سُورَةُ الْأَنْفَالِ مَدَنِيَّةٌ وَهِيَ خَمْسٌ وَسَبْعُونَ آيَةًنحمد يا من لا اله الّا أنت و نسبّحك و نستعينك و نستغفرك و نشهد انّك مالك الملك تؤتى الملك من تشاء و تنزع الملك ممّن تشاء و تعزّ من تشاء و تذلّ من تشاء بيدك الخير انّك على كلّ شى ء قدير أنت ربّنا و ربّ السّموات و الأرض و من فيهنّ و نصلّى و نسلّم على رسولك و حبيبك سيّدنا و مولانا محمّد و على جميع النّبيين و المرسلين و على عبادك الصّالحين سورة الأنفال ستة او سبع و سبعون آية مدنية قيل الا سبع آيات من قوله تعالى وَ إِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا الى آخر سبع نزلت بمكة و الأصح انها نزلت بالمدينة و ان كانت الواقعة بمكة ربّ يسّر و تمّم بالخير بِسْمِ اللّه الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ روى ابن ابى شيبة و ابو داود و النسائي و الحاكم و ابن حبان و عبد الرزاق في المصنف و عبد بن حميد و ابن عابد و ابن مردوية و ابن عساكر عن ابن عباس رضى اللّه عنهما قال لما كان يوم بدر قال النبي صلى اللّه عليه و سلم من قتل قتيلا فله كذا و كذا و من اسر أسيرا فله كذا و كذا و في رواية ابن مردوية من طريق فيه الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس و عن عطاء عن ابن عجلان عن عكرمة عنه بلفظ من قتل قتيلا فله سلبه فأما المشيخة فثبتوا تحت الرايات و اما الشبان فسارعوا الى القتل و الغنائم فقال المشيخة للشبان اشركونا معكم فانا كنا لكم ردا و لو كان منكم شى ء لجئتم إلينا فاختصموا الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و جاء ابو اليسر باسيرين فقال يا رسول اللّه قد وعدتنا فقام سعد بن معاذ فقال يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أعطيت هؤلاء لم يبق لاصحابك شى ء و انه لم يمنعنا من هذا زهادة في الآخرة و لا جبن عن العدو و لا ضعن بالحياة ان نصنع ما صنع إخواننا و لكنا رأينا قد أفردت فكرهنا ان تكون بمضيعة و انما قمنا هذا المقام محافظة عليك ان يأتوك من ورائك فتشاجروا فنزلت. _________________________________ ١ يَسْئَلُونَكَ يا محمد عَنِ الْأَنْفالِ يعنى ان الغنائم لمن هى و النفل الغنم لانها من فضل اللّه و عطائه قُلِ لهم يا محمد الْأَنْفالُ للّه ملكا وَ الرَّسُولِ تصرفا يقسمها الرسول على ما يأمره اللّه تعالى يعنى أمرها مختص بهما قال ابن عباس فيما رواه الائمة المذكورون فنزعه اللّه تعالى من أيديهم فجعله الى رسوله صلى اللّه عليه و سلم فجعله رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بين المسلمين على بواء اى سواء فكان ذلك تقوى اللّه و طاعته و طاعة رسوله صلى اللّه عليه و سلم و إصلاح ذات البين كما قال اللّه تعالى فَاتَّقُوا اللّه في الاختلاف و المشاجرة وَ أَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ يعنى الصفة التي بينكم من المواسات و الالفة و المساعدة فيما رزقكم اللّه تعالى و تسليم امره الى اللّه تعالى و رسوله قال الزجاج يعنى ذات بينكم حقيقة وصلكم و البين الوصل وَ أَطِيعُوا اللّه وَ رَسُولَهُ فيما أمرتم به في الغنائم و غيرها إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١) شرط استغنى عن الجزاء بما مضى يعنى ان كنتم مومنين كاملى الايمان فافعلوا ذلك فان مقتضى كمال الايمان الاطاعة في الأوامر و الاتقاء عن المعاصي و إصلاح ذات البين بالعدل و الإحسان و الإيثار و ذكر البيضاوي الحديث بلفظ شرط رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لمن كان له غناء ان ينفله فتسارع شبانهم حتى قتلوا سبعين و أسروا سبعين ثم طلبوا نفلهم و كان المال قليلا فقال الشيوخ و الوجوه الذين كانوا عند الرايات كنا ردا لكم و فئته تتحازون إليها فنزلت فقسمها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بينهم على السواء ثم قال البيضاوي و لهذا لا يلزم الامام ان يفي بما وعدهم و هو قول الشافعي رحمه اللّه و روى ابن ابى شيبة و احمد و عبد بن حميد و ابن مردوية عن سعد بن ابى وقاص رضى اللّه عنه قال لما كان يوم بدر و قتل أخي عمير و قتلت سعيد بن العاص و أخذت سيفه و كان يسمى ذا الكتيفة فاتيت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقلت يا رسول اللّه قد شفانى اللّه تعالى اليوم من المشركين فنفلنى هذا السيف فانا من قد علمت حاله قال هذا السيف لا لك و لا لى ضعه فوضعته ثم رجعت قلت عسى ان يعطى هذا السيف اليوم من لا يبلى بلائي فرجعت فقال اذهب فاطرحه في القبض «١» فرجعت و بي مالا يعلمه الا اللّه تعالى من قتل أخي و أخذ سلبى فرجعت به حتى إذ أردت ان ألقيه لا ميتنى نفسى فرجعت اليه فقلت أعطنيه فشد بي صوته فما جاوزت الا يسيرا حتى نزلت سوره الأنفال فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اذهب فخذ سيفك و في رواية فجأنى الرسول انك (١) قبض بالتحريك قبض ما أخذ من اموال الناس. سألتنى و ليس لى و انه قد صار لى و هو لك و روى البخاري في تاريخه عن سعد بن جبير ان سعدا و رجلا من الأنصار خرجا ينتفلان فوجدا سيفا ملقى فخرا عليه فقال سعد هو لى و قال الأنصاري هو لى لا أسلمه حتى اتى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فاتياه فقص عليه القصة فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ليس لك يا سعد و لا للانصارى فنزلت و يسألونك عن الأنفال الآية ثم نسخت هذه الاية بقوله تعالى و اعلموا انما غنمتم من شى ء فان للّه خمسه و للرسول و لذى القربى و روى ابن جرير و ابن المنذر و ابن ابى حاتم و البيهقي في السنن عن ابن عباس قال الأنفال المغانم كانت لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم خالصة ليس لاحد منها شى ء ما أصاب من سرايا المسلمين من شي ء أتوه فمن حبس ابرة او سلكا فهو غلول فسألوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان يعطيهم منها شيئا فانزل اللّه تعالى يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لى جعلتها لرسولى ليس لكم منها شي ء فاتقوا اللّه و أصلحوا ذات بينكم الى قوله ان كنتم مومنين ثم انزل اللّه و اعلموا انما غنمتم من شى ء الآية ثم قسم ذلك الخمس لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و لذى القربى و اليتامى و المساكين و المهاجرين في سبيل اللّه و جعل اربعة أخماسه للناس فيه سواء للفرس سهمان و لصاحبه سهم و للراجل سهم قال محمد بن يوسف الصالحي في سبيل الرشاد و لما امر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان يقسم الغنائم على السواء قال سعد ابن معاذ يا رسول اللّه أ تعطي فارس القوم الذي يحميهم مثل ما تعطى الضعيف فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ثكلتك أمك و هل تنصرون الا بضعفائكم و نادى مناديه صلى اللّه عليه و سلم من قتل قتيلا فله سلبه و من اسر أسيرا فهو له كان يعطى من قتل قتيلا سلبه و روى سعيد بن منصور و احمد و ابن المنذر و ابن حبان و الحاكم و البيهقي في السنن عن عبادة بن الصامت قال التقى الناس فهزم اللّه العدو و انطلقت طائفة الى آثارهم يأسرون و يقتلون و اكبت طايفة على العسكر يجوزونه و يجمعونه و أحدقت طايفة برسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا يصيب العدو منه غرة حتى إذا كان الليل و أفاء الناس بعضهم الى بعض قال الذين جمعوا الغنائم نحن جمعناها و حويناها فليس لاحد فيها نصيب و قال الذين خرجوا في طلب العدو لستم بأحق منا نحن نفينا عنها العدو و هزمناهم و قال الذين احدقوا برسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لستم بأحق بها منا نحن احدقنا برسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حفظنا ان يصيب العدو منه غرة فاشتغلنا به فنزلت يسألونك عن الأنفال الآية. ٢ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الكاملون في الايمان الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللّه وَجِلَتْ خافت و فزعت قُلُوبُهُمْ استعظاما و تهيبا من جلاله و عزة سلطانه و قيل هو الرجل يهم بالمعصية فيقال له اتق فينزع منه خوفا من عقابه فالمعنى إذا ذكر وعيد اللّه بحذف المضاف وَ إِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً لاطمينان النفس بنزول البركات عند تلاوة القرآن و رسوخ اليقين بتظاهر الادلة وَ عَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٢) يفوضون أمورهم اليه تعالى و لا يخشون و لا يرجون أحدا الا إياه. ٣ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ (٣) اى يأتونها بحقوقها و يقيمونها كما يقام القداح وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ أعطيناهم يُنْفِقُونَ (٣) في سبيل اللّه. ٤ أُولئِكَ الموصوفون بمكارم اعمال القلوب من الإخلاص و الخشية و التوكل و اطمينان الأنفس بذكر اللّه و محاسن اعمال الجوارح من الصلاة و الصدقة هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا صفة لمصدر محذوف اى ايمانا حقا او مصدر مؤكد يعنى حق إيمانه حقا لا شبهة فيه عن الحسن ان رجلا سأله أ مؤمن أنت قال ان كنت تسألنى عن الايمان باللّه و ملئكته و كتبه و رسوله و الجنة و النار و البعث و الحساب فأنا مؤمن و ان كنت تسألنى عن قوله تعالى إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللّه وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ الاية فلا أدرى ا منهم انا أم لا قلت مراد الحسن ان كمال الايمان بالإخلاص و تصفية القلب و تزكية النفس و تحلية الجوارح بالطاعات و ترك المعاصي و ذلك امر نادر لا أدرى اتصاف نفسى به و اما نفس الايمان. فموجود بفضل اللّه فليس هذا من قبيل انا مومن إنشاء اللّه و قال علقمة كنا في سفر فلقينا قوما فقلنا من هؤلاء قالوا نحن المؤمنون حقا فلم ندر ما نجيبهم حتى لقينا عبد اللّه بن مسعود رضى اللّه عنه فاخبرناه بما قالوا قال فما رددتم عليهم قلنا لم نرد عليهم قال هلا قلتم أمن اهل الجنة أنتم ان المؤمنين اهل الجنة و قال الثوري من زعم انه مؤمن حقا او عند اللّه ثم لم يشهد انه في الجنة فقد آمن بنصف الآية دون النصف و بهذا يتشبث من يقول انا مؤمن إنشاء اللّه يعنى المراد بالاستثناء عدم الجزم بحسن الخاتم الموجب لكونه من اهل الجنة لا الشك في إيمانه الحالي فان الشك ينافى الايمان الاعتقاد الجازم و كان ابو حنيفة رحمه اللّه يكره هذا القول لكونه موهما للشك المنافي للاعتقاد الجازم و يقول انا مومن حقا باعتبار حصول الاعتقاد الجازم في الحال لا بمعنى الجازم بحسن الخاتمة فالنزاع انما هو في اللفظ دون المعنى لكن الأحوط قول أبي حنيفة قال ابو حنيفة لقتادة لم تستشنى في إيمانك قال اتباعا لابراهيم عليه السلام في قوله و الذي أطمع ان يغفر لى خطيئتى يوم الدين فقال له هلا اقتديت به في قوله ا و لم تؤمن قال بلى و لكن ليطمئن قلبى و عن ابراهيم التميمي قال قل انا مومن حقا فان صدقت اثبت عليه و ان كذبت فكفرك أشد عليك من ذلك و عن ابن عباس من لم يكن منافقا فهو مؤمن حقا لَهُمْ دَرَجاتٌ كرامة و فضل و علو منزلة عِنْدَ رَبِّهِمْ نظيره قوله تعالى تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض و قال عطاء درجات الجنة يرتقونها بأعمالهم عن عبادة بن الصامت قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء و الأرض و الفردوس أعلاها درجة منها تفجر انهار الجنة الاربعة و من فوقها يكون العرش فاذا سألتم اللّه فاسئلوا الفردوس رواه الترمذي و قال البغوي قال الربيع بن انس سبعون درجة ما بين كل درجتين حضر «١» الفرس المضمر «٢» سبعين سنة وَ مَغْفِرَةٌ لما فرط معهم وَ رِزْقٌ كَرِيمٌ (٤) حسن أعد اللّه لهم في الجنة ما لا عين رأت و لا اذن سمعت و لا يخطر ببال أحد و لا ينقطع ابدا. (١) حضر الفرس يعنى عدو ١٢. (٢) تضمير الخيل هو ان يظاهر عليها بالعلفة حتى تسمن ثم لا تعلف الا فوقا ليتخفف نهاية ١٢. ٥ كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ الذي بالمدينة او المراد بالبيت المدينة نفسها لانها مهاجره و مسكنه فهى مختصة به كاختصاص البيت بصاحبه بِالْحَقِّ متعلق باخرج اى إخراجا متلبسا بالحكمة و الصواب لقتال الكفار ببدر و قوله كما اخرجك اما خبر مبتدأ محذوف تقديره هذا الحال يعنى كون الأنفال للّه و الرسول و تقسيم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الأنفال بين الناس على السواء و كراهة بعض الناس يعنى الشبان المقاتلة ثابت كحال اخراجك اللّه للحرب و كراهتهم له أو صفة لمصدر الفعل المقدر في قوله للّه و الرسول اى الأنفال ثبت للّه و الرسول مع كراهتهم ثباتا مثل ثبات اخراجك ربك من بيتك كذا قال المبرد و قيل تقديره امض لامر اللّه تعالى في الأنفال و ان كرهوا كما مضيت امر اللّه في الخروج من البيت- (قصة غزوة بدر) و السبب في خروج النبي صلى اللّه عليه و سلم انه سمع أبا سفيان ابن حرب مقبلا من الشام في الف بعير لقريش فيها اموال عظام و لم يبق بمكة قرشى و لا قرشية له مثقال فصاعدا الا بعث به في العير فيقال ان فيها خمسين الف دينار و فيها سبعين رجلا كذا ذكر ابن عقبة و ابن عابد قال البغوي قال ابن عباس و ابن الزبير و محمد بن إسحاق و السدى اقبل ابو سفيان من الشام في أربعين راكبا من كبار قريش فيهم عمرو بن العاص و مخرمة ابن نوفل الزهري فندب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم للخروج معه و قال هذه عير قريش فيها أموالهم فاخرجوا لعل اللّه ان يغتمكوها فانتدب الناس فخف بعضهم و ثقل بعضهم و تخلف عنه بشر كثير و كان من تخلف لم يلم و ذلك انهم لم يظنوا ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يلقى حربا و لم يحتقل لها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم احتقالا بليغا فقال من كان ظهره حاضرا فليركب معنا فجعل رجال يستأذنونه في ظهورهم في علو المدينة قال لا الا من كان ظهره حاضرا- و بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قبل خروجه من المدينة بعشر ليال طلحة بن عبيد اللّه و سعيد بن زيد الى طريق الشام يتجسسان خبر العير فبلغا ارض خوار فنزلا على كشد بن مالك الجهني فأجارهما و انزلهما و كنتم عليها حتى مرت العير ثم خرجا و خرج معهما كشد ضى أوردهما ذا المروة «١» فقد ما ليخبرا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فوجداه قد خرج فلما أخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ينبع «٢» اقطعها لكشد فقال يا رسول اللّه انى كبير لكن اقطعها لابن أخي فاقطعه إياها فابتاعها منه عبد الرحمن بن سعد بن زرارة رواه عمر بن شيبة و أدرك أبا سفيان رجل من خدام بالرزقا فاخبره ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ينتظر رجوع العير فخرج ابو سفيان و من معه خايفين للرصد و لما دنا ابو سفيان من الحجاز جعل يتجسس الاخبار و يسأل من نقى من الركبان تخوفا على امر (١) قرية بينها و بين المدينة ثمانية برد ١٢. (٢) قرية جامعه بين مكة و المدينة ١٢-. الناس حتى أصاب خبرا من بعض الركبان ان محمد صلى اللّه عليه و سلم قد استنفر لك و لعيرك فحذر عند ذلك و استاجر ضمضم بن عمرو الغفاري بعشرين مثقالا فبعثه الى مكة و امره ان يجدع بعيره و يحول رحله و يشق قميصه من قبله و من دبره إذا يأتي مكة و يأتى قريشا و ليستنفرهم الى أموالهم و يخبرهم ان محمدا قد عرض لها في أصحابه فخرج ضمضم سرعا الى مكة و فعل ما امره به ابو سفيان (ذكر منام عاتكة) روى ابن إسحاق و الحاكم و البيهقي من طريق عكرمة عن ابن عباس و موسى بن عقبة و ابن إسحاق عن عروة و البيهقي عن ابن شهاب قالوا رات عاتكة بنت عبد المطلب فيما يرى النائم قبل مقدم ضمضم على قريش بثلث ليال رويا فاصبحت عاتكة فاعظمتها فبعثت الى أخيها العباس بن عبد المطلب فقالت له يا أخي لقد رأيت رؤيا أفظعتني «١» ليدخلن على قريش منها شر و بلاء فقال و ما هى قالت لن أحدثك حتى تعاهد في انك لا تذكرها فانهم ان يسمعوها آذونا و اسمعونا ما لا نحب فعاهدها العباس فقالت رأيت ان رجلا اقبل على بعير فوق الأبطح فصاح بأعلى صوته انفروا يا آل عذر الى مصارعكم في ثلث ثلث صيحات ما رأى الناس اجتمعوا اليه ثم دخل المسجد و الناس يتبعونه ثم مثل به بعيره فاذا هو على راس الكعبة فصاح ثلث صيحات فقال انفروا «٢» يا ال «٣» عذر الى مصارعكم في ثلث ثم ارى بعيره مثل على راس ابى قيس فقال انفروا يا آل عذر الى مصارعكم في ثلث ثم أخذ صخرة عظيمة فنزعها من أصلها فارسلها من اصل الجبل فاقبلت الصخرة تهوى لها حس شديد حتى إذا كانت في أسفل «٤» ارفضت فما بقيت دار من دور قومك و لا بيث الا دخل فلقه فقال العباس و اللّه ان هذه لرويا فاكتميها لئن بلغت هذه قريشا ليؤذوننا فخرج العباس من عندها فلقى الوليد بن عتبة بن ربيعة بن عبد الشمس و كان صديقا له فذكرها له و استكتمه إياها فذكرها الوليد لابيه عتبة فتحدث بها و فشى الحديث بمكة حتى تحدثت به قريش قال العباس فغدوت أطوف بالبيت و ابو جهل بن هشام في رهط من قريش قعود يتحدثون برويا عاتكة فلما رانى قال يا أبا الفضل إذا فرغت من طوافك فاقبل إلينا فلما فرغت أقبلت حتى جلست معهم فقال لى ابو جهل يا بنى عبد المطلب متى حدثت فيكم هذه النبية قلت و ما ذاك قال رؤيا عاتكة قلت و ما رأت قال يبنى عبد المطلب ما رضيتم ان تنبأ رجالكم حتى تنبا نساءكم و لفظ ابن عقبة اما رضيتم يا بنى هاشم يكذب الرجال حتى جئتم بكذب النساء انا كنا و آباؤكم كفرسى «٥» رهان فاستبقنا المجد منه فلما تحاكت الركب قلتم منا نبى فما بقي الا ان تقولوا منا نبية فما اعلم في قريش اهل بيت أكذب امرأة و لا رجلا منكم و آذاه أشد الاذاء قد زعمت عاتكة (١) أفظعتني على يقال فظع الأمر فظاعة فهو فظع الى شديد شنيع حادر المقدر ١٢. (٢) انفروا سارعو. (٣) غذر بضم العين معدول عن عافد القدر ترك الوفاء ١٢ [.....]. (٤) ارفضت تقطعت ١٢. (٥) اى يتساقان الى غدر-. في روياها انه قال انفروا في ثلث فسنتربص بكم هذه الثلث فان يك حقا ما تقول فسيكون و ان تمضى الثلث و لم يكن كتبنا عليكم كتابا انكم أكذب اهل بيت في العرب قال العباس فو اللّه ما كان منى اليه كثيرا الا انى جحدت ذلك و أنكرت ان تكون رأت شيئا و عند ابى عقبة في هذا الخبر ان العباس قال لابى جهل هل أنت منته فان الكذب فيك و في اهل بيتك فقال من حضرهما ما كنت جهولا يا أبا الفضل و لا أحمق خرقا و كذلك قال ابن عابد و زاد مهلا يا مصفر استه «١» و لقى العباس عاتكة أذى شديدا حين افشا حديثها لهذا الفاسق قال العباس فلما أمسيت لم تبق امرأة من بنى عبد المطلب الا أتتني قالت أقررتم لهذا الخبيث الفاسق ان يقع في رجالكم ثم قد تناول نساءكم و أنت تسمع ثم لم يكن عندك كبير شي ء مما سمعت قلت قد و اللّه قد ما فعلت ما كان منى اليه كبير شي ء مما سمعت و ايم اللّه لا تعرض له فان عاد لا كفيكنه قال فغدوت في اليوم الثالث من رؤيا عاتكة و انا جديد مغضب ارى انى قد فاتنى منه امر أحب ان أدركه منه قال فدخلت المسجد فرأيته و اللّه انى لأمشي نحوه اتعرضه ليعود لبعض ما قال فاقع به و كان رجلا خفيفا «٢» حديد «٣» الوجه جديد اللسان حديث النظر إذ خرج نحو باب المسجد يشتد «٤» قلت في نفسه ما له لعنه اللّه أكل هذا فرقا «٥» منى ان اشاتمه قال و إذا هو قد سمع ما لم اسمع صوت ضمضم بن عمر يصرخ في بطن الوادي واقفا على بعيره قد جدع بعيره و حول رجله و شق قميصه و هو يقول يا معشر قريش يا ال لوت بن غالب اللطيمة اللطيمة «٦» أموالكم مع ابى سفيان قد عرض لها محمد في أصحابه لا ارى تدركوها الغوث الغوث و اللّه ما ارى ان تدركوها ففزعت قريش أشد الفرع و اشفقوا «٧» من رويا عاتكة فشغله ذلك غنى و شلغنى عنه ما جاء من الأمر و قلت عاتكة (شعر) الم تكن رويا بحق و جاءكم بتصديقها قل «٨» من القوم هارب فقلت و لم أكذب كذبت و انما يكذبنا بالصدق من هو كاذب فتجهز الناس (١) رماه بالأبنة و هى تهمة الفاحشة ١٢. (٢) خفيفا سريعا ١٢. (٣) حديد الوجه قوية ١٢. (٤) يشتد يعدو ١٢. (٥) فرقا خوفا ١٢. (٦) الجمال انى تحل العطر و البز غير المسيرة ١٢. (٧) و اشفقوا خافوا ١٢. (٨) القل القوم المنهزمون ١٢-. سراعا و قالوا يظن محمد و أصحابه ان يكون كعير ابن الخضرمي كلا و اللّه ليعلمن غير ذلك فكانوا بين رجلين اما خارج و اما باعث مكانه رجلا و كان جهازهم في ثلثة ايام و يقال يومين و أعان قويهم ضعيفهم و لم يتركوا كارها للخروج يظنون انه في صفو محمد و أصحابه و لا مسلما يعلمون إسلامه و لا أحدا من بنى هاشم الا من لا يتهمونه الا أشخصوه معهم و كان ممن اشخص العباس بن عبد المطلب و نوفل بن الحارث و طالب و عقيل ابني ابى طالب في آخرين و لم يتخلف أحد من قريش الا بعث مكانه بعثا الا أبا لهب مشوا اليه فابى ان يخرج او يبعث أحدا و يقال انه بعث مكانه العاص بن هشام بن المغيرة و اسلم بعد ذلك و كان قد لاط «١» له باربعة آلاف درهم كانت له عليه فاستاجره بها على ان يجرى عنه بعثه فخرج عنه و تخلف ابو لهب منعه من الخروج رويا عاتكة فانه كان يقول رويا عاتكة تأخذ باليل و استقسم امية بن خلف و عتبة بن شيبة و زمعة بن الأسود و عمير بن وهب و حكيم بن حزام و غيرهم عند هبل بالأمر و الناهي من الأزلام فخرج القدح الناهي من الخروج فاجمعوا المقام حتى أزعجهم «٢» ابو جهل و لما اجمع امية بن خلف القعود و كان شيخا جليلا جسيما ثقيلا انى عقبة بن ابى معيط و هو جالس في المسجد بين ظهرانى قومه فيها نار و مجمر حتى وضعها بين يديه ثم قال يا بأعلى فانما أنت من النساء فقال قبحك اللّه و قبح ما جئت به ثم جهز و خرج مع الناس قال ابن إسحاق و غيره و لما فرغوا من جهازهم و اجمعوا السير و خرجوا على الصعب «٣» و الزلول معهم القيان «٤» و الدفوف ذكروا ما بينهم و بين بنى بكر بن عبد مناة بن كنانة من الدماء فقالوا انا نحشى ان يأتينا من خلقنا فكاد ذلك ان يثيتهم «٥» فسدى لهم عدو اللّه إبليس في صورة سراقة بن مالك الكناني و كان من اشراف بنى كنانته فقال انا جار لكم من ان يأتيكم كنافة من خلفكم شي ء تكرهونه تخرجوا في خمسين و تسعمائة مقاتل و قيل في الف و كان معهم مأتا فرس و ستمأة درع و لم يتخلف عنهم أحد من يطون قريش الا بنى عدى فلم يخرج معهم منهم أحد فقال ابن عقبة و ابن عابد و اقبل للمشركون و معهم بليس يعدهم (١) اربى و اللياط أبا ١٢. (٢) أزالهم عن رايهم ١٢. (٣) عن الإبل الذي لا ينقاد و الزلول ضده ١٢. (٤) قيان جمع قينة يقال للامة المعنية ١٢ [.....]. (٥) اى يصرفهم عن السفر ١٢. ان بنى كنانة ورائهم قد اقبلوا لنصرهم و انه لا غالب لكم من الناس و انى جار لكم قال في الامتناع فلما نزلوا بمر الظهران نحر ابو جهل عشر جزور فما بقي خباء من اخبية العسكر الا أصابه من دمها و راى ضمضم بن عمرو ان وادي مكة يسيل دما من أسفله و أعلاه و نحر لهم امية بن خلف بعسيف تسعا و نحر سهيل بن عمرو بقديد عشرا و اسلم بعد ذلك ثم ذلك ثم مالوا من قديد الى مياه نحو البحر فظلوا فيها فاقاموا بها فنحر لهم يومئذ عقبة بن ربيعة عشرا ثم أصبحوا بالأبواء فنحر لهم نبيه و منبه ابنا الحجاج عشرا عشرا ثم أكلوا من أزوادهم فلما وصلوا الجحفة عشاء نزلوا هناك روى البيهقي عن ابن شهاب و ابن عقبة و عروة بن الزبير قالوا لما نزلت قريش بالحجفة كان فيهم رجل من بنى المطلب بن عبد مناة يقال له جهيم بن الصلت بن مخزمة و اسلم بعد ذلك في حنين فوضع جهيم راسه فاغفا فقال لاصحابه هل رايتم الفارس الذي وقف على آنفا قالوا لا انك مجنون قال قد وقف على فارس آنفا فقال قتل ابو جهل و عتبة بن ربيعة و شيبة و زمعة و ابو البختري و امية بن خلف وعد رجالا ممن قتل يوم بدر من اشراف قريش ثم رأيته ضرب في لبة بعيره ثم أرسله في العسكر فما بقي خباء ممن اخبية العسكر الا أصابه من دمه فقال أصحابه انما لعب بك الشيطان و رفع الحديث الى ابى جهل فقال قد جئتم بكذب بنى المطلب مع كذب بنى هاشم فخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من المدينة و استخلف ابن أم مكتوم على الصلاة و رد أبا لبابة من الروحاء و استخلفه على المدينة قال ابن سعد خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يوم السبت لاثنتى عشرة ليلة خلت من رمضان و قال ابن هشام لثمان و ضرب عسكره ببئر ابى عتبة على ميل من المدينة فعرض أصحابه و رد من استصغر منهم فرد عبد اللّه بن عمرو اسامة بن زيد و رافع بن خديج و البراء بن عازب و أسيد بن حضير و زيد بن أرقم و زيد بن ثابت و عمير بن ابى وقاص فبكى عمير فاجازه فقتل يوم بدر و هو ابن ستة عشرة سنة و امر أصحابه ان يستقوا من بير السقيا و شرب من مائها و صلى عند بيوت السقيا و امر قيس بن ابى صعصعة حين فصل من السقيا ان يعد المسلمين فوقف بهم عند بير ابى عتبة فعدّهم ثم اخبر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بانهم ثلاثمائة و ثلثة عشر ففرح بذلك و قال عدة اصحاب طالوت و دعا يومئذ للمدينة فقال اللّهم ان ابراهيم عبدك و خليلك و نبينك دعا لاهل مكة و انى محمد عبدك و نبيك أدعوك لاهل المدينة ان تبارك لهم في صاعهم و مدهم و ثمارهم اللّهم حبب إلينا المدينة و اجعل ما بها من الوباء بخم «١» اللّهم انى حرمت ما بين لابتيها «٢» كما حرم ابراهيم خليلك مكة و كان خبيب بن اساف و لم يكن (١) خم موضع على ثلثة أميال من جحفه ١٢. (٢) لابتين تثنية لابة و هى الحرة و هى ارض ذات حجارة سود نخرة كانها أحرقت بالنار. اسلم خرج منجد «١» القومة من الخزرج طالبا للغنيمة فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا يصحبنا الا من كان على ديننا فاسلم و ابلى بلاء حسنا راح عشية الأحد من بيوت السقيا و قال صلى اللّه عليه و سلم حين فصل منها اللّهم انهم حفاة فاحملهم و عراة فاكسهم و جياع فاشبعهم و عالة فاغنهم بفضلك و كانت ابل اصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم سبعين بعيرا فاعتقبوها روى احمد و ابن سعد عن ابن مسعود قال كنا يوم بدر كل ثلثة على بعير و كان ابو لبابة و على زميلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قالا اركب يا رسول اللّه نحن نمشى عنك فقال ما أنتم باقوى منى على المشي و ما انا اغنى عن الاجر منكما قال في البداية و العيون هذا قيل ان يرد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أبا لبابة من الروحاء ثم كان زميلاه علبا و زيدا و كان معهم فرسان فرس للمقداد بن الأسود و فرس لزبير بن العوام و عند ابن سعد في رواية كان معهم ثلثة افرس فرس لمرثد بن ابى مرثد الغنوي قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لسعد بن ابى وقاص و هو بتربان «٢» انظر الى الظبى فعوق «٣» له بسهم و قام رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فوضع ذقنه بين منكب سعد و اذنه ثم قال ارم اللّهم سدد رميته فما أخطأ سعد عن نحر الظبى فتبسم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و خرج سعد يعدو فاخذه و به رمق فزكاه و حمله فامره رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقسم بين أصحابه و نزل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ذا سنجسج و هى بين الروحاء ثم ارتحل منها حتى إذا كان بالمنصرف ترك طريق مكة بيسار و سلك ذات اليمين النازيه يزيد بدرا فسلك في ناحية منها حتى إذا جزع «٤» واديا يقال زحفان بين النازية و بين مضيق السفراء ثم على المضيق ثم انصب به حتى إذا كان قريبا من الصفراء بعث بسيس ابن عمرو الجهني حليف بنى ساعدة و عدى بن ابى الرغباء حليف بنى البخار الى بدر يتجسان له الاخبار عن ابى سفيان (١) يعنى ناصرا ١٢. (٢) وادي على ثمانية عشر ميلا في المدينة. (٣) اى وضع السهم في الوتر ليرمى به ١٢. (٤) اى قطع ١٢. و لما سار رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من الصفراء بيسار و سلك ذات اليمين على واد يقال له ذفران و جزع فيه ثم نزل أتاه الخبر بمسير قريش ليمنعوا عيرهم فاستشار الناس فتكلم المهاجرون فاحسنوا فاستشارهم فقام ابو بكر فقال فاحسن ثم قام عمر فقال فاحسن ثم قام المقداد بن الأسود فقال يا رسول اللّه امض لما أمرك اللّه فنحن معك و اللّه ما نقول كما قال قوم موسى لموسى اذهب أنت و ربك فقاتلا انا هاهنا قاعدون و لكن اذهب أنت و ربك فقاتلا انا معكما مقاتلون عن يمينك و شمالك و بين يديك و خلفك و الذي بعثك بالحق لو سرت بنا برك الغماد لجالدنا «١» معك من دونه حتى نبلغه فاشرق وجه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و قال له خيرا و دعا له ثم استشارهم ثالثا ففهمت الأنصار انه يعينهم و ذلك انه عدد الناس فقام سعد بن معاذ جزاه اللّه خيرا فقال يا رسول اللّه كانك تعرض بنا قال أجل فقال سعد يا رسول اللّه قد أمنا بك و صدقناك و شهدنا ان ما جئت به هو الحق و أعطيناك على ذلك عهودنا و مواثيقنا على السمع و الطاعة فامض لما أردت و لعلك يا رسول اللّه تخشى ان يكون الأنصار لا ينصروك الا في ديارهم و انى أقول عن الأنصار و أجيب عنهم فاظعن حيث شئت وصل حبل من شئت و اقطع حبل من شيئت و خذ من أموالنا ما شئت و أعطنا ما شئت و ما أخذت منا كان أحب إلينا مما تركت و ما أمرت فيه من امر فامر فاتبع لامرك فو اللّه لئن سرت حتى تبلغ برك من عمدان و في رواية برك الغماد من ذى يمن لنسيرن معك و و اللّه لو استعرضت بنا البحر لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد و ما نكره ان نلقى عدونا غدا انا بصير في الحرب لعل اللّه يريك منا ما تقربه عينك و لعلك خرجت لامر فاحدث اللّه غيره فسر بنا على بركة اللّه فنحن عن يمينك و شمالك و بين يديك و خلفك و لا نكونن كالذين قالوا لموسى اذهب أنت و ربك فقاتلا انا هاهنا قاعدون و لكن اذهب أنت و ربك فقاتلا انا معكم متبعون فاشرق وجه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بقول سعد رضى اللّه عنه فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم سيروا على بركة اللّه و ابشروا فان اللّه وعد احدى الطائفتين و اللّه لكانى الان انظر الى مصارع القوم و كره جماعة لقاء العدو كما قال اللّه تعالى وَ إِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ (٥) قال البيضاوي و غيره هذه الجملة في محل النصب على الحال من كاف اخرجك اى اخرجك من بيتك في حال كراهتهم خروجك (١) الجالد المضاربة بالسيوف ١٢. قلت و الظاهر انه استيناف و لا يجوز ان يكون في موضع الحال لوجوب اتحاد زمان الحال و صاحبه و لا شك انهم انما كرهوا الخروج إذا اتفق لهم القتال مع النضير و اما وقت الخروج فكانوا راغبين في الخروج الى العير طمعا في المال مع عدم القتال روى ابن ابى حاتم و ابن مردوية عن ابى أيوب الأنصاري رضى اللّه عنه قال لما سرنا يوما او يومين قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما ترون في قتال القوم فانهم قد أخبروا بمخرجكم فقلنا و اللّه ما لنا طاقة بقتال القوم و لكن أردنا العير ثم قال ما ترون في قتال القوم فقلنا مثل ذلك-. ٦ يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ في ايثارك الجهاد إظهارا للحق لايثارهم تلقى العير عليه وجدا لهم قولهم ما لنا طاقة لقتال القوم و لكنا أردنا العير بَعْدَ ما تَبَيَّنَ لهم باعلام رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انهم ينصرون و ذلك انه نزل جبرئيل عليه السلام حين كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بالروحاء و قال ان اللّه وعدكم احدى الطائفتين اما العير و اما قريش كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ متعلق بقوله كارهون ... يعنى يكرهون القتالى كراهة من يساق الى الموت و هو يشاهد أسبابه و ذلك بقلة عددهم و عدم تاهبهم و قال ابن زيد هولاء المشركون جادلوه في الحق كانما يساقون الى الموت وَ هُمْ يَنْظُرُونَ (٦) ٧ وَ إِذْ يَعِدُكُمُ اللّه متعلق بمحذوف يعنى اذكر إذ يعدكم اللّه إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ اما العير و اما قريش و هذا ثانى مفعولى يعدكم و قد أبدل عنها أَنَّها لَكُمْ بدل الاشتمال وَ تَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ اى الشدة و القوة و الحدة مستعاد من الشوك يعنى العير تَكُونُ لَكُمْ لكثرة المال و عدم القتال روى ابن جرير و ابن المنذر عن ابن عباس رضى اللّه عنهما قال كان اللّه تعالى وعدهم احدى الطائفتين و كانوا ان يلقوا العير أحب إليهم لكونهم أيسر شوكة فلما سبقت العير و فاتت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم سار رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بالمسلمين يريد القوم فكره القوم مسيرهم لكثرة القوم وَ يُرِيدُ اللّه أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ اى يظهره و يعليه بِكَلِماتِهِ للوحى بها في هذه الحال يعنى يأمره إياكم بالقتال او باوامره للملئكة بالامداد و قيل بمواعدة التي سبقت من اظهار الدين و إعزازه وَ يَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ (٧) اى يستاصلهم حتى لا يبقى أحد من كفار العرب الا يقتل او يسلم يعنى انكم تريدون ان تصيبوا مالا و لا تلقوا مكروها و اللّه يريد إعلاء الدين و اظهار الحق و ما يحصل لكم فوز الدارين. ٨ لِيُحِقَّ الْحَقَّ متعلق بيقطع او بمحذوف تقديره فعل ما فعل ليثبت الإسلام وَ يُبْطِلَ الْباطِلَ يعنى الكفر و ليس في الكلام تكرير فان الاول لبيان المراد و بيان ما بين مراده تعالى و مرادهم من التفاوت و الثاني لبيان الداعي الى حمل الرسول الى اختيار ذات الشوكة و نصرة عليها وَ لَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (٨) يعنى المشركين ذلك رجعنا الى القصة ثم ارتحل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من ذفران فسلك ثنايا يقال له الاصافر «١» ثم الخط منها الى بلد يقال له الدية و ترك الجنان عن يمين و هو كثيب عظيم كالجبل العظيم ثم نزل قريبا من بدر فركب هو و ابو بكر الصديق رض حتى وقف على شيخ من العرب فسأله عن قريش و عن محمد و أصحابه و ما بلغه عنهم قال الشيخ بلغني ان محمدا و أصحابه خرجوا يوم كذا و كذا فانكان الذي أخبرني صدقنى فهم اليوم بمكان كذا للمكان الذي فيه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و بلغني ان قريشا خرجوا يوم كذا فانكان الذي أخبرني صدق فهم اليوم في مكان كذا للمكان الذي فيه قريش ثم قال من أنتما قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم نحن «٢» من ماء قال ابن إسحاق ثم رجع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الى أصحابه فلما امسى بعث على ابن ابى طالب و الزبير بن العوام و سعد بن ابى وقاص في نفر من أصحابه الى ماء بدر يلتمسون الخبر له فاصابوا راوية لقريش فيها اسلم غلام بنى الحجاج و ابو يسار غلام بنى العاصي بن سعيد فاتوا بهما فسألوهما و رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قايم يصلى فقالا نحن سقاط قريش بعثونا نسقيهم من الماء فكره القوم خبرهما و رجوا ان يكونا لابى سفيان فضربوهما فلما إذ «٣» لقوهما قالا نحن لابى سفيان فتركوهما و ركع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و سجد سجدتين و سلم و قال إذا صدقاكم ضربتموهما و إذا كذباكم تركتموهما صدقا و اللّه انهما لقريش اخبر انى عن قريش قالاهم وراء هذا الكثيب الذي يرى بالعدوة «٤» القصوى و الكثيب العقنقل (١) جمع اصفر جبال قريب من الجحفه عن يمين الطريق الى مكة ١٢. (٢) قاله توريه أراد من ماء دافق و أوهمه انه من ماء ١٢. (٣) إذا لقوهما يعنى بالغوا في ضربهما ١٢. (٤) العدوة الجانب المرتفع من الوادي ١٢ عه البعيد ١٢. فقال لهما رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كم القوم قالا كثير قال ما عدتهم قالا لا ندرى قال كم ينحرون كل يوم قالا يوما تسعا و يوما عشرا قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما بين التسعمائة و الالف ثم قال لهما رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من فيهم من الاشراف قالا عتبة و شيبة ابني ربيعة و ابو البختري بن هشام و حكيم بن حزام و نوفل ابن خويلد و الحارث بن عامر و طعيمة بن عدى و النضر بن الحارث و ربيعة الأسود و ابو جهل بن هشام و امية بن خلف و نبيه و منهه ابنا الحجاج و سهل بن عمرو و عمرو بن عبد ود فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم هذه مكة قد القت إليكم أفلاذ «١» كبدها قال ابن عابد و كان مسيرهم و إقامتهم حتى بلغوا الجحفة عشر ليال و كان بسيس بن عمرو و عدى بن ابى الزغباء قد مضيا الى بدر فاناخا الى تل قريب من الماء ثم أخذ اشنانهما «٢» يستقيان فيه و مجدى بن عمر الجهني على الماء فسمع عدى و بسبس جاريتين من جوار الحاضر «٣» يتلازمان على الماء و الملزومة تقول بصاحبتها انما يأتي العير غدا او بعد غد فاعمل لهم ثم أعطيك الذي لك قال مجدى صدقت و سمع ذلك عدى و بسبس فجلسا على بعيرهما ثم انطلقا حتى أتيا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فاخبراه بما سمعا قال ابن إسحاق و غيره و اقبل ابو سفيان بالعير و قد خاف خوفا شديدا حين دنوا المدينة و استبطأ ضمضم بن عمرو النضير حتى ورد بدرا و هو خائف و تقدم ابو سفيان امام العير حذرا حتى ورد الماء فرأى مجدى بن عمرو الجهني فقال له هل أحسست أحدا قال ما رايت أحدا أنكره الا انى رايت راكبين يعنى بسبسا و عديا قد أناخا الى هذا التل ثم استقيا في شن لهما ثم انطلقا فأتى ابو سفيان الى مناخنهما فأخذ من ابعار بعيرهما ففته فاذا فيه النوى فقال هذه و اللّه علائف يثرب فرجع الى أصحابه سريعا فضرب وجه عيره عن الطريق فساحل «٤» بها و ترك بدرا بيسار و انطلق و اسرع فسار ليلا و نهارا فرقا من الطلب فلما رأى ابو سفيان انه قد احرز عيره أرسل الى قريش قيس بن أمراء القيس انما خرجتم لتمتنعوا عيركم و رجالكم و أموالكم و قد نجاها اللّه تعالى فارجعوا فاتاهم الخبر و هم بالجحفة فقال ابو جهل و اللّه لا نرجع حتى نرد بدرا و كان بدرا موسما من مواسم العرب يجتمع لهم به سوق كل عام فنقيم عليه ثلثا فننحر الجزور و نطعم الطعام و نسقى الخمر و تعزف «٥» علينا القينات و يسمع بنا العرب و بمسيرنا فلا يزالون يهابوننا ابدا بعدها و كره (١) جمع فلذ و هى القطعة يعنى صميم قريش و لبابها ١٢. (٢) الشن القربة ١٢ [.....]. (٣) الحاضر القوم النزول على ماء يقيمون عليه و لا يرحلون ١٢. (٤) فساحل يعنى سلك طريق ساحل البحر ١٢. (٥) تعزف يعنى تلعب بالمعازف اى الملاهي ١٢. اهل الرأي المسير و مشى بعضهم الى بعض و كان ممن ابطاهم عن ذلك الحارث بن عامر و امية بن خلف و عتبة و شيبة ابنا ربيعة و حكيم ابن حزام و ابو البختري و على بن امية بن خلف و ابو العاصي حتى بكتهم «١» ابو جهل بالجبن و أعانه عقبة بن ابى معيط و النضر بن الحارث و الجارث بن كلدة و اجمعوا على المسير قال الأخنس بن شريف و كان حليف بنى زهرة يا بنى زهرة قد نجا اللّه أموالكم و خلص لكم صاحبكم محزمة بن نوفل و انما نفرتم لتمنعوه و ماله فارجعوا الى مكة و كانوا نحو مائة و يقال ثلاثمائة فلم يشهدها زهرى الا رجلين هما عما مسلم بن شهاب الزهري و قتلا كافرين قال ابن سعد و لحق قيس بن امرأ القيس أبا سفيان فاخبره بمجى قريش فقال وا قوماه هذا عمل عمرو بن هشام يعنى أبا جهل و اغتبطت بنو زهرة بعد براى الأخنس فلم يزل فيهم مطاعا معظما و أرادت بنو هاشم الرجوع فاشتد عليهم ابو جهل و قال لا تفارقنا هذه العصابة حتى نرجع و مضت قريش حتى نزلت بالعدوة القصوى من الوادي خلف العقنقل «٢» و بطن الوادي و نزل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بالعدوة الدنيا و غلب المشركون المسلمين في أول أمرهم على الماء فظمى ء المسلمون و أصابهم ضيق شديد و القى الشيطان في قلوبهم الغيظ فوسوس إليهم تزعمون انكم اولياء اللّه و فيكم رسوله و قد غلبكم المشركون على الماء و أنتم مصلون مجنبين فانزل اللّه تعالى تلك الليلة المطر و كان على المشركين وابلا شديدا منعهم من التقدم و كان على المسلمين طلا طهرهم اللّه تعالى به و اذهب عنهم لو جز الشيطان و طابهم «٣» الأرض و صلب الرمل و ثبت الاقدام و مهدبه المنزل و ربط «٤» به على قلوبهم و لم يمنعهم عن المسير و سأل الوادي فشرب المؤمنون و ملاؤا الاسقية و سقوا الركاب و اغتسلوا من الجنابة و أصاب المسلمين تلك الليلة نعاس القى عليهم فناموا حتى ان أحدهم وقفه بين يديه و ما يشعر حتى يقع على جنبه روى ابو يعلى و البيهقي في (١) بكتهم عيرهم و قبح فعلهم ١٢. (٢) العقنقل الكثيب العظيم المتداخل الرمل ١٢. (٣) طابه الأرض مهدا ١٢. (٤) ربط على القلب قواه ١٢-. الدلائل عن على قال ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد و لقد رايتنا و ما فينا الا نائم الا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يصلى «١» تحت شجرة حتى أصبح و كانت ليلة الجمعة و بين الفريقين فوز «٢» من الرمل و بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عمار بن ياسر و عبد اللّه بن مسعود فاطافا بالقوم و رجعا فاخبر ان القوم مذعورون و ان السماء تسيح عليهم و ساد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عشاء يبادرهم الماء فسبقهم اليه و منعهم من السبق اليه المطر حتى جاء ادنى ماء من بدر فنزل به فقال الحباب ابن المنذر بن الجموح فيما رواه ابن إسحاق يا رسول اللّه ارايت هذا لمنزل أ منزل نزلكه اللّه ليس لنا ان نتقدمه و لا نتاخر عنه أم هو الرأي و المكيدة قال بل الرأي و الحرب و المكيدة قال يا رسول اللّه ليس هذا بمنزل فانهض بالناس حتى تأتي ادنى ماء من القوم فتنزله ثم نغور «٣» ما وراه من القليب ثم نبنى عليه حوضا فنملاه ماء فنشرب و لا يشربون فقال صلى اللّه عليه و سلم لقد أشرت بالرأى و ذكر ابن سعد ان جبرئيل نزل على النبي صلى اللّه عليه و سلم فقال الرأي ما أشار به الحباب فنهض صلى اللّه عليه و سلم و من معه من الناس حتى إذا اتى ادنى ماء من القوم نزل عليه نصف الليل ثم امر بالقليب فغورت و بنى حوضا على القليب الذي نزل عليه فملى ماءا ثم قذفوا فيه الآنية فقال سعد بن معاذ يا رسول اللّه الا نبنى لك عريشا «٤» تكون فيه و نعد عندك ركائيك ثم نلقى عدونا فان أظهرنا اللّه على عدونا كان ذلك ما أحبنا و انكانت الاخرى جلست على ركائبك فلحقت بمن و رأينا فقد تخلف عنك أقوام يا نبى اللّه ما نحن أشد لك حيا منهم و لو ظنو انك تلقى حربا ما تخلفوا عنك يمنعك اللّه عز و جل بهم يناصحونك و يجاهدون معك فأثنى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم خيرا و دعا له ثم بنى لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عريشا على تل مشرف على المعركة فكان فيه هو و ابو بكر و ليس معهما غيرهما و قام سعد ابن معاذ على بابه متوشحا بالسيف و مشى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في موضع المعركة و جعل (١) يصلى تحت شجرة حتى أصبح و كانت ليلة الجمعة و بين الفريقين فوز ما في الرمل و بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ١٢. (٢) الفوز العالي في الرمل كانة جبل ١٢. (٣) نغور من رواية بغين معجمة فمعناة ندهنه و ندفنه و من رواه بالمهملة فمعناه فقد ١٢. (٤) العريش شبهه الخيمة يستظل به ١٢. يشير بيده هذا مصرع فلان هذا مصرع فلان إنشاء اللّه فما تعدى منهم أحد موضع إشارته رواه احمد و مسلم و غيرهما و روى الطبراني عن رافع بن خديج ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال يوم بدر و الذي نفسى بيده لو ان مولود اولد من اهل الدين يعمل بطاعة اللّه كلها الى ان يرد الى أرذل العمر لم يبلغ أحدكم هذه الليلة و قال ان الملئكة الذين شهدوا بدرا في السماء لفضلاء على من تخلف منهم رجاله ثقات الا جعفر بن معلاص فانه غير معروف و أصبح رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ببدر و ارتحلت قريش بحدها و حديدها تحاد «١» اللّه عز و جل و تحاد رسوله و جاؤا على حرد «٢» قادرين و على حمية و غضب و حنق على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و أصحابه لما يريدون من أخذ عيرهم و قتل من فيها و قد أصابوا بالأمس عمرو بن الحضرمي و العير التي كانت معه و ذلك ما ذكرنا قصته في سورة البقرة في تفسير قوله تعالى يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه فلما راها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم تصوب من العقنقل و هو الكثيب الذي جاؤا منه الى الوادي و كان أول من طلع زمعة بن الأسود على فرس له يتبعه ابنه فاستجال «٣» بفرسه يريد ان يتبوأ «٤» للقوم منزلا فقال صلى اللّه عليه و سلم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها «٥» و فخرها تجادل و تكذب رسولك اللّهم فنصرك الذي وعدتني اللّهم أمتهم بالغداة و لما راى صلى اللّه عليه و سلم عتبة بن ربيعة على جمل احمر قال ان بك في أحد من القوم خير فعند صاحب الجمل الأحمر ان يطيعوه يرشدوا فقال هو عتبة ينهى عن القتال و يأمر بالرجوع و يقول يا قوم اعصبوها «٦» اليوم برأسي و قولوا جبن عتبة و ابو جهل يأبى و بعث خفاف بن أيما بن رحضة الغفاري او أبوه و اسلم الثلاثة بعد ذلك الى قريش بجزائر أهداها لهم مع ابنه و قال ان احببتم ان نمدكم بسلاح و رجال فعلنا فارسلوا اليه ان وصلتك زحم قد قضيت الذي عليك فلعمرى لئن كنا انما نقاتل الناس ما بنا من ضعف عنهم و لئن كنا نقاتل اللّه كما يزعم محمد ما لاحد باللّه من طاقة فلما نزل الناس اقبل نفر من قريش حتى وردوا حوض رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم منهم حكيم بن حزام فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم دعوهم (١) تحاد اللّه قعاديه و تخالف امره ١٢. (٢) استحال اى طاف به غير مستقر ١٢. (٣) الحرد الغضب ١٢ [.....]. (٤) ينبؤا منزلا اى يتخذه ١٢. (٥) بالخيلاء التكبر و الاعجاب ١٢. (٦) اعصبوها اجعلوا عارها متعلقا بي ١٢. فما شرب منهم أحد الا قتل الا ما كان من حكيم بن حزام فآنه لم يقتل و اسلم بعد ذلك و حسن إسلامه فكان إذا اجتهد في يمينه قال لا و الذي نجانى يوم بدر فلما اطمأن القوم بعثوا عمير بن وهب الجمحي و اسلم بعد ذلك فقالوا له احرز لنا اصحاب محمد فجال بفرسه حول العسكر ثم رجع إليهم فقال ثلاثمائة رجل يزيدون قليلا او ينقصون لكن أمهلوني حتى انظر للقوم كمين «١» مدد فضرب «٢» فى الوادي حتى ابعد فلم يرشيئا فرجع إليهم فقال ما رأيت شيئا و لكن رأيت يا معشر قريش البلا «٣» يا تحمل المنايا نواضح «٤» يثرب تحمل الناقع «٥» قوم ليس لهم منعة و لا ملجاء الا سيوفهم اما ترونهم حرسا يتكلمون يتلمظون «٦» تلمظ الأفاعي و اللّه ما ارى ان يقتل رجل منهم حتى يقتل منكم فاذا أصابوا منكم اعدادهم فما في العيش خير بعد ذلك فرأو آرائكم فبعثوا أبا سلمة الحشمى فاطاف بالمسلمين على فرسه ثم رجع فقال و اللّه ما رأيت جلدا و لا عدوا و لا حلقة و لا كراعا و لكن رأيتهم قوما لا يرونهم يولوا الى أهليهم قوما مسلمين مستميتين ليست لهم منعة و لا ملجاء الا سيوفهم زرق الأعين كانهم الحصا تحت الحجف فرأو آرائكم فلما سمع حكيم بن حزام ذلك مشى في الناس فاتى عتبة بن ربيعة فكلمه يرجع بالناس و قال يا أبا الوليد انك كبير قريش و سيدها و المطاع فيها هل لك من الأمر لا تزال تذكر منه يخبر الى اخر الدهر قال و ما ذاك يا حكيم قال ترجع بالناس و تحتمل امر حليفك عمرو الحضرمي قال قد فعلت أنت على بذلك انما هو حليفى فعليّ عقله «٧» و ما أصيب من ماله فأت ابن حنظلة فابى لا أخشى ان يسحر امر الناس غيره يعنى أبا جهل ثم قال عتبة خطيبا في الناس فقال يا معشر قريش انكم و اللّه ما تضعون فان تلقوا محمدا و أصحابه شيئا و اللّه لئن أصبحتموه لا يزال الرجل في وجه رجل يكره النظر اليه قتل ابن عمه او ابن خاله او رجلا من عشيرته فارجعوا و خلوا بين محمد و سائر العرب فان أصابوه فذلك الذي أردتم و ان كان غير ذلك القاكم «٨» و لم تعرضوه منه بما تريدون انى (١) المستخفى في الحرب حيلة ١٢. (٢) ضرب في الوادي سار فيه ١٢. (٣) البلايا جمع بلية و هى الفاقة و الداية تخف بيدها حضرة و يشد راسها الى خلفها و تبلى اى تترك على قبر الميت فلا تعلف و لا تسقى حتى تموت و كان بعض العرب ممن يقر بالبعث يزعم ان صاحبها يحشر عليها راكبا و إذا لم يفعل بها ذلك يحشر ما شيئا ١٢-. (٤) الناضح الإبل تسقى عليها الماء ١٢. (٥) الناقع البالع و يقال الثابت ١٢. (٦) التلمظ إدارة اللسان في القم تتبع اثر ما كان. (٧) عقل الدية ١٢. (٨) القاكم اوحدكم ١٢-. ارى أقواما مستميتين لا تصلون إليهم و فيكم خير يا قوم اعصبوها اليوم برأسي و قولوا جبن عتبة و أنتم تعلمون انى لست بأجبنكم فانطلقت حتى أتيت أبا جهل فوجدته قد نتل «١» درعا له من جرامها فهو يهيئها فقلت له يا أبا الحكم ان عتبة قد أرسلني لكذا و كذا اللذى قال فقال انتفخ «٢» و اللّه سجره حين رأى محمد او أصحابه كلا و اللّه لا يرجع حتى يحكم اللّه بيننا و بين محمد و ما بعتبة ما قال و لكنه قد رأى ان محمدا و أصحابه أكلته جزور فيكم ابنه قد تخوفكم عليه ثم بعث الى عامر الخضرمي فقال و اللّه هذا حليفك عتبة يريد ان يرجع بالناس فقم فانشد «٣» حفرتك و مقتل أخيك فقام عامر بن الخضرمي فكشف عن استه ثم صرخ وا عمراه فحميت الحرب و احقب «٤» امر الناس و استو «٥» سقوا على ما هم عليه من الشر و أفسد على الناس الرأي الذي دعاهم اليه عتبة و لما بلغ عتبة قول ابى جهل انتفخ و اللّه سجره قال سيعلم مصفر استه من انتفخ سجره انا أم هو ثم التمس عتبة بيضة ليدخلها في راسه فما وجد في الجيش تسعة من عظم هامته فلما رأى ذلك اعتجر ببرد على راسه و سل ابو جهل سيفه فضرب متن فرسه فقال له أيما بن رحضة بئس الفال هذا و ذكر محمد بن عمر الأسلمي و البلاذري و صاحب الامتناع ان قريشا لما نزلت بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عمر بن الخطاب إليهم يقول لهم ارجعوا فانه ان يلى هذا الأمر منى غيركم أحب الى من ان تلوه بنى فقال حكيم بن حرام قد عرض نصحا فاقبلوه فو اللّه لا تنصرون عليه بعد ما عرض من النصف «٦» فقال ابو جهل و اللّه لا نرجع بعد ما أمكننا اللّه منهم روى ابن المنذر و ابن ابى حاتم عن ابن جريج ان أبا جهل قال يوم بدر خذوهم أخذا و اربطوهم في الجبال و لا تقتلوا منهم أحدا فنزل انا بلوناهم كما بلونا اصحاب الجنة الاية في سورة ن يعنى انهم في قدرتهم عليهم كما اقتدر اصحاب الجنة على الجنة و لما أصبح رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم صف أصحابه فكانما يقوم بهم القداح «٧» و معه يومئذ قدح يشير الى هذا تقدم و الى هذا تأخر (١) نتل اى استخرج ١٢. (٢) كلمة يقال للجبان الشدة و القوة. (٣) اى اطلب في قريش الوفاء بخفرهم لك اى عندهم و كان حليفا لهم ١٢ [.....]. (٤) اى اشتد ١٢. (٥) بسينين مهملتين اى اجتمعوا و استقر رأيهم ١٢. (٦) النصف العدل ١٢. (٧) القداح خرد أسهم بلا فصل و ريش ١٢. حتى استووا و دفع رايته الى مصعب بن عمير فتقدم حيث امره رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان يضعها و وقف رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ينظر الى الصفوف فاستقبل المغرب و جعل الشمس خلفه و اقبل المشركون فاستقبلوا الشمس و نزل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بالعدوة الشامية و نزلوا بالعدوة اليمانية و لما عدل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الصفوف تقدم سواد بن غزية امام الصف فدفع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في بطنه و قال استويا سواد قال يا رسول اللّه أوجعتني و الذي بعثك بالحق نبيا أقدني فكشف رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن بطنه قال استقد فاعتنقه و قبله فقال ما حملك على ما ضعت قال حضر من امر اللّه ما قد ترى و خشيت ان اقتل فاردت ان أكون اخر عهدى بك و حينئذ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا كثبوكم فارموهم و لا تسلوا السيوف حتى يغشوكم كذا روى ابو داود عن ابى أسيد و خطب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فحمد اللّه و اثنى عليه و احث الناس على الصبر في القتال و ابتغاء وجه اللّه و تعتبب قريش للقتال و الشيطان لا يفارقهم فثبت المسلمون على صفهم و شد عليهم عامر بن الحضرمي فكان أول من خرج من المسلمين مهيجع بن عايش مولى عمر بن الخطاب فقتله ابن الحضرمي و كان أول قتيل من الأنصار حارثة بن سراقة قتله حيان بن عرفة و خرج عتبة بن ربيعة بن أخيه شيبة و ابنه الوليد و دعوا لى المبارزة فخرج ثلثة من الأنصار عوذ و معوذا بنا الحارث و أمها العفراء و عبد اللّه بن رواحة فقالوا اكفاء كرام ما لنا بكم حاجة ثم نادوا يا محمد اخرج إلينا أكفاءنا من قومنا فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قم يا عبيدة بن الحارث قم يا حمزة قم يا على فاما حمزة فلم يمهل شيبة ان قتله و اما على فلم يمهل الوليد ان قتله و اختلف عبيدة و عتبة بينهما ضربتين كلاهما اثبت صاحبه فكر حمزة و على بأسيافهما على عتبة فذففا عليه و احتملا صاحبه و في الصحيحين ان فيهم نزلت هذان خصمان اختصموا في ربهم في سورة الحج قال ابن إسحاق ثم رجع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الى العريش و معه ابو بكر و ليس معه غيره و رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يناشدد به عز و جل ما وعده من النصر يقول فيما يقول اللّهم ان تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد في الأرض و ابو بكر يقول يا رسول اللّه بعض منا شدتك ربك فان اللّه منجز لك ما وعدك روى ابن جرير و ابن ابى حاتم و الطبراني عن ابى أيوب الأنصاري ان عبد اللّه بن رواحة قال يا رسول اللّه انى أريد ان أشير عليك و رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أعظم من ان بشار اليه ان اللّه تبارك و تعالى أجل و أعظم من ان ينشده وعده فقال يا ابن رواحة لانشدن اللّه وعده ان اللّه لا يخلف الميعاد و روى ابن سعد و ابن جرير عن على بن ابى طالب و قال لما كان يوم بدر قاتلت شيئا من قتال ثم جئت مسرعا الى النبي صلى اللّه عليه و سلم لا نظر ما فعل فاذا هو ساجد يقول يا حى يا قيوم لا يزيد عليها ثم رجعت الى القتال ثم جئت و هو ساجد يقول ذاك ثم ذهبت الى القتال ثم جئت و هو يقول ذلك ثم ذهبت الى القتال ثم رجعت و هو ساجد يقول ذلك ففتح عليه و روى البيهقي عن ابن مسعود حديث المناشدة قال ثم التفت كان وجهه القمر فقال كانما انظر مصارع القوم العشية و روى سعيد بن منصور عن عبيد اللّه ابن عبد اللّه بن عتبة قال لما نظر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الى المشركين و تكاثرهم و الى المسلمين و استقلهم ركع ركعتين و قام ابو بكر عن يمينه فقال صلى اللّه عليه و سلم و هو في صلوته اللّهم لا تخذلنى اللّهم أنشدك ما وعدتني روى ابن ابى شيبة و احمد و مسلم و ابو داود و الترمذي و غيرهم عن عمر بن الخطاب قال لما كان يوم بدر نظر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الى المشركين و هم الف و أصحابه ثلاثمائة و تسعة عشر رجلا فاستقبل نبى اللّه القبلة ثم مديديه فجعل يهتف بربه عز و جل يقول اللّهم أنجز لى ما وعدتني اللّهم آتني ما وعدتني اللّهم ان تهلك هذه العصابة من الإسلام لا تعبد في الأرض فما زال يهتف بربه عز و جل مادا يديه مستقبل القبلة حتى سقط ردائه عن منكبه فاتاه ابو بكر فاخذ ردائه و ألقاه على منكبه ثم التزمه من ورائه فقال يا نبى اللّه كذاك «١» تناشدك لربك فانه سينجز لك ما وعدك فانزل اللّه تعالى. (١) يعنى كفاك ١٢. ٩ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ بدل من إذ يعدكم او متعلق بقوله لِيُحِقَّ او على إضمار اذكر يعنى يستجيرون به من عدوكم و تطلبون الغوث فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي اى بانى فحذف الجار و سلط عليه الفعل مُمِدُّكُمْ مرسل إليكم مددا و ردأ لكم بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ روى البيهقي عن ابن عباس و حكيم بن حزام و ابراهيم التيمي حديث دعائه صلى اللّه عليه و سلم و قول ابى بكر نحو ما مر و فيه و خفق «١» رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم خفقة و هو في العريش ثم انتبه فقال ابشر يا أبا بكر هذا جبرئيل متعجر بعمامة صفراء آخذ بعنان فرسه بين السماء و الأرض فلما نزل الى الأرض تغيب عنى ساعة ثم طلع على ثناياه النقع يقول أتاك نصر اللّه إذ دعوته و روى ابن إسحاق و ابن المنذر عن حبان بن واسع عن أشياخ قومه نحوه بلفظ هذا جبرئيل «٢» أخذ بعنان فرسه يقوده على ثناياه النقع و روى البخاري و البهيقى عن ابن عباس ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال يوم بدر هذا جبرئيل أخذ برأس فرسه و عليه اداة الحرب مُرْدِفِينَ (٩) قرا نافع و يعقوب بفتح الدال اى أردفهم اللّه تعالى المسلمين و جاء بهم لهم مددا و الباقون بكسر الدال اى متتابعين بعضهم اثر بعض و روى ابن جرير و ابن المنذر عن ابن عباس قال في تفسيره يعنى وراء كل ملك ملك و روى عبد بن حميد و ابن جرير عن قتادة قال متتابعين أمدهم اللّه تعالى بألف ثم بثلاثة آلاف ثم أكملهم خمسة آلاف و روى الطبراني عن رفاعة بن رافع و ابن جرير و ابن المنذر و ابن مردويه عن ابن عباس قال أمد اللّه نبيه صلى اللّه عليه و سلم و المؤمنين بألف و كان جبرئيل في خمسمائة مجنبة و ميكائيل في خمسمائة مجنبة الحديث و روى ابن ابى حاتم عن الشعبي قال بلغ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان كرز المحاربي يريد ان يمد المشركين فشق ذلك عليهم فانزل اللّه تعالى أ لن يكفيكم ان يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملئكة منزلين بلى ان تصبروا و تتقوا و يأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملئكة مسومين فبلغ كرز الهزيمة فرجع و لم يأتهم فلم يمدهم اللّه بالخمسة الآلاف و كانوا قد امدوا بألف من الملئكة و روى ابو يعلى و الحاكم عن على رضى اللّه عنه قال بينما انا من قليب بدر جاءت ريح شديدة لم ار مثلها قط ثم جاءت ريح شديدة لم ار مثلها قط (١) حرك راسه و هو تاع ١٢. (٢) ثنايا راسه و قواعه ١٢-. الا التي كانت قبلها ثم جاءت ريح شديدة قال و كانت ريح الاولى جبرئيل عليه السلام نزل في الف من الملئكة الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و كانت الريح الثانية ميكائيل نزل في الف من الملئكة عن يمين رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و كان ابو بكر عن يمينه فكانت الثالثة اسرافيل نزل في الف من الملئكة عن ميسرة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و انا في الميسرة الحديث و روى احمد و البزار و الحاكم برجال صحيح عن على قال قال لى و لابى بكر يوم بدر قيل لاحدنا معك جبرئيل و قيل للآخر معك ميكائيل و اسرافيل ملك عظيم يشهد القتال و لا يقاتل يكون في الصف و روى ابو يعلى عن جابر قال كنا نصلى مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في غزوة بدر إذ تبسم في صلوته قلنا يا رسول اللّه رايناك تبسمت قال مربى جبرئيل و على جناحه اثر الغبار و هو راجع عن طلب القوم فضحك الى و تبسمت اليه و روى ابن سعد و ابو الشيخ عن عطية بن قيس قال لما فرغ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من قتال بدر جاء جبرئيل على فرس أنثى احمر عليه درعه و معه رمحه فقال يا محمد ان اللّه بعثني إليك و أمرني ان لا أفارقك حتى ترضى هل رضيت قال نعم رضيت فانصرف- (فايده) و قد ظهر بعض الملائكة لبعض الرجال في صورة الرجال روى ابراهيم الحرثى عن ابى سفيان بن الحارث قال لقينا ببدر رجالا بيضا على خيل بلق بين السماء و الأرض و روى البيهقي و ابن عساكر عن سهل بن عمرو رضى اللّه عنه قال لقد رايت يوم بدر رجالا بيضا على خيل بلق بين السماء و الأرض معلمين يقتلون و يأسرون و روى محمد بن عمرو الأسلمي و ابن عساكر عن عبد الرحمن بن عوف قال رايت يوم بدر رجلين عن يمين النبي صلى اللّه عليه و سلم أحدهما و عن يساره أحدهما يقاتلان أشد القتال ثم ثلثهما ثالث من خلفه ثم ربعهم رابع امامه و روى محمد بن عمرو الأسلمي عن ابراهيم الغفاري عن ابن عم له بينا انا و ابن عم لى على ماء ببدر فلما راينا قلة من مع محمد و كثرة قريش قلنا إذا التقت الفئتان عمدنا الى عسكر محمد و أصحابه- فانطلقنا نحو المجنبة اليسرى من أصحابه و نحن نقول هؤلاء ربع قريش فينا نحن نمشى في المسيرة إذ جاءت سحابة فغشيتنا فرفعنا أبصارنا إليها فسمعنا أصوات الرجال و السلاح و سمعنا لرجل يقول لفرسه اقدم «١» خيزوم فنزلوا على ميمنة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ثم جاءت اخرى مثل ذلك لكانت (١) اقدم بضم الدال و الهمزة او فتح الدال و كسر الهمزة او عكسه و رجح النووي الثاني و هو في التقدم على الحرب او الاقدام او الشجاعة و حيزوم فيقول من الحزم و الحيزوم يطلق ايضا على الصدر يجوز ان يكون سمى به لانه صدر خيل الملئكة ١٢. مع النبي صلى اللّه عليه و سلم و أصحابه فاذا هم على الضعف من قريش فمات ابن عمى و اما انا فما سكت و أخبرت النبي صلى اللّه عليه و سلم و أسلمت و كذا روى ابن إسحاق و ابن جرير عن ابن عباس عن رجل من غفار و روى البيهقي عن السائب بن ابى حبيش انه يقول و اللّه ما أسرني أحد من الناس فيقول لما انهزمت قريش انهزمت معها فادركنى رجل ابيض طويل على فرس بين السماء و الأرض فاورثنى رباطا و جاء عبد الرحمن بن عوف فوجدنى مربوطا فنادى في العسكر من ربط هذا فليس يزعم أحد انه أسرني حتى انتهى الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال من أسرك قلت لا أعرفه و كرهت ان أخبره بالذي رايت فقال أسرك ملك من الملائكة و روى احمد و ابن سعد و ابن جرير عن ابن عباس و البهيقى عن على قال كان الذي اسر العباس ابو اليسر و كان رجلا مجموعا و كان العباس رجلا جسيما فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يا أبا اليسر كيف أسرت العباس قال يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لقد أعانني عليه رجل ما رأيته قبل ذلك و لا بعده هيئة كذا و كذا فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لقد اعانك عليه ملك كريم و روى ابن إسحاق و إسحاق بن راهويه عن ابى أسيد الساعدي انه قال بعد ما عمى لو كنت معكم ببدر الان و معى بصرى لاخبرتكم بالشعب الذي خرجت منه الملئكة لا أشك و لا اتمارى و روى البيهقي عن ابن عباس قال كانت سيما الملئكة يوم بدر عمائم بيض قال أرسلوا في ظهورهم و يوم خيبر عمائم حمر و روى ابن إسحاق عن ابن عباس نحوه و زاد الا جبرئيل فانه كانت عليه عمامة صفراء و روى الطبراني بسند صحيح عن عروة قال نزل جبرئيل يوم بدر على سيما الزبير و هو معتجر بعمامة صفراء و كذا روى ابن ابى شيبة و ابن جرير و ابن مردوية عن عبد اللّه بن الزبير و روى الطبراني و ابن مردوية بسند ضعيف عن ابن عباس مرفوعا في قوله تعالى مسومين قال معلمين و كانت سيما الملئكة يوم بدر عمائم سود و يوم أحد عمائم حمر قال ابن سعد كانت سيما الملئكة يوم بدر عمائم قد ارخوا بين أكتافهم خضر و صفر و حمر من نور و الصوف في نواصى خيلهم فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لاصحابه ان الملئكة قد سومت فسوموا فاعلموا بالصوف في مفارقهم و قلانسهم و كانت الملئكة على خيل بلق. ١٠ وَ ما جَعَلَهُ اللّه الامداد بالملائكة الذي دل عليه قوله ممدكم إِلَّا بُشْرى اى سببا لاستبشاركم وَ لِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ فيزول ما بها من وجل نظرا على جرى عادة اللّه في غلبة الكثير على القليل قلت نظير حال النبي صلى اللّه عليه و سلم هاهنا في اضطراب قلبه و مناشدته صلى اللّه عليه و سلم ربه بعد ما وعده بالنصر حال ابراهيم عليه السلام حيث قال رب أرني كيف تحيى الموتى قال ا و لم تؤمن قال بلى و لكن ليطمئن قلبى و كان حالهما عليهما السلام مبنيا على النزول الأتم كما حققناه في سورة البقرة في تفسير رب أرني كيف تحيى الموتى و لما لم يكن ابن رواحة رضى اللّه عنه في تلك المرتبة من النزول قال ان اللّه تبارك و تعالى أجل و أعظم ان ينشد وعده و لما كان ابو بكر اقرب منزلة من النبي صلى اللّه عليه و سلم لم يقل كما قال ابن رواحة بل قال كذاك تناشدك لربك و كان اضطراب النبي صلى اللّه عليه و سلم لحرصه على اشاعة الإسلام و هدم أساس الكفر و نظره على كمال استغنائه تعالى عن العالمين و عن عبادتهم و اللّه اعلم وَ مَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللّه إِنَّ اللّه عَزِيزٌ حَكِيمٌ (١٠) و امداد الملئكة و كثرة العدد و الأهب و نحوها و سايط في جرى العادة لا تأثير لها في نفس الأمر و اللّه اعلم. (فايدة) و لما فرغ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من مناشدته ربه قاتل بنفسه الشريفة قتالا شديدا و كذلك ابو بكر و كانا في العريش يجاهدان بالدعاء و التضرع ثم نزلا فحرضا و حشا الناس على القتال و قاتلا بابدانهما جمعا بين المقامات كذا قال محمد بن يوسف الصالحي في سبيل الرشاد و روى ابن سعد و الفريابي عن على قال لما كان يوم بدر و حضر البأس امّنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و اتقينا به و كان أشد الناس بأسا يومئذ و ما كان أحد اقرب الى المشركين منه و رواه احمد بلفظ لقد رأيتنا يوم بدر و نحن نلوذ برسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و النسائي بلفظ كنا إذا حمى البأس و لقى القوم اتقينا برسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم. ١١ إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ اى النوم الخفيف قرا ابن كثير و ابو عمرو إذ يغشاكم بفتح الياء و الشين و الف بعدها و رفع النعاس كما في سورة ال عمران امنة نعاسا يغشى طائفة منكم و نافع بضم الياء و كسر الشين مخففا و نصب النعاس كما في قوله تعالى كانما أغشيت وجوههم و الباقون كذلك الا انهم فتحوا الغين و شدد و الشين كما في قوله تعالى فغشاها ما غشى و الفاعل على القرائتين هو اللّه و الظرف بدل ثان من إذ يعدكم لاظهار نعمة ثالثة او متعلق بالنصر او بما في عند اللّه من معنى الفعل او بجعل او بإضمار اذكر امنة منه اى أمنا كائنا من اللّه مصدر امنت أمنا او امنة و أمانا مفعول له باعتبار المعنى فان قوله يغشيكم النعاس يتضمن معنى تنعسون و يغشاكم بمعناه و الامنة فعل لفاعله و يجوز ان يراد به الايمان فيكون فعل المغشى و ان يجعل على قراءة ابن كثير و ابو عمر فعل النعاس على المجاز لانها لاصحابه او لانه كان من حقه ان لا يغشاهم لشدة الخوف فلما غشاهم فكانه حصلت له امنة من اللّه لولاها لم يغشهم قال عبد اللّه بن مسعود النعاس في القتال امنة من اللّه عز و جل و في الصلاة من الشيطان روى عبد بن جميد عن قتادة قال كان النعاس امنة «١» من اللّه و كان النعاس نعاسين نعاس يوم بدر و نعاس يوم أحد و قد مر ذكر النعاس في القصة و ذكر المطر الذي ذكره اللّه تعالى في كتابه فقال وَ يُنَزِّلُ قرأ ابن كثير و ابو عمرو بالتخفيف و الباقون بالتشديد عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ من الحدث و الجنابة وَ يُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ يعنى وسوسته إليهم تزعمون انكم اولياء اللّه و فيكم رسوله و قد غلبكم المشركون على الماء و أنتم مصلون مجنبون وَ لِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ يقويها بالوثوق على لطف اللّه بهم و إنزال السكينة عليها يقال فلان رابط الجاش إذا قوى قلبه و اصل الربط الشد و ذلك يقتضى القوة و الاستحكام وَ يُثَبِّتَ بِهِ اى بالمطر الْأَقْدامَ (١١) حيث صلب الرمل و لم يذهب الاقدام فيها او بالصبر و قوة القلب. (١) يعنى الامن الذي هو ضد الخوف فعل لفاعل متنعون اى المخاطبون ١٢. ١٢ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ الذين أمد بهم المؤمنين بدل ثالث او متعلق بيثبت أَنِّي مَعَكُمْ في اعانة المؤمنين و ثبتهم و هو مفعول يوحى فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا بمحاربة أعدائهم و تكثير سوادهم و بشارتهم بالنصر قال مقاتل كان الملك يمشى امام الصف في صورة الرجل و يقول ابشروا فان اللّه ناصركم سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ هو امتلاء القلب من الخوف يعنى الخوف من المؤمنين قرا ابن عامر و الكسائي بضم العين و الباقون بسكونها و هذا بمنزلة التفسير لقوله انى معكم روى ابو نعيم عن ابن عباس رضى اللّه عنهما قال قلت لابى يا أبت كيف أسرك ابو اليسر و لو شئت لجعلته في كفك فقال يا بنى لا تقل ذلك لقينى و هو في عينى أعظم من الخندقه قلت و هذا الإلقاء اللّه الرعب في قلوبهم فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ اى أعاليها التي هى المذابح و الرؤوس و قال عكرمة يعنى الرؤوس لانها فوق الأعناق و قال الضحاك معناه فاضربوا الأعناق و فوق صلة و قيل معناه فاضربوا على الأعناق و فوق بمعنى على وَ اضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ (١٢) قال عطية يعنى كل مفصل و قال ابن عباس و ابن جريح و الضحاك يعنى الأطراف و البنان جمع بنانة و هى أطراف أصابع اليدين و الرجلين في القاموس الأصابع او أطرافها و الخطاب للملئكة يقتضيه سياق الآية و فيه دليل على ان الملائكة قاتلوا قال ابن الأنباري كانت الملائكة لا تعلم كيف يقتل الآدميون فعلمهم اللّه تعالى روى البخاري و النسائي و ابن ماجة عن ابن عباس ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال و هو في قبة يوم بدر اللّهم انى أنشدك عهدك و وعدك اللّهم ان تشأ لا تعبد بعد اليوم فاخذ ابو بكر بيده فقال حسبك يا رسول اللّه لقد ألححت على ربك فخرج و هو يثب في الدرع و هو يقول سيهزم الجمع و يولون الدبر بل الساعة موعدهم و الساعة أدهى و امر و انزل اللّه تعالى إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم انى ممدكم بألف من الملئكة مردفين اى متتابعين يتبع بعضهم بعضا و انزل اللّه تعالى أ لن يكفيكم ان يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين فاوحى اللّه تعالى الى الملئكة انى معكم فثبتوا الذين أمنوا سالقى في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق و اضربوا منهم كل بنان و روى مسلم و ابن مردوية عن ابن عباس قال بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتد في اثر رجل من المشركين امامه إذ سمع ضربة بالسوط فوقه و سمع صوت الفارس يقول اقدم حيزوم إذ نظر الى المشرك امامه مستاتيا فنظر اليه فاذا هو قد حطم انفه و شق وجهه كضربة السوط فاحضر ذلك الموضع اجمع فجاء الأنصاري فحدث بذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال صدقت ذلك من مدد السماء الثالثة و روى الحاكم و صححه و البيهقي و ابو نعيم عن سهل بن حنيف قال لقد رايتنا يوم بدر ان أحدنا يشير بسيفه الى راس المشرك فيقع راسه قبل ان يصل اليه و روى البيهقي عن الربيع بن انس قال كان الناس يعرفون قتل من قتلوه بضرب فوق الأعناق و على البنان مثل سمة النار قد احترق و روى ابن سعد عن حويطب بن عبد العزى قال شهدت بدرا مع المشركين فرأيت عيرا رأيت الملئكة تقتل و تاسر بين السماء و الأرض و روى محمد بن عمر الأسلمي و البيهقي عن ابى بردة بن يناد رضى اللّه عنه قال جئت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بثلاثة رؤس فقلت يا رسول اللّه اما راسان فقتلتهما و اما الثالث فانى رأيت رجلا ابيض طويلا ضربه فاخذت رأسه فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ذاك فلان من الملئكة و روى ابن سعد عن عكرمة قال كان يومئذ يندر رأس الرجل الا يدرى من ضربه و تندر يد رجل لا يدرى من ضربه و روى ابن إسحاق و البيهقي عن ابى واقد الليثي قال انى لا تبع يوم بدر رجلا من المشركين لا ضربه فوقع راسه قبل ان يصل اليه سيفى فعرفت ان غيرى قتله و روى البيهقي عن خارجة بن ابراهيم قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لجبرئيل من القائل يوم بدر من الملئكة اقدم حيزوم فقال جبرئيل ما كل اهل السماء اعرف و روى ابن إسحاق عن ابى رافع مولى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال كنت غلاما للعباس بن عبد المطلب و كان الإسلام قد دخلنا اهل البيت و أسلمت أم الفضل و أسلمت و كان العباس يهاب قومه و يكره خلافهم و كان يكتم إسلامه و كان ذا مال كثير متفرق فى قومه و كان ابو لهب عدو اللّه قد تخلف عن بدر و بعث مكانه العاص بن هشام بن المغيرة فلما جاءه الخبر عن مصاب أصحابه بل ركبه «١» اللّه و أخزاه فوجدنا فى أنفسنا قوة و عزة و كنت رجلا ضعيفا و كنت اعمل القداح و أنحتها فى حجرة زمزم فو اللّه انى لجالس انحت القداح و عندى أم الفضل جالسة إذ اقبل الفاسق ابو لهب يجر رجليسه حتى جلس على طنب «٢» الحجرة و كان ظهره الى ظهرى فبينا هو جالس إذ قال الناس هذا ابو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب قد قدم فقال ابو لهب الىّ ابن أخي فعندك الخبر فجلس اليه و الناس قيام عليه فقال أخبرني ابن أخي كيف كان امر الناس فقال لا شى ء و اللّه ان كان الا ان لقيناهم فمحناهم «٣» أكتافنا يقتلوننا و يأسروننا كيف شاء و ايم اللّه مع ذلك ما ملت الناس لقينا رجالا بيضا على خيل بلق بين السماء و الأرض لا و اللّه ما تليق شيئا و لا يقوم لها شي ء قال ابو رافع فرفعت طنب الحجرة بيدي ثم قلت تلك و اللّه الملئكة قال فرفع (١) اى اذله ١٢. (٢) الطنب حبل الخباء و طرف الحجرة ١٢. (٣) فمحناهم أعطيناهم ١٢. ابو لهب يده فضرب وجهى ضربة شديدة فثاورته «١» فاحتملنى فضرب بي الأرض ثم برك علىّ يضربنى و كنت رجلا ضعيفا فقامت أم الفضل الى عمود من عمد الحجرة فاخذته فضربته به ضربة فلقت فى راسه شجة منكرة و قالت استضعفته ان غاب عنه سيده فقام موليا ذليلا فو اللّه ما عاش الا سبع ليال حتى رماه اللّه عز و جل بالعدسة فقتله قال ابن جرير و العدسة «٢» قرحة كانت العرب يتشاءم بها و يرون انها تعدو أشد العدو فلما أصابت أبا لهب تباعد عنه بنوه بعد موته ثلثا و لا تقرب جثته و لا يحاول دفنه فلما خافوا السبة «٣» فى تركه حفروا له ثم وضعوه بعصا فى حفرته و قذفوه بالحجارة من بعيد حتى واروه قال ابن إسحاق فى رواية يونس بن بكير انهم لم يحفر و اله و لكنه أسندوه الى حائط و قذفوا عليه الحجارة من خلف الحائط حتى واروه. (١) ثادرته اى نهضت ١٢. (٢) عدسة بثرة شبيه العدس تخرج فى موضع من الجسد تقتل صاحبها غالبا ١٢ [.....]. (٣) السبة طعن الناس و قولهم بالسوء ١٢. ١٣ ِكَ اشارة الى الضرب و الأمر به و الخطاب للرسول صلى اللّه عليه و سلم و هو مبتدأ خبره أَنَّهُمْ شَاقُّوا اللّه وَ رَسُولَهُ يعنى بسبب انهم عاندوهما اشتقاقه من الشق لان كلا من المتعاندين فى شق خلاف شق الاخر كالمعاداة من العدوة و المخاصمة من الخصم و هو الجانب مَنْ يُشاقِقِ اللّه وَ رَسُولَهُ يعاقبه اللّه عقابا شديداإِنَّ اللّه شَدِيدُ الْعِقابِ (١٣) تقرير للتعليل او وعيد بما أعد لهم فى الاخرة بعد ما حاق بهم فى الدنيا. ١٤ ذلِكُمْ الخطاب مع الكفار على طريقة الالتفات و محله الرفع اى الأمر ذلكم او ذلكم العقاب واقع او النصب بفعل دل عليه قوله تعالى فَذُوقُوهُ يعنى ذوقوا ذلكم العذاب فى الدنيا فذوقوه او غير ذلك الفعل مثل باشروا او عليكم و يكون الفاء حينئذ عاطفة وَ أَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ (١٤) فى الاخرة عطف على ذلكم او الواو بمعنى مع و المعنى ذوقوا ما عجل لكم مع ما أجل لكم و وضع الظاهر موضع المضمر للدلالة على ان الكفر سبب موجب للعذاب الاجل و الجمع بينهما و المؤمن لو أصابه مصيبة فى الدنيا بما كسبت يداه كانت له كفارة و لا يعذب فى الاخرة إنشاء اللّه تعالى روى البغوي بسنده فى تفسير قوله تعالى ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت ايديكم الاية عن على رضى اللّه عنه قال الا أخبركم بأفضل آية من كتاب اللّه حدثنا بها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت ايديكم و يعفوا عن كثير و سافسرها لك يا عليّ ما أصابكم من مرض او عقوبته او بلاء فى الدنيا فبما كسبت ايديكم و اللّه عز و جل أكرم من ان يثنى عليهم العقوبة فى الاخرة و ما عفى اللّه عنه فى الدنيا فاللّه احكم من ان يعود بعد عفوه و اللّه اعلم روى الترمذي و حسنه و الحاكم عن عكرمة عن ابن عباس قال قيل لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عليك بالعير ليس دونها شي ء فناداه العباس و هو أسير فى وثاقه لا يصلح فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لم قال لان اللّه وعدك احدى الطائفتين و قد اعطاك ما وعدك قال صدقت. ١٥ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً حال من فاعل لقيتم و مفعوله اى متزاحفين بعضكم الى بعض مختلطين المسلمون بالمشركين و التزاحف التداني فى القتال كذا قال البغوي قلت و انما سمى التداني فى القتال تزاحفا لانه ماخوذ من زحف الصبى إذا دب على استه قليلا او من زحف البعير إذا أعيى فيسير قليلا يجر فرسه فان مزاحمة العدو يمنعهم عن الاسراع فى المشي فكانهم يزحفون كما يزحف الصبى فالزحف مصدر و لذلك لم يجمع كقولهم قوم عدل و قال الليث الزحف جماعة يزحفون الى عدو لهم فهم الزحف بالفتح و الإسكان و الجمع الزحف بالضمتين و فى القاموس الزحف الجيش يزحفون الى العدو و اختار البيضاوي هذا المعنى حيث فسرز حفا بمعنى كثيرا فعلى هذا اما ان يكون حالا من الذين كفروا يعنى إذا لقيتم جماعة كثيرة من الكفار فضلا من ان يكونوا مثلكم او قليلا منكم فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ (١٥) اى لا تولوا ظهوركم بالانهزام و اما من الفاعل و المفعول جميعا و المعنى إذا لقيتم متكثرين بجماعة كثيرة من الكفار و حينئذ يكون جريان الحال جريا على العادة فان الغالب قتال لمتكثرين بالمتكثرين و اما من الفاعل وحده و يكون اشعارا بما سيكون منهم يوم حنين حين تولوا و هم اثنا عشر الفا و الأظهر عندى فى تفسير الاية ما قال البغوي فانه يقتضى عموم النهى سواء كان من الفريقين جماعات او فرادى فان مقابلة الجمع بالجمع يقتضى انقسام الآحاد على الآحاد (مسئله) الفرار من الزحف كبيرة من الكبائر و على هذا اكثر اهل العلم و به قال الائمة الاربعة من الفقهاء لكنهم قالوا ان المسلمين إذا كانوا على شطر من عدوهم لا يجوز لهم ان يفروا و إن كانوا اقل من ذلك جاز لهم ان يولوا ظهورهم و يتجاوزوا عنهم لقوله تعالى الان خفف اللّه عنكم و علم ان فيكم ضعفا فان يكن منكم مأته صابرة يغلبوا مائتين الاية قال عطاء ابن رباح هذه الاية يعنى لا تولوهم الأدبار منسوخة بقوله تعالى الان خفف اللّه عنكم و بحديث ابن عمر قال بعثنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى سرية فحاص الناس حيصة فاتينا المدينة فاختفينا بها و قلنا هلكنا ثم اتينا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقلنا يا رسول اللّه نحن الفرارون قال بل أنتم العكارون «١» و انا فئتكم رواه الترمذي و حسنه و فى رواية ابى داود نحوه و قال محمد بن سيرين لما قتل ابو عبيدة جاء الخبر الى عمر رضى اللّه عنهما فقال لو انحاز الى كنت له فئة و انا فئة كل مسلم و محمل هذين الحديثين قلة المسلمين من شطر الكفار قال البغوي قال ابن عباس من فرمن ثلثة فلم يفرو من فرمن اثنين فقد فرو قال بعض الناس لا بأس بالفرار مطلقا محتجا بما ذكرنا من حديث ابن عمرو محمد بن سيرين قال ابو سعيد الخدري هذا يعنى النهى عن التولي زحفا فى اهل بدر خاصة ما كان يجوز لهم الانهزام لان النبي صلى اللّه عليه و سلم كان هناك و لو انحازوا انحازوا الى المشركين فاما بعد ذلك فان المسلمين بعضهم فئة بعض فيكون الفار متحيزا الى فئة فلا يكون فراره كبيرة و هو قول الحسن و قتادة و الضحاك و قال يزيد ابن ابى حبيب أوجب اللّه تعالى النار لمن فريوم بدر فلما كان يوم أحد بعد ذلك قال انما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا و لقد عفى اللّه عنهم ثم كان يوم حنين بعد فقال ثم وليتم مدبرين ثم يتوب اللّه من بعد ذلك على من يشآء قلت و هذا القول ردّه اجماع الائمة على ما ذكرنا و ما ذكر من الآيات فى يوم (١) الكرارون الى الحرب يقال للرجل يولى عن الحرب لم يكرر اجفا إليها ١٢. أحد و يوم حنين فهى حجة لنا لا علينا حيث قال اللّه تعالى انما استزلهم الشيطان و قال عفى اللّه عنهم و العفو يقتضى العصيان و كذا قوله تعالى ثم يتوب اللّه يدل على وجود المعصية و اللّه اعلم و قد ذكر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم التولي يوم الزحف من السبع الموبقات رواه الشيخان فى الصحيحين فى حديث ابى هريرة و اصحاب السنن عن صفوان بن عسال و قد ذكرنا الكبائر فى سورة النساء فى تفسير قوله تعالى ان تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيأتكم فالوعيد عام بقوله تعالى. ١٦ وَ مَنْ يُوَلِّهِمْ يعنى الذين كفروا يَوْمَئِذٍ اى يوم إذا لقيتموهم زحفا دُبُرَهُ اى ظهره فى اى حال كان إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ اى متعطفا يريد ان يرى من نفسه الانهزام و قصده الغرة بالعدو و هو يريد الكر أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ اى منضما صابرا الى جماعة المسلمين إذا أعيى من القتال يريد العود بعد زوال التعب فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللّه وَ مَأْواهُ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ (١٦) جهنم و فى القصة ما ذكره البغوي انه قال مجاهد فلما انصرف المسلمون عن القتال كان الرجل يقول انا قتلت فلانا و يقول الاخر مثله فنزلت. ١٧ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ بقوتكم وَ لكِنَّ اللّه قَتَلَهُمْ بنصره إياكم و تسليطكم عليهم و إلقاء الرعب فى قلوبهم و امداد الملئكة لكم و الفاء جواب شرط محذوف تقديره ان افتخرتم بقتلهم فلم تقتلوهم و لكن اللّه قتلهم و هذا سبب أقيم مقام المسبب و الأصل فى التقدير ان افتخرتم فقد أخطأتم إذ لم تقتلوهم بقوتكم و لكن اللّه قتلهم من غير تجشم منكم بامداده على خلاف جرى العادة وَ ما رَمَيْتَ يا محمد بالحصباء رميا يوصلها الى أعينهم أجمعين و لم تكن تقدر على ذلك إِذْ رَمَيْتَ أتيت بصورة الرمي وَ لكِنَّ اللّه رَمى اتى هو غاية الرمي فاوصلها الى أعينهم جميعا حتى انهزموا قرا ابن عامر و حمزة و الكسائي بتخفيف لكن فى الموضعين و رفع ما بعده و الباقون بالتشديد و نصب ما بعده روى ابن جرير و ابن المنذر و البيهقي عن ابن عباس و الأموي عن عبد اللّه ابن ثعلبه بن صفير ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال يعنى فى مناشدته ربه ان تهلك هذه العصابة فلن تعبد فى الأرض ابدا فقال له جبرئيل خذ قبضة من تراب فرمى بها فى وجوههم فما بقي من المشركين من أحد الا و أصاب عينيه و منخريه و فمه فولوا مدبرين فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لاصحابه احملوا فلم يكن الا الهزيمة فقتل اللّه من قتل من صناديد قريش و اسر من اسر و انزل اللّه تعالى فلم تقتلوهم و لكن اللّه قتلهم الاية و روى الطبراني و ابو الشيخ برجال الصحيح عن ابن عباس ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال لعلى رضى اللّه عنه ناولنى قبضة من حصباء فرمى بها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى وجوه الكفار فما بقي أحد من القوم الا امتلأت عيناه من الحصباء و روى ابو الشيخ و ابو نعيم و ابن مردويه عن جابر رضى اللّه عنه قال سمعت صوت حصيات وقعن من السماء يوم بدر كانهن وقعن فى طست فلما اصطف الناس أخذهن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فرمى بهن وجوه المشركين فانهزموا و روى ابن ابى حاتم عن ابن زيد ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أخذ بثلث حصيات فرمى بحصاة فى ميمنة القوم و حصاة فى ميسرة القوم و حصاة بين أظهرهم و قال شاهت الوجوه فانهزم القوم و روى محمد بن عمرو الأسلمي امر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فاخذ من الحصباء كفا فرمى به المشركين و قال شاهت الوجوه اللّهم ارعب قلوبهم و زلزل أقدامهم فانهزم اعداء اللّه لا يلوذون على شي ء و القواد روعهم و المسلمون يقتلون و يأسرون و ما بقي منهم أحد الا امتلأ وجهه و عيينه ما يدرى اين يوجه و الملائكة يقتلونهم و روى الطبراني و ابن ابى حاتم و ابن جرير بسند حسن عن حكيم بن جزام قال لما كان يوم بدر سمعنا صوتا وقع من السماء الى الأرض كانه صوت حصاة وقعت فى طست و رمى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بتلك الحصاة و قال شاهت الوجوه فانهزمنا و فى شان نزول الآيات روايات أخو غريبة منها ما روى الحاكم عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال اقبل ابى بن خلف يوم أحد الى النبي صلى اللّه عليه و سلم فخلوا سبيله فاستقبله مصعب بن عمير و راى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ترقوة ابي من فرجة بين سابغة الدرع و البيضة فطعنه بحربته فسقط من فرسه و لم يخرج من طعنه دم فكسر ضلعا من أضلاعه فاتاه أصحابه و هو يخور خوار الثور فقالوا ما أعجزك انما هو خدش فذكر لهم قول رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بل انا اقتل أبيا قال و الذي نفسى بيده لو كان هذا باهل ذى المجاز لماتوا أجمعين فمات ابى قبل ان يقدم مكة فانزل اللّه تعالى و ما رميت إذ رميت و لكن اللّه رمى اسناده صحيح لكنه غريب و منها ما اخرج ابن جرير عن عبد الرحمن بن جبير ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يوم خبير دعى بقوس فرمى الحصن فاقبل السهم يهوى حتى قتل ابن ابى الحقيق و هو فى فراشه فانزل اللّه و ما رميت إذ رميت و هذا مرسل جيد لكنه غريب و اللّه اعلم وَ لِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ اى لينعم اللّه عليهم مِنْهُ اى ما فعل بَلاءً حَسَناً نعمة عظيمة قوله تعالى ليبلى معطوف على محذوف يعنى فعل ما فعل ليظهر دينه و يقهر أعدائه و يبلى المؤمنين اى يعطيهم نعمة عظيمة النصر و الغنيمة و تقويته الايمان بمشاهدة الآيات و اجر الجهاد و الشهادة و درجات القرب و غرفات الجنان و مرضاة اللّه تعالى قلت كانه جواب سوال مقدر و هو ان اللّه تعالى كان قادرا على ان يهلك الكفار أجمعين من غير مجاهدة المؤمنين و قتالهم حتى قتل بعضهم و من غير امداد الملئكة و ايضا كان ملك من الملئكة كاف فى إهلاكهم كما فعل بأشياعهم من قبل حيث قال و ما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء و ما كنا منزلين انكانت الا صيحة واحدة فاذا هم خامدون فاى فائدة فى امدادهم بثلاثة آلاف من الملئكة و قتال الملئكة و غير ذلك فيقول اللّه سبحانه فعلنا هذا كله لاظهار دينه و إعطاء المؤمنين من الانس و الملئكة نعمة من اللّه من الاجر و الثواب و النصر و الغنيمة و لو أهلك كلهم بقدرته او بصيحة ملك واحد و لم يبق من المشركين أحد لم ينل أحد منهم فضل الايمان باللّه تعالى و قد أمن كثير من بقي منهم بعد ذلك و ما نال المؤمنون اجر الجهاد و الشهادة و الغنيمة و الفضل و ما نال الملئكة ذلك الفضل- (فصل) فيما ورد فى فضائل اهل بدر روى البخاري عن رفاعة بن رافع الزرقي قال جاء جبرئيل الى النبي صلى اللّه عليه و سلم فقال ما تعدون اهل بدر فيكم قال أفضل المسلمين او كلمة نحوها قال جبرئيل و كذلك من شهد بدر أمن الملائكة و روى احمد و ابن ماجه عن رافع بن خديج نحوه و روى احمد بسند صحيح على شرط مسلم عن جابر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لن يدخل النار رجل شهد بدرا و الحديبية و روى ابو داود و ابن ماجة و الطبراني بسند جيد عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اطلع اللّه على اهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم و روى احمد عن حفصة قالت سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول انى لارجوا ان لا يدخل النار إنشاء اللّه أحد شهد بدر او الحديبية قالت قلت أ ليس اللّه يقول و ان منكم الا واردها قال اما سمعته يقول ثم ننجى الذين اتقوا و نذر الظالمين فيها جثيا و روى مسلم و الترمذي عن جابر ان عبد اللّه بن حاطب جاء الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يشكوا حاطبا اليه فقال يا رسول اللّه ليدخلن حاطب النار قال كذبت لا يدخلها فانه شهد بدر او الحديبية و في الصحيحين عن على قصة كتاب حاطب بن بلتعة و قول عمر يا رسول اللّه اضرب عنقه فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أ ليس من اهل بدر و لعل اللّه اطلع على اهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم و قال فقد وجبت لكم الجنة و قد ذكرنا الحديث في سورة الفتح و سورة الممتحنة و روى البخاري عن انس قال أصيب حارثة بن زيد يوم بدر فجاءت امه الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقالت يا رسول اللّه قد عرفت منزلة حارثة منى فان يك في الجنة اصبر و احتسب و ان يك الاخرى فترى ما اصنع قال ويحك او جنة واحدة هى انها جنان كثيرة و انه فى الفردوس و في رواية عند غير البخاري عن انس ان حارثة كان في النظارة و فيه ان ابنك أصاب الفردوس الأعلى ففيه تنبيه عظيم على فضل اهل بدر فانه لم يكن في بحجة القتال و لا في حومة الغوائل بل كان من النظارة من بعيد و انما أصابه سهم غرب و هو يشرب من الحوض و مع هذا أصاب جنة الفردوس التي هى أعلى الجنة و أوسطها و منها تفجر انهار الجنة فاذا كان هذا حاله فما ظنك بمن كان في نحر العدد و هم على ثلثة أضعافهم عددا و عددا و استشكل قوله صلى اللّه عليه و سلم اعملوا ما شئتم فان ظاهره للاباحة و هو خلاف عقد الشرع فقيل انه اخبار عن مغفرة الذنوب الماضية يدل عليه قوله قد غفرت لكم بصيغة الماضي ورد هذا القول بانه لو كان للماضى لما صح الاستدلال في قصة حاطب بن بلتعة لانه صلى اللّه عليه و سلم خاطب عمر منكرا عليه ما قال في امر حاطب فان هذه القصة كانت بعد بدر بست سنة فدل على ان المراد مغفرة الذنوب المستقبلة و انما أورد بلفظ الماضي مبالغة في تحققه و الصحيح ان قوله صلى اللّه عليه و سلم اعملوا للتشريف و التكريم و المراد عدم المؤاخذة بما يصدر عنهم و انهم خصوا بذلك لما حصل لهم من الحال العظيم التي اقتضت محو ذنوبهم السابقة و تأهلوا لان يغفر لهم للذنوب اللاحقة ان وقعت. (فايده) اتفقوا على ان البشارة المذكورة فيما يتعلق باحكام الآخرة لا باحكام الدنيا من اقامة الحدود و غيرها و اللّه اعلم إِنَّ اللّه سَمِيعٌ لاستغاثتهم و دعائهم عَلِيمٌ (١٧) بنياتهم و أحوالهم. ١٨ ذلِكُمْ اشارة الى البلاء الحسن أو القتل و الرمي و محله الرفع اى المقصود او الأمر ذلكم او ذلكم الإبلاء حق وَ أَنَّ اللّه مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ (١٨) معطوف على ذلكم يعنى المقصود إبلاء المؤمنين و توهين كيد الكافرين و ابطال حيلهم قرا نافع و ابن كثير و ابو عمر بفتح الواو و تشديد الهاء و الباقون بإسكان الواو و تخفيف الهاء و قرا حفص موهن بغير تنوين مضافا الى كيد بالجر و الباقون بالتنوين و نصب كيد روى ابن إسحاق و احمد عن عبد اللّه بن ثعلبة بن صعير بالمهملتين العذرى و ابن جرير و ابن المنذر عن ابن عباس قال لما التقى الناس و دنا بعضهم من بعضهم قال ابو جهل اللّهم أينا كان اقطع للرحم و آتانا بما لا نعرف فاحنه الغداة اللّهم من كان أحب إليك و ارضى عندك فانصره فكان هو المستفتح على نفسه فانزل اللّه تعالى. ١٩ إِنْ تَسْتَفْتِحُوا اى تستنصر و الأحب الناس و ارضهم عند اللّه فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ الذي طلبتم فقتل ابو جهل يوم بدر و روى احمد و الشيخان و غيرهم عن عبد الرحمن بن عوف قال انى لواقف في الصف يوم بدر فنظرت عن يمينى و عن شمالى فاذا انا بين غلامين من الأنصار حديثة أسنانهما فتمنيت ان أكون بين اضلع منهما فغمزنى أحدهما سرّا من صاحبه فقال اى عم هل تعرف أبا جهل قلت نعم فما حاجتك اليه يا ابن أخي قال أخبرت انه يسب النبي صلى اللّه عليه و سلم و الذي نفسى بيده لئن رايته لا يفارق سوادى سواده حتى يموت الأعجل منهما قال و غمزنى الاخر سرا من صاحبه فقال مثلها فعجبت لذلك فلم انشب ان نظرت الى الى جهل يحول في الناس و هو يرتجز- شعر: ما تنقم الحرب «١» العوان منى بازل «٢» عامين حديث سنى لمثل هذا ولدتني أمي فقلت الا تريان هذا صاحبكما كما الذي تسالان عنه فابتدراه (١) الحرب العوان التي قوتل فيها مرة بعد أخرى ١٢. (٢) البازل في الإبل الذي خرج نابه و هو في ذلك السن به قوته ١٢. بسيفهما فضرباه حتى برد و انصرفا الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فاخبراه فقال كلاكما قتله و قضى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم سلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح و الرجلان هو و معاذ بن عفراء و روى البخاري عن انس قال قال النبي صلى اللّه عليه و سلم يوم بدر من ينظر ما فعل ابو جهل قال فانطلق ابن مسعود فوجده قد ضربه ابنا عفراء حتى برد فاخذ بلحية و قال أنت ابو جهل قال و هل فوق رجل قتله قومه او قتلتموه و في مسند احمد عن ابى عبيدة بن عبد اللّه بن مسعود عن أبيه انه وجد أبا جهل يوم بدر و قد ضربت رجله و هو ضريع و قد ندب الناس فيه بسيف له فاخذته فقتلته به فنفلنى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم سيفه قال الحافظ هو معارض لما في الصحيح انه صلى اللّه عليه و سلم اعطى سلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح و يمكن الجمع بان يكون نفل ابن مسعود سيفه الذي قتله به فقط و روى ابن إسحاق عن معاذ بن عمرو بن الجموح قال لما فرغ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من غزوة امر بابى جهل بن هشام ان يلتمس في القتلى و قال اللّهم لا يعجزنك قال فلما سمعتها جعلته من سابق فصمدت نحوه فضربته ضربة اطنت قدمه بنصف ساقه قال و ضربنى ابنه عكرمة على عاتقى فطرح يدى فتعلقت بجلدة من جنبى و اجهضنى القتال عنه فلقد قاتلت عامة يومى هذا و انى لاصحبها خلفي فلما آذتني وضعت قدمى ثم تمطيت بها عليها حتى طرحتها قال ابن إسحاق و عاش بعد ذلك الى زمن عثمان قال القاضي زاد ابن وهب في روايته فجاء معاذ يحمل يده فبصق عليها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فلصقت كذا نقل عن القاضي في العيون و في الشفاء قطع ابو جهل يوم بدر يد معوذ بن عفراء فجاء يحمل يده فبصق عليها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و ألصقها فلصقت رواه ابن وهب قال إسحاق ثم مر بابى جهل و هو عفير معوذ بن عفراء فضربه حتى أثبته و به رمق و قاتل معوذ حتى قتل ثم مر عبد اللّه بن مسعود بابى جهل قال ابن مسعود وجدته بآخر رمق فعرفته فوضعت رجلى على عنقه ثم قلت هل أخزاك اللّه يا عدو اللّه قال و بماذا أخزاني هل اعمد «١» من رجل قتلتموه أخبرني لمن الدابرة «٢» قلت اللّه و لرسوله (١) يعنى زاد على رجل قتله توته و هل كان الا هذا يعنى انه ليس لعاد ١٢. (٢) اى الدّالة و الظفر و النصر ١٢. و روى عن ابن مسعود انه قال قال لى ابو جهل لقد ارتقيت يا رويعى الغنم مرتقا صعبا ثم اخررت راسه ثم جئت به رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقلت يا رسول اللّه هذا راس عدو اللّه ابى جهل فقال اللّه الذي لا اله غيره قلت و نعم و الذي لا اله غيره ثم ألقيت بين يدى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فحمد اللّه و في رواية خر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ساجدا و في روايته صلى ركعتين و روى ابن عابد عن قتادة ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال ان لكل امة فرعون و فرعون هذه الامة ابو جهل قاتله اللّه قتله ابنا عفراء و قتله الملائكة و تدافه ابن مسعود يعنى اجهز عليه و اسرع قتله و قال عكرمة قال المشركون و اللّه ما نعرف ما جاء به محمد فافتح بيننا و بينه بالحق فانزل اللّه تعالى ان تستفتحوا فقد جاءكم الفتح اى ان تستقضوا فقد جاءكم القضا و قال السدى و الكلبي كان المشركون حين خرجوا الى النبي صلى اللّه عليه و سلم أخذوا بأستار الكعبة و قالوا اللّهم الضر على الجندين و أكرم الحزبين و أفضل الدينين ففيه نزلت فعلى هذه الروايات الخطاب لكفار مكة و قال ابى بن كعب هذا خطاب لاصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال اللّه تعالى للمسلمين ان تستفتحوا اى ان تستنصروا فقد جاءكم الفتح و النصر و الظفر روى البغوي بسنده عن قيس بن حباب قال شكونا الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و هو متوسد بردة له في ظل الكعبة فقلنا الا تدعوا اللّه لنا الا تستنصر لنا فجلس محمارا لونه او وجهه فقال لنا لقد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض ثم يجاء بالمنشار فيجعل فوق راسه ثم يجعل بفرقتين ما يصرفه عن دينه و يمشط بامشاط الحديد ما دون لحمه من عظم و عصب ما يصرفه عن دينه و ليتمن اللّه هذا الأمر حتى يسير الراكب منكم من صنعا الى حضرموت لا يخشى الا اللّه و لكنكم تعجلون وَ إِنْ تَنْتَهُوا ايها الكفار عن الكفر باللّه و القتال مع نبيه صلى اللّه عليه و سلم فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ فان فيه صلاح الدارين لكم وَ إِنْ تَعُودُوا لحربه و معاداته نَعُدْ بمثل الواقعة التي وقعت بكم يوم بدر وَ لَنْ تُغْنِيَ اى لن يدفع عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ اى جماعتكم شيئا من الإغناء او شيئا من المضارّ وَ لَوْ كَثُرَتْ فئتكم وَ أَنَّ اللّه مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (١٩) قرأ نافع و ابن عامر و حفص بفتح الهمزة و حينئذ عطف على محذوف يعنى لن تغنى عنكم فئتكم شيئا لاجل شوم كفركم و لان اللّه مع المؤمنين و قيل هو عطف على قوله ذلكم و ان اللّه موهن كيد الكافرين و ان اللّه مع المؤمنين و قرا الباقون بالكسر على الاستيناف و العطف على لن تغنى و إن كان قوله تعالى ان تستفتحوا خطابا للمسلمين فالمعنى ان تستنصروا فقد جاءكم الفتح النصر و ان تنتهو عن التكاسل في القتال و المجادلة في الحق و الرغبة عما يستاثره الرسول فهو خير لكم و ان تعودوا بعد بالإنكار و تهيج العدو و لن تغنى حينئذ كثرتكم إذا لم يكن اللّه معكم بالنصر فان اللّه مع المؤمنين الكاملين و يناسبه قوله تعالى. ٢٠ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّه وَ رَسُولَهُ وَ لا تَوَلَّوْا عَنْهُ اى لا تعرضوا عن الرسول يعنى عن اطاعنه افراد الضمير لان المراد من الاية الأمر باطاعة الرسول صلى اللّه عليه و سلم و النهى عن الاعراض عنه و ذكر اللّه تعالى للتوطية و التنبيه على ان طاعة اللّه تعالى في طاعة الرسول صلى اللّه عليه و سلم و قيل الضمير للجهاد او للامر الذي يدل عليه الطاعة وَ أَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (٢٠) القرآن و المواعظ و تصدقونه. ٢١ وَ لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا يعنى المنافقين الذين ادعوا السماع و التصديق وَ هُمْ لا يَسْمَعُونَ (٢١) سماع اتعاظ و قبول. ٢٢ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ اى شر ما يدب على الأرض او شر البهائم عِنْدَ اللّه الصُّمُّ الْبُكْمُ عن الحق لا يسمعه سماع قبول فلا ينطق به الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (٢٢) الحق عدهم من البهائم و جعلهم شرها لابطالهم ما امتازوا به من البهائم و فضلوا لاجله قال ابن عباس هم نفر من بنى الدار بن قصى كانوا يقولون نحن صم بكم عمى عما جاء به محمد فقتلوا جميعا بأحد و كانوا اصحاب اللواء و لم يسلم منهم الا رجلان مصطب بن عمير و سويط بن حرملة. ٢٣ وَ لَوْ عَلِمَ اللّه فِيهِمْ خَيْراً يعنى استعداد قبول الحق و كانوا من اهل السعادة من مربيات اسم اللّه الهادي لَأَسْمَعَهُمْ سماع قبول و تفهم وَ لَوْ أَسْمَعَهُمْ سماع انتفاع وقفهم و قد علم ان لا خير فيهم لَتَوَلَّوْا بعد الايمان و التصديق و الانتفاع و ارتدوا لما سبق عليهم الكتاب وَ هُمْ مُعْرِضُونَ (٢٣) بعد ظهور الحق عنادا قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان أحدكم ليعمل بعمل اهل الجنة حتى ما يكون بينه و بينها الا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل اهل النار فيدخلها الحديث متفق عليه عن ابن مسعود قال البغوي و قيل انهم كانوا يقولون للنبى صلى اللّه عليه و سلم احى لنا قصيا فانه كان شيخا مباركا حتى يشهد لك بالنبوة فنؤمن بك فقال اللّه تعالى و لو أسمعهم كلام قصى لتولوا و هم معرضون. ٢٤ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للّه وَ لِلرَّسُولِ يعنى أجيبوا هما بالطاعة إِذا دَعاكُمْ الرسول أفرد الضمير لما ذكرنا و لان دعوة اللّه يسمع من الرسول لِما يُحْيِيكُمْ قال السدى اى الايمان لان الكافر ميت و قال قتادة هو القرآن فيه الحيوة و به النجاة و العصمة في الدارين و قال مجاهد الحق و قال ابن إسحاق هو الجهاد حيث أعزكم اللّه به بعد الذل و قال القتيبي هو الشهادة قال اللّه تعالى بل احياء عند ربهم يرزقون فرحين قلت و الاولى ان يقال هو كل ما دعى له الرسول صلى اللّه عليه و سلم و التقيد ليس للاحتراز بل للمدح و التحريض فان طاعة الرسول في كل امر يحى القلب و عصيانه يميته و المراد بحياة القلب طرد الغفلة عنه بخرق الحجب و دفع الظلمة روى الترمذي و النسائي من حديث ابى هريرة ان النبي صلى اللّه عليه و سلم مر على ابى بن كعب و هو يصلى فدعاه فعجل ابى في صلوته ثم جاء فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما منعك ان تجيبنى إذا دعوتك قال كنت في الصلاة قال أ ليس اللّه تعالى يقول يايّها الذين أمنوا استجيبوا للّه و للرسول إذا دعاكم لما يحييكم فقال لا جرم يا رسول اللّه لا تدعونى الا أجبتك و ان كنت مصليا و هذا الحديث يؤيد ما قلت بوجوب الاجابة لكل ما دعى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم. (مسئلة) قيل اجابة الرسول لا يقطع الصلاة و قيل دعائه إن كان لامر لا يحتمل التأخير فللمصلى ان يقطع الصلاة لاجله و الظاهر هو المعنى الاول و الا فقطع الصلاة يجوز لكل امر دينى مهم يفوت بالتأخير كالاعمى يقع في البير و هو يصلى لو لم يقطعها و لم يرشده و اللّه اعلم وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّه يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ قَلْبِهِ اى يميته فيفوته الفرصة التي هو واجدها لطاعة اللّه تعالى فاغتنموا هذه الفرصة و أخلصوا قلوبكم للّه و سارعوا الى الخيرات او المعنى ان اللّه يحول بين الإنسان و بين ما يتمناه قلبه من طول الحيوة فيفسخ عزائمه فلا تسوقوا في امور الدين و قيل هو تمثيل لغاية قربه من العبد كقوله تعالى نحن اقرب اليه من حبل الوريد و تنبيه على انه مطلع على مكنونات القلب ما عسى ان يغفل عنه صاحبه فعليكم بالإخلاص و قيل هو تصوير و تخيل لتملكه على قلب العبد فيفسخ عزائمه و يغير مقاصده يحول بينه و بين الكفر و العصيان ان أراد سعادته و بينه و بين الايمان و الطاعة ان أراد شقاوته فلابد من دوام التضرع و الالتجاء اليه و خوف الخاتمة عن انس بن مالك قال كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يكثر ان يقول يا مقلب القلوب ثبت قلبى على دينك قالوا يا رسول اللّه أمنا بك و بما جئت به فهل تخاف علينا قال القلوب بين إصبعين من أصابع اللّه بقلبها كيف يشاء رواه الترمذي و ابن ماجة و عن ابن عمر مرفوعا ان قلوب بنى آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه كيف يشاء ثم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اللّهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك رواه مسلم و عن عمر بن الخطاب انه سمع غلاما يدعوا اللّهم انك تحول بين المرأ و قلبه فحل بينى و بين الخطايا فلا اعمل بسوء منها فقال رحمك اللّه و دعا له بخير وَ أَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٤) فيجازيكم بأعمالكم. ٢٥ وَ اتَّقُوا فِتْنَةً اى معصية لا تُصِيبَنَّ الضمير راجع الى فتنة بتقدير حذف المضاف اى لا يصيبن وبالها الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً لا تصيبن صيغة نهى موكد بالنون صفة لفتنة على ارادة القول يعنى اتقوا فتنة يقال فيها لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة بل تعم الظالم و غيره او صيغة نفي دخلها النون لتضمنها معنى النهى فمعنى الآية الأمر بالاتقاء عن فتنة موصوفة بعموم وبالها من ارتكبها و من لم يرتكبها و اختلفوا في ذلك الفتنة ما هى فقال قوم هى ترك الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر قال ابن عباس امر اللّه المؤمنين ان لا يقروا المنكر بين أظهرهم فيعهم اللّه بعذاب يصيب الظالم و غير الظالم و استدلوا على ذلك بحديث ابى بكر الصديق قال يا ايها الناس انكم تقرءون هذه الآية يا أيها الذين أمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم و انى سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول ان الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه او شك ان يعمهم اللّه بعقاب من عنده رواه اصحاب السنن الاربعة و قال الترمذي حسن صحيح و صححه ابن حبان و حديث ابن عمر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ايها الناس مروا بالمعروف و انهوا عن المنكر قبل ان تدعوا اللّه فلا يستجيب لكم و قبل ان تستغفروه فلا يغفر لكم ان الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر لا يدفع رزقا و لا يقرب أجلا و ان الأحبار من اليهود و النصارى لما تركوا الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر لعنهم اللّه على لسان أنبيائهم ثم عموا بالبلاء رواه الاصبهانى و له شاهد من حديث ابن مسعود و حديث عائشه و عن عدى بن عدى الكندي قال حدثنا مولى لنا انه سمع جدى يقول سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول ان اللّه لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم و هم قادرون على ان ينكروه فلم ينكروه فاذا فعلوا ذلك عذب اللّه العامة و الخاصة رواه البغوي في شرح السنة و المعالم و عن النعمان بن بشير قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مثل المدهن في حدود اللّه و الواقع فيها مثل قوم استهموا سفينة فصاروا بعضهم في أسفلها و بعضهم في أعلاها فكان الذي في أسفلها يمر بالماء على الذين في أعلاها فتاذوا به فاخذ فاسا فجعل ينقر أسفل السفينة فاتوه فقالوا مالك قال تاذيتم بي و لا بد لى من الماء فان أخذوا على يديه انجوه و انجوا بانفسهم و ان تركوه اهلكوه و اهلكوا أنفسهم رواه البخاري قلت و الاستدلال بهذه الأحاديث لا يصح فان مقتضى الأحاديث ان معصية أحد لا يعذب بها غيره الا إذا عمل بها بين اظهر الناس و هم قادرون على الإنكار فلم ينكروا فحينئذ يعم عذاب تلك المعصية فاعلها و من لم يفعلها بل ترك النهى عنها و لا شك ان النهى عن المنكر فريضة تاركها ظالم فشموله عذاب المعصية إصابة عذاب الظالم و ليس ذلك العذاب شاملا للظالم و غيره الم تسمع قصة القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت يعنى طائفة منهم و طائفة كانت ناهية عن المنكر و طائفة لم يأتوا بالمنكر لكنهم تركوا النهى عنه فقال اللّه تعالى فانجينا الذين ينهون عن السوء و أخذنا الذين ظلموا بعذاب فهذا صريح في ان وبال ترك النهى لم ينل غير الظالم و هذه الآية تدل على فتنة ينال وباله الظالم و غيره و قال قوم هى البغي و الفساد في الأرض فانه ينال وباله في الدنيا رجال معصومون يعنى يقتل الناس و ينهب عن قتادة في الاية قال علم و اللّه ذوو الألباب من اصحاب محمد صلى اللّه عليه و سلم حين نزلت هذه الآية انه ستكون فتن و من هاهنا قال ابن زيد أراد بالفتنة افتراق الكلمة و مخالفة بعضهم بعضا و قال الحسن نزلت الآية في على و عمار و طلحة و الزبير عن مطرف قال قلنا للزبير يا أبا عبد اللّه قد ضيعتم الخليفة حتى قتل ثم جئتم تطلبون بدمه قال الزبير لقد قرأنا هذه الآية زمانا و ما أرانا من أهلها فاذا نحن المعنيون بها يعنى ما كان منه يوم الجمل من البغي على على رضى اللّه عنه و كذا قال السدى و الضحاك و قتادة قلت و عندى ان المراد بالفتنة المذكورة ترك الجهاد خصوصا عند النفير العام إذا دعاهم الامام اليه و التولي يوم الزحف بقرينة سياق القصة قال اللّه تعالى و ان فريقا من المؤمنين لكارهون يجادلونك في الحق و قال اللّه تعالى يا ايها الذين أمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار و قال عز من قائل يا ايها الذين أمنوا استجيبوا للّه و للرسول إذا دعاكم و المراد من إصابة الوبال للظالم و غيره وصول المكروه لجميعهم الا ترى ان ترك القتال يوجب غلبة الكفار و قتل المسلمين و نهب أموالهم من الصغار و الكبار و النساء و القرار من الزحف يوجب قتل المجاهدين الصابرين الا ترى ان المسلمين إذا استزلهم الشيطان يوم أحد نال وباله سائر المسلمين حتى نال بعض المكروه للنبى المعصوم شج وجهه و كسر رباعيته و اللّه اعلم و جاز ان يكون قوله تعالى لا تصيبن نهيا بعد امر باتقاء الذنب و المعنى اتقوا كل فتنة و لا يرتكبن أحد منكم فتنة ما فان وباله يصيب الظالم خاصة و يعود عليه و فائدته ان الظالم منكم أقبح منه من غيركم و هذا معنى ما قال البغوي ليس بجزاء محض و لو كان جزاء لم يدخل فيه النون لكنه نهى و فيه طرف من الجزاء كقوله تعالى يا ايها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان و جنوده تقديره و اتقوا فتنة ان لم تتقوها أصابتكم خاصة فلا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة و مثله ادخلوا مساكنكم ان لم تدخلوها يحطمنكم سليمان و جنوده و اللّه اعلم و ليس قوله تعالى لا تصيبن جوابا للامر لان المعنى حينئذ اتقوا فتنة ان تتقوها لا يصيبن الذين ظلموا منكم خاصة و ليس المعنى ان تتقوها لا يصيبنكم إذ نفي المقيد يرجع الى القيد فالمعنى بل يعمكم و غيركم و فساده ظاهر قال البيضاوي جواب للامر على معنى ان أصابتكم لا تصيب الظالمين منكم خاصة قلت لا بد في جواب الأمر من تقدير شرط ماخوذ من الأمر كما في قول القائل اسلم تدخل الجنة يعنى ان تسلم تدخل الجنة و قوله تعالى ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم يعنى ان تدخلوا لا يحطمنكم فتقدير ان أصابتكم لا يتصور إن كان جوابا للامر بل يكون الشرطية صفة لفتنة و يؤل التأويل الى ما ذكرنا او لا و ايضا لا يجوز ان يكون قوله تعالى لا تصيبن الذين ظلموا جواب قسم محذوف و يكون تقدير الكلام اتقوا فتنة و اللّه لا يصيبن الفتنة الذين ظلموا منكم خاصة بل يعمكم لان الفتنة المامورة بالاتقاء عنها على هذا فتنة منكرة و النكرة إذا أضمرت في قوله تعالى لا تصيبن صارت عامة فيلزم عموم وبال كل معصية الظالم و غيره و فساده ظاهر لانه خلاف الإجماع و خلاف منطوق قوله تعالى لا تزر وازرة وزر اخرى اللّهم الا ان يقال المراد بالفتنة ما ذكرنا من ترك الجهاد و الفرار من الزحف بقرينة السياق و المراد باصابتها إصابة و بالها في الدنيا و اللّه اعلم وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّه شَدِيدُ الْعِقابِ (٢٥) فاحذروا عقابه بالاتقاء من الفتنة. ٢٦ وَ اذْكُرُوا ايها المهاجرون إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ في العدد مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ ارض مكة تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ يعنى كفار قريش و أخرج ابو الشيخ عن ابن عباس قيل يا رسول اللّه من الناس قال اهل فارس فَآواكُمْ المدينة وَ أَيَّدَكُمْ يوم بدر بِنَصْرِهِ على الكفار وَ رَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ من المغانم أحلها لكم و لم يحلها لاحد قبلكم لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٢٦) و قيل الخطاب للعرب كافة فانهم كانوا أذلاء في أيدي فارس و الروم كانوا جميعا معادين لهم متضادين فجعل لهم اللّه ماوى يتحصنون به عن أعدائهم يعنى جوار نبيه صلى اللّه عليه و سلم و أيدهم بنصره على جميع اهل الملل و اللّه اعلم روى سعيد بن منصور و غيره عن عبد اللّه بن ابى قتادة و ذكره البغوي ان النبي صلى اللّه عليه و سلم حاصر بنى قريظة احدى و عشرين ليلة فسالوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الصلح على ما صالح عليه إخوانهم من بنى النضير على ان يسيروا الى إخوانهم الى أذرعات و أريحا من ارض الشام فابى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان يعطيهم ذلك الا ان ينزلوا على حكم سعد بن معاذ فابوا و قالوا أرسل إلينا أبا لبابة بن عبد المنذر و كان مناصحا لهم لان ماله و عياله و ولده كانت فيهم فبعثه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فاتاهم فقالوا يا أبا لبابة ما ترى انزل على حكم سعد بن معاذ فاشار ابو لبابته الى حلقه انه الذبح فلا تفعلوا و ذكر في سبيل الرشاد انه أرسل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أبا لبابته فلما رأوه قام اليه الرجال و جهش اليه النساء و الصبيان يبكون في وجهه فرّق لهم فقال كعب ابن اسد يا أبا لبابته انا قد اخترناك على غيرك ان محمدا ابى الا ان ننزل على حكمه يعنى حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم افترى ان ننزل على حكمه قال نعم و أشار بيده الى حلقه انه الذبح قال ابو لبابته و اللّه ما زالت قدماى مكانهما حتى عرفت انى قد خنت اللّه و رسوله فندمت فاسترجعت و ان لحيتى لمبنلة من الدموع و الناس ينتظرون رجوعه إليهم حتى أخذت من وراء الحصن طريقا اخرى حتى جئت الى المسجد و لم ات رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فارتبطت الى اسطوانة المخلفة التي يقال لها اسطوانة التوبة و قلت لا أبرح من مكانى حتى أموت او يتوب اللّه علىّ قال البغوي قال و اللّه لا انحل و لا أذوق طعاما و لا شرابا حتى أموت او يتوب اللّه عليّ فلما بلغ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم خبره قال اما لو جاءنى لاستغفرت له فاما إذا فعل ما فعل فانى لا أطلقه حتى يتوب اللّه عليه فمكث سبعة ايام لا يذوق طعاما و لا شرابا حتى خر مغشيا عليه ثم تاب اللّه عليه كذا قال البغوي و في سبيل الرشاد قال ابن هشام اقام مرتبطا ست ليال تأتيه امرأته كل صلوة فتحله حتى يتوضأ و يصلى ثم يرتبط و قال ابن عقبة زعموا انه ارتبط قريبا من عشرين ليلة و قال في البدايته و هذا أشبه الأقاويل و قال ابن إسحاق خمسا و عشرين ليلة و روى ابن وهب عن مالك عن عبد اللّه بن ابى بكر انه ارتبط بسلسلة ربوض بضع عشرة ليلة حتى ذهب سمعه فما يكاد يسمع و كاد يذهب بصره و كانت ابنته تحله إذا حضرت الصلاة او أراد ان يذهب لحاجته فاذا فرغ أعادت الرباط و الظاهر ان زوجته كانت تباشر حله مرة و ابنته مرة و انزل اللّه تعالى في توبته و آخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا و آخر سيئا عسى اللّه ان يتوب عليهم ان اللّه غفور رحيم قال ابن إسحاق حدثنى يزيد بن عبد اللّه بن قسيط ان توبة ابى لبابة نزلت على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و هو في بيت أم سلمة قالت أم سلمة فسمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من السحر و هو يضحك قالت فقلت يا رسول اللّه مم تضحك اضحك اللّه منك قال تيب على ابى لبابته قالت قلت أ فلا أبشره يا رسول اللّه قال بلى ان شئت فقامت على باب حجرتها و ذلك قبل ان يضرب عليهن الحجاب فقالت يا أبا لبابة ابشر فقد تاب اللّه عليك قالت فثار الناس ليطلقوه فقال لا و اللّه حتى يكون رسول اللّه هو الذي يطلقنى بيده فلما مر عليه خارجا الى صلوة الصبح أطلقه قال السهيلي و روى حماد بن سلمة عن على بن زيد بن جدعان عن على بن الحسين رضى اللّه عنهما ان فاطمة رضى عنها جاءت تحله فقال انى حلفت ان لا يحلنى الا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان فاطمة بضعة منى و على بن زيد بن جدعان ضعيف و رواية على بن الحسين مرسلة ثم قال ابو لبابة من تمام توبتى ان اهجر دار قومى التي أصبت فيها الذنب و ان انخلع من مالى كلها فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم يجزيك الثلث ان تصدقت به فنزل في ابى لبابة قوله تعالى. ٢٧ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللّه وَ الرَّسُولَ و اصل الخون النقص كما ان اصل الوفاء التمام و استعماله في ضد الامانة لتضمنه إياه وَ تَخُونُوا أَماناتِكُمْ فيما بينكم مجزوم بالعطف على الاول او منصوب على الجواب بالواو و الظاهر هو الاول لان في الثاني يشترط معنى الجمعية و كل واحد من الخيانتين محرمة برأسها لا الجمع بينهما كما في لا تأكل السمك و تشرب اللبن وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٧) انها أمانته أو أنتم تعلمون ان ما فعلتم من الاشارة الى الحلق خيانته و أنتم علماء تتميزون الحسن من القبح قال السدى إذا خانوا اللّه و الرسول فقد خانوا أماناتهم قال ابن عباس لا تخونوا للّه بترك فرايضة و الرسول بترك سنته و أماناتكم هى ما يخفى عن أعين الناس من فرايض اللّه تعالى و الأعمال التي ائتمن اللّه عليها عبادة و قال قتادة اعلموا ان دين اللّه امانة فادوا الى اللّه ما ائتمنكم عليه من فرايضه و حدوده و من كانت عليه امانة فليود الى من ائتمن عليها قلت حاصل قول ابن عباس و قتادة ان سبب نزول هذه الاية و إن كان ما فعل ابو لبابة لكن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص المورد فيحرم الخيانة في دين اللّه من فرايضه و حدوده كلها و منها ما فعل ابو لبابة و اللّه اعلم فان قيل المستشار مؤتمن حديث صحيح رواه احمد من حديث ابى هريرة مرفوعا و الترمذي عن أم سلمة و ابن ماجة عن ابن مسعود و قد استشار اليهود من ابى لبابة فلو لم يفعل ابو لبابة ما فعل لزمه الخيانة في المشورة فكيف كان له التفصى قلت كان له التفصى بالسكوت و بان يقول لست أشير لكم قد بدا بينى و بينكم العداوة و البغضاء ابدا حتى تومنوا باللّه و رسوله و اللّه اعلم و اخرج ابن جرير عن السدى قال كانوا يسمعون من النبي صلى اللّه عليه و سلم الحديث فيفشونه حتى يبلغ المشركين فنزلت فيه و روى ابن جرير و غيره عن جابر بن عبد اللّه ان أبا سفيان خرج من مكة فاتى جبرئيل النبي صلى اللّه عليه و سلم فقال ان أبا سفيان بمكان كذا و كذا فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان أبا سفيان بمكان كذا و كذا فاخرجوا اليه و اكتموا فكتب رجل من المنافقين الى ابى سفيان ان محمدا يريدكم فخذوا حذركم فانزل اللّه هذه الآية و هذا غريب جدا في سنده و سياقه نظر. ٢٨ وَ اعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَ أَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ اصل الفتن إدخال الذهب النار ليظهر جودته و منه استعمل في الاختبار و الامتحان قال اللّه تعالى نبلوكم بالشر و الخير فتنة و يستعمل ايضا في العذاب قال اللّه تعالى يومهم على النار يفتنون و يستعمل ايضا في الكفر و المعصية و الفساد و كل ما يفضى الى العذاب قال اللّه تعالى و اتقوا فتنة و قال الا في الفتنة سقطوا و الفتنة أشد من الكفر و تسمية الأموال و الأولاد بالفتنة لانها سبب الوقوع في الإثم و العقاب او لانها امتحان من اللّه تعالى فلا يحملنكم حبهم على الخيانة قيل هذا ايضا نزلت في ابى لبابة لان أمواله و أولاده كانت في بنى قريظة فقال ما قال خوفا عليهم عن عايشة ان النبي صلى اللّه عليه و سلم اتى بصبى فقبله فقال اما انهم مبخلة مجبنة «١» و انهم لمن ريحان اللّه رواه البغوي و روى ابو يعلى عن ابى سعيد الولد ثمر القلب و انه مجبنة مبخلة محزنة و روى الحكيم عن خولة بنت حكيم الولد من ريحان الجنة وَ أَنَّ اللّه عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (٢٨) (١) اى سبب للجبن و البخل لا يتصدى الرجل لاجل حبهم على الجهاد و على انفاق المال و الولد محزن سبب للحزن ١٢. لمن نصح للّه و رسوله و ادى أمانته و رعى حدوده و آثر رضاء اللّه تعالى على حبهم. ٢٩ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللّه بطاعته و ترك معصيته يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً اى بصيرة في قلوبكم تفرقون بها بين الحق و الباطل و هو المعنى بقوله صلى اللّه عليه و سلم اتقوا فراسته المؤمن فانه ينظر بنور اللّه رواه البخاري في التاريخ و الترمذي عن ابى سعيد و الطبراني و ابن عدى عن ابى امامة و ابن جرير عن ابن عمرو قوله صلى اللّه عليه و سلم استفت نفسك و ان أفتاك المفتون رواه البخاري في التاريخ عن وابصة بسند حسن قلت هذا بعد فناء القلب و تزكية النفس عن الرذائل و حينئذ يتحقق حقيقة التقوى و يسمى هذا في اصطلاح الصوفية بالكشف و المراد بالفرقان نصرا يفرق بين المحقق و المبطل بإعزاز المؤمنين و إذلال الكافرين و قال مجاهد يجعل له مخرجا في الدنيا و الاخرة عما يحذرون و قال مقاتل بن حيان مخرجا في الدين من الشبهات و هذا يناسب الاول و قال عكرمة نجاة يفرق بينكم و بين ما تخافون و قال الضحاك ثباتا و قال ابن إسحاق فصلا بين الحق و الباطل يظهر اللّه به حقكم و يطفى بطلان من خالفكم و الفرقان مصدر كالرجحان و النقصان وَ يُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ اى يمحو عنكم و يستر لكم ما سلف من ذنوبكم وَ يَغْفِرْ لَكُمْ نعمائه روى البزار عن انس عن النبي صلى اللّه عليه و سلم يخرج لابن آدم ثلثة دواوين ديوان فيه العمل الصالح و ديوان فيه ذنوبه و ديوان فيه النعم من اللّه فيقول اللّه لاصغر نعمه في ديوان النعم خذى منك من عمله الصالح فتستوعب العمل الصالح فيقول و عزتك ما استوفيت و تبقى الذنوب و النعم و قد ذهب العمل الصالح كله فاذا أراد اللّه ان يرحم عبدا قال يا عبدى قد ضاعفت لك حسناتك و تجاوزت عن سياتك و وهبت لك نعمتى و اخرج الطبراني عن واصلة بن الأسقع يبعث اللّه يوم القيامة عبدا لا ذنب له فيقول اللّه تبارك و تعالى الى الامرين أحب إليك ان اجزى بعملك او بنعمتي عليك قال يا رب أنت اعلم انى لم اعصك قال خذوا عبدى بنعمة من نعمى فما تبقى له حسنة الا استغرقتها تلك النعمة فيقول بنعمتك و رحمتك و من هاهنا قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انه لا ينجى أحدا منكم عمله قالوا و لا أنت يا رسول اللّه قال و لا انا الا ان يستغمدنى اللّه برحمة منه و فضل متفق عليه من حديث ابى هريرة و في الصحيحين عن عائشة عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال سددوا و قاربوا و ابشروا فانه لا يدخل الجنة أحدا عمله قالوا و لا أنت يا رسول اللّه قال و لا انا الا ان يتغمدنى اللّه برحمته و اليه أشار اللّه سبحانه بقوله وَ اللّه ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢٩) يعنى ما وعدتكم على التقوى ليس مما يوجب ذلك علينا تقويكم بل انما هو تفضل و احسان كالسيد إذا وعد انعاما لعبده على عمل واجب عليه و ان لم ينعم السيد ذلك و قيل معنى يكفر عنكم سيئاتكم يعنى الصغائر و يغفر لكم يعنى ذنوبكم الكبائر. ٣٠ وَ إِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا عطف على قوله إذا أنتم قليل يعنى اذكروا إذ يمكر بك الذين كفروا و إذ قالوا اللّهم فان هذه السورة مدنية و هذا المكر و القول كان بمكة روى ابن إسحاق و عبد الرزاق و احمد و ابن جرير و ابو نعيم و ابن المنذر و الطبراني عن ابن عباس و عبد الرزاق و عبد بن حميد عن قتادة ان قريشا لما أسلمت الأنصار رأت ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قد كانت له شيعة و أصحابا من غير بلدهم و رأوا خروج أصحابه المهاجرين إليهم عرفوا انهم نزلوا دارا و أصابوا جوارا و منعة فحذروا خروج رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إليهم و عرفوا انه قد اجمع لحربهم فاجتمعوا له في دار الندوة و هى دار قصى بن كلاب التي كانت قريش لا تقضى امرا لا يتشاورن فيها فاجتمعوا لذلك و اتعدوا و كان ذلك اليوم يسمى يوم الزحمة فاعترضهم إبليس في صورة شيخ جليل عليه بت له فوقف على باب الدار فلما رأوه واقفا على بابها قالوا من الشيخ قال شيخ من اهل نجد سمع بالذي اتعدتم له فحضر معكم ليسمع ما تقولون و عسى ان لا تعدموا منه رايا و لا نصحا قالوا أجل ادخل فدخل معهم و اجتمع فيها اشراف قريش عتبة و شيبة ابنا ربيعة و طعيمة بن عدى و النضر ابن الحارث بن كلدة و ابو البختري بن هشام و زمعة بن الأسود و ابو جهل بن هشام و نبيه و منبه ابنا حجاج و امية بن خلف و ابو سفيان بن حرب و جبير بن معطم و حكيم ابن حزام و اسلم الثلاثة الاخيرة بعد ذلك و غيرهم من كان منهم و من غيرهم ممن لا يعد من قريش فقال بعضهم لبعض ان هذا الرجل قد كان من امره ما قد رأيتم و انا و اللّه ما ناء منه على الوثوب علينا بمن اتبعه من غيرنا فاجمعوا فيه رأيا فتشاوروا فقال قائل منهم نقل السهيلي عن عبد السلام انه ابو البختري بن هشام احبسوه في الحديد و أغلقوا عليه بابا ثم تربصوا به ما أصاب أشباهه من الشعراء الذين كانوا قبله زهير و النابغة و من مضى منهم من هذا الموت حتى يصيبه ما أصابهم فقال الشيخ النجدي لعنه اللّه و اللّه ما هذا لكم برأى و اللّه لئن حبستموه في بيت ليخرجن امره من وراء الباب الذي اغلقتم دونه الى أصحابه فيوشك ان يثبوا عليكم فيقاتلوكم و يأخذوه من ايديكم قالوا صدق الشيخ فقال قائل منهم ذكر السهيلي انه ابو الأسود ربيعه بن عمر أخو بنى عامر بن لوى نخرجه من بين أظهرنا فلا يضرنا ما صنع و اين وقع إذا غاب عنا و فرغنا منه فاصلحنا أمرنا و ألفتنا فقال الشيخ النجدي لعنه اللّه ما هذلكم برأى الم تروا الى حسن حديثه و حلاوة منطقة و غلبة قلوب الرجال بما يأتي به و اللّه لئن فعلتم ذلك فيذهب فيستميل قلوب قوم ثم يسير بهم إليكم حتى يطاكم به فياخذ أمركم من ايديكم ثم يفعل بكم ما أراد فأروا فيه رايا غير هذا فقال ابو جهل و اللّه ان لى فيه رايا ما أراكم وقفتم عليه بعد قالوا و ما هو يا أبا الحكم قال ارى ان ناخذ من كل قبيلة شابا جلدا حسيبا وسطا ثم نعطى كل فتى منهم سيفا صارما ثم يعمدوا عليه بأجمعهم فيضربوه بها ضربة رجل واحد فيقتلوه فنستريح منه فانهم إذا فعلوا ذلك تفرق دمه في القبائل جميعا فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعا فرضوا به بالعقل فعقلناه لهم فقال الشيخ النجدي القول ما قال هذا الرجل هذا الرأي لا راى غيره و قال شعر الرأي رايان راى ليس يعرفه هاد و راى كنصل السيف معروف يكون اوله عزو مكرمة يوما و آخره حمد و تشريف فتفرق القوم على ذلك و هم مجتمعون له فانى جبرئيل عليه السلام رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي تبيت عليه و أخبره بمكر القوم و اذن اللّه تعالى في الخروج فلما كانت العتمة من الليل اجتمعوا على بابه يرصدونه حتى ينام فيبيتون عليه فلما رأى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مكانهم قال لعلي رضى اللّه عنه نم على فراشي و تسبح بردائي الأخضر الحضرمي فنم فيه فانه لن يخلص إليك منهم امر تكرهه و كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ينام في برده ذاك إذا نام فلما اجتمعوا قال ابو جهل ان محمدا يزعم انكم ان تابعتموه على امره كنتم ملوك العرب و العجم ثم بعثتم من بعد موتكم فجعلت لكم جنان كجنان الأردن «١» و ان أنتم لم تفعلوا كان له فيكم ذبيح ثم بعثتم بعد موتكم فجعل لكم النار تحرقون فيها فخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و معه حفنة «٢» من تراب ثم قال نعم انا أقول ذلك و أنت أحدهم و أخذ اللّه تعالى على أبصارهم عنه فلا يرونه فجعل يذرى التراب على رؤسهم و هو يتلوا هذه الآيات يس و القرآن الحكيم الى قوله فهم لا يبصرون و لم يبق منهم رجل الا و قد وضع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم على رأسه ترابا و انصرف الى حيث أراد ان يذهب فاتاهم آت ممن لم يكن معهم فقال ما تنظرون هاهنا قالوا محمدا قال خيبكم اللّه عز و جل قد و اللّه خرج عليكم محمد ثم ما ترك منكم رجلا الا و قد وضع على راسه ترابا و انطلق لحاجته فما (١) الأردن موضع معروف من ارض الشام قريب بيت المقدس ١٢. (٢) الحفنة الكف ١٢. ترون ما بكم و وضع كل رجل منهم يده على راسه فاذا عليه تراب ثم جعلوا يطلعون فيرون عليا رضى اللّه عنه على فراش رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم متسبحا برداء رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فيقولون و اللّه ان هذا محمدا نائم عليه برده فلم يزالوا كذلك حتى أصبحوا فقام علىّ عن فراشه فقالوا و اللّه لقد صدقنا الذي كان حدثنا و ذهب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الى غار ثور و سيجى باقى قصة خروجه صلى اللّه عليه و سلم في سورة التوبة إنشاء اللّه تعالى روى الحاكم عن ابن عباس قال شرى عليّ نفسه و لبس ثوب النبي صلى اللّه عليه و سلم ثم نام مكانه و كان المشركون يرمون رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فجعلوا يرمون عليا و يرونه النبي صلى اللّه عليه و سلم و جعل عليّ يتضور «١» فاذا هو عليّ فقالوا انك لليئم انك لتتضور و كان صاحبك لا يتضور و لقد استنكرناه فيك و روى الحاكم عن على بن الحسين قال ان أول من شرى نفسه ابتغاء رضوان اللّه علىّ و قال في ذلك شعر (١) اى ينقلب ظهر البطن ١٢. وقيت بنفسي خير من وطى الحصى و من طاف بالبيت العتيق و بالحجر رسول اله أخاف ان يمكروا به فنجاه ذو الطول الإله من المكر و بات رسول اللّه في الغار آمنا موقى و في حفظ الإله و في ستر و بت أراعيهم و ما يتهمونه و قد وطنت نفسى على القتل و الاسر قال ابن إسحاق و كان مما نزل في ذلك اليوم و ما اجتمعوا له قوله تعالى وَ إِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ اى يحبسوك و يوثقوك كما قال به ابو الحقيق أَوْ يَقْتُلُوكَ كما قال به ابو جهل و ارتضى به إبليس لعنهما اللّه سبحانه أَوْ يُخْرِجُوكَ كما قال به أخو بنى عامر وَ يَمْكُرُونَ وَ يَمْكُرُ اللّه ط المكر صرف الغير عما يقصده بحيلة و ذلك ضربان مكر محمود و هو ان يتحرى بذلك فعل جميل و مذموم و هو ان يتحرى به فعل قبيح لكن اسناده الى اللّه تعالى انما يحسن للمزاوجة و لا يجوز إطلاقها ابتدا علما فيه من إيهام الذم و المعنى انهم احتالوا لابطال امر محمد و اطفاء نور اللّه و اللّه تعالى احتال لاتمام امره و نوره و إهلاك أعدائه وَ اللّه خَيْرُ الْماكِرِينَ (٣) فان فعله تعالى خير كله و حسن جميل و قيل معنى مكر اللّه انه يرد مكرهم و قيل معناه يجازيهم على المكر و قال بعضهم من مكر اللّه امهال العبد و تمكينه من اعراض الدنيا و لذلك قال أمير المؤمنين من وسع عليه دنياه و لم يعلم انه مكر فهو مخدوع عن عقله و اخرج ابن جرير من طريق عبيد ابن عمير عن المطلب بن وداعة ان أبا طالب قال للنبى صلى اللّه عليه و سلم ما يأتمر بك قومك قال يريدون ان يسجنونى او يقتلونى او يخرجونى قال من حدثك بهذا قال ربى قال نعم الرب ربك فاستوص به خيرا قال انا استوصى به بل هو يستوصى بي فنزلت و إذ يمكر بك الذين كفروا الآية قال ابن كثير ذكر ابى طالب فيه غريب بل منكر لان القصة ليلة الهجرة و ذلك بعد موت ابى طالب بثلث سنين اخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير قال قتل النبي صلى اللّه عليه و سلم يوم بدر صبرا عقبة بن ابى معيط و طعيمة بن عدى و النضر بن الحارث و كان المقداد اسر النضر فلما امر بقتله قال المقداد يا رسول اللّه اسيرى فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انه كان يقول في كتاب اللّه ما يقول قال و فيه أنزلت. ٣١ وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا يعنى النضر بن الحارث و اسناد الفعل الى جميعهم لكونهم راضيا بقوله كما أسند عقر الناقة الى ثمود في قوله تعالى فعقروها و كان العاقر أشقاها قذار بن هالف قَدْ سَمِعْنا يعنى القرآن لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا و هذا غاية مكابرنهم و فرط عنادهم إذ لو استطاعوا ذلك فما منعهم ان يشاؤا و قد تحديهم و قرعهم بالعجز عشر سنين ثم قارعهم فلم يعارضوه سورة مع ألفتهم و فرط استنكافهم ان يغلبوا خصوصا في باب البيان يعنى إِنْ هذا يعنى القرآن إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٣١) يعنى ما سطره و كتبه الأولون من اخبار الأمم الماضية جمع اسطورة و هى المكتوبة قال البغوي كان النضر بن الحارث تاجرا الى فارس و حيرة فيسمع اخبار رستم و إسفنديار و أحاديث العجم و يمر باليهود و النصارى فيراهم يقرؤن التورية و الإنجيل و يركعون و يسجدون فجاء مكة فوجد محمد صلى اللّه عليه و سلم يصلى و يقرأ القرآن فقال النضر قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا الآية. ٣٢ وَ إِذْ قالُوا اللّهمَّ إِنْ كانَ هذا يعنى القرآن هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ كما فعلت باصحاب الفيل و قوم لوط أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٣٢) مولم على إنكاره قالوا ذلك استهزاء و إيهاما بانهم على بصيرة و جزم ببطلانه اخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير انها نزلت في النضر بن الحارث و هو القائل بذلك قال البغوي قال ابن عباس لما قص رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم شان القرون الماضية قال النضر لو شئت قلت مثل هذا ان هذا الا أساطير الأولين في كتبهم قال له عثمان بن مظعون اتق اللّه فان محمدا يقول الحق قال فانا أقول الحق قال عثمان فان محمدا يقول لا اله الا اللّه قال فانا أقول لا اله الا اللّه و لكن هذه بنات اللّه يعنى الأصنام ثم قال اللّهم إن كان هذا هو الحق من عندك إلخ و فيه نزل سأل سائل بعذاب واقع و معناه إن كان القرآن حقا منزلا فامطر الحجارة علينا عقوبة على إنكاره او ائتنا بعذاب اليم سواه و المراد منه التهكم و اظهار اليقين على كونه باطلا قال عطاء لقد نزل في النضر بضعة عشر اية فحاق به ما سأل من العذاب يوم بدر قوله تعالى. ٣٣ وَ ما كانَ اللّه لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ وَ ما كانَ اللّه مُعَذِّبَهُمْ وَ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (٣٣) اختلفوا في معنى هذه الآية فقال محمد ابن إسحاق هذا حكاية عن المشركين انهم قالوها و هى متصلة بالآية الاولى ذلك انهم كانوا يقولون ان اللّه لا يعذبنا و نحن نستغفر و لا يعذب أمته نبيها معها فقال اللّه تعالى لنبيه صلى اللّه عليه و سلم يذكر جهالتهم و غرتهم و استفتاحهم على أنفسهم ثم قال ردوا عليهم. ٣٤ وَ ما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللّه و ان كنت بين أظهرهم و إن كانوا يستغفرون وَ هُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ و قال الآخرون هذا كلام مستانف روى البخاري عن انس قال قال ابو جهل بن هشام اللّهم ان كان هذا هو الحق من عندك فامطر علينا حجارة من السماء او ائتنا بعذاب اليم فنزلت و ما كان اللّه ليعذبهم و أنت فيهم اخبارا عن نفسه فاختلفوا في تأويلها فقال الضحاك و جماعة و كذا اخرج ابن جرير عن ابن الزي تأويلها و ما كان اللّه ليعذبهم و أنت فيهم مقيم بين أظهرهم بيان لموجب إمهالهم و التوقف لاجابته دعائهم و اللام لتاكيد النفي و الدلالة على ان تعذيبهم عذاب استيصال و النبي بين أظهرهم خارج عن عادة اللّه تعالى غير مستقيم في قضائه خصوصا حال كونك فيهم و قد بعثت رحمة للعلمين و فيه اشعار بانهم يرصدون بالعذاب إذا هاجرت من بينهم قالوا نزلت هذه الآية على النبي صلى اللّه عليه و سلم و هو مقيم بمكة ثم خرج من بين أظهرهم و بقيت بها بقيته من المسلمين يستغفرون اللّه فانزل اللّه و ما كان اللّه معذبهم و هم يستغفرون يعنى فيهم من يستغفرون و هم المسلمون ثم خرج أولئك من بينهم فعذبوا و اذن اللّه في فتح مكة و هو العذاب الأليم الذي وعدهم و يدل على ان كون المؤمنين بينهم و استغفارهم منعهم من العذاب قوله تعالى و لو لا رجال مؤمنون و نساء مومنات لم تعلموهم الى قوله لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما قال ابن عباس لم يعذب اللّه قرية حتى يخرج النبي منها و الذين أمنوا و يلحق بحيث يوم فقال و ما كان اللّه ليعذبهم و أنت فيهم و ما كان اللّه معذبهم و هم يستغفرون يعنى المسلمين فلما خرجوا قال اللّه تعالى ما لهم ان لا يعذبهم اللّه اى ما لهم مما يمنع تعذيبهم إذا زال ذلك و كيف لا يعذبون و هم يصدون الناس عن المسجد الحرام و حالهم ذلك و من صدهم الجاء رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الى الهجرة فعذبهم اللّه يوم بدر قال ابو موسى الأشعري كان فيكم أمانان و ما كان اللّه ليعذبهم و أنت فيهم و ما كان اللّه معذبهم و هم يستغفرون فاما النبي صلى اللّه عليه و سلم فقد مضى و الاستغفار كائن فيكم الى يوم القيامة و اخرج الترمذي و ضعفه عن ابى موسى قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انزل اللّه علىّ امانين لامتى و ما كان اللّه ليعذبهم و أنت فيهم و ما كان اللّه معذبهم و هم يستغفرون فاذا مضيت تركت فيهم الاستغفار الى يوم القيامة و قال بعضهم هذا الاستغفار راجع الى المشركين اخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس قال كان المشركون يطوفون بالبيت و يقولون غفرانك غفرانك فانزل اللّه تعالى و ما كان اللّه ليعذبهم الآية و اخرج ابن جرير عن يزيد بن رومان قالت قريش بعضها لبعض محمد أكرم اللّه من بيننا اللّهم ان كان هذا هو الحق من عندك فامطر علينا حجارة من السماء فلما امسوا ندموا على ما قالوا فقالوا غفرانك اللّهم فقال اللّه سبحانه و ما كان اللّه ليعذبهم و هم يستغفرون الى قوله لا يعلمون و قال قتادة و السدى معنى ما كان اللّه معذبهم و هم يستغفرون ان لو استغفروا لم يعذبهم اللّه لكنهم لم يستغفروا و لو أقروا بالذنب و استغفروا لكانوا مؤمنين نظيره قوله تعالى ما كان ربك ليهلك القرى بظلم و أهلها مصلحون و قيل معنى الاية ان اللّه تعالى يدعوهم الى الإسلام و مصاحبة الرسول و الاستغفار بهذا الكلام كالرجل يقول لغيره لا أعاقبك و أنت تطيعنى اى أطعني حتى لا أعاقبك و قال مجاهد و عكرمة و هم يستغفرون اى يسلمون يقول لو اسلموا ما عذبوا و روى الوالبي عن ابن عباس ان معناه و فيهم من سبق له من اللّه انه يومن و يستغفر و ذلك مثل ابى سفيان بن حرب و صفوان ابن امية و عكرمة بن ابى جهل و سهيل بن عمرو حكيم بن حزام و غيرهم و روى عبد الوهاب عن مجاهد و هم يستغفرون يعنى و في أصلابهم من يستغفر و قيل أراد بالعذاب في قوله تعالى و ما كان اللّه ليعذبهم عذاب استيصال و في قوله تعالى و ما لهم ان لا يعذبهم اللّه العذاب بالسيف و قيل أراد بنفي العذاب عذاب استيصال في الدنيا و بوقوع العذاب عذاب الاخرة وَ ما كانُوا أَوْلِياءَهُ قال الحسن كان المشركون يقولون نحن اولياء المسجد الحرام فنصد من نشاء و ندخل من نشاء فرد اللّه عليهم بقوله و ما كانوا أولياءه اى اولياء البيت إِنْ أَوْلِياؤُهُ اى البيت إِلَّا الْمُتَّقُونَ من الشرك الذين لا يعبدون فيه غير اللّه و قيل الضمير للّه تعالى وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٣٤) ان لا ولاية لهم عليه كانه نبه بالأكثر ان منهم من يعلم ذلك و يعاند او أراد بالأكثر الكل كما يراد بالقلة العدم «١». (١) عن رفاعة بن رافع ان النبي صلى اللّه عليه و سلم قال لعمر رضى اللّه تعالى عنه اجمع لى قومك فجمعهم فلما حصروا باب النبي صلى اللّه عليه و سلم دخل عمر عليه قد جمعت الان قومى فسمع ذلك الأنصار فقالو قد لزل في قريش الوحى فجاء من المتمع و الناظر ما يقال لهم خرج النبي صلى اللّه عليه و سلم فقام بين أظهرهم فقال هل فيكم من غيركم قالوا نعم حليفنا و ابن اختينا و موالينا قال النبي صلى اللّه عليه و سلم حليفنا منا و ابن أختنا منها و موالينا منا و أنتم تسمعون ان أوليائي الا المتقون فانكنتم أولئك فذاك و الا فانظروا يأتي الناس بالأعمال يوم القيامة و يأتون الأثقال فيعرض عنكم ١٢-. ٣٥ وَ ما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ اى دعائهم او ما يسمونه صلوة إِلَّا مُكاءً قال ابن عباس و الحسن المكاء الصفير و هى في اللغة اسم طاير ابيض يكون بالحجاز له صفير كانه قال إلا صوت مكاء وَ تَصْدِيَةً و تصفيقا قال البغوي قال ابن عباس كانت قريش تطوف بالبيت و هم عراة يصفرون و يصفقون و كذا اخرج الواحدي عن ابن عمر قال البغوي قال مجاهد كان نفر من بنى عبد الدار يعارضون النبي صلى اللّه عليه و سلم في الطواف و يستهزؤن و يدخلون أصابعهم في أفواههم و يصفرون فالمكاء جعل الأصابع في الشدق و التصدية الصفير و منه الصداء الذي يسمعه المصوت من الجبل و في اللغة الصداء صوت يرجع من كل جانب و اخرج ابن جرير عن سعيد قال كانت قريش يعارضون النبي صلى اللّه عليه و سلم في الطواف يستهزؤن به يصفرون و يصفقون فنزلت هذه الاية و قال البغوي قال جعفر بن ابى ربيعة سالت أبا سلمة بن عبد الرحمن عن قوله تعالى مكاء و تصدية فجمع كفيه ثم نفخ فيهما صفيرا و قال مقاتل كان النبي صلى اللّه عليه و سلم إذا صلى في المسجد قام رجلان عن يمينه فيصفران و رجلان عن يساره فيصفقان ليخلطوا على النبي صلى اللّه عليه و سلم صلوته و هم من بنى عبد الدار و قال سعيد بن جبير التصدية صدهم المؤمنين عن المسجد الحرام و عن الدين و عن الصلاة فالتصدية مشتق من الصدد بالدالين قلبت حرف التضعيف بالياء و على هذه الوجوه معنى قوله تعالى ما كان صلوتهم ما وضعوه موضع الصلاة فانهم أمروا بالصلوة في المسجد فجعلوا ذلك مكانه فَذُوقُوا الْعَذابَ يعنى القتل يوم بدر و قيل عذاب الآخرة و اللام يحتمل للعهد و المعهود العذاب المطلوب بقولهم ائتنا بعذاب اليم بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٥) اعتقاد او عملا و هذه الآية متصلة بما قبلها لتقرير استحقاقهم العذاب و عدم ولايتهم للمسجد فانها لا يليق بمن هذ صفته. ٣٦ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا اى ليصرفوا الناس عَنْ سَبِيلِ اللّه يعنى عن دين اللّه قال البغوي قال الكلبي نزلت في المطعمين يوم بدر و كانوا اثنا عشر رجلا ابو جهل بن هشام و عتبة و شيبه ابنا ربيعة بن عبد الشمس و نبيه و منبه ابنا الحجاج و ابو البختري بن هشام و النضر بن الحارث و حكيم بن حزام و ابى ابن خلف و زمعة بن الأسود و الحارث بن عامر بن نوفل و العباس بن عبد المطلب و كلهم من قريش و كان يطعم كلو أحد منهم كل يوم عشر جزور و قال ابن إسحاق حدثنى الزهري و محمد بن يحيى بن حبان و عاصم بن عمر بن قتادة و الحصين بن عبد الرحمن قالوا لما أصيبت قريش يوم بدر و رجعوا الى مكة مشى عبد اللّه بن ابى و عكرمة ابن ابى جهل و صفوان بن امية في رجال من قريش أصيب آبائهم و أبنائهم فكلموا أبا سفيان و من كانت له في ذلك العير من قريش تجارة فقالوا يا معشر قريش ان محمدا قد وتركم و قتل خياركم فاعينونا بهذا المال على حربه فلعلنا ان ندرك منه ثارا ففعلوا ففيهم كما ذكر ابن عباس انزل اللّه ان الذين كفروا ينفقون أموالهم الى قوله يحشرون و اخرج ابن ابى حاتم عن الحكم بن عتبة قال نزلت في ابى سفيان أنفق على المشركين أربعين اوقية من ذهب و اخرج ابن جرير عن أبزى و سعيد ابن جبير قالا نزلت في ابى سفيان استاجر يوم أحد الفين من الأحابيش «١» ليقاتل بهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عليهم قلت و اللفظ عام يشتمل كلهم و من فعل فعلهم فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ندما و غما في الدنيا لفواتها من من غير حصول مقصود جعل و انها حسرة و هى عاقبة إنفاقها مبالغة ثُمَّ يُغْلَبُونَ ٥ آخر الأمر و إن كان الحرب سجاه «٢» قبل ذلك وَ الَّذِينَ كَفَرُوا اى ثبتوا على الكفر منهم إذا اسلم بعضهم إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (٣٦) يساقون. (١) حابيش احياء من القارة انضموا الى نبى الليث في محاربتهم فرفساء التحبش التجمع و قيل حالفوا فريشا تحت جبل يسمى حبشا ١٢. (٢) سبحا لا اى مرة للمؤمنين و مرة للكاذبين مستعار من المستقين بالسجل يعنى الدلو ١٢. ٣٧ لِيَمِيزَ اللّه الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ الكافر من المؤمن او الفساد من الصلاح و اللام متعلقه بيحشرون او يغلبون او ما أنفقه المشركون من عداوة الرسول صلى اللّه عليه و سلم مما أنفقه المسلمون في نصره و اللام متعلقه بقوله ثم تكون عليهم حسرة قرا حمزة و الكسائي و يعقوب ليميز بالتشديد من التفعيل و هو ابلغ من الميز وَ يَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ اى يجمعه و يضم بعضه الى بعض و منه السحاب المركوم جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ كله أُولئِكَ اشارة الى الخبيث لانه مقدر بالفريق الخبيث او الى المنفقين هُمُ الْخاسِرُونَ (٣٧) الكاملون في الخسران حيث اشتروا باموالهم عذاب الآخرة. ٣٨ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا عن الكفر و معاداة الرسول و قتاله يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ من الكفر و الفساد و الذنوب و قد اسلم جماعة كثيرة منهم ابو سفيان بن حرب و صفوان بن امية و عكرمة بن ابى جهل و عمرو بن العاص و غيرهم خلق كثير و اسلم من أسارى بدر عباس بن عبد المطلب و عقيل ابن ابى طالب و نوفل بن حارث و ابو العاص بن الربيع و ابو عزيز بن عمير العبدري و الصائب بن ابى جيش و خالد بن هشام المخزومي و عبد اللّه بن ابى السائب و المطلب بن حنطب و ابو وداعة السهمي و عبد اللّه بن ابى خلف و وهب بن عمير الجمحي و سهيل بن عمر العامري و عبد اللّه بن زمعة أخو أم المؤمنين سودة و قيس بن السائب و لسطاس مولى امية بن خلف و السائب بن عبيد اسلم يوم بدر بعد ان فدى نفسه و عدى بن خيار اسلم يوم الفتح و الوليد بن الوليد بن المغيرة افتكه هشام و خالد فلما افتدى اسلم فعاتبوه في ذلك فقال كرهت ان يظن بي انى جزعت من الاسر و لما اسلم حبسه أخواله فكان عليه السلام يدعوا له في القنوت ثم أفلت و لحق بالنبي صلى اللّه عليه و سلم عام القضاء روى مسلم عن عمرو بن العاص قال أتيت النبي صلى اللّه عليه و سلم فقلت ابسط يمينك فلا بايعك فبسط يمينه فقبضت يدى فقال مالك يا عمرو قال أردت ان اشترط قال تشترط ما ذا قلت ان يغفر لى قال ا ما علمت يا عمرو ان الإسلام يهدم ما كان قبله و ان الهجرة تهدم ما كان قبلها و ان الحج يهدم ما كان قبله وَ إِنْ يَعُودُوا الى قتاله فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (٣٨) الذين تحادوا الأنبياء بالتدمير كما جرى على اهل بدر فليتوقعوا مثل ذلك. ٣٩ وَ قاتِلُوهُمْ يعنى الكفار ايها المؤمنون حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ اى فساد في الأرض يعنى حتى يسلموا او يعطوا الجزية عن يدوهم صاغرون وَ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للّه ليس المراد بالدين هاهنا ملة الإسلام و ما يتعبد اللّه به و الا يلزم التعارض بين هذه الآية و بين قوله تعالى حتى يعطوا الجزية بل المراد منه القهر و الغلبة و الاستعلاء و السلطان و الملك و الحكم ذكر تلك المعاني للدين في القاموس عن المقداد بن اسود انه سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول لا يبقى على ظهر الأرض بيت مدر و لا وبر الا ادخله اللّه كلمة الإسلام بعز عزيز او ذل ذليل اما يعزهم اللّه فيجعلهم أهلها او يذلهم فيدينون لها فيكون الدين كله للّه رواه احمد و معنى قوله عليه السلام فيدينون لها اى يطيعون لاحكامها و يكونون من اهل الذمة فَإِنِ انْتَهَوْا عن الكفر و اسلموا فَإِنَّ اللّه بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٣٩) فيجازيهم على حسب أعمالهم عن ابن عمر رضى اللّه عنهما قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أمرت ان أقاتل الناس حتى يشهدوا ان لا اله الا اللّه و ان محمدا رسول اللّه و يقيموا الصلاة و يؤتوا الزكوة فاذا فعلوا ذلك عصم منى دمائهم و أموالهم الا بحق الإسلام و حسابهم على اللّه تعالى متفق عليه الا ان مسلم الم يذكر الا بحق الإسلام و رواه اصحاب الكتب الستة عن ابى هريرة قال السيوطي حديث متواترا و المعنى انتهوا عن القتال اما بالإسلام او بإعطاء الجزية فان اللّه بما يعملون بصير يعنى لا تقاتلوهم أنتم لكن اللّه يجازيهم على إسلامهم و كفرهم و أعمالهم الحسنة و السيئة و عن يعقوب انه قرا تعملون بالتاء على الخطاب للمؤمنين يعنى اعملوا بهم ما تعاملون بالمؤمنين و لا تظلموهم فان اللّه يجازيكم على حسب أعمالكم عن صفوان بن سليم عن عدة من أبناء اصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن آبائهم عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال الا من ظلم معاهدا او انتقصه او كلفه فوق طاقته او أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فانا حجيجه يوم القيامة رواه ابو داود هذا التأويل لقراءة يعقوب يصح على كلا التقديرين سواء كان المراد بالانتهاء الانتهاء عن الكفر بالإسلام او الانتهاء عن القتال بأحد الامرين اما بالإسلام او بإعطائه الجزية و قال البيضاوي تاويل قراءة يعقوب ان اللّه بما تعملون ايها المؤمنون من الجهاد و الدعوة الى الإسلام و الإخراج من ظلمة الكفر الى نور الايمان يصير يجازيكم و يكون تعليقه بالانتهاء دلالة على انه كما يستدعى اثابتهم للمباشرة يستدعى اثابة مقاتليهم بالتسبيب و هذا التأويل يختص بما إذا كان الانتهاء بمعنى الانتهاء من الكفر و مع ذلك بعيد جدا فان قوله بما تعملون يعم الحسنة و السيّئة و اللّه اعلم. ٤٠ وَ إِنْ تَوَلَّوْا عن الإسلام و لم ينتهو عن الكفر او تولوا عن الانقياد و لم ينتهوا عن القتال فَاعْلَمُوا أَنَّ اللّه مَوْلاكُمْ ناصركم فثقوا به و قاتلوا الكفرة و لا تبالوا بمعاداتهم و إن كانوا متكاثرين نِعْمَ الْمَوْلى اللّه لا يضيع من تولاه وَ نِعْمَ النَّصِيرُ (٤٠) هو لا يغلب من نصره. ٤١ وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ ما بمعنى الذي ... و غنمتم صلته و العائد محذوف يعنى الذي غنمتموه و لا يجوز ان يكتب ما موصولا لانه يكون حينئذ كافة و الغنيمة مال حربى أخذ قهرا و غلبة و من هاهنا قال ابو حنيفة إذا دخل واحد او اثنان في دار الحرب بغير اذن الامام مغرين و أخذوا من مال اهل الحرب شيئا لا يجب فيه الخمس و ان دخل اربعة يجب الخمس فيما أخذوا و في المحيط عن ابى يوسف انه قدر الجماعة التي لا منعة لها بسبعة و التي لها منعة بعشرة و مذهب الشافعي و مالك و اكثر اهل العلم انه يخمس ما اخذه واحد تلصصا لانه مال حربى أخذ قهرا فكان غنيمة فيخمس بالنص و قال ابو حنيفة و احمد في رواية عنه انه ليس بغنيمة لانه لم يوخذ قهرا بل اختلا ساو سرقة و المتلصص انما يأخذ بحيلة فكان اكتسابا مباحا من المباحات كالاحتطاب و الاصطياد و محل الخمس الغنيمة بخلاف ما لو دخل واحد او اثنان بإذن الامام فانه غنيمة اتفاقا لان على الامام ان ينصره حيث اذن له كما ان على الامام ان ينصر الجماعة الذين لهم منعة كالاربعة او العشرة و ان دخلوا بغير اذنه تحاميا عن توهين المسلمين و الدين فلم يكونوا مع نصرة الامام متلصصين و اللّه اعلم مِنْ شَيْ ءٍ بيان لما الغرض منه التعميم يعنى ما يطلق عليه اسم الشي ء حتى الخيط و المخيط عن عبادة بن الصامت ان النبي صلى اللّه عليه و سلم كان يقول أدوا الخياط و المخيط و إياكم و الغلول فانه عاد على اهله يوم القيامة رواه الدارمي و رواه الشافعي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده و في رواية لابى داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده نحوه و فيه فقام رجل في يده كبة من شعر فقال أخذت هذه لا صلح بها برذعة فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم اما ما كان لى و لبنى عبد المطلب فلك فَأَنَّ للّه خُمُسَهُ دخلت الفاء لما في ما من معنى المجازاة و ما بعده في محل الرفع مبتدأ محذوف الخبر يعنى فحق ان اللّه خمسه او خبر مبتدأ محذوف يعنى فالحكم ان اللّه خمسه أبقى اللّه سبحانه خمس الغنائم على ملكه و لم يجعلها في ملك الغانمين و لذا قالت الحنفية ان خمس الغنيمة حق قائم بنفسه ليس واجبا في ذمة الغانمين كالزكوة فانها وجبت في ذمة المكلفين حيث أمروا بإتيانها و لذلك صار الزكوة من أوساخ الناس و لم يحل لرسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم و اله لشرافته و حل له الخمس ثم بين اللّه سبحانه حيث يصرف خالص حقه تعالى فقال وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى يعنى أقارب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و اختلفوا فيهم فقال قوم هم جميع قريش و قال مجاهد و على بن الحسين هم بنو هاشم و قال الشافعي هم بنو هاشم و بنو المطلب ابني عبد مناف و ليس لبنى عبد الشمس و بنى نوفل منه شي ء مع انهم كانوا ابني عبد مناف ايضا روى الشافعي عن الثقة عن ابن ابى شهاب عن ابن المسيب عن جبير بن مطعم قال قسم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم سهم ذوى القربى بين بنى هاشم و بنى المطلب و لم يعط أحدا من بنى عبد الشمس و لا بنى نوفل شيئا و كذا روى البخاري عنه في صحيحه و في رواية للشافعى عنه قال لما قسم رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم ذوى القربى بين بنى هاشم و بنى المطلب أتيته انا و عثمان بن عفان فقلنا يا رسول اللّه هؤلاء إخواننا من بنى هاشم لا ننكر فضلهم لمكانك الذي وضعك اللّه فيهم ارايت إخواننا من بنى المطلب اعطيتهم و تركتنا او منعتنا و انما قرابتنا و قرابتهم واحدة فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم انما بنو هاشم و بنو المطلب شي ء واحد هكذا و شبك بين أصابعه و كذا روى ابو داود و النسائي قال البرقاني و هو على شرط مسلم و في هذا الحديث اشارة الى شان الصحيفة القاطعة التي كتبها قريش على ان لا تجالسوا بنى هاشم و لا تبايعوهم و لا تناكحوهم و بقوا على ذلك سنة و لم يدخل في بيعتهم بنو المطلب بل خرجوا مع بنى هاشم الى شعب ابى طالب كذا في السنن و المغازي و روى البيهقي في السنن و الدلائل قال الخطابي و كان يحيى بن معين يرويه انما بنو هاشم و بنو المطلب سيّ واحد بالسين المهملة و الياء المشددة اى مثل و سواء يقال سيان اى مثلان قلت هذا الحديث يدل على ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم الحق بنى المطلب ببني هاشم و عدهم منهم لكمال موافقتهم و مواذرتهم في الجاهلية و الإسلام لا لكونهم من بنى عبد مناف و الا فبنى عبد الشمس و بنى نوفل كانوا مثلهم في ذلك و ما قال صاحب الهداية ان هذا الحديث يدل على ان المراد قرب النصرة لا قرب القرابة فليس بشي ء لانه لو كان المراد قرب النصرة لكان عثمان بن عفان اولى به من العباس فان عثمان اسلم في بداية الإسلام و عباس بعد قتال بدر بل لزم ان يكون غير أقرباء النبي من المهاجرين و الأنصار مستحقين لذلك السهم وَ الْيَتامى جمع يتيم و هم صغير لا اب له و في القاموس اليتيم فقدان الأب و انما قيدناه بكونه صغيرا لما رواه ابو داود و عن عليّ في حديث لا يتم بعد الاحتلام و قد أعله العقيلي و عبد الحق و ابن القطان و المنذرى و غيرهم و حسنه النووي و رواه الطبراني بسند اخر عن عليّ و رواه ابو داود الطيالسي في مسنده و في الباب حديث طلحة بن حذيفة عن جده و اسناده لا بأس به و هو في الطبراني الكبير و غيره و عن جابر رواه ابن عدى في ترجمة حزام بن عثمان و هو متروك و عن انس وَ الْمَساكِينِ جمع مسكين و سنذكر تحقيقه في مصارف الصدقات في سورة التوبة وَ ابْنِ السَّبِيلِ المسافر البعيد عن منزله نسب الى السبيل لما رسقه إياه اجمع الامة على ان هذه الأصناف الثلاثة يستحقون لفقرهم و حاجتهم فلا يعطى للاغنياء من اليتامى و أبناء السبيل و كذا قال بعض الناس في ذوى القربى انهم يستحقون لفقرهم و حاجتهم و هذا القول مردود لان لفظ ذوى القربى لا يشعر بالفقر أصلا بخلاف لفظ اليتيم و ابن السبيل و كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم يعطى العباس و كان كثير المال و اجمع الائمة و اتفقت الرواة على ان النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم كان يقسم الغنيمة على خمسة أسهم اربعة أخماسه للغانمين و يجعل الخمس على خمسة أسهم فيجعل سهما لنفسه فينفق منه على نفسه و اهله و يعطى منه اهله نفقة سنة و ما فضل جعله في السلاح و الكراع عدة في سبيل اللّه و في مصالح المسلمين و سهما يقسمها في بنى هاشم و بنى مطلب يعطى منها الغنى و الفقير و الذكر و الأنثى منهم و ثلثة أسهم يقسمها في اليتامى و المساكين و أبناء السبيل فلينظر هل كان هؤلاء الذين ذكرهم اللّه تعالى في كتابه من الأصناف الخمسة هل كان كل واحد منهم مستحقا لحصته منها لا يجوز منعه عنه و لا صرفه الى غيره او كان الأصناف المذكورة مصرفا لها جاز للامام ان يصرفها الى صنف واحد منها اولى شخص واحد منه و لا يجوز له التجاوز عنها الى غيرها و بالشق الثاني قال ابو حنيفة قال ابن همام انه ذكر في التحفة ان هذه الثلاثة يعنى اليتامى و المساكين و ابن السبيل مصارف الخمس عندنا لا على سبيل الاستحقاق حتى لو صرف الى صنف واحد منها جاز و قال الشافعي و جماعة من السلف و الخلف بالشق الاول قالوا لا يجوز للامام ان يصرفها الى صنف او صنفين بل يجب صرفها الى جميعها فانكان كل صنف منها جماعة محصورين لا يجوز منع واحد منها و سوى بينهم بالقسمة كما يقسم الأسهم الاربعة بين الغانمين لا يجوز منع واحد منهم اجماعا و الحق الشافعي سهم ذوى القربى بالميراث الذي يستحق باسم القرابة غير انهم يعطون القريب و البعيد و فقال يفضل الذكر على الأنثى فيعطى للذكر سهمين و الأنثى سهما و إن كانوا غير محصورين لا يمكن استيعابهم لا بد عنده ان يعطى من كل صنف ثلثة لان اللّه تعالى ذكر لام الاختصاص و ذلك يقتضى الملك او استحقاق الملك و ذكر كل صنف بلفظ الجمع و اقله ثلثة و قال ابو حنيفة و من معه اللام لمطلق الاختصاص و من الاختصاص ان لا يجوز الصرف الى غير تلك الأصناف و اللام ليس للاستغراق بل للجنس و لام الجنس يبطل الجمعية و الحجة لهذا القول أن الأصناف المذكورة متداخلة بعضها في بعض فان من ذوى القربى اليتامى و المساكين و ابن السبيل و من اليتامى ذو و القربى و المساكين و ابن السبيل و من المساكين ذوو القربى و اليتامى و أبناء السبيل و لو كان كل صنف منها مختص بسهم و لا يجوز صرفها الى صنف اخر لزم ذكر كل صنف منها بحيث لا يصدق عليه عنوان صنف اخر و ايضا إذا كان شخص واحد داخلا في الأصناف كلها لزم حينئذ ان يعطى له لاجل كل وصف سهما كما يعطى من الميراث للزوج إذا كان ابن عم لها لاجل الحيثيتين سهمين مختلفين فرضا و عصوبة و من المنقول ما في الصحيحين عن على رضى اللّه عنه ان فاطمة رضى اللّه عنها أتت النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم تشكو اليه ما تلقى في يدها من الرحى و بلغها ان جاءه رقيق فلم تصادفه فذكرت ذلك لعائشة فلما جاء أخبرته عائشة قال فجاءنا و قد أخذنا مضاجعنا فذهبنا نقوم فقال مكانكما فقعد بينى و بينها حتى وجدت برد قدمه على بطني فقال الا أدلكما على خير ما سألتما إذا أخذتما مضاجعكما تسبحا ثلثا و ثلثين و احمدا ثلثا و ثلثين و كبرا أربعا و ثلثين فهو خير لكما من خادم و في رواية لمسلم الا ادلك على ما هو خير من خادم تسبحين اللّه ثلثا و ثلثين و تحمدين ثلثا و ثلثين و تكبرين أربعا و ثلثين عند كل صلوة و عند منامك و روى الطحاوي عن علىّ بلفظ انه قال لفاطمة رضى اللّه عنهما ذات يوم قد جاء اللّه أباك بسعة و رقيق فاتيه فاستخدميه فاتته فذكرت ذلك فقال و اللّه لا أعطيكها و ادع اهل الصفة ليطوون بطونهم و لا أجد ما أنفق عليهم و لكن أبيعها و أنفق عليهم الا أدلكما على خير مما سألتما علمنيه جبرئيل كبر اللّه دبر كل صلوة عشرا و سبحا عشرا و احمدا عشرا و إذا أتيتما الى فراشكما و روى الطحاوي عن الفضل بن حسن ابن عمر بن الحكم ان امه حدثته انها ذهبت هى و أمها حتى دخلن على فاطمة فخرجن جميعا فاتين رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم و قد اقبل من بعض غزواته و معه رقيق فسألته ان يخدمهن فقال سبقكن يتامى اهل بدر فان هذه الأحاديث تدل على ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم كان قد يعطى بعض الأصناف و لا يعطى بعضا اخر و الا لما منع فاطمة عن حقها و قد كان لها حظ من الخمس و لما بعض صرف حق فاطمة الى فقراء اهل الصفة و يتامى اهل بدر فان سهم ذوى القربى لا يجوز صرفها عند الشافعي الى الفقراء و اليتامى بل لكل من الصنفين عنده سهم من الخمس غير سهم ذوى القربى و يؤيد ما قلت ما روى ابو يوسف في كتاب الخراج قال حدثنى اشعث بن سوار عن ابى الزبير عن جابر بن عبد اللّه انه كان يحمل من الخمس في سبيل اللّه و يعطى منه نائبة القوم فلما كثر المال جعل في اليتامى و المساكين و ابن السبيل قلت عندى معنى الاية ان للّه خمسه يعنى ملكا حيث أبقاه سبحانه على ملك نفسه و لم يعطه أحدا غيره و امر رسوله صرفه كما امر و للرسول ذلك الخمس استحقاقا و تصرف على نفسه و في مصارفه كيف يشاء و لذى القربى و اليتامى و المساكين و ابن السبيل مصرفا و لذلك ذكر الصنفين الأخيرين عطفا على ذى القربى بلا لام و ذكر الأصناف الاربعة بلام واحد لكون كلها من جنس واحد مختصا باختصاص المصرفية و لم يعطفها على الرسول كما عطف الأخيرين و أورد اللام على الرسول و لم يعطف على اللّه لكون كل اختصاص منها نوعا علحدة فالاختصاص باللّه اختصاص الملك و ليس بالرسول اختصاص الملك لما روى انه صلى اللّه عليه و اله و سلم أخذ وبرة من جنب البعير ثم قال لا يحل لى من غنائمكم مثل هذا الا الخمس و الخمس مردود فيكم رواه ابو داود و من حديث عمرو بن عنبسة و كذا من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بلفظ ليس لى من هذا الفي ء شي ء و لا هذا يعنى و بر البعير الا الخمس و الخمس مردود فيكم و لم يقل الا خمس الخمس فاللام في الأنواع الثلاثة من الاختصاصات المذكورة كالمشترك او كالحقيقة و المجاز و لا يجوز الجمع بين المشترك و لا بين الحقيقة و المجاز فلذلك أورد اللام ثلث مرات و اللّه اعلم (مسئلة) اختلف العلماء في سهم الرسول صلى اللّه عليه و سلم بعد وفاته صلى اللّه عليه و اله و سلم فقال الشافعي هو اليوم لمصالح المسلمين و ما فيه قوة الإسلام لانه صلى اللّه عليه و اله و سلم كان يجعل ما بقي من نفقة في السلاح و الكراع قال البغوي روى الأعمش عن ابراهيم قال كان ابو بكر و عمر يجعلان سهم النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم في الكراع و السلاح و قال قتادة هو لخليفة بعده لانه صلى اللّه عليه و اله و سلم كان يستحقه بامامته و قال ابو حنيفة ان سهم الرسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم سقط بموته و لم يكن سهم لامامته بل رسالته فان الحكم إذا علق بمشتق دل على علية ماخذه و لا رسول بعده و قد كان لرسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم حق الصفي اصطفى ذا الفقار سيف منبه بن حجاج حين اتى به على يوم بدر بعد ان قتل منبها ثم دفعه اليه و اصطفي صفية بنت حيى بن اخطب من غنيمة خيبر رواه ابو داود في سننه عن عائشة و الحاكم و صححه و قد اجمعوا ان سهم الصفي ليس لاحد بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم و ان حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم في ذلك خلاف حكم الامام من بعده فكذا سهمه من الغنيمة لا يكون لاحد بعده (مسئلة) و اختلفوا في سهم ذوى القربى بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم فقال ابو حنيفة سهم ذوى القربى ايضا سقط بموت رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم ذكر الحنفية لسقوطه وجوها قال صاحب الهداية لان النبي صلى اللّه عليه و سلم كان يعطيهم النصرة لما مر من حديث جبير بن مطعم انه صلى اللّه عليه و اله و سلم اعطى بنى المطلب و لم يعط بنى نوفل و بنى عبد الشمس و قال انهم يعنى بنى المطلب لم يزالوا هكذا في الجاهلية و الإسلام و شبك بين أصابعه و بهذا يظهر ان المراد بالنص قرب النصرة لاقرب القرابة و لما مات رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم لم يبق النصرة و هذا التوجيه ضعيف و قد ذكرنا تضعيفه من قبل و قال الطحاوي وجه سقوطه ان النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم لما اعطى ذلك السهم بعض القرابة يعنى بنى المطلب و حرم من قرابتهم منه صلى اللّه عليه و اله و سلم كقرابتهم يعنى بنى نوفل و بنى عبد شمس ثبت بذلك ان اللّه عز و جل لم يرد بما جعل لذوى القربى كل قرابة رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم و انما أراد خاصا منهم و جعل الرأى في ذلك الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم يضعه فيمن شاء منهم فاذا مات و انقطع رأيه انقطع ما جعل لهم من ذلك كما قد جعل اللّه تعالى لرسوله صلى اللّه عليه و اله و سلم ان يصطفي من المغنم لنفسه سهما اى سهم الصفي فكان ذلك ما كان حيا يختار لنفسه من المغنم ما شاء فلما مات انقطع ذلك و قال الطحاوي مرة اخرى كان اللّه عز و جل قد جعل كل قرابة رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم في قوله و لذى القربى فلم يخص أحدا منهم دون أحد ثم قسم ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فاعطى منهم بنى هاشم و بنى مطلب خاصة و حرم بنى امية و بنى نوفل و كانوا محصورين معدودين و فيمن اعطى الغنى و الفقير و فيمن حرم كذلك فثبت ان ذلك السهم كان النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم يجعله في اى قرابته شاء فصار حكمه حكم سهمه و الذي كان يصطفيه لنفسه فلما كان ذلك مرتفعا بوفاته غير واجب لاحد بعده كان هذا كذلك ايضا مرتفعا بوفاته غير واجب لاحد من بعده قال و هو قول أبي حنيفة و ابى يوسف و محمد قلت و هذين التوجيهين ايضا ضعيفان لما ذكرنا ان النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم انما اعطى بنى مطلب لما جعلهم تبعا لبنى هاشم و عدهم منهم لموازرتهم و موانستهم معهم كما حرم الصدقة على موالى بنى هاشم بتعالهم لا لكونهم من بنى عبد مناف قوله حرم من قرابتهم منه صلى اللّه عليه و اله و سلم كقرابتهم ممنوع فان بنى هاشم كانوا اقرب من غيرهم و لو نسلم ان اللّه سبحانه ذكر ذوى القربى و أراد بعضها منهم لا كلهم و لم يدر منهم فحينئذ كان مجملا فاذا لحقه البيان من رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم حيث اعطى بنى هاشم و بنى المطلب دون بنى امية و بنى نوفل زال الإجمال و الإجمال لا يقتضى البيان كل مرة و لو نسلم ان اللّه تعالى جعل الرأى في ذلك الى رسوله صلى اللّه عليه و اله و سلم فقوله إذا مات انقطع رأيه ممنوع إذ بعد موته الرأي لخلفائه كما في سهم المساكين و اليتامى و أبناء السبيل في المغانم و الصدقات كان تخصيص بعض دون بعض الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم ثم صار لخلفائه و ايضا كون تخصيص بعض دون بعض من ذوى القربى الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم لا يقتضى كون ذلك السهم له صلى اللّه عليه و اله و سلم فان تخصيص بعض من المساكين و اليتامى و أبناء السبيل ايضا كان اليه صلى اللّه عليه و سلم و لم يكن ذلك الأسهم له صلى اللّه عليه و اله و سلم اجماعا و لم يسقط شي ء منها بموته فكذا هذا و اللّه اعلم ثم استدل كلا الفريقين بعمل الخلفاء الراشدين رضى اللّه عنهم قال صاحب الهداية لنا ان الخلفاء الراشدين قسموه على ثلثة أسهم على نحو ما قلنا و كفى بهم قدوة و قال ايضا انه لم ينكر عليهم أحد مع توافر الصحابة مع علمهم فكان اجماعا و قال البغوي الخلفاء بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم كانوا يعطون ذوى القربى و لا يفضل فقير على غنى لان النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم و الخلفاء بعده كانوا يعطون العباس بن عبد المطلب مع كثرة ماله فلا بد من الكلام في عمل الخلفاء فنقول قال ابو يوسف في كتاب الخراج ان الكلبي محمد بن السائب حدثنى عن ابى صالح عن ابن عباس ان الخمس كان في عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم على خمسة أسهم للّه و للرسول سهم و لذى القربى سهم و لليتامى و المساكين و ابن السبيل ثلثة أسهم ثم قسمه ابو بكر الصديق و عمر الفاروق و عثمان ذى النورين رضى اللّه عنهم على ثلثة أسهم و سقط سهم الرسول و سهم ذوى القربى و قسمه الثلاثة على الباقين ثم قسمه على بن ابى طالب على ما قسمه عليه ابو بكر و عمر و عثمان و قال ابو يوسف و حدثنى محمد بن إسحاق عن الزهري ان نجدة كتب الى ابن عباس يسئله عن سهم ذوى القربى لمن هو فكتب اليه ابن عباس رضى اللّه عنه كتبت الى تسالنى عن سهم ذوى القربى لمن هو و هو لنا و ان عمر بن الخطاب دعانا الى ان ينكح منه ايمنا و يقضى عنه عن مغرمنا و يخدم منه عائلنا فابينا الا ان يسلم لنا فابى ذلك علينا و قال ابو يوسف و حدثنا قيس بن مسلم عن الحسن بن محمد بن الحنفية قال اختلف الناس بعد وفاة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في هذين السهمين سهم الرسول و سهم ذوى القربى فقال قوم سهم الرسول للخليفة من بعده و قال آخرون سهم ذوى القربى بقرابة النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم و قالت طائفة سهم ذى القربى لقرابة الخليفة بعده فاجمعوا على ان يجعلوا هذين السهمين في الكراع و السلاح و روى الطحاوي بسنده عن قيس بن مسلم عن الحسن بن محمد ابن الحنيفة نحوه و زاد كان ذلك في امارة ابى بكر و عمر و روى الطحاوي حدثنا محمد بن خزيمة قال حدثنا يوسف بن عدى قال حدثنا عبد اللّه بن المبارك عن محمد بن إسحاق قال سألت أبا جعفر قال أ رأيت على بن ابى طالب حيث ولى العراق ما ولى من امر الناس كيف صنع في سهم ذوى القربى قال سلك به و اللّه سبيل ابى بكر و عمر قلت كيف و أنتم تقولون ما تقولون قال انه و اللّه ما كان اهله يصدرون الا عن رائه قلت فما منعه قال كره و اللّه ان يدعى عليه خلاف ابى بكر و عمر قلت و هذه الآثار لو ثبتت لثبت ان الخلفاء قسموا الخمس على ثلثة أسهم و لم يعطوا ذوى القربى سهمهم و لما تقدم ما ذكرنا انه يجوز للامام ان يصرف الخمس الى صنف واحد منها و به قال ابو حنيفة رحمه اللّه لا يثبت بعدم إعطاء الخلفاء سهم ذوى القربى سقوط سهمهم و عدم جواز اعطائهم كيف و قال ابو يوسف في كتاب الخراج حدثنى محمد بن عبد الرحمن بن ابى ليلى عن أبيه قال سمعت عليا رضى اللّه عنه بقول قلت يا رسول اللّه ان رأيت ان توليتنى حقنا من الخمس فاقسم في حياتك كيلا ينازعنا أحد بعدك فافعل ففعل قال فولانية رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم فقسمته حياته ثم ولانيه ابو بكر الصديق رضى اللّه عنه فقسمته حياته ثم ولانيه عمر رضى اللّه عنه فقسمته حياته حتى إذا كانت اخر سنة من سنى عمر فاتاه مال كثير فعزل حقنا ثم أرسل الىّ فقال خذه فاقسمه فقلت يا امير المؤمنين بنا عنه العام غنى و بالمسلمين اليه حاجة فرده عليهم ذلك تلك السنة و لم يدعنا اليه أحد بعد عمر بن الخطاب رضى اللّه عنه حتّى قمت مقامى هذا فلقينى العباس بن عبد المطلب بعد خروجى من عند عمر بن الخطاب فقال يا عليّ لقد حرمتنا الغداة شيئا لا يرد علينا ابدا و كذا روى ابو داود عنه فهذا الحديث يدل على ان أبا بكر و عمر كانا يعطيان ذوى القربى كما كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم يعطيهم الا ان عمر منعهم اخر خلافته باشارة علىّ و لعل قول ابن عباس ان عمر دعانا الى ان ينكح منه ايمنا و يقضى عنه مغرمنا و يخدم منه عائلنا فابينا الا ان يسلمه إلينا فابى ذلك علينا حكاية عما بعد قول عليّ لعمر بنا العام عنه غنى و بالمسلمين حاجة و هذا وجه توفيق الآثار و بهذا يثبت ان سهم ذوى القربى لم يسقط و يجوز دفعه إليهم غنيهم و فقيرهم لكن جاز للامام ان يدفع ذلك السهم الى غيرهم إن كان بهم عنه غنى و بالناس اليه حاجة كما فعل عمر باشارة علىّ و سلك عليّ ذلك السبيل في خلافته و كره في ذلك مخالفتهم لما رأى فيه مصلحة و قال ابو يوسف حدثنى عطاء ابن السائب ان عمر بن عبد العزيز بعث سهم الرسول و سهم ذوى القربى الى بنى هاشم قلت و لعل ذلك لما راى عمر بن عبد العزيز في بنى هاشم حاجة كثيرة بعث إليهم سهمين و اللّه اعلم و روى ابو داود عن سعيد بن المسيب عن جبير بن مطعم ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم لم يقسم لبنى عبد الشمس و لا لبنى نوفل من الخمس شيئا كما قسم لبنى هاشم و بنى المطلب قال و كان ابو بكر يقسم الخمس نحو قسم رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم غير انه لم يكن يعطى قربى رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم كما كان يعطيهم النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم و كان عمر يعطيهم و من كان بعده منه و هذا الحديث يدل على ان الخلفاء منعوا تارة و اعطوا تارة فروى كل على ما علم و هذا يؤيد ما قلنا و اللّه اعلم (فصل) و اعلم ان الاية كما تدل بعبارتها على ان ما غنمتم فخمسه خالص للّه تعالى يصرف في سبيله في الأصناف المذكورة تدل باشارتها على ان الباقي يعنى الأخماس الاربعة جعلتها لكم ايها الغانمون فكون الأخماس الاربعة للغانمين مسكوت في حكم المنطوق كما ان قوله تعالى و ان لم يكن له ولد و ورثه أبواه فلامه الثلث تدل على ان الثلثين للاب و هو مسكوت في حكم المنطوق فهذه الاية بهذا الاعتبار ناسخة لقوله تعالى يسألونك عن الأنفال قل الأنفال للّه و الرسول حيث لم يجعل اللّه فيها شيئا لغيره الا ما أراد رسوله كما ذكرنا من رواية البخاري في تاريخه عن سعيد بن جبير قيل هذه الاية نزلت في غزوة بنى قينقاع بعد غزوة بدر بشهر للنصف من شوال على راس عشرين شهرا من الهجرة أخرجه البيهقي في الدلائل من طريق ابن إسحاق عن أبيه عن سعيد بن كعب و من طريق سعيد بن المسيب نحوه و الصحيح انها نزلت في غزوة بدر بعد ما نزلت يسألونك عن الأنفال و اللّه اعلم (مسئلة) اجمعوا على ان اربعة أخماس الغنيمة للغانمين لا يجوز للامام منع واحد منهم عن نصيبه و اختلفوا في سلب المقتول فقال الشافعي و احمد هو للقاتل وحده و لا يجب فيه الخمس بشرط ان يعرض نفسه على القتل في قتل مشرك و أزال امتناعه فان رمى من بعيد و قتل السهم رجلا من صف المشركين لا يجب للقاتل سلبه و يشترط عند الشافعي كون القاتل من اهل السهم و قال احمد و إن كان من اهل الرضح ايضا و قال ابو حنيفة و مالك و هى رواية عن احمد لا يستحق القاتل السلب الا ان يشترط الامام فحينئذ يحسب عند أبي حنيفة من اربعة الأخماس و عند مالك من الخمس عن ابى قتادة قال خرجنا مع النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم عام حنين فلما التقينا كانت للمسلمين جولة فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين فضربته من ورائه على حبل عاتقه بالسيف فقطعت الدرع فاقبل عليّ فضمنى ضمة وجدت منها ريح الموت ثم أدركه الموت فارسلنى فلحقت عمر بن الخطاب فقلت ما بال الناس قال امر اللّه ثم رجعوا و جلس النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم فقال من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه فقلت من يشهد لى ثم جلست فقال النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم مثله فقلت من يشهد لى ثم جلست ثم قال النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم مثله فقمت فقال مالك يا با قتادة فاخبرته فقال رجل صدق و سلبه عندى فارضه منى فقال ابو بكر لاها اللّه إذ لا يعمد الى اسد من اسد اللّه يقاتل عن اللّه و رسوله فيعطيك سلبه فقال النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم صدق فاعطه فاعطانيه فابتعت منه مخرفا فى بنى سلمة فانه لاول مال تاثلته في الإسلام متفق عليه و في رواية للطحاوى عن ابى قتادة انه قتل رجلا من المشركين فنفله رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم سلبه و درعه فباعه بخمس أواق و عن انس ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم قال يوم حنين من قتل قتيلا فله سلبه فقتل ابو طلحة يومئذ عشرين فاخذ سلبهم رواه الدارمي و الطحاوي و ابو داود و عن سلمة ابن الأكوع قال غزونا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم هوازن قتلت رجلا ثم جئت بجمله أقوده و عليه رحله و سلاحه فاستقبلنى رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم و الناس معه فقال من قتل الرجل قالوا ابن الأكوع فقال له سلبه اجمع رواه الطحاوي و عنه قال اتى رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم عين من المشركين فجلس يتحدث عند أصحابه ثم انسل فقال نبى اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم اطلبوه فاقتلوه فسبقتهم فقتلته و أخذت سلبه فنفلنى إياه رواه الطحاوي و روى الحاكم بإسناد فيه الواقدي ضرب محمد بن سلمة ساقى مرحب فقطعهما و لم يجهز عليه فمر به عليّ فضرب عنقه و اعطى رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم سلبه محمد بن مسلمة و الصحيح ان على بن ابى طالب هو الذي قتله لما ثبت في صحيح مسلم و عن عوف بن مالك ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم جعل السلب للقاتل رواه الطحاوي و في رواية له عنه و عن خالد بن الوليد نحوه و كذا روى احمد و ابو داود و الطبراني و روى احمد عن عوف بن مالك و خالد بن الوليد ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم لم يخمس السلب و كذا روى ابو داود و ابن حبان و الطبراني بلفظ قضى بالسلب للقاتل و لم يخمس و روى احمد عن سمرة بن جندب مرفوعا من قتل قتيلا فله سلبه و سنده لا بأس به و روى الطحاوي عن ابن عباس قال انتدب «١» رجل من المشركين فامر النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم الزبير فخرج اليه فقتله فجعل له النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم سلبه قال ابن همام لا خلاف فيه فانه صلى اللّه عليه و اله و سلم قال ذلك يعنى قوله من قتل قتيلا فله سلبه انما الكلام ان هذا منه نصب الشرع على العموم في الأوقات و الأحوال كلها او كان تحريضا بالتنفيل قاله في تلك الواقعة فعند الشافعي نصب الشرع لانه هو الأصل في قوله لانه انما بعث لذالك قلت سياق حديث ابى قتادة صريح في ان قوله صلى اللّه عليه و اله و سلم ليس على سبيل التنفيل قبل القتال بل هو بعد ان قتل ابو قتادة مشركا و كذا حديث سلمة بن الأكوع و ما ورد في الحديث انه صلى اللّه عليه و اله و سلم لم يخمس السلب حجة للشافعى و احمد على مالك حيث قال ان السلب يحسب من الخمس. (١) اى طلب المبازرة ١٢ [.....]. (فائدة) روى الطحاوي عن انس بن مالك ان البرآء بن مالك أخا انس بن مالك بارز مرزبان الزارة فطعنه طعنة فكسر القربوس و خلصت اليه فقتلته فقوم سلبه ثلثين الفا فلما صلينا الصبح غدا علينا عمر فقال لابى طلحة انا كنا لا نخمس الاسلاب و ان سلب البراء قد بلغ مالا و لا أرانا الا خامسيه فقومناه ثلثين الفا فدفعنا الى عمر ستة آلاف و روى الطحاوي من وجه بلفظ ان البراء بن مالك بارز رجلا من عظماء فارس فقتله فاخذ البراء سلبه فكتب فيه الى عمر فكتب عمر الى الأمير ان اقبض إليك خمسة و ادفع اليه ما بقي فقبض الأمير خمسه قلت و هذين الأثرين يدلان على ان السلب للقاتل و انه لا يخمس غير انه يجوز للامام ان استكثر المال ان يخمسه و استدل ابو حنيفة على ان السلب ليس للقاتل خاصة الا ان يكون الامام قاله في وقت يحتاج الى تحريضهم بما رواه الطبراني في الأوسط و الكبير انه بلغ حبيب بن سلمة ان صاحب قبرص خرج يريد طريق اذربيجان و معه زمرد و ياقوت و لؤلؤ و غيرهما فخرج اليه فقتله فجاء بما معه فاراد ابو عبيدة ان يخمسه فقال له حبيب لا تحرمنى رزقا رزقنيه اللّه فان رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم جعل السلب للقاتل فقال معاذ يا حبيب اني سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم يقول للمرأ ما طابت به نفس امامه و هذا معلول فانه فيه عمرو ابن واقد و رواه إسحاق بن راهويه بسنده عن جنادة بن امية قال فذكر الحديث انه بلغ حبيب بن سلمة الى ان قال فجاء بسلبه على خمسة ابغال من الديباج و الياقوت و الزبرجد فاراد حبيب ان يأخذ كله و ابو عبيدة يقول بعضه فقال حبيب لابى عبيدة قد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم من قتل قتيلا فله سلبه قال ابو عبيدة انه لم يقل ذلك للابد و سمع معاذ ذلك فاتى و عبيدة و حبيب يخاصمه فقال معاذ الا تتقى اللّه و تأخذ ما طابت به نفس امامك فان مالك ما طابت نفس امامك و حدث بذلك معاذ عن النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم فاجتمع رايهم على ذلك فاعطوه بعد الخمس فباعه حبيب بألف دينار و فيه رجل مجهول و بما في الصحيحين من حديث عبد الرحمن بن عوف في مقتل ابى جهل يوم بدر فان فيه ان قال عليه السلام لمعاذ بن عمرو بن الجموح و معاذ بن عفراء بعد ما رأى سيفهما كلا كما قتله ثم قضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح وحده و لو كان للقاتل لقضى به لهما و بما رواه مسلم و ابو داود عن عوف بن مالك الأشجعي قال خرجت مع زيد بن حادثة غزوة مؤتة و رافقنى مددى من اهل اليمن فلقينا جموع الروم و فيهم رجل على فرس أشقر على سرج مذهب و سلاح مذهب و جعل يغرى بالمسلمين و قعد له المددى خلف صخرة فمر به الرومي فعرقب فرسه فخر فعلا فقتله فحاز فرسه و سلاحه فلما فتح اللّه على المسلمين بعث اليه خالد بن الوليد فاخذ منه بعض السلب قال عوف فاتيت خالدا فقلت له يا خالد اما علمت ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم قضى بالسلب للقاتل قال بلى و لكنى استكثرته قلت لتردن او لاعرفتكما عند رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم فابى ان يعطيه قال عوف فاجتمعنا عند رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم فقصصت عليه قصة المددى و ما فعل خالد فقال عليه السلام يا خالد رد عليه ما أخذت منه قال عرف قلت دونك يا خالد الم أوف لك فقال صلى اللّه عليه و اله و سلم و ما ذاك قال فاخبرته قال فغضب رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم و قال يا خالد لا ترد عليه هل أنتم تاركو لى أمراء لكم صفوة أمرهم و عليهم كدره وجه الاستدلال انه منع خالد أمن رده بعد ما امره به و لو كان شرعا لازما لم يمنعه من مستحقه قال الخطابي انما منعه ان يرد على عوف سلبه زجر العوف لئلا يجترئ الناس على الائمة و خالد كان مجتهدا فامضاه عليه الصلاة و السلام و الضرر اليسير يتحمل للنفع الكثير قال ابن همام و هذا غلط و ذلك لان السلب لم يكن للذى تجرأ و هو عوف و انما كان للمددى و لا تزر وازرة وزر اخرى فالوجه انه صلى اللّه عليه و اله و سلم أحب اولا ان يمضى شفاعته للمددى في التنفيل فلما غضب عليه رد شفاعته بمنع السلب لا انه لغضبه و سياسته يزجره بمنع حق من لم يقع منه جناية فهذا يدل على انه ليس شرعا لازما قلت حديث حبيب كما سمعت معلول و ضعيف و لو ثبت لثبت للامام حق التخميس من السلب لما أراد ابو عبيدة ان يخمسه و لا يثبت منه انه لا حق للقاتل في السلب بل هو كسائر الغنائم و حديث سلب ابى جهل منسوخ قال البيهقي ان غنيمة بدر كانت للنبى صلى اللّه عليه و سلم بنص الكتاب يعنى بقوله تعالى قل الأنفال للّه و الرسول يعطى من يشاء و قد قسم لجماعة لم يحضروا ثم نزلت اية الغنيمة بعد بدر فقضى السلب للقاتل استقر الأمر على ذلك و قول عوف اما علمت ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم قضى بالسلب للقاتل و قول خالد بلى و تسليم النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم ذلك حتى امر خالدا برد ما أخذ من سلبه دليل على التشريع عموما و جرأة عوف كان لاجل المددى و كان المددى راضيا به فهو يستحق الزجر و المنع و قوله صلى اللّه عليه و اله و سلم هل أنتم تاركوا لى أمراء لكم صفوة أمرهم و عليهم كدره يدل على ان الامام و ان ظلم و منع أحدا حقه فعليه كدره لكن يجب على الناس اطاعته. (مسئلة) التنفيل يعنى إعطاء الامام رجلا فوق سهمه جائز اجماعا ان شرط الامام في حالة القتال قبل الاصابة لانه نوع تحريض على القتال و هو مامور به قال اللّه تعالى حرض المؤمنين على القتال فجاز للامام ان يقول من قتل قتيلا فله عشرة دراهم او من دخل هذا الحصن فله كذا و قال لسرية جعلت لكم النصف او الربع بعد الخمس او قال من أصاب جارية فهى له عن ابن عمر ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم كان ينفل بعض من يبعث من السرايا لانفسهم خاصة سوى قسمة عامة الجيش متفق عليه لكن لا يجوز للامام ان يقول من أصاب شيئا فهو له لانه يستلزم بطلان الخمس الثابت بكتاب اللّه تعالى و بطلان الأسهم المنصوصة للراجل و الفارس في الأحاديث و بطلان حق من لم يصب من المجاهدين و في بعض روايات الحنفية لو نقل بجميع المأخوذ جاز إذا رأى الامام المصلحة فيه روى الحاكم من رواية مكحول عن ابى امامة عن عبادة بن الصامت ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم حين التقى الناس ببدر نفل كل امرأ ما أصاب و أجيب بان هذا منسوخ و اية الخمس نزلت بعد ذلك. (مسئلة) ثم محل التنفيل اربعة الأخماس قبل الاحراز بدار الإسلام و بعد الاحراز لا يصح الا من الخمس عند أبي حنيفة و احمد و عند مالك و الشافعي لا يصح مطلقا الا من الخمس لانه المفوض الى راى الامام و ما بقي للغانمين روى مالك عن ابى الزياد عن سعيد بن المسيب كان الناس يعطون النفل من الخمس و روى ابن ابى شيبة عن سعيد ابن المسيب ما كانوا ينفلون الا من الخمس و عن ابن عمر قال نفلنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم نفلا سوى نصيبنا من الخمس فاصابنى شارف و الشارف المسن الكبير متفق عليه و ابو حنيفة يحمل هذه الآثار على ما بعد الاحراز بدار الإسلام و اما قبل ذلك فيعطى النفل من اربعة أخماس الغانمين لان المعطى له من الغانمين لا من المساكين و اليتامى و ابن السبيل و قال البغوي النفل من خمس سهم النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم و هو قول سعيد بن المسيب و به قال الشافعي رحمه اللّه و هذا معنى قول النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم مالى مما أفاء اللّه عليكم الا الخمس و الخمس مردود فيكم قلت إعطاء النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم النفل أحدا من خمس خمسه هبة منه صلى اللّه عليه و اله و سلم و ذلك لا يستلزم عدم جواز النفل من اربعة الأخماس كيف و قد روى الترمذي و ابن ماجة و ابن حبان في صحيحه عن عبادة بن الصامت انه صلى اللّه عليه و اله و سلم نفل في البدأة الربع و في الرجعة الثلث و كذا روى ابو داود و عن حبيب بن سلمة الفهري و معنى الحديث على ما قال الخطابي ان السرية إذا ابتدأت السفر نفلها الربع فاذا قفلوا ثم رجعوا الى العدو ثانية نفلهم الثلث لان نهوضهم بعد قفولهم أشق عليهم قلت و هذا الحديث يرد قول من قال لا يجوز النفل الا من الخمس او من خمس الخمس لان إعطاء الربع و الثلث لا يتصور من الخمس بل لا يكون الا من اصل الغنيمة كما قال بعضهم او من اربعة الأخماس فان قيل جاز ان يكون معنى الحديث نفل في البدأة الربع من الخمس و في الرجعة الثلث من الخمس كذا قال الطحاوي قلنا الحديث لا يدل على هذا التقييد و ليس هو الا تسوية الحديث على مدعاه و ايضا قد روى حديث حبيب بن سلمة عند الطحاوي بلفظ الرابع بعد الخمس و الثلث بعد الخمس و كذا روى احمد و استدل به ابن الجوزي على جواز إخراج النفل من اربعة الأخماس. (مسئلة) جاز للامام ان يعطى بعض الغانمين فوق سهمه بعد القتال بلا شرط سبق منه ان رأى اجتهادا منه فوق اجتهاد غيره و قال ابو حنيفة رحمه اللّه لا يجوز ذلك الا من الخمس لان بعد القتال تعلق به حق الغانمين فلا يجوز ابطال حقهم و الحجة عليه حديث سلمة بن الأكوع قال بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم بظهره مع رباح غلام رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم و انا معه فلما أصبحنا إذا عبد الرحمن الفزاري قد انمار على ظهر رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم فقمت على اكمة فاستقبلت المدينة فناديت ثلثا يا صاحباه ثم خرجت في اثار القوم ارميهم بالنبل و ارتجز أقول انا ابن الأكوع و اليوم يوم الرضع فما زلت ارميهم و اعقر لهم حتى ما خلق اللّه من بعير من ظهر رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم الا خلفته و راى ظهرى ثم اتبعتهم ارميهم حتى القوا اكثر من ثلثين بردة و ثلثين رمحا يستخفون و لا يطرحون شيئا الا جعلت عليه آراما من الحجارة يعرفها رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم و أصحابه حتى رأيت من فوارس رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم و لحق ابو قتادة فارس رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم بعبد الرحمن فقتله قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم خير فرساننا اليوم ابو قتادة و خير رجالتنا سلمة قال ثم أعطاني رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم سهمين سهم الفارس و سهم الراجل فجمعهما الى جميعا ثم أردفني رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم ورائه على العضباء راجعين الى المدينة رواه مسلم و الجواب لأبي حنيفة ان الحديث رواه ابن حبان و قال كان سلمة بن الأكوع في تلك الغزاة راجلا فاعطاه النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم من خمسه لا من سهمان المسلمين و رواه القاسم بن سلام و قال قال ابن مهدى فحدثت به سفيان فقال هذا خاص بالنبي صلى اللّه عليه و اله و سلم و هذا عندى اولى من حمله على انه أعطاه من سهمه و الا لم يسم نفلا بل هبة قلت و لا وجه للحمل على ذلك و لا على القول بالتخصيص و سنذكر حديث اخر لسلمة بن الأكوع انه غزونا فزارة مع ابى بكر في مسئلة جواز فداء أسارى المشركين بأسارى المسلمين و فيه نفل ابو بكر سلمة امرأة و استدل بعض العلماء في هذه المسألة بما ذكرنا من حديث عبادة بن الصامت و حبيب بن سلمة ان النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم نفل في بدأته الربع و في رجعته الثلث على معنى انه صلى اللّه عليه و اله و سلم نفل في رجعته يعنى بعد الرجوع من القتال بالثلث و حمل الطحاوي هذا الحديث بهذا المعنى على انه صلى اللّه عليه و اله و سلم نفل في الرجعة الثلث مما يجوز له النفل و هو الخمس ليوافق مذهبه و مذهب ابى حنيفة و اللّه اعلم و كان إعطاء بعض الغانمين شيئا زائدا من الغنيمة على سبيل النفل امرا معروفا في الصحابة لكنهم كانوا مختلفين في محله روى الطحاوي بوجوه عن انس انه كان مع عبيد اللّه بن ابى بكرة في غزوة غزاها فاصابوا سبيا فاراد عبيد اللّه ان يعطى أنسا من السبي قبل ان يقسم فقال انس لا و لكن اقسم ثم أعطني من الخمس قال قال عبيد اللّه لا الا من جميع الغنائم فابى انس ان يقبل منه و ابى عبيد اللّه ان يعطيه من الخمس شيئا و روى الطحاوي عن سليمان بن يسار انهم كانوا مع معاوية ابن خديج في غزوة المغرب فنفل الناس و معنا اصحاب النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم فلم يرد ذلك غير جبلة بن عمرو و عن خالد بن ابى عمران قال سألت سليمان بن يسار عن النفل في الغزو فقال لم ار أحدا صنعه غير ابن جريج نفلنا بافريقية النصف بعد الخمس و معنا اصحاب النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم من المهاجرين الأولين أناس كثير فابى جبلة ان يأخذ منها شيئا. (مسئلة) يقسم الأخماس الاربعة بين الغانمين للراجل سهما و للفارس ثلثة أسهم سهم له و سهمان لفرسه قال القاضي عبد الوهاب به قال من الصحابة عمر بن الخطاب و على بن ابى طالب و لا مخالف له من الصحابة و به قال من التابعين عمر بن عبد العزيز و ابن سيرين و من الفقهاء مالك و الأوزاعي و ليث بن سعد و سفيان الثوري و الشافعي و احمد بن حنبل و ابو ثور و ابو يوسف و محمد بن الحسن و لم يخالف في هذه المسألة غير أبي حنيفة وحده حيث قال للفارس سهمان و للراجل سهم و قال ابن الجوزي قال خالد الحذاء لا يختلف فيه عن النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم ان للفارس ثلثة سهم احتج الجمهور بأحاديث منها حديث المنذرين الزبير بن العوام عن أبيه ان النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم اعطى الزبير سهما و فرسه سهمين رواه احمد و كذا روى الدار قطنى عن عبد اللّه بن الزبير عن الزبير و الدار قطنى ايضا عن جابر و أخرجه ايضا من حديث ابى هريرة و أيضا من حديث سهل بن حثمة و في حديث عبد اللّه ابن ابى بكر بن عمرو بن حزم من طريق ابن إسحاق في غزوة قريظة انه صلى اللّه عليه و اله و سلم جعل للفارس و فرسه ثلثة أسهم له سهم و لفرسه سهمان و في الباب حديث ابن عمر انه صلى اللّه عليه و اله و سلم جعل للفرس سهمين و لصاحبه سهما رواه البخاري و اصحاب السنن الا النسائي و في مسلم عنه قسم في النفل للفرس سهمين و للراجل سهما و في رواية بإسقاط لفظ النفل و في رواية أسهم للرجل و لفرسه ثلثة أسهم سهم له و سهمان لفرسه و حديث ابن عباس نحوه رواه إسحاق بن راهويه و كذا اخرج ابو داود من حديث ابن ابى عمرة عن أبيه و كذا اخرج البزار من حديث المقداد و حديث ابى كبشة الأنماري قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم عام الفتح انى جعلت للفرس سهمين و للفارس سهما فمن نقصها نقصه اللّه عز و جل رواه الدار قطنى و الطبراني قال ابن همام فيه محمد ابن عمران العبسي اكثر الناس على تضعيفه و حديث ابى دهم غزوت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم انا و أخي و معنا فرسان فاعطانا ستة أسهم اربعة أسهم لفرسينا و سهمين لنا رواه الدار قطنى و روى ابو يوسف في كتاب الخراج بسنده عن ابى حازم قال ابو ذر الغفاري شهدت انا و أخي مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم يوم حنين و معنا فرسان لنا فضرب لنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم بستة أسهم اربعة لفرسينا و سهمان لنا فبعنا ستة أسهم بحنين ببكرين و احتج ابو حنيفة بحديث مجمع بن جارية الأنصاري قال قسمت خيبر على اهل الحديبية فقسمها رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم على ثمانية عشر سهما و كان الجيش الفا و خمسمائة فيهم ثلاثمائة فارس فاعطى الفارس سهمين و للراجل سهما رواه ابو داود و قال ابو داود هذا وهم انما كانوا مائتى فارس فاعطى الفرس سهمين و الرجل يعنى صاحبه سهما كذا قال الشافعي قلت و كذا ذكرنا في سورة الفتح في قصة غنائم خيبر و حديث المقداد بن عمر انه كان يوم بدر على فرسه يقال له سنجه فاسهم له النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم سهمين لفرسه سهم و له سهم رواه الطبراني و في سنده الواقدي ضعيف و اخرج الواقدي ايضا في المغازي عن جعفر بن خارجة قال قال الزبير ابن العوام شهدت بنى قريظة فارسا فضرب لى بسهم و لفرسى بسهم و اخرج ابن مردويه في تفسيره حدثنا محمد بن محمد السرى حدثنا المنذر بن محمد حدثنى ابى حدثنا يحيى بن محمد بن هانى عن محمد بن إسحاق حدثنا محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة عن عائشة قالت أصاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم سبايا بنى المصطلق فاخرج الخمس منها ثم قسمها بين المسلمين فاعطى الفارس سهمين و الراجل سهما و روى ابن ابى شيبة في مصنفه و من طريقة الدارالقطني حدثنا ابو اسامة و ابن نمير قال حدثنا عبيد اللّه عن نافع عن ابن عمران رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم جعل للفارس سهمين و للراجل سهما قال الدار قطنى قال ابو بكر النيشابوري هذا عندى وهم من ابن ابى شيبة لان احمد بن حنبل و عبد الرحمن بن بشير و غيرهما رووه عن ابن نمير خلاف هذا على ما تقدم يعنى ثلثة أسهم للفارس ثم اخرج الدار قطنى عن نعيم حدثنا ابن المبارك عن عبيد اللّه ابن عمر عن نافع عن ابن عمر كما روى ابن ابى شيبة قال ابن الجوزي لعل الوهم من نعيم لان ابن المبارك من اثبت الناس قال ابن همام و نعيم ثقة و اخرج الدار قطنى ايضا عن يونس بن عبد الأعلى حدثنا ابن وهب عن عبيد اللّه بن عمر عن نافع عن ابن عمران رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم كان يسهم للخيل للفارس سهمين و للراجل سهما و تابعه ابن ابى مريم و خالد بن عبد الرحمن عن عبد اللّه بن عمر العمرى و رواه القعنبي عن العمرى بالشك في الفارس او الفرس ثم اخرج عن حجاج بن منهال حدثنا حمار بن سلمة حدثنا عبيد اللّه بن عمر عن نافع عن ابن عمر ان النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم قسم للفارس سهمين و للراجل سهما و خالفه النضر بن محمد بن حماد قال ابن همام و ممن روى حديث عبيد اللّه متعارضا الكرخي لكن رواية البيهقي عنه اثبت قال ابن الجوزي عبيد اللّه بن عمر ضعيف و روى الدار قطنى بسنده عن عبد الرحمن بن أمين عن ابن عمر ان النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم كان يقسم للفارس سهمين و للراجل سهما و روى ابو يوسف عن الحسن بن عمارة عن الحكم بن عيينة عن مقسم عن ابن عباس ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم قسم غنائم بدر للفارس سهمان و للراجل سهم قال ابو يوسف في كتاب الخراج انه كان الفقيه المقدم ابو حنيفة تغمده اللّه برحمته يقول أ للراجل سهم للفارس سهم و قال لا أفضل بهيمة على رجل مسلم و يحتج بما حدثناه عن زكريا بن الحارث عن المنذر بن ابى حمصة الهمداني ان غلاما لعمر بن الخطاب رضى اللّه عنه قسم في بعض الشام للفرس سهم و للرجل سهم فرفع ذلك الى عمر رضى اللّه تعالى عنه فاجازه و كان ابو حنيفة يأخذ بهذا الحديث و يجعل للفرس سهما و للرجل سهما و ما جاء من الآثار و الأحاديث ان للفرس سهمين و للرجل سهما اكثر من ذلك و أوثق و العامة عليه و ليس هذا على وجه التفضيل و ما كان ينبغى ان يكون للفرس سهم و للرجل سهم لانه قد سوى بهيمة برجل مسلم انما هذا على ان يكون عدة الرجل اكثر من عدة الاخر و ليرغب الناس في ارتباط الخيل في سبيل اللّه الا ترى ان سهم الفرس يرد على صاحب الفرس و لا يكون للفرس دونه و المتطوع و صاحب الديوان في القسمة سواء قال ابن همام إذا تعارض الروايات ترجح النفي بالأصل و يحمل رواية الثلاثة على التنفيل و ما ورد في حديث جابر اعطى الفارس منا ثلثة أسهم و نحو ذلك ظاهر في انه ليس الأمر المستمر كذلك و الا يقال كان عليه السلام و قضى عليه السلام و حديث ابى كبشة انى جعلت للفرس سهمين و للفارس سهما فمن نقصهما نقصة اللّه لا يصح كما مر مسئله لو كان مع رجل فرسان فقال ابو حنيفة و مالك و الشافعي لا يسهم الا الفرس واحد قال مالك في الموطإ لم اسمع بالقسم الا لفرس واحد و قال ابو يوسف و احمد يسهم لفرسين و لا يسهم لاكثر من فرسين اجماعا و الحجة لابى يوسف ما رواه الدار قطنى من حديث بشير بن عمر بن محصن قال أسهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم لفرسي اربعة أسهم ولى سهما فأخذت خمسة أسهم و روى عبد الرزاق أخبرنا ابراهيم بن يحيى السلمى عن مكحول ان الزبير حضر خيبر بفرسين فاعطاه النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم خمسة أسهم و هذا منقطع و قال الواقدي في المغازي حدثنا عبد الملك بن يحيى عن عيسى بن عمر قال كان مع الزبير يوم خيبر فرسان فأسهم له النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم خمسة أسهم و قال ايضا حدثنى يعقوب بن محمد عن عبد الرحمن بن عبد اللّه بن ابى صعصعة عن الحارث بن عبد اللّه بن كعب ان النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم قاد في خيبر ثلثه أفراس لزاز و الضرب و السكب و قاد الزبير بن العوام أفراسا و قاد حراس بن الصمت فرسين و قاد البراء بن أوس فرسين و قاد ابو عمرة الأنصاري فرسين فاسهم عليه الصلاة و السلام لكل من كان له فرسان اربعة أسهم و سهما له و ما كان اكثر من فرسين لم يسهم له و روى ابن الجوزي بسنده عن سعيد بن منصور عن ابن عياش عن الأوزاعي ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم كان يسهم للخيل و لا يسهم للرجل فوق فرسين و ان كان معه عشرة أفراس و قال قال سعيد بن منصور ثنا فرج بن فضالة ثنا محمد بن الوليد عن الزهري ان عمر بن الخطاب كتب الى ابى عبيدة بن الجراح ان أسهم للفرس سهمين و للفرسين اربعة أسهم و لصاحبهما سهما فذلك خمسة أسهم و ما كان فوق الاثنين فهو جنائب و قال ابو يوسف في كتاب الخراج حدثنا ابن يحيى بن سعيد عن الحسن في الرجل يكون في الغزو معه الافراس قال لا يقسم له من الغنيمة لاكثر من فرسين قال و حدثنى محمد بن إسحاق عن يزيد بن يزيد بن جابر عن مكحول قال لا يقسم لاكثر من فرسين قال صاحب الهداية ما روى حجة لابى يوسف و احمد محمول على التنفيل كما اعطى سلمة بن الأكوع سهمين و هو راجل قلت ما قال صاحب الهداية ان إعطاء سهمين لفرس و اربعة أسهم لفرسين محمول على التنفيل انما يتصور صحته لو قيل جاز للامام ان يعطى بعض الغانمين فوق سهمه بعد القتال من غير شرط سبق منه و الا فلم يروا في شى مما ذكر من الأحاديث انه صلى اللّه عليه و اله و سلم شرط ذلك. (مسئلة) إذا لحق المدد في دار الحرب قبل إحراز الغنائم بدار الإسلام بعد انقضاء القتال لا يسهم لهم عند الائمة الثلاثة و عند أبي حنيفة يسهم لهم احتجوا بما رواه ابن ابى شيبة و الطحاوي بسند صحيح عن طارق بن شهاب الاخمسى ان اهل بصرة غزوا نهاوند فامدهم اهل الكوفة و عليهم عمار بن ياسر فظهروا فاراد اهل البصرة ان لا يقسموا لاهل الكوفة فقال رجل من بنى تميم و عند الطحاوي من بنى عطارد ايها العبد الأجدع تريد ان تشاركنا في غنائمنا و كانت اذنه جدعت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم فقال عمار خير اذنى سببت ثم كتب الى عمر فكتب عمران الغنيمة لمن شهد الوقعة و اخرج الطبراني الغنيمة لمن شهد الوقعة مرفوعا و موقوفا و قال الصحيح الموقوف و أخرجه ابن عدى من طريق بخترى بن مختار عن عبد الرحمن بن مسعود عن عليّ موقوفا و روى الشافعي من طريق زيد بن عبد اللّه بن قسيط ان أبا بكر بعث عكرمة بن جهل في خمسائة من المسلمين مدد الزياد بن لبيد فذكر القصة و فيها فكتب ابو بكر ان الغنيمة لمن شهد الوقعة لكن في اثر ابى بكر انقطاع و بحديث ابى هريرة ان النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم بعث ابان بن سعيد بن العاص في سرية قبل نجد فقدم ابان بعد فتح خيبر فلم يسهم له رواه ابو داود و ابو نعيم موصولا و البخاري في صحيحه تعليقا و أجاب الحنفية عن هذا الحديث ان خيبر بعد ما فتحت صارت دار الإسلام فقدومهم بعد الفتح لحوق بعد إحراز الغنيمة بدار الإسلام و لا خلاف في انه من لحق بعد الاحراز لا سهم له في الغنيمة فانهم ملكوها بالاحراز قبل لحوقهم و اما اسهامه لابى موسى الأشعري على ما في الصحيحين عنه انه قال وافينا رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم حين افتتح خيبر فاسهم لنا و لم يسهم لاحد غاب عن فتح خيبر الا لاهل سفينتنا فقال ابن حبان انما أعطاهم من خمس الخمس و اللّه اعلم. (مسئلة) و لا حق لاهل سوق العسكر و لا لسائسة الدواب عند ابى حنيفة رحمه اللّه الا ان يقاتلوا و قال الشافعي يسهم لهم لما مر من قوله صلى اللّه عليه و اله و سلم ان الغنيمة لمن شهد الوقعة و هم قد شهدوا الوقعة و قد مر انه لم يصح رفعه بل هو حديث موقوف و معناه لمن شهد الوقعة على قصد القتال و ذلك انما يعرف بأحد أمرين اما بإظهار خروجه للجهاد و التجهيز له لا لغيره و اما بحقيقة قتاله و لو كان من شهد الوقعة على عمومه لزم ان يسهم للنساء و الأطفال و العبيد ايضا و قد اجمعوا على انه لا سهم لهولاء روى مسلم و ابو داود عن ابن عباس انه سئل عن النساء هل كن يشهدن الحرب مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم و هل كان يضرب لهن سهم فقال كن يشهدن و اما ان يضرب لهن سهم فلا و في رواية لابى داود و قد كان يرضح لهن فان قيل يعارضه حديث حشرج بن زياد عن جدته أم أبيه ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم أسهم لهن كما أسهم للرجال أخرجه ابو داود و النسائي قلنا حشرج مجهول. (مسئلة) ان أطاق الصبى القتال و اجازه الامام يكمل له السهم عند مالك و قال الجمهور لا يسهم له بل يرضخ روى ابو داود من طريق مكحول ان النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم للنساء و الصبيان و الخيل و هذا مرسل لو صح فلعل المراد بقوله أسهم اعطى لهم شيئا و هو الرضخ. (مسئلة) اختلفوا في العقار التي استولى عليها المسلمون عنوة فقال الشافعي يجب ان يقسمها الامام بين الغانمين بعد التخميس كالمنقول كما قسم رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم خيبر و هى رواية عن احمد لعموم هذه الآية الا ان يطيب انفس الغانمين و يسقطوا حقوقهم فحينئذ يوقفها على المسلمين كما فعل عمر بسواد العراق و قال مالك ليس للامام ان يقسمها بل يصير بنفس الظهور عليها وقفا و هى رواية ثانية عن احمد و قال احمد و هى رواية عن مالك ان الامام مخير بين ان يقسمها على الغانمين بعد التخميس للّه و بين ايقافها على جماعة المسلمين و قال ابو حنيفة الامام مخير بين قسمتها بين الغانمين بعد التخميس للّه و بين اقرار أهلها بالخراج و بين ان يصرفها عنهم الى قوم آخرين يضرب عليهم الخراج و ليس له ان يقفها و الحجة لاحمد حديث سهل بن حشمة قال قسم رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم خيبر نصفين نصف لنوائبه و حاجته و نصف بين المسلمين قسمها بينهم على ثمانية عشر سهما رواه ابن الجوزي و روى الطحاوي عن ابن عباس قال اعطى رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم خيبر بالشطر ثم أرسل ابن رواحة فقاسمهم و عن ابن عمر انه صلى اللّه عليه و اله و سلم عامل اهل خيبر بشطر ما يخرج من الزرع و عن جابر قال ما أفاء اللّه خيبر فاقرهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم كما كانوا و جعل بينه و بينهم فبعث عبد اللّه بن رواحة عليهم ثم قال الطحاوي فثبت بذلك ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم لم يكن قسم خيبر بكمالها لكنه قسم طائفة منها و ترك طائفة فلم يقسمها قلت قد ذكرنا في سورة الفتح في قصة فتح خيبر قول ابن إسحاق كانت المقاسم على اموال خيبر على الشق و النطاة و الكثيبة كانت الكثيبة في الخمس و الشق و النطاة أسهم الغزاة ثمانية عشر سهما النطاة خمسة أسهم و الشق ثلثة عشر و الوطيح و السلاليم كانت لنوائب المسلمين عامله فيها اليهود بالنصف و كان ابن رواحة يأتيهم كل سنة فيخرصهم فاجلاهم عمر لقوله صلى اللّه عليه و اله و سلم نقركم على ذلك ما شئنا قلت قد جرى الخلاف بين الصحابة في خلافة عمر حين افتتح العراق قال ابو يوسف في كتاب الخراج حدثنى غير واحد من علماء المدينة قال لما قدم على عمر جيش العراق من قبل سعد بن ابى وقاص شاور اصحاب محمد صلى اللّه عليه و اله و سلم في قسمة الأرضين التي أفاء اللّه على المسلمين من ارض العراق و الشام فتكلم قوم فيها و أرادوا ان يقسم لهم حقوقهم و ما فتحوا فقال عمر فكيف بمن يأتي من المسلمين فيجدون الأرض بعلوجها قد قسمت و ورثت عن الآباء و حيزت ما هذا برأي فقال عبد الرحمن بن عوف فما الرأي بالأرض و العلوج الا مما أفاء اللّه عليهم فقال عمر ما هو الا كما تقول و لست ارى ذلك و اللّه لا يفتح بعدي بلد فيكون فيه كبير نيل بل عسى ان يكون كلا على المسلمين فاذا قسمت ارض العراق بعلوجها و ارض الشام بعلوجها فما يسد به الثغور و ما يكون للذرية و الأرامل بهذا البلد و بغيره و ان اهل الشام و العراق أكثروا على عمر قالوا تقف ما أفاء اللّه علينا بأسيافنا على قوم لم يحضروا و لم يشهدوا و لابناء قوم و لابناء أبنائهم و لم يحضروا فكان لا يزيد على ان يقول هذا رأي قالوا فاستشر قال فاستشار المهاجرين الأولين فاختلفوا فاما عبد الرحمن بن عوف فكان رأيه ان يقسم لهم حقوقهم و رأى عثمان و عليّ و طلحة رأى عمر رضى اللّه عنهم أجمعين فارسل الى عشرة من الأنصار خمسة من الأوس و خمسة من الخزرج من كبرائهم و اشرافهم فلما اجتمعوا حمد اللّه و اثنى عليه بما هو اهله و مستحقه ثم قال انى لم أزعجكم الا لان تشركوا في أمانتي فيما حملت من أموركم فانى واحد كاحدكم و أنتم اليوم تقرون الحق خالفنى من خالفنى و وافقنى من وافقنى و لست أريد ان تتبعوا الذي هو هواى معكم من اللّه كتاب ينطق بالحق فو اللّه لئن كنت نطقت بامر أريده ما أردت به الا الحق قالوا قد نسمع يا امير المؤمنين قال قد سمعتم كلام هؤلاء القوم الذين زعموا انى اظلّمهم حقوقهم و انى أعوذ باللّه ان اركب ظلما لئن كنت ظلمتهم شيئا هو لهم و أعطيته غيرهم لقد شقيت و لكن رايت انه لم يبق شي ء يفتح بعد ارض كسرى و قد غنمنا اللّه أموالهم و أرضيهم و علوجهم فقسمت ما غنموا أورثه بين اهله و أخرجت الخمس و وجهته على وجهه و انا في توجيهه و رايت ان احبس الأرضين بعلوجها و أضع عليهم فيها الخراج و في رقابهم الجزية يؤدونها فيكون شيئا للمسلمين للمقاتلة و الذرية و لمن يأتي بعدهم ارايتم هذه الثغور بدلها من رجال يلزمونها ارايتم هذه المدن العظام و الشام و الجزيرة و الكوفة و البصرة و مصر بد من ان تشحن بالجيوش و إدرار العطاء عليهم فمن اين يعطى هولاء إذا قسمت الأرضين و العلوج فقالوا جميعا الرأى رأيك فنعم ما قلت و ما رايت ان لم يشحن هذه الثغور و هذه المدن بالرجال و يجرى عليهم ما يقوون به رجع اهل الكفر الى مدنهم فقال قد بان لى الأمر فمن رجل له جزالة و عقل يضع الأرض مواضعها و يضع على العلوج ما يحتملون فاجتمعوا له على عثمان بن حنيف و قالوا له تبعثه الى أهم ذلك فان له بصرا و عقلا و تجربة فاسرع اليه عمر فولاه مساحة ارض السواد فادت جباية سواد الكوفة قبل ان يموت عمر بعام مائة الف الف و الدرهم كانت يومئذ وزن المثقال قال ابو يوسف و حدثنى محمد بن إسحاق عن الزهري ان عمر بن الخطاب استشار الناس في السواد حين افتتح فراى عامتهم ان يقسم و كان بلال بن رباح من أشدهم في ذلك و كان راى عمران يتركه و لا يقسمه قال اللّهم اكفنى بلا لا و مكثوا في ذلك يومين او ثلثا او دون ذلك ثم قال عمر اني قد وجدت حجة قال اللّه عز و جل في كتابه ما أفاء اللّه على رسوله منهم الى قوله و الذين جاؤا من بعدهم الآيات من سورة الحشر قال فكانت هذه عامة لمن جاء بعدهم فقد صار هذا الفي ء على هؤلاء جميعا فكيف تقسم هؤلاء و تدع من يخلف بغير قسم فاجمع على تركه و جمع خراجه قال ابو يوسف و حدثنى الليث بن الليث بن سعد عن حبيب بن ابى ثابت ان اصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم و جماعة المسلمين أرادوا عمر بن الخطاب ان يقسم الشام كما قسم رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم خيبر و انه كان أشد الناس في ذلك الزبير بن العوام و بلال بن رباح فقال عمر اذن اترك من بعدكم من المسلمين لهم ثم قال اللّهم اكفنى بلالا و أصحابه قال و رأى المسلمون ان الطاعون الذي أصابهم لعمواس كان من دعوة عمر قال و تركهم عمر ذمة يؤدون الخراج الى المسلمين قلت فثبت انعقاد الإجماع على جواز ترك الأرض في أيدي أهلها يؤدون الخراج فان قيل كيف يجوز نسخ الاية بالإجماع و الإجماع لا يكون ناسخا و لا منسوخا و ما استدل به عمر من قوله تعالى ما أفاء اللّه على رسوله من اهل القرى ليس بحجة لانه فيما قال اللّه تعالى ما او جفتم عليه من خيل و لا ركاب و كلا منا فيما اوجف عليه المسلمون خيلا و ركابا قلنا امة محمد صلى اللّه عليه و اله و سلم لا يجتمع على الضلالة فاجماعهم على هذا يدل على ان قوله تعالى ما غنمتم من شي ء ليس على عمومه كيف و قد كان لرسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم الصفي و جعل رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم السلب للقاتل و لم يخمس السلب و جاز ان يعلف العسكر في دار الحرب و يأكلوا ما وجدوه من الطعام عن محمد ابن ابى المجالد عن عبد اللّه بن ابى اوفى قال قلت هل كنتم تخمسون الطعام في عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم قال أصبنا طعاما يوم خيبر فكان الرجل يجيئ فياخذ منه مقدار ما يكفيه ثم ينصرف و عن ابن عمران جيشا غنموا في زمن رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم طعاما و عسلا فلم يوخذ منهم الخمس و عن القاسم مولى عبد الرحمن عن بعض اصحاب النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم قال كنا ناكل الجزور في الغزو و لا نقسمه حتى كنا لنرجع الى رجالنا و أخرجتنا منه مملوة روى الأحاديث الثلاثة ابو داود. (فائدة) حمل اصحاب الشافعي ما فعل عمر في سواد العراق و الشام على انه وقف الأرض برضاء الغانمين و إسقاطهم حقوق أنفسهم قلنا لو كان كذلك لاخرج منها اولا خمس اللّه تعالى إذ ليس الخمس للامام و لا للغانمين و لا يسقط باسقاطهم و ايضا وضع عمر على جريب الكرم شيئا معلوما و على جريب الحنطة شيئا معلوما فلا يجوز ان يكون الأرض مملوكة للمسلمين موقوفة و الا يلزم بيع المعدوم و بيع ما ليس عندك بل يظهر بهذا ان الأرض مملوكة للكافرين وضع عليهم خراج الأرض كما وضع عليهم الجزية و هم أحرار و لا يجوز ان يكونوا عبيدا للمسلمين و يكون الجزية ضريبة للمسلمين عليهم بعلة الملك لانه اهل نسائهم و مشايخهم و صبيانهم و ان كانوا قادرين على الاكتساب اكثر مما يقدر عليه بعض الرجال البالغين فظهر انه ليس بعلة الملك على وجه الضريبة و اللّه اعلم إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللّه و ما عطف على باللّه أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا محمد صلى اللّه عليه و اله و سلم من الملئكة و النصر و الآيات المعجزة منها ان اللّه تعالى تحقق ما وعدهم احدى الطائفتين و انه أخبرهم بميلهم الى العير دون الجيش و انه جاء المطر بحيث كان للمسلمين نعمة و على الكافرين نقمة و ان امر اللّه تعالى بالملائكة حتى سمعوا أصواتهم حين قالوا اقدم حيزوم و رأوا الرؤوس تتساقط من الكواهل من غير قطع و اثر سياط في ابى جهل و انه رمى النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم المشركين بالحصباء حتى عميت أبصار الكفار أجمعين و انه قلل المشركين في أعين المسلمين لتشجيعهم و انه أشار النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم الى مصارع المشركين هذا مصرع فلان هذا مصرع فلان فرأى المسلمين ذلك على ما أشار و انه تعالى حقق قوله صلى اللّه عليه و اله و سلم بعقبة بن ابى معيط ان وجدتك خارج جبال مكة قتلتك صبرا و أنه صلى اللّه عليه و اله و سلم اخبر عمه العباس بما استودع أم الفضل فزالت شبهة العباس في نبوته و ان اللّه تعالى تحقق وعده للمؤمنين بقوله ان يعلم في قلوبكم خيرا يوتكم خيرا مما أخذ منكم فاعطى العباس بدل عشرين اوقية عشرين غلاما يتجرون بماله و ان اللّه سبحانه اطلع نبيه صلى اللّه عليه و اله و سلم على ايتمار عمير بن وهب و صفوان ابن امية بمكة على قتله فعصم اللّه و جعله سببا لاسلام عمير بن وهب و عاد داعيا الى الإسلام و منها انقلاب العرجون سيفا روى ابن سعد عن زيد بن اسلم و يزيد بن رومان و غيرهما و البيهقي و ابن عساكر عن عمران عكاشة بن محصن قاتل يوم بدر بسيفه حتى انقطع فاتى رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم فاعطاه جزلا من حطب و قال قاتل بهذا يا عكاشه فلما اخذه من رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم هزه فكان سيفا في يده طويل القامة مديد المتن ابيض الحديدة فقاتل به حتى فتح اللّه على المسلمين و كان ذلك السيف يسمى العيون ثم لم يزل عنده يشهد به المشاهد مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم حتى قتل في ايام الورد قتله طلحة بن خويد الأسدي و روى البيهقي عن داود بن الحصين عن رجال من بنى عبد الأشهل عدة قالوا انكسر سيف سلمة بن اسلم بن الحرش يوم بدر فبقى اعزل لا سلاح معه فاعطاه رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم قضيبا كان في يده من عراجين نخل بنى طابة فقال اضرب به فاذا هو سيف جيد فلم يزل عنده حتى قتل يوم خيبر ابى عبيدة و منها ما روى البيهقي انه ضرب جيب بن عدى يوم بدر فمال شقه فتفل فيه رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم و لامه و رده فانطبق و منها ما روى البيهقي عن قتادة ابن النعمان انه أصيب عينه يوم بدر فسالت حدقته على و جنته فارادوا ان يقطعوها فسألوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم فقال لا فدعاه به فغمز حدقته براحته فكان لا يدرى اى عينه أصيب و منها ما روى البيهقي عن رفاعة بن رافع قال لما كان يوم بدر رميت بسهم فقئت عينى فبصق فيها رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم و دعا لى فما آذاني منها شي ء و منها ما روى ابن سعد من طريق إسحاق عن عبد اللّه بن نوفل عن أبيه قال اسر نوفل يوم بدر فقال له النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم افد نفسك برماحك التي بجدة قال و اللّه ما علم أحد ليعلم ان لى بجدة رماحا بعد اللّه غيرى اشهد انك رسول اللّه ففدى نفسه بها و كانت الف رمح يَوْمَ الْفُرْقانِ اى يوم بدر فرق اللّه فيه بين الحق و الباطل حيث أعز اللّه الإسلام و دفع الكفر و اهله يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ حزب اللّه و حزب الشيطان و كان يوم الجمعة بسبع عشرة مضت من رمضان بعد ستة عشر شهرا من الهجرة وَ اللّه عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ (٣١) ٤٢ إِذْ أَنْتُمْ بدل من يوم الفرقان يعنى إذ كنتم ايها المسلمون نازلين بِالْعُدْوَةِ اى شط الوادي الدُّنْيا تأنيث الأدنى يعنى العدوة الشامية القريبة الى المدينة وَ هُمْ يعنى المشركين بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى تأنيث الأقصى و كان قياسه قصببا بقلب الواو ياء كالدنيا و العليا تفرقة بين الاسم و الصفة فجاء على الأصل كالقود و هو اكثر استعمالا من القصيا يعنى العدوة اليمانية البعيدة من المدينة قرا ابن كثير و ابو عمرو بكسر العين فيهما و الباقون بضمها فيهما و هما لغتان وَ الرَّكْبُ يعنى العير يريد أبا سفيان و أصحابه أَسْفَلَ مِنْكُمْ اى في موضع أسفل منكم الى ساحل البحر على ثلثة أميال من بدر منصوب على الظرف مرفوع المحل على انه خبر مبتدأ و الجملة حال من الظرف قبله و فائدتها الدلالة على قوة العدو و استظهارهم بالركب و حرصهم على المقاتلة و توطين نفوسهم على ان لا يخلوا مراكزهم و يبذلوا منتهى جهدهم و ضعف شان المسلمين و استبعاد غلبتهم عادة و لذا ذكر مركز الفريقين فان العدوة الدنيا كانت رخوة تسوح فيها الأرجل و لا يمشى فيها الا بتعب و لم يكن بها ماء بخلاف العدوة القصوى وَ لَوْ تَواعَدْتُمْ ايها المؤمنون أنتم مع الكفار الاجتماع للقتال ثم علمتم قلتكم و كثرة عدوكم و قوتهم لَاخْتَلَفْتُمْ أنتم فِي الْمِيعادِ هيبة عنهم و يأسا من الظفر عليهم وَ لكِنْ اللّه تعالى جمعكم من غير ميعاد حيث خرجتم للعير و خرج الكفار ليمنعوا عيرهم فالتقوا على غير ميعاد لِيَقْضِيَ اللّه أَمْراً كانَ اى صار مَفْعُولًا ٥ من نصر أوليائه و إعزاز دينه و إهلاك أعدائه و قوله لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ يَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ بدل من ليقضى اللّه او متعلق بقوله مفعولا و المعنى ليموت من مات منهم عن بينة راها و عبرة عاينها و حجة قامت عليه و يعيش من عاش منهم عن حجة شاهدها لئلا يكون له حجة و معذرة فان وقعة بدر من الآيات الواضحات و قال محمد بن إسحاق معناه ليكفر من كفر بعد حجة قامت عليه و يومن من أمن على مثل ذلك استعارة للّهلاك و الحيوة للكفر و الإسلام يعنى من لهذا حاله في علم اللّه و قضائه قرا ابن كثير برواية البزي و نافع و ابو بكر و يعقوب حيى بفك الإدغام حملا على المستقبل وَ إِنَّ اللّه لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (٣٢) بكفر من كفر و عقابه و ايمان من أمن و ثوابه و لعل الجمع بين الوصفين لاشتمال الامرين على القول و الاعتقاد. ٤٣ إِذْ يُرِيكَهُمُ اللّه فِي مَنامِكَ قَلِيلًا مقدر با ذكر او بدل ثان من يوم الفرقان او متعلق بعليم اى يعلم المصالح ان يقللّهم في عينك في رؤياك حتى تخير به أصحابك فيكون تثبيتا لهم و تشجيعا على عدوهم و ذلك ان النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم قال لاصحابه يوم بدر في أول الأمر لا تقاتلوا حتى او ذنكم و ان كثبوكم فارموهم بالنبل و لا تسلوا السيف حتى يغشوكم فنام في العريش نومة فقال ابو بكر يا رسول اللّه قد دنا القوم و قد مالوا منا فاستيقظ رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم و قد أراه اللّه عز و جل إياهم في منامه قليلا فاخبر بذلك أصحابه و روى ابن إسحاق و ابن المنذر عن حبان بن واسع عن أشياخ من قومه انتبه رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم فقال ابشر يا أبا بكر أتاك نصر اللّه هذا جبرئيل أخذ بعنان فرسه يقوده على ثناياه النقع قال الحسن معنى في منامك في عينك لان العين موضع النومة وَ لَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ لجبنتم وَ لَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ امر القتال و تفرقت آرائكم في الثبات و الفرار وَ لكِنَّ اللّه سَلَّمَ اى سلمكم عن المخالفة و الفشل إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٣٣) يعلم ما يكون فيها و ما يتغيرا حوالها و قال ابن عباس علم ما في صدوركم من الحب للّه. ٤٤ وَ إِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا قال ابن مسعود لقد قللوا في أعيننا حتى قلت لرجل الى جنبى أ تراهم تسعين قال أراهم مائة فاسرنا رجلا منهم فقلناكم كنتم قال الفا وَ يُقَلِّلُكُمْ يا معشر المؤمنين فِي أَعْيُنِهِمْ كيلا يهربوا قال ابو جهل ان محمدا و أصحابه أكلة جزور روى ابن المنذر و ابن ابى حاتم عن ابن جريج ان أبا جهل قال يوم بدر خذوهم أخذا و اربطوهم في الجبال و لا تقتلوا منهم أحدا فنزل انا بلوناهم كما بلونا اصحاب الجنة قال و ذلك قبل التحام الحرب فلما التحم أراهم إياهم مثليهم رأى العين كما في ال عمران لِيَقْضِيَ اللّه أَمْراً كانَ مَفْعُولًا كرره لاختلاف الفعل المعلل به او لان المراد بالأمر ثمه الالتقاء على الوجه المحكي و هاهنا إعزاز الإسلام و اهله و إذلال الشرك و حزبه وَ إِلَى اللّه تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٣٤) يفعل ما يشاء و يحكم ما يريد. ٤٥ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ للمحاربة فِئَةً يعنى جماعة كافرة و لم يصفها اشعار ابان المؤمنين لا يقاتلون الا الكفار فَاثْبُتُوا لقاتلهم فان الفرار من الزحف كبيرة كما ورد في الصحاح من الأحاديث وَ اذْكُرُوا اللّه كَثِيراً داعين له بالنصر مستظهرين بذكره مترقبين لنصره لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٣٥) تظفرون بمرادكم من النصر و المثوبة و فيه تنبيه على ان العبد ينبغى ان لا يشغله شي ء عن ذكر اللّه و ان يلتجى اليه عند الشدائد و يقبل عليه بشر أشره فارغ البال واثقا بان لطفه لا ينفك عن عبده المؤمن في شي ء من الأحوال. ٤٦ وَ أَطِيعُوا اللّه وَ رَسُولَهُ في قتال أعدائه و إعزاز دينه وَ لا تَنازَعُوا باختلاف الآراء كما فعلتم يوم بدر في أول الأمر و يوم أحد فَتَفْشَلُوا اى تجبنوا منصوب بإضمار ان جواب للنهى و قيل عطف عليه و لذلك قرئ وَ تَذْهَبَ رِيحُكُمْ الجزم و الريح استعير للدولة و نفاذ الأمر و جريانه على المراد و كذا قال الأخفش كانها في تمشى أمرها و نفاذه مشبهة بالريح في هبوبها و نفوذها و قال السدى جرأتكم و قال مقاتل حدتكم و قال النصر بن شميل قوتكم و قال قتادة و ابن زيد المراد به الحقيقة قالا لم يكن النصر قط الا بريح يبعثها اللّه يصرف وجوه العدو و كذا اخرج ابن ابى حاتم عن ابى زيد و منه قوله صلى اللّه عليه و اله و سلم نصرت بالصبا و أهلك عاد بالدبور متفق عليه من حديث ابن عباس و عن النعمان بن مقرن قال شهدت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم فكان إذا لم يقاتل أول النهار انتظر حتى تزول الشمس و تهب الرياح و ينزل النصر رواه ابن ابى شيبة وَ اصْبِرُوا على الموت و الجراح إِنَّ اللّه مَعَ الصَّابِرِينَ (٣٦) بالنصر و الاثابة روى البخاري في صحيحه عن سالم ابى النصر مولى عمرو بن عبد اللّه و كان كاتبا له قال كتب عبد اللّه بن ابى اوفى كتابا فقراته ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم في بعض أيامه التي لقى فيها العدو انتظر حتى مالت الشمس ثم قام في الناس فقال يا ايها الناس لا تتمنوا لقاء العدو و اسألوا اللّه العافية فاذا لقيتم فاصبروا و اعلموا ان الجنة تحت ظلال السيوف ثم قال اللّهم منزل الكتاب و مجرى السحاب و هازم الأحزاب اهزمهم و انصرنا عليهم و لما امر اللّه سبحانه بالجهاد و الصبر عليه امر بإخلاص النية إذ لا عبرة بالأعمال الا بالنيات عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم ان اللّه لا ينظر الى صوركم و أموالكم و لكن ينظر الى قلوبكم و أعمالكم رواه مسلم و في الصحيحين في حديث ابن عباس قوله صلى اللّه عليه و اله و سلم و لكن جهاد و نية فقال عز و جل. ٤٧ وَ لا تَكُونُوا في المجاهدة و القتال كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ يعنى اهل مكة حين خرجوا منها الحماية العير بَطَراً اى فخرا او أشرا قال الزجّاج البطر الطغيان في النعمة و ترك شكرها قيل البطر ان يشغله سكر النعمة عن شكرها وَ رِئاءَ النَّاسِ و هو اظهار الجميل ليرى و ابطان القبيح يعنى خرجوا متكبرين بكثرة العدد و المال و رياء الناس ليثنوا عليهم بالشجاعة و السماحة و يعترفوا لعظمتهم وَ يَصُدُّونَ الناس عَنْ سَبِيلِ اللّه عن الايمان به و برسوله و ذلك انه لما راى ابو سفيان انه احرز عيره أرسل الى قريش انكم خرجتم لتمنعوا عيركم فقد نجاها اللّه فارجعوا فقال ابو جهل و اللّه لا نرجع حتى نرد بدرا فنقيم بها ثلثا فننحر الجزور و نطعم الطعام و نسقى الخمر و تعزف علينا القينان و يسمع بها العرب و لا يزالون يهابوننا ابدا فوافوها فسقوا كاس المنايا مكان الخمر و ناحت عليهم النوائح مكان القينان فنهى اللّه سبحانه ان يكون المؤمنين مثلهم بطرين مرائين و أمرهم بإخلاص النية و الحسبة في نصر دينه و موارزة نبيه صلى اللّه عليه و اله و سلم. ٤٨ وَ اللّه بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (٤٤) وَ إِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ مقدر باذكر أَعْمالَهُمْ يعنى عداوة النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم و ارادة قتله و قتاله و قد ذكرنا في القصة حضور الشيطان عند قريش في دار الندوة و حين أرادوا المسير فذكرت التي بينهم و بين بنى بكر من الحرب جاءهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم وَ قالَ لهم لا غالِبَ لَكُمُ و لكم خبر لا يعنى لا غالب كائن لكم و ليس صلته و الا انتصب كقولك لا ضاربا زيدا عندك الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ لكثرة عددكم و ما لكم و أوهمهم ان ما يفعلون قربات مجيرة لهم حتى قالوا اللّهم انصر اهدى الفئتين و أفضل الدينين وَ إِنِّي جارٌ لَكُمْ من كنانة فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ المسلمون و المشركون و راى إبليس الملئكة نزلوا من السماء و علم انه لا طاقة له بهم نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ ولى مدبرا هاربا روى الطبراني عن رفاعة بن رافع و ابن جرير و ابن المنذر و ابن مردويه عن ابن عباس قال امر اللّه تعالى نبيه صلى اللّه عليه و اله و سلم و المؤمنين بألف و كان جبرئيل في خمسمائة مجنبة و ميكائيل في خمسمائة مجنبة و جاء إبليس في جند من الشياطين معه رايته في صوره رجال من بنى مدلج و الشيطان في صورة سراقة بن مالك بن جعشم فقال الشيطان للمشركين لا غالب لكم اليوم من الناس و انى جار لكم من الناس و اقبل جبرئيل الى إبليس فلما راه و كانت يده في يد رجل من المشركين انتزع إبليس يده ثم ولى مدبر او شيعته فقال الرجل يا سراقة الست تزعم انك جار لنا وَ قالَ إِنِّي بَرِي ءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللّه وَ اللّه شَدِيدُ الْعِقابِ (٤٥) فذلك حين رأى الملئكة فتشبث به الحارث بن هشام و اسلم بعد ذلك و هو يزعم انه سراقة لما سمع كلامه فضرب الشيطان في صدر الحارث فسقط الحارث و انطلق إبليس لا يلوى حتى سقط في البحر و رفع يديه و قال يا رب وعدك الذي وعدتني اللّهم انى اسألك نظرتك إياي و خاف اى يخلص اليه القتل فقال ابو جهل يا معشر الناس لا يهمنكم خذلان سراقة فانه كان على ميعاد من محمد و لا يهمنكم قتل عتبة و شيبة فانهم قد عجلوا فو اللات و العزى لا نرجع حتى نقرن محمدا و أصحابه بالجبال و لا الفين رجلا منكم قتل رجلا منهم و لكن خذوهم أخذا نعرفهم سوء صنيعهم و يروى انهم راوا سراقة بمكة بعد ذلك فقالوا له يا سراقة اخرمت الصف و أوقعت فينا الهزيمة فقال و اللّه ما علمت شيئا من أمركم حتى كانت هزيمتكم و ما شهدت و علمت فما صدقوه حتى اسلموا و سمعوا ما انزل اللّه فيه فعلموا انه كان إبليس تمثل لهم قال البغوي قال قتادة قال إبليس انى ارى ما لا ترون و صدق و قال انى أخاف اللّه و كذب و اللّه ما به مخافة اللّه و لكن علم انه لا قوة به و لا منعة فاوردهم و أسلمهم و ذلك عادة عدو اللّه لمن أطاعه إذا التقى الحق و الباطل أسلمهم و تبرأ منهم و قال عطاء معناه انى أخاف اللّه ان يهلكنى فيمن يهلك و قال الكلبي خاف ان يأخذه جبرئيل و يعرفهم حاله فلا يطيعوه و قيل انى أخاف اللّه اى اعلم صدق وعده لاوليائه لانه كان على ثقة من امر اللّه و قيل معناه أخاف اللّه عليكم و اللّه شديد العقاب و قيل انقطع الكلام عند قوله انى أخاف اللّه ثم قال اللّه شديد العقاب عن طلحة بن عبيد اللّه بن كربز رضى اللّه عنه ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم قال ما رأى الشيطان يوما هو فيه أصغر و لا ادحر و لا احقر و لا اغيظ منه يوم عرفة و ما ذلك الا لما يرى من تنزل رحمة اللّه و تجاوز اللّه عن الذنوب العظام الا ما كان يوم بدر فقيل و ما راى من يوم بدر قال اما انه قد راى جبرئيل عليه السلام و هو يزع الملئكة رواه مالك مرسلا و البغوي في شرح السنة و المصابيح و المعالم و اذكر. ٤٩ إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ بالمدينة حين خرج المسلمون و هم ثلاثمائة و بضعة عشر و سمعوا خروج ابى جهل و غيره في زهاء الف لقتالهم اغتروا بدينهم حيث خرجوا لمقاتلة من لا يدلهم بهم وَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يعنى الذين لم يطمئنوا الى الايمان بعد و بقي في قلوبهم شبهة و قيل هم المشركون و قيل المنافقون و العطف لتغائر الوصفين و قال البغوي هؤلاء يعنى الذين في قلوبهم مرض قوم كانوا بمكة مستضعفين قد اسلموا و حبسهم اقربائهم عن الهجرة فلما خرجت قريش الى بدر أخرجوهم كرها فلما نظروا الى قلة المسلمين ارتابوا و ارتدوا و قالوا غَرَّ هؤُلاءِ يعنى المؤمنين دِينُهُمْ فقتلوا جميعا منهم قيس بن الوليد بن المغيرة و ابو قيس بن الفاكه بن المغيرة المخزوميان و الحرث بن زمعة بن الأسود بن المطلب و على بن امية بن خلف الحجمى و العاص بن منبه بن الحجاج و روى الطبراني عن ابى هريرة بسند ضعيف انه قال عتبة بن ربيعة و ناس معه من المشركين غر هؤلاء دينهم فقال اللّه سبحانه جوابا لهم وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّه فَإِنَّ اللّه عَزِيزٌ غالب لا يذلّ من استجار به و ان قل حَكِيمٌ (٤٩) يفعل بحكمته البالغة ما يستبعده العقل و يعجز عن إدراكه ففعل بالكفار ما لم يكونوا يحتسبون و لما ذكر اللّه سبحانه سوء عاقبة الكفار في الدنيا بالقتل و الهزيمة اردفه بما صنع بهم بعد الموت فقال. ٥٠ وَ لَوْ تَرى يا محمد يعنى و لو رأيت فان لو نقيضه ان تجعل المضارع ماضيا إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا ببدر و غير ذلك ظرف لترى و المفعول محذوف يعنى و لو ترى الكفرة او حالهم حين يتوفهم الْمَلائِكَةُ فاعل يتوفى يدل عليه قرأة ابن عامر تتوفى بالتاء و جاز على قرأة الجمهور ان يكون فاعل يتوفى ضمير اللّه تعالى و الملئكة مبتدأ خبره يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ و الجملة حال من الذين كفروا و استغنى فيه بالضمير عن الواو و هو على الاول حال منهم او من الملئكة او منها لاشتماله على الضميرين وَ أَدْبارَهُمْ ظهورهم بسياط النار و مقامع من حديد أراد تعميم الضرب اى يضربون ما اقبل منهم و ما أدبر و قال سعيد بن جبير و مجاهد يريد بادبارهم أستاههم و لكن اللّه حيى يكنى وَ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (٥٠) عطف على يضربون بإضمار القول اى يقولون ذوقوا بشارة لهم بعذاب النار المؤبدة فعلى هذا بيان لعذابهم في عالم البرزخ و قال ابن عباس كان المشركون ببدر إذا اقبلوا بوجوههم الى المسلمين ضربت الملئكة وجوههم بالسيوف و إذا ولوا أدركتهم الملئكة و ضربوا ادبارهم فقتلوا من قتل منهم و كانت تقول الملئكة ذوقوا عذاب الحريق قيل كان مع الملئكة مقامع من حديد يضربون بها الكفار فتلتهب النار في جراحاتهم فذلك قوله تعالى ذوقوا عذاب الحريق و قال ابن عباس يقولون لهم ذلك بعد الموت و جواب لو محذوف يعنى لرايت امرا فزيعا مهولا. ٥١ ذلِكَ الذي وقع لكم في الدنيا و الاخرة كائن بِما اى بسبب ما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ اى كسبتم من الكفر و المعاصي عبر باليدين لان عامة الافعال يزاول بهما وَ أَنَّ اللّه لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (٥١) عطف على ما كسبت للدلالة على ان سببية مقيدة بانضمامه اليه إذ لولاه لامكن ان يعذبهم بغير ذنوبهم لا ان لا يعذبهم بذنوبهم فان ترك التعذيب من مستحقه ليس بظلم شرعا و لا عقلا بل هو رحمة و مغفرة فلا ينتهض نفي الظلم سببا للتعذيب و ظلام للتكثير لاجل العبيد و هذا بقية كلام الملئكة للكفار. ٥٢ كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ خبر مبتدأ محذوف يعنى دآب هؤلاء الكفار يعنى عملهم و طريقهم الذي دابوا فيه اى داموا عليه كدأب ال فرعون وَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قوم نوح و عاد و ثمود و غيرهم كَفَرُوا بِآياتِ اللّه تفسير لدابهم فَأَخَذَهُمُ اللّه بالعذاب بِذُنُوبِهِمْ كما أخذ هؤلاء إِنَّ اللّه قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ (٥٢) لا يغلبه شى ء و لا يدفع عذابه شي ء. ٥٣ ذلِكَ الذي حل بهم بِأَنَّ اى بسبب ان اللّه لَمْ يَكُ أصله يكون حذف الحركة للجزم ثم الواو لالتقاء الساكنين ثم النون لشبهه بالحروف اللينة تخفيفا مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ مبدلا إياها بالنعمة كما بدل نعمته باهل مكة من الا من و الرزق و العزة و كف اصحاب الفيل عنهم بالقتل و الاسر يوم بدر حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ اى يبدلوا ما بهم من حال الى حال أسوأ منه كتغير قريش حالهم من اتباع دين إسماعيل و ملة ابراهيم و صلة الرحم و سدانة البيت و اطعام الضيف و سقاية الحاج بمعاداة الرسول صلى اللّه عليه و اله و سلم من معه و صدهم عن المسجد الحرام و الهدى معكوفا ان يبلغ محله و السعى في اراقة دماء من قال لا اله الا اللّه و التكذيب بالآيات و الاستهزاء بها الى غير ذلك مما أحدثوه بعد البعثة قال اصحاب التاريخ ان كلاب بن مرة ابن كعب بن لوى جد عبد مناف جد جد رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم و من قبل كلاب كانوا على دين اسمعيل عليه السلام كابرا عن كابر و كان كل واحد منه و من ابائه وصيا لابيه قائما مقامه في الرياسة بالوصية عن أبيه و موسوما بالخير و الجود و ما ظهرت عبادة الأصنام و تبديل دين ابراهيم عليه السلام في أولاد اسمعيل الا في زمن قصى بن كلاب و كان كعب بن لوى أول من جمع العروبة و كانت تجمع اليه قريش في هذا اليوم فيخطبهم و يذكرهم بمبعث النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم و يعلمهم بانه ولده و يأمرهم باتباعه و الايمان به و ينشد أبياتا منها قوله يا ليتنى شاهدا فحواى دعوته إذا قريش يبغى الحق خذلانا و كان قصى يصنع طعاما كثيرا للحاج ايام منى و عرفات و هذه هى الرمادة و يصنع حياضا من آدم فيسقى فيها من المياه التي بمكة و منى و عرفات و يقال لها السقاية يجرى ذلك بامره في الجاهلية حتى قام الإسلام ثم جرى في الإسلام على ذلك و أحدث قصى وقود النار بالمزدلفة حتى يريها من دفع من عرفة و لا يضل الطريق و لم يزل ذلك الوقود و كانت النار توقد بالمزدلفة على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم و ابى بكر و عمر و عثمان و أول من غير دين اسمعيل و عبد الأصنام و سيب السوائب عمرو بن لحى الخزاعي قال السدى نعمة اللّه محمد صلى اللّه عليه و اله و سلم أنعم اللّه تعالى على قريش و اهل مكة فكذبوه و كفروا به فنقله اللّه الى الأنصار و قيل لم يكن لاهل مكة و ال فرعون حالة مرضية لكنهم تغيروا الحال المسخوطة الى أسخط منها فانهم كانوا قبل البعثة كفرة عبدة الأصنام و بعد البعثة كذبوا الرسول وسعوا في قتله و صدوا عن سبيل اللّه فغيروا حالهم الى أسوأ مما كانوا عليه فغير اللّه نعمة الامهال بتعجيل العذاب في الدنيا و ليس السبب عدم تغيّر اللّه ما أنعم عليهم حتى يغيروا حالهم بل ما هو المفهوم له و هو جرى عادة اللّه على تغييره نعمائه بالنقمات إذا غيروا حالهم وَ أَنَّ اللّه سَمِيعٌ لما يقولون عَلِيمٌ (٥٣) بما يفعلون. ٥٤ كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ فيه زيادة دلالة على كفران النعم و جحود الحق فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ أهلكنا بعضهم بالغرق و بعضهم بالرجفة و بعضهم بالخسف و بعضهم بالمسخ و بعضهم بالريح وَ أَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ كذلك أهلكنا كفار بدر بالسيف لما كذبوا بايات ربهم و كرر اللّه سبحانه قوله كداب ال فرعون إلخ للتاكيد و قيل الاول بسببية الكفر و الاخذ به و الثاني بسببية التغير في النعمة بسبب تغيرهم ما بانفسهم او لان الاول الاخذ بالذنوب بلا بيان و هاهنا بين انه الهلاك و الاستيصال و وَ كُلٌّ من الأولين و الآخرين كانُوا ظالِمِينَ (٥٤) أنفسهم بالكفر و المعاصي. ٥٥ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللّه الَّذِينَ كَفَرُوا أصروا على الكفر و رسخوا فيه فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٥٥) احترز به عن الذين كفروا ثم أمنوا و حسن إسلامهم او هو اخبار عن قوم طبعوا على الكفر بانهم لا يؤمنون و الفاء للعطف و التنبيه على ان تحقق المعطوف عليه يستدعى تحقق المعطوف يعنى الذين كفروا و استقر في علم اللّه تعالى كفرهم فهم لا يومنون و هذا عام يشتمل كل من يموت على الكفر و اخرج ابو الشيخ عن سعيد بن جبير قال نزلت ان شر الدواب عند اللّه الذين كفروا الآية في ستة رهط من اليهود فيهم ابن التابوت و قوله تعالى. ٥٦ الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ بدل من الذين كفروا اما بدل البعض للتخصيص بذمهم و اما بدل الكل على رواية سعيد بن جبير و المعنى عاهدتهم و كلمة من لتضمن المعاهدة معنى الاخذ يعنى أخذت منهم العهد ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ عاهدتهم و هم بنو قريظة كتب رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم كتابا بين المهاجرين و الأنصار و وادع فيه يهود و عاهدهم و اشترط لهم و عليهم و اقرهم على دينهم و أموالهم لما امتنعوا عن الإسلام كذا قال ابن إسحاق و ذكر نسخة الكتاب نحو ورقتين ثم هم نقضوا العهد الذي كان بينهم و بين رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم و أعانوا المشركين بالسلاح على قتال النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم و أصحابه ثم قالوا نسينا و اخطأنا فعاهدهم ثانيا فنقضوا العهد و مال الكفار على رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم يوم الخندق و ركب كعب بن الأشرف الى مكة فوافقهم على مخالفة رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم وَ هُمْ لا يَتَّقُونَ (٥٦) اللّه حيث يكفرون برسوله بعد ما عرفوه كما يعرفون أبناءهم و ينقضون العهود منه كل مرة روى عبد بن حميد و ابن جرير و ابو نعيم انه قال لليهود معاذ بن جبل و بشر بن البرام و داود بن سلمة يا معشر يهود اتقوا اللّه و اسلموا فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد و نحن اهل الشرك و تخبرون انه مبعوث و تصفون بصفته جعلهم اللّه تعالى شر الدواب لان شر الناس بل شر الخلائق الكفار و شر الكفار المصرون و شر المصرون الناكثون العهود فهم شر الدواب. ٥٧ فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ تدركنهم فِي الْحَرْبِ ناسرتهم فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ اصل التشريد التفريق على اضطراب قال ابن عباس معناه فنكل بهم من ورائهم يعنى افعل بهؤلاء الذين نقضوا عهدك فعلا من القتل و التنكيل تفرق منك و يخافك من خلفهم من اهل مكة و اليمن يقال شردت بفلان اى فعلت به فعلا شرد غيره ان يفعل فعله و من هاهنا لما أمكن اللّه تعالى رسوله صلى اللّه عليه و اله و سلم على بنى قريظه قتل رجالهم كل من أنبت و سبى نسائهم و ذراريهم و قسم أموالهم روى الطبراني عن اسلم الأنصاري قال جعلنى رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم على أسارى بنى قريظة فكنت انظر الى فرج الغلام فان رايته أنبت ضربت عنقه لَعَلَّهُمْ اى لعل من خلفهم يَذَّكَّرُونَ (٥٧) يتذكرون و يتعظون فلا ينقضون العهد. ٥٨ وَ إِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ معاهدين خِيانَةً اى نقض عهد يظهر لك منهم اثار الغدر فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ اى اطرح إليهم عهدهم عَلى سَواءٍ اى على عدل و طريق قصد او على سواء منك و هم في العلم بنقض العهد يعنى أعلمهم قبل الحرب انك قد فسخت العهد بينك و بينهم حتى لا يكون خيانة منك روى ابو الشيخ عن ابن شهاب قال دخل جبرئيل على رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم فقال قد وضعت السلاح و ما زلنا في طلب القوم فاخرج فان اللّه قد اذن لك في قريظة و انزل فيهم و اما تخافن من قوم خيانة الاية قلت و ذلك بعد غزوة الأحزاب و قال الحافظ محمد يوسف الصالحي في سبيل الرشاد كانت قينقاع أول يهود نقضوا العهد و أظهروا البغي و الحسد و قطعوا ما كان بينهم و بين رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم من العهد فبينما هم على ما هم من اظهار العداوة و نبذ العهد قدمت امرأة من العرب يجلب لها قناعها بسوق بنى قينقاع و جلست الى صائغ بها لحلى فجعلوا يريدونها على كشف وجهها فلم تفعل فعمد الصائغ الى طرف ثوبها من ورائها فخله بشوكة و هى لا تشعر فلما قامت بدت عورتها فضحكوا منها فصاحت فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله و كان يهوديا و شدت اليهود على المسلم فقتلوه و نبذوا العهد و استصرخ اهل المسلم المسلمين على اليهود و غضب المسلمون فوقع الشر بينهم و بين بنى قينقاع و انزل اللّه سبحانه و اما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء ان اللّه لا يحب الخائنين فقال صلى اللّه عليه و اله و سلم انما أخاف من بنى قينقاع فسار إليهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم بهذه الاية و حمل لواه حمزة بن عبد المطلب و استخلف على المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر فتحصنوا في حصنهم فحاصرهم أشد الحصار خمسة عشر ليلة حتى قذف اللّه في قلوبهم الرعب فنزلوا على حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم على ان لرسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم أموالهم و ان لهم النساء و الذرية و أمرهم ان يجلوا من المدينة فخرجوا بعد ثلث فاخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم صفيه و الخمس و قسم اربعة أخماسه على أصحابه و كان أول خمس بعد بدر إِنَّ اللّه لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ (٥٩) روى البغوي بسنده عن رجل من حمير قال كان بين معاوية و بين الروم عهد و كان يسير نحو بلادهم حتى إذا انقضى العهد غزاهم فجاء رجل على فرس و هو يقول اللّه اكبر اللّه اكبر وفاء لا غدر فاذا عمرو بن عنبسة فارسل اليه معاوية فسأله فقال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم يقول من كان بينه و بين قوم عهد فلا يشدّ عقده و لا يحلها حتى ينقضى أمدها او ينبذ إليهم عهدهم على سواء فرجع معاوية. ٥٩ وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا قرأ حفص و ابن عامر و حمزة لا يحسبن بالياء التحتانية على ان الفاعل الموصول و المفعول الاول أنفسهم فحذف للتكرار أو الفاعل ضمير من خلفهم و قرا الباقون بالتاء الفوقانية على الخطاب و مفعولاه الذين كفروا سبقوا يعنى لا تحسبنهم سابقين فائتين من عذابنا قال البغوي نزلت الاية في الذين انهزموا يوم بدر من المشركين إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ (٥٩) قرا ابن عامر بفتح الالف و المعنى لانهم لا يعجزون و قيل لا زائدة و المعنى لا يحسبن الذين كفروا انهم يعجزون و سبقوا حينئذ حال بمعنى سابقين اى مفلتين و قرا الجمهور بكسر الالف على الابتداء. ٦٠ وَ أَعِدُّوا ايها المؤمنون لَهُمْ اى لنا قضى العهد او للكفار مَا اسْتَطَعْتُمْ إعدادها و الاعداد اتخاذ الشي ء لوقت الحاجة مِنْ قُوَّةٍ اى أسباب و آلات و اعمال يقويكم على حربهم من الخيل و السلاح و المصارعة و نحو ذلك و اللّهو بالرمي و البندقة و غير ذلك و منه جمع المال عدة للجهاد و قيل هى الحصون عن عقبة بن عامر يقول سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم و هو على المنبر يقول واعدوا لهم ما استطعتم من قوة الا ان القوة الرمي الا ان القوة الرمي الا ان القوة الرمي رواه مسلم و عنه قال ستفتح عليكم الروم و يكفيكم اللّه فلا يعجز أحدكم ان يلهو باسهمه رواه مسلم و عن ابى نجيح السلمى قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم يقول من بلغ بسهم في سبيل اللّه فهو له درجة في الجنة و من رمى بسهم في سبيل اللّه فهو له عدل محرر رواه النسائي و روى ابو داود الفصل الاول و روى الترمذي الفصل الثاني و زاد من شاب شيبة في سبيل اللّه كانت له نورا يوم القيامة و روى البيهقي في شعب الايمان الفصول الثلاثة غير انه قال من شاب شيبة في الإسلام كانت له نورا يوم القيامة و عن عقبة بن عامر قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم يقول من علم الرمي ثم تركها فليس منا او قد عصى رواه مسلم و عن ابى أسيد قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم يوم بدر حين صففنا لقريش و صفوا لنا إذا أكثبوكم فعليكم بالنبل رواه البخاري و عن عقبة بن عامر الجهني قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم يقول ان اللّه تعالى يدخل بالسهم الواحد ثلثة نفر في الجنة صانعه يحتسب في صنعته الخير و الرامي به و منبله فارموا و اركبوا و ان ترموا أحب الى من ان تركبوا كل شي ء يلهو به الرجل باطل إلا رميه بقوسه و تأديبه بفرسه و ملاعبته امرأته فانهن من الحق رواه الترمذي و ابن ماجة و زاد ابو داود و الدارمي و من ترك الرمي بعد ما علمه رغبة عنه فانه نعمة تركها او قال كفرها و في رواية للبغوى ان اللّه يدخل بالسهم الواحد الجنة ثلثة صانعه و الممد به و الرامي به في سبيل اللّه وَ مِنْ رِباطِ الْخَيْلِ يعنى ربط الخيل و اقتناءها للغزو فهو مصدر سمى به قال البيضاوي هو اسم للخيل الذي يربط في سبيل اللّه مصدر سمى به يقال ربط ربطا و رباطا و رابط مرابطة و رباطا او فعال بمعنى مفعول او جمع ربيط كفصيل و فصال و عطفها على القوة كعطف جبرئيل و ميكائيل على الملئكة عن انس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم البركة في نواصى الخيل متفق عليه و عن جرير بن عبد اللّه قال رايت رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم يلوى ناصية فرس بإصبعه و هو يقول الخيل معقود في نواصيها الخير الى يوم القيامة الاجر و الغنيمة رواه مسلم و رواه البغوي من طريق البخاري من حديث عروة البارقي و عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم من احتبس فرسا في سبيل اللّه ايمانا باللّه و تصديقا بوعده فان شبعه و ريه و روثه و بوله في ميزانه يوم القيامة رواه البخاري و عن ابى هريرة ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم قال الخيل ثلثة هى لرجل وزر و لرجل ستر و لرجل اجر فأما التي هى له وزر فرجل ربطها رياء و فخر او نواء على اهل الإسلام فهى له وزر و أما التي هى له ستر فرجل ربطها في سبيل اللّه ثم لم ينس حق اللّه في ظهورها و لا في رقابها فهى له ستر و اما التي هى له اجر فرجل ربطها في سبيل اللّه لاهل الإسلام في مرج «١» و روضة فما أكلت من ذلك المرج او الروضة من شي ء الا كتب له عدد ما أكلت حسنات و كتب له عدد أرواثها و أبوالها حسنات و لا يقطع طولها «٢» فاستنت «٣» شرفا او شرفين الا كتب له عدد اثارها و أرواثها حسنات و لا مر بها صاحبها على هر فشربت منه و يريد ان يسقيها الا كتب اللّه له عدد ما شربت حسنات رواه مسلم و في رواية بلغوى في (١) المرج الأرض الواسعة ذات نبات كثير تمرج فيه الدواب اى يخلى تسرح مختلطة و اصل المرج الاختلاط ١٢ نهاية. (٢) الطول الحبل الطويل يشد أحد طرفيه في الوتد او غيره و الطرف الاخر في يد الفرس ليدور فيه و يرعى و لا يذهب بوجهه ١٢. (٣) أسنتت شرفا او شرفين اى عدت شوطا او شوطين و اشرف العلو و إمكان المرتفع ١٢. الصنف الثاني رجل ربطها تغنيا و تعففا و لم ينس حق اللّه في رقابها و لا ظهورها فهى لذلك ستر و عن ابى وهب الجشمي قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم ارتبطوا الخيل و امسحوا لنواصيها و اعجازها او قال اكفالها و قلدوها و لا تقلدوها الأوتار رواه ابو داود و النسائي تُرْهِبُونَ بِهِ اى تخوفون به و عن يعقوب ترهبون بالتشديد و الضمير لما استطعتم او للاعداد عَدُوَّ اللّه وَ عَدُوَّكُمْ الاضافة للعهد يعنى كفار مكة وَ آخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ اى من غير اهل مكة من الكفار و قال مجاهد و مقاتل هم بنو قريظة و قال السدى هم اهل فارس و قال ابن زيد و الحسن هم المنافقون لا تَعْلَمُونَهُمُ لانهم معكم يقولون لا اله الا اللّه و قيل هم كفار الجن أخرجه ابو الشيخ من طريق ابى المهدى عن أبيه عن جده عن النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم و اخرج الطبراني مثله من حديث يزيد بن عبد اللّه بن غريب عن أبيه عن جده مرفوعا اللّه يَعْلَمُهُمْ وَ ما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْ ءٍ فِي سَبِيلِ اللّه في الجهاد يُوَفَّ إِلَيْكُمْ يوفر لكم جزاؤه وَ أَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (٦٠) لا ينقص أجوركم عن زيد بن خالد ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم قال من جهز غازيا فقد غزا و من خلف في اهله فقد غزا متفق عليه و عن ابى مسعود الأنصاري قال جاء رجل بناقة مخطومة فقال هذه في سبيل اللّه فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم لك بها يوم القيمة سبعمائة ناقة كلها مخطومة رواه مسلم و عن انس عن النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم قال جاهدوا المشركين باموالكم و أنفسكم و السنتكم رواه ابو داود و النسائي و الدارمي و عن خزيم بن فاتك قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم من أنفق في سبيل اللّه كتب له بسبعمائة ضعف رواه الترمذي و النسائي و عن عبد اللّه بن عمرو ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم قال للغازى اجره و للجاعل اجره و اجر الغازي رواه ابو داود و عن علىّ و ابى الدرداء و ابى هريرة و ابى امامة و عبد اللّه بن عمرو و جابر ابن عبد اللّه و عمران بن حصين رضى اللّه عنهم أجمعين كلهم يحدث عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم انه قال من أرسل نفقة في سبيل اللّه و اقام في بيته فله بكل درهم سبعمائة دراهم و من غزا بنفسه في سبيل اللّه و أنفق في وجهه فله بكل درهم سبعمائة الف درهم ثم تلا هذه الاية وَ اللّه يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ رواه ابن ماجة و عن عبد الرحمن ابن حباب قال شهدت النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم و هو يحث على جيش العسرة فقام عثمان فقال يا رسول اللّه علىّ مائة بعير باحلاسها «١» و أقتابها «٢» في سبيل اللّه ثم حضّ على الجيش فقال (١) يعنى الاكسية التي تلى ظهر البعير ١٢. (٢) القتب للجمل كالاكاف لغيره ١٢-. عثمان فقال علىّ مأتا بعير باحلاسها و أقتابها في سبيل اللّه فانا رايت رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم ينزل عن المنبر و هو يقول ما على عثمان ما عمل بعد هذا ما على عثمان ما عمل بعد هذا رواه الترمذي و عن عبد الرحمن بن سمرة قال جاء عثمان الى النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم بألف دينار في كمه حين جهز جيش العسرة نشرها في حجره فرأيت النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم يقلبها في حجره و يقول ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم مرتين رواه احمد. ٦١ وَ إِنْ جَنَحُوا اى مالوا يعنى الكفار و منه الجناح و يعدى باللام و الى لِلسَّلْمِ اى للصلح قرا ابو بكر بكسر السين و الباقون بالفتح فَاجْنَحْ لَها اى مل إليها و عاهد معهم و تأنيث الضمير لحمل السلم على نقيضه و هى الحرب قال الحسن و قتادة هذه الاية منسوخة بقوله تعالى اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم و قال البيضاوي الاية مخصوصة باهل الكتاب لا تصالها بقصتهم قلت لا وجه لتخصيصها باهل الكتاب و لا بالقول بكونها منسوخة بل الأمر للاباحة و الصلح جائز مشروع ان رائ الامام فيه مصلحة و قوله تعالى فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ ليس على عمومه بل خص منه اهل الذمة وَ تَوَكَّلْ عَلَى اللّه اى ثق به و لا تخف من ابطانهم خداعا فيه فان اللّه يعصم من يتوكل عليه من مكر الأعداء و يحيفه بهم إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ لاقوالهم الْعَلِيمُ (٦١) بنياتهم. ٦٢ وَ إِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ بالصلح ليستعدوا لك او يغدروا او يمكروا بك في الصلح فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّه فحسبك اللّه و كافيك لدفع خداعهم هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَ بِالْمُؤْمِنِينَ (٦٢) جميعا. ٦٣ وَ أَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ بعد ما كان بين جماعة منهم اعنى الأوس و الخزرج من العداوة و الضغينة و الشر و الفساد كما ذكرنا في سورة ال عمران في تفسير قوله تعالى إذ كنتم اعداء فالف بين قلوبكم فاصبحتم بنعمته إخوانا لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ يعنى كانت العداوة بينهم بمرتبة لو أنفق منفق في إصلاح ذات بينهم ما في الأرض جميعا من الأموال لم يقدر على الالفة و الإصلاح وَ لكِنَّ اللّه أَلَّفَ بَيْنَهُمْ بقدرته البالغة فان القلوب كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء إِنَّهُ عَزِيزٌ تام القدرة و الغلبة لا يمكن تخلف مراده حَكِيمٌ (٦٣) يعلم انه كيف ينبغى ان يفعل ما يريده. ٦٤ يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّه كافيك وَ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٦٣) قال اكثر المفسرين محله الجر عطف على الكاف على مذهب الكوفيين او النصب على انه المفعول معه كقول الشاعر حسبك و الضحاك سيف مهند و المعنى حسبك و حسب من اتبعك اللّه و هذا بعيد لفظا قريب معنى و قال بعض المفسرين محله الرفع عطفا على اسم اللّه تعالى يعنى حسبك اللّه و متبعوك من المؤمنين و هذا قريب لفظا بعيد معنى لكن يؤيده ما رواه ابن ابى حاتم بسند صحيح عن سعيد قال لما اسلم مع النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم ثلث و ثلثون رجلا و ست نسوة ثم اسلم عمر نزلت هذه الاية و اخرج ابو الشيخ عن سعيد بن المسيب قال لما اسلم عمر انزل اللّه في إسلامه حسبك اللّه الآية و اخرج الطبراني و غيره من طريق سعيد ابن جبير عن ابن عباس قال اسلم مع النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم تسع و ثلثون رجلا و امرأة ثم ان عمر اسلم فصاروا أربعين فنزل يايها النبي حسبك اللّه الاية و روى البزار بسند ضعيف من طريق عكرمة عن ابن عباس قال لما اسلم عمر قال المشركون قد انتصف القوم منا اليوم و انزل اللّه هذه الاية هذه الأحاديث تدل على ان الاية مكية و سياق الكلام يقتضى كونها مدنية فان السورة نزلت بعد غزوة بدر. ٦٥ يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ اى بالغ في حثهم عليه و اصل الحرض ان ينهكه المرض حتى يشرفه على الهلاك كان المبالغ في الحث على الأمر يجعل المأمور عاجزا مضطرا الى فعله كما يجعل المرض عاجزا مضطرا الى الهلاك إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ رجلا صابِرُونَ على القتال محتسبون يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ من عدوهم و يقهروهم وَ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ قرأ ابو عمرو و الكوفيون بالياء التحتانية و الباقون بالتاء الفوقانية مِائَةٌ صابرة محتسبة يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (٦٥) يعنى ان المشركين يقاتلون على غير احتساب و طلب ثواب جاهلين باللّه و اليوم الاخر فلا يثبتون إذا اصبرتم على القتال لطلب الثواب و الدرجات العلى فانهم يخافون الموت و هذا خبر بمعنى الأمر بمصابرة الواحد في مقابلة العشرة و وعد بانهم ان صبروا غلبوا بعون اللّه و تائيده و كان هذا يوم بدر فرض اللّه تعالى على رجل واحد قتال عشرة من الكفار اخرج إسحاق ابن راهويه في مسنده عن ابن عباس قال لما افترض اللّه عليهم ان يقاتل الواحد عشرة ثقل ذلك عليهم و شق فوضع اللّه عنهم و انزل. ٦٦ الْآنَ خَفَّفَ اللّه عَنْكُمْ وَ عَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً في البدن و قيل في البصيرة و كانوا متفاوتين فيها قرا عاصم و حمزة بفتح الضاد و الباقون بالضم و هما لغتان و قرا ابو جعفر ضعفاء بفتح العين و المد و الباقون بسكون العين فَإِنْ يَكُنْ قرأ الكوفيون بالياء التحتانية و الباقون بالتاء الفوقانية مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ من الكفار وَ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ صابرة يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّه اى بإرادته فرد الأمر من العشرة الى اثنين فان كان المسلمون على الشطر من عدوهم لا يجوز لهم الفرار و قال سفيان قال شيرمة و ارى الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر مثل هذا قيل كان فيهم قلة فامروا بقتال واحد مع العشرة ثم لما كثروا خفف اللّه عنهم و تكريرا لمعنى الواحد بذكر الاعداد المتناسبة للدلالة على ان حكم القليل و الكثير واحد وَ اللّه مَعَ الصَّابِرِينَ (٦٦) بالنصر و المعونة فكيف لا يغلبون و لم لا يصبرون روى احمد عن انس و ابن مردويه عن ابى هريرة و ابن ابى شيبة و احمد و الترمذي و حسنه و ابن المنذر و الطبراني و غيرهم عن ابن مسعود و ابن مردويه عن ابن عباس و ابن المنذر و ابو الشيخ و ابن مردويه و ابو نعيم عن ابن عمرانه لما كان يوم بدر جي ء بالأسرى و فيهم العباس رضى اللّه عنه اسره رجل من الأنصار و قد وعدته الأنصار ان يقتلوه فبلغ ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم لم أنم الليلة من أجل عمى العباس و قد زعمت الأنصار انهم قاتلوه فقال له عمر رضى اللّه عنه فأتيهم قال نعم فاتى عمر الأنصار فقال لهم أرسلوا العباس فقالوا و اللّه لا نرسله فقال لهم عمر فكان لرسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم رضا قالوا فانكان لرسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم رضا فخذوه فاخذه عمر فلما صار عباس في يده قال له يا عباس اسلم فو اللّه لئن تسلم أحب الىّ من ان يسلم الخطاب و ما ذاك الا لما رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم يعجبه إسلامك و روى البخاري و البيهقي عن انس بن مالك ان رجالا من الأنصار استأذنوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم فقالوا يا رسول اللّه ائذن لنا فلنترك لابن أختنا عباس فداءه قال لا و اللّه لا تذرن درهما فاستشار رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم فقال ما تقولون في هؤلاء الأسرى ان اللّه قد مكنكم منهم و انما هم إخوانكم فقال ابو بكر يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم أهلك و قومك قد اعطاك اللّه الظفر و نصرك عليهم هولاء بنو العم و العشيرة و الاخوان استبقهم و انى ارى ان تأخذ الفداء منهم فيكون ما أخذنا منهم قوة لنا على الكفار و عسى ان يهديهم بك فيكونوا لك عضداء فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم ما تقول يا ابن الخطاب قال يا رسول اللّه قد كذبوك و أخرجوك و قاتلوك ما ارى ما رأى ابو بكر و لكنى ارى ان تمكننى من فلان قريب لعمر فاضرب عنقه حتى يعلم اللّه انه ليست في قلوبنا مودة للمشركين هؤلاء صناديد قريش و أئمتهم و قادتهم فاضرب أعناقهم و قال عبد اللّه ابن رواحة يا رسول اللّه انظروا ديا كثير الحطب فاضرمه عليهم نارا فقال العباس و هو يسمع ما يقول قطعت رحمك فدخل رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم البيت فقال ناس يأخذ بقول ابى بكر و قال ناس يأخذ بقول عمرو قال ناس يأخذ بقول عبد اللّه بن رواحة ثم خرج فقال ان اللّه تعالى ليلين قلوب أقوام حتى تكون ألين من اللبن و ان اللّه ليشدد قلوب أقوام حتى تكون أشد من الحجارة مثلك يا أبا بكر في الملئكة مثل ميكائيل ينزل بالرحمة و مثلك في الأنبياء مثل ابراهيم قال من اتبعنى فانه منى و من عصانى فانك غفور رحيم و مثلك يا أبا بكر مثل عيسى بن مريم إذ قال ان تعذبهم فانهم عبادك و ان تغفر لهم فانك أنت العزيز الحكيم و مثلك يا عمر في الملئكة مثل جبرئيل ينزل بالشدة و البأس و النقمة على اعداء اللّه و مثلك في الأنبياء مثل نوح إذ قال رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا و مثلك في الأنبياء مثل موسى إذ قال ربّنا اطمس على أموالهم و اشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يرووا العذاب الأليم لو انفقتما ما خالفتكما أنتم عالة فلا يفلتن منهم أحد الا بفداء و بضرب عنق فقال عبد اللّه بن مسعود يا رسول اللّه الا سهل بن بيضاء فانه سمعته يذكر الإسلام فسكت رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم قال فما رأيتنى في يوم أخاف ان يقع على الحجارة من السماء منى في ذلك اليوم حتى قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم الا سهل بن بيضاء فلما كان الغد غدا عمر الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم فاذا رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم و ابو بكر يبكيان فقال يا رسول اللّه ما يبكيكما فان وجدت بكاء بكيت و الا تباكيت لبكائكما فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم إن كان يصبنا في خلاف ابن الخطاب عذاب اليم و لو نزل العذاب ما أفلت منه الا ابن الخطاب لقد عرض علىّ عذابكم ادلى من هذه الشجرة لشجرة قريبة منه فانزل اللّه تعالى. ٦٧ ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ «١» قرا ابو جعفر و ابو عمرو بالتاء الفوقانية و الباقون بالياء التحتانية لَهُ أَسْرى كذا قرا الجمهور و قرا ابو جعفر أسارى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ اى يكثر القتل و يوهن الكفار و يذل الكفر من أثخنه المرض أثقله فالمفعول محذوف اى يثخن الأسرى في الأرض قال في القاموس أثخن فلانا اى اى أوهنه و أثخن في العدو اى بالغ بالجراحة فيهم تُرِيدُونَ ايها المؤمنون عَرَضَ الدُّنْيا حطامها بأخذ الفداء وَ اللّه يُرِيدُ لكم ثواب الْآخِرَةَ بقتل المشركين و نصركم دين اللّه وَ اللّه عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٧) قال ابن عباس كان هذا يوم بدر و المسلمون يومئذ قليل فلما كثروا و اشتد سلطانهم نسخ اللّه تعالى هذا الحكم بقوله فاما منا بعد و اما فدآء فجعل لنبيه صلى اللّه عليه و اله و سلم و المؤمنين في امر الأسارى خيار ان شاؤا قتلوهم و ان شاؤا استعبدوهم و ان شاؤا أفادوهم و ان شاؤا اعتقوهم. (١) قال القاضي ابو الفضل العياض رحمه اللّه في الشفاء ليس في قوله تعالى ما كان للنبى ان يكون له اسرى الا الزام ذنب النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم بل فيه بيان ما خص به و فضل من سائر الأنبياء فكانه هذا النبي غيرك كما قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم أحلت لى الغنائم و لم يحل لنبى قبلى قال القاضي ابو الفضل عياض رحمه اللّه خطاب لمن أراد ذلك منهم و تجرد غرضه الغرض الحيوة الدنيا و لاستكثار منها و ليس المراد بهذا النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و لا عامة أصحابه بل قد روى عن الضحاك انهما نزلت حين انهزم المشركون يوم يدر و اشتغل الناس بالسلم و جمع الغنائم عن القتل حتى خشى عمر ان يعطف عليهم العدو. ١٢. (مسئلة) اجمع العلماء على انه يجوز للامام في الأسارى القتل كما يدل عليه هذه الاية و كما فعل رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم ببني قريظة و قد قتل رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم صبرا النضر بن الحارث و طعيمة بن عدىّ و عقبة بن ابى معيط قال في سبيل الرشاد قال عقبة بن ابى معيط يا محمد من للصبية قال النار قتله ابن ابى الأفلح في قول ابن إسحاق و قال ابن هشام قتله على بن ابى طالب. (مسئلة) و يجوز استرقاق الأسارى ايضا اجماعا لان فيه دفع شرهم مع وفور المصلحة لاهل الإسلام و من هاهنا قال ابو حنيفة ليس لواحد من الغزاة ان يقتل أسيرا بنفسه لان الرأي فيه الى الامام و لكن لا يضمن بقتله شيئا. (مسئلة) و اختلف العلماء في المنّ على الأسارى يعنى إطلاقهم الى دار الحرب من غير شي ء و في الفداء بالمال و في الفداء بأسير مسلم و في تركهم ذمة لنا فقال مالك و الشافعي و احمد و الثوري و إسحاق و به قال الحسن و عطاء يجوز المنّ و الفداء بالمال و بالأسارى و قال ابو حنيفة و ابو يوسف و محمد و الأوزاعي و به قال قتادة و الضحاك و السدى و ابن جريج لا يجوز المنّ أصلا و كذا الفداء بالمال لا يجوز على المشهور من مذهب أبي حنيفة و صاحبيه و في السير الكبير انه لا بأس به إذا كان بالمسلمين حاجة و كذا المفادة بالأسارى لا يجوز على رواية من أبي حنيفة و به قال صاحب القدورى و الهداية و اظهر الروايتين عنه ما قال صاحبا لا انه يجوز المفاداة بالأسارى و اما تركهم أحرارا في دار الإسلام ذمة لنا فاجازه ابو حنيفة و مالك محتجين بما فعل عمر باهل العراق و الشام و قال الشافعي و احمد لا يجوز ذلك لانهم ملكوا وجه قول أبي حنيفة في عدم المنّ و الفداء ان ردهم الى دار الحرب اعانة للكفار فانهم يعودون حربا علينا فلا يجوز بالمال و لا بالأسير المسلم لان الأسير المسلم إذا بقي في أيديهم كان في حقه ابتلاء من اللّه تعالى غير مضاف إلينا و الاعانة بدفع أسيرهم مضاف إلينا و وجه قوله الجمهور قول تعالى فاما منا بعد و اما فداء قال ابو حنيفة هذه الاية منسوخة بقوله تعالى فاما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم و قوله تعالى اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم و عند الجمهور قوله تعالى فاما منا بعد و اما فداء غير منسوخ لما ذكرنا من قول ابن عباس انه لما كثر المسلمون و اشتد سلطانهم انزل اللّه تعالى فاما منا بعد الاية و قوله تعالى اقتلوا المشركين المراد به غير الأسارى للاجماع على جواز استرقاقهم و قد قال ابو حنيفة يجوز تركهم ذمة لنا اخرج مسلم في صحيحه و ابو داود و الترمذي عن عمران بن حصين ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم فدى رجلين من المسلمين برجل من المشركين و اخرج احمد و مسلم و اصحاب السنن الاربعة عن سلمة بن الأكوع قال غزونا فزارة مع ابى بكر امرّه علينا رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم فلما كان بيننا و بين الماء ساعة أمرنا ابو بكر فعرسنا ثم شن الغارة فورد الماء فقتل من قتل عليه فانظر الى عنق من الناس فيهم الذراري فخشيت ان ... يسبقونى الى الجبل فرميت بسهم بينهم و بين الجبل فلما راوا السهم وقفوا فجئت بهم اسوقهم و فيهم امرأة من بنى فزارة عليها قشع من آدم معها ابنة لها من احسن العرب فسقتهم حتى أتيت بهم أبا بكر فنفلنى ابنتها فقدمنا المدينة ما كشفت لها ثوبا فلقينى رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم في السوق فقال يا سلمة هب لى المرأة فقلت يا رسول اللّه قد أعجبتني و ما كشفت لها ثوبا فسكت حتى إذا كان من الغد لقينى رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم في السوق فقال يا سلمة هب المرأة للّه أبوك فقلت هى لك يا رسول اللّه و اللّه ما كشفت لها ثوبا فبعث بها رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم ففدى بها ناسا من المسلمين كانوا أسروا بمكة و روى ابن إسحاق بسنده و ابو داود من طريقه الى عائشة قالت لما بعث اهل مكة في فدآء أساراهم بعث زينب بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم في فداء ابى العاص بمال و بعثت فيه بقلادة كانت خديجة رضى اللّه عنها أدخلتها بها على ابى العاص حين بنى عليها فلما رأى النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم ذلك رق لها رقة شديدة و قال لاصحابه ان رأيتم ان تطلقوا لها أسيرها و تردوا الذي لها فافعلوا ففعلوا و رواه الحاكم و صححه و زاد و كان النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم قد أخذ عليها ان يخلى زينب اليه ففعل و ذكر ابن إسحاق ان ممن منّ عليه رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم المطلب بن حنطب اسره ابو أيوب الأنصاري فخلى سبيله و ابو عزة الجمحي كان محتاجا ذا بنات فكلم رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم فمن عليه و أخذ عليه ان لا يظاهر عليه أحدا و امتدح رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم بأبيات ثم قدم مع المشركين في أحد فاسر فقال يا رسول اللّه أقلني فقال عليه السلام لا تمسح عارضيك بمكة بعدها تقول خدعت محمدا مرتين ثم امر بضرب عنقه و ذكر في سبيل الرشاد جعل رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم يوم بدر فدأ الرجل اربعة آلاف الى ثلثة آلاف الى الفين الى الف و منهم من منّ عليه لانه لا مال له و في صحيح البخاري قوله صلى اللّه عليه و اله و سلم في أسارى بدر لو كان المطعم بن عدى حيا ثم كلمنى في هولاء لتركتهم له و عن ابى هريرة قال بعث النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم خيلا قبل يمامة فجاءت برجل من بنى حنيفة يقال له ثمامة بن أثال فربطوه في سارية من سوارى المسجد فخرج اليه النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم فقال ما عندك يا ثمامة فقال عندى خير يا محمد ان تقتلنى تقتل ذا دم و ان تنعم تنعم على شاكر و ان كنت تريد المال فسل منه ما شئت فتركه حتّى كان الغد ثم قال له ما عندك يا ثمامة فقال كما قال بالأمس فتركه حتى كان بعد الغد فقال ما عندك يا ثمامة فقال عندى ما قلت لك قال أطلقوا ثمامة فانطلق الى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد فقال اشهد ان لا اله الا اللّه و اشهد ان محمدا رسول اللّه يا محمد و اللّه ما كان على وجه الأرض وجه ابغض الىّ من وجهك ... فقد أصبح وجهك أحب الوجوه الىّ و اللّه ما كان دين ابغض اليّ من دينك فاصبح دينك أحب الأديان اليّ و اللّه ما كان من بلد ابغض اليّ من بلدك فاصبح بلدك احبّ البلاد اليّ و ان خيلك أخذتني و انا أريد العمرة فماذا ترى فبشره رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم و امره ان يعتمر فلما قدم مكة قال له قائل صبوت قال لا و لكنى أسلمت مع محمد صلى اللّه عليه و اله و سلم لا و اللّه لا تأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم و اللّه اعلم روى احمد عن انس حال ستشار النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم الناس في الأسارى يوم بدر فقال ان اللّه قد أمكنكم منهم فقال عمر بن الخطاب يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم اضرب أعناقهم فاعرض عنه فقام ابو بكر فقال ترى ان تعفو عنهم و ان تقبل منهم الفداء فعفى عنهم و قبل منهم الفداء فانزل اللّه تعالى. ٦٨ لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللّه سَبَقَ يعنى انه لا يضل اى لا ينسب الى الضلال و لا يعذبهم قوما بعد إذ هدهم حتى يبين لهم ما يتقون و انه لا يأخذ قوما فعلوا شيئا قبل النهى كذا قال الحسن و مجاهد و سعيد بن جبير في تفسير الاية و اخرج الترمذي عن ابى هريرة عن النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم قال لم يحل الغنائم لاحد سود الروس من قبلكم كانت تنزل نار من السماء فتاكلها فلما كان يوم بدر وقعوا في الغنائم قبل ان يحل لهم فانزل اللّه تعالى لو لا كتب من اللّه يعنى قضاء من اللّه سبق في اللوح المحفوظ انه يحل لكم الغنائم كذا قال ابن عباس و قيل معناه لو لا حكم من اللّه سبق في اللوح المحفوظ و هو ان لا يعاقب المخطى في اجتهاده و كان هذا اجتهاد أمتهم بان نظروا في استبقائهم ربما كان سببا لاسلامهم كما وجد من كثير منهم و ان فدآئهم يتقووا به على الجهاد و خفى عليهم ان قتلهم أعز للاسلام و اهيب لمن ورائهم و قيل معناه لو لا كتاب في اللوح المحفوظ انه لا يعذب اهل بدر «١» لَمَسَّكُمْ لنا لكم فِيما أَخَذْتُمْ من الفداء بالاجتهاد و قبل ان تؤمروا به او من الغنائم قبل ان يحل «٢» لكم عَذابٌ عَظِيمٌ (٦٨) قال ابن إسحاق لم يكن من المؤمنين أحد ممن حضر الا أحب الغنائم الا عمر بن الخطاب فانه أشار على رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم بقتل الأسرى و سعيد بن معاذ قال يا نبى اللّه كان الإثخان في القتل احبّ الىّ من استبقاء الرجال فقال (١) و قيل معنى الآية لو لا ايمانكم بالقرآن و هو الكتاب السابق فاستوجبتم به الصفح لعوقبتم و يزاد تفسير او بيانا بان يقال لو لا ما كنتم مؤمنين بالقران و لو لا كنتم ممن أحلت لهم الغنائم لعوقبتم كما عوقب من بعدي قبل فهذه التأويلات كلها ينفى المعصية لانه من فعل ما أحل له لم يعص اللّه ١٢. (٢) قال القاضي بكر بن العلا اخبر اللّه تعالى نبيه صلى اللّه عليه و اله و سلم في هذه الاية ان تأويله وافق ما كتبه له من إحلال الغنائم و الفداء و قد كان قبل هذا فادوا فى سرية عبد اللّه بن جحش التي قتل فيها ابن الحضري بالحكم بن كهنان و صاحبه فما عتب اللّه ذلك عليهم و ذلك قبل بدر بأزيد من عام فهذا كله يدل على ان فعل النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم في شان الأسرى كان على تاويل و بصيرة على ما تقدم قبل مثله فلم ينكره اللّه عليهم لكن اللّه تعالى أراد لعظم امر بدر و كثرة اسراهم و اللّه اعلم اظهار نعمته و تأكيد منة بتقريعهم ما كتبه في اللوح المحفوظ من حل ذلك لهم لا على وجه انكار و عتاب و تذنيب هذا معنى كلامه كذا في الشفاء ١٢. رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم لو نزل عذاب من السماء ما نجا منه غير عمر بن الخطاب و سعد بن معاذ و روى ابن ابى شيبة و الترمذي و حسنه و النسائي و ابن سعد و ابن جرير و ابن حبان و البيهقي عن على رضى اللّه عنه قال جاء جبرئيل الى النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم فقال يا محمد ان اللّه تعالى قد كره ما صنع قومك في أخذهم «١» فدآء الأسرى و قد أمرك ان تخيرهم بين أمرين اما ان يقدموا فيضرب أعناقهم و بين ان يأخذوا منهم الفداء على ان يقتل منهم عدتهم فدعا رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم الناس فذكرهم ذلك فقالوا يا رسول اللّه عشائرنا و إخواننا نأخذ منهم الفداء فنتقوى به على قتال عدونا و يستشهد منا عدتهم فليس ذلك ما نكره قال البغوي روى انه لما نزلت الاية السابقة كف اصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم أيديهم عما أخذوا من الفداء فنزل. (١) قال القاضي ابو الفضل عياض رحمه اللّه انهم لم يفعلوا إلا ما اذن لهم لكن بعضهم مال الى أضعف الوجهين مما كان الأصح غيره من الإثخان و القتل فعوتبوا على ذلك يعنى ترك الاولى و بين لهم ضعف احسارهم و تصويب احسار غيرهم و كلهم غير عصاة و الى نحو هذا أشار الطبري و قوله عليه السلام في هذه القصة لو نزل من السماء عذاب ما نجا منه الا عمر اشارة الى هذا من تصويب رايه و راى من مثله يعنى هذه القصة أوجبت عذابا نجا منه عمر و مثله و عنى عمر لانه أول من أشار بقتلهم و لكن لا يقدر عليهم في ذلك عذابا بحله لهم فيما سبق قال الداودي و الخبر بهذا لا يثبت و لو ثبت لما جاز ان يظن ان النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم حكم مما لا نص فيه و لا جعل الأمر اللّه و قد نزهه اللّه عن ذلك هذا الحديث دليل على نافلة ١٢. ٦٩ فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ الفاء للتسبيب و السّبب محذوف تقديره ابحت لكم الغنائم فكلوا حَلالًا حال من المغنوم او صفة للمصدر اى أكلا حللا و فائدته ازاحة ما وقع في نفوسهم منه بسبب المعاتبة و لذلك وصفه بقوله طَيِّباً وَ اتَّقُوا اللّه في مخالفته إِنَّ اللّه غَفُورٌ رَحِيمٌ (٦٩) أباح لكم ما أخذتم من الفداء و المغنم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم فضلت على الأنبياء بست و ذكر فيه و أحلت لى الغنائم رواه الترمذي عن ابى هريرة و روى الطبراني بسند صحيح عن السائب بن يزيد فضلت على الأنبياء يخس و فيه و أحلت لى الغنائم و لم تحل لاحد قبلى و البيهقي عن ابى امامة بسند صحيح نحوه غير انه قال فضلت بأربع و الطبراني عن ابى الدرداء نحوه و روى البغوي عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم لم تحل الغنائم لاحد قبلنا و ذلك بان اللّه رأى ضعفنا و عجزنا فطيّبها لنا و قال البغوي روينا عن جابر ان النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم قال أحلت لى الغنائم و لم تحل لاحد قبل و اللّه اعلم ذكر البغوي ان العباس بن عبد المطلب اسر يوم بدر و كان أحد العشرة الذين ضمنوا طعام اهل بدر فكان يوم بدر نوبته و كان خرج بعشرين اوقية من ذهب ليطعم بها الناس فاراد ان يطعم ذلك اليوم فاقتتلوا و بقيت العشرين اوقية معه فاخذت معه في الحرب فكلم النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم ان يحتسب العشرين اوقية من فدآئه فابى و قال اما شى خرجت به تستعين فلا اتركه لك و كلف فداء ابني أخيه عقيل بن ابى طالب و نوفل بن الحارث فقال العباس يا محمد تركتنى اتكفف قريشا ما بقيت فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم فاين الذهب الذي دفعته الى أم الفضل وقت حروجك من مكة و قلت لها انى لا أدرى ما يصيبنى في وجهى هذا فان حدث بي حدث فهذا لك و لعبد اللّه و لعبيد اللّه و الفضل و قثم يعنى بنيه الاربعة فقال له العباس و ما يدريك قال أخبرني به ربى فقال العباس اشهد ان لا اله الا اللّه و انك عبده و رسوله و لم يطلع عليه أحد الا اللّه و روى ابن جرير و ابن المنذر و ابن ابى حاتم و البيهقي و ابو نعيم و إسحاق بن راهويه و الطبراني و ابو الشيخ من طرق عن ابن عباس و ابن إسحاق و ابو نعيم عن جابر بن عبد اللّه ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم اسر يوم بدر سبعين من قريش منهم العباس و عقيل فجعل عليهم الفداء أربعين اوقية من الذهب و روى البيهقي عن اسمعيل ابن عبد الرحمن قال كان فداء العباس و عقيل و نوفل و أخيه اربعمائة دينار قال ابن إسحاق و كان اكثر الأسارى فداء يوم بدر فداء العباس نفسه بمائة اوقية من ذهب و روى ابو داود عن ابن عباس ان النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم جعل فداء اهل الجاهلية يوم بدر اربعمائة و ادعى العباس رضى اللّه عنه انه لا مال عنده فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم فاين المال الذي دفعته أنت أم الفضل و قلت بها ان أصبت في سفرى هذا فهذا لبني الفضل و عبد اللّه و القثم فقال و اللّه لا علم انك لرسول اللّه ان هذا شي ء ما علمه الا انا او أم الفضل و اللّه اعلم و قال سعيد بن جبير و جعل على العباس مائة اوقية و قالوا أربعين و على عقيل ثمانين اوقية فقال العباس لقد تركتنى أفقر قريش ما بقيت فانزل اللّه تعالى. ٧٠ يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى الاية و ذكر محمد بن يوسف الصّالحى في سبيل الرشاد انه قال جماعة من الأسارى لرسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم منهم العباس رضى اللّه عنه انا كنا مسلمين و انما خرجنا كرها فعلام يوخذ منا الفداء فانزل اللّه تعالى يايها النبي قل لمن في ايديكم من الأسرى إِنْ يَعْلَمِ اللّه فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً ايمانا و إخلاصا يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ من الفداء بان يضعّفه لكم في الدنيا و يثيبكم في الاخرة وَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَ اللّه غَفُورٌ رَحِيمٌ (٧٠) روى الطبراني في الأوسط عن ابن عباس قال قال العباس و اللّه نزلت حين أخبرت رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم بإسلامي و سألته ان يحاسبنى بالعشرين الاوقية التي وجدت معى فاعطانى بها عشرين عبد أكلهم تاجر بما لى في يده مع ما أرجو من مغفرة اللّه و ذكر البغوي قول العباس انه أبدلني اللّه عنها عشرين عبد أكلهم تاجر يضرب بمال كثير و أدناهم يضرب بعشرين الف درهم مكان العشرين أوقية و أعطاني زمزم و ما أحب ان لى بها جميع اموال اهل مكة و انا انتظر المغفرة من ربى و ذكر في سبيل الرشاد قول العباس حين أنزلت لوددت انك كنت أخذت منى اضعافها فاتانى اللّه خيرا منها أربعين عبد أكل في يده مال يضرب به و انى أرجو من اللّه المغفرة و اللّه اعلم روى البخاري و ابن سعد ان النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم اتى بمال من البحرين فقال انشروه في المسجد إذ جاءه العباس فقال يا رسول اللّه أعطني انى فاديت نفسى و و فاديت عقيلا فقال خذ فحثا فى ثوبه ثم ذهب يقله فلم يستطع فقال مر بعضهم يرفعه الىّ قال لا ... قال فارفعه أنت قال لا فنثر منه ثم احتمله على كاهله ثم انطلق و هو يقول انما أخذ ما وعد اللّه فقد الجز فما زال رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم يتبعه بصره حتى خفى علينا عجبا من حرصه فما قام رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم و ثم منها درهم. ٧١ وَ إِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ يعنى نقض ما عهدوك عند انفكاكهم من الاسر بالاقتداء او بغيره فَقَدْ خانُوا اللّه مِنْ قَبْلُ هذا بالكفر و نقض ميثاقه المأخوذ بقوله الست بربكم او بالعقل فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ يعنى فامكنك منهم يوم بدر جزاء الشرط محذوف أقيم دليله مقامه تقديره ان يريدوا خيانتك يعود عليهم و باله بدليل انهم قد خانوا اللّه من قبل فامكنك فان عادوا فسنمكنك منهم مرة اخرى كما ذكرنا عن ابن إسحاق انه صلى اللّه عليه و اله و سلم من على ابى غزة الجمحي يوم بدر بلا فداء و أخذ عليه ان لا يظاهر عليه أحدا فقدم مع المشركين يوم أحد فاسر فقتله رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم صبرا وَ اللّه عَلِيمٌ بما في صدورهم حَكِيمٌ (٧١) فيما يفعل. ٧٢ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ هاجَرُوا قومهم و ديارهم حبا للّه و رسوله يعنى الذين هاجروا من مكة وَ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ فصرفوها في السلاح و الكراع و أنفقوها في المحاويج وَ أَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّه بمباشرة القتال و إتيان كل ما امر اللّه به من العبادات البدنية وَ الَّذِينَ آوَوْا رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم و من معه من المهاجرين في ديارهم بالمدينة وَ نَصَرُوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم على اعداء اللّه يعنى الأنصار أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ دون اقربائهم من الكفار فلا يجوز للمؤمنين موالاة الكفار و لو كانوا آبائهم او أبنائهم او إخوانهم او عشيرتهم و لا مناصرتهم و قال ابن عباس هذا في الميراث كانوا يتوارثون بالهجرة و كان المهاجرون يتوارثون دون ذوى الأرحام و كان من أمن و لم يهاجر لا يرث من قريبه المهاجر حتى فتحت مكة و انقطعت الهجرة فتوارثوا بالأرحام حيث ما كانوا و صار ذلك منسوخا بقوله عز و جل و أولوا الأرحام بعضهم اولى ببعض في كتاب اللّه قلت و عندى ان هذه الاية غير منسوخة إن كان المراد به الميراث ايضا فانه متى أمكن الجمع بين الآيتين لا يجوز القول بنسخ أحدهما و معنى قول ابن عباس كان المهاجرون و الأنصار يتوارثون دون ذوى الأرحام ان ذوى الأرحام الكفار لا يرثون من المهاجرين لاختلاف الدينين و كان من أمن و لم يهاجر لا يرث من قريبه المهاجر لاختلاف الدارين حتى فتحت مكة و صارت دار اسلام انقطعت الهجرة و اسلم اهل مكة كلّهم توارثوا بالارحارم و كان وجه أخذ الأنصاري ميراث المهاجر عقد الموالات و ذلك سبب للارث عند ابى حنيفة رحمه اللّه إذا لم يكن للميت و ارث من النسب او السبب بلا مانع من الإرث غير منسوخ و اما أخذ المهاجر ميراث الأنصاري او الأنصاري ميراث المهاجر مع وجود قريب الميت مؤمنا بالمدينة فلم يثبت و لا دلالة في الاية عليه فلا يجوز القول بكون الاية منسوخة و اللّه اعلم وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ قرأ حمزة بكسر الواو تشبيها لها بالعمل و الصناعة كالكتابة و الرياسة كانه بتولية صاحبه يزاول عملا و الباقون بفتح الواو مِنْ شَيْ ءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا نفى لولايته من لم يهاجر من المؤمنين بمعنى النهى لاجل فسقهم بترك فريضة الهجرة و منه يظهر انه يكره للمؤمن ولاية المؤمن الفاسق ما لم يتب و ان كان المراد بالولاية الميراث فالاية حجة على كون اختلاف الدارين مانعا من الميراث وَ إِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ يعنى المؤمنين الذين لم يهاجروا استنصروكم فِي الدِّينِ على أعدائهم من اهل الحرب فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ فواجب عليكم ان تبصروهم عليهم إِلَّا عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فانه لا يجوز نقض العهد و لهذا لم ينصر رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم أبا جندل و قصته في سورة الفتح وَ اللّه بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٧٢) تحذير عن تعدى حدود الشرع. ٧٣ وَ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ و المقصود منه انه لا يجوز للمؤمنين موالاة الكفار و لا مناصرتهم و قد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم لا يرث المسلم الكافر و لا الكافر المسلم رواه الشيخان في الصحيحين و اصحاب السنن الاربعة من حديث اسامة بن زيد و قد ذكرنا المسألة في سورة النساء في تفسير (فائدة) لا يجوز لاحد تولية نفسه و ان يزعم لزوم فسق منه و معهذا لا يجوز ولاية الفاسق فالعدل للولاية أفضل من نفسه و صالحى المؤمنين ١٢ اية الميراث (مسئله) ذكر في المبسوط انه لو أغار قوم من اهل الحرب على اهل الدار من الكفار التي فيها المؤمن المستأمن لا يحل له قتال هؤلاء الكفار الا ان خاف على نفسه لان القتال لما كان تعريضا لنفسه على الهلاك لا يحل الا لاعلاء كلمة اللّه تعالى و إعزاز دينه او لدفع الضرر عن نفسه و هو إذا لم يخف على نفسه فقتاله لا يكون الا لاهل الدار من الكفار لاعلاء كلمتهم و ذا لا يجوز (مسئله) لو أغار اهل الحرب الذين فيهم مسلمون مستامنون على طائفة من المسلمين فاسروا ذراريهم فمروا بهم على أولئك المستأمنين وجب عليهم ان يقاتلوهم و يخلصوا المؤمنين من أيديهم لانهم لا يملكون رقابهم فتقريرهم في أيديهم تقرير على الظلم و لم يضمنوا ذلك بخلاف الأموال لانهم ملكوها بالاحراز عند أبي حنيفة و قد ضمنوا لهم ان لا يتعرضوا أموالهم و كذلك لو كان المأخوذ ذرارى الخوارج لانهم مسلمون إِلَّا تَفْعَلُوهُ يعنى ان لا تفعلوا ما أمرتم به من التواصل بينكم و التناصر و قطع العلائق بينكم و بين الكفار حتى قطع التوارث تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ يحصل فتنة عظيمة و هى ظهور الكفر وَ فَسادٌ كَبِيرٌ (٧٣) يعنى ضعف الإسلام بترك الجهاد و اختلاط المسلمين الكفار. ٧٤ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللّه وَ الَّذِينَ آوَوْا وَ نَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ الكاملون في الايمان الصادقون في ادعائهم إسلامهم حَقًّا حق ذلك الأمر حقا لانهم حققوا ايمانهم بتحصيل مقتضياته من الهجرة و بذل الأموال و الأنفس في سبيل اللّه و نصرة الحق بخلاف من أمن و لم يهاجر و لم يجاهد فانه و ان صح عليه اطلاق المؤمن حيث قال اللّه تعالى و الذين أمنوا و لم يهاجروا لكنهم ليسوا كاملين في الايمان و لم يتحقق صدقهم و يحتمل نفاقهم و لا تكرار لان الاية الاولى للامر بالتواصل و هذه الاية واردة للثناء عليهم و الوعد لهم بقوله لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ كَرِيمٌ (٧٤) قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم الإسلام يهدم ما كان قبله و الهجرة تهدم ما كان قبلها و قد مر من حديث عمرو بن العاص و اعلم انه كان بعض المهاجرين اهل الهجرة الاولى و هم الذين هاجروا قبل الحديبية و منهم من كان ذا الهجرتين الهجرة الى الحبشة و الهجرة الى المدينة منهم عثمان و جعفر الطيار و غيرهم و كان بعضهم اهل الهجرة الثانية و هم الذين هاجروا بعد صلح الحديبية قبل فتح مكة و المراد بالآية الاولى اهل الهجرة الاولى لفضلهم ثم الحق بهم اهل الهجرة الثانية فقال. ٧٥ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ اى بعد صلح الحديبية وَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا مَعَكُمْ و كذا من ايتسم بسمتهم فَأُولئِكَ مِنْكُمْ ايها المهاجرون الأولون و الأنصار يعنى من جملتكم و من جنسكم يتولى بعضكم بعضا و يرث بعضكم بعضا وَ أُولُوا الْأَرْحامِ من المؤمنين بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ من الأجانب في التوارث وصلة الرحم و هذا لا ينافي ما سبق و المعنى ان المؤمن إن كان له ذا رحم فهو اولى به من سائر المؤمنين في التوارث فان كان له ذا رحم الذين ذكر اللّه تعالى في سورة النساء فهو اولى من غيره يعطى له الميراث على ما أوصله اللّه تعالى في كتابه و ان لم يكن منهم أحد و كان ذو رحم من غيرهم فهو اولى من الأجانب بهذا الاية و بقوله صلى اللّه عليه و اله و سلم الخال وارث من لا وارث له و قد ذكرنا الحديث في سورة النساء فهذه الاية حجة على الشافعي حيث قال يوضع ماله في بيت المال ان لم يكن للميت ذا فرض و لا عصبة و لا يرث غيرهم من ذوى الأرحام و قدم المسألة في سورة النساء و المؤمن ان لم يكن له أحد من اولى الأرحام مؤمنا فاوليائه جماعة المؤمنين بما سبق من الاية الاولى فيوضع ماله في بيت المال لجماعة المسلمين فِي كِتابِ اللّه يعنى في حكم اللّه و قسمته او في اللوح المحفوظ إِنَّ اللّه بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيمٌ (٧٥) و منها المواريث و الحكمة في اناطتها بالقرابة و الإسلام و النكاح و الولاء و اللّه اعلم تمت تفسير سورة الأنفال من التفسير المظهرى و يتلوه إنشاء اللّه تعالى تفسير سورة البراءة. |
﴿ ٠ ﴾