|
١٤٥ قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ و هو يعم القران و غيره و لا وجه لتخصيصه بالقران كيف و الكلام فى رد ما يزعمون من تحريم البحائر و نحوها بغير علم و ذا لا يتم الا بارادة العموم فان المقصود من هذا الكلام التنبيه ان التحريم و غيرها من الاحكام انما يعلم بالوحى دون الهوى و لا أجد هاهنا من افعال القلوب و مفعوله الاول محذوف و مفعوله الثاني قوله تعالى مُحَرَّماً و اختار اكثر المفسرين تقدير طعاما محرما ليصح استثناء الخنزير منه متصلا عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ متعلق بمحرما إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً قرأ ابن عامر تكون بالتاء لتانيث الفاعل و ميتة بالرفع على الفاعلية و يكون حينئذ تامة و قرا ابن كثير و حمزة ايضا بالتاء نظرا الى تأنيث الخبر و ميتة بالنصب على الخبرية كجمهور القراء و الباقون بالياء التحتانية على ان الضمير المستتر فيه راجع الى المحذوف المقدر اعنى طعاما و المستثنى فى محل النصب على الحالية يعنى لا أجد طعاما محرما فى حال من الأحوال الا حال كونه ميتة و الميتة ما فارقه الروح حتف انفه من غير فعل أحد فلا يدخل فيه الموقوذة و المتردية و النطيحة و ما أكل السبع كما يدل عليه العطف فى قوله تعالى حرمت عليكم الميتة الاية فى سورة المائدة و يدل عليه ايضا قول الكفار تزعم يا محمد ان ما قتلت أنت و أصحابك حلال و ما قتله الكلب و الصقر حلال و ما قتله اللّه حرام و انما تثبت حرمة الموقوذة و أخواتها بغير هذه الآيات أَوْ دَماً مَسْفُوحاً اى مهراقا سائلا قال ابن عباس يريد ما خرج من الحيوان و هو حى و ما خرج من الأوداج عند الذبح و لا يدخل فيه الكبد و الطحال لانهما جامدان و قد جاء الشرع بإباحتهما نصا و اجماعا و لا ما اختلط باللحم من الدم لانه غير سائل أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ اى الخنزير لقربه رِجْسٌ اى قذر و من هذه الاية ثبت كون الخنزير نجسا عينه و من ثم لا يجوز بيع شى ء من اجزائه و لا الانتفاع به أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّه بِهِ الجملة صفة لفسقا و هو معطوف على لحم خنزير و قوله فانه رجس معترض بين المعطوف و المعطوف عليه سمى اللّه سبحانه ما ذبح على اسم الصنم فسقا لتوغله فى الفسق و جاز ان يكون فسقا مفعولا له لاهل و الجملة معطوفة على يكون و المستكن فيه راجع الى ما رجع اليه المستكن فى يكون فَمَنِ اضْطُرَّ اى دعته الضرورة الى تناول شى ء من ذلك غَيْرَ باغٍ اى حال كونه غير باغ للذة و شهوة و لا باغ على مضطر مثله وَ لا عادٍ اى متجاوز قدر الضرورة فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ «١» لا يواخذ و قد مر مثل هذه الاية فى سورة البقرة و ذكرنا ما يتعلق به هناك. (١) قال الامام جلال الدين السيوطي فى الإتقان قال الشافعي فى هذه الاية ما معناه ان الكفار لما حرموا ما أحل اللّه و أحلوا ما حرم اللّه جاءت الاية مناقضة لغرضهم فكانه قال لا حلال الا ما حرمتموه من البحيرة و السائبة و الوصيلة و نحوها يعنى من الانعام و لا حرام الا ما أحللتموه من الميتة و الدم و لحم الخنزير و ما أحل لغير اللّه به فالاية نازلة منزلة من يقول فى جواب قول قائل لا تأكل اليوم حلاوة لا أكل اليوم الا حلاوة و الغرض المصادة يعنى فى تحليل الانعام و تحريمها لا النفي و الإثبات على الحقيقة قال الامام الحرمين و هذا فى غاية الحسن ١٢. (مسئلة) ذهب بعض العلماء الى ان التحريم مقصور على هذه الأشياء لانحصار التحريم بنص الكتاب فيها و لا يجوز نسخ الكتاب بخبر الآحاد يروى ذلك عن عائشة و ابن عباس و به قال مالك فانه يطلق الكراهة على ما سوى ذلك مما ورد النهى عنها فى الحديث قالوا و يدخل فى الميتة المنخنقة و الموقوذة و ما ذكر فى أوائل سورة المائدة قلت دخول الموقوذة و أخواتها فى الميتة ممنوع كما ذكرنا و قال اكثر الائمة ابو حنيفة و الشافعي و احمد و غيرهم لا يختص التحريم بهذه الأشياء قال البيضاوي الاية محكمة يعنى غير منسوخة لانها تدل على انه لم يجد فيما اوحى اليه الى تلك الغاية محرما غير هذه و ذلك لا ينافى ورود التحريم فى شى ء اخر فلا يلزم نسخ الكتاب بخبر الواحد و هذا القول غير صحيح عندى فان كل اية او سنة نطقت بحكم غير مقيد بالتابيد او التوقيت فانها مؤيدة ظاهرا نظرا الى الاستصحاب و هو فى علم اللّه موقت و لا يكون قابلا للنسخ الا هذا القسم من النصوص فالناسخ يكون بيانا لمدة الحكم و لذا سمى النسخ بيان تبديل كيلا يلزم على اللّه البدء المستحيل و و لا شك ان هذه الاية تدل على حل ما عدا المذكورات فى هذا الوقت من غير دلالة على تابيد الحل او كونه منتهيا الى وقت و من أجل ذلك كانت الاية رد التحريم البحاير و أخواتها و احتمال ورود التحريم بعد ذلك لا ينافى كون حلها حكما شرعيا ثابتا بنص الكتاب فالحكم الوارد بالسنة بعد ذلك بالتحريم يكون ناسخا للحل البتة فلا يصح ما قيل انه لا يلزم نسخ الكتاب بخبر الواحد فالاولى ان يقال قد لحقه التخصيص بالقطعي الوارد فى المنخنقة و أخواتها و الوارد فى تحريم الخمر فانه ايضا من جنس الطعام فان قوله تعالى ليس على الذين أمنوا و عملوا الصالحات جناح فيما طعموا الاية وارد فى الخمر و العام المخصوص بالبعض يجوز تخصيصه بخبر الآحاد بل بالقياس ايضا و القول باشتراط المقارنة فى التخصيص ممنوع بل كل ما يخرج بعض الافراد عن الحكم من كلام مستقل فهو مخصص سواء كان متراخيا او مقارنا و انما الناسخ ما سلب الحكم عن جميع الافراد و لو سلمنا هذا الاشتراط فنقول حل جميع الحيوانات الثابت بهذا النص منسوخ بتحريم الخبائث الثابت بقوله تعالى يأمرهم بالمعروف و ينهيهم عن المنكر و يحل لهم الطيبات و يحرم عليهم الخبائث لكن الطيبات و الخبائث مجمل التحق أحاديث النبي صلى اللّه عليه و سلم الواردة فى تحريم السباع و الحمر الاهلية و أمثالها بيانا للاية فالناسخ انما هو الكتاب للكتاب و الأحاديث بيان للكتاب او نقول الأحاديث الواردة فى تحريم السباع و غيرها و انكانت من رواية الآحاد لكن تلقتها جميع الامة بالقبول و مالك رحمه اللّه و ان لم يقل بتحريم السباع و أمثالها لكنه يقول بالكراهة التحريمية عملا بتلك الأحاديث فلا شبهة فى قبوله الأحاديث المذكورة فصارت الأحاديث المذكورة مجمعا عليها فجاز نسخ الكتاب بها لكونها قطعية بإجماع الامة على قبولها و الاختلاف الواقع فى الضبع و الثعلب و اليربوع و الضب لا يضرابا حنيفة فانه يقول الضبع و الثعلب من السباع و الضب و اليربوع من الحشرات و لا خلاف فى عدم جوازا كل السباع و الحشرات و انما الخلاف فى كونها من السباع و الحشرات و قد ذكرنا مسائل ما يحل من الحيوانات و ما يحرم فى سورة المائدة فى تفسير قوله تعالى اليوم أحل لكم الطيبات الاية |
﴿ ١٤٥ ﴾