى ذلك الكفن و فى ذلك الحنوط الحديث و ذكر فى الكافر انه ينزل ملئكة سود الوجوه معهم المسوح فيجلسون منه مد البصر ثم يجئ ملك الموت عليه السلام حتى يجلس عند راسه فذكر الحديث نحوه انه يقبض فاذا أخذها لم يدعوها فى يده طرفة عين الحديث و اخرج ابن ابى حاتم عن زهير بن محمد قال قيل يا رسول اللّه ملك الموت واحد و الزحفان يلتقيان من المشرق و المغرب و ما بين ذلك من السقط و الهلاك فقال انه حوى الدنيا لملك الموت حتى جعلها كالطست بين يدى أحدكم فهل يفوته منها شى ء و اخرج ابن ابى الدنيا و ابو الشيخ عن اشعث بن اسلم قال سال ابراهيم عليه السلام ملك الموت و اسمه عزرائيل و له عينان فى وجهه و عينان فى قفاه فقال يا ملك الموت ما تصنع إذا كانت نفس بالمشرق و نفس بالمغرب و وقع الوباء بأرض و التقى الزحفان كيف تصنع قال ادعوا الأرواح بإذن اللّه فيكون بين إصبعي هاتين قال و دحيت له الأرض فتركت كالطست يتناول منها حيث يشاء و اخرج ان ملك الموت قال ليعقوب حين سأله ان اللّه سخر لى الدنيا فهى كالطست يوضع قدام أحدكم فيتناول من اى أطرافه شاء كذلك الدنيا عندى و اخرج فى الزهد و ابو الشيخ و ابو نعيم عن مجاهد قال جعلت الأرض لملك الموت مثل الطست يتناول من حيث شاء و جعل له أعوانا يتوفى الأنفس ثم يقبضها منهم قلت و تحقيق المسألة بالنظر الى الأحاديث و الآثار ان اللّه سبحانه جعل ملك الموت بحيث نسبته الى جميع الأرض و الأقطار على السواء كالشمس فى المشاهدات و جعل نفسه بحيث لا يغنيه شان عن شان و كذلك يجعل لنفوس بعض أوليائه فانهم يظهرون ان شاء اللّه تعالى فى ان واحد فى امكنة شتى بأجسادهم المكتسبة و جعل لملك الموت أعوانا فى جذب النفوس هم كالجوارح له و تنزل عند كل ميت مومن او كافر جمع من الملئكة بأكفان من الجنة او النار فياخذون روحه من ملك الموت و يرتقون به الى السماء فالمراد برسلنا فى هذه الاية اما أعوان ملك الموت و اما الملئكة الذين يرتقون بالأرواح و ياخذونها من ملك الموت و قيل أراد بالرسل ملك الموت وحده فذكر الواحد بلفظ الجمع وَ هُمْ لا يُفَرِّطُونَ اى لا يقصرون بالتواني و التأخير و لا يقدرون على قبض الأرواح الا بعد اذنه تعالى اخرج الطبراني و ابن مندة و ابو نعيم عن الحارث بن الخزرج ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم نظر الى ملك الموت عند راس رجل من الأنصار فقال يا ملك الموت ارفق بصاحبى فانه مومن فقال ملك الموت طب نفسا و قر عينا و اعلم انى لكل مومن رفيق و اعلم يا محمد انى لاقبض روح ابن آدم فاذا صرخ صارخ من اهله قمت فى الدار و معى روحه فقلت يا هذا الصارخ و اللّه ما ظلمناه و لا سبقنا اجله و لا استعجلنا قدره و ما لنا فى قبضة من ذنب فان ترضوا بما صنع اللّه توجروا و ان تسخطوا تأثموا و توزروا و ان لنا عندكم عودة بعد عودة فالحذر الحذر و ما من اهل بيت شعر و لا مدربر و لا فاجر سهل و لا جبل الا و انا أتصفحهم فى يوم و ليلة حتى لانا اعرف بصغيرهم و كبيرهم منهم بانفسهم و اللّه لو أردت قبض روح بعوضة ما قدرت .... على ذلك حتى يكون اللّه هو يأذن بقبضها و اخرج ابن ابى الدنيا و ابو الشيخ عن الحسن نحوه قال جعفر بن محمد بلغني انه انما يتصفحهم عند مواقيت الصلاة فاذا نظر عند الموت فان كان ممن يحافظ على الصلوات الخمس دنا منه ملك الموت و طرد عنه الشياطين و يلقنه لا اله الا اللّه محمد رسول اللّه فى ذلك الحال العظيم. ٦٢ ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللّه مَوْلاهُمُ اى مالكهم الْحَقِّ المراد بهذه الاية اما ودهم الى اللّه تعالى عرضهم على الحساب يوم القيامة كما تدل عليه كلمة ثم و اما بعد الموت يرتقون بهم ملئكة الرحمة و العذاب كما ورد فى ذلك الحديث الطويل عن البراء بن عازب قال فيصعدون بها يعنى المؤمن فلا يمرون على ملأ من الملئكة الا قالوا ما هذا الروح الطيب فيقولون فلان بن فلان بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونها فى الدنيا حتى ينتهوا الى السماء الدنيا فيستفتحون له فيفتح لهم فيشيعه من كل سماء مقربوها الى السماء التي تليها حتى ينتهى بها الى السماء السابعة فيقول اللّه اكتبوا كتاب عبدى فى عليين و اعيدوه الى الأرض الحديث و قال فى الكافر فيصعدون بها فلا يمرون على ملأ من الملائكة الا قالوا ما هذا الروح الخبيث فيقولون فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى به فى الدنيا حتى ينتهى بها الى السماء الدنيا فيستفتح فلا يفتح له ثم قرا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا تفتح لهم أبواب السماء الاية فيقول اللّه عز و جل اكتبوا كتابه فى سجين فى الأرض السفلى فيطرح روحه طرحا ثم قرا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و من يشرك باللّه فكانما خر من السماء فتخطفه الطير او تهوى به الريح فى مكان سحيق الحديث أَلا لَهُ الْحُكْمُ لا لغيره وَ هُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ لا يشغله حساب عن حساب و فى الحديث يحاسب الخلق كلهم فى قدر نصف نهار من ايام الدنيا. ٦٣ قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ قرأ يعقوب بالتخفيف من الافعال و الباقون بالتشديد من التفعيل مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ يعنى من شدائدهما و مهالكهما استعيرت الظلمة للشدة لمشاركتهما فى الهول كانوا إذا سافروا فى البر او البحر فضلّوا الطريق و أحيطوا بالصواعق او الأمواج او غيرها من البليات و المصائب دعوا اللّه مخلصين له الدين لعلمهم ان الأوثان حجارة لا تضر و لا تنفع تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً مصدر بمعنى الفاعل حال من ضمير الفاعل فى يدعونه و الجملة حال من ضمير المفعول فى ينجيكم و التضرع التذلل و المبالغة فى السؤال وَ خُفْيَةً قرأ ابو بكر عن عاصم هنا و فى الأعراف بكسر الخاء و الباقون بالضم و هما لغتان يعنى مسرين فان الاسرار سنة الدعاء و الذكر قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انكم لا تدعون أصم و لا غائبا و المعنى تدعون اللّه بالتضرع و الإخلاص فان الاسرار بالدعاء ابعد من الرياء و ادل على الإخلاص لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ الظلمة و الشدة بتقدير القول بيان لتدعونه يعنى تقولون لئن أنجيتنا قرا الكوفيون أنجانا على صيغة الغائب و الباقون بصيغة الخطاب للّه تعالى لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ للّه تعالى و الشكر هو معرفة النعمة مع القيام بحقها يعنى صرفها فى رضاء المنعم. ٦٤ قُلِ اللّه يُنَجِّيكُمْ قرأ الكوفيون و هشام مشددا من التفعيل على طبق السؤال و الباقون بالتخفيف من الافعال مِنْها اى من تلك الشدة وَ مِنْ كُلِّ كَرْبٍ غاية الغم ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ تعوون الى الشرك و لا توفون بالعهد و تعلمون ان اللّه هو الذي ينجيكم و تشركون معه الأصنام التي قد علمتم انها لا تضر و لا تنفع و فى وضع تشركون موضع لا تشكرون كمال توبيخ و تنبيه على ان من أشرك فى عبادة اللّه فكانه لم يعبد اللّه راسا و كلمة ثم ليس للتراخى فى الزمان بل لكمال البعد بين الإحسان و الإشراك. ٦٥ قُلْ هُوَ اى اللّه هو الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ كما فعل بقوم نوح و عاد و قوم لوط و اصحاب الفيل أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ كما فعل بقوم نوح من نبع الأرض و إغراق فرعون و خسف قارون عن ابن عباس و مجاهد من فوقكم السلاطين الظلمة و من تحت أرجلكم العبيد السوء و قال الضحاك من فوقكم اى من قبل كباركم و من تحت أرجلكم من قبل صغاركم و قيل حبس المطر و النبات أَوْ يَلْبِسَكُمْ اى يخلطكم شِيَعاً فرقا متفرقين على أهواء شتى و يكون القتال بينكم وَ يُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ البأس العذاب و الشدة فى الحرب كذا فى القاموس يعنى يقتل بعضكم بعضا عن جابر بن عبد اللّه قال لما نزلت هذه الاية قل هو القادر على ان يبعث عليكم عذابا من فوقكم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أعوذ بوجهك الكريم او يلبسكم شيعا و يذيق بعضكم بأس بعض قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم هذا أهون و هذا أيسر رواه البخاري و غيره. (فائدة) ظهر تاويل هذه الاية بعد خمس و ثلثين سنة من الهجرة حين قاتل المسلمون فى وقعة جمل و صفين و غير ذلك- و عن سعد بن ابى وقاص قال أقبلنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حتى مررنا على مسجد بنى معاوية فدخل فصلى ركعتين فصلينا معه فناجى ربه طويلا ثم قال سالت ربى ثلثة سالته ان لا يهلك أمتي بالغرق فاعطانيها و سالته ان لا يهلك أمتي بالسنة فاعطانيها و سالته ان لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها رواه البغوي و عن عبد اللّه بن عبد الرحمن الأنصاري ان عبد اللّه بن عمر جاءهم ثم قال ان النبي صلى اللّه عليه و سلم دعا فى مسجد فسال اللّه ثلثا فاعطاه اثنتين و منعه واحدة ساله ان لا يسلط على أمته عدوا من غيرهم يظهر عليهم فاعطاه ذلك و سالهم ان لا يهلكهم بالسنين فاعطاه ذلك و ساله ان لا يجعل بأس بعضهم على بعض فمنعه ذلك رواه البخاري و اخرج ابن ابى حاتم عن زيد بن اسلم قال لما نزلت قل هو القادر على ان يبعث عليكم عذابا من فوقكم الاية قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض بالسيوف قالوا و نحن نشهد ان لا اله الا اللّه و انك رسول اللّه فقال بعض الناس لا يكون هذا ابدا يعنى ان يقتل بعضكم بعضا و نحن مسلمون فنزلت انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ بالوعد و الوعيد لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ ٦٦ وَ كَذَّبَ بِهِ اى بالعذاب او بالقران. قَوْمُكَ اى كفار قريش وَ هُوَ الْحَقُّ الواقع لا محالة او الصدق قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ اى مسلطا من اللّه عليكم و كّل الىّ أمركم ألزمكم الإسلام لا محالة او اجازيكم ان أبيتم. ٦٧ لِكُلِّ نَبَإٍ خبر من اخبار القران من العذاب النازل بالكفار و غيره مُسْتَقَرٌّ وقت استقرار و وقوع لا يتقدم عليه و لا يتاخر وَ سَوْفَ تَعْلَمُونَ عند وقوعه فى الدنيا او فى الاخرة. ٦٨ وَ إِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا بالتكذيب و الاستهزاء بها و الطعن فيها و كانت القريش تفعل ذلك فى أنديتهم «١» فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ اى قم من عندهم و لا تجالسهم و المقصود (١) اندية جمع نادى و هو المجلس و اهله ١٢. التحذير عن دينهم و مجالستهم لا المنع عن قتالهم حتى يقال بالنسخ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ أعاد الضمير على معنى الآيات لانها القران وَ إِمَّا يُنْسِيَنَّكَ قرأ ابن عامر بفتح النون و تشديد السين من التفعيل و الباقون بسكون النون و كسر السين من الافتعال يعنى ان ينسينك ما نهيت عنه الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى يعنى بعد ان تذكره مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ اى معهم وضع المظهر موضع المضمر تنبيها على انهم ظلموا بوضع التكذيب و الاستهزاء موضع التصديق و الاستعظام قال البغوي روى عن ابن عباس انه لما نزلت هذه الاية قال المسلمون كيف نقعد فى المسجد الحرام و نطوف بالبيت .... و هم يخوضون ابدا و فى رواية قال المسلمون فانا نخاف الإثم حين نتركهم و لا ننههم فانزل اللّه عز و جل. ٦٩ وَ ما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ يعنى محمدا صلى اللّه عليه و سلم و أصحابه مِنْ حِسابِهِمْ اى الكفار المستهزئين و من للتبعيض مِنْ شَيْ ءٍ من زائدة يعنى مما يحاسب عليه الكفار من الآثام ليس شى ء منها لازما للمتقين وَ لكِنْ عليهم ذِكْرى اى تذكيرهم و منعهم عن الخوض و نحو ذلك من القبائح ان استطاعوا فذكرى فى محل الرفع و يحتمل النصب على المصدرية يعنى و لكن ذكروهم ذكرى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ اى الكفار بتذكير المؤمنين و جاز ان يكون الضمير للذين يتقون يعنى لكن يثبتوا على التقوى. ٧٠ وَ ذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَ لَهْواً يعنى تدبنوا بما لا ينفعهم عاجلا و أجلا كعبادة الأوثان و تحريم البحائر و السوائب او المعنى اتخذوا دينهم الذي كلفوا بإتيانه لهوا و لعبا حيث يسخرون به و قيل معناه ان اللّه تعالى جعل لكل قوم عيدا فاتخذ كل قوم دينهم يعنى عيدهم لعبا و لهوا الا المسلمين فان فى عيدهم الصلاة صلوة العيد و الجمعة و التكبير و النحر للّه تعالى و صدقة الفطر و الخطبة و التذكير و المعنى اعرض عنهم و لا تبال بأفعالهم و أقوالهم و يجوز ان يكون معناه التهديد كقوله تعالى ذرنى و من خلقت وحيدا و من جعله منسوخا باية السيف حمله على ترك التعرض لهم و الأمر بالكف عنهم وَ غَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا حتى أنكروا البعث وَ ذَكِّرْ بِهِ اى بالقران أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ يعنى لئلا تبسل او كراهة ان تبسل اى تحبس بما كسبت من السيئات و البسل الحبس كذا فى القاموس لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللّه وَلِيٌّ ناصر يدفع عنها العذاب بالمقاومة وَ لا شَفِيعٌ يدفع بالشفاعة وَ إِنْ تَعْدِلْ تلك النفس كُلَّ عَدْلٍ العدل الفدية لانها تعادل المفدى اى ان تفد كل الفدية و كل منصوب على المصدرية لا يُؤْخَذْ مِنْها الفعل مسند الى منها و لا ضمير فيه عائد الى العدل لانه هاهنا بمعنى المصدر دون المفعول فلا يسند اليه الاخذ بخلاف قوله تعالى لا يؤخذ منها عدل فان هناك بمعنى المفدى أُولئِكَ المشار اليه الَّذِينَ اتخذوا دينهم لعبا الذين أُبْسِلُوا اى حبسوا و سلموا الى العذاب بِما كَسَبُوا من السيئات لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ ماء بالغ غاية الحرارة وَ عَذابٌ أَلِيمٌ بالنار و غيرها بِما كانُوا يَكْفُرُونَ ع اى بسبب كفرهم جملة مستأنفة او خبر بعد خبر لاولئك. ٧١ قُلْ أَ نَدْعُوا أ نعبد مِنْ دُونِ اللّه ما لا يَنْفَعُنا اى عبدناه وَ لا يَضُرُّنا ان لم نعبده و نكفر به يعنى لا يقدر على شى ء من ذلك وَ نُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا يعنى نرجع الى الشرك الذي كان الناس عليه فى الجاهلية عطف على ندعوا بَعْدَ إِذْ هَدانَا اللّه بالوحى فانقذنا من الشرك و رزقنا الإسلام كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ استفعال من هوى يهوى بمعنى ذهب قرا حمزة استهواه بالألف مما لا على التذكير و الباقون بالتاء على التأنيث نظرا الى جمعية الفاعل و الكاف فى محل النصب على المصدرية او على الحالية يعنى ردا مثل رد الذي ذهب به الشياطين او نرد مشبهين بالذي ذهب به الشياطين يعنى مردة الجن فِي الْأَرْضِ اى فى المفازة من الطريق الى المهالك حَيْرانَ حال من مفعول استهوته اى ضالا متحير الا يدرى اين يذهب و كيف يصنع لَهُ اى بهذا المستهوى أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى اى الى الطريق المستقيم سماه هدى تسمية للمفعول بالمصدر ائْتِنا تفسير ليدعونه بتقدير القول يعنى يقولون له ائتنا و المستهوى لا يجيبهم و لا يأتيهم و جملة له اصحاب فى محل النصب على الحالية من مفعول استهوته شبه اللّه سبحانه الضال عن طريق الإسلام و المسلمون يدعونه الى الإسلام فلا يلتفت إليهم بالذي استهوته الغيلان فذهبوا به عن الطريق و أصحابه يدعونه الى الطريق و الاستفهام للانكار و جملة التشبيه حال من ضمير نرد قُلْ إِنَّ هُدَى اللّه اى الإسلام هُوَ الْهُدى و ما عداه ضلال وَ أُمِرْنا منصوب المحل عطفا على محل ان هدى اللّه هو الهدى يعنى قل هذا القول و قل أمرنا لِنُسْلِمَ اللام بمعنى الباء او زائدة و الفعل بتأويل المصدر بان مقدوة مفعول لامرنا يعنى أمرنا ان نسلم او بان نسلم او هى للتعليل و المفعول محذوف يعنى أمرنا باتباع الرسول لنسلم لِرَبِّ الْعالَمِينَ فان الوصول الى اللّه تعالى و تسليم أنفسهم له تعالى منحصر فى اتباع الرسول. ٧٢ وَ أَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ اتَّقُوهُ عطف على ان نسلم مفعولا لامرنا او علة يعنى أمرنا بان اقيموا او لاقامة الصّلوة و التقوى وَ هُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ يوم القيمة. ٧٣ وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ قائما بِالْحَقِّ بالحكمة او محقا او المعنى متلبسات بالحق نظيره ما خلقت هذا باطلا او الباء بمعنى اللام اى لاظهار الحق وَ يَوْمَ يَقُولُ للشئ كُنْ فَيَكُونُ يعنى يقول للخلق قوموا فيقومون فيكون مرفوعا على الخبر و ليس بجواب و يوم منصوب باذكر او هو معطوف على الضمير المنصوب فى و اتقوه يعنى اتقوا عذاب يوم يقول كن يعنى يوم القيمة او على السموات يعنى خلق السموات و يوم القيمة او منصوب بفعل محذوف دل عليه السياق يعنى خلق السموات و الأرض و ما بينهما و يعيدها يوم يقول للبعث كن فيكون و على هذه التأويلات قَوْلُهُ الْحَقُّ مبتدأ و خبر كلام مستأنف يعنى قوله هو الحق الصدق لا محالة و جاز ان يكون الموصوف مع الصفة فاعلا ليقول يعنى فيكون قوله الحق و لا يتخلف الخلائق عن قوله او المعنى حين يقول لقوله الحق اى لقضائه كن فيكون و قيل قوله الحق مبتدا و يوم يقول خبره مقدما عليه كما تقول يوم الجمعة قولك الصدق يعنى قولك الصدق كائن يوم الجمعة قدم الخبر للاهتمام و المعنى انه الخالق للسموات و الأرض قوله الحق نافذ فى الكائنات يوم يقول كن فيكون وَ لَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ كقوله تعالى لمن الملك اليوم للّه الواحد القهار و الصور قرن ينفخ فيه كذا قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى جواب الاعرابى حين ساله رواه ابو داؤد و حسنه و النسائي و ابن جبان و صححه و البيهقي فى البعث و ابن المبارك فى الزهد عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص و اخرج ابو الشيخ بن حبان فى كتاب العظمة عن وهب بن منبه قال خلق اللّه الصور من لؤلؤ بيضاء فى صفاء الزجاجة ثم قال للعرش خذ الصور فتعلق به ثم قال كن فكان اسرافيل فامره ان يأخذ الصور فاخذه و به ثقب بعدد كل روح مخلوقة و نفس منفوسة لا يخرج روحان من ثقب واحد و فى وسط الصور كوة كاستدارة السماء و الأرض و اسرافيل واضع فمه فى تلك الكوة ثم قال له الرب تعالى قد وكلتك بالصور فانت بالنفخة و الصيحة فدخل اسرافيل فى مقدم العرش و ادخل رجله اليمنى تحت العرش و قدم اليسرى و لم يطرف منذ خلقه اللّه ينتظر متى يومر به و اخرج احمد و الطبراني بسند جيد عن زيد بن أرقم قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كيف أنعم و صاحب الصور قد التقم القرن و احنى جبهته و أصغى بالسمع متى يومر فسمع بذلك اصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فشق عليهم فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قولوا حسبنا اللّه و نعم الوكيل و كذا اخرج احمد و الحاكم فى المستدرك و البيهقي فى البعث و الطبراني فى الأوسط عن ابن عباس و فيه حسبنا اللّه و نعم الوكيل على اللّه توكلنا و كذا الترمذي و الحاكم و البيهقي عن ابى سعيد الخدري عن النبي صلى اللّه عليه و سلم و ابو نعيم عن جابر و اخرج البزار و الحاكم عن ابى سعيد الخدري عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال ما من صباح الا و ملكان موكلان بالصور ينتظران متى يومران فينتفخان و روى ابن ماجة و البزار عنه مرفوعا بلفظ ان صاحبى الصور بايديهما قرنان يلاحظان النظر متى يومران و اخرج الحاكم من حديث ابن عمر عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال النافخان فى السماء الثانية و راس أحدهما بالمشرق و رجلاه بالمغرب و راس أحدهما بالمغرب و رجلاه بالمشرق ينتظران متى يومران ان ينفخا فى الصور فينفخان فهذه الأحاديث تدل على ان نافخا الصور ملكان لهما قرنان و اخرج الطبراني بسند حسن عن كعب الأحبار حديثا فيه ملك الصور جاث على احدى ركبتيه و قد نصب الاخرى فالتقم الصور فحنى ظهره و قد امر إذ رأى اسرافيل قد ضم جناحيه ان ينفخ فى الصور فقالت عائشة هكذا يعنى مثل ما قال كعب سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول قال ابن حجر هذا الحديث يدل على ان النافخ غير اسرافيل فليحمل على انه ينفخ النفخة الاولى إذا راى اسرافيل ضم جناحيه ثم ينفخ اسرافيل نفخة البعث و اللّه اعلم و اخرج ابو الشيخ بن حبان فى كتاب العظمة عن ابى بكر الهذلي قال ان ملك الصور الذي و كل به ان احدى قدميه لفى الأرض و هو جاث على ركبته شاخص ببصره الى اسرافيل ما طرف منذ خلقه اللّه ينتظر متى يشير اليه فينفخ فى الصور عالِمُ الْغَيْبِ وَ الشَّهادَةِ اى هو عالم الغيب يعنى ما لم يوجد و الشهادة يعنى ما وجد فان كل موجود مشهود للّه تعالى لا يعزب عنه مثقال ذرة فى السموات و لا فى الأرض وَ هُوَ الْحَكِيمُ فى الإيجاد و الافناء الْخَبِيرُ بالحساب و الجزاء و بأحوال المخلوقات كلها. ٧٤ وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ قرأ يعقوب آزر بالضم يعنى يا آزر و الباقون بالفتح فى محل الجر على انه عطف بيان لابيه و هو اسم أعجمي غير منصرف للعلمية و العجمة و قيل هو اسم عربى مشتق من الأزر بمعنى القوة او الوزر بمعنى الثقل لم ينصرف للعلمية و وزن الفعل و كان آزر على الصحيح عما لابراهيم و العرب يطلقون الأب على العم كما فى قوله تعالى نعبد إلهك و اله ابائك ابراهيم و اسمعيل و إسحاق الها واحدا و كان اسمه ناخور ........ و كان ناخور على دين ابائه الكرام كما ذكرنا فى سورة البقرة ثم لما صار وزير النمرود اختار الكفر للحرص فى الدنيا و ترك دين ابائه روى البخاري عن ابى هريرة عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال يلقى ابراهيم آزر يوم القيامة و على وجه آزر قترة و غبرة فيقول ابراهيم الم اقل لك لا تعصنى فيقول أبوه فاليوم لا أعصيك فيقول ابراهيم يا رب انك وعدتني ان لا تخزينى يوم يبعثون فاى خزى اخزى من ابى الا بعد فيقول اللّه انى حرمت الجنة على الكافرين ثم يقال يا ابراهيم ما تحت رجليك فينظر فاذا بذيخ «١» متلطخ فيوخذ بقوائمه فيلقى فى النار و اللّه اعلم قال الرازي انه كان عما لابراهيم و لم يكن أبوه و قد سبقه الى هذا القول جماعة من السلف قال الزرقانى فى شرح المواهب ان دليل كون آزر عما لابراهيم ما قد صرح به الشهاب الهيثمي بان اهل الكتابين و التاريخ اجمعوا ان آزر عم ابراهيم كما قال الرازي و قال السيوطي روينا بالأسانيد عن ابن عباس و مجاهد و ابن جرير و السدى انهم قالوا ليس آزر أبا لابراهيم انما هو ابراهيم بن تارخ و قال السيوطي وقفت على اثر فى تفسير ابن المنذر صرح فيه بانه عمه و فى القاموس آزر اسم عم ابراهيم عليه السلام و اما أبوه فانه تارخ بالخاء المهملة و قيل بالمعجمة او هما واحد و يؤيد القول بانه لم يكن أبا له ما ذكرنا فى سورة البقرة فى تفسير قوله تعالى و لا تسال عن اصحاب الجحيم انه صح عن النبي صلى اللّه عليه و سلم انه قال بعثت من خير قرون بنى آدم قرنا فقرنا حتى بعثت من القرن الذي كنت فيه رواه البخاري و قد صنف السيوطي فى اثبات اسلام اباء النبي صلى اللّه عليه و سلم الى آدم عليه السلام رسائل و اللّه اعلم لكن قال محمد بن إسحاق و الضحاك و الكلبي ان آزر اسم ابى ابراهيم و اسمه تارخ ايضا مثل إسرائيل و يعقوب و قال مقاتل ابن حبان آزر لقب لابى ابراهيم و اسمه تارخ قال سليمان التيمي هو سبّ و عيب و معناه فى (١) الذيخ ذكر الضباع أراد بالتلطخ التلطخ برجيعه او بالطين ١٢. كلامهم المعوج و قيل معناه الشيخ الهرم بالفارسية و على هذا عدم انصرافه لانه اسم أعجمي حمل على موازنه و الاول أصح و قال سعيد ابن المسيب و مجاهد آزر اسم صنم لقب به لانه كان يعبده او اطلق عليه بحذف المضاف يعنى عبد آزر و على تقدير كونه اسم صنم منصوب بفعل مضمر يفسره ما بعده اعنى أَ تَتَّخِذُ تقديره أتعبد آزر أ تتخذه الها فوضع المظهر موضع المضمر للدلالة على عدم انحصار عبادته فى آزر فقال أَصْناماً آلِهَةً دون اللّه تعالى إِنِّي قرأ نافع و ابن كثير و ابو عمرو بفتح الياء و الباقون بالإسكان أَراكَ وَ قَوْمَكَ يعنى اهل دينك فِي ضَلالٍ عن الحق مُبِينٍ ظاهر الضلالة. ٧٥ وَ كَذلِكَ يعنى كما أريناه الحق على خلاف قرنه نُرِي حكاية حال ماضية إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ كرهبوت و ترقوت العز و السلطان كذا فى القاموس مشتق من الملك زيدت الواو و التاء للمبالغة فهو أعظم الملك قال فى الصحاح الملكوت مختصة بملك اللّه تعالى السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ اضافة الملكوت الى السموات و الأرض من قبيل اضافة المصدر الى المفعول يعنى سلطان اللّه و ربوبيته السموات قال مجاهد و سعيد بن جبير يعنى آيات السموات و الأرض و ذلك انه أقيم على صخرة و كشف له عن السموات و الأرض حتى العرش و أسفل الأرضين و نظر الى مكانه فى الجنة و ذلك قوله تعالى و اتيناه اجره فى الدنيا يعنى أريناه مكانه فى الجنة و روى عن سلمان و رفعه بعضهم عن على رضى اللّه عنه لما ارى ابراهيم ملكوت السموات و الأرض ابصر رجلا على فاحشة فدعا عليه فهلك ثم ابصر اخر فدعا عليه فهلك ثم ابصر اخر فاراد ان يدعوا عليه فقال الرب عز و جل يا ابراهيم انك رجل مستجاب الدعوة فلا تدعون على عبادى فانما انا من عبادى على ثلث خصال اما ان يتوب الىّ فاتوب عليه و اما ان اخرج عنه نسمة تعبدنى و اما ان يبعث الىّ فان شئت عفوت عنه و ان شئت عاتبته و فى رواية و اما ان يتولى فان جهنم من ورائه و قال قتادة ملكوت السموات الشمس و القمر و النجوم و ملكوت الأرض الجبال و الأشجار و البحار وَ لِيَكُونَ معطوف على مقدر دل عليه السباق يعنى يستدل و ليكون مِنَ الْمُوقِنِينَ او متعلق بفعل محذوف معطوف على نرى يعنى و فعلنا ذلك ليكون من الموقنين عيانا كما كان على بصيرة إلهاما من اللّه تعالى. ٧٦ فَلَمَّا جَنَّ اى اظلم عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى قرأ حمزة و الكسائي و ابو بكر و ابن ذكوان هذا و شبهه من لفظه إذا لم يأت بعد الياء ساكن بامالة فتحة الراء و الهمزة جميعا كَوْكَباً اى الزهرة او المشترى قالَ إلزاما للكفار فانهم كانوا يعبدون الأصنام و الكواكب و يعظمونها و يرون ان الأمور كلها إليها فاراد ان ينبههم على ضلالتهم و يرشدهم الى الحق من طريق النظر و الاستدلال فقال هذا رَبِّي فى زعمكم او بحذف همزة الاستفهام يعنى أ هذا ربى او قال على سبيل الفرض فان المستدل على فساد قوله يحكيه على ما يقوله الخصم ثم يرجع عليه بالابطال و اجرى بعضهم على ظاهره فقال كان ابراهيم عليه السلام حينئذ مسترشدا طالبا للتوحيد حتى وفقه اللّه تعالى و أتاه رشده فلم يضره ذلك فى حالة الاستدلال قال البغوي و كان ذلك فى حالة طفوليته قبل قيام الحجة عليه فلم يكن كفرا و قال البيضاوي انما قال ذلك زمان راهقته او أول أوان بلوغه و فى شرح خلاصة السير لمولانا ابى بكر ان استدلاله بالكواكب و القمر كان و هو ابن خمسة عشر شهرا و الصحيح هو القول الاوّل إذ لا يجوز ان يكون للّه رسول يأتي عليه وقت من الأوقات الا و هو للّه موحد و به عارف و من كل معبود سواه برى و كيف يتوهم هذا على من عصمه اللّه و طهّره و أتاه رشده من قبل قال فى الشفاء قال اللّه تعالى و لقد اتينا ابراهيم رشده من قبل اى هديناه صغيرا قاله مجاهد و غيره و قال ابن عطا اصطفاه قبل بدأ خلقه و قال بعضهم لما ولد ابراهيم عليه السلام بعث اللّه اليه ملكا يأمره عن اللّه تعالى ان يعرفه بقلبه و يذكره بلسانه فقال قد فعلت و لم يقل افعل فذلك رشده و فى هذه الاية عطف قوله تعالى فلما جن على قوله تعالى قال ابراهيم و قوله تعالى و كذلك نرى ابراهيم اعتراض و الغاء للتعقيب فدلت هذه الاية على انه كان هذا الاستدلال بعد قوله أ تتخذ أصناما الهة انى أراك و قومك فى ضلال مبين و على تقدير كون هذا الكلام على طريقة الاستدلال الفاء للتفسير و التفصيل لقوله تعالى كذلك نرى ابراهيم و على هذا التقدير لا بد ان يكون هذا الكلام أول ليلة راى الكوكب من زمان عقله و شعوره بحيث لم ير قبل ذلك قط و أساسا لهذا المفاد يذكرون قصة و ذلك ان ابراهيم عليه السلام ولد فى زمن نمرود بن كنعان و كان نمرود أول من وضع التاج على راسه و دعا الناس الى عبادته و كان له كهان و منجمون فقالوا له انه يولد فى بلدك هذه السنة غلام يغير دين اهل الأرض و يكون هلاكك و زوال ملكك على يديه و يقال انهم وجدوا ذلك فى كتب الأنبياء عليهم السّلام و قال السدى راى نمرود فى منامه كان كوكبا طلع فذهب بضوء الشمس و القمر حتى لم يبق لهما ضوء ففزع فزعا شديدا فدعا السحرة و الكهنة فسالهم عن ذلك فقالوا هو مولود يولد فى ناحيتك هذه السنة فيكون هلاكك و اهل بيتك و زوال ملكك على يديه قالوا فامر بذبح كل غلام يولد فى ناحيته تلك السنة و امر بعزل الرجال عن النساء و جعل على كل عشر رجلا فاذا حاضت المرأة خلى بينها و بين زوجها لانهم كانوا لا يجامعون فى الحيض فاذا طهرت حال بينهما فرجع آزر فوجد امرأته قد طهرت من الحيض فواقعها فحملت بإبراهيم عليه الصّلوة و السّلام قال محمد بن إسحاق بعث نمرودا الى كل امرأة حبلى بقرينه فحبسها عنده الا ما كان من أم ابراهيم عليه السلام لانها كانت جارية حديثة السن لم يعرف الحبل فى بطنها و قال السدى خرج نمرود بالرجال الى المعسكر و نحاهم عن النساء تخوفا من ذلك المولود ان يكون فمكث بذلك ما شاء اللّه ثم بدت له حاجة الى المدينة فلم يأتمن عليها أحدا من قومه الا آزر فبعث اليه و دعاه و قال ان لى حاجة أحب ان أوصيك بها و لا أبعثك الا لثقتى بك فاقسمت عليك ان لا تدنوا من أهلك فقال آزر انا أشحّ على دينى من ذلك فاوصاه بحاجته فدخل المدينة و قضى حاجته ثم قال لو دخلت على أهلي فنظرت إليهم فلما نظر الى أم ابراهيم عليه السلام لم يتمالك حتى واقعها فحملت بإبراهيم عليه السلام و قال ابن عباس لما حملت أم ابراهيم قال الكهان لنمرود ان الغلام الذي قد أخبرناك به قد حملت امه الليلة فامر نمرود بقتل الغلمان فلما دنت ولادة أم ابراهيم و أخذها المخاض خرجت هاربة مخافة ان يطلع عليها فيقتل ولدها فوضعته فى «١» حلفاء فرجعت فاخبرت زوجها بانها ولدت و ان الولد فى موضع كذا فانطلق أبوه فاخذه من ذلك المكان و حفر له سربا عند نهر فواراه فيه و سد عليه بابه بصخرة مخافة السباع و كانت امه تختلف اليه فترضعه و قال محمد بن إسحاق لما وجدت أم ابراهيم الطلق خرجت ليلا الى مغارة كانت قريبا منها فولدت فيها ابراهيم فاصلحت من شانه ما يصنع بالمولود ثم سدت عليه المغارة و رجعت الى بيتها ثم كانت تطالعه لتنظره ما فعل فتجده حيا يمص إبهامه قال ابو روق قالت أم ابراهيم ذات يوم لانظرن الى أصابعه فوجدته يمص من إصبع ماء و من إصبع لبنا و من إصبع عسلا و من إصبع تمرا و من إصبع سمنا و قال محمد ابن إسحاق كان آزر قد سال أم ابراهيم عن حملها ما فعل فقالت قد ولدت غلاما فمات فصدقها و سكت (١) حلفاء نبت فى الماء ١٢. عنها و كان اليوم على ابراهيم فى الشباب كالشهر و الشهر كالسنة فلم يمكث ابراهيم فى المغارة الا خمسة عشر شهرا حتى قال لامه أخرجني فاخرجته عشاء فنظر فتفكر فى خلق السموات و الأرض و قال ان الذي خلقنى و أطعمني و سقانى لربى الذي مالى اله غيره ثم نظر فى السماء فرأى كوكبا قال هذا ربى ثم اتبعه بصره ينظر اليه حتى غاب فلما أفل قال لا أحب الآفلين ثم راى القمر بازغا قال هذا ربى ثم اتبعه بصره حتى غاب ثم طلع الشمس هكذا الى آخره ثم رجع الى أبيه آزر و قد استقامت وجهته و عرف ربه و برى من دين قومه الا انه لم يبادهم بذلك فاخبره انه ابنه و أخبرته امه انه ابنه و أخبرته بما كانت صنعت فى شانه فسر آزر بذلك و فرح فرحا شديدا و قيل انه كان فى السرب سبع سنين و قيل ثلث عشرة سنة و قيل سبع عشرة سنة قلت و هذه القصة ان صحت فالى هنالك لا تدل على كفر أبوي ابراهيم الا تسمية ابى ابراهيم بازر فان كفر آزر ثابت بالكتاب و السنة و الظاهر ان تسمية ابى ابراهيم فى هذه القصة بازر و هم من بعض الرواة لكن قال بعضهم فى القصة انه لما شب ابراهيم عليه السلام و هى فى السرب قال لامه من ربى قالت انا قال فمن ربك قالت أبوك قال فمن رب ابى قال نمرود قال فمن ربه قالت اسكت فسكت ثم رجعت الى زوجها فقالت ارايت الغلام الذي كنا نحدث انه يغير دين اهل الأرض فانه ابنك ثم أخبرته بما قال فاتاه أبوه فقال له ابراهيم يا أبتاه من ربى قال أمك قال فمن رب أمي قالت انا قال فمن ربك قال نمرود قال فمن رب نمرود فلطمه لطمة و قال له اسكت فلما جن عليه الليل دنا من باب السرب فنظر من خلال الصخرة فابصر كوكبا قال هذا ربى و يقال انه قال لابويه أخرجاني فاخرجاه من السرب و انطلقا به حين غابت الشمس فنظر ابراهيم الى الإبل و الخيل و الغنم فسال أباه ما هذه فقال ابل و خيل و غنم قال ما لهذه بد من ان يكون لهارب و خالق ثم نظر فاذا المشترى قد طلع و يقال الزهرة فكان تلك الليلة من اخر الشهر فتاخر طلوع القمر فيها فرأى الكوكب قبل القمر فذلك قوله عز و جل فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربى و هذه القصة تدل على كفر أبوي ابراهيم عليه السلام لكن لا يدل على موتهما على الكفر و ايضا هذه القصة مع اختلافها و اضطرابها و عدم ثبوتها بسند صحيح لا يقوى معارضة ما صح عنه صلى اللّه عليه و سلم ان ابائه كلهم من آدم عليه السلام الى أبويه كانوا مومنين و انه انتقل من أصلاب الطاهرين الى أرحام الطاهرات و من أرحام الطاهرات الى أصلاب الطاهرين و عليه حمل قوله تعالى و نقلبك فى الساجدين و اطلاق الأب على العم شائع لا سيما إذا رباه و لعل تارخ مات و ترك ابراهيم فى بطن امه او وليدا رضيعا و رباه عمه آزر و اللّه اعلم- فَلَمَّا أَفَلَ يعنى غاب الكوكب قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ اى لا أحب عبادة المتغيرين عن حال الى حال لان التغير امارة الحدوث إذ القديم لا يكون محلا للحوادث و الحدوث ينافى الالوهية. ٧٧ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ قرأ حمزة و ابو بكر هذا و شبهه إذا لقيت الياء ساكنا منفصلا بامالة فتحة الراء فقط دون الهمزة و الباقون بفتحها هذا فى حالة الوصل و اما فى حالة الوقف فالاختلاف كما مر فى رأى كوكبا و عن ابى بكر و ابى شعيب فى روايته عنهما بامالة الراء و الهمزة جميعا فى الوصل ايضا و عن البزي نحوه بازِغاً فى بداية الطلوع قالَ هذا رَبِّي هذا القول فى القمر و الشمس بعد تمام الاستدلال بالكوكب ليس الا لالزام الخصم و الا فالعاقل يكفيه الاشارة و ابراهيم عليه السلام مع كمال قوته النظرية لا يتصور ان يحتاج الى استدلال اخر بعد تمام الاستدلال فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ قال ذلك شكر النعمة الهداية من اللّه تعالى كما قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لو لا اللّه ما اهتدينا و لا تصدقنا و لا صلينا و فيه ارشاد لقومه و تنبيه لهم على ان القمر ايضا لتغير حاله لا يصلح للالوهية و ان من اتخذه الها فهو ضال و انما احتج عليهم بالأقوال دون البزوغ مع ان كلا منهما انتقال من حال الى حال لان الاحتجاج به اظهر لكونه انتقالا الى اخس الحالين و أدونهما. ٧٨ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي قيل ذكر اسم الاشارة لتذكير الخبر و صيانية للرب عن شبهة التأنيث و قيل أراد به هذا الطالع أوردا الى المعنى و هو الضياء و النور و عندى ان تأنيث الشمس انما هو سماعى لفظى فى لغة العرب لان تصغيره شميسة دون غيرها من اللغات و لسان ابراهيم عليه السلام لم يكن عربيا فذكر ابراهيم اسم الاشارة بناء على لغته و حكاه اللّه سبحانه على ما قاله بلغة العرب هذا أَكْبَرُ من الكواكب كبره استدلالا و اظهار الشبهة الخصم فَلَمَّا أَفَلَتْ غربت قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِي ءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ تبرأ من جميع الالهة الباطلة فانه لما تبين ان الكواكب و القمر و الشمس مع كونها اجراما علوية عظيمة منيرة غير صالحة للالوهية لكونها محلا لتغيرات محدثة محتاجة الى محدث يحدثها و يخصصها بما يختص به فالاصنام و غيرها من الاجرام السفلية اولى ان لا تتخذ الها و هذا يعنى مخاطبة القوم و التبري عما يعبدونه بعد تمام الحجة دليل واضح على ان هذا الكلام من ابراهيم عليه السلام لم يكن الا لالزام الخصوم لا لطلب تحقيق لم يكن حاصلا له و لما تبرأ عن الالهة الباطلة ارشدهم الى وجود الإله الحق الذي دلت عليه الممكنات بأسرها فقال. ٧٩ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ قرأ نافع و ابن عامر و حفص بفتح الياء و الباقون بالإسكان لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ و ما فيها وَ الْأَرْضَ و ما فيها يعنى الذي دلت على وجوده و وجوبه هذه الموجودات التي لا تقتضى ذواتها وجوداتها المحتاجة الى من يخرجها من العدم الى الوجود حَنِيفاً حال من فاعل وجهت يعنى مائلا من الأديان كلها الى الإسلام وَ ما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ باللّه شيئا من خلقه. ٨٠ وَ حاجَّهُ قَوْمُهُ فى توحيد اللّه و نفى الشركاء عنه يعنى قاموا بالمجادلة لما عجزوا و بهتوا فى مقابلة الاستدلال الصحيح و قالوا احذر الهتنا ان تمسك بسوء و احذر نمرود ان يقتلك او يحرقك قالَ ابراهيم أَ تُحاجُّونِّي فِي اللّه بعد تمام الاستدلال على وجوده و توحيده وَ قَدْ هَدانِ اثبت الياء فى الوصل ابو عمرو حذف الباقون يعنى هدانى اللّه الى الحق و اقامة الحجة مع كونى صغيرا اميا وَ لا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ تعالى من الممكنات سواء كان من الفلكيات كالشمس و القمر و الكواكب او من العنصريات من ذوى العقول كنمرود او من الجمادات كالاصنام فان كلها مثلى فى عدم الاقتدار على النفع و الضرر الا باقتدار اللّه تعالى او أعجز منى روى ان ابراهيم لما خرج من السرب و صار بحال سقط عنه طمع الذباحين و ضمه آزر الى نفسه جعل آزر يصنع الأصنام و يعطيها ابراهيم ليبيعها فيذهب بها ابراهيم و ينادى من يشترى ما يضره و لا ينفعه فلا يشتريها أحد فاذا بات عليه ذهب بها الى نهر فصوب فيه راسه و قال اشربى استهزاء بقومه إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً يعنى لا يستطيع ما تشركون باللّه اضرارى فى وقت من الأوقات الا وقت ان يشاء ربى شيئا من الإضرار وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْ ءٍ عِلْماً كانه علة للاستثناء يعنى لا يبعد ان يكون فى علمه ان يصيبنى مكروه من جهة بعض عباده بمشيته و خلقه و أقداره على الكسب أَ فَلا تَتَذَكَّرُونَ فتميّزوا بين العاجز على الإطلاق كالاصنام و بين العاجز فى نفسه القادر باقدار اللّه تعالى و مشيته و بين القهار المقتدر على الإطلاق. ٨١ وَ كَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ به و لا يقدر أحد منهم على الإضرار من غير مشية اللّه وَ لا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللّه و هو حقيق ان يخاف منه كل الخوف فانه هو القادر على الإطلاق الضار النافع ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ اى باشراكه عَلَيْكُمْ سُلْطاناً دليلا نقليا من الكتاب و لا عقليا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ من الموحدين باللّه المعتقدين على ما اقتضاه العقل و النقل و المشركين به المعتقدين بما لا دليل عليه أَحَقُّ بِالْأَمْنِ من العذاب و المكاره فى الدنيا و الاخرة لم يقل أينا احترازا عن تزكية النفس و ايماء بان استحقاق الا من غير مختص به بل يشتمل كل موحد ففيه ترغيب لهم فى التوحيد إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ من يحق ان يخاف منه لا تخافوا الا اللّه تعالى كما أخاف دل على الجزاء ما سبق او المعنى ان كنتم ذا علم و بصيرة فانصفوا فى الجواب عن الاستفهام. ٨٢ الَّذِينَ آمَنُوا باللّه وَ لَمْ يَلْبِسُوا اى لم يخلطوا إِيمانَهُمْ باللّه تعالى بِظُلْمٍ بشرك أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ من العذاب وَ هُمْ مُهْتَدُونَ الى الحق و الى الجنة عن عبد اللّه بن مسعود قال انه لما نزلت هذه الاية شق ذلك على المسلمين فقالوا يا رسول اللّه فاينا لا يظلم نفسه فقال ذلك انما هو الشرك الم تسمعوا الى ما قال لقمان لابنه و هو يعظه يا بنى لا تشرك باللّه ان الشرك لظلم عظيم متفق عليه و هذه الاية استيناف من اللّه تعالى او من ابراهيم بالجواب عما استفهم عنه حين لم يسمع منهم جوابا حقا و اخرج ابن ابى حاتم من طريق عبيد اللّه بن زحر عن بكر بن سوادة قال حمل رجل من العدو على المسلمين فقتل رجلا ثم حمل فقتل اخر ثم حمل فقتل اخر ثم قال أ ينفعنى الإسلام بعد هذا فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم نعم فدخل فيهم ثم حمل على أصحابه فقتل رجلا ثم اخر ثم قتل قال فيرون ان هذه الاية نزلت فيه الذين أمنوا و لم يلبسوا ايمانهم بظلم الاية. ٨٣ وَ تِلْكَ اشارة الى ما مر من قوله تعالى فلما جن عليه الليل الى قوله تعالى و هم مهتدون و هذا اصرح دليلا على ان ما مر من مقال ابراهيم انما كان احتجاجا على قومه لا تفكرا و استدلالا لنفسه كيف و النفوس القدسية لا يحتاجون الى تجشم الاستدلال و قيل أراد به الاحتجاج الذي حاج نمرود على ما سبق فى سورة البقرة و هذا بعيد جدا حُجَّتُنا خبر لاسم الاشارة او صفة له او بدل منه آتَيْناها إِبْراهِيمَ ارشدناه إليها الجملة خبر او خبر بعد خبر او معترضة عَلى قَوْمِهِ يعنى على من بعث إليهم كنمرود و اتباعه متعلق بحجتنا ان جعل خبرا و صفة و بمحذوف ان جعل بدلا يعنى اتيناها ابراهيم حجته على قومه نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ قرأ الكوفيون هاهنا و فى سورة يوسف درجات بالتنوين على انه تميز من النسبة او مفعول مطلق يعنى نرفع من نشاء درجات فى العلم و الحكمة و الباقون بالاضافة اى نرفع درجاتهم إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ فى رفعه و خفضه عَلِيمٌ بحال من يرفعه و استعداده. ٨٤ وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ ابنا وَ يَعْقُوبَ ابن ابن كُلًّا اى كلواحد منهما هَدَيْنا انتصب كلا بهدينا وَ نُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ ابراهيم عد هداه نعمة على ابراهيم من حيث انه أبوه و فيه دليل على ان شرف الوالد يتعدى الى الولد و بالعكس قلت فمن المحال ان يكون بعض اباء النبي صلى اللّه عليه و سلم مع كونه محبوبا للّه كافرا وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ قيل الضمير راجع الى ابراهيم لان الكلام فيه و قيل لنوح لانه اقرب و لان يونس و لوطا ليسا من درية ابراهيم و الثاني اظهر فلو كان لابراهيم اختص البيان فى المعدودين فى تلك الاية و التي بعدها و المذكورون فى الاية الثالثة معطوفون على نوحا داوُدَ بن اليشا وَ سُلَيْمانَ بن داود وَ أَيُّوبَ بن اموص بن رازخ بن روم ابن عيص بن إسحاق بن ابراهيم وَ يُوسُفَ بن يعقوب بن إسحاق وَ مُوسى وَ هارُونَ اخوه اكبر منه بسنة ابني عمران بن يصهر بن قاهت بن لاوى بن يعقوب وَ كَذلِكَ منصوب على المصدرية بما بعده اى جزاء مثل جزاء ابراهيم على إحسانه يرفع درجاته و درجات ابنائه نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ الإحسان ان تعبد ربك كانك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك متفق عليه من حديث عمر مرفوعا فى قصة سوال جبرئيل. ٨٥ وَ زَكَرِيَّا بن اذن وَ يَحْيى بن زكريا وَ عِيسى بن مريم بنت عمران وَ إِلْياسَ بن متى ابن فخاص بن عيزار بن هارون عليه السلام و قال ابن مسعود هو إدريس و له اسمان مثل يعقوب و إسرائيل و سياق الاية يابى عنه فان إدريس ليس من ذرية نوح بل هو جد ابى نوح فان نوحا ابن لامك بن متوشلخ بن خنوخ بن إدريس و هو أول بنى آدم اعطى النبوة و خط بالقلم كُلٌّ اى كلواحد منهما كائن مِنَ الصَّالِحِينَ اى المعصومين عن الصغائر و الكبائر فان من اتى بما نهى اللّه عنه او ترك ما امر به فهو فاسد و ان قل فساده بالنسبة الى غيره و اطلاق الصالح على غير المعصوم إضافي غير حقيقى لكن إطلاقه على من اتى بمعصية ثم تاب عنه و استغفر صحيح بالحقيقة فان التائب من الذنب كمن لا ذنب له لكن الكامل فى الصلاح هو المعصوم و اللّه اعلم .. ٨٦ وَ إِسْماعِيلَ بن ابراهيم جد النبي صلى اللّه عليه و سلم وَ الْيَسَعَ بن أخطوب بن العجحور قرا حمزة و الكسائي و اليسع هنا بلام مشددة و اسكان الياء و الباقون بلام ساكنة مخففة و فتح الياء و على القراءتين علم أعجمي ادخل عليه اللام كما ادخل على اليزيد فى قوله رايت الوليد بن اليزيد مباركا شديدا باعياء الخلافة كاهله وَ يُونُسَ بن متى وَ لُوطاً ابن هاران ابن أخي ابراهيم عليه و عليهم الصلاة و السلام وَ كلًّا اى كلواحد منهم منصوب بما بعده فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ اى عالمى زمانهم فيه دليل على فضلهم على من عداهم فى ذلك الزمان من الملئكة و غيرهم من الخلائق. ٨٧ وَ مِنْ آبائِهِمْ وَ ذُرِّيَّاتِهِمْ وَ إِخْوانِهِمْ عطف على كلا يعنى فضلنا كلا منهم و بعض ابائهم و ذرياتهم و إخوانهم او على نوحا يعنى هدينا هؤلاء و بعض ابائهم و ذرياتهم و إخوانهم فان منهم من لم يكن نبيا و لا مهديا وَ اجْتَبَيْناهُمْ اى اخترناهم عطف على فضلنا او هدينا وَ هَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ تكرير لبيان ما هدوا اليه. ٨٨ ذلِكَ التوحيد الذي دانوا به هُدَى اللّه يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ دليل على انه متفضل بالهداية وَ لَوْ أَشْرَكُوا يعنى هؤلاء الأنبياء فرضا مع فضلهم و علو شانهم لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ فضلا عن غيرهم. ٨٩ أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ اى الجنس الكتب المنزلة و الإتيان أعم من الانزال عليه او امره بتبليغه وَ الْحُكْمَ اى الحكمة و الفقه او فصل الخصومات على مقتضى الحق او كونهم حاكمين مطاعين وَ النُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِها اى بهذه الثلاثة هؤُلاءِ اى كفار مكة فَقَدْ وَكَّلْنا بِها يعنى وفقنا بالايمان بها و بمراعات حقوقها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ يعنى الأنصار و اهل المدينة قاله ابن عباس و مجاهد و الظاهر عمومه لجميع الصحابة و لمن تبعهم من اهل الفرس و غيرهم و قال ابو رجا العطاردي ان يكفر بها اهل الأرض فقد وكلنا بها اهل السماء و هم الملئكة. ٩٠ أُولئِكَ المذكورون من الأنبياء مبتدأ خبره الَّذِينَ هَدَى اللّه يعنى هديهم اللّه الى التوحيد و اصول الدين و الى الإتيان بما امر اللّه به و الانتهاء عما نهى اللّه عنه فَبِهُداهُمُ اى بطريقتهم اقْتَدِهْ الظرف للحصر يعنى لا تقتد الا بهديهم فيه تعريض على المشركين فى اقتدائهم بآبائهم الضالين و المراد بالاقتداء بطريقتهم الاخذ بها لا تقليدهم فان التقليد ليس من شأن اهل الاجتهاد من الامة فكيف يليق بالأنبياء لا سيما بسيدهم يعنى اسلك على طريق الهداية و اتباع الشرع المويد بالعقل كما سلكوا ففيه تنبيه على ان طريقهم هو الحق الموافق للدليل العقلي و السمعي قال البيضاوي المراد بهداهم ماتوا فقوا عليه من التوحيد و اصول الدين دون الفروع المختلف فيها فانها ليست مضافة الى الكل و لا يمكن التأسى بهم جميعا فليس فيه دليل على انه صلى اللّه عليه و سلم كان متعبدا بشرائع من قبلنا قلت كلهم كانوا مامورين فى الفروع بامتثال امر نزل من اللّه تعالى ما لم ينزل نسخه فيحصل التأسى بجميعهم فى الفروع ايضا بإتيان ما ثبت نزوله من اللّه تعالى بالوحى المتلو او غير المتلو و لم يثبت نسخه فيجب التعبد بشرائع من قبلنا و اللّه اعلم و الهاء فى اقتده هاء سكت و لذا حذفه حمزة و الكسائي و يعقوب و صلا و أثبتها الباقون فى الحالين تبعا للخط و قرا ابن عامر بكسر الهاء و ابن ذكوان عنه بالإشباع و هشام عنه بالكسر بلا صلة تشبيها بهاء الضمير او هى ضمير راجع الى المصدر يعنى اقتد الاقتداء قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ اى على التبليغ او القران أَجْراً من جهتكم كما لم يسأل من قبلى من النبيين و هذا مما امر بالاقتداء بهم فيه و فيه دليل على ان أخذ الاجر على تعليم القران و الفقه و رواية الحديث لا يجوز إِنْ هُوَ اى التبليغ او القران إِلَّا ذِكْرى تذكيرا و عظة لِلْعالَمِينَ ع للانس و الجن اخرج ابن ابى حاتم عن سعيد بن جبير مرسلا قال جاء رجل من اليهود يقال له مالك ابن الضيف يخاصم النبي صلى اللّه عليه و سلم فقال له النبي صلى اللّه عليه و سلم أنشدك بالذي انزل التورية على موسى هل تجد فى التورية ان اللّه يبغض الحبر السمين و كان سمينا فغضب فقال و اللّه ما انزل اللّه على بشر من شى ء فقال له أصحابه ويحك و لا على موسى فانزل اللّه تعالى. ٩١ وَ ما قَدَرُوا اللّه حَقَّ قَدْرِهِ الاية و اخرج ابن جرير نحوه عن عكرمة قال البغوي لاجل هذه المقالة نزع يهود مالكا عن الحيرية و جعلوا مكانه ابن الأشرف و قال السدى نزلت هذه الاية فى فخاص بن عازورا و هو قائل هذه المقالة و قد تقدم الحديث فى سورة النساء و اخرج ابن جرير من طريق ابى طلحة عن ابن عباس قال قالت اليهود يا محمد انزل اللّه عليك كتابا قال نعم قالوا و اللّه ما انزل اللّه من السماء كتابا فانزل اللّه تعالى ما قدروا اللّه حقّ قدره اى ما عرفوه حق معرفته فى الرحمة و الانعام على العباد إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللّه عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْ ءٍ حين أنكروا بعثة الرسل و ذلك أعظم رحمة و حق قدره منصوب على المصدرية قُلْ يا محمد مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ التورية الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً حال من الكتاب او من الضمير فى به وَ هُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تكتبون عنه دفاتر و كتبا مقطعة تُبْدُونَها اى ما تحبون منها وَ تُخْفُونَ كَثِيراً كنعت محمد صلى اللّه عليه و سلم و عيسى عليه السلام و اية الرجم و غير ذلك و فيه توبيخهم و ذمهم على ما فعلوا بالتورية باتباع شهواتهم قرا ابن كثير و ابو عمرو يجعلونه يبدونها يخفون الثلاثة بالياء على الغيبة حملا على ما قدروا و قالوا و الباقون بالتاء على الخطاب لقوله تعالى قل من انزل وَ عُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَ لا آباؤُكُمْ قال الأكثرون هذا خطاب لليهود يعنى علمتم ايها اليهود على لسان محمد صلى اللّه عليه و سلم زيادة على ما فى التورية او بيانا لما أشكل عليكم و على ابائكم من عبادة التورية نظيره قوله تعالى ان هذا القران يقص على بنى إسرائيل اكثر الذي هم فيه يختلفون قال الحسن جعل لهم علم ما جاء به محمد صلى اللّه عليه و سلم فضيعوه و قال مجاهد هذا خطاب للمسلمين يذكرهم النعمة فيما علموا ببعثة النبي صلى اللّه عليه و سلم و كانوا أميين قُلِ اللّه اى أنزله اللّه او اللّه أنزله هذا متصل بقوله تعالى قل من انزل امر اللّه تعالى نبيه صلى اللّه عليه و سلم بالجواب لما بهتوا عن الجواب اشعارا بان الجواب متعين لا يمكن غيره ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ اى فى أباطيلهم يَلْعَبُونَ حال من مفعول ذرو الظرف متعلق بذرهم او يلعبون او حال من فاعل يلعبون و جاز ان يكون يلعبون حالا من ضمير فى خوضهم و الظرف متصل بالأول. ٩٢ وَ هذا القران كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ اى كثير الفائدة و النفع مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ من التورية و غيرها وَ لِتُنْذِرَ عطف على ما دل عليه مبارك يعنى لتنتفع به و لتنذر قرا ابو بكر عن عاصم لينذر بالياء على الغيبة و الضمير راجع الى الكتاب أُمَّ الْقُرى يعنى مكة سميت بها لان الأرض دحيت من تحتها فهى كالاصل لجميع الأرض او لانها قبلة اهل القرى و موضع حجهم و مرجع لاهل جميع الأرض و المضاف محذوف يعنى لتنذر اهل أم القرى وَ مَنْ حَوْلَها الى الشرق و الغرب و أطراف الأرض وَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ فان من أمن بالاخرة خاف العاقبة و لا يزال الخوف يحمله على النظر و التفكر حتى يؤمن بالنبي و الكتاب و الضمير يحتملهما و يحافظ على الطاعات و خص الصلاة بالذكر لانها عماد الدين و فى الاية تعريض على اليهود انهم لم يؤمنوا بالقران و محمد صلى اللّه عليه و سلم لاجل انهم لم يؤمنوا بالاخرة و بما جاء به موسى عليه السلام للتلازم بين الايمان بالتورية و القران و القيامة. ٩٣ وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى اى اختلق و الفرية بالكسر الكذب عَلَى اللّه كَذِباً منصوب على المصدرية مثل مالك بن الضيف القائل بانه ما انزل اللّه على بشر من شى ء و مثل عمرو بن لحىّ و اتباعه القائلين بان اللّه حرم الصوائب و الحوامي و بان انعاما حرمت ظهورها و بان ما فى بطون هذه الانعام خالصة لذكورنا و محرم على أزواجنا و ان يكن ميتة فهم فيه شركاء أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَ لَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْ ءٌ قال البغوي قال قتادة نزلت فى مسيلمة الكذاب ..... و كان يسجع و يتكهن و ادعى النبوة و زعم انه اوحى اليه و كذا اخرج ابن جرير عن عكرمة و كان قد أرسل الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم رسولين فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم أ تشهدان ان مسيلمة نبى قالا نعم فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم لو لا ان الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما روى البغوي بسنده عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بينا انا نائم إذ أتيت مفاتيح خزائن الأرض فوضع فى يدى سواران من ذهب فكبرا علىّ فاهمانى فاوحى الى ان انفخهما فنفختهما فذهبا فاولتهما الكذابين هما صاحب صنعاء و صاحب يمامة أراد بصاحب صنعاء الأسود العنسي و بصاحب يمامة مسيلمة الكذاب وَ مَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللّه قال البغوي نزلت فى عبد اللّه بن ابى سرج و كان قد اسلم و كان يكتب للنبى صلى اللّه عليه و سلم و كان إذا املى سميعا بصيرا كتب عليما حكيما و إذا قال عليما حكيما كتب غفورا رحيما فلما نزلت و لقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين املاها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فعجب عبد اللّه من تفصيل خلق الإنسان فقال تبارك اللّه احسن الخالقين فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم اكتبها فهكذا نزلت فشك عبد اللّه و قال ان كان محمد صادقا لقد اوحى الى كما اوحى اليه و ان كان كاذبا فقد قلت مثل ما قال فارتد عن الإسلام و لحق بالمشركين و كذا اخرج ابن جرير عن عكرمة و السدى قصة تبارك الاية ذكر البغوي ثم رجع عبد اللّه الى الإسلام قبل فتح مكة إذ نزل النبي صلى اللّه عليه و سلم بمر الظهران و قال الحافظ فتح الدين ابن سيد الناس فى سيرته تشفع ابن ابى سرج بعثمان رضى اللّه عنه فقبله النبي صلى اللّه عليه و سلم بعد تلوم و حسن إسلامه بعد ذلك حتى لم ينقم عليه فيه شيئا و مات ساجدا قال ابن عباس قوله تعالى سانزل مثل ما انزل اللّه يريد المستهزئين و هو جواب لقولهم لو نشاء لقلنا مثل هذا قلت يعنى النضر بن الحارث كان يقول و الطاحنات طحنا و العاجنات عجنا و الخابزات خبزا كانه يعارض قوله تعالى و النازعات غرقا الآيات وَ لَوْ تَرى يا محمد و المفعول محذوف اى الظالمين يدل عليه إِذِ الظَّالِمُونَ مبتدأ و اللام اما للعهد يعنى الذين نزلت فيهم الاية من اليهود و المتنبية و المستهزئين او للجنس و يدخل فيه هؤلاء و جواب لو محذوف يعنى لرأيت امرا عظيما فزيعا فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ خبر المبتدأ اى شدائده فى القاموس غمرة الشي ء شدته و أصله التغطية يقال غمره الماء و اغتمره اى غطاه ثم وضعت فى موضع الشدائد و المكاره و فى الصحاح اصل الغمر ازالة اثر الشي ء و منه يقال للماء الكثير و على هذا اضافة الغمرة الى الموت بيانية سميت شدة الموت غمرة لازالته اثر الحيوة وَ الْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ الجملة حال من الضمير المستتر فى الظرف و العائد محذوف يعنى باسطوا أيديهم لقبض أرواحهم كالمتقاضى الملظ او لتعذيبهم نظيره قوله تعالى و الملئكة يضربون وجوههم و ادبارهم أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ خبر للملئكة بعد خبر يعنى قائلون لهم يعنى للظلمين تغليظا و تعنيفا اخرجوا أنفسكم إلينا من أجسادكم او أخرجوها من العذاب و خلصوها من أيدينا الْيَوْمَ المراد به الزمان الممتد من وقت الامانة الى ما لا نهاية له تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ يعنى عذابا متضمنا لشدة و اهانة و إضافته الى الهون لتمكنه فيه و لمقابلة الهوان فيه بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّه افتراء غَيْرَ الْحَقِّ كادعاء الولد و الشريك و ادعاء النبوة و الوحى كاذبا منصوب من تقولون على المصدرية او المفعولية وَ كُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ المنزلة فى القران او دلايل التوحيد تَسْتَكْبِرُونَ فلا تتاملون فيها و لا تؤمنون اخرج ابن جرير و غيره عن عكرمة قال قال النضر بن الحارث سوف تشفع لنا الى اللّه اللات و العزى فنزلت. ٩٤ وَ لَقَدْ جِئْتُمُونا بعد الموت و يوم القيامة للحساب و الجزاء فُرادى حال من فاعل جئتمونا اى منفردين عن الأموال و الأولاد و الأعوان و الأحباب و سائر ما اثرتموه من الدنيا او من الأوثان التي زعمتموها شفعاء لكم و هو جمع فرد و الالف للتانيث ككسالى هذا خبر من اللّه تعالى بقول للكفار على لسان الملئكة يوم موتهم او يوم القيامة و السياق يقتضى يوم الموت لعطفه على قوله اليوم تجزون كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بدل من فرادى اى جئتمونا على الهيئة التي ولدتم عليها فى الانفراد او حال مرادف لفرادى او من الضمير فى فرادى اى مشبهين ابتداء خلقكم عراة حفاة غرلا بهما او صفة مصدر اى جئتمونا مجيئا كخلقنا لكم وَ تَرَكْتُمْ فى الدنيا ما خَوَّلْناكُمْ ما أعطيناكم من الأموال و الأولاد و الخدم و الحشم وَراءَ ظُهُورِكُمْ و لم تحتملوا نقيرا و جاز ان يكون المعنى جئتمونا خاسرين بلا كسب كمال كما خلقناكم أول مرة و ضيعتم راس مالكم اى اعماركم و تركتم فى الدنيا ما أعطيناكم من الأموال و غيرها ما قدمتم منها شيئا للاخرة وَ ما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ اللّه سبحانه فى ربوبيتكم و استحقاق العبادة يعنى الأوثان لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ قرأ نافع و حفص و الكسائي بنصب بينكم على إضمار الفاعل لدلالة ما قبله عليه او أقيم بينكم مقام موصوفه و أصله لقد تقطع ما بينكم من الوصل او يقال فاعله ضمير راجع الى المصدر اى تقطع التقطع بينكم او يقال الفاعل بينكم مجازا فى الاسناد و ترك منصوبا للزوم ظرفيته و الباقون بالرفع على اسناد الفعل الى الظرف مجاز او المعنى لقد تقطع التقطع بينكم او يقال بينكم بمعنى وصلكم يعنى تقطع وصلكم و تشتت جمعكم و بين مصدر من الاضداد يستعمل للوصل و الفصل اسما و ظرفا كذا فى القاموس وَ ضَلَّ عَنْكُمْ اى ضاع و بطل ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ انها شفعائكم و ان لا بعث و لا جزاء. ٩٥ إِنَّ اللّه فالِقُ الْحَبِّ وَ النَّوى قال الحسن و قتادة و السدى معناه شق الحبة عن السنبلة و النواة عن النخلة فيخرجها منها و قال الزجاج يشق الحبة اليابسة و النواة اليابسة فيخرج منها ورقا اخضر و قال مجاهد المراد انشقاق الذي بين الحنطة و النواة و قال الضحاك فالق الحب و النوى يعنى خالقهما و الحب جمع الحبة و هى اسم لجميع البذور الماكولة من البر و الشعير و الذرة و الارز و نحوها و النوى جمع النواة و هى كل ما لا يوكل من البذور كنواة التمر و المشمش و الخوخ و الرمان يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ يعنى ما ينمو من الحيوان و النبات مما لا ينمو كالنطفة و الحبة و النواة هذه الجملة وقع موقع البيان لما سبق و لذا لم يعطف وَ مُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ يعنى ما لا ينموا و يتفتت مما ينموا معطوف على فالق الحب و لذلك ذكره بلفظ اسم الفاعل ذلِكُمُ المحيي و المميت اللّه يعنى هو المستحقّ للعبادة دون من لا يقدر على شى ء بل ينفعل ما يفعل به فَأَنَّى اين تُؤْفَكُونَ تصرفون عنه الى غيره. ٩٦ فالِقُ الْإِصْباحِ هو مصدر أصبح إذا دخل فى الصبح سمى به الصبح تسمية المحل باسم الحال يعنى شاق عمود الصبح عن ظلمة الليل او عن بياض النهار او شاق ظلمة الإصباح و هو الغبش الذي يليه وَ جَعَلَ اللَّيْلَ كذا قرا الكوفيون على صيغة الماضي و نصب الليل على المفعولية معطوف على معنى فالق فان معناه فلق الإصباح و قرا الباقون جاعل على وزن فاعل مضافا الى الليل سَكَناً يسكن فيه الإنسان و اكثر الحيوانات للاستراحة عن كد لمعيشة الى نوم الغفلة او عن وحشة الخلق الى الانس بالحق منصوب بفعل دل عليه اسم الفاعل على قراءة غير اهل الكوفة لان اسم الفاعل بمعنى الماضي كما يدل عليه قراءة جعل لا يعمل وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ على قراءة اهل الكوفة معطوفان على الليل و على قراءة غيرهم منصوبان يجعل مقدر يعنى جعل الشمس و القمر حُسْباناً مصدر حسب بالفتح بمعنى الحساب كما ان الحسبان بالكسر مصدر حسب بالكسر و قيل جمع حساب كشهاب و شهبان يعنى جعلهما علمين لحساب الأوقات يعلم بسيرهما ذلِكَ اى جعلهما حسبانا تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الذي قهرهما و سخرهما الْعَلِيمِ بتدبيرهما و الانفع من التداوير الممكنة لهما. ٩٧ وَ هُوَ الَّذِيجَعَلَ اى خلق لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الليل فى الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ و اضافتها إليهما للملابسة او المراد بالظلمات مشتبهات الطرق سميت ظلمات على الاستعارة قَدْ فَصَّلْنَا بيّنّا الْآياتِ الدالة على توحيد الصانع المبدع الحكيم لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ فانهم هم المنتفعون به. ٩٨ وَ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ اى ابتدأ خلقكم مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ آدم عليه السلام فَمُسْتَقَرٌّ قرأ ابن كثير و ابو عمرو بكسر القاف على انه اسم فاعل يعنى فمنكم مستقر و الباقون بالفتح على انه اسم مفعول او مصدر ميمى او ظرف يعنى فمنكم مستقر او فلكم استقرار او موضع استقرار وَ مُسْتَوْدَعٌ بفتح الدال بلا خلاف لجواز نسبة الاستقرار دون الاستيداع يعنى لكم استيداع او موضع استيداع او منكم مستودع قال ابن مسعود المستقر فى الرحم الى ان يولد قال اللّه تعالى يقر فى الأرحام و المستودع فى القبر الى ان يبعث و قال سعيد ابن جبير مستقر فى الرحم و مستودع فى صلب الأب و عن ابى بعكس هذا و قال مجاهد مستقر فى الأرض قال اللّه تعالى و لكم فى الأرض مستقر و المستودع فى القبر و قال الحسن المستقر فى القبر و المستودع فى الدنيا و عندى المستقر الجنة او النار و المستودع ما عدا ذلك من الأصلاب و الأرحام و الدنيا و القبر قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ ذكر مع النجوم يعلمون لان أمرها ظاهر و مع ذكر تخليق بنى آدم و استيداعهم و استقرارهم يفقهون لان هذه الأمور دقيق يحتاج الى تفقه و تدبر. ٩٩ وَ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ اى السحاب و منه الى الأرض ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ اى بالماء نَباتَ كُلِّ شَيْ ءٍ نبت كل صنف من الحبوب و النواة سبحان اللّه أنبت أنواعا مختلفة تسقى بماء واحد و فضل بعضها على بعض فى الاكل فَأَخْرَجْنا مِنْهُ اى من النبات او من الماء خَضِراً شيئا اخضر و هو ما تشعب من اصل النبات الخارج من البذر نُخْرِجُ مِنْهُ من الخضر حَبًّا مُتَراكِباً و هى السنبلة المتراكب حباتها وَ مِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها بدل للاول و هو خبر و المبتدأ قِنْوانٌ جمع قنو و هو العذق دانِيَةٌ قريبة من المتناول او قريبة بعضها من بعض اقتصر على ذكرها من مقابلها اما لدلالتها عليه كما فى قوله تعالى سرابيل تقيكم الحر يعنى و البرد و اما لان قربها من المتناول او كثرتها و قرب بعضها ببعض أعظم نعمة و أوجب للشكر و جاز ان يكون التقدير و أخرجنا من النخل نخلا من طلعها قنوان دانية وَ جَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ عطف على نبات كل شى ء يعنى أخرجنا منه جنات قرا الأعمش عن الأعشى عن عاصم جنات بالرفع عطفا على قنوان وَ الزَّيْتُونَ وَ الرُّمَّانَ عطف على نبات يعنى أخرجنا منه شجرا الزيتون و الرمان او نصب على الاختصاص لغير هذين الصنفين عندهم مُشْتَبِهاً وَ غَيْرَ مُتَشابِهٍ حال من الرمان او من الجميع يعنى حال كون بعضها مشتبها ببعض اخر و بعضها غير متشابه فى الهيئة و القدر و اللون و الطعم انْظُرُوا ايها الناس بنظر الاعتبار إِلى ثَمَرِهِ قرأ حمزة و الكسائي فى الموضعين هاهنا و فى يس بضم الثاء و الميم على انه جمع ثمارا و ثمرة و الباقون بفتحتين على انه اسم جنس كتمرة و تمر و كلمة و كلم إِذا أَثْمَرَ إذا اخرج ثمره كيف يخرج لا يكاد ينتفع به وَ الى يَنْعِهِ حال نضجه كيف يعود ضخيما لذيذا فهو مصدر و قيل هو جمع يانع كتاجر و تجر إِنَّ فِي ذلِكُمْ المذكورات لَآياتٍ على توحيد قادر حكيم لا يكون له ضدّ يعانده و لا ندّ يعارضه لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ فانهم هم المستدلون بها و ذكر هذه الآيات يستوجب التوبيخ على المشركين فقال ١٠٠ وَ جَعَلُوا يعنى كفار مكة مع قيام ادلة التوحيد للّه شُرَكاءَ الْجِنَّ يعنى الملئكة عبدوهم و قالوا الملئكة بنات اللّه سماهم جنا لاجتنانهم و تحقيرهم عن درجة الربوبية او المراد بالجن الشياطين لانهم أطاعوهم و عبدوا غير اللّه من الأوثان و غيرها بتسويلهم او لاجل حلول الشياطين فى الأوثان أحيانا او لاجل قولهم اللّه خالق الخير و الشيطان خالق الشر و مفعولا جعلوا للّه و شركاء و الجن بدل من شركاء او شركاء و الجن و للّه متعلق بشركاء او حال منه وَ خَلَقَهُمْ حال من اللّه تعالى بتقدير قد او منه و من الجن معا على ان يكون الضمير المنصوب راجعا الى الجن يعنى و قد علموا ان اللّه تعالى خلق الانس و الجن و كل شى ء و ان الجن لا يخلق شيئا وَ خَرَقُوا قرأ نافع بتشديد الراء للتكثير و المعنى اختلقوا و افتروا لَهُ بَنِينَ قالت اليهود عزير ابن اللّه و قالت النصارى المسيح ابن اللّه وَ بَناتٍ قالت العرب الملئكة بنات اللّه بِغَيْرِ عِلْمٍ من غير ان يعلموا صدق ما قالوا بدليل عقلى او نقلى و هو فى موضع الحال من فاعل خرقوا او المصدر اى خرقا بغير علم سُبْحانَهُ وَ تَعالى عَمَّا يَصِفُونَ ١٠١ بَدِيعُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ اضافة الصفة المشبهة الى فاعلها يعنى بديع سموته و ارضه ليس لها نظير و قيل معناه المبدع يعنى خالقها بلا سبق مثال خبر مبتدا محذوف يعنى هو او مبتدا خبره. أَنَّى من اين او كيف يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَ لَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ يكون منها الولد وَ خَلَقَ كُلَّ شَيْ ءٍ وَ هُوَ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيمٌ فى الاية استدلال على نفى الولد بوجوه الاول ان من مبدعاته السموات و الأرض و هى مع انها من جنس ما يوصف بالولد مستغن عنه لطول بقائها فاللّه سبحانه اولى به الثاني انه خالق الأجسام العظيمة و خالق الأجسام لا يكون جسما و الولادة من خواص الأجسام و الثالث ان الولد ينشئ من ذكر و أنثى متجانسين و اللّه تعالى منزه عن المجانسة الرابع ان الولد كفو للوالد و نظيره و ليس له كفوا أحد لان كل ما عداه مخلوقه فلا يكافيه شى ء و لانه عالم بكل شى ء و لا كذلك غيره بالإجماع الا بتعليمه ١٠٢ ذلِكُمُ اى الموصوف بما سبق من الصفات مبتدا اللّه رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْ ءٍ اخبار مترادفة و يجوز ان يكون البعض خبرا و البعض بدلا او صفة فَاعْبُدُوهُ الفاء للسببية يعنى من استجمع تلك الصفات فهو الحقيق بالعبادة دون غيره من خلقه وَ هُوَ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ وَكِيلٌ بالحفظ له و التدبير فيه يعنى هو متول لاموركم رقيب على أموالكم فكلوا إليه الأمور و توسلوا اليه بالعبادة ينجح ما ربكم و يجازى على حسناتكم ١٠٣ لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ اخرج ابن ابى حاتم و غيره بسند ضعيف عن ابى سعيد الخدري عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال لو ان الجن و الانس و الشياطين و الملائكة منذ خلقوا الى ان فنوا صفا واحدا ما احاطوا باللّه ابدا استدل المعتزلة بهذه الاية على امتناع الروية و اجمع اهل السنة على نفى الروية فى الدنيا و إثباتها فى الاخرة للمؤمنين فى الجنة و الاستدلال بها على الامتناع باطل بوجوه أحدها ان صيغة المضارع اما للحال و يستعمل فى الاستقبال مجازا او هى مشترك فى المعنيين و الحال مراد فى الاية اجماعا إذ لا قايل بروية اللّه تعالى فى الدنيا فلا يجوز ارادة الاستقبال و الا يلزم الجمع بين الحقيقة و المجاز او عموم المشترك ثانيها ان الابصار بصيغة الجمع يدل على ارادة الافراد دون الجنس فاللام اما للعهد يعنى الابصار الموجودة فى الدنيا او للاستغراق فانكان للعهد فلا دليل على نفى الروية بالأبصار المخلوقة للمؤمنين فى الجنة و ان كان للاستغراق فمدلول الاية نفى الاستغراق لا استغراق النفي فلا دليل فيه على نفى الروية بابصار اهل الجنة روى ابو نعيم فى الحلية عن ابن عباس قال تلا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم رب أرني انظر إليك قال قال اللّه يا موسى انى لا يرانى حى إلا مات و لا يابس الا تدهده و لا رطب الا تفرق و انما يرانى اهل الجنة لا يموت أعينهم و لا يبلى أجسامهم ثالثها ان الإدراك غير الروية لان الإدراك هو الوقوف على كنه الشي ء و الإحاطة به او الوصول الى الشي ء بحيث لا يفوت منه شى ء و الروية المعاينة و لا تلازم بينهما قال اللّه تعالى فلما ترائ الجمعان قال اصحاب موسى انا لمدركون قال كلا فى هذه الاية نفى للدرك بعد اثبات الروية من الجانبين رابعها ان النفي لا يوجب الامتناع وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ يحيط بها علمه وَ هُوَ اللَّطِيفُ فى القاموس هو البر بعباده المحسن الى خلقه بايصال المنافع إليهم برفق و من هاهنا قال ابن عباس اللطيف باوليائه و فيه ايضا اللطيف العالم بخفايا الأمور و فى الصحاح قد يعبر باللطيف ما لا يدرك بالحاسة و على هذا ففى الكلام لف و نشر مرتب يعنى لا تدركه الابصار لانه اللطيف و هو يدرك الابصار لانه الْخَبِيرُ ١٠٤ قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ يعنى الحجج البينة التي يحصل بها البصيرة التي تبصرون بها الهدى من الضلال و الحق من الباطل فالبصيرة للنفس كالبصر للبدن مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ يعنى من استعمل الحجة و ابصر الحق و أمن به فَلِنَفْسِهِ ابصر يعود نفعه إليها وَ مَنْ عَمِيَ عن الحق و اعرض عن الحجج و ضل فَعَلَيْها وباله وَ ما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ يحفظ أعمالكم و يجازيكم عليها بل الحفيظ هو اللّه تعالى و انما انا البشير النذير هذا كلام ورد على لسان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كانه قيل قل قد جاءكم بصائر الاية ١٠٥ وَ كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ اى نفصلها و نبين و اصل الصرف النقل من حال الى حال و فى التفصيل نقل معنى واحد من عبارة الى عبارة حتى يفهم المخاطب و فى القاموس صرف الحديث ان يزاد فيه و يحسّن من الصرف فى الدراهم و هو فضل بعضها على بعض فى القيمة و كذلك صرف الكلام و له عليه صرف اى فضل لانه إذا فضل صرف عن اشكاله و كذلك منصوب على المصدرية يعنى نصرف الآيات تصريفا مثل تصريفنا فى هذه السورة وَ لِيَقُولُوا عطف على مقدر تقديره ليتم التبليغ و ليقولوا اى الكفار و اللام لام العاقبة يعنى يكون عاقبة الأمر ان يقولوا دَرَسْتَ قرأ نافع و الكوفيون بفتح الدال و الراء و سكون السين و فتح التاء على صيغة الخطاب من درست الكتاب بمعنى قرات من غيرك قال ابن عباس ليقول اهل مكة حين تقرأ عليهم درست تعلمت من يسار و جبر كانا عبدين من سبى الروم ثم قرأت علينا تزعم انه من عند اللّه و قرا ابن كثير و ابو عمر دارست من المفاعلة يعنى قارات و ذاكرات اهل الكتاب و المعنى واحد و قرا ابن عامر و يعقوب درست بفتح السين و سكون التاء على صيغة المؤنث الغائب اى قدمت هذه الاخبار التي تتلوها علينا و انمحت من قولهم درس الأثر دروسا وَ لِنُبَيِّنَهُ اى القران و هو مذكور لذكر الآيات فيما سبق و الآيات هى القران لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ فانهم هم المنتفعون به فتصريف الآيات ليتم التبليغ و ليشقى به من قال درست و ليسعد من تبين له الحق ١٠٦ اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ يعنى اعمل بالقران لا إِلهَ إِلَّا هُوَ اعتراض لتاكيد إيجاب اتباع الوحى او حال مؤكدة من ربك يعنى منفردا فى الالوهية وَ أَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ فلا تجادلهم و لا تستمع بأقوالهم و لا تلتفت الى آرائهم ١٠٧ وَ لَوْ شاءَ اللّه ايمانهم ما أَشْرَكُوا و لكن حق القول منه لاملان جهنم من الجنة و الناس أجمعين فيه دليل على ان الكفر و الايمان كلا منهما بارادة اللّه تعالى و ان مراده واجب الوقوع خلافا للمعتزلة وَ ما جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً لاعمالهم رقيبا عليهم ماخوذا باجرامهم و قال عطاء ما جعلنك عليهم حفيظا تمنعهم من عذاب اللّه انها بعثت معلما وَ ما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ تقوم بامرهم قال ابن عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال كان المسلمون يسبون أصنام الكفار فيسب الكفار اللّه تعالى فانزل اللّه ١٠٨ وَ لا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّه الاية قال البغوي قال ابن عباس لما نزلت انكم و ما تعبدون من دون اللّه حصب جهنم قال المشركون يا محمد لتنتهين عن سب الهتنا او لتهجون ربك فنهيهم اللّه ان يسبوا أوثانهم و قال السدى لما حضرت أبا طالب الوفاة قالت قريش انطلقوا فلندخل على هذا الرجل فلنا مرنه ان ينهى عنا ابن أخيه فانا نستحيى ان نقتله بعد موته فيقول العرب كان يمنعه عمه فلما مات قتلوه فانطلق ابو سفيان و ابو جهل و النضر بن الحارث و امية و ابى ابنا خلف و عقبة بن ابى معيط و عمرو بن العاص و الأسود بن ابى البختري الى ابى طالب فقالوا يا أبا طالب أنت كبيرنا و سيدنا و ان محمدا قد اذانا و الهتنا فتجب ان تدعوه و تنهاه عن ذلك و عن ذكر الهتنا و لندعنه و الهه فدعاه فقال هولاء قومك تريد ان تدعنا و الهتنا و ندعك و إلهك و قد أنصفك قومك فاقبل منهم فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم ارايتم ان أعطيتكم هذا هل أنتم معطى كلمة ان تكلمتم بها ملكتم العرب و دانت لكم العجم قال ابو جهل نعم و أبيك لنعطينكها و عشرة أمثالها قال فما هى قال قولوا لا اله الا اللّه فابوا و تفرقوا فقال ابو طالب قل غيرها يا ابن أخي قال يا عم ما انا بالذي أقول غيرها و لو أتوني بالشمس فوضعوها فى يدى فقالوا التكفن عن سب الهتنا او لنشتمنك و نشتمن من يأمرك فانزل اللّه عز و جل و لا تسبوا الذين يدعون من دون اللّه يعنى لا تذكروا الأوثان بما فيها من القبائح فَيَسُبُّوا اللّه منصوب على جواب النهى عَدْواً تجاوزا عن الحق الى الباطل بِغَيْرِ عِلْمٍ اى على جهالة باللّه تعالى و بما يجب ان يذكر به و ما هو منزه عنه فظاهر الاية و ان كان نهيا عن سب الأصنام فحقيقة النهى عن سب اللّه تعالى لانه سبب لذلك و فيه دليل على ان الطاعة إذا أدت الى معصية راجحة وجب تركها لان ما يودى الى الشرشر كَذلِكَ اى تزئينا مثل تزئين سب اللّه للكافرين زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ مؤمنة و كافرة عَمَلَهُمْ من الخير و الشر توفيقا و تخذيلا فان اللّه يضل من يشاء و يهدى من يشاء فظهر ان الأصلح ليس بواجب عليه تعالى ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ مصيرهم فَيُنَبِّئُهُمْ بالمحاسبة و المجازاة بِما كانُوا يَعْمَلُونَ من الخير و الشر اخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي و كذا ذكر البغوي عنه و عن الكلبي قال كلم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قريشا فقالوا يا محمد تخبرنا ان موسى كان معه عصا يضرب بها الحجر فينفجر منه اثنا عشرة عينا و ان عيسى كان يحيى الموتى و ان ثمود كانت لهم ناقة فاتنا من الآيات حتى نصدقك فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اى شى ء تحبون ان اتيكم به قالوا تجعل لنا الصفا ذهبا و زاد البغوي عنهما او ابعث لنا بعض موتانا حتى نسالهم عنك أحق ما تقول أم باطل او أرنا الملئكة يشهدون لك فذكر ابن جرير و البغوي انه قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فان فعلت بعض ما تقولون أ تصدقونني قالوا نعم و اللّه لان فعلت لنتبعنك أجمعين و سأل المسلمون رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان ينزلها عليهم حتى يؤمنوا فقام رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يدعو ان يجعل الصفا ذهبا فجاءه جبرئيل فقال له ان شئت أصبح ذهبا و لكن ان لم يصدقوا عذبتهم و ان شئت تركتهم حتى يتوب تائبهم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بل يتوب تائبهم فانزل اللّه تعالى ١٠٩ وَ أَقْسَمُوا يعنى الكفار بِاللّه جَهْدَ أَيْمانِهِمْ منصوب على المصدرية او مصدر فى موقع الحال يعنى مجتهدين فى إتيان أوكد ما قدروا عليه من الايمان و الداعي لهم على القسم و توكيده التحكم فى طلب الآيات و استحقار ما راوا منها لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ من مقترحاتهم لَيُؤْمِنُنَّ بِها قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللّه فى قدرته تعالى و اختياره يظهر منها ما يشاء و ليس شى ء منها فى قدرتى و اختياري وَ ما يُشْعِرُكُمْ ما استفهامية للانكار أنكر السبب مبالغة فى نفى المسبب او ما نافية و المعنى على التقديرين انه لا تشعرون خطاب للمشركين الذين اقسموا او للمؤمنين أَنَّها اى الآيات قرا ابن كثير و ابو عمرو و ابو بكر عن عاصم و يعقوب بخلاف عنه بكسر الهمزة على الابتداء فعلى هذه القراءة مفعول ما يشعركم محذوف اى ما يشعركم ما يصدر من الكفار بعد مجئ الآيات الايمان او الكفر ثم أخبرهم فقال انها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ هكذا علم اللّه تعالى فيهم فان مبادى تعيناتهم ظلال الاسم المضل لا يمكن منهم الاهتداء و قرا الباقون بفتح الهمزة على انه مفعول يشعركم لكن قرا ابن عامر و حمزة لا تومنونبالتاء بصيغة الخطاب على انها خطاب للمشركين و الباقون بالياء على الغيبة على انها خطاب للمؤمنين يعنى انكم لا تشعرون ايها المؤمنون او ايها المشركون انها إذا جاءت لا يؤمنون او لا تؤمنون و قيل لا زائدة كما فى قوله تعالى حرام على قرية أهلكناها انهم لا يرجعون و معناه ما يشعركم انها إذا جاءت يؤمنون و قيل انها بمعنى لعلها يعنى ما يشعركم ما يصدر من الكفار بعد مجئ الآيات لعلها إذا جاءت لا يؤمنون و قيل فيه حذف و تقديره و ما يشعركم ايّها المؤمنون او المشركون انها إذا جاءت لا يؤمنون او تؤمنون بالياء و التاء ١١٠ وَ نُقَلِّبُ عطف على لا يؤمنون الا على تقدير كون لا زائدة فحينئذ عطف على ما يشعركم أَفْئِدَتَهُمْ عن الحق فلا يفقهونه وَ أَبْصارَهُمْ فلا يبصرونه نظر اعتبار فلا يومنون بها كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ اى بما انزل من الآيات كانشقاق القمر و غيرها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ نَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ اى نذرهم متحيرين فى طغيانهم و لا نهديهم. ١١١ وَ لَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَ كَلَّمَهُمُ الْمَوْتى مصدقا لنبوتك باحيائنا وَ حَشَرْنا جمعنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْ ءٍ قُبُلًا قرأ نافع و ابن عامر بكسر القاف و فتح الباء على انه مصدر و الباقون بضمهما على انه جمع قبيل بمعنى كفيل اى كفلا بما بشروا و انذروا او جمع قبيل الذي هو جمع قبيلة بمعنى جماعات او مصدر بمعنى مقابلة و على الوجوه كلها حال من كل شى ء ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا لما سبق عليهم القضاء بالكفر و لكون مبادى تعيناتهم ظلال الاسم المضل إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللّه يعنى فى حال من الأحوال الا حال مشية اللّه تعالى ايمان من سبق عليه القضاء بالايمان وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ انهم لو أتوا بكل اية لم يومنوا فيقسمون باللّه جهد ايمانهم على ما لا يشعرون و لذلك أسند الجهل الى أكثرهم مع ان مطلق الجهل يعمهم او لكن اكثر المسلمين يجهلون انهم لا يؤمنون فيتمنون نزول الآيات طمعا فى ايمانهم ١١٢ وَ كَذلِكَ يعنى كما جعلنا كفار قريش اعداء لك يؤذونك و يخالفون أمرك كذلك جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ سبقك عَدُوًّا و هو دليل على ان عداوة الكفار للانبياء بفعل اللّه تعالى و خلقه شَياطِينَ الْإِنْسِ وَ الْجِنِّ بدل من عدوا أو أول مفعول جعلنا وعدوا مفعوله الثاني و لكل متعلق بجعلنا او حال و المراد بالشياطين المتمردون من الفريقين قال قتادة و مجاهد و الحسن ان من الانس شياطين و الشيطان العاتي المتمرد من كل شى ء قلت و يؤيده حديث جابر أمرنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بقتل الكلاب ثم نهى عن قتلها و قال عليكم بالأسود البهيم ذى النقطتين فانه شيطان رواه مسلم و قالوا ان الشيطان إذ اعياه المؤمن و عجز عن اغوائه ذهب الى متمرد من الانس و هو شيطان الانس فاغراه بالمؤمن ليفتنه و يدل عليه ما روى عن ابى ذر قال قال لى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم هل تعوذت باللّه من شر شياطين الجن و الانس قلت يا رسول اللّه هل للانس من شياطين قال نعم هم شر من شياطين الجن قال مالك بن دينار ان شياطين الانس أشد من شياطين الجن و ذلك لانى إذا تعوذت باللّه ذهب عنى شياطين الجن و شياطين الانس يجيئنى فيجرنى الى المعاصي عيانا و قال عكرمة و الضحاك و السدى و الكلبي معنى شياطين الانس التي مع الانس و شياطين الجن التي مع الجن و ليس من الانس شياطين و ذلك ان إبليس قسم جنده فريقين فبعث فريقا منهم الى الانس و فريقا منهم الى الجن و كلا الفريقين اعداء للنبى صلى اللّه عليه و سلم و لاوليائه و هم يلتقون فى كل حين فيقول شياطين الانس لشياطين الجن أضللت صاحبى بكذا فاضل صاحبك بمثله و يقول شياطين الجن لشياطين الانس كذلك فذلك وحي بعضهم الى بعض و الاول أرجح و أشد موافقة للسياق يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ اى يوسوس شياطين الجن الى شياطين الانس او بعض الجن الى بعض و بعض الانس الى بعض زُخْرُفَ الْقَوْلِ الأباطيل المموهة غُرُوراً منصوب على العلية او المصدرية او مصدر فى موقع الحال يعنى لزينوا الأعمال القبيحة لبنى آدم او يغرهم غرورا او غارين وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ ان لا يفعلوا ما فَعَلُوهُ يعنى معادات الأنبياء و ايحاء الزخارف او الغرور و هذا ايضا دليل على المعتزلة فَذَرْهُمْ وَ ما يَفْتَرُونَ عليك و على اللّه فان اللّه يجزيهم و ينصرك و يخزيهم ١١٣ وَ لِتَصْغى عطف على غرورا إن كان علة او متعلق بمحذوف يعنى و فعلنا ذلك لتصغى اى تميل إِلَيْهِ اى الى زخرف القول أَفْئِدَةُ اى قلوب الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَ لِيَرْضَوْهُ لانفسهم وَ لِيَقْتَرِفُوا اى ليكتسبوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ من المعاصي و لما كانت القريش يقولون للنبى صلى اللّه عليه و سلم اجعل بيننا و بينك حكما فانزل اللّه تعالى فى جوابهم ١١٤ أَ فَغَيْرَ اللّه على ارادة القول يعنى قل لهم يا محمد و الفاء للعطف على محذوف يعنى أجيب ما تطلبون منى فغير اللّه أَبْتَغِي اى اطلب حَكَماً قاضيا بينى و بينكم يفصل المحق منا من المبطل و غير مفعول ابتغى و حكما حال منه و يحتمل ان يكون عكسه و حكما ابلغ من حاكم و لذلك لا يوصف به غير العادل وَ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ القران المعجز المخبر بالمغيبات مطابقا للكتب المنزلة السابقة مُفَصَّلًا مبينا فيه الحق و الباطل بحيث ينفى اللبس حال من الكتاب و الجملة حال من اللّه تعالى و فيه تنبيه على ان القران باعجازه و تقريره مغن عن سائر الآيات وَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يعنى اليهود يَعْلَمُونَ أَنَّهُ اى القران مُنَزَّلٌ قرأ ابن عامر و حفص بالتشديد من التفعيل و الباقون بالتخفيف من الافعال مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ تأكيد لدلالة الاعجاز لان اهل الكتاب يعلمون بالقران كونه محقا لاجل مطابقة كتبهم مع كون النبي صلى اللّه عليه و سلم اميا لم يدارس كتبهم و لم يجالس علمائهم و انما أسند العلم الى جميعهم لان بعضهم يعلمون و بقيتهم متمكنون منه بأدنى تأمل او بالرجوع الى علمائهم فلا تكوننّ ايها السامع مِنَ الْمُمْتَرِينَ الشاكين فى انه من عند اللّه تعالى ١١٥ وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ قرأ الكوفيون و يعقوب كلمة بالتوحيد على الجنس و الباقون كلمات على الجمع و أراد به اخباره و وعده و وعيده و امره و نهيه الواردة فى القران يعنى بلغت الغاية صِدْقاً فى الاخبار و الوعد و الوعيد وَ عَدْلًا فى الاحكام كذا قال قتادة و مقاتل منصوبان على التميز او الحال لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ يعنى لا أجد يبدل شيئا منها قال ابن عباس لاراد لقضائه و لا مغير لحكمه او المعنى لا نبى و لا كتاب بعد القران ينسخها و يبدل أحكامها وَ هُوَ السَّمِيعُ لما يقولون الْعَلِيمُ بما يضمرون فلا يمهلهم ١١٦ وَ إِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يعنى الكفار فانهم كانوا اكثر من المؤمنين يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللّه عن الطريق الموصل اليه تعالى يعنى الدين الإسلام إِنْ يَتَّبِعُونَ اى اكثر اهل الأرض إِلَّا الظَّنَّ يعنى جهالاتهم و آرائهم فى تحليل الميتة و تحريم البحائر و نحوها مما يقولون وَ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ اى يقولون ما يقولون بالظن و التخمين بلا علم حاصل بدليل صحيح ١١٧ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ يعنى يعلم بالفريقين فيجازى كلا بما يستحقه و من موصولة او موصوفة فى محل النصب بفعل دل عليه اعلم لا بافعل التفضيل فانه لا يعمل فى الظاهر او هو منصوب بنزع الخافض متعلق بأعلم اى اعلم بمن يضل او استفهامية مرفوعة بالابتداء و الخبر يضل و الجملة معلق عنها الفعل المقيد روى ابو داؤد و الترمذي عن ابن عباس قال اتى ناس النبي صلى اللّه عليه و سلم فقالوا يا رسول اللّه ا ناكل ما نقتل و لا ناكل ما يقتل اللّه فانزل اللّه تعالى ١١٨ فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّه عَلَيْهِ الفاء للسببية فانه تعالى لما نهى عن اتباع الكفار المضلين فرع عليه قوله فكلوا يعنى لا تتبعوا فى تحريم الحلال و تحليل الحرام آراء الكفار القائلين بتحليل الميتة و تحريم الذبائح إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ فان الايمان به تعالى يقتضى استباحة ما أحل اللّه و اجتناب ما حرمه ١١٩ وَ ما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّه عَلَيْهِ ما استفهامية فى موضع الرفع بالابتداء و لكم خبره وَ يعنى و الحال انه قَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ قرأ نافع و حفص و يعقوب فصل و حرم بالفتح فيهما على البناء للفاعل يعنى بين اللّه لكم ما حرم اللّه عليكم و قرا ابن كثير و ابو عمرو و ابن عامر بضم الفاء و الحاء و كسر الصاد و الراء على البناء للمفعول فيهما و قرا ابو بكر و حمزة و الكسائي فصل على البناء للفاعل و حرم على البناء للمفعول و المراد بتفصيل المحرمات قوله تعالى قل لا أجد فيما اوحى الىّ محرما الاية إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ استثناء من ضمير حرم و ما مصدرية بمعنى المدة يعنى فصل لكم ما حرم عليكم فى جميع الأوقات الا وقت الاضطرار اليه فان قيل ما الفائدة فى الاستثناء و قد اغنى عنه قوله فصل لكم ما حرم عليكم فان التفصيل شامل للاستثناء قلنا فائدته المبالغة فى النهى عن الامتناع عن أكل سالم يحرم فان ما حرم يصير عند الاضطرار مباحا بخلاف ما أحل فانه لا يحرم قط وَ إِنَّ كَثِيراً من الناس لَيُضِلُّونَ بتحليل الحرام و تحريم الحلال قرا الكوفيون هاهنا و فى سورة يونس ليضلون بضم الياء على انه من الإضلال و الباقون بالفتح بِأَهْوائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ من دليل عقلى و لا نقلى إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ المتجاوزين من الحق الى الباطل و من الحلال الى الحرام ١٢٠ وَ ذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَ باطِنَهُ يعنى الذنوب كلها ظاهرها من اعمال الجوارح و باطنها من اعمال القلب و صفات النفس قال الكلبي و اكثر المفسرين الإعلان بالزنا و الاسرار به و قال سعيد بن جبير ظاهره نكاح المحارم و باطنه الزنا و قال ابن زيد ظاهره التجرد من الثياب و الطواف عريانا و باطنه الزنا و روى عن الكلبي ظاهره طواف الرجال عريانا بالنهار و باطنه طواف النساء عريانا بالليل إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ فى الاخرة بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ يكتسبون فى الدنيا ١٢١ وَ لا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّه عَلَيْهِ هذه الاية بعمومها حجة لاحمد حيث يقول متروك التسمية عامدا او ناسيا لا يجوز أكله و به قال داؤد و ابو ثور و الشعبي و محمد بن سيرين و قال مالك خص متروك التسمية ناسيا من عموم هذه الاية بحديث ابى هريرة قال سال رجل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال يا رسول اللّه ارايت الرجل منا يذبح و ينسى ان يسمى اللّه قال اسم اللّه فى فم كل مسلم رواه الدارقطني و حديث ابن عباس ان النبي صلى اللّه عليه و سلم قال المسلم ان نسى ان يسمى حين يذبح فليسم ثم لياكل رواه الدارقطني و الحديثان ضعيفان فان فى حديث ابى هريرة مروان بن سالم قال احمد ليس بثقة و قال النسائي و الدارقطني متروك و فى حديث ابن عباس معقل مجهول و قال ابو حنيفة ايضا بجواز أكل متروك التسمية ناسيا لكن القول بتخصيص الآحاد لا يصح على اصل ابى حنيفة فقال صاحب الهداية لكنا نقول فى اعتبار ذلك يعنى فى تعميم الاية للناسى ايضا من الحرج ما لا يخفى لان الإنسان كثير النسيان و الحرج مدفوع و السمع غير مجرى على ظاهره إذ لو أريد به العموم لجرت المحاجة فظهرت الانقياد و ارتفع الخلاف فى الصدر الاول و لا يخفى ضعف هذا القول و قال الشافعي المراد به بما لم يذكر اسم اللّه عليه الميتات و ما ذبح على غير اسم اللّه تعالى بدليل قوله تعالى وَ إِنَّهُ لَفِسْقٌ و الفسق فى ذكر اسم غير اللّه تعالى كما فى اخر السورة قل لا أجد فيما اوحى الى قوله او فسقا اهل لغير اللّه به و احتج الشافعي على حل متروكة التسمية عامدا بحديث عائشة قالت ان قوما قالوا يا رسول اللّه ان هاهنا أقواما حديث عهدهم بشرك يأتوننا بلحمان لا ندرى يذكرون اسم اللّه عليها او لا قال اذكروا أنتم اسم اللّه و كلوا رواه البخاري قال البغوي لو كانت التسمية شرطا للاباحة لكان الشك فى وجوده مانعا من أكلها كالشك فى اصل الذبح و بحديث الصلت مرسلا قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ذبيحة المسلم حلال ذكر اسم اللّه او لم يذكر رواه ابو داؤد فى المراسيل قالت الحنفية حديث الصلت محمول على حالة النسيان و حديث عائشة حجة لنا لا علينا لانهم سالوا عن الاكل عند وقوع الشك بالتسمية بعد علمهم بان الذابح مسلم فذلك دليل على انه كان معروفا عندهم اشتراط التسمية للحل و انما امر النبي صلى اللّه عليه و سلم بالأكل بناء على ظاهر ان المسلم لا يترك التسمية عمدا كمن اشترى لحما من سوق المسلمين يباح له الاكل بناء على الظاهر و ان كان يحتمل انه ذبيحة مجوسى و ما قال الشافعي ان الاية فى الميتات و ما ذبح على غير اسم اللّه فمدفوع بان العبرة لعموم اللفظ و نصوص الكتاب و السنة لم يرد شى ء منها فى الذبح و الصيد الا مقيدا بذكر اسم اللّه تعالى و قد مر هذه المسألة و غيرها من مسائل الذبح فى تفسير سورة المائدة قال فى شرح المقدمة المالكية يجزيه يعنى الذبح لو ترك التسمية عمدا فى مذهب مالك عند ابى القاسم و فى مذهب المدونة لا يجزيه و مذهب المدونة هو المشهور لانها واجبة مع الذكر و كل هذا فى غير المتهاون و اما المتهاون فلا خلاف انها لا يوكل ذبيحته تحريما قاله ابن الحارث و ابن البشير و المتهاون هو الذي يتكرر منه ذلك كثيرا و اللّه اعلم اخرج الطبراني و غيره عن ابن عباس قال لما نزلت و لا تأكلوا مما لم يذكر اسم اللّه عليه و انه لفسق أرسلت فارس الى قريش ان خاصموا محمدا فقولوا ما تذبح أنت بسكين فهو حلال و ما ذبح اللّه بشمشار من ذهب يعنى الميتة فهو حرام و كذا اخرج ابو داؤد و الحاكم و غيرهما قول كفار مكة من غير ذكر فارس فنزلت وَ إِنَّ الشَّياطِينَ يعنى شياطين الانس من الفارس او شياطين الجن لَيُوحُونَ يعنى ليلقون او ليوسوسون إِلى أَوْلِيائِهِمْ يعنى كفار قريش او مطلق الكفار لِيُجادِلُوكُمْ وَ إِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ فى استحلال ما حرم إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ع فان من ترك طاعة اللّه او أطاع غيره و اتبعه فى دينه فقد أشرك حذف الفاء من الجزاء لكون الشرط بلفظ الماضي قال الزجاج فيه دليل على ان من أحل شيئا مما حرم اللّه او حرم ما أحل اللّه فهو مشرك قلت إذا ثبت ذلك بدليل قطعى ١٢٢ أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً يعنى كافرا غافلا قلبه عن الحق قرا نافع و يعقوب هاهنا و فى يس الأرض الميتة و فى الحجرات لحم أخيه ميتا بتشديد الياء فى الثلاثة و الباقون بإسكانها استعارة تمثيلية و كذا فى قوله كمن مثله فى الظلمات فان الكافر لا يمتاز بين ما ينفعه و ما يضره كالميت فَأَحْيَيْناهُ يعنى أحيينا قلبه بنور الايمان وَ جَعَلْنا لَهُ نُوراً «١» يعنى فراسة المؤمن يمتاز به الحق من الباطل يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ يعنى يمشى بذلك النور على طريق يقتضيه العقل السليم و الطبع المستقيم و الشرع المنزل من اللّه تعالى كَمَنْ مَثَلُهُ اى صفته مبتدا كونه فِي الظُّلُماتِ خبر لمثله و جاز ان يكون الظرف خبر مبتدأ محذوف اى هو و الجملة خبر لمثله و الجملة الكبرى صلة و قوله لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها حال من المستكن فى الظرف لا من الهاء فى مثله للفصل و المعنى او من كان مومنا كمن هو كافر لم يومن و الاستفهام للانكار يعنى هما لا يتماثلان اخرج ابو الشيخ عن ابن عباس انه قال نزلت فى عمر بن الخطاب و ابى جهل و اخرج ابن جرير عن الضحاك مثله و قال البغوي قال ابن عباس يريد بهما حمزة بن عبد المطلب و أبا جهل و ذلك ان أبا جهل رمى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بفرث فاخبر حمزة بما فعل ابو جهل و هو راجع من قنصه و بيده قوس و حمزة لم يؤمن بعد فاقبل غضبان حتى اتى أبا جهل بالقوس و هو يتضرع و يقول يا با يعلى اما ترى ما جاء محمد به سفّه عقولنا و سب الهتنا و خالف ابائنا فقال حمزة و من أسفه منكم تعبدون الحجارة من دون اللّه اشهد ان لا اله الا اللّه و اشهد ان محمدا عبده و رسوله فانزل اللّه تعالى هذه الاية و قال عكرمة و الكلبي نزلت فى عمار بن ياسر و ابى جهل فاتفقت الروايات ان المراد عن مثله فى الظلمات ابو جهل و مقابله أحد الثلاثة و الظاهر ان هؤلاء الثلاثة أمنوا متقاربين فى الزمان و حينئذ نزلت الاية و لفظها عام فيمكن حمله على كلهم و فى هذه الاية رد لما زعم ابو جهل انه أفضل من المؤمنين الذين خالفوا ابائهم و سبوا الهتهم فكان مقتضى السياق نفى افضلية الكفار فذكر اللّه سبحانه نفى المساوات ليكون ابلغ فى الدلالة على نفى أفضليتهم وكيلا يتطرق الوهم الى المساوات و استدل على نفى المساوات بما يقتضى افضلية المؤمنين بل اختصاصهم بالجمال و الكمال و نفى ذلك عن الكفار بالكلية فاختصاص المؤمنين بالكمال و نفى مساواتهم بالكفار اشارة النص بالمطابقة و نفى افضلية الكفار عبارة النص بالالتزام كَذلِكَ اى كما زين لابى جهل اعماله حيث زعم نفسه أفضل منالمؤمنين زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ أجمعين سيئات ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١) و عن زيد بن اسلم انها نزلت فى عمر بن الخطاب و ابى جهل و عن الحسن مثله و عن ابى سنان مثله ١٢. ١٢٣ وَ كَذلِكَ اى كما جعلنا فى مكة أكابر مجرميها ليمكروا فيها جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها ان كان جعلنا بمعنى صيرنا فمفعولاه اما فى كل قرية و أكابر و مجرميها بدل من أكابر و اما أكابر و مجرميها على تقديم المفعول الثاني على الاول و جاز ان يكون أكابر مضافا الى مجرميها أحد مفعوليه و الثاني فى كل قرية و إن كان جعلنا بمعنى مكنا فالظرف متعلق بمكنا و أكابر مضافا الى مجرميها مفعوله و افعل التفضيل إذا أضيف جاز فيه الافراد و المطابقة و خصص الأكابر لانهم أقوى فى استتباع الناس و المكر بهم و ذلك سنة اللّه تعالى حيث يجعل اتباع الرسل فى بدو الأمر ضعفائهم و المكر الخديعة كذا فى القاموس و فى الصحاح المكر صرف الغير عما يقصده بحيلة و كان مكر قريش انهم اجلسوا على كل طريق من طرق مكة اربعة نفر ليصرفوا الناس عن الايمان بمحمد صلى اللّه عليه و سلم و يقولون لكل من يقدم إياك و هذا الرجل فانه كاهن ساحر كذاب وَ ما يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ حيث يعود إليهم و باله وَ ما يَشْعُرُونَ ذلك قال البغوي قال قتادة قال ابو جهل زاحمنا بنو عبد مناف فى الشرف حتى إذا صرنا كفرسى «١» رهان قالوا منا نبى يوحى اليه و اللّه لا نومن به و لا نتبعه ابدا الا ان يأتينا وحي كما يأتيه و قيل ان الوليد بن المغيرة قال لو كانت النبوة حقا لكنت اولى به منك لانى اكبر منك سنا و اكثر منك مالا فانزل اللّه تعالى (١) فرسى رهان مثل يضرب لاثنين يستبقان الى غاية فيستويان ٥ قاموس ٥. ١٢٤ وَ إِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا يعنى كفار قريش لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللّه ثم قال اللّه تعالى اللّه أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ «٢» رِسالَتَهُ قرأ ابن كثير و حفص على الافراد و فتح التاء و الباقون رسالاته بالجمع و كسر التاء استيناف للرد عليهم بان النبوة ليست بالنسب و المال و السن و انما هى فضل من اللّه تعالى بمن يعلم انه أحق به قال المجدد للالف الثاني رضى اللّه عنه مبادى تعينات الأنبياء صفات اللّه تعالى من غير شائبة الظلية و مبادى تعينات غيرهم من الناس ظلال (٢) عن ابن مسعود ان اللّه نظر فى قلوب العباد فوجد قلب محمد خير القلوب فاصطفاه لنفسه و بعثه برسالته ثم نظر فى قلوب العباد بعد قلب محمد صلى اللّه عليه و سلم فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون على دينه فما راه المؤمنون حسنا فهو عند اللّه حسن و ما راه المؤمنون سيئا فهو عند اللّه سيئ ١٢. الأسماء و الصفات و صفات اللّه تعالى و ان كانت واجبة لكن وجوبها بالغير فهى باعتبار احتياجها الى الذات صارت مبادى تعينات الأنبياء و الملئكة و من ثم خصت العصمة بهذين الصنفين غير ان الصفات من حيث بطونها و قيامها باللّه تعالى مباد لتعينات الملئكة و من حيث ظهورها و كونها مصادر للعالم و حجبا مبادى لتعينات الأنبياء فولاية الملئكة ارفع و اقرب الى اللّه تعالى من ولاية الأنبياء و فضلهم على الملئكة انما هو من حيث النبوة المختصة بالبشر و ذلك بالتجليات الذاتية البحتة فاستحقاق النبوة و الرسالة ناش من كون مبادى تعيناتهم صفات اللّه تعالى لا من حيث النسب و السن و المال كما زعمه الا عمهون سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا يعنى أكابر الكفار صَغارٌ ذل و هوان عِنْدَ اللّه يوم القيامة و قيل تقديره من عند اللّه يعنى فى الدنيا و الاخرة وَ عَذابٌ شَدِيدٌ بالقتل و الاسر فى الدنيا كما أصاب كفار قريش يوم بدر و بالنار فى الاخرة بِما كانُوا يَمْكُرُونَ الباء للسببية او المقابلة اى بسبب مكرهم فى الدنيا او جزاء على مكرهم ١٢٥ فَمَنْ يُرِدِ اللّه أَنْ يَهْدِيَهُ الى معرفة طريق الحق يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ لما نزلت هذه الاية سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن شرح الصدر قال نور يقذفه اللّه فى قلب المؤمن فيشرح له و يتفسح قلت يعنى يتسع لمعرفة الحق و يومن قالوا فهل لذلك امارة قال نعم الانابة الى دار الخلود و التجافي عن دار الغرور و استعداد الموت قبل نزول الموت أخرجه الحاكم و البيهقي فى شعب الايمان من حديث ابن مسعود و اخرج الفريابي و ابن جرير و عبد بن حميد من حديث ابى جعفر مرسلا قالت الصوفية العلية شرح الصدر لا يكون الا بعد فناء النفس بزوال عينها و اثرها و ذلك بتجليات صفات اللّه تعالى الحسنى فى الولاية الكبرى ولاية الأنبياء و حينئذ يحصل الايمان الحقيقي وَ مَنْ يُرِدْ اللّه سبحانه أَنْ يُضِلَّهُ عن طريق الحق يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً قرأ ابن كثير ضيقا بالتخفيف بإسكان الياء هاهنا و فى الفرقان و الباقون بالتشديد و هما لغتان مثل هين و هيّن و لين و ليّن و قرا نافع و ابو بكر عن عاصم حرجا بكسر الراء و الباقون بفتحها قال سيبويه بالفتح المصدر كالطلب بمعنى الصفة و بالكسر الصفة و هى أشد الضيق و قيل هما لغتان بمعنى الصفة يعنى يجعل صدره بحيث لا يدخله الايمان و يشق عليه قبول الحق و يزعمه مستحيلا قال الكلبي يعنى ليس للخير فيه منفذ و قال ابن عباس إذا سمع ذكر اللّه اشمأز قلبه و إذا ذكر شيئا من عبادة الأوثان ارتاح الى ذلك قرا عمر بن الخطاب هذه الاية فسال أعرابيا من كنانة ما الحرجة قال الحرجة فينا الشجرة تكون بين الأشجار التي لا يصل إليها راعية و لا وحشية و لا شى ء فقال عمر كذلك قلب المنافق لا يصل اليه شى ء من الخير كَأَنَّما يَصَّعَّدُ قرأ ابن كثير بالتخفيف و سكون الصاد من المجرد و ابو بكر يصاعد بالألف و تشديد الصاد اى يتصاعد و الباقون بتشديد الصاد و العين اى يتصعد فِي السَّماءِ شبّهه مبالغة فى ضيق صدره بمن يزاول ما لا يقدر عليه فان صعود السماء مثل فيما يبعد من الاستطاعة فيه اشعار بان الايمان يمتنع منه كما يمتنع الصعود عادة و قيل كانما يتصاعد الى السماء يعنى يتباعد عنه فى الهرب عنه كَذلِكَ اى كما يضيق صدره و يبعد قلبه عن الايمان يَجْعَلُ اللّه الرِّجْسَ يعنى العذاب كذا قال عطاء و قال الزجاج الرجس اللعنة فى الدنيا و العذاب فى الاخرة و قال الكلبي هو الماثم و قال مجاهد الرجس ما لا خير فيه و قال ابن عباس هو الشيطان يعنى يسلط عليه الشيطان عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اى عليهم وضع المظهر موضع المضمر للتعليل و الاية حجة على المعتزلة فى ارادة المعصية ١٢٦ وَ هذا الذي بينا من شرح صدر من أراد هدايته و جعله ضيقا لمن أراد إضلاله صِراطُ رَبِّكَ طريقه الذي اقتضته الحكمة و سنة التي جرت فى عباده و قيل معناه هذا الذي أنت عليه يا محمد و جاء به القران من الإسلام صراط ربك الموصل اليه مُسْتَقِيماً معناه على التقدير الاول عادلا مطردا و على التقدير الثاني لا عوج فيه حال من الصراط و العامل فيها معنى الاشارة قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ من اهل السنة و الجماعة فانهم هم المنتفعون بها العالمون بان القادر هو اللّه تعالى لا غير و ان كل ما يحدث من خير و شر بقضائه و خلقه و انه عليم بأحوال العباد حكيم عادل لا مجال لاحد بالاعتراض عليه ١٢٧ لَهُمْ اى لقوم يتذكرون بالنصوص و لا يتبعون الأهواء دارُ السَّلامِ يعنى الجنة سميت بها لانها دار السّلام من المكاره او دار تحيتهم فيها سلام او المعنى دار اللّه أضاف الى نفسه تعظيما عِنْدَ رَبِّهِمْ اى فى ضمانه او ذخيرة لهم عنده لا يعلم كنهها غيره وَ هُوَ اى اللّه تعالى وَلِيُّهُمْ اى متولى أمورهم فى الدنيا بالتوفيق و فى القبور بالتثبيت فى الجواب جواب المنكر و النكير و فى الاخرة بجزيل الجزاء و يرفعهم فى درجات القرب بِما كانُوا يَعْمَلُونَ اى بسبب أعمالهم ١٢٨ وَ نقول او يقول اللّه يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ يعنى الجن و الانس قرا حفص بالياء على الغيبة و الباقون بالنون على التكلم جَمِيعاً يا مَعْشَرَ الْجِنِّ يعنى الشياطين قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ بان جعلتم كثيرا منهم اتباعكم فى الضلالة او استكثرتم من اغوائهم وَ قالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ الذين أطاعوهم رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ اى انتفع الانس من الجن بما يتلقون منهم من الأراجيف و السحر و الكهانة و تزئينهم لهم الأمور التي يشتهونها و أطاعه الجن لهم فى تحصيل مراداتهم و إيصالهم الى شهواتهم و يبيت الانس فى جوار الجن حين يقول أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه و انتفع الجن من الانس باستعبادهم و استتباعهم فى الضلالات و المعاصي وَ بَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا يعنى يوم القيامة أجلت للبعث اعتراف بذنبهم و تحسر على أنفسهم قالَ اللّه تعالى النَّارُ مَثْواكُمْ منزلكم او ذات مقامكم خالِدِينَ فِيها حال و العامل فيها مثويكم ان جعل مصدر او معنى الاضافة ان جعل مكانا إِلَّا ما شاءَ اللّه قيل معناه الا مدة سبقت على وقت دخولهم فى النار كانه قيل النار مثويكم الا ما امهلتكم و قيل المستثنى الأوقات التي ينقلون فيها من النار الى الزمهرير و قيل معنى إلا سوى و المعنى خالدين فيها سوى ما شاء اللّه من انواع العذاب و قال ابن «١» عباس الاستثناء يرجع الى قوم سبق فيهم علم اللّه انهم يسلمون فيخرجون من النار و ما بمعنى من على هذا التأويل إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ فيما يفعل باوليائه و أعدائه عَلِيمٌ بما فى قلوبهم من الايمان و النفاق و باعمال الثقلين و أحوالهم (١) قلت لعل المراد من قول ابن عباس ان نامنا ممن لم يبلغهم دعوة الرسل سبق فيهم علم اللّه انهم يسلمون لو بلغهم دعوة الرسل فيخرجون من النار و من سبق فيه علم اللّه منهم انهم لا يسلمون يخلدون فى النار ١٢. ١٢٩ وَ كَذلِكَ اى كما خذلنا عصاة الجن و الانس حتى استمتع بعضهم ببعض نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً اى بعضهم قال قتادة يعنى يجعل بعضهم اولياء بعض المؤمن ولى المؤمن يعينه على الخير و الكافر ولى الكافر يبعثه الى الشر و روى معمر عن قتادة معناه نتبع بعضهم بعضا فى النار من الموالاة و قيل معناه نولى ظلمة الانس ظلمة الجن و ظلمة الجن ظلمة الانس اى نكل بعضهم الى بعض و روى الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس فى تفسير هذه الاية ان اللّه إذا أراد بقوم خيرا ولّى أمرهم خيارهم و إذا أراد بقوم شرا ولّى أمرهم شرارهم فمعنى نولى بعض الظالمين بعضا اى نسلط بعضهم على بعض فناخذ من الظالم بالظالم كما جاء من أعان ظالما سلطه اللّه عليه و يؤيد رواية الكلبي عن ابن عباس ما روى الحاكم عن صعصعة بن صوحان عن علىّ عليه السلام انه عليه السلام لما استشهد و ضربه ابن ملجم قال الناس يا امير المؤمنين استخلف علينا فقال على ان يعلم اللّه فيكم خيرا بول عليكم خياركم قال على فعلم اللّه فينا خيرا فولّى أبا بكر رضى اللّه عنه و روى الظالم عدال اللّه فى الأرض ينتقم به من الناس ثم ينتقم منه بِما كانُوا يَكْسِبُونَ ع من الكفر و المعاصي. ١٣٠ مَعْشَرَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ أَ لَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ اختلفوا فى ان الجن هل أرسل إليهم منهم فسئل الضحاك عنه فقال بلى الم تسمع اللّه يقول الم يأتكم رسل منكم يعنى رسلا من الانس و رسلا من الجن قال الكلبي كانت الرسل قبل ان يبعث محمد صلى اللّه عليه و سلم يبعثون الى الجن و الى الانس جميعا يعنى الى بعض من كل من الفريقين فانه لم يبعث الى كافتهم الا خاتم الرسل عليه السلام و قال مجاهد الرسل من الانس و النذر من الجن ثم قرا و لوا الى قومهم منذرين و المراد بالنذر رسل الرسل و هم قوم من الجن يستمعون كلام الرسل فيبلغون الجن ما سمعوا و ليس للجن رسل فعلى هذا قوله تعالى رسل منكم ينصرف الى أحد الصنفين و هم الانس كما قال اللّه تعالى يخرج منهما اللؤلؤ و المرجان و انما يخرج من الملح دون العذب و قال و جعل القمر فيهن و انما هو فى سماء واحدة قلت الاية تدل على كون الفريقين مرسلين إليهم سواء كان الرسل من كل صنف او من الانس فقط لكن لا مانع من كون بعض الرسل الى الجن منهم قبل مبعث النبي صلى اللّه عليه و سلم كيف و قوله تعالى لو كان فى الأرض ملئكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا يقتضى كون الرسل الى الجن منهم لكمال المناسبة بين الرسول و من أرسل اليه كيف و خلقة الجن كان اسبق من آدم عليه السلام و كانوا مكلفين لكونهم من ذوى العقول و لقوله تعالى لا ملئن جهنم من الجنة و الناس فلو لم يرسل إليهم حينئذ أحد لم يعذبوا لقوله تعالى و ما كنا معذبين حتى نبعث رسولا فهذه الاية تدل على انه كان قبل آدم عليه السلام من الجن رسلا إليهم و من هاهنا يظهر ان ما يدعوا اهل الهند من البرازخ و يسمونهم أوتارا و يذكرون فى تواريخهم ألوف و مائة ألوف من السنين لعلهم كانوا من الجن برازخ مبعوثين الى الجن و لعل لاهل الهند دين منزل من اللّه تعالى على الجن استفاد منهم الانس قيل لاجل كونهم مولودين من بطن الجنية منسوخ بشرائع منزلة بعد ذلك فان اصول دينهم يوافق الكتاب و السنة غالبا و ما يخالف منه فهو من عمل الشيطان مردود و اللّه اعلم قُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي يقرؤن كتبى يُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا يعنى يوم القيامةالُوا جواباهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا بتبليغ الرسل إلينا و بالكفر قال مقاتل و ذلك حين شهدت عليهم جوارحهم بالشرك و الكفر غَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا حتى لم يؤمنوا شَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ ذم لهم على سوء اختيارهم فى الدنيا حتى اضطروا الى الاعتراف باستيجاب العذاب ١٣١ ذلِكَ يعنى إرسال الرسل خبر مبتدأ محذوف اى الأمر و ما بعده تعليل للحكم او بدل من ذلك و الأظهر انه مبتدأ و خبره ما بعده أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ ان مصدرية او مخففة من الثقيلة اسمها ضمير الشأن يعنى إرسال الرسل كان لانتفاء كون ربك او لان الشان لم يكن ربك مُهْلِكَ الْقُرى اى اهله بِظُلْمٍ اما حال من فاعل مهلك يعنى ما كان ربك مهلكهم ظالما وَ أَهْلُها غافِلُونَ لم ينبهوا برسول و اما حال من مفعوله و اما ظرف لغو متعلق بمهلك يعنى ما كان ربك مهلكهم بسبب ظلم فعلوه او ملتبسين بظلم فى حال غفلتهم من قبل ان يأتيهم الرسل و ذلك على جرى العادة من اللّه تعالى ١٣٢ وَ لِكُلٍّ من المكلفين دَرَجاتٌ مراتب من اللّه تعالى فى القرب و البعد مِمَّا عَمِلُوا اى من أجل أعمالهم التي اكتسبوها فى الدنيا فمنهم من هو اقرب منزلة و أجزل ثوابا و منهم من هو ابعد رحمة و أشد عذابا وَ ما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ فيجزى كلا منهم على حسب عمله قرا ابن عامر بالتاء على الخطاب و الباقون بالياء على الغيبة ١٣٣ وَ رَبُّكَ الْغَنِيُّ عن العباد و عن عبادتهم ليس إرسال الرسل و تكليف العباد بالأوامر و النواهي لغرض يعود اليه تعالى بل لانه تعالى ذُو الرَّحْمَةِ على خلقه أرسل إليهم الرسل و أمرهم و نهاهم تكميلا لهم و من رحمته تعالى انه يمهلهم على المعاصي و يتجاوز عنهم إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ اى يهلككم يا اهل مكة بذنوبكم ما به تعالى إليكم حاجة يفوت بذهابكم وَ يَسْتَخْلِفْ اى يخلف و ينشأ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ من الخلق غيركم أطوع منكم إنشاء كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ من أولاد قَوْمٍ آخَرِينَ قرنا بعد قرن لكنه أمهلكم ترحما عليكم ١٣٤ إِنَّ ما تُوعَدُونَ من البعث و الحساب و الاثابة و التعذيب لَآتٍ كائن لا شبهة فيه وَ ما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فائتين طالبكم به بل يدرككم حيث ما كنتم ١٣٥ قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ قرأ ابو بكر عن عاصم على مكاناتكم و على مكاناتهم حيث وقع على الجمع و الباقون على الافراد و المكانة اما مصدر من مكن مكانة إذا تمكن و تسلط على شى ء يعنى اعملوا على غاية تمكنكم و استطاعتكم او هو اسم ظرف بمعنى المكان استعير هاهنا للحال يقال للرجل إذا امر ان يثبت على حاله على مكانتك يا فلان اى اثبت على ما أنت عليه من الحال و على التقديرين امر للتهديد و الوعيد و المعنى اثبتوا على كفركم و عداوتكم إِنِّي عامِلٌ على مكانتى التي انا عليها من المصابرة و الثبات على الإسلام و على ما أمرني به ربى فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ قرأ حمزة و الكسائي يكون بالياء هاهنا و فى القصص لان تأنيث العاقبة غير حقيقى و الباقون بالتاء لتانيث الفاعل و من اما موصولة فى محل النصب على انه مفعول يعلمون يعنى فسوف يعرفون الذين يكون له العاقبة الحسنى فى الدار الاخرى او استفهامية فى محل الرفع على الابتداء و فعل العلم معلق عنه يعنى يعلمون أينا يكون له العاقبة الحسنى فى الدار الاخرى إنذار مع الانصاف فى المقال و حسن الأدب و فيه تعريض على انى على علم و يقين بان العاقبة للمتقين إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ الواضعون العبادة و الطاعة فى غير محلها قال البغوي كان المشركون يجعلون للّه تعالى من حروثهم و أنعامهم و ثمارهم و سائر أموالهم نصيبا و للاوثان نصيبا فما جعلوه للّه صرفوه الى الضيفان و المساكين و ما جعلوه للاوثان أنفقوا على خدمها فان سقط شى ء مما جعلو اللّه فى نصيب الأوثان تركوه و قالوا ان اللّه لغنى عن هذا و ان سقط شى ء من نصيب الأصنام فيما جعلوه للّه ردوه الى الأوثان و قالوا انها محتاجة و كان إذا هلك او انتقص شى ء مما جعلوه للّه لم يبالونه و إذا هلك او انتقص شى ء مما جعلوه للاصنام جبروه بما جعلوه للّه و ذلك قوله تعالى ١٣٦ وَ جَعَلُوا للّه مِمَّا ذَرَأَ اى خلقه اللّه مِنَ الْحَرْثِ وَ الْأَنْعامِ نَصِيباً و لشركائهم نصيبا حذف هذه الجملة لظهورها بالمقابلة فَقالُوا هذا للّه بِزَعْمِهِمْ يعنى زعموا كذلك و لم يأمرهم به اللّه و لا شرع لهم تلك القسمة قرا الكسائي بضم الزاء و الباقون بالفتح و هما لغتان وَ هذا لِشُرَكائِنا فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللّه وَ ما كانَ للّه فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ حيث كانوا يتمون ما جعلوا للاوثان مما جعلوا للّه تعالى دون العكس قال قتادة كانوا إذا أصابتهم سنة استعانوا بما جعلوا للّه و أكلوا منه و وفروا و لم يأكلوا ما جعلوا للاوثان ساءَ ما يَحْكُمُونَ حكمهم هذا و اشراكهم خالق الحرث و الانعام و سائر الخلائق جمادات لا يقدر على شى ء ما و ترجيحهم الجمادات على خالق السموات ١٣٧ وَ كَذلِكَ يعنى تزئينا مثل ما زين لهم قسمة الحرث و نحوها زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ بواد البنات و نحرهم لالهتهم شُرَكاؤُهُمْ فاعل زين قال مجاهد يعنى شياطينهم زينوا و حسنوا لهم واد البنات خيفة الفقر سميت الشياطين شركاء لانهم أطاعوها فى معصية اللّه و أضيف الشركاء إليهم لاتخاذهم إياها الهة بلا سبب موجب و قال الكلبي شركائهم سدنة الأوثان كانوا يزينون الكفار قتل الأولاد فكان الرجل منهم يحلف لئن ولد له كذا غلاما لينحرن أحدهم و قرا ابن عامر زين بضم الزاء و كسر الياء على البناء للمفعول الذي هو القتل مرفوعا و نصب الأولاد على المفعولية للقتل و جر الشركاء على ان المصدر مضاف الى الفاعل اعنى الشركاء و ترك المفعول اعنى أولادهم منصوبا و يظهر بتواتر هذه القراءة ان اضافة المصدر الى فاعله مفصولا بينهما بمفعوله صحيح فصيح و ان ضعفه بعض اهل العربية كذا قال التفتازانيّ او يقال نزل المضاف اليه منزلة الفاعل المرفوع و جاز تقديم المفعول على الفاعل و انما أسند القتل الى الشركاء و ان لم يتولوا ذلك لانهم هم الذين زينوا ذلك و دعوا اليه لِيُرْدُوهُمْ اى ليهلكوهم بالإغواء وَ لِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ اى ليخلطوا عليهم دينهم الذي كانوا عليه يعنى دين اسمعيل عليه السلام قبل التلبيس كذا قال ابن عباس او المراد دينهم الذي وجب عليهم ان يتدينوا به و اللام للتعليل ان كان التزيين من الشياطين و للعاقبة ان كان من السدنة وَ لَوْ شاءَ اللّه ان لا يفعلوا ذلك التخليط و اللبس و التزيين او ان لا يقتلوا الأولاد و ان لا يجعلوا للاصنام نصيبا من أموالهم ما فَعَلُوهُ اى المشركين ما زين لهم او الشركاء التزيين او الفريقان جميع ذلك فَذَرْهُمْ وَ ما يَفْتَرُونَ اى افترائهم او ما يفترونه من الافك ١٣٨ وَ قالُوا يعنى المشركين هذِهِ يعنى ما جعلوه للّه و لالهتهم من الحرث و الانعام على ما مر أَنْعامٌ وَ حَرْثٌ حِجْرٌ اى حرام مصدر بمعنى المفعول يستوى فيه الواحد و الجمع و الذكر و الأنثى و قال مجاهد يعنى بالانعام البحيرة و السائبة و الوصيلة و الحام لا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ يعنون خدم الأوثان و الرجال دون النساء بِزَعْمِهِمْ من غير حجة وَ أَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها يعنى البحائر و السوائب و الحوامي وَ أَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللّه عَلَيْهَا فى الذبح و انما يذكرون اسماء الأصنام و قال ابو وائل معناه لا يحجون عليها و لا يركبون لفعل الخير لانه لما جرت العادة بذكر اسم اللّه على فعل الخير عبر عن فعل الخير بذكر اللّه افْتِراءً عَلَيْهِ نصب على المصدر من قالوا لان ما قالوه تقولوا على اللّه و الجار و المجرور متعلق لقالوا او بمحذوف هو صفة له يعنى افتراء واقعا عليه او منصوب على الحال يعنى قالوا ذلك مفترين او على العلية يعنى للافتراء و الجار و المجرور متعلق به او بالمحذوف سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ اى بسبب افترائهم او بمقابلة ١٣٩ وَ قالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ يعنى اجنة البحائر و السوائب ما ولد منها حيا خالِصَةٌ الخالص ما لا شوب فيه و الهاء فيه للتاكيد و المبالغة و قال الكسائي خالص و خالصة واحد مثل وعظ و موعظة و قال الفراء ادخلت الهاء لتانيث الانعام لان ما فى بطونها مثلها و قيل نظرا الى المعنى فان معنى ما فى بطونها الاجنة و المراد به حلال خاصة لِذُكُورِنا وَ مُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا اى نسائنا وَ إِنْ يَكُنْ مَيْتَةً قرأ ابن عامر و ابو جعفر و ابن كثير ميتة بالرفع على الفاعلية على ان يكون تامة لكن المكي قرا يكن بالياء التحتانية و الآخران بالتاء الفوقانية لان الفاعل مؤنث غير حقيقى او لان الميتة لفظه مؤنث و معناه يعم الذكر و الأنثى فجاز التذكير على التغليب و التأنيث على اللفظ و الباقون ميتة بالنصب على الخبرية غير ان أبا بكر عن عاصم قرا تكن بالتاء الفوقانية مع ان الضمير راجع الى الموصول نظرا الى تأنيث الخبر او الى المعنى فان ما فى بطونها هى الاجنة و الباقون بالتحتانية نظرا الى لفظ الموصول فَهُمْ اى الذكر و الأنثى فِيهِ اى فى الميتة و ذكر الضمير لانه يعم الذكر و الأنثى شُرَكاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ منصوب بنزع الخافض اى يوصفهم اللّه كاذبا فى التحليل و التحريم او على المصدرية بحذف المضاف اى جزاء وصفهم إِنَّهُ حَكِيمٌ فى جزائهم عَلِيمٌ بما يفعلون ١٤٠ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا قرأ ابن عامر و ابن كثير بتشديد التاء على التكثير و الباقون بالتخفيف أَوْلادَهُمْ سَفَهاً جهلا بِغَيْرِ عِلْمٍ بان اللّه رازق أولادهم و يجوز نصبه على المصدرية او الحال اى قتلا بغير علم او كائنين بغير علم قال البغوي نزلت الاية فى ربيعة و مضر و بعض من العرب كانوا يدفنون البنات احياء مخافة الفقر و السبي و بنو كنانة لا يفعلون ذلك وَ حَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللّه يعنى البحيرة و السائبة و الوصيلة و الحام افْتِراءً عَلَى اللّه منصوب على العلية او الحالية او المصدرية يعنى يفترون على اللّه افتراء او حرموا مفترين او للافتراء قَدْ ضَلُّوا وَ ما كانُوا مُهْتَدِينَ الى الحق و الصواب ١٤١ وَ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ بساتين مَعْرُوشاتٍ قال ابن عباس ما انبسط على وجه الأرض فانتشر مما يعرض اى يرفع مثل الكرم و القرع و البطيخ وَ غَيْرَ مَعْرُوشاتٍ ما قام على الساق و نسق مثل النخل و الزرع و سائر الأشجار و قال الضحاك كلاهما من الكرم منها ما عرش يعنى غرسه الناس فعرشوه و منها ما نبت فى البراري و الجبال فلم يعرشه أحد وَ النَّخْلَ وَ الزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ يعنى ثمره فى اللون و الطعم و الريح الضمير راجع الى الزرع و الباقي مقيس عليه او الى النخل و الزرع داخل فى حكمه لكونه معطوفا او للجميع على تقدير كل واحد منهما و مختلفا حال مقدرة لان وقت الإنشاء لا أكل له وَ الزَّيْتُونَ وَ الرُّمَّانَ مُتَشابِهاً بعض افرادها ببعض وَ غَيْرَ مُتَشابِهٍ بقيتها كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ اى من ثمر كل واحد منها إِذا أَثْمَرَ و ان لم يدرك يعنى أول وقت الإباحة طلوع الثمر و لا يتوقف على الإدراك او يقال فائدة هذا القيد رخصة المالك فى الاكل منه قيل أداء حق اللّه تعالى وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ قرأ ابو عمرو و ابن عامر و عاصم حصادة بفتح الحاء و الباقون بكسرها و معناهما واحد كالصرام و الصرام و الجزار و الجزار بالكسر و الفتح فيهما اختلفوا فى هذا الحق فقال ابن عباس و طاووس و الحسن و جابر بن زيد و سعيد بن المسيب انه الزكوة المفروضة من العشر و نصف العشر لان الأمر للوجوب و لفظ الحق غالب استعماله فى الواجب و الإجماع على انه لا واجب فى المال الا الزكوة و فى الصحيحين عن طلحة بن عبد اللّه قال جاء رجل الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يسال عن الإسلام فذكر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم خمس صلوات و صيام شهر رمضان و الزكوة فقال هل على غيرها قال لا الا ان تطوع فعلى هذا القول هذه الاية مدنية و فيها حجة لابى حنيفة حيث يقول يجب الزكوة فى الثمار مثل الرمان خلافا لمالك و الشافعي فانه لا يجب الزكوة عندهما الا فيما يقتات به و قد مر مسائل زكوة الزرع فى سورة البقرة فى تفسير قوله تعالى و أنفقوا من طيبات ما كسبتم و مما أخرجنا لكم من الأرض و قال على بن الحسين و عطاء و مجاهد و حماد و الحكم هو حق فى المال سوى الزكوة امر بإتيانه لان الاية مكية و فرضت الزكوة بالمدينة قال ابراهيم هو الضغث و قال الربيع لقاط السنبل اخرج ابن مردويه و النحاس فى ناسخه عن ابى سعيد الخدري عن النبي صلى اللّه عليه و سلم فى هذه الاية قال ما سقط من السنبل و قال مجاهد كانوا يعلقون العذق عند الصرام فياكل منه من مرّ و قال يزيد بن الأصم كان اهل المدينة إذا صرموا يجيئون بالعذق فيعلقونه فى جانب المسجد فيجئ المسكين فيضربه بعصاه فيسقط منه فياخذ و يويد هذا القول حديث فاطمه بنت قيس قالت قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان فى المال لحقا سوى الزكوة ثم تلا ليس البر ان تولوا وجوهكم قبل المشرق و المغرب رواه الترمذي و ابن ماجة و الدارمي و قد مر فى تفسير تلك الاية فى البقرة فالمراد بالحق أعم من ان يكون واجبا او مندوبا و قال سعيد ابن جبير كان هذا حقا يومر بإتيانه فى ابتداء الإسلام فصار منسوخا بايجاب العشر قال مقسم عن ابن عباس نسخت الزكوة كل نفقة فى القران وَ لا تُسْرِفُوا الإسراف ضد القصد كذا فى القاموس و فى الصحاح انه التجاوز عن الحد فى كل فعل قيل أراد هاهنا بالإسراف إعطاء الكل قال البيضاوي هذه الاية كقوله تعالى و لا تبسطها كل البسط قال البغوي قال ابن عباس فى رواية الكلبي عمد ثابت بن قيس بن شماس فصرم خمسمائة نخلة فقسمها فى يوم واحد و لم يترك لاهله شيئا فانزل اللّه عز و جل هذه الاية و كذا اخرج ابن جرير عن ابن جريح قال البغوي قال السدى لا تسرفوا اى لا تعطوا سائر أموالكم فتقعدوا فقراء قلت إعطاء الكل انما يكون إسرافا و منهيا عنه إذا لم يوصل الى عياله و من له عليه حق حقوقهم كذا قال الزجاج و اما بعد أداء حقوق اهل الحقوق فاعطاء الكل فى سبيل اللّه أفضل و ليس بإسراف قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لو كان لى مثل أحد ذهبا يسرّنى ان لا يمرّ علىّ ثلث ليال و عندى منه شى ء الا شى ء ارصده لدين رواه البخاري و عن ابى ذر انه استاذن على عثمان فاذن له و بيده عصاه فقال عثمان يا كعب ان عبد الرحمن بن عوف توفى و ترك مالا فما ترى فيه فقال إن كان يصل فيه حق اللّه فلا بأس به فرفع أبو ذر عصاه فضرب كعبا و قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول ما أحب لو ان لى هذا الجبل ذهبا أنفقه و يتقبل منى اذر خلفى منه ست أواق أنشدك باللّه يا عثمان أسمعته ثلث مرات قال نعم رواه احمد و عن ابى هريرة ان النبي صلى اللّه عليه و سلم دخل على بلال و عنده صبرة من تمر فقال ما هذا يا بلال قال شى ء ادخرته لغد فقال أ ما تخشى ان ترى له غدا بخارا فى نار جهنم يوم القيامة أنفق يا بلال و لا تخش من ذى العرش إقلالا رواه البيهقي فى شعب الايمان و عن ابى هريرة قال يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اى الصدقة أفضل قال جهد المقل و ابدأ بمن تعول رواه ابو داؤد و قال سعيد بن المسيب معنى لا تسرفوا لا تمنعوا الصدقة يعنى لا تجاوزوا الحد في الإمساك حتى تمنعوا الواجب من الصدقة و قال مقاتل معناه لا تشركوا الأصنام فى الحرث و الانعام و قال الزهري معناه لا تنفقوا فى المعصية و قال مجاهد الإسراف ما قصرت به عن حق اللّه عز و جل و قال لو كان ابو قبيس ذهبا لرجل فانفقه فى طاعة اللّه لم يكن مسرفا و لو أنفق درهما او مدّا فى معصية اللّه تعالى كان مسرفا و قال إياس بن معاوية ما جاوزت به امر اللّه فهو سرف و إسراف و روى ابن وهب عن ابى زيد انه قال الخطاب فى هذه الاية للسلاطين يقول اللّه تعالى لا تأخذوا فوق حقكم فهذه الاية نظير قوله صلى اللّه عليه و سلم و إياكم و كرايم اموال الناس إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ لا يرتضى فعلهم ١٤٢ وَ انشأ مِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً و هى كل ما حمل عليه من الإبل و البقر وَ فَرْشاً و هى ما لا يحمل عليه من الصغار الدانية الى الأرض كالفصال و العجاجيل و الغنم كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّه امر اباحة و ادخل من التبعيضية لان الرزق ليس كله ماكولا وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ اى طرقه فى تحليل الحرام و تحريم الحلال إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ظاهر العداوة ١٤٣ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ بدل من حمولة و فرشا او مفعول كلوا و لا تتبعوا معترض بينهما او حال من ما بمعنى مختلفة او متعددة و الزوج ما معه اخر من جنسه يزاوجه و قد يقال لمجموعهما و المراد الاول مِنَ الضَّأْنِ اسم جنس و هى ذات الصوف من الغنم و جمعه ضئين او الضان جمع ضائن و الأنثى ضائنة و جمعها ضوائن اثْنَيْنِ زوجين اثنين الذكر و الأنثى اعنى الكبش و النعجة بدل من حمولة ان جوز تعدد البدل و من ثمانية ان جوز البدل من البدل وَ مِنَ الْمَعْزِ و هى ذات الشعر من الغنم قرا ابن كثير و ابو عمرو و ابن عامر بفتح العين و الباقون بالإسكان و هى جمع ما عز كصحب و صاحب و قال البغوي هو جمع لا واحد له من لفظه و جمع الماعز معزى و جمع الماعزة مواعز اثْنَيْنِ الذكر و الأنثى التيس و العنز قُلْ يا محمد آلذَّكَرَيْنِ اجمع القراء على ابدال الهمزة الثانية او تسهيلها و كذا كلما دخل همزة الاستفهام على همزة الوصل نحو آللّه آلآن يعنى آلذكر من الضان و المعز حَرَّمَ اى حرمه اللّه تعالى أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ منهما و نصب الذكرين و الأنثيين بحرم أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ يعنى أعم من الذكر و الأنثى من الجنين نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ يعنى أخبروني بامر معلوم من عند اللّه تعالى يدل على تحريم ما تحرمونه إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فى دعوى التحريم ١٤٤ وَ مِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَ مِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ كما سبق يعنى شى ء منهما لم يحرم و ذلك انهم كانوا يقولون هذه انعام و حرث حجر و قالوا ما فى بطون هذه الانعام خالصة لذكورنا و محرم على أزواجنا و كانوا يحرمون البحيرة و السائبة و الوصيلة و الحام بعضها على النساء فقط و بعضها على الرجال و النساء جميعا فلما جاء الإسلام قام مالك بن عوف ابو الأحوص الجشمي فقال يا محمد بلغنا انك تحرم أشياء مما كان ابائنا يفعلون فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انكم قد حرمتم أصنافا من النعم على غير اصل و انما خلق اللّه تعالى هذه الأصناف الثمانية للاكل و الانتفاع بها فمن اين جاء هذا التحريم من قبل الذكر أم من قبل الأنثى فسكت مالك بن عوف و تحير فلو قال جاء هذا التحريم بسبب الذكورة وجب ان يحرم جميع الذكور و لو قال بسبب الأنوثة وجب ان يحرم جميع الأنثى و لو قال باشتمال الرحم وجب ان يحرم الكل فاما تخصيص التحريم بالولد الخامس او السابع او بالبعض دون البعض فمن اين هو و يروى ان النبي صلى اللّه عليه و سلم قال لمالك يا مالك لا تتكلم قال له مالك بل نتكلم و اسمع منك أَمِ بل كُنْتُمْ يا اهل مكة شُهَداءَ حضورا إِذْ وَصَّاكُمُ اللّه بِهذا التحريم فانكم لا تؤمنون بنبي و لا كتاب لكم فلا طريق لكم الى المعرفة الا المشاهدة و السماع فَمَنْ أَظْلَمُ يعنى لا أحد اظلم مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللّه كَذِباً فى التحريم و التحليل و غيرهما و المراد عمرو بن لحى الخزاعي و من جاء بعده على طريقه لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللّه لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ روى انهم قالوا فما المحرم إذا فنزل ١٤٥ قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ و هو يعم القران و غيره و لا وجه لتخصيصه بالقران كيف و الكلام فى رد ما يزعمون من تحريم البحائر و نحوها بغير علم و ذا لا يتم الا بارادة العموم فان المقصود من هذا الكلام التنبيه ان التحريم و غيرها من الاحكام انما يعلم بالوحى دون الهوى و لا أجد هاهنا من افعال القلوب و مفعوله الاول محذوف و مفعوله الثاني قوله تعالى مُحَرَّماً و اختار اكثر المفسرين تقدير طعاما محرما ليصح استثناء الخنزير منه متصلا عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ متعلق بمحرما إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً قرأ ابن عامر تكون بالتاء لتانيث الفاعل و ميتة بالرفع على الفاعلية و يكون حينئذ تامة و قرا ابن كثير و حمزة ايضا بالتاء نظرا الى تأنيث الخبر و ميتة بالنصب على الخبرية كجمهور القراء و الباقون بالياء التحتانية على ان الضمير المستتر فيه راجع الى المحذوف المقدر اعنى طعاما و المستثنى فى محل النصب على الحالية يعنى لا أجد طعاما محرما فى حال من الأحوال الا حال كونه ميتة و الميتة ما فارقه الروح حتف انفه من غير فعل أحد فلا يدخل فيه الموقوذة و المتردية و النطيحة و ما أكل السبع كما يدل عليه العطف فى قوله تعالى حرمت عليكم الميتة الاية فى سورة المائدة و يدل عليه ايضا قول الكفار تزعم يا محمد ان ما قتلت أنت و أصحابك حلال و ما قتله الكلب و الصقر حلال و ما قتله اللّه حرام و انما تثبت حرمة الموقوذة و أخواتها بغير هذه الآيات أَوْ دَماً مَسْفُوحاً اى مهراقا سائلا قال ابن عباس يريد ما خرج من الحيوان و هو حى و ما خرج من الأوداج عند الذبح و لا يدخل فيه الكبد و الطحال لانهما جامدان و قد جاء الشرع بإباحتهما نصا و اجماعا و لا ما اختلط باللحم من الدم لانه غير سائل أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ اى الخنزير لقربه رِجْسٌ اى قذر و من هذه الاية ثبت كون الخنزير نجسا عينه و من ثم لا يجوز بيع شى ء من اجزائه و لا الانتفاع به أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّه بِهِ الجملة صفة لفسقا و هو معطوف على لحم خنزير و قوله فانه رجس معترض بين المعطوف و المعطوف عليه سمى اللّه سبحانه ما ذبح على اسم الصنم فسقا لتوغله فى الفسق و جاز ان يكون فسقا مفعولا له لاهل و الجملة معطوفة على يكون و المستكن فيه راجع الى ما رجع اليه المستكن فى يكون فَمَنِ اضْطُرَّ اى دعته الضرورة الى تناول شى ء من ذلك غَيْرَ باغٍ اى حال كونه غير باغ للذة و شهوة و لا باغ على مضطر مثله وَ لا عادٍ اى متجاوز قدر الضرورة فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ «١» لا يواخذ و قد مر مثل هذه الاية فى سورة البقرة و ذكرنا ما يتعلق به هناك. (١) قال الامام جلال الدين السيوطي فى الإتقان قال الشافعي فى هذه الاية ما معناه ان الكفار لما حرموا ما أحل اللّه و أحلوا ما حرم اللّه جاءت الاية مناقضة لغرضهم فكانه قال لا حلال الا ما حرمتموه من البحيرة و السائبة و الوصيلة و نحوها يعنى من الانعام و لا حرام الا ما أحللتموه من الميتة و الدم و لحم الخنزير و ما أحل لغير اللّه به فالاية نازلة منزلة من يقول فى جواب قول قائل لا تأكل اليوم حلاوة لا أكل اليوم الا حلاوة و الغرض المصادة يعنى فى تحليل الانعام و تحريمها لا النفي و الإثبات على الحقيقة قال الامام الحرمين و هذا فى غاية الحسن ١٢. (مسئلة) ذهب بعض العلماء الى ان التحريم مقصور على هذه الأشياء لانحصار التحريم بنص الكتاب فيها و لا يجوز نسخ الكتاب بخبر الآحاد يروى ذلك عن عائشة و ابن عباس و به قال مالك فانه يطلق الكراهة على ما سوى ذلك مما ورد النهى عنها فى الحديث قالوا و يدخل فى الميتة المنخنقة و الموقوذة و ما ذكر فى أوائل سورة المائدة قلت دخول الموقوذة و أخواتها فى الميتة ممنوع كما ذكرنا و قال اكثر الائمة ابو حنيفة و الشافعي و احمد و غيرهم لا يختص التحريم بهذه الأشياء قال البيضاوي الاية محكمة يعنى غير منسوخة لانها تدل على انه لم يجد فيما اوحى اليه الى تلك الغاية محرما غير هذه و ذلك لا ينافى ورود التحريم فى شى ء اخر فلا يلزم نسخ الكتاب بخبر الواحد و هذا القول غير صحيح عندى فان كل اية او سنة نطقت بحكم غير مقيد بالتابيد او التوقيت فانها مؤيدة ظاهرا نظرا الى الاستصحاب و هو فى علم اللّه موقت و لا يكون قابلا للنسخ الا هذا القسم من النصوص فالناسخ يكون بيانا لمدة الحكم و لذا سمى النسخ بيان تبديل كيلا يلزم على اللّه البدء المستحيل و و لا شك ان هذه الاية تدل على حل ما عدا المذكورات فى هذا الوقت من غير دلالة على تابيد الحل او كونه منتهيا الى وقت و من أجل ذلك كانت الاية رد التحريم البحاير و أخواتها و احتمال ورود التحريم بعد ذلك لا ينافى كون حلها حكما شرعيا ثابتا بنص الكتاب فالحكم الوارد بالسنة بعد ذلك بالتحريم يكون ناسخا للحل البتة فلا يصح ما قيل انه لا يلزم نسخ الكتاب بخبر الواحد فالاولى ان يقال قد لحقه التخصيص بالقطعي الوارد فى المنخنقة و أخواتها و الوارد فى تحريم الخمر فانه ايضا من جنس الطعام فان قوله تعالى ليس على الذين أمنوا و عملوا الصالحات جناح فيما طعموا الاية وارد فى الخمر و العام المخصوص بالبعض يجوز تخصيصه بخبر الآحاد بل بالقياس ايضا و القول باشتراط المقارنة فى التخصيص ممنوع بل كل ما يخرج بعض الافراد عن الحكم من كلام مستقل فهو مخصص سواء كان متراخيا او مقارنا و انما الناسخ ما سلب الحكم عن جميع الافراد و لو سلمنا هذا الاشتراط فنقول حل جميع الحيوانات الثابت بهذا النص منسوخ بتحريم الخبائث الثابت بقوله تعالى يأمرهم بالمعروف و ينهيهم عن المنكر و يحل لهم الطيبات و يحرم عليهم الخبائث لكن الطيبات و الخبائث مجمل التحق أحاديث النبي صلى اللّه عليه و سلم الواردة فى تحريم السباع و الحمر الاهلية و أمثالها بيانا للاية فالناسخ انما هو الكتاب للكتاب و الأحاديث بيان للكتاب او نقول الأحاديث الواردة فى تحريم السباع و غيرها و انكانت من رواية الآحاد لكن تلقتها جميع الامة بالقبول و مالك رحمه اللّه و ان لم يقل بتحريم السباع و أمثالها لكنه يقول بالكراهة التحريمية عملا بتلك الأحاديث فلا شبهة فى قبوله الأحاديث المذكورة فصارت الأحاديث المذكورة مجمعا عليها فجاز نسخ الكتاب بها لكونها قطعية بإجماع الامة على قبولها و الاختلاف الواقع فى الضبع و الثعلب و اليربوع و الضب لا يضرابا حنيفة فانه يقول الضبع و الثعلب من السباع و الضب و اليربوع من الحشرات و لا خلاف فى عدم جوازا كل السباع و الحشرات و انما الخلاف فى كونها من السباع و الحشرات و قد ذكرنا مسائل ما يحل من الحيوانات و ما يحرم فى سورة المائدة فى تفسير قوله تعالى اليوم أحل لكم الطيبات الاية ١٤٦ وَ عَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ و هى كل ماله إصبع كالابل و السباع و الطيور قال القتيبي هو كل ذى مخلب من الطير و كل ذى حافر من الدواب و حكاه عن بعض المفسرين سمى الحافر ظفرا على الاستعارة و لعل مسبب الظلم تعميم التحريم و الا فبعضها محرم فى ملة الإسلام ايضا وَ مِنَ الْبَقَرِ وَ الْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما اى ما اشتمل على الظهور و الجنوب أَوِ الْحَوايا عطف على ظهورهما يعنى ما اشتمل على الحوايا و هى الأمعاء جمع حاوية او حاوياء أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ يعنى شحوم الالية لاتصالها بعجب الذنب و المخ فبقى بعد الاستثناء شحوم الجوف و هى الثروب و شحوم الكلى ذلِكَ التحريم مفعول ثان لقوله تعالى جَزَيْناهُمْ عقوبة لهم بِبَغْيِهِمْ بسبب ظلمهم من قتل الأنبياء و صدهم عن سبيل اللّه و أخذهم الربوا و أكلهم اموال الناس بالباطل فان قيل من كان هذا شانه لا يبالى بأكل ما حرم عليه فاى عقوبة و ضيق عليهم بالتحريم قلت لعل هذا التحريم لزيادة تعذيبهم فى الاخرة عن جابر بن عبد اللّه انه سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول عام الفتح و هو بمكة ان اللّه و رسوله حرم بيع الخمر و الميتة و الخنزير و الأصنام قيل أ رأيت شحوم الميتة فانه يطلى بها السفن و يدهن بها الجلود و يستصبح فقال لا هو حرام شحومها ثم قال رسول اللّه لعن اللّه اليهود ان اللّه لما حرم عليهم شحومها جملوها ثم باعوه فاكلوا ثمنه رواه البخاري و غيره و اللّه اعلم وَ إِنَّا لَصادِقُونَ فى الاخبار و الوعد و الوعيد ١٤٧ فَإِنْ كَذَّبُوكَ يعنى اليهود فيما أوحيت إليك هذا فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ يمهلكم على التكذيب فلا تغتروا بامهاله فانه لا يهمل وَ لا يُرَدُّ بَأْسُهُ عذابه عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ إذا جاء وقته او المعنى ذو رحمة واسعة للمؤمنين و ذو بأس شديد للمكذبين المجرمين فاقام مقامه و لا يرد بأسه للدلالة على انه لازم بهم لا يمكن رده عنهم ١٤٨ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا اخبار عن مستقبل ففيه اعجاز فانه اخبار عن غيب وقع بعد ذلك و انهم لما لزمتهم الحجة و عجزوا عن جوابها استدلوا على كون ما هم عليهم مشروعا مرضيا للّه تعالى بانه لَوْ شاءَ اللّه خلاف ما نحن عليه ما أَشْرَكْنا وَ لا آباؤُنا وَ لا حَرَّمْنا مِنْ شَيْ ءٍ مما حرمناه يعنى ان اللّه قادر على ان يحول بيننا و بين ما نحن عليه حتى لا نفعله فلو لا انه رضى بما نحن عليه و أراد منا و أمرنا به لحال بيننا و بين ذلك و هذا الاستدلال مبنى على جهلهم و عدم تفرقهم بين المشية بمعنى الارادة و بين الرضا فان إرادته تعالى متعلق بالخير و الشر ما شاء اللّه كان و ما لم يشأ لا يكون و انه تعالى لا يرضى لعباده الكفر كَذلِكَ اى مثل ما كذبوك فى ان اللّه منع من الشرك و لم يرض به و لم يحرم ما حرّموه كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ رسلهم حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا عذابنا الذين أنزلنا عليهم بتكذيبهم قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ مستنبط من كتاب او حجة يفيد العلم بانه تعالى راض عن الشرك و حرم ما حرموه او المراد بالعلم امر معلوم يصح الاحتجاج به على ما زعموا فَتُخْرِجُوهُ لَنا و لتظهروا ما أفادكم ذلك العلم و ليس الأمر كذلك و لا يقولون انهم يقولون عن علم إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ الحاصل بتقليد الآباء وَ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ تكذبون و اللّه اعلم ١٤٩ قُلْ يا محمّد فَللّه الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ التامة عليكم باوامره و نواهيه و لا حجة لكم بمشيته فان مشيته لا يلازم رضاه يفعل ما يشاء و يحكم ما يريد على مقتضى حكمته لا يسئل عما يفعل و هم يسئلون احتج المعتزلة بهذه الاية على ان الكفر ليس بمشية اللّه تعالى و إرادته و الا لما عابهم اللّه تعالى على قولهم لو شاء اللّه ما أشركنا و لما كذبهم اللّه فى هذا القول و بما ذكرنا لك من التفسير ظهر بطلان احتجاجهم بها و ان اللّه تعالى لم يكذبهم فى هذا القول بل قولهم هذا يوافق قوله تعالى فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ و لم يقل اللّه تعالى انكم كاذبون فى هذا القول بل عابهم على تكذيبهم الرسل فى ان اللّه تعالى ليس براض بالكفرناه عنه و لم يحرم ما يقولونه حراما و عابهم على زعمهم ان تحريمنا البحائر و أشباهها لما كان بمشية اللّه فهو راض عن ذلك التحريم و ان اللّه حرم هذه الأشياء حيث قال اللّه تعالى ١٥٠ قُلْ يا محمد هَلُمَّ اسم فعل غير منصرف يقال للواحد و التثنية و الجمع عند اهل الحجاز و معناه احضروا شُهَداءَكُمُ اى قدوتكم فى هذا القول استحضرهم ليلزم هم الحجة بأجمعهم و يظهر ضلالتهم و انه لا متمسك لهم كمن يقلدهم و لذلك قيد الشهداء بالاضافة إليهم و وصفهم بقوله الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللّه حَرَّمَ هذا الذي زعموه محرما فَإِنْ شَهِدُوا بالباطل فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ اى لا تصدّقهم و بيّن لهم فسادها وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا كان الأصل لا تتبع أهواءهم وضع المظهر موضع المضمر للدلالة على ان مكذب الآيات متبع الهوى لا غير وَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَ هُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ غيره من الأصنام و نحوها و لما سال المشركون النبي صلى اللّه عليه و سلم عما حرمه اللّه تعالى بعد ظهور بطلان قولهم فى التحريم قال اللّه تعالى ١٥١ قُلْ يا محمد تَعالَوْا امر من التعالي و أصله فيمن كان فى علو يقول لمن كان فى سفل ثم اتسع فيه بالتعميم أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ ما موصولة او مصدرية منصوبة باتل او استفهامية منصوبة بحرم و الجملة مفعول اتل يعنى اتل اى شى ء حرم ربكم عَلَيْكُمْ متعلق بحرم او اتل اسم فعل للاغراء بمعنى الزموا أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ ان مصدرية على تقدير كون عليكم بمعنى الزموا و الا فمفسرة بفعل التلاوة يعنى اتل عليكم لا تشركوا و جاز ان يكون مصدرية فى محل الرفع تقديره المتلو ان لا تشركوا او فى محل النصب تقديره أوصيكم ان لا تشركوا و يؤيد هذا التقدير قوله تعالى ذلكم وصيكم و ان يكون ان مصدرية و لا زائدة و محلها النصب على انه بدل من الموصول او من عائده المحذوف و تقديره حرم عليكم ان تشركوا او محلها الرفع تقديره المحرم ان تشركوا به شَيْئاً من الإشراك جليا و لا خفيا او شيئا من الالهة الباطلة وَ أحسنوا بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً معطوف على لا تشركوا وضع الأمر موضع النهى عن الاساءة إليهما للمبالغة و الدلالة على ان ترك الاساءة فى شانهما غير كاف و ترك الإحسان بهما اساءة و ان كان لا فى لا تشركوا زائدة فالتقدير حرم عليكم ان تشركوا و ان تسيئوا بالوالدين بل أحسنوا إحسانا وَ لا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ «١» يعنى لا تئدوا البنات مِنْ خشية إِمْلاقٍ فقر نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَ إِيَّاهُمْ فى حديث معاذ أوصاني رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بعشر كلمات قال لا تشرك باللّه و ان قتلت و حرقت و لا تعقن والديك و ان امراك ان تخرج من أهلك و مالك الحديث رواه احمد (١) عن على بن ابى طالب قال لما امر اللّه نبيه صلى اللّه عليه و سلم ان يعرض نفسه على قبائل العرب خرج الى منى و انا معه و ابو بكر و كان ابو بكر رجلا نسابة فوقف على منازلهم و مضاربهم بمنى فسلم عليهم و ردوا السّلام و كان فى القوم مغروق بن عمر و هانى بن قبيصة و المثنى بن حادثة و النعمان ابن شريك و كان اقرب القوم الى ابى بكر مفروق قد غلب عليهم بيانا و لسانا فالتفت الى رسول اللّه عليه و سلم فقال الى ما تدعونا يا أخا قريش فتقدم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و قام ابو بكر يظله بثوبه فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم أدعوكم الى شهادة ان لا اله الا اللّه وحده لا شريك له و انى رسول اللّه و لا توذونى و تضربونى و تمنعونى حتى أؤدي عن اللّه الذي أمرني به فان قريشا قد تظاهرت على امر اللّه و كذبت رسوله و اعانت الباطل على الحق و اللّه هو الغنى الحميد قال له و الى ما تدعونا ايضا يا أخا قريش فتلا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قل تعالوا اتل ما حرم ربكم عليكم ان لا تشركوا به شيئا الى قوله تتقون قال له مفروق و الى ما تدعونا ايضا يا أخا قريش فو اللّه ما هذا من كلام اهل الأرض و لو كان من كلامهم لعرفناه فتلا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان اللّه يأمر بالعدل و الإحسان الاية فقال له مفروق دعوت و اللّه يا قرشى فى مكارم الأخلاق و محاسن الأعمال و لقد افك قومك كذبوك و ظاهروا عليك و قال هانى بن قبيصة قد سمعتك مقالتك و استحسنت قولك يا أخا قريش و أعجبني ما تكلمت به ثم قال لهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لن تلبثوا الا يسيرا حتى يمنحكم اللّه بلادهم و أولادهم يعنى ارض فارس و انهار كسرى و يفرشكم نباتهم تسبحون اللّه و تقدسونه قال له النعمان بن شريك اللّهم و انى ذلك لك يا أخا قريش فتلا له رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انا أرسلناك شاهدا و مبشرا و نذيرا و داعيا الى اللّه باذنه و سراجا منيرا ثم نهض رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قابضا على يد ابى بكر ١٢ [.....]. و فى حديث ابن مسعود قال قال رجل يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اى الذنب اكبر عند اللّه قال ان تدعو للّه ندا و هو خلقك قال ثم اى قال ان تقتل ولدك خشية ان يطعم معك الحديث متفق عليه وَ لا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ كبائر الذنوب و الزنا ما ظَهَرَ مِنْها من افعال الجوارح علانية وَ ما بَطَنَ يعنى افعال الجوارح سرا و افعال القلوب من النفاق و غيره و رذائل النفس قوله ما ظهر و ما بطن بدل من الفواحش وَ لا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّه قتله من مومن او معاهد أَلَّا قتلا متلبسا بِالْحَقِّ اى بحق يبيح قتله من ردة او قصاص او زنا بعد إحصان او نقض عهد او بغى او قطع طريق عن عبد اللّه بن مسعود قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا يحل دم امرئ يشهد ان لا اله الا اللّه و انى رسول اللّه الا بإحدى ثلث الثيب الزاني و النفس بالنفس و التارك لدينه المفارق للجماعة رواه البغوي و قال اللّه تعالى و ان نكثوا ايمانهم من بعد عهدهم و طعنوا فى دينكم فقاتلوا ائمة الكفر الاية و قال اللّه تعالى فان بغت إحداهما على الاخرى فقاتلوا التي تبغى و قال اللّه تعالى انما جزاء الذين يحاربون اللّه الاية ذلِكُمْ من الأوامر و النواهي وَصَّاكُمْ بِهِ أمركم بحفظه لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ترشدون فان كمال العقل هو الرشد و ضده السفه ١٥٢ وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ فضلا من ان تأكلوه او تضيعوه بفعله إِلَّا بِالَّتِي اى بالفعلة التي هِيَ أَحْسَنُ ما يفعل بماله من حفظه و تثميره و صلاحه قال مجاهد هى التجارة فيه حَتَّى يَبْلُغَ اليتيم أَشُدَّهُ جمع شد كفلس و أفلس يعنى صفات كماله من البلوغ و الرشد بعد البلوغ المنافى للسفه و قيل هى مفرد بمعنى كماله هذا القيد خرج مخرج العادة تأكيدا لا مفهوم له عند أحد فانه كان معتاد اهل الجاهلية التصرف فى ماله من ايام صباه حتى يبلغ أشده فاذا بلغ أشده منع غيره من ماله فقال اللّه تعالى لا تقربوا مال اليتيم فى شى ء من زمان صباه و اما بعد ذلك فلا يمكن لكم التصرف فيه لاجل ممانعته و قال البغوي تقدير الاية لا تقربوا مال اليتيم الا بالتي هى احسن ابدا حتى يبلغ أشده فادفعوا اليه ماله إن كان رشيدا قلت و جاز ان يكون غاية للمستثنى يعنى افعلوا بما له الفعلة التي هى احسن حتى يبلغ أشده وَ أَوْفُوا الْكَيْلَ وَ الْمِيزانَ بِالْقِسْطِ بالعدل و التسوية وضع الأمر موضع النهى يعنى لا تنقصوا المكيال و الميزان لكمال الاهتمام فى الإيفاء فان النهى يقتضى الأمر بضده التزاما و الاهتمام فى المطابقة و اللّه اعلم لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها اى الا ما يسعها و لا يعسر عليها ذكر هذه الجملة بعد الأمر بالإيفاء بالقسط اشارة الى ان الأفضل ان يعطى من عليه الحق اكثر و أفضل مما وجب عليه تجوز او اخرج ابن مردويه بسند ضعيف من مرسل سعيد بن المسيب قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من اوفى على يده و الميزان و اللّه يعلم صحة نيته بالوفاء فيهما لم يواخذ و ذلك تاويل وسعها قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى أداء ثمن فرس وجب عليه زن و أرجح رواه احمد و ابو داؤد و الترمذي و ابن ماجة و الحاكم و صححه عن سويد بن قيس و فى الصحيحين عن ابى هريرة ان رجلا اتى النبي صلى اللّه عليه و سلم يتقاضاه فاغلظ له فهم به بعض أصحابه فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم دعوه فان لصاحب الحق مقالا ثم قال أعطوه سنا مثل سنه قالوا يا رسول اللّه لا نجد الا أمثل من سنه قال أعطوه فان خيركم أحسنكم قضاء و هو عند مسلم من حديث ابى رافع بمعناه و عن ابى هريرة قال اتى النبي صلى اللّه عليه و سلم برجل يتقاضاه قد استسلف منه شطر وسق فاعطاه وسقا فقال نصف وسق لك و نصف وسق من عندى ثم جاء صاحب الوسق يتقاضاه فاعطاه و سقين فقال وسق لك و وسق من عندى رواه الترمذي و سنده لا بأس به و كذا الأفضل ان يرضى صاحب الحق من حقه سماحة عن جابر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم رحم اللّه رجلا سمحا إذا باع و إذا اشترى و إذا اقتضى رواه البخاري لكن اللّه سبحانه لم يوجب إعطاء اكثر مما وجب عليه و لا الرضا باقل مما له تفضلا فان ذلك شاق على النفوس و ذلك قوله تعالى لا يكلف اللّه نفسا الا وسعها و هذه الأحاديث يؤيد مذهب الشافعي حيث قال ان اهدى المستقرض الى المقرض شيئا او حمله على دابة او اسكنه فى داره و لم يكن ذلك عادة بينهما او اعطى اكثر مما أخذ منه او أجود يجوز ذلك ان كان بغير شرط سبق خلافا للائمة الثلاثة فان ذلك يكره عندهم و لا يحل له أخذ ذلك و قد مر المسألة فى سورة البقرة فى تفسير اية المداينة وَ إِذا قُلْتُمْ فى الحكم او الشهادة فَاعْدِلُوا فيه وَ لَوْ كانَ المقول له او عليه ذا قُرْبى لكم هذا ايضا امر وضع موضع النهى عن الجور و الكذب تأكيدا فى العدالة حتى لا يجوز الشهادة على الظن و التخمين بل على كمال العلم كما يدل عليه لفظة الشهادة قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عدلت شهادة الزور بالاشراك باللّه ثلث مرات ثم قرا فاجتنبوا الرجس من الأوثان و اجتنبوا قول الزور حنفاء للّه غير مشركين به رواه ابو داؤد و ابن ماجة عن خريم بن فاتك و احمد و الترمذي عن ايمن بن خريم الا ان ابن ماجة لم يذكر القراءة و عن بريدة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم القضاة ثلثة واحد فى الجنة و اثنان فى النار فاما الذي فى الجنة فرجل عرف الحق فقضى به و رجل عرف الحق فجار فى الحكم فهو فى النار و رجل قضى للناس على جهل فهو فى النار رواه ابو داؤد وَ بِعَهْدِ اللّه يعنى بما عهد إليكم من ملازمة العدل و تادية احكام الشرع من الأوامر و النواهي او بالنذر و اليمين أَوْفُوا هذا ايضا امر فى موضع النهى تأكيدا يعنى لا تنقضوا عهد اللّه بعد ميثاقه و لا تنقضوا الايمان بعد توكيدها و مقتضى التأكيد و المبالغة فى إتيان الأوامر و النواهي ان يجتنب الشبهات قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الحلال بين و الحرام بين و بينهما امور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس فمن اتقى المشتبهات استبرأ لعرضه و دينه و من وقع فى المشتبهات وقع فى الحرام كراع يرحى حول الحمى يوشك ان يوقعه الحديث متفق عليه من حديث النعمان بن بشير و روى الطبراني فى الصغير بسند صحيح عن عمر مرفوعا الحلال بين و الحرام بين دع ما يريبك الى ما لا يريبك ذلِكُمْ ما ذكر وَصَّاكُمْ أمركم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ قرا حمزة و الكسائي و حفص بتخفيف الذال حيث وقع فى القران إذا كان بالتاء الفوقانية بحذف احدى التاءين من التفعل و الباقون بتشديد الذال و أصله تتذكرون ١٥٣ وَ أَنَّ هذا قرا حمزة و الكسائي بكسر الهمزة على الاستيناف و الباقون بفتح الهمزة لكن قرا ابن عامر و يعقوب بإسكان النون على انها محففة من المثقلة و اسمه ضمير الشان محذوف و الباقون بالتشديد قال الفراء تقديره و اتل عليكم ان هذا صِراطِي قرأ ابن عامر بفتح الياء و الباقون بإسكانها مُسْتَقِيماً حال من الصراط و العامل معنى الاشارة يعنى ان هذا الذي ذكر فى جمع السورة من التوحيد و النبوة و الشرائع طريقى و دينى قلت و جاز ان يكون ان فى محل الجر عطفا على الضمير المجرور فى وصيكم به يعنى و وصيكم بان و قال البيضاوي بتقدير اللام على انه علة لقوله تعالى فَاتَّبِعُوهُ و قيل المشار اليه بهذا ما فى هذه الآيات قال البغوي هذه الآيات محكمات لم ينسخهن شى ء و هن محرمات فى جميع الشرائع على بنى آدم كلهم و هن أم الكتاب من عمل بهن دخل الجنة و من تركهن دخل النار وَ لا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ اى الطرق المختلفة على حسب الأهواء فان مقتضى الشرع اتباع الكتاب و السنة فيما أدركه العقل و فيما لم يدركه و مقتضى اتباع الآراء الفاسدة انه ان وافقها الكتاب و السنة قبلوهما و ان خالفها اوّلوا الكتاب و اتبعوا الأهواء و هذا منشأ اختلاف الشيع فصارت روافض و خوارج و مجسمة و جبرية و قدرية و غيرهم و قد ذكرنا هذه المسألة فى سورة البقرة فى تفسير قوله تعالى كلما أضاء لهم مشوا فيه و إذا اظلم عليهم قاموا فَتَفَرَّقَ تلك السبل بِكُمْ و يزيلكم عَنْ سَبِيلِهِ الذي هو اتباع الوحى ذلِكُمْ الاتباع وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الضلال و التفرق عن الحق عن عبد اللّه بن مسعود قال خط لنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم خطا ثم قال هذا سبيل اللّه ثم خط خطوطا عن يمينه و عن شماله و قال هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو اليه و قرا ان هذا صراطى مستقيما فاتبعوه الاية رواه احمد و النسائي و الدارمي و عن عبد اللّه بن عمر و قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا يومن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به رواه البغوي فى شرح السنة و قال النووي فى اربعينه هذا حديث صحيح ١٥٤ ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ عطف على وصيكم و ثم للتراخى فى الاخبار يعنى ثم أخبركم انا اتينا موسى الكتاب او للتفاوت فى الرتبة كانه قيل ذلكم وصّاكم به قديما و حديثا ثم أعظم من ذلك انا اتينا موسى الكتاب او عطف على قل بتقدير قل يعنى ثم قل اتينا موسى الكتاب او يقال ثم مع الجملة يأتي بمعنى الواو كما فى قوله تعالى ثم اللّه شهيد قلت و يمكن ان يقال ان قوله تعالى وصيكم خطاب للناس أجمعين من لدن آدم عليه السلام الى الان تغليبا للحاضرين على الغائبين و ثم للتراخى فى الحكم و المعنى وصيناكم ايها الناس من بدو خلقكم بما ذكرنا من الشرائع فانها لم تزل فى جميع الشرائع ثم اتينا موسى الكتاب و شرعنا فيه احكاما اخر تَماماً للنعمة و الكرامة عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ القيام بالشرائع المتقدمة و اما من لم يؤمن باللّه وحده و لم يأت بالشرائع المذكورة فلا انتفاع له بالتورية و لا بالقران و لم يتم النعمة و المراد بالذي احسن موسى عليه السلام يعنى تماما عليه النعمة و قيل الذي احسن بمعنى من احسن يعم الواحد و الجميع يعنى تماما على من احسن من قوم موسى يدل عليه قراءة ابن مسعود على الذين أحسنوا و قال ابو عبيدة معناه على كل من احسن يعنى اتممنا فضل موسى بالكتاب على المحسنين يعنى أظهرنا فضله عليهم و المحسنون الأنبياء وَ تَفْصِيلًا بيانا مفصلا لِكُلِّ شَيْ ءٍ يحتاج اليه فى الدين و هو عطف على تماما و نصبهما مع ما عطف عليهما للعلية او الحالية او المصدرية وَ هُدىً وَ رَحْمَةً لَعَلَّهُمْ اى الناس فى زمن موسى يعنى بنى إسرائيل بِلِقاءِ رَبِّهِمْ اى بالبعث و الثواب و العقاب يُؤْمِنُونَ ١٥٥ وَ هذا القران كِتابٌ أَنْزَلْناهُ عليك بعد موسى مُبارَكٌ اكثر خيرا و بركة من التورية لوجازة نظمه و كثرة علومه و كونه بمنزلة المركز من المحيط للدائرة فَاتَّبِعُوهُ فى نسخ احكام التورية وَ اتَّقُوا عذاب اللّه فى مخالفته لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ باتباعه ١٥٦ أَنْ تَقُولُوا خطاب لاهل مكة يعنى لئلا تقولوا او كراهة ان تقولوا علة لانزلناه و قال الكسائي معناه و اتقوا ان تقولوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا يعنى اليهود و النصارى و الاختصاص بانما لان الباقي المشهور من الكتب السماوية حينئذ لم يكن غير التورية و الإنجيل وَ إِنْ مخففة من الثقيلة و لذا دخلت اللام الفارقة فى خبرها كُنَّا يعنى و انه كنا عَنْ دِراسَتِهِمْ قراءتهم لَغافِلِينَ لم تعرف الشرائع لكوننا امة أميين فبعث اللّه محمّدا صلى اللّه عليه و سلم و انزل القران ليكون حجة على الكافرين من اهل مكة و يزيل اعتذارهم و يكون رحمة للعالمين ١٥٧ أَوْ تَقُولُوا عطف على الاول يعنى او كراهة ان تقولوا لَوْ ثبت أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ كما انزل على من قبلنا لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ قال البغوي و قد قال جماعة من الكفار لو انا انزل علينا كما انزل على اليهود وا النصارى لكنا خيرا منهم قال اللّه تعالى فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ حجة واضحة بلغة تعرفونها و تعجزون عن إتيان اقصر سورة مثلها وَ هُدىً بيانا لمن تأمل فيها وَ رَحْمَةٌ نعمة لمن عمل بها جزاء شرط محذوف يعنى ان صدقتم فيما قلتم فقد جاءكم ما تمنيتم مع وضوح كونه حجة ساطعة و برهانا قاطعا فَمَنْ يعنى لا أحد أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللّه بعد وضوح كونها من اللّه و بعد تمنى مجيئها وَ صَدَفَ يعنى اعرض أو صد عَنْها سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا وضع الظاهر موضع المضمر للمبالغة فى ذمهم سُوءَ الْعَذابِ اى شدته بِما كانُوا يَصْدِفُونَ اى باعراضهم او صدهم ١٥٨ هَلْ يَنْظُرُونَ استفهام للانكار اى ما ينتظرون اهل مكة لايمانهم بالقران إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ قرأ حمزة و الكسائي بالياء التحتانية هاهنا و فى النحل على التذكير و الباقون بالفوقانية لكون الفاعل مؤنثا غير حقيقى الْمَلائِكَةُ يعنى ملئكة الموت او ملئكة العذاب او ملئكة يشهدون عيانا بصدق الرسول و حقية القران و الحاصل انهم لما لم يؤمنوا بعد مجئ ما كانوا يتمنون مجيئه و بعد وضوح امره و سطوع برهانه فلعلهم ينتظرون إتيان الملئكة حتى يومنوا حينئذ مع ان الايمان فى تلك الحالة غير مفيد و قال البيضاوي معناه ما ينتظرون الا إتيان الملئكة شبهوا بالمنتظرين لما كان يلحقهم لحوق المنتظر و جاز ان يكون المراد بإتيان الملئكة نزولهم يوم القيامة فى الموقف كما يدل عليه قوله تعالى أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ بلا كيف لفصل القضاء بين خلقه فى موقف القيامة و قد مر نظير هذه الاية فى سورة البقرة هل ينظرون الا ان يأتيهم اللّه فى ظلل من الغمام و الملئكة و قضى الأمر و قد مر تفسيره و ما فيه خلاف السلف و الخلف و ما يليق و يتعلق به من الكلام هناك فليرجع اليه أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يعنى اشراط الساعة قال البغوي يعنى طلوع الشمس من مغربها و عليه اكثر المفسرين و رواه ابو سعيد الخدري مرفوعا «١» (١) عن ابن عباس قال خطبنا عمر فقال ايها الناس ستكون قوم من هذه الامة يكذبون بالرجم و يكذبون بالدجال و يكذبون بطلوع الشمس من مغربها و يكذبون بعذاب القبر و يكذبون بالشفاعة و يكذبون بقوم يخرجون من النار بعد ما امتحشوا ١٢ منه. (فصل) فى اشراط الساعة عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال اطلع النبي صلى اللّه عليه و سلم و نحن نتذاكر فى الساعة فقال انها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات فذكر الدخان و الدجال و الدابة و طلوع الشمس من مغربها و نزول عيسى بن مريم و يأجوج و ماجوج و ثلث خسوف خسف بالمشرق و خسف بالمغرب و خسف بجزيرة العرب و اخر ذلك نار يخرج من اليمن يطرد الناس الى محشرهم و فى رواية نار يخرج من قعر عدن يسوق الناس الى المحشر و فى رواية العاشر ريح تلقى الناس فى البحر رواه مسلم و عن عبد اللّه بن عمر و قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول ان أول الآيات خروجا طلوع الشمس من مغربها و خروج الدابة على الناس ضحى و أيهما كانت قبل صاحبتها فالاخرى على اثرها قريبا رواه مسلم و عن النواس بن سمعان قال ذكر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الدجال فقال ان يخرج و انا فيكم فانا حجيجه دونكم و ان يخرج و لست فيكم فامرء حجيج نفسه و اللّه خليفتى على كل مسلم انه شاب قطط عينه طافية كانى أشبهه بعبد العزى بن قطن فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف فانها جواركم من فتنته انه خارج خلة بين الشام و العراق فعاث يمينا و عاث شمالا يا عباد اللّه فاثبتوا قلنا يا رسول اللّه و ما لبثه فى الأرض قال أربعون يوما يوم كسنة و يوم كشهر و يوم كجمعة و ساير أيامه كايامكم قلنا فذلك اليوم الذي كسنة أ يكفينا فيه صلوة يوم قال لا اقدروا له قدره قلنا يا رسول اللّه و ما اسراعه فى الأرض قال كالغيث استدبرته الريح فياتى على القوم فيدعوهم فيؤمنون به فيأمر السماء فتمطر و الأرض فتنبت فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذرعا و اسبغه ضروعا و امده خواصر ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله فينصرف منهم فيصبحون محلين ليس بايديهم شى ء من أموالهم و يمر بالخرية فيقول بها اخرجى كنوزك فتتبعه كنوزها كيعا سيب النحل ثم يدعو رجلا ممتليا شبابا فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض ثم يدعوه فيقبل و يتهلل وجهه يضحك فبينما هو كذلك إذ بعث اللّه المسيح بن مريم فينزل عند المنارة البيضاء شرقى دمشق بين مهروذتين واضعا كفيه على اجنحة ملكين إذا طاطأ راسه قطر و إذا رفعه تحدر منه مثل جمان «١» كاللؤلؤء فلا يحل لكافر يجد من ريح نفسه إلا مات و نفسه (١) حب يتخذ من الفضة ١٢. ينتهى حيث ينتهى طرفه فيطلبه حتى يدركه بباب لدّ فيقتله ثم يأتي عيسى قوم قد عصمهم اللّه منه فيمسح عن وجوههم و يحدثهم بدرجات فى الجنة فبينما هو كذلك إذ اوحى اللّه الى عيسى انى قد أخرجت عبادا لى لا يدان لاحد لقتالهم فحرز عبادى الى الطور و يبعث اللّه يأجوج و ماجوج و هم من كل حدب ينسلون فيمر اوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها و يمر آخرهم فيقولون لقد كان بهذه مرة ماء ثم يسيرون حتى ينتهوا الى جبل الخمر و هو جبل بيت المقدس فيقولون لقد قتلنا من فى الأرض هلم فلنقتل من فى السماء فيرمون بنشابهم الى السماء فيرد اللّه عليهم نشابهم مخضوبة دما و يحصر نبى اللّه و أصحابه حتى يكون راس الثور لاحدهم خيرا من مائة دينار لاحدكم اليوم فيرغب نبى اللّه عيسى و أصحابه فيرسل اللّه عليهم النغف فى رقابهم فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة ثم يهبط نبى اللّه عيسى و أصحابه الى الأرض فلا يجدون فى الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم «١» و نتنهم فيرغب نبى اللّه عيسى و أصحابه الى اللّه فيرسل اللّه طيرا كاعناق البخت فيحملهم فيطرحهم حيث شاء اللّه و فى رواية فيطرحهم فى النهبل «٢» و يستوقد المسلمون من قسيهم و نشابهم و جعابهم سبع سنين ثم يرسل اللّه مطرا لا يكن منه بيت مدر و لا وبر فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلفة «٣» ثم يقال للارض أنبتي ثمرتك وردى بركتك فيومئذ يأكل العصابة من الرمانة و يستظلون بقحفها و يبارك فى الرسل حتى ان اللقحة من الإبل لتكفى القيام من الناس و اللقحة من البقر لتكفى القبيلة من الناس و اللقحة من الغنم لتكفى الفخذ من الناس فبينما هم كذلك إذ بعث اللّه ريحا طيبة فتاخذهم تحت اباطهم فيقبض روح كل مؤمن و كل مسلم و يبقى شرار الناس يتهارجون يختلطون منها تهارج الحمر فعليهم يقوم الساعة رواه مسلم الا الرواية الثانية و هى قوله يطرحهم بالنهبل الى قوله سبع سنين رواه الترمذي و عن حذيفة عن النبي صلى اللّه عليه و سلم ان الدجال (١) فرسى قتلى زهم رائحة اللحم ١٢. (٢) قال صاحب القاموس فى الترمذي فى حديث الدجال فيطرحهم بالنهبل و هو تصحيف و الصواب بالميم ١٢. (٣) الزلفة جمعها زلف مصانع الماء و قيل الروضة ١٢. يخرج و ان معه ماء و نار فاما الذي يراه الناس ماء فنار يحرق و اما الذي يراه الناس نارا فماء بارد عذب فمن أدرك ذلك منكم فليقع فى الذي يراه نارا فانه ماء عذب طيب متفق عليه و زاد مسلم و ان الدجال ممسوح العين عليها ظفرة غليظة مكتوب بين عينيه كافر يقرأه كل مؤمن كاتب و غير كاتب و فى الصحيحين من حديث ابى هريرة انه يجئ و معه مثل الجنة و النار فالتى يقول انها الجنة هى النار و كذا عند مسلم من حديث حذيفة و فى حديث ابى سعيد عند مسلم إذ راه يعنى الدجال المؤمن قال يا ايها الناس هذا الدجال الذي ذكر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فيأمر الدجال فيوشر بالميشار من مفرقه حتى يفرق بين رجليه ثم يمشى الدجال بين القطعتين ثم يقول قم فيستوى قائما ثم يقول أ تؤمن بي فيقول ما ازددت منك الا بصيرة الحديث و فى حديث اسماء بنت يزيد رواه احمد ان من أشد فتنة الدجال انه يأتي الاعرابى فيقول ارايت ان أحييت لك إبلك الست تعلم انى ربك فيقول بلى فيتمثل له الشياطين نحو ابله كاحسن ما يكون ضروعا و أعظمه اسمنة و يأتي الرجل قد مات اخوه و مات أبوه فيقول ارايت ان أحييت لك أباك و أخاك الست تعلم انى ربك فيقول بلى فيتمثل له الشيطان نحو أبيه و نحو أخيه الحديث. (فصل) و يكون قبل تلك الآيات ظهور المهدى عن ابن مسعود قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لو لم يبق من الدنيا الا يوم لطول اللّه ذلك اليوم حتى يبعث اللّه فيه رجلا منى او من اهل بيتي يواطى اسمه اسمى و اسم أبيه اسم ابى يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا و روى الترمذي بلفظ لا يذهب الدنيا حتى يملك العرب رجل من اهل بيتي اسمه اسمى و عن أم سلمة عن النبي صلى اللّه عليه و سلم يكون اختلاف عند موت خليفة فيخرج رجل من اهل المدينة هاربا الى مكة فياتيه ناس من اهل مكة فيخرجونه و هو كاره فيبايعونه بين الركن و المقام و يبعث اليه بعث من الشام فيخسف بهم بالبيداء بين مكة و المدينة فاذا راى الناس ذلك أتاه ابدال الشام و عصائب اهل العراق فيبايعونه ثم ينشا رجل من قريش أخواله كلب فيبعث إليهم بعثا فيظهرون عليهم ذلك بعث كلب و يعمل فى الناس بسنة نبيهم و يلقى الإسلام بجرانه فى الأرض فيلبث سبع سنين ثم يتوفى و يصلى عليه المسلمون رواه ابو داؤد و روى ابو داؤد عن على انه نظر الى ابنه الحسن و قال ان ابني هذا سيد كما سماه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و سيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم يشبهه فى الخلق و لا يشبهه فى الخلق يملأ الأرض عدلا و عن ابى سعيد فى قصة المهدى قال فيجئ رجل فيقول يا مهدى أعطني أعطني قال فيحثى له فى ثوبه ما استطاع ان يحمله رواه الترمذي و عند الحاكم فى المستدرك يرضى عنه ساكن السماء و ساكن الأرض لا يدع السماء من قطرها شيئا إلا صبته مدرارا و لا يدع الأرض من نباتها شيئا الا أخرجته حتى يتمنى الاحياء الأموات يعيش فى ذلك سبع سنين او ثمان او تسع يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها حينئذ كالمحتضر إذا صار الأمر عيانا و الايمان واجب بالغيب لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ الجملة صفة لنفس أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً عطف على امنت احتج بهذه الاية من لم يعتبر الايمان المجرد عن العمل لان معنى الاية انه لا ينفع الايمان حينئذ نفسا لم يؤمن قبل ذلك اليوم و لا نفسا لم تكسب قبل ذلك اليوم خيرا فى إيمانها قلنا هذه الاية لا تدل على عدم نفع ايمان من لم يكسب فيه خيرا مطلقا بل على عدم نفع إيمانه فى ذلك اليوم خاصة و ايضا أحد الامرين على التنكير إذا جاءت فى حيز النفي يعم الامرين كما فى قوله تعالى لا تطع منهم اثما او كفورا يعنى لا تطع اثما و لا كفورا فمعنى الاية لا ينفع الايمان نفسا لم تومن و لم تكسب فيه خيرا و قال البغوي معنى الاية لا يقبل حينئذ ايمان كافر و لا توبة فاسق فالمراد بالايمان فى إيمانها التوبة بعموم المجاز فانه يشتمل التوبة عن الكفر و التوبة عن المعاصي قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان اللّه عز و جل جعل بالمغرب بابا مسيرة عرضه سبعون عاما للتوبة لا يغلق ما لم يطلع الشمس من قبله و ذلك قوله تعالى يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن امنت من قبل رواه الترمذي و ابن ماجة من حديث صفوان بن عسال و روى مسلم من حديث ابى موسى الأشعري قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان اللّه يبسط يده بالليل ليتوب مسئ النهار و يبسط يده بالنهار ليتوب مسئ الليل حتى تطلع الشمس من مغربها و روى مسلم من حديث ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من تاب قبل ان تطلع الشمس من مغربها تاب اللّه عليه و روى احمد و ابو داؤد و الدارمي عن معاوية قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا ينقطع الهجرة حتى ينقطع التوبة و لا ينقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها هذه الأحاديث تدل على ان المراد بالايمان فى قوله تعالى لا ينفع نفسا إيمانها التوبة و قد ورد الأحاديث بلفظ الايمان من غير لفظ التوبة منها ما روى البغوي بسنده عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها فاذا طلعت و راها الناس أمنوا أجمعون و حينئذ لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن امنت من قبل او كسبت فى إيمانها خيرا و روى مسلم عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ثلث إذا خرجن لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن امنت من قبل او كسبت فى إيمانها خير الدجال و الدابة و طلوع الشمس من مغربها و تاويل هذه الأحاديث لا يكون الا ان يقال معناه لا ينفع نفسا لم تكن امنت من قبل و كسبت فى إيمانها خيرا إيمانها اى تحصيل الايمان فى ذلك اليوم بعد ما لم يكن. (فائدة) و لعل قوله تعالى لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن امنت من قبل او كسبت فى إيمانها خيرا تدل على ان من كان كافرا قبل ذلك لا يقبل إيمانه بعد ذلك و اما من ولد بعد ذلك او أدرك العقل و البلوغ بعد ذلك و أمن فالظاهر انه يقبل إيمانه قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ينزل عيسى بن مريم الى الأرض فيتزوج و يولد له و يمكث خمسا و أربعين سنة ثم يموت فيدفن معى فى قبرى فاقوم انا و عيسى بن مريم فى قبر واحد بين ابى بكر و عمر رواه ابن الجوزي فى كتاب الوفاء عن ابن عمر قُلِ انْتَظِرُوا يا اهل مكة إِنَّا مُنْتَظِرُونَ وعيد لهم يعنى حينئذ لنا الفوز و عليكم العذاب ١٥٩ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ قرأ حمزة و الكسائي فارقوا من المفاعلة يعنى خرجوا من دينهم و تركوه و الباقون فرقوا من التفعيل يعنى أمنوا ببعض و كفروا ببعض او المعنى انهم صاروا فرقا مختلفة قال مجاهد و قتادة و السدى هم اليهود و النصارى تهود قوم و تنصر قوم و كان دين واحدا و هذا ليس بسديد لان تهودهم ابتنى على بعثة موسى و مجيئه بشرع جديد و تنصر آخرين على بعثة عيسى و كان اصول دين اليهود و النصارى واحدا هى اصول دين ابراهيم و انما كفر يهود بانكارهم نبوة عيسى و محمد صلى اللّه عليهما و كفر نصارى بانكار نبوة محمد صلى اللّه عليه و سلم و ذا ليس بمراد من هذه الاية بل المراد هاهنا تخليطهم فى دينهم ما ليس منه باهوائهم و إغواء الشيطان فالذين افترقوا فى دينهم يعم الذين اتبعوا اهوائهم من الأمم السابقة و من اصحاب البدع و الأهواء من هذه الامة عن عبد اللّه بن عمر و قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لياتين على أمتي كما اتى على بنى إسرائيل حذو النعل بالنعل حتى ان من كان منهم اتى امه علانية لكان من أمتي من يصنع ذلك و ان بنى إسرائيل تفرقت على ثنتين و سبعين ملة و تفرق أمتي على ثلث و سبعين ملة كلهم فى النار إلا ملة واحدة قالوا من هى يا رسول اللّه قال ما انا عليه و أصحابي رواه الترمذي و فى رواية احمد و ابى داؤد عن معاوية ثنتان و سبعون فى النار و واحدة فى الجنة و هى الجماعة و انه سيخرج فى أمتي أقوام يتجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكلب لصاحبه لا يبقى منه زق و لا مفصل إلا دخله و فى رواية من حديث ابى هريرة افترقت اليهود احدى و سبعين فرقة كلهم فى الهاوية الا واحدة و افترقت النصارى على ثنتين و سبعين فرقة كلهم فى الهاوية الا واحدة و تفترق أمتي على ثلث و سبعين فرقة كلها فى الهاوية الا واحدة رواه ابو داؤد و الترمذي و صححه و ابن ماجة و ابن حبان و الحاكم و صححه قال البغوي روى عن عمر بن الخطاب ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال لعائشة يا عائشة ان الذين فرقوا دينهم و كانوا شيعا هم اصحاب البدع و اصحاب الأهواء من هذه الامة أخرجه الطبراني و غيره بسند جيد و اخرج الطبراني بسند صحيح عن ابى هريرة عنه صلى اللّه عليه و سلم نحوه و عن العرباض بن سارية قال صلى بنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ذات يوم ثم اقبل بوجهه فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون و وجلت منها القلوب فقال رجل يا رسول اللّه كانّ هذا موعظة مودع فاوصنا فقال أوصيكم بتقوى اللّه و السمع و الطاعة و ان كان عبدا حبشيا فان من يعشى منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتى و سنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها و عضوا عليها بالنواجذ و إياكم و محدثات الأمور فان كل محدث بدعة و كل بدعة ضلالة رواه احمد و ابو داؤد و الترمذي و ابن ماجة الا انهما لم يذكرا الصلاة و عن ابن عمر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اتبعوا السواد الأعظم و من شذ شذ فى النار ذكره صاحب المصابيح و رواه ابن ماجة عن انس و عن ابن عمر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان اللّه لا يجمع أمتي على ضلالة و يد اللّه على الجماعة و من شذ شذ فى النار رواه الترمذي و عن معاذ ابن جبل قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إياكم و الشعاب و عليكم بالجماعة و و العامة و عن ابى ذر رضى اللّه عنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من فارق الجماعة شبرا فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه رواه احمد و ابو داؤد و الجماعة جماعة الصحابة و من تبعهم اعلم ان اللّه تعالى بعث محمدا صلى اللّه عليه و سلم و أعطاه كتابه و مثله معه من العلم بالوحى الغير المتلو و من الكتاب نصوص محكمات لا شبهة فى مرادها و اخر خفيات مرادها و مشكلات و مجملات و متشابهات التزم اللّه سبحانه على نفسه بيانها للنبى صلى اللّه عليه و سلم حيث قال ثم ان علينا بيانه ثم علم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما علمه اللّه أصحابه و علموه حتى انتهى إلينا فسعادة ابن آدم ان يتبع كتاب اللّه و سنة رسوله و اجماع الصحابة و التابعين و يتبع فى تاويل ما خفى مراده من الكتاب و السنة ما اختاره الصحابة من التأويل و اما اهل الأهواء اتبعوا عقولهم و أهواءهم فما وافق من الكتاب آرائهم أخذوه و أمنوا به و ما لم يصاعده عقولهم أنكروه و كفروا به فانكروا روية اللّه سبحانه فى الاخرة و عذاب القبر و وزن الأعمال و الصراط و الحساب و كون كلام اللّه غير مخلوق و غير ذلك مما نطق به الكتاب و السنة و اجمع عليه الصحابة ففارقوا دينهم و فرقوا كتاب اللّه أمنوا ببعضه و كفروا ببعضه هذا طريق المعتزلة و كثير منهم و قالوا بوجوب الأصلح على اللّه سبحانه و امتناع المغفرة و أنكروا القدر و قالوا ان العبد خالق لافعاله دون اللّه تعالى و لذلك سموا بمجوس هذه الامة قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم القدرية مجوس هذه الامة ان مرضوا فلا تعودوهم و ان ماتوا فلا تشهدوهم رواه احمد و ابو داؤد من حديث ابن عمر و قال عليه السلام صنفان من أمتي ليس لهما فى الإسلام نصيب المرجئة و القدرية رواه الترمذي و عن عائشة قالت قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ستة لعنتهم لعنهم اللّه و كل نبى يجاب الزائد فى كتاب اللّه و المكذب بقدر اللّه و المتسلط بالجبروت ليعز من اذله اللّه و يذل من أعزه اللّه و المستحل لحرم اللّه و المستحل من عترتى ما حرم اللّه و التارك لسنتى رواه البيهقي فى المدخل و رزين فى كتابه قلت الزائد فى كتاب اللّه الروافض يزعمون غير ما بين فى المصحف قرانا و يحكمون ان الصحابة أخرجوه من القران و لا يومنون بقوله تعالى انا له لحافظون و المكذب بقدر اللّه القهرية و المستحل من عترته صلى اللّه عليه و سلم الخوارج و التارك لسنة سائر المبتدعة و من اهل الهواء من اتبع متشابهات الكتاب بناء على زيغ فى قلوبهم و لم يقتفوا السلف فى تأويلها و الايمان بها و ذلك داب المجسمة و المشبهة و أمثالهم و اما الروافض ففارقوا دينهم بالكلية فان الدين مستفاد من الكتاب و السنة و الإجماع فهم تركوا كتاب اللّه و أنكروا الوثوق عليه حيث قالوا ان عثمان حذف من القران قريبا من الربع و زاد فيه ما زاد و تركوا سنة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حيث ادعوا كفر جميع الصحابة و ارتدادهم و لا سبيل الى معرفة الأحاديث الا بالسمع و لا يتصور السمع الا بتوسط الصحابة و أنكروا اجماع الصحابة و بنوا دينهم على مفتريات مزخرفات نسبوه الى الائمة جعفر الصادق و محمد الباقر و ابائه الكرام و لما ثبت بالتواتر اثار الائمة مطابقا لاثار الصحابة رضوان اللّه عليهم أجمعين ادعوا افتراض التقية و قالوا كان ظاهر كلام الائمة مبنيا على التقية و ما وصل إلينا علموا أسلافنا سرّا مختفين قائلين لا تفشوا هذه الاسرار فان للجدران أذان و أنت تعلم ان ما كان مرويا على سبيل الإخفاء و الاسرار لا يحتمل الشهرة و التواتر و ان اخبار الآحاد و إن كان من الثقات لا يفيد العلم الا الظن و ان الظن لا يغنى من الحق شيئا كيف إذا كان روات الاخبار احادا من الكذابين الا بالسنة مثل عبد اللّه بن سبا يهودى المنافق و هشام بن سالم و هشام بن حكم و زيد بن جهيم الهلالي و شيطان الطاق و ديك الجن الشاعر و غيرهم ذكرنا أحوالهم و احوال غيرهم من رجال الروافض فى السيف المسلول فلعل من اعجاز القران الاشارة الى فرق الروافض الذين يسمون أنفسهم شيعة بقوله تعالى وَ كانُوا شِيَعاً اى فرقا تشيع كل فرقة منهم اماما على زعمهم عن على عليه السلام قال قال لى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فيك مثل من عيسى أبغضه اليهود حتى بهتوا امه و أحبته النصارى حتى أنزلوه بالمنزلة التي ليست له ثم قال على يهلك فىّ رجلان محب مفرط يفرطنّنى بما ليس فى و مبغض يحمله شنآنى على ان يبهتنى رواه احمد و عن على قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يكون فى أمتي قوم يسمعون الرافضة يرفضون الإسلام رواه البيهقي و عنه عليه السلام عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال سياتى بعدي قوم لهم نيز يقال لهم الرافضة فان أدركتهم فاقتلهم فانهم مشركون قال قلت يا رسول اللّه ما العلامة فيهم قال يفرظونك بما ليس فيك و يطعنون على السلف رواه الدارقطني و اخرج الدار قطنى من طريق اخر نحوه و زاد فيه ينتحلون حبنا اهل البيت و ليسوا كذلك و اية ذلك انهم يسبون أبا بكر و عمرو فى الباب أحاديث اخر ذكرناها فى السيف المسلول لَسْتَ يا محمد مِنْهُمْ فِي شَيْ ءٍ يعنى أنت بري ء منهم و هم براء منك يقول العرب ان فعلت كذا فلست منى و لا انا منك إِنَّما أَمْرُهُمْ فى الجزاء و المكافاة إِلَى اللّه يعنى يجزيهم على قدر تباعدهم عن الحق ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ إذا وردوا يوم القيامة يعنى يجزون اولا على تفرقهم فى دينهم و سوء اعتقادهم ثم يجزون على أفعالهم و معاصيهم ١٦٠ مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها اى فله جزاء عشر حسنات أمثال ما فعل من الحسنة حذف المضاف الى عشر و أقيم صفة الجنس المميز مقام الموصوف ولى فى هذا المقام إشكال و ذلك ان جزاء الحسنات و السيئات مقدر بتقدير اللّه تعالى لا مدخل للراى فيه إذ لا مماثلة بين عمل و جزائه يعرف بالحس او العقل او غير ذلك فالجزاء للحسنة ما قدر اللّه تعالى له جزاء الا ترى الى ان اجرة أجير يستاجر فى الدنيا بعمل انما يتقدر بالعقد إذ لا مماثلة بين العمل و الدراهم مثلا فعلى هذا لا يتصوران يقال من عمل حسنة يعطى له جزاء عشر أمثالها الا إذا كانت تلك الحسنة تجزى فى بعض الافراد بعشر هذا الجزاء فانه ان اعطى رجل على عمل درهما و اعطى اخر على تلك العمل عشرة دراهم يقال حينئذ اعطى هذا جزاء عشرة أمثال عمله و اما إذا كان كل أحد مثلا يعطى على مثل تلك العمل عشرة دراهم فيكون حينئذ جزاء هذا العمل عشرة دراهم ليس الا عشرة فكيف يقال انه اعطى جزاء عشرة أمثال عمله فالظاهر عندى فى تاويل الاية انها ليست على عمومه و ان جزاء كل حسنة أدناه مقدر فى علم اللّه تعالى بتقدير اللّه تعالى يعطى بعض المكلفين ذلك الأدنى ثم يضاعف اللّه تعالى ذلك الجزاء على حسب اخلاص العبد و مراتب قربه من اللّه تعالى او تفضلا منه تعالى لمن يشاء من عباده فيضاعف من يشاء عشر أمثالها الى سبعين او الى سبعمائة ضعف الى ما شاء اللّه بغير حساب و يدل على ما قلت حديث ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا احسن أحدكم إسلامه فكل حسنة يعملها تكتب بعشر أمثالها الى سبعمائة ضعف و كل سيئة يعملها تكتب له بمثلها حتى يلقى اللّه عز و جل متفق عليه وجه الدلالة انه عليه السلام علق التضعيف بحسن إسلامه و حسن الإسلام بتصفية القلب و تزكية النفس المستوجبان للاخلاص فى العمل و يمكن ان يقال ثواب رجل من رجال امة محمد صلى اللّه عليه و سلم عشرة أمثال ثواب رجل من الأمم السالفة يدل عليه حديث ابن عمر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انما اجلكم من أجل من خلا من الأمم ما بين العصر الى مغرب الشمس و انما مثلكم و مثل اليهود و النصارى كرجل استعمل عمالا فقال من يعمل لى الى نصف النهار على قيراط قيراط فعملت اليهود الى نصف النهار على قيراط قيراط ثم قال من يعمل لى من نصف النهار الى صلوة العصر على قيراط قيراط فعملت النصارى من نصف النهار الى صلوة العصر على قيراط قيراط ثم قال من يعمل لى من صلوة العصر الى مغرب الشمس على قيراطين قيراطين الا فانتم الذين يعملون من صلوة العصر الى مغرب الشمس الا لكم الاجر مرتين فغضبت اليهود و النصارى فقالوا نحن اكثر عملا و اقل إعطاء قال اللّه تعالى فهل ظلمتكم من حقكم شيئا قالوا لا قال اللّه تعالى فانه فضلى أعطيه من شئت رواه البخاري قلت و التأويل الاول أوجه لان الحديث يدل على تضعيف عمل هذه الامة على الذين من قبلهم مرة لا عشر مرار فلعل ادنى رجل من رجال هذه الامة يعطى ضعف اجر من كان فى الأمم السابقة يضاعف الى عشرة أمثاله او الى سبعين او سبعمائة او الى ما شاء اللّه تعالى على حسب الإخلاص و تفضلا منه تعالى و اللّه اعلم. وَ مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها لا يضاعف السيئة فى حق أحد من الناس كما يدل عليه قوله تعالى وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ عن ابى ذر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال اللّه عز و جل من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها و أزيد و من جاء بالسيئة فجزاء سيئة مثلها و اغفر و من تقرب منى شبرا تقربت منه ذراعا و من تقرب منى ذراعا تقربت منه باعا و من أتاني يمشى أتيته هرولة و من لقينى بقراب الأرض خطيئة لا يشرك بي لقيته بمثلها مغفرة رواه البغوي قلت معنى قوله لقيته بمثلها مغفرة يعنى ان شئت بدليل قوله فجزاء سيئة بمثلها قال البغوي قال ابن عمر الاية فى غير الصدقات من الحسنات فاما الصدقات تضاعف الى سبعمائة ضعف قلت انما قال ابن عمر هذا نظرا منه الى قوله تعالى مثل الذين ينفقون أموالهم فى سبيل اللّه كمثل حبة أنبتت سبع سنابل فى كل سنبلة مائة حبة و اللّه يضاعف لمن يشاء و زعما منه بتخصيص هذا الحكم بالصدقات و ليس كذلك و قد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كل تسبيحة صدقة و كل تحميدة صدقة و كل تهليلة صدقة و كل تكبيرة صدقة رواه مسلم و ابو داؤد و ابن ماجة و غيرهما من حديث ابى ذر بل ذكر اللّه تعالى اكثر ثوابا من الصدقات قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الا أخبركم بخير أعمالكم و أزكاها عند مليككم و ارفعها فى درجاتكم و خير لكم من انفاق الذهب و الورق و خير لكم من ان تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم و يضربوا أعناقكم قالوا بلى قال ذكر اللّه رواه ابن ماجة و الترمذي و الحاكم و احمد عن ابى الدرداء و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما صدقة أفضل من ذكر اللّه رواه الطبراني فى الأوسط عن ابن عباس و اللّه اعلم ١٦١ قُلْ يا محمد إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي قرأ ابو عمرو و نافع بفتح الياء و الباقون بالإسكان إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ بالعصمة فى اصل الخلقة و الوحى و الإرشاد الى ما نصب من الحجج دِيناً بدل من محل الى صراط فان معناه هدانى صراطا او مفعول فعل محذوف دل عليه الملفوظ يعنى هدانى دينا قِيَماً قرأ الكوفيون و ابن عامر بكسر القاف و فتح الياء مخففة على انه مصدر نعت به و كان قياسه قوما كعوض فاعلّ لاعلال فعله كالقيام و قرا الباقون بفتح القاف و كسر الياء مشددة على انه فيعل من قام كسيد من ساد و هو ابلغ من المستقيم باعتبار النية و المستقيم باعتبار الصيغة و قال البغوي معناهما واحد و هو القويم المستقيم مِلَّةَ إِبْراهِيمَ عطف بيان لدينا حَنِيفاً حال من ابراهيم وَ ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ باللّه يا اهل مكة فلم تشركون أنتم على خلاف أبيكم مع انكم تدعون اتباعه عطف على حنيفا ١٦٢ قُلْ يا محمد إِنَّ صَلاتِي وَ نُسُكِي قيل المراد بالنسك الذبيحة فى الحج و العمرة و قال مقاتل نسكى حجى و قيل دينى و قيل عبادتى كذا فى القاموس و الصحاح وَ مَحْيايَ قرأ نافع بخلاف عن ورش بسكون الياء و الباقون بفتح الياء تحرزا عن اجتماع الساكنين وَ مَماتِي قرأ نافع بفتح الياء و الباقون بالإسكان يعنى حيوتى و موتى للّه رَبِّ الْعالَمِينَ هو يحيى و يميت و قيل ما انا عليه فى حيوتى و أموت عليه من الايمان و الطاعات او يقال طاعات الحياة من الصلاة و الصوم و غيرهما و الطاعات المضافة الى الموت من الوصية و التدبير و قيل معناه طاعاتى فى حيوتى للّه و جزائى بعد موتى على اللّه و قيل محياى بالعمل الصالح و مماتى إذا مت على الايمان للّه ١٦٣ لا شَرِيكَ لَهُ يعنى لا أشرك به أحدا غيره وَ بِذلِكَ القول و الإخلاص أُمِرْتُ وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ من هذه الامة و لست أدعوكم الا الى ما سبقتكم به فلست الا ناصحا لكم قال البغوي كان كفار قريش يقولون للنبى صلى اللّه عليه و سلم ارجع الى ديننا فقال اللّه سبحانه ١٦٤ قُلْ أَ غَيْرَ اللّه أَبْغِي رَبًّا اشركه فى عبادتى انكار على بغية الغير ربا و لذا قدم المفعول وَ هُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْ ءٍ حال فى موقع العلة للانكار يعنى كل ما سواه مربوب له مثلى لا يصلح للمعبودية و فى تعقيب هذا الكلام بعد ما سبق ان دينى دين ابراهيم دفع توهم أخذ دينه تقليدا كما أخذ المشركون دين ابائهم قال البغوي قال ابن عباس كان الوليد بن المغيرة يقول اتبعوا سبيلى احمل اوزاركم فقال اللّه تعالى وَ لا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ خطيئة إِلَّا كائنة إثمها عَلَيْها فلا ينفع أحدا كفالة أحد فى ابتغاء رب غيره تعالى وَ لا تَزِرُ اى لا تحمل نفس وازِرَةٌ حاملة وِزْرَ ثقل معاصى نفس أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ يوم القيامة فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ من الأديان المختلفة فيميز المحق من المبطل و يجزى كلا على حسب عمله و اعتقاده ١٦٥ وَ هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فى الْأَرْضِ يعنى أهلك اهل القرون الماضية و أورثكم الأرض يا امة محمّد وَ رَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ منصوب على التميز من النسبة يعنى رفع درجات بعضكم فوق درجات بعض اخر فى الشرف و الغناء و غير ذلك- لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ من الجاه و المال و غير ذلك ليظهر منكم هل تشركون اولا إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ لاعدائه اى يسرع العذاب إذا اراده و تأخير العذاب الى ما بعد الموت او ما بعد القيامة لا ينافى ذلك لان ما هو ات قريب وَ إِنَّهُ لَغَفُورٌ للمؤمنين رَحِيمٌ بهم وصف العقاب بالسرعة و لم يضفه الى نفسه و وصف نفسه بالمغفرة و ضم اليه الوصف بالرحمة و اتى ببناء المبالغة و اللام الموكدة تنبيها على انه تعالى غفور بالذات معاقب بالعرض رعاية للنظام الجملي الذي هو مقتضى صفة الربوبية كثير الرحمة مبالغ فيها قليل العقوبة مصافح فيها عن ابن عمر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أنزلت علىّ سورة الانعام جملة واحدة يشيعها سبعون الف ملك لهم زجل بالتسبيح و التحميد رواه الطبراني فى المعجم الصغير و ابو نعيم فى الحلية و ابن مردويه فى تفسيره و عن انس قال لما نزلت سورة الانعام سبح رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ثم قال لقد شيع هذه السورة من الملائكة ما سدوا الأفق رواه الحاكم فى المستدرك و هذا الحديث ايضا يدل على انها نزلت جملة واحدة و لعل ما ذكر فى اسباب نزول آيات منها اتفق وجودها فى تلك الأيام متقاربة فلمناسبة بعض الآيات ببعضها و بعض اخر ببعض اخر منها قيل نزلت هذه الاية فى كذا و هذه فى كذا و اللّه اعلم «١». (١) عن عمر بن الخطاب قال الانعام من نواجب القران رواه الدارمي يعنى عتاقه و فى رواية من نجائب القران او نواجبه اى أفاضل سوره جمع نجيبة و اخرج البيهقي فى الشعب بسند فيه من لا يعرف عن على موقوفا سورة الانعام ما قرئت على عليل الا شفاه اللّه عنه ١٢. تمّت سورة الانعام من التفسير المظهرى التاسع عشر من الربيع الثاني سنة الف و مائة و تسع و تسعين و يتلوه سورة الأعراف ان شاء اللّه تعالى سنه ١١٩٩ ه |
﴿ ٠ ﴾