سُورَةُ التَّوْبَةِ مَدَنِيَّةٌوَهِيَ مِائَةٌ وَتِسْعٌ وَعِشْرُونَ آيَةًمدنيّة و هى مائة و تسع و عشرون اية او ماية و ثلثون اية عن «١» ابى عطية الهمداني قال كتب عمر بن الخطاب تعلموا سورة براءة و علموا نساءكم سورة النور قلت لان في البراءة الحث على الجهاد و في النور الحث على الحجاب و عن «٢» عثمان بن عفان قال كانت البراءة و الأنفال تدعيان في زمن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم القرينتين فلذلك جمعتهما في السبع الطوال ٥ منه و لها اسماء سميت براءة لانها براءة عن الكافرين و سورة التوبة لان فيها توبة على المؤمنين و المقشقشة أخرجه ابو الشيخ و ابن مردوية عن زيد بن اسلم عن عبد اللّه بن عمر لانها تقشقش اى بترأ من النفاق و المبعثرة أخرجه ابن المنذر عن محمد بن إسحاق لما كشفت عن سرائر الناس و البحوث أخرجه ابن ابى حاتم و الطبراني و الحاكم و صححه عن ابى رشد الحراني عن المقداد بن الأسود و المثيرة أخرجه ابن المنذر و ابو الشيخ و ابن ابى حاتم عن قتادة لانها نبعثر النفاق و بتحت عنها و تثيرها و تظهر عوراتهم و تخفر عنها و المنكلة و المدمدمة و سورة العذاب اخرج ابن ابى شيبة و الطبراني و ابو الشيخ و الحاكم و ابن مردوية عن حذيفة رضى اللّه عنه قال التي تسمونها سورة التوبة هى سورة العذاب و اللّه ما تركت (١) عن ابى عطية للّهمدانى قال كتب عمر بن الخطاب تعلموا سوره براءة و علموا نسائكم سورة النور قلت لان في البراءة الحث على الجهاد و في النور الحث على الحجاب ١٢ منه. (٢) و عن عثمان بن عفان قال كانت البراءة و الأنفال تدعيان في زمن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم القرينتين فلذلك جمعتهما في السبع الطوال ١٢ منه-. أحد الا نالت فيه و اخرج سورة العذاب ايضا ابو عوانة و ابن المنذر و ابو الشيخ و ابن مردوية عن ابن عباس عن عمرو الفاضحة لكونها فاضحة للمنافقين قال البغوي قال سعيد بن جبير قلت لابن عباس سورة التوبة قال هى الفاضحة ما زالت تنزل و تنبئهم حتى ظنوا انها لم تبق أحدا منهم الا ذكرها فيها قال قلت سورة الأنفال قال تلك سورة بدر قال قلت سورة الحشر قال قل سورة النضير و في وجه ترك البسملة عنها روى البغوي بسنده و احمد و ابو داود و النسائي و ابن حبان و الحاكم و صححه و الترمذي و حسنه عن ابن عباس رضى اللّه عنهما قال قلت لعثمان رضى اللّه عنه ما حملكم على ان عمدتم الى الأنفال و هى من الثاني و إلى براءة و هى من المئين فقرنتم بينهما و لم تكتبوا سطر بسم اللّه الرحمن الرحيم و وضعتموها في السبع الطوال فقال عثمان رضى اللّه عنه ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كان مما يأتي عليه الزمان و هو ينزل عليه السور ذوات العدد فاذا نزل عليه الشي ء يدعوا بعض من كان يكتب عنده فيقول ضعوا هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا و كانت الأنفال مما نزلت بالمدينة و كانت براءة من اخر ما نزلت و في لفظ و كانت الأنفال من أوائل ما نزلت بالمدينة و كانت البراءة من اخر القرآن نزولا و كانت قصتها شبيهة بقصتها و قبض رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و لم يبين لها انها منها فمن ثم فرنت بينهما و لم اكتب سطر بسم اللّه الرحمن الرحيم و وضعتها في السبع الطوال و قيل وجه ترك البسملة انها نزلت لرفع الامان و بسم اللّه الرّحمن الرّحيم أمان كذا اخرج ابو الشيخ و ابن مردوية عن ابن عباس قال سالت على ابن ابى طالب رضى اللّه عنه لم لم يكتب بسم اللّه الرّحمن الرّحيم في براءة قال لان بسم اللّه الرّحمن الرّحيم أمان و براة نزلت بالسيف و قيل اختلف اصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال بعضهم الأنفال و براءة سورة واحدة نزلت في القتال و يعد السابعة من الطوال و هى سبع و قال بعضهم هما سورتان فتركت بينهما فرجة لقول من قال هما سورتان و تركت بسم اللّه الرحمن الرحيم لقول من قال هما سورة واحدة قال البغوي قال المفسرون لما خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الى تبوك كان المنافقون يرجعون الأراجيف يعنى يقولون أقوالا يضطرب بها المسلمون اضطرابا شديدا و جعل المشركون ينقضون عهودا كانت بينهم و بين رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قلت و ذلك لزعهم ان المسلمين لا يقاومون قتال قيصر ملك الشام فامر اللّه تعالى نبيه صلى اللّه عليه و سلم بنقض عهودهم فقال. _________________________________ ١ بَراءَةٌ مِنَ اللّه وَ رَسُولِهِ «١» قال الزجاج يعنى قد برئ اللّه و رسوله اعطائهم العهود و الوفاء بها إذا نكثوا فقوله براءة خبر مبتدا محذوف اى هذه براءة و هى ضد المعاهدة و هى مصدر كالنشاءة و الدناءة و من ابتدائية متعلقة بمحذوف تقديره واصلة من اللّه و رسوله و يجوز ان يكون براة مبتدأ لتخصيصها بصفتها خبره إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ اى عاهدتموهم ايها الرسول و المؤمنون مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١) بيان للموصول علقت البراءة باللّه و رسوله و المعاهدة بالرسول و المؤمنين للدلالة على انه يجب عليهم نبذ عهودهم. ٢ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ فيه التفات حيث خاطب المشركين بعد ما ذكرهم على الغيبة او المعنى فقل لهم سيحوا اى سيروا في الأرض مقبلين و مدبرين امنين غير خائفين أحدا من المسلمين و السياحة السير على مهل أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ اعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّه اى غير فائتين و لا سابقين و ان أمهلكم وَ أَنَّ اللّه مُخْزِي الْكافِرِينَ (٢) اى مذلهم بالقتل و الاسر في الدنيا و العذاب في الآخرة قال الزهري الأشهر الاربعة شوال و ذو القعدة و ذو الحجة و المحرم لان الاية نزلت في شوال و قال اكثر المفسرين ابتدائها يوم الحج الأكبر و انقضائها الى عشر من شهر ربيع الاخر لقوله تعالى. ٣ وَ أَذانٌ اى اعلام فعال بمعنى الافعال كالامان و العطاء و منه الاذان للصلوة يقال اذنته فاذن اى أعلمته فعلم و أصله من الاذن اى أوقعت في اذنه و رفعه كرفع براءة على الوجهين (١) و قرئ رسوله بالجر للجوار عن ابن ابى مليكة قال قدم أعرابي في زمان عمر بن الخطاب فقال من يقرأني عما انزل اللّه على محمد فاقراه براءة فقال ان اللّه برئ من المشركين و رسوله بالجر فقال الاعرابى لقد برئ اللّه من رسوله ان يكن اللّه برئ من رسوله فانا ابرأ منه فتبع عمرو قالة الاعرابى ابترا من رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال يا امير المؤمنين انى قدمت المدينة و لا علم لى بالقران فسالت من يقرائنى فاقرانى هذه السورة براة فقال اللّه برى من المشركين و رسوله و قال الاعرابى و انا و اللّه ابرا مما برا للّه منه فامر محمد بن الخطاب ان لا يقرا الناس الا عالم باللغة و امر الأسود فوضع النحو ١٢. [.....] مِنَ اللّه وَ رَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ «١» الْأَكْبَرِ قال البغوي روى عكرمة عن ابن عباس انه يوم عرفة قال و روى ذلك عن عمر بن الخطاب و ابن عمرو ابن الزبير «٢» رضى اللّه عنهم و هو قول عطاء و طاووس و مجاهد و سعيد بن المسيب قلت و مستند هذا القول قوله صلى اللّه عليه و سلم الحج عرفة أخرجه احمد و ابو داود و الترمذي و النسائي و ابن حبان و الحاكم و الدار قطنى و البيهقي من حديث عبد الرحمن بن معمر و اخرج ابن ابى حاتم عن مسور ابن مخرمة ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال يوم عرفة و هذا يوم الحج الأكبر قال البغوي قال جماعة هو يوم النحر روى عن يحيى بن الخراز قال خرج على رضى اللّه عنه يوم النحر على بغلة بيضاء يريد الجبانة فجاء رجل أخذ بلجام دابته و ساله عن يوم الحج الأكبر فقال يومك هذا خل سبيلها اخرج الترمذي عن على قال سالت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن يوم الحج الأكبر قال و بروى ذلك عن عبد اللّه بن ابى اوفى و المغيرة ابن شعبة و هو قول الشعبي و سعيد بن جبير و السدى قلت و اخرج ابو داود و الحاكم و صححه من حديث ابن عمر انه صلى اللّه عليه و سلم وقف يوم النحر عند الجمرات في حجة الوداع فقال هذا يوم الحج الأكبر قال البغوي و روى ابن جريح عن مجاهد يوم الحج الأكبر حين الحج ايام منى كلها و كان سفيان الثوري يقول يوم الحج الأكبر ايام منى كلها مثل يوم صفين و يوم الجمل و يوم بعاث يراد به الحين و الزمان فان هذه الحروب دامت أياما كثيرة و وصف الحج بالأكبر لان العمرة يسمى بالحج الأصغر كذا قال الزهري و الشعبي و عطاء و اللّه اعلم قالوا هذه الآية تدل على ان ابتداء الأشهر الاربعة يوم الحج الأكبر قلت ليس في آية الاذان الواقع يوم الحج الأكبر التقييد باربعة أشهر حتى يدل على ان ابتداء الأشهر من ذلك اليوم بل قال اللّه تعالى و أذان من اللّه و رسوله الى الناس يوم الحج الأكبر أَنَّ اللّه اى (١) و عن الحسن انه سئل عن يوم الحج الأكبر فقال ذاك عام حج فيه ابو بكر استخلفه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فحج بالناس و اجتمع فيه المسلمون و المشركون فلذلك سمى الحج الأكبر و وافق عبد اليهود و النصارى ١٢. (٢) عن الشعبي ان أبا ذر و الزبير بن العوام سمع أحدهما من النبي صلى اللّه عليه و سلم انه قرأها يوم الجمعة على المنبر فقال لصاحبه متى أنزلت هذه الاية فلما قضى صلوته قال له عمر بن الخطاب لا جمعة لك فاتى النبي صلى اللّه عليه و سلم فذكر ذلك فقال صدق عمر ١٢. بان اللّه بَرِي ءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ٥ وَ رَسُولُهُ قرأ يعقوب رسوله بالنصب عطفا على اسم ان او لان الواو بمعنى مع و الباقون بالرفع عطفا على المستكن في برئ او على الابتداء و الخبر محذوف اى و رسوله برئ و هذا تعميم بعد تخصيص فان الاية الاولى فيها براءة مختصة بالذين عوهدوا و المراد به الناكثين منهم بدليل الاستثناء الآتي و في هذه الآية براءة عامة الى المشركين أجمعين عاهدوا ثم نكثوا او لم يعاهدوا منهم و لذا قال الى الناس فلا تكرار غير ان الذين عاهدوا و لم ينكثوا خارجون عن هذه البراءة ايضا لقوله تعالى فاتموا إليهم عهدهم و ليس في هذه الاية الأمر بالسياحة اربعة أشهر حتى يلزم اعتبار ابتداء المدة من هذا اليوم و عندى ان قوله تعالى براءة من اللّه و رسوله و ان اللّه برئ و ان كانت نازلة في المشركين الموجودين في ذلك الوقت الناكثين عهودهم في غزوة تبوك و غير المعاهدين منهم لكن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص المورد فالآية محكمة ناطقة لوجوب قتال الناكثين و غير المعاهدين ابدا فالمراد بقوله تعالى فسيحوا في الأرض اربعة أشهر من كل سنة و هى الأشهر الحرم بدليل قوله تعالى فاذا انسلخ الأشهر الحرم الآية و قوله تعالى ان عدة الشهور عند اللّه اثنى عشر شهرا في كتاب اللّه يوم خلق السموات و الأرض منها اربعة حرم فان قيل قال قوم القتال في الأشهر الحرم كان كبيرا ثم نسخ بقوله تعالى قاتلوا المشركين كافة كانه يقول فيهن و في غيرهن و هو قول قتادة و عطاء الخراسانى و الزهري و سفيان الثوري و قالوا لان النبي صلى اللّه عليه و سلم غزا هوازن بحنين و ثقيفا بالطائف و حاصر في شوال و بعض ذى القعدة قلنا هذا لقول عندى غير صحيح لان قوله تعالى قاتلوا المشركين كافة من تتمة قوله تعالى ان عدة الشهور عند اللّه اثنى عشر شهرا في كتاب اللّه يوم خلق السموات و الأرض منها اربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم و قاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة و لا بد في الناسخ من التراخي و القول بالتخصيص هاهنا غير متصور و القول بان معنى قوله تعالى قاتلوا المشركين كافة فيهن و في غيرهن باطل لانه يدل على تعميم الافراد دون تعميم الزمان و حصاره صلى اللّه عليه و سلم الطائف في بعض ذى القعدة ثابت بأحاديث الآحاد و لا يجوز نسخ الكتاب بها كيف و سورة التوبة نزلت بعد غزوة الطائف و قد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في خطبة يوم النحر في حجة الوداع قبل وفاته بثمانين يوما ان الزمان استدار كهيئة يوم خلق السّموات و الأرض السنة اثنا عشر شهرا منها اربعة حرم ثلث متواليات ذو القعدة و ذو الحجة و المحرم و رجب مضر الذي بين جمادى و شعبان الحديث رواه الشيخان في الصحيحين من حديث ابى بكرة و يحتمل ان يكون جواز حصار الطائف في ذى القعدة مختصا بالنبي صلى اللّه عليه و سلم أبيح له القتال فيها كما أبيح له القتال في الحرم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يوم فتح مكة ان هذا البلد حرمه اللّه يوم خلق السّموات و الأرض فهو حرام بحرمة اللّه الى يوم القيامة و انه لم يحل القتال لاحد قبلى و لم يحل لى الا ساعة من نهار الحديث متفق عليه من حديث ابن عباس و في الصحيحين من حديث ابى شريح العدوى فان أحد ترخص بقتال رسول اللّه فيها فقولوا له ان اللّه قد اذن لرسوله و لم يأذن لكم و انما اذن لى فيها ساعة من نهار و قد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس- (قصّة) لما نزلت هذه في شوال سنة تسع بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عليا ليقرأها على الناس في الموسم روى النسائي عن جابر انه صلى اللّه عليه و سلم بعث أبا بكر على الحج فاقبلنا معه حتى إذا كنا بالعرج ثوب «١» بالصبح فلما استوى للتكبير سمع الرغوة خلف ظهره و وقف عن التكبير فقال هذه رغوة ناقة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الجدعاء لقد بد الرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في الحج فلعله ان يكون رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فنصلى معه فاذا على عليها فقال له ابو بكر امير أم رسول قال لا بل رسول أرسلني رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ببراءة اقرأها على الناس في مواقف الحج «٢» فقدمنا مكة فلما كان قبل يوم التروية بيوم قام ابو بكر فخطب الناس فحدثهم عن مناسكهم حتى إذا فرغ قام على فقرأ على (١) تثويب الصلاة خير من النوم گفتن در أذان فجر ١٢. (٢) عن عروة قال بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أبا بكر أميرا على الناس سنة تسع و كتب سنن الحج و بعث معه على بن ابى طالب بآيات من براءة فامره ان يوذن بمكة و بمنى و بعرفات و المشاعر كلها بانه بريت ذمة اللّه و ذمة رسوله من كل مشرك حج بعد العام او طاف بالبيت عريانا و أجل من كان بينه و بين رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عهد اربعة أشهر رسار على راحلة و الناس كلهم يقرأ عليهم القران براءة من اللّه و رسوله و قرا عليهم يا بنى آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد و اخرج الترمذي عن انس قال بعث النبي صلى اللّه عليه و سلم ببراءة مع ابى ثم دعاه فقال لا ينبغى لاحد ان يبلغ هذا الا رجل من أهلي فدعا عليا فاعطاه إياها و عن سعد بن ابى قاص ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بعث أبا بكر ببراءة الى اهل مكة ثم بعث عليا على اثره فاخذنا منه و قال ابو بكر وجد في نفسه قال النبي صلى اللّه عليه و سلم يا أبا بكر لا يودى عنى الا انا او رجل منى ١٢. الناس براءة حتى ختمها ثم خرجنا معه حتى إذا كان يوم عرفة قام ابو بكر فخطب الناس فعلمهم مناسكهم حتى إذا فرغ قام على فقرأ على الناس براءة حتى ختمها ثم كان يوم النحر فافضنا فلما رجع ابو بكر خطب الناس فحدثهم عن إفاضتهم و عن نحرهم و عن مناسكهم فلما فرغ قام على فقرأ على الناس براءة حتى ختمها فلما كان يوم النفر الاول قام ابو بكر فخطب الناس فحدثهم كيف ينفرون و كيف يرمون يعلمهم مناسكهم فلما فرغ قام على فقرأ على الناس براءة حتى ختمها قال البغوي بعث أبا بكر تلك السنة أميرا على الموسم ثم بعث بعده عليا على ناقته العضباء ليقرأ على الناس صدر سورة براءة و امره ان يوذن بمكة و منى و عرفات ان قد برئت ذمة اللّه و ذمة رسوله من كل مشرك و لا يطوف بالبيت عريان فرجع ابو بكر فقال يا رسول اللّه بابى أنت و أمي ا انزل في شانى شى ء قال لا و لكن لا ينبغى لاحد ان يبلغ هذا الا رجل من أهلي اما ترضى يا أبا بكر انك كنت معى في الغار و انك صاحبى على حوضى قال بلى يا رسول اللّه فسار ابو بكر رضى اللّه عنه أميرا على الحج و على رضى اللّه عنه ليؤذن براءة فلما كان قبل يوم التروية بيوم خطب ابو بكر الناس و ورثهم عن مناسكهم و اقام للناس الحج و العرب في تلك السنة على منازلهم التي كانوا عليها في الجاهلية من الحج حتى إذا كان يوم النحر قام على ابن ابى طالب رضى اللّه عنه فاذن في الناس بالذي امر و قرا عليهم سورة براءة «١» و قال زيد ابن تبغ سالنا عليا باى شى ء بعثت في الحجة قال بعثت بأربع لا يطوف بالبيت عريان و من كان بينه و بين رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عهد فهو الى مدته و من لم يكن له مدة فاجله اربعة أشهر و لا يدخل الجنة الا نفس مومنة و لا يجتمع المسلمون و المشركون بعد عامهم هذا روى الشيخان في الصحيحين عن حميد بن عبد الرحمن عن ابى هريرة قال بعثني ابو بكر رضى اللّه عنه في تلك الحجة في مؤذنى يوم النحر يؤذن بمنى الا لا يحج (١) و اخرج الترمذي و حسنه و الحاكم و صححه عن ابن عباس ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بعث أبا بكر و امره ان يناوى بهؤلاء الكلمات ثم اتبعه عليا و امره ان يناوى بهؤلاء الكلمات فانطلقا فحجا فقام على في ايام التشريق فنادى ان اللّه برى من المشركين و رسوله فسيحوا في الأرض اربعة أشهر و لا يحجن بعد العام مشرك و لا يطوف بالبيت عريانا و لا يدخل الجنة الا مومن فكان على ينادى فاذا عيى قام ابو بكر فناوى بها ١٢. بعد العام مشرك و لا يطوف بالبيت عريان قال حميد بن عبد الرحمن ثم اردف رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عليا فامره ان يؤذن ببراءة قال ابو هريرة فاذن معنا على في اهل منى يوم النحر لا يحج بعد العام مشرك و لا يطوف بالبيت عريان- (فائدة) هذه القصة صريح في ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لم يعزل أبا بكر عن امارة الحج و انما بعث عليا ينادى بهذه الآيات و كان السبب في هذا ان العرب تعارفوا فيما بينهم في عقد العقود و نقضها ان لا يتولى ذلك الا سيدهم او رجل من رهط فبعث عليا ازاحة للعلة لئلا يقولوا هذا خلاف ما نعرفه فينا في نقص العهود و هذا معنى قوله صلى اللّه عليه و سلم لا ينبغى لاحد ان يبلغ هذا الا رجل من أهلي اخرج هذا اللفظ احمد و الترمذي و حسنه من حديث انس رضى اللّه عنه و ما ذكرنا من القصة بعضها في سند احمد و بعضها في الدلائل للبيهقى من حديث ابن عباس و بعضها في تفسير ابن مردوية من حديث ابى سعيد الخدري و غيره رضى اللّه عنهم فَإِنْ تُبْتُمْ رجعتم من الكفر و أسلمتم فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ فى الدنيا و الآخرة من كل شى ء وَ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ عن التوبة و الإسلام فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّه لا تفوتونه طلبا و لا تعجزونه هربا و تقدير الكلام و ان توليتم يعذبكم اللّه في الدنيا و الآخرة لانكم غير معجزيه وَ بَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٣) بالقتل و الاسر في الدنيا و بالنار في الآخرة. ٤ إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً من عهدهم الذين عاهدتموهم عليه وَ لَمْ يُظاهِرُوا اى لم يعاونوا عَلَيْكُمْ أَحَداً من أعدائكم قال البغوي هم بنو حمزة من بنى كنانة و كان قد بقي من مدتهم تسعة أشهر و هم لم ينقضوا العهد فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ اى الى تمام مدتهم الذي عاهدتموهم عليه و لا تجروهم مجرى الناكثين و لا مجرى من لا عهد بينكم و بينهم إِنَّ اللّه يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٤) تعليل و تنبيه على ان إتمام عهدهم من باب التقوى قوله تعالى الا الذين عاهدتم إلخ استثناء من المشركين بمعنى الاستدراك كانه قيل انما أمرتم بنبذ العهد الى الناكثين او بقتال من لا عهد بينكم و بينهم من المشركين لا بقتال المعاهدين مدة معلومة او مؤيدة غير ناكثين. ٥ فَإِذَا انْسَلَخَ اى انقضى و اصل الانسلاخ خروج الشي ء مما هو لابسه من سلخ الشاة الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ قال مجاهد و ابن إسحاق هى شهور العهد فمن كان له عهد فعهده اربعة أشهر و من لا عهد له فاجله الى انقضاء المحرم خمسين يوما و قيل لها حرم لان اللّه حرم فيها على المؤمنين دماء المشركين و التعرض لهم فان قيل هذا القدر بعض الأشهر الحرم و اللّه تعالى يقول فاذا انسلخ الأشهر قيل لما كان هذا القدر متصلا بما مضى اطلق عليه اسم الجميع و معناه مضت المدة المعلومة المضروبة التي يكون مع انسلاخ الأشهر الحرم و لا يخفى ما فيه من التكلف و الظاهر ما قلنا ان المعنى إذا انسلخ الأشهر الحرم من كل سنة فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ غير من عوهدوا و لم ينقضوا حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ قال اكثر المفسرين في تفسيره في حل او حرم و هذا يناقض قوله صلى اللّه عليه و سلم ان هذا البلد حرمه اللّه يوم خلق السموات و الأرض فهو حرام بحرمة اللّه الى يوم القيامة و انه لم يحل القتال لاحد قبلى و لا يحل لى الا ساعة من النهار و قوله صلى اللّه عليه و سلم فان أحد ترخص بقتال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فيها فقولوا له ان اللّه قد اذن رسوله و لم يأذن لكم و انما اذن لى فيها ساعة من نهار و قد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس و الحديثان في الصحيحين و قد ذكرناهما من قبل و قوله عليه السلام الى يوم القيامة يمنع كونه منسوخا فالاولى ان يقال عموم الامكنة المفهوم من هذه الآية مخصوص بما سوى الحرم- (مسئله) القتال في الحرم و الأشهر الحرام يحل ان بدأ المشركون بالقتال لقوله تعالى الشهر الحرام بالشهر الحرام و الحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم الآية و قد ذكرنا في سورة البقرة وَ خُذُوهُمْ اى اسروهم و الأخيذ الأسير وَ احْصُرُوهُمْ قال ابن عباس يريد ان تحصنوا فاحصروهم اى امنعوهم من الخروج حتى يضطروا الى القتل او الإسلام او قبول الجزية و قيل امنعوهم دخول مكة و التصرف في بلاد الإسلام وَ اقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ على كل طريق و المرصد الموضع الذي يرصد فيه العدو من رصدت الشي ء ارصده إذا ترقبته يريد كونوا لهم رصدا لتاخذوهم من كل وجه توجهوا و لا تتركوهم ينبسطوا في البلاد و يدخلوا مكة فَإِنْ تابُوا من الشرك وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ يعنى قبلوا اقام الصلاة و إيتاء الزكوة فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّه غَفُورٌ لمن تاب رَحِيمٌ (٥) قال الحسن ابن فضيل هذه الآية نسخت كل اية في القران فيها ذكر الاعراض و الصبر على أذى الأعداء. ٦ وَ إِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ الذين امرتك بقتالهم و قتلهم أحد مرفوع بفعل مضمر يفسره اسْتَجارَكَ استامنك و طلب منك جوارك فَأَجِرْهُ فامنه حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللّه و يتدبره فيظهر له صدقك باعجازه و يعلم ما له و ما عليه من الثواب و من العقاب ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ اى موضع امنه و دار قومه ان لم يسلم فان قاتلك بعد ذلك فقاتله و اقتله ان قدرت عليه ذلِكَ الا من او الأمر بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ (٦) الحق من الباطل فلا بد لهم من سماع كلام اللّه تعالى حتى يعلموا قال الحسن هذه الآية محكمة الى يوم القيامة. ٧ كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللّه وَ عِنْدَ رَسُولِهِ لا خبر يكون كيف و قدم للاستفهام او للمشركين او عند اللّه و هو على الأولين صفة للعهد او ظرف له او ليكون و كيف على الآخرين حال من العهد و للمشركين ان لم يكن خبرا فتبين و الاستفهام للانكار و الاستبعاد على وجه التعجيب استبعاد لان يكون لهم عهد و لا ينكثوه مع كمال عنادهم و فسقهم او لان يفى اللّه و رسوله عهدهم و هم ينكثون إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ محله النصب على الاستثناء او الجر على البدل و جاز ان يكون الاستثناء منقطعا إن كان المراد بالمشركين الناكثين منهم اى و لكن الذين عدهدتم منهم عند المسجد الحرام فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ على العهد فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ على الوفاء و ما يحتمل الشرطية و المصدرية قال ابن عباس المراد بالدين عاهدتم عند المسجد الحرام قريش و قال قتادة هم اهل مكة الذين عاهدهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يوم الحديبية امر اللّه رسوله بالتبرص في أمرهم ان استقاموا على العهد يستقام لهم على الوفاء فلم يستقيموا و نقضوا العهد و أعانوا بنى بكر على خزاعة فغزا عليهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حتى فتح مكة ثم جعل لهم الامان و ضرب لهم بعد الفتح اربعة أشهر يختارون من أمرهم ما شاؤا الا ان يسلموا و اما ان يلحقوا باى بلاد شاؤا فاسلموا قبل الاربعة الأشهر و قال السدى و الكلبي و ابن إسحاق هم من قبايل بكر بنو خزيمة و بنو مدلج و هو ضمرة و بنو الديل و هم الذين كانوا قد دخلوا في عهد قريش يوم الحديبية فلم يكن نقض الا قريش و بنو الديل من بنى بكر فامر بإتمام العهد لمن لم ينقض و هم بنو ضمرة قال البغوي هذا القول اقرب للصواب لان هذه الآية نزلت بعد نقض قريش العهد و بعد فتح مكة فكيف يقول بشئ قد مضى فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم فانما هم الذين قال اللّه عز و جل الا للذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقضوكم شيئا كما نقضكم قريش و لم يظاهروا عليكم أحدا كما ظاهرت قريش بنو بكر على خزاعة حلفاء رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إِنَّ اللّه يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٧) و الاستقامة على إيفاء العهد من التقوى. ٨ كَيْفَ تكرار لاستبعاد ثباتهم على العهد او بقاء حكم إيفاء عهدهم مع التنبيه على علة الاستبعاد و حذف الفعل للعلم به يعنى كيف يكون لهم عهد و حالهم انه وَ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ اى يظفروا بكم لا يَرْقُبُوا اى لا يحفظوا و قال الضحاك لا ينظروا و قال قطرب لا يراعوا فِيكُمْ إِلًّا قال قتادة حلفا و قال ابن عباس و الضحاك قرابة و قال يمان رحما و قال السدى هو العهد و كذلك الذمة الا انه كرر لاختلاف اللفظين و قيل ربوبيته قال بيضاوى لعله اشتق للحلف من الال و هو الجوار لانهم كانوا إذا تحالفوا رفعوا أصواتهم و شهروه ثم استعير للقرابة لانها تعقد بين الأقارب ما لا يعقد الحلف ثم لربوبيته و لتربيته و قيل اشتقاقه من ال الشي ء إذا حدده أو أل البرق إذا لمع و قال ابو مجيز و مجاهد الال هو اللّه لفظ عبرى و كان عبيد بن عمير يقرأ جبرال بالتشديد يعنى عبد اللّه و في الخبران ناسا قدموا على ابى بكر من قوم مسيلمة الكذاب فاستقرأهم ابو بكر كتاب مسيلمة فقرؤا فقال ابو بكر رضى اللّه عنه ان هذا الكلام لم يخرج من ال يعنى اللّه عز و جل و الدليل على هذا التأويل قرأة عكرمة لا يرقبون في مؤمن الا يعنى اللّه عز و جل مثل جبرئيل و ميكائيل و في القاموس الال بالكسر العهد و الحلف و الجار و القرابة و الأصل الجيد و المعدن و الحقد و العداوة و الربوبية و اسم اللّه تعالى و كل اسم آخره ال أو إيل فمضاف الى اللّه تعالى و الوحى و الامان و الجزع عند المصيبة وَ لا ذِمَّةً عهدا او حقا يعاب على إغفاله يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ اى يقولون أقوالا موجبة مرضائكم نفاقا و تقية من الوعد بالايمان و الطاعة و وفاء العهد وَ تَأْبى قُلُوبُهُمْ ما يتفوهون به و يستبطنون الكفر و المعاداة بحيث ان ظفروا خالفوا ما تفوهوا به جملة يرضونكم مستانفه لبيان أحوالهم المنافية لثباتهم على العهد المقتضية لعدم مراقبتهم عند الظفر و لا يجوز جعله حالا من فاعل لا يرقبوا فانهم بعد ظهورهم لا يرضون المؤمنين وَ أَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ (٨) المراد بالفسق هاهنا نقض العهد و كان بعض المشركين يوفون العهود و يستنكفون من نقضها و لذلك خصص الفسق بأكثرهم دون كلهم. ٩ اشْتَرَوْا بِآياتِ اللّه استبدلوا بالقرآن ثَمَناً قَلِيلًا عوضا يسيرا من اعراض الدنيا قال البغوي ذلك انهم نقضوا العهد الذي بينهم و بين رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم باكلة أطعمهم ابو سفيان قال مجاهد اطعم ابو سفيان حلفاؤه فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ يعنى منعوا الناس من الدخول في دين اللّه و الفاء للدلالة على ان اشترائهم أداهم الى الصد قال ابن عباس و ذلك ان اهل الطائف امددهم بالأموال ليقووا على حرب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٩) اى عملهم هذا و ما دل عليه قوله. ١٠ لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَ لا ذِمَّةً فهو تفسير لقوله ما كانوا يعملون لا تكرير و قيل الاول عام في المنافقين و هذا خاص بالذين اشتروا و هم اليهود و الاعراب الذين جمعهم ابو سفيان و أطعمهم وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (١٠) المجاوزون عن الحد في الشرارة. ١١ فَإِنْ تابُوا عن الشرك وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ اى فهم إخوانكم فِي الدِّينِ لهم ما لكم و عليهم ما عليكم وَ نُفَصِّلُ الْآياتِ تنبيها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (١١) اعتراض للحث على تأمل ما فصل من احكام المعاهدين و التائبين قال ابن عباس حرمت هذه الاية دماء اهل القبلة و قال ابن مسعود أمرتم بالصلوة و الزكوة فمن لم يزك فلا صلوة له روى البخاري و غيره عن ابى هريرة قال لما توفي رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و كان ابو بكر و كفر من كفر من العرب فقال عمر كيف تقاتل الناس و قد قال النبي صلى اللّه عليه و سلم أمرت ان أقاتل الناس حتى يقولوا لا اله الا اللّه فمن قالها فقد عصم منى ماله و نفسه الا بحقه و حسابه على اللّه فقال ابو بكر و اللّه لا قاتلن من فرق بين الصلاة و الزكوة فان الزكوة حق المال و اللّه لو منعونى عناقا كانوا يؤدونها الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لقاتلتهم على منعها قال عمر فو اللّه ما هو الا ان قد شرح اللّه صدر ابى بكر فعرفت انه الحق و عن انس بن مالك قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من صلى صلوتنا و استقبل قبلتنا و أكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة اللّه و ذمة رسوله رواه البخاري و في الصحيحين عن ابن عمر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أمرت ان أقاتل الناس حتى يشهدوا ان لا اله الا اللّه و ان محمدا رسول اللّه و يقيموا الصلاة و يوتوا الزكوة فاذا فعلوا ذلك عصم منى دمائهم و أموالهم الا بحق الإسلام و حسابهم على اللّه الا ان مسلما لم يذكر و حسابهم على اللّه. ١٢ وَ إِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ اى نقضوا عهودهم مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ كما نكث كفار قريش وَ طَعَنُوا فِي دِينِكُمْ بالتكذيب و تقبيح الاحكام قال البغوي هذا دليل على ان الذي إذا طعن في دين الإسلام ظاهرا لا يبقى له عهد قلت و هذا الاستدلال ضعيف فان الشرط مجموع الامرين نقض العهد و الطعن في الدين فلا يترتب الحكم على أحدهما فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ قرأ الكوفيون و ابن عامر بهمزتين محققتين حيث وقع و في رواية عن هشام انه ادخل بينهما الفا و الباقون بهمزة و ياء مختلسة الكسرة من غير مد و ضع أئمة الكفر موضع الضمير و المعنى فقاتلوهم للدلالة على انهم صاروا بذلك ذوى الرياسة و التقدم في الكفر احقا بالقتل و قيل المراد بأئمة الكفر رؤس المشركين و قادتهم و هم اهل مكة و وجه تخصيصهم بالذكر اما ان قتلهم أهم و هم أحق به او للمنع عن مراقبتهم قال ابن عباس نزلت في ابى سفيان بن حرب و الحارث بن هشام و سهيل بن عمرو عكرمة بن ابى جهل و سائر روساء قريش يومئذ الذين نقضوا العهد و هم الذين هموا بإخراج أهلها بعد إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ اى لا عهود لهم جمع يمين يعنى لا يجب عليكم وفاء عهودهم بعد ما نكثوا و قال قطرب لا وفاء لهم بالعهد و قرا لا ايمان لهم بكسرة الهمزة اى لا تصديق لهم و لا دين لهم و قيل هو من الامان اى لا تؤمنوا هم بل اقتلوهم حيث وجدتموهم لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (١٢) متعلق بقاتلوا و جملة انهم لا ايمان لهم معترضة بينهما اى ليكن غرضكم في المقاتلة ان ينتهوا عما هم عليه من الشرك و المعاصي لا إيصال الاذية بهم كما هو طريقة الموذين و لا إحراز المال و الملك كما هو داب السلاطين ثم حث المسلمين على القتال فقال. ١٣ أَ لا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ يعنى نقضوا عهودهم وَ هَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ قيل المراد به اليهود و غيرهم من المنافقين و كفار المدينة نكثوا عهودهم حين خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الى تبوك و هوا بإخراجه صلى اللّه عليه و سلم من المدينة حيث قالوا لعنهم اللّه ليخرجن الأعز منها الأذل وَ هُمْ بَدَؤُكُمْ بالمعاداة حيث عاونوا المشركين عليه أَوَّلَ مَرَّةٍ قبل ان يقاتلهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و هذا اظهر لان السورة نزلت بعد غروة تبوك و قد اسلم اهل مكة قبل ذلك و ايضا هموا بإخراج الرسول يدل على انهم هموا بذلك و لم ينالوا به بخلاف اهل مكة فانهم هموا قتله و اضطروه الى الخروج فاخرجوا كما قال اللّه تعالى و إخراج اهله منه اكبر عند اللّه و قال بعض المفسرين المراد بالذين نكثوا ايمانهم الذين نقضوا صلح الحديبية و أعانوا بنى بكر على خزاعة و هموا بإخراج الرسول صلى اللّه عليه و سلم من مكة حين اجتمعوا في دار الندوة و هم بدأوكم بالقتال أول مرة لانه صلى اللّه عليه و سلم بدأ بالدعوة و الزام الحجة بالكتاب و التحدي به فعدلوا عن معارصته الى المعاداة و المقاتلة حتى اجتمعوا في دار الندوة و اجمعوا على قتله او لان أبا جهل قال يوم بدر بعد ما سلم العير لا ننصرف حتى نستاصل محمدا و أصحابه او لانهم بدأوا بقتال خزاعة حلفاء رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و هذا التأويل لا يتصور الا إذا كان نزول هذه الآيات قبل فتح مكة و حينئذ يستقيم ما قال ابن عباس ان قوله تعالى و ان نكثوا ايمانهم و طعنوا في دينكم نزلت في ابى سفيان و غيره المذكورين من قبل و قوله تعالى الا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا المراد به قريش امر اللّه رسوله بالتربص في أمرهم ان استقاموا على العهد يستقام لهم لكنهم لم يستقيموا و اللّه اعلم أَ تَخْشَوْنَهُمْ أ تتركون قتالهم خشية ان ينالكم مكروه منهم استفهام للانكار يعنى لا ينبغى ذلك فَاللّه أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ فى ترك امتثال امره فى قتال أعداءه و الفاء للسببية فان كون اللّه تعالى أحق ان يخشى سبب للانكار على الخشية من غيره إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٣) شرط استغنى عن الجزاء بما مضى يعنى ان كنتم مؤمنين فلا تخشوا الا اللّه فان مقتضى الايمان هذا لان من يعتقد ان خالق الأشياء الجواهر و الاعراض و افعال العباد ليس الا اللّه و ان أحدا لا يستطيع النفع و الضرر الا بمشية اللّه تعالى و إرادته لا يخشى أحدا غيره تعالى ثم لما وبخهم على ترك القتال جرد لهم الأمر به فقال. ١٤ قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّه بِأَيْدِيكُمْ قتلا وَ يُخْزِهِمْ و يذلهم اسرار و قهرا وَ يَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وعد لهم بالنصر و التمكن من قتل أعدائهم و إذلالهم وَ يَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (١٤) ١٥ وَ يُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ يعنى كربها و وجدها بمعونة قريش بنى بكر عليهم اخرج ابو الشيخ عن قتادة قال ذكر لنا ان هذه الآية نزلت في خزاعة حين جعلوا يقتلون بنى بكر بمكة و اخرج عن عكرمة قال نزلت هذه الآية فى خزاعة و اخرج عن السدى و يشف صدور قوم مؤمنين قال هم خزاعة خلفاء رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يشف صدورهم من بنى بكر و في الآية معجزات وَ يَتُوبُ اللّه عَلى مَنْ يَشاءُ ابتداء اخبار بان بعضهم يتوب عن كفره و كان ذلك ايضا معجزة و قد هدى الى الإسلام كثيرا من قريش مثل ابى سفيان و عكرمة بن ابى جهل و سهيل بن عمر وَ اللّه عَلِيمٌ بما كان و ما يكون حَكِيمٌ (١٥) لا بفعل الا بمقتضى الحكمة قال البغوي روى ان النبي صلى اللّه عليه و سلم قال يوم الفتح ارفعوا لا خزاعة من بنى بكر الى العصر. ١٦ أَمْ حَسِبْتُمْ خطاب للمومنين حين كره بعضهم القتال و قيل المنافقين و أم منقطعة بمعنى بل و الهمزة و الاستفهام للتوبيخ على الحسبان أَنْ تُتْرَكُوا فلا تومروا بالجهاد و لا تمتحنوا ليظهر الصادق من الكاذب وَ لَمَّا يَعْلَمِ اللّه الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ يعنى لم يتحقق منكم من جاهد في سبيل اللّه نفى العلم و أراد نفى المعلوم للمبالغة فانه كالبرهان عليه من حيث ان تعلق العلم به مستلزم لوقوعه او على طريق ذكر اللازم و ارادة الملزوم فان وقوع شي ء لا يمكن ان يتخلف من علم اللّه تعالى به وَ لَمْ يَتَّخِذُوا عطف على جاهدوا يعنى و لما يعلم اللّه الذين لم يتخذوا مِنْ دُونِ اللّه وَ لا رَسُولِهِ وَ لَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً بطانة يوالونهم و يفشون إليهم أسرارهم و في لما اشارة الى توقع وجود المجاهدين المخلصين في امة محمد صلى اللّه عليه و سلم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا يزال من أمتي امة قائمة بامر اللّه لا يضرهم من خذلهم و لا من خالفهم حتى يأتي امر اللّه و هم على ذلك متفق عليه من حديث معاوية و روى ابن ماجة بسند صحيح عن ابى هريرة نحوها و الحاكم و صححه عن عمر بلفظ لا يزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يقوم الساعة وَ اللّه خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٦) فيه دفع لما يتوهم من ظاهر قوله تعالى و لما يعلم اللّه قال البغوي قال ابن عباس لما اسر العباس يوم بدر غيره المسلمون بالكفر و قطيعة الرحم و اغلظ علىّ القول فقال العباس ما لكم تذكرون مساوينا و لا تذكرون محاسننا فقال ... على الكم محاسن قال نعم انا لنعمر المسجد الحرام و نحجب الكعبة و نسقى الحاج فانزل اللّه تعالى ردا على العباس. ١٧ ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ الآية أخرجه ابن جرير و ابو الشيخ عن الضحاك و اخرج ابن جرير و ابن المنذر و ابن ابى حاتم من طريق على بن ابى طلحة عنه بلفظ قال العباس ان كنتم سبقتمونا بالإسلام و الهجرة و الجهاد و لقد كنا نعمر المسجد الحرام و نسقى الحاج و نفك العاني فانزل اللّه تعالى هذه الآية يعنى ما صح للمشركين و ما ينبغى لهم أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللّه «١» يعنى شيئا من المساجد فضلا عن المسجد الحرام فانه يجب على المسلمين منهم من ذلك لان مساجد اللّه انما يعمر لعبادة اللّه وحده فمن كان كافرا باللّه فليس من شانه ان يعمرها فذهب جماعة الى ان المراد منه العمارة المعروفة من بناء المسجد و مرمته عند الخراب فيمنع منه الكافر حتى لو اوصى به لا ينفذ و حمل بعضهم العمارة هاهنا على دخول المسجد و القعود فيه اخرج احمد و الترمذي و ابن حبان و الحاكم عن ابى سعيد قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا رايتم الرجل بعامر المسجد فاشهدوا له بالايمان قال اللّه تعالى انما يعمر مساجد اللّه من أمن باللّه و قال الحسن ما كان للمشركين ان يتركوا فيكونوا اهل المسجد الحرام قرا ابن كثير و ابو عمر و يعقوب مسجد اللّه على التوحيد (١) عن عمر بن الخطاب سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من بنى مسجدا يذكر فيه اسم اللّه بنى اللّه له بيتا في الجنسة ١٢. و المراد الجنس و قيل أراد به المسجد الحرام لقوله و عمارة المسجد الحرام و لقوله تعالى فلا يقربوا المسجد الحرام و ذلك هو المراد بصيغة الجمع قال الحسن انما قال مساجد اللّه لانه قبلة المساجد كلها فكان عمارته عمارة الجميع و قال القراء ربما ذهبت العرب بالواحد الى الجمع و بالجمع الى الواحد الا ترى ان الرجل يركب البرذون و يقول أخذت في ركوب البراذين و يقال فلان كثير الدرهم و الدينار يريد الدراهم و الدنانير شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ اى مظهرين الشرك و تكذيب الرسول صلى اللّه عليه و سلم و هو حال من ضمير يعمروا و المعنى ما استقام لهم ان يجمعوا بين أمرين متنافيين عمارة بيت اللّه و عبادة غيره و قال الحسن لم يقولوا نحن كفار و لكن كلامهم بالكفر شاهد عليهم بالكفر و قال الضحاك عن ابن عباس شهادتهم على أنفسهم بالكفر سجودهم للاصنام و ذلك ان كفار قريش نصبوا الأصنام خارج البيت الحرام عند القواعد و كانوا يطوفون بالبيت عراة كلما طاقوا شوطا سجدوا لاصنامهم و قال السدى شهادتهم على أنفسهم بالكفر هو ان النصراني يسال فيقال من أنت فيقول نصرانى و اليهودي يقول يهودى و نحو ذلك أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ التي يفتخرون بها و يزعمونها محاسن من سقاية الحاج و عمارة البيت و فك العاني لانها ليست للّه تعالى خالصا وَ فِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ (١٧) لاجل الكفر و المعاصي و حبط الحسنات. ١٨ إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللّه مَنْ آمَنَ بِاللّه وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ أَقامَ الصَّلاةَ وَ آتَى الزَّكاةَ وَ لَمْ يَخْشَ إِلَّا اللّه قف اى لم يخف في الدين غير اللّه و لم يترك امر اللّه مخافة غيره و الا فالخشية من المخاوف امر جبلى لا يكاد العاقل يتمالك عنها خص اللّه سبحانه عمارة المسجد بالمؤمنين فانهم هم الجامعون لهذه الكمالات العلمية و العملية و انما لم يذكر الايمان بالرسول لان الايمان باللّه كما ينبغى لا يتصور الا أخذا من الرسول صلى اللّه عليه و سلم و من ثم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أ تدرون ما الايمان باللّه وحده قالوا اللّه رسوله اعلم قال شهادة ان لا اله الا اللّه و ان محمدا رسول اللّه الحديث في الصحيحين عن ابن عباس في قصة و قد عبد القيس و المراد بعمارة المسجد ادامة العبادة و الذكر فيه و درس العلم و القرآن عن ابى سعيد الخدري قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا رايتم الرجل يعتاد المسجد و فى لفظ يتعاهد المسجد فاشهدوا له بالايمان فان اللّه تعالى قال انما يعمر مساجد اللّه من أمن باللّه و اليوم الآخر رواه الترمذي و ابن ماجة و الدارمي و البغوي و عن ابى هريرة عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال من غدا الى مسجد او راح أعد اللّه له منزلة من الجنة كلما غدا أو راح متفق عليه و عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم سبعة يظلهم اللّه فى ظله يوم لا ظل الا ظله و ذكر فيهم رجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود فيه متفق عليه و عن سلمان رضى اللّه عنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من توضاء في بيته فاحسن الوضوء ثم اتى المسجد فهو زائير اللّه حق على المزور ان يكرم زائيره رواه الطبراني و عبد الرزاق و ابن جرير في تفسيرهما و البيهقي في شعب الايمان و عن عمرو بن ميمون قال كان اصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقولون ان بيوت اللّه في الأرض المساجد و ان حقا على اللّه ان يكرم من زاره فيما رواه البيهقي في شعب الايمان و عبد الرزاق و ابن جرير في تفسيرهما و من عمارة المسجد بنائها و تزيينها و تنويرها بالسرج و صيانتها مما لم تبن له كحديث الدنيا و البيع و الشراء و غير ذلك عن محمود ابن لبيد ان عثمان بن عفان أراد بناء المسجد فكره الناس ذلك و أحبوا ان يدعه قال عثمان سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول من بنى للّه مسجدا بنى اللّه له بيتا في الجنة و في رواية بنى اللّه له كهيئته في الجنة و في لفظ من بنى مسجدا ينبغى به وجه اللّه نبى اللّه له مثله في الجنة رواه احمد و الشيخان في الصحيحين و الترمذي و صححه و ابن ماجة و البغوي و كذا روى ابن ماجة عن على و روى احمد عن ابن عباس بسند صحيح من بنى اللّه مسجدا و لو كقحص قطاة لبيضها بنى اللّه له بيتا في الجنة و الطبراني عن ابى امامة بسند صحيح من بنى اللّه مسجدا بنى اللّه له في الجنة أوسع منه و عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من سمع رجلا ينشد ضانة في المسجد فليقل لا ردها اللّه عليك فان المساجد لم تبن لهذا رواه مسلم و عن عايشة قالت امر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ببناء المسجد في الدور و ان ينظف و يتطيب رواه ابو داود و الترمذي و ابن ماجة و عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن تناشد الاشعار في المسجد و عن البيع و الاشتراء فيه و ان يتحلق الناس قبل الصلاة في المسجد رواه ابو داود و الترمذي و عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا رايتم من يبيع او يبتاع في المسجد فقولوا لا اربح اللّه تجارتك و إذا رايتم من ينشد ضالة فقولوا لا رد اللّه عليك رواه الترمذي و الدارمي و اللّه اعلم فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (١٨) المتمسكين بطاعة اللّه التي يؤدى الى الجنة ذكر بصيغة التوقع قطعا لاطماع المشركين في الاهتداء و الانتفاع بأعمالهم و توبيخا لهم في القطع بانهم مهتدون فان هؤلاء مع كمالهم إذا كان ابتدائهم دائرا بين عسى و لعل فما ظنك باضدادهم و منعا للمومنين بان يغتروا بأعمالهم و يتكلوا عليها اخرج ابو نعيم عن على رضى اللّه عنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان اللّه تبارك و تعالى اوحى الى بنى من أنبياء بنى إسرائيل قل لاهل طاعتى من أمتك ان لا يتكلوا على أعمالهم فانى لا انا أصيب عبد الحساب يوم القيامة أشاء أعذبه الا عذبته و قل لاهل معصيتى من أمتك ان لا تلقوا بايديكم فانى اغفر الذنوب العظيمة و لا أبالي و اللّه اعلم اخرج مسلم و ابن حبان و ابو داود عن النعمان بن بشير قال كنت عند منبر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في نفر من أصحابه فقال رجل منهم ما أبالي ان لا اعمل اللّه عملا بعد الإسلام الا ان أسقي الحاج و قال آخر بل عمارة المسجد الحرام و قال آخر بل الجهاد في سبيل اللّه خير مما قلتم فزجرهم عمر و قال لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و ذلك يوم الجمعة و لكن إذا صليت الجمعة دخلت على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فاستفتيته فيما اختلفتم فيه فانزل اللّه تعالى. ١٩ أَ جَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ الآية و اخرج الفريابي عن ابن سيرين قال قدم على بن ابى طالب مكة فقال للعباس اى عم الا تهاجر الا تلحق برسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال اعمر المسجد الحرام و احجب البيت فانزل اللّه تعالى هذه الآية قال البغوي قال ابن عباس قال العباس حين اسر يوم بدر لئن سبقتمونا بالإسلام و الهجرة و الجهاد لقد كنا نعمر المسجد الحرام و نسقى الحاج فانزل اللّه تعالى هذه الآية و اخبر ان عمارتهم المسجد الحرام و قيامهم على السقاية لا ينفعهم مع الشرك باللّه و الايمان باللّه و الجهاد مع النبي صلى اللّه عليه و سلم خير مما هم عليه و قال البغوي قال الحسن و الشعبي و محمد بن كعب القرظي و كذا اخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي انها نزلت في على بن ابى طالب و العباس بن عبد المطلب و طلحة بن شيبة افتخروا فقال طلحة انا صاحب البيت بيدي مفاتيحه و قال العباس انا صاحب السقاية و القائم عليها و قال على ما أدرى ما يقولون لقد صليت الى القبلة ستة سنة يعنى قبل الناس و انا صاحب الجهاد فانزل اللّه أ جعلتم سقاية الحاج وَ عِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّه وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ جاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّه السقاية و العمارة مصدر ان من أسقي و عمر فلا بد هاهنا من تقدير ما يقال بحذف المضاف في المشبه او في المشبه به فيقال أ جعلتم اهل سقاية الحاج و عمارة المسجد الحرام كمن أمن او يقال أ جعلتم سقاية الحاج و عمارة المسجد كايمان من أمن باللّه و جهاد من جاهدوا ما ان يقال المصدر بمعنى الفاعل يعنى ساقى الحاج و عامر المسجد الحرام كقوله تعالى و العاقبة للتقوى يويده قراءة عبد اللّه بن الزبير أ جعلتم سقاة الحاج و عمرة المسجد الحرام ... على جمع الساقي و العامر و الاستفهام للانكار فان كان نزول الآية في اختلاف المؤمنين بالمشركين كما يدل عليه قول ابن عباس و محمد بن كعب و غيرهما فلا خفاء في انكار المشابهة بين المشركين و أعمالهم المحبطة بالمؤمنين و أعمالهم المثبتة و إن كان نزولها في اختلاف المؤمنين كما روى مسلم عن النعمان بن بشير فالمراد بعمارة المسجد بنائها دون ادامة الذكر و الصلاة فيها فان دوام الذكر أفضل من الجهاد لقوله صلى اللّه عليه و سلم ما من شي ء أنجى من عذاب اللّه من ذكر اللّه رواه مالك و الترمذي و ابن ماجة من حديث معاذ بن جبل و رواه البيهقي في الدعوات الكبير من حديث عبد اللّه بن عمر و زاد قالوا و لا الجهاد في سبيل اللّه قال و لا الجهاد في سبيل اللّه الا ان يضرب بسيفه حتى ينقطع و قوله صلى اللّه عليه و سلم الا أنبئكم بخير أعمالكم و أزكاها عند مليككم و ارفعها في درجاتكم و خير لكم من انفاق الذهب و الورق و خير لكم من ان تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم و يضربوا أعناقكم قالوا بلى قال ذكر اللّه رواه احمد و الترمذي و ابن ماجه عن ابى الدرداء و رواه مالك موقوفا على ابى الدرداء و عن ابى سعيد ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم سئل اى العباد أفضل و ارفع درجة عند اللّه يوم القيامة قال الذاكرون اللّه كثيرا و الذاكرات قيل يا رسول اللّه و من الغازي في سبيل اللّه قال لو ضرب بسيفه في الكفار حتى ينكسر او يختضب دما فان الذاكر للّه أفضل منه درجة رواه احمد و الترمذي و قال حديث غريب و اللّه اعلم لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللّه تقرير لعدم المشابهة وَ اللّه لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٩) هذا يؤيد قول من قال ان المراد عدم الاستواء بين فعل المؤمنين من الايمان و الجهاد و فعل المشركين من سقاية الحاج و عمارة المسجد الحرام و المعنى و اللّه لا يهدى القوم الظالمين بالشرك فكيف يساوون الذين هديهم اللّه و وفقهم للحق و الصواب و قيل المراد بالظلمين الذين يحكمون بالمساواة بينهم و بين المؤمنين و اللّه اعلم (قصّه استقاء من زمزم) روى البخاري و غيره عن ابن عباس ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم جاء الى السقاية فاستسقى فقال العباس يا فضل اذهب الى أمك فان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بشراب من عندها فقال اسقني فقال يا رسول اللّه انهم يجعلون أيديهم فيه قال اسقني فشرب منه ثم اتى زمزم و هم يسقون و يعملون فيها فقال اعملوا فانكم على عمل صالح ثم قال لو لا ان تغلبوا لنزلت حتى اصنع الحبل على هذه و أشار الى عاتقه و روى مسلم عن بكر بن عبد اللّه المزني قال كنت جالسا مع ابن عباس رضى اللّه عنهما عند الكعبة فاتاه أعرابي فقال مالى ارى بنى عمكم يسقون العسل و اللبن و أنتم تسقون النبيذ ا من حاجة بكم أم من بخل فقال ابن عباس رضى اللّه عنهما الحمد للّه ما بنا من حاجة و لا بخل قدم النبي صلى اللّه عليه و سلم على راحلته و خلفه اسامة فقال أحسنتم و اجملتم كذا فاضعوا فلا نريد نغير ما امر به رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم. ٢٠ الَّذِينَ آمَنُوا وَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللّه بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً أعلى رتبته و اكثر كرامة عِنْدَ اللّه من الذين افتخروا بعمارة المسجد الحرام و سقاية الحاج او من لم يستجمع هذه الصفات من المؤمنين وَ أُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (٢٠) الناجون من النار الواصلون الى الجنة و الدرجات العلى دون المشركين و ان كانوا سقاة الحاج و عمار المسجد. ٢١ يُبَشِّرُهُمْ قرأ حمزة بالتخفيف من الافعال و الباقون بالتشديد من التفعل رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَ رِضْوانٍ وَ جَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها اى في الجنات نَعِيمٌ مُقِيمٌ (٢١) دائم تنكير المبشر به للاشعار بانه وراء التعيين و التعريف. ٢٢ خالِدِينَ فِيها أَبَداً أكد الخلود بالتابيد لانه قد يستعمل للمكث الطويل إِنَّ اللّه عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (٢٢) يستحقر دونه ما استوجبوا لاجله او نعم الدنيا و اللّه اعلم. ٢٣ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَ إِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ قال البغوي قال مجاهد هذه الآية متصلة بما قبلها نزلت في قصة العباس و طلحة و امتناعهما من الهجرة و قال الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس لما امر النبي صلى اللّه عليه و سلم الناس بالهجرة فمنهم من تعلق به اهله و ولده يقولون ننشدك باللّه ان يقنعنا فيرق عليهم فيقيم عليهم و يدع الهجرة فانزل اللّه تعالى هذه الآية و قال مقاتل نزلت في التسعة الذين ارتدوا عن الإسلام و لحقوا بمكة فنهى اللّه المؤمنين عن ولايتهم و انزل هذه الآية يعنى لا تتخذوهم اولياء بطانة و أصدقاء فتفشون إليهم اسراركم و توثرون المقام معهم على الهجرة ان استحبوا اى اختار و الكفر على الايمان كذا روى الثعلبي عنه وَ مَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فيطلعهم على عورات المسلمين و يؤثرون المقام ... معهم على الهجرة و الجهاد فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٣) لوضعهم الموالاة في غير موضعه فان محل موالاة المسلمين المسلمون قال البغوي لما نزلت الآية المذكورة قال الذين اسلموا و لم يهاجروا ان نحن هاجرنا ضاعت أموالنا و ذهبت تجارتنا و خربت دورنا و قطعنا أرحامنا فنزلت. ٢٤ قُلْ يا محمد للمتخلفين عن الهجرة إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَ أَبْناؤُكُمْ وَ إِخْوانُكُمْ وَ أَزْواجُكُمْ وَ عَشِيرَتُكُمْ قرأ ابو بكر عن عاصم و عشيراتكم بالألف على الجمع و الباقون بلا الف يعنى اقربائكم ماخوذ من العشرة وَ أَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها اى اكسبتموها وَ تِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها اى فوت وقت رواجها و نفاقها وَ مَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللّه وَ رَسُولِهِ وَ جِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فقعدتم لاجله عن الهجرة و الجهاد فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللّه بِأَمْرِهِ جواب و وعيد قال عطاء بقضائه يعنى بالعقوبة العاجلة و الاجلة و قال مجاهد و مقاتل بفتح مكة وَ اللّه لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (٢٤) الخارجين عن طاعة اللّه تعالى اى لا يرشدهم قال البيضاوي المراد الحب الاختياري يعنى إيثار هذه الأشياء و ترك امتثال أوامر اللّه تعالى و رسوله صلى اللّه عليه و سلم دون الحب الطبيعي فانه لا يدخل تحت التكليف و التحفظ عنه قلت و كمال الايمان ان يكون الطبيعة تابعة للشريعة فلا يقتضى الطبيعة الا ما يأمره الشريعة قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من أحب للّه و ابغض للّه و اعطى للّه و منع للّه فقد استكمل الايمان و في رواية فقد استكمل إيمانه رواه ابو داود عن ابى امامة و الترمذي عن معاذ بن انس مع تقديم و تأخير و في الصحيحين عن انس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا يومن أحدكم حتى أكون أحب اليه من والده و ولده و الناس أجمعين و المراد لا يومن ايمانا كاملا و فيهما عنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ثبت من كن فيه وجد بهن حلاوة الايمان من كان اللّه و رسوله أحب اليه مما سواهما و من أحب عبدا لا يحب الا للّه و من يكره ان يعود في الكفر بعد ان أنقذه اللّه منه كما يكره ان يلقى في النار قلت وجدان حلاوة الايمان عبارة عن الاستلذاذ به كما يستلذذ الرجل بالشهوات الطبيعية و ذلك كمال الايمان و لا يكتسب ذلك الا من مصاحبة ارباب القلوب الصافية و النفوس الزاكية رزقنا اللّه سبحانه و هذه الآية و ما ذكرنا من الأحاديث «١» يوجب افتراض اكتساب التصوف من خدمة المشايخ رضى اللّه عنهم أجمعين و معنى قوله تعالى و اللّه لا يهدى القوم الفاسقين يعنى لا يرشدهم الى معرفته قال البيضاوي في الآية تشديد عظيم و قل من يتخلص عنه قلت ذلك القليل هو الصوفية العلية قال صاحب المدارك الآية تنعى على الناس ما هم عليه من رخاوة عقد الدين و اضطراب حبل اليقين إذ تجد من (١) عن عبد اللّه بن هشام قال كنا مع النبي صلى اللّه عليه و سلم و هو آخذ بيد عمر بن الخطاب فقال و اللّه لانت يا رسول اللّه أحب الىّ من كل شي ء الا نفسى فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم لا يومن أحدكم حتى أكون أحب اليه من نفسه ١٢. أورع الناس من يستجب دينه على الآباء و الأبناء و الأموال و حظوظ الدنيا قلت الا من أعطاه اللّه معرفته فيقول ما قال الشاعر بالفارسية. آنكس كه ترا شناخت جان را چه كند فرزند و عيال و خان و مان را چه كند ديوانه كنى هر دو جهانش بخشى ديوانه تو هر دو جهانرا چه كند . ٢٥ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّه فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ يوم بدر و قينقاع و الأحزاب و النضير او قريظة و الحديبية و خيبر و فتح مكة و غيرها قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم نصرت بالرعب مسيرة شهر وَ يَوْمَ حُنَيْنٍ عطف على مواطن اما بتقدير المضاف في المعطوف يعنى مواطن حنين او في المعطوف عليه يعنى في ايام مواطن كثيرة او يفسر المواطن بالأوقات كمقتل الحسين رضى اللّه عنه إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ كانوا اثنى عشر الفا او اربعة عشر الفا كما سيجئى في القصة و الكفار اربعة آلاف كذا جزم غير واحد و جزم الحافظ و غيره بانهم كانوا ضعف عدد المسلمين او اكثر من ذلك فعلى هذا كان المشركون اربعة و عشرين الفا او ثمانية و عشرين الفا و قوله إذا أعجبتكم بدل من يوم حنين و لم يمنع إبداله منه ان يعطف على موضع في مواطن فانه لا يقتضى مشاركتهما فيما أضيف اليه المعطوف حتى يقتضى كثرتهم و إعجابهم كثرتهم في جميع المواطن و حنين واد بين مكة و الطائف الى جنب ذى المجاز قريب من الطائف بينه و بين مكة بضع عشر ميلا حارب فيه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم هوازن و هو قبيلة كبيرة من العرب فيها عدة بطون و هو هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن غيلان بن الياس بن مضر و ثقيف بطن منها (قصّة غزوة حنين) قال ائمة المغازي لما فتح رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مكة في رمضان سنة ثمان من الهجرة مشت اشراف هوازن و ثقيف بعضها الى بعض و اشفقوا ان يغيروهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و قالوا قد فرغ لنا فلا ناحية «١» له دوننا و الرأي ان نغزوه فاجمعوا أمركم فسيروا في الناس و سيروا اليه قبل ان يسير إليكم فاجتمعت هوازن و جمعها مالك بن عوف بن سعد بن ربيعة النضري و اسلم بعد ذلك و اجتمع اليه مع هوازن ثقيف كلها (١) اى لا مانع ١٢. و نصر و جشم كلها و سعد بن بكر ناس من بنى هلال و هم قليل لا يبلغون مائة و لم يشهدها من قيس بن غيلان و لم يحضرها من هوازن كعب و لا كلاب مشى فيها ابن ابى براء فنهاها عن الحضور و قال و اللّه لو ناوى اى عادى محمد ما بين المشرق و المغرب لظهر عليهم و كان في جشم دريد بن الصمة ابن ستين و مائة سنة او عشرين و مائة سألوا دريدا الرياسة عليهم لرايه قال ما ابصر و لا استمسك على الدابة و لكن احضر معكم لان أشير عليكم براى على ان لا تخالفوني فان تخالفوني لا اخرج فجاءه مالك بن عوف و كان امر الناس اليه و هو ابن ثلثين سنة فقال لا نخالفك فلما اجمع مالك المسير الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم امر الناس فخرجوا معهم باموالهم و نسائهم ثم انتهى الى أوطاس فعسكر به و جعلت الامداد تأتيه من كل جهة و اقبل دريد بن الصمة فقال مالى اسمع بكاء الصغير و رغاء البعير و نهيق الحمير و يعار الشاء و خوار البقر قالوا ساق مالك مع الناس أبنائهم و نسائهم و أموالهم فقال دريد لمالك لم سقت قال أردت ان اجعل خلف كل انسان اهله و ماله ... يقاتل عنهم فقال دريد هذا راعى ضان ماله و للحرب و صفق دريد احدى يديه على الاخرى تعجبا هل يرد المنهزم شي ء انها انكانت لك لم ينفعك الا رجل بسيفه و رمحه و انكانت عليك فضحت في أهلك و مالك ارفع النساء و الذراري و الأموال الى عليا قومهم و ممتنع بلادهم ثم الق القوم على متون «١» الخيل و الرجال فانكانت لك لحق بك من ورائك و إن كان عليك فقد أحرزت أهلك و مالك قال مالك لا افعلي قد كبرت و كبر عقلك فغضب دريد ثم قال دريد يا معشر هوازن ما فعلت كعب و كلاب قالوا ما شهد منهم أحد قال غاب الحد «٢» و الجد «٣» لو كان يوم علاء و رفعة «٤» ما تخلفوا عنه يا معشر هوازن ارجعوا و افعلوا ما فعل هؤلاء قابوا عليه قال فمن شهدها منكم قالوا عمرو بن عامر و عوف بن عامر قال ذانك جذغان «٥» من بنى عامر لا ينفعان و لا يقران قال لدريد هل من راى غير هذا قد امر القوم قال دريد نعم تجعل كمينا «٦» يكونون لك عونا ان حمل القوم عليك جاءهم الكمين (١) متون جمع متن بمعنى الظهر ١٢. (٢) الحد بفتح الحاء المهملة المنع ١٢. (٣) الجد يكسر الجيم الشجاعة ١٢. (٤) عطف تفسير ١٢. (٥) يعنى انهمك ضعيفان في الحرب نزلة الجذع ١٢. (٦) اى الجيش المختفى ١٢. [.....]. من خلفهم و كررت أنت بمن معك و انكانت الحملة لك لم يفلت من القوم أحد فذلك حين امر مالك ان يكونوا كمنافى الشعاب و بطون الاودية فحملوا الحملة الاولى التي انهزم فيها اكثر اصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و لما بلغ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم خبر هوازن و ما عزموا عليه أراد التوجه الى قتالهم و استخلف عتاب بن أسيد أميرا على مكة و هو ابن عشرين سنة و معاذ بن جبل يعلمهم السنن و الفقه و روى البخاري عن ابى هريرة ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال حين أراد حنينا منزلنا غدا إنشاء اللّه بخيف بنى كنانة حيث تقاسموا على الكفر و استعار من صفوان بن امية ادرعا و سلاحا فقال أ غصبا يا محمد أم عارية قال بل عارية ... مضمونة فاعطى له مائة درع بما يكفيهما من السلاح كذا روى ابن إسحاق عن جابر و ابو داود و احمد عن امية بن صفوان قال السهيلي و استعار من نوفل بن الحارث بن عبد المطلب ثلثة آلاف رمح فقال كانى انظر الى رماحك هذه في تقصف ظهر المشركين فخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في اثنى عشر الف من المسلمين عشرة آلاف من اهل المدينة و الفين من اهل مكة يوم السبت بست خلون من شوال سنة روى ابو الشيخ عن محمد بن عبيد اللّه الليثى كان مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من اهل المدينة عشرة آلاف اربعة آلاف من الأنصار و من كل من جهينة و مزينة و اسلم و غفار و أشجع الف و من المهاجرين و غيرهم الف و قال عروة و الزهري قدم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مكة باثنى عشر الف و أضيف إليهم الفان من الطلقاء فكانوا اربعة عشر الفا قال ابن عقبة و محمد بن عمر لما خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الى حنين خرج معه اهل مكة لم يغادر منهم أحدا ركبانا و مشاة حتى خرجن معه النساء يمشين على غير دين نظارا ينظرون و يرجون الغنائم و لا يكرهون ان يكون الصدمة لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و كان معه ابو سفيان بن حرب و صفوان بن امية و كانت امرأته مسلمة و هو مشرك لم يفرق بينهما و مع النبي صلى اللّه عليه و سلم زوجتيه أم سلمة و ميمونة ضربت لهما قبة روى ابن إسحاق و الترمذي و صححه و النسائي و ابن حبان عن الحارث بن مالك قال خرجنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الى حنين و نحن حديثوا عهد بالجاهلية و كانت لكفار قريش و من سواهم شجرة عظيمة و عند الحاكم في الإكليل سدرة خضرا يقال لها ذات نواط «١» ياتونها كل سنة فيعلقون أسلحتهم عليها و يذبحون عندها و يعكفون عليها يوما قرابنا و نحن نسير مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم سدرة خضرا عظيمة فتنادينا يا رسول اللّه اجعل ذات نواط كما لهم ذات نواط فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اللّه اكبر اللّه اكبر قلتم و الذي نفسى بيده كما قال قوم موسى اجعل لنا الها كما لهم الهة قال انكم قوم تجهلون انها لسنن لتركبن سنن من قبلكم حذوا لقده بالقذة و عن سهيل بن حنظلة رضى اللّه عنه قال جاء فارس فقال يا رسول اللّه طلعت جبل كذا و كذا فاذا هوازن جاءت عن بكرة أبيها «٢» بظعنهم و نعمهم و شائهم اجتمعوا فتبسم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و قال تلك غنيمة المسلمين إنشاء اللّه تعالى ثم قال من يحرسنا الليلة قال انس بن مالك ابى مرثد انا يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال فاركب و استقبل هذا الشعب حتى تكون أعلاه و لا تغرن من قبلك فلما صلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الصبح فاذا هو قد جاء فقال انى انطلقت حتى كنت في أعلا هذا الشعب حيث أمرني رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فلما أصبحت طلعت الشعبين كلاهما فنظرت فلم ار أحدا فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قد أوجبت فلا عليك ان لا تعمل بعدها رواه ابو داود و النسائي و بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عبد اللّه بن حدرد ليكشف خبر هوازن فدخل فيهم فاقام فيهم يوما او يومين فسمع من مالك يقول لاصحابه ان محمدا لم يقاتل قوما قبل هذه المرة انما كان يلقى قوما أغمارا لا علم لهم بالحرب فيظهر عليهم فاذا (١) من ناط ينوط إذا علقة و كلما علق من شي ء فهو نوط ١٢. (٢) عن بكرة أبيها بفتح الموحدة و سكون الكاف كلمة للعرب يريدون به الكثرة يعنى انهم جادا جميعا لم يتخلف منهم أحد و ليس هذا البكرة على الحقيقة و هى التي يستقى عليها الماء ١٢. كان السحر فصفوا مواشيكم و نسائكم و أبنائكم من ورائكم ثم يكون الجملة منكم و اكسروا جفون سيوفكم فتلقون بعشرين الف سيف مكسورة الجفون و احملوا حملة رجل واحد و اعلموا ان الغلبة لمن حمل اولا كذا روى ابن إسحاق عن جابر بن عبد اللّه و عمرو بن شعيب و عبد اللّه بن ابى بكر بن عمرو بن حزم و روى محمد بن عمر عن ابى بردة بن بيار قال كنا باوطاس نزلنا تحت شجرة عظيمة نزل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم تحتها فاذا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم جالس و عنده رجل جالس فقال ان هذا الرجل جاءنى و انا نائم فسل سيفى ثم قام به على راسى فانتبهت و هو يقول يا محمد من يمنعك منى فقلت اللّه فسللت سيفى و قلت يا رسول اللّه دعنى اضرب عنق عدو اللّه فانه من عيون المشركين فقال لى اسكت يا با بردة فما قال له شيئا و لا عاقبه فقال يا أبا بردة ان اللّه مانعى و حافظى حتى يظهر دينه على الدين كله و روى ابو نعيم و البيهقي ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انتهى حنينا مساء الليلة الثلثاء لعشر خلون من شوال و بعث مالك بن عوف ثلثة من هوازن ينظرون الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و أصحابه و أمرهم ان يتفرقوا في العسكر فرجعوا إليهم و قد تفرقت أوصالهم فقال ويلكم ما شانكم فقالوا رأينا رجالا بيضا على خيل بلق فو اللّه ما تماسكنا ان أصابنا ما ترى و اللّه ما نقاتل اهل الأرض انما نقاتل اهل السماء و ان اطعتنا رجعت بقومك فان الناس ان راوا مثل الذي راينا أصابهم مثل الذي أصابنا فقال أف لكم بل أنتم اجبن اهل العسكر فحبسهم عنده فرقا ان يشيع ذلك الرعب في العسكر و قال دلونى على رجل شجاع فاجمعوا له على رجل فخرج ثم رجع اليه و قد أصابه نحو ما أصاب من قبله منهم فقال مثل الذي قالت الثلاثة قال محمد بن عمر لما كان ثلثا الليل عمد مالك بن عوف الى أصحابه فعبّاهم «١» في وادي حنين و هو واد أخوف خطوطه ذو شعاب و مضائق و فرق الناس فيها و قال لهم ان يحملوا على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و أصحابه حملة رجل واحد و عبّا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أصحابه وصفهم صفوفا في السحر و وضع الالوية و الرايات في أهلها و ليس درعين و المغفر و البيضة و استقبل الصفوف و طاف عليها بعضها خلف بعض يتحدرون فحضهم على القتال و بشرهم بالفتح ان صدقوا و صبروا و قدم خالد بن وليد في بنى سليم و اهل مكة (١) عبّا تعبية اى رتبهم في مواضعهم و هياهم للحرب ١٢. و جعل ميمنة و ميسرة و قلبا و كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فيه روى ابو الشيخ و الحاكم و صححه و البزار و ابن مردوية عن انس قال لما اجتمع يوم حنين اهل مكة و اهل المدينة أعجبتهم كثرتهم فقال القوم اليوم و اللّه نقاتل و لفظ البزار قال غلام من الأنصار لن تغلب اليوم من قلة فما هو الا ان لاقينا عدونا فانهزم القوم و ولوا مدبرين و في روايته يونس بن بكر في زيادات المغازي كره رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما قالوا و ما أعجبتهم كثرتهم و كذا روى ابن المنذر عن الحسن و ذلك قوله تعالى إذ أعجبتكم كثرتكم فَلَمْ تُغْنِ اى الكثرة عَنْكُمْ شَيْئاً من الإغناء او من امر العدو وَ ضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ما مصدرية و الباء بمعنى مع اى مع رحبها اى سعتها او المعنى ملتبسة برحبها على ان الجار و المجرور في موضع الحال كقولك دخلت عليه بثياب السفر اى ملتبسا بها يعنى ان الأرض مع سعتها لا تجدون فيها مقرا تطمئن اليه نفوسكم من شدة الرعب او لا تبوئون السفر اى ملتبسا بها يعنى ان الأرض مع سعتها لا تجدون فيها كمن لا يسعه مكانه ثُمَّ وَلَّيْتُمْ الكفار ظهوركم خطاب الى الذين انهزموا من المؤمنين مُدْبِرِينَ (٢٥) منهزمين الأدبار الذهاب الى خلف ضد الإقبال روى ابن إسحاق و احمد و ابن حبان عن جابر و ابو يعلى و محمد بن عمر عن انس قال جابر لما استقبلنا وادي حنين انحدرنا من واد أخوف ذو خطوط له مضائق و شعب و قد كان القوم سبقونا الى الوادي فكمنوا في شعابه و اخبانه و مضائقه و تهيئوا عدوا فو اللّه ما راينا و نحن منحطون الا الكثائب قد شدوا علينا شدة رجل واحد و كانوا رماة و قال انس استقبلنا من هوازن شي ء لا و اللّه ما رايت مثله في ذلك الزمان قط من الكثرة و له بسواد و قد ساقوا نسائهم و أبنائهم و أموالهم ثم صفوا صفوفا فجعلوا النساء فوق الإبل وراء صفوف الرجال تم جاؤا بالإبل و البقر و الغنم فجعلوها وراء ذلك لئلا يفروا بزعمهم فلما رائينا ذلك السواد حسبناه رجالا كلهم فلما انحدرنا من الوادي فبينا نحن فيه في غلس الصبح ان شعرنا الا بالكثائب قد خرجت علينا من مضيق الوادي و شعبه فحملوا حملة رجل واحد فانكشف أوائل الخيل بنى سليم مولية و تبعهم اهل مكة و تبعهم الناس منهزمين ما يلوون على شي ء و ارتفع النقع فما منا أحد يبصر كفه قال جابر و اتخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ذات اليمين ثم قال ايها الناس هلم الى انا رسول اللّه انا محمد بن عبد اللّه روى البخاري و ابن ابى شيبة و ابن مردوية و البيهقي عن ابن إسحاق قال رجل للبراء بن عازب يا با عمارة أ فررتم يوم حنين قال لا و اللّه ما ولى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و لكنه خرج شبان أصحابه حسرا ليس عليهم كثير سلاح فلقوا قوما رماة لا يكاد يسقط لهم سهم فلما لقيناهم و حملنا عليهم انهزموا فاقبل الناس على الغنائم فاستقبلونا بالسهام كانها رجل جراد «١» ما يكادون يخطؤن و اقبلوا هناك الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و هو على بغلته البيضاء و ابو سفيان بن الحارث يقود به فنزل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و دعا و استنصر و قال انا النبي لا كذب انا ابن عبد المطلب و فى روايته قال البراء كنا إذا احمر البأس نتقى به و ان الشجاع منا الذي يحاذيه يعنى النبي صلى اللّه عليه و سلم قال ابن إسحاق لما انهزم الناس تكلم رجال في أنفسهم من الضغن «٢» فقال ابو سفيان بن حرب و كان إسلامه بعد مدخولا لا ينتهى هزيمتهم دون البحر و ان الأزلام لمعه في كنانة و صرح جبلة ابن الحنبل و قال ابن هشام كلدة بن الحنبل و اسلم بعد ذلك و هو مع أخيه لامه صفوان بن امية و صفوان مشرك في المدة التي جعل له رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الا بطل السحر اليوم فقال له صفوان ان اسكت فو اللّه لان يرمينى رجل من قريش أحب الى من يرمينى رجل من هوازن روى ابن سعد و ابن عساكر عن عبد المالك بن عبيد و الطبراني و البيهقي و ابن عساكر و ابو نعيم عن عكرمة قالا قال شيبة بن عثمان لما كان عام الفتح و دخل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مكة عنوة و غزا حنينا قلت أسير مع قريش الى هوازن فعسى ان اختلطوا أصيب (١) بكسر الراء و سكون الجيم الجماعة الكثيرة من الجراد خاصة و هو جمع على غير لفظ الواحد ١٢. (٢) اى الحقد يعنى كينه ١٢. محمدا غرة و تذكرت ابى و قتله حمزة و عمى و قتله على ابن ابى طالب فقلت اليوم أدرك ثارى من محمد و أكون انا الذي قمت بثار قريش كلها و أقول لو لم يبق من العرب و العجم الا اتبع محمدا ما تبعته ابدا فكنت مرصدا لما خرجت لا يزداد الأمر في نفسى الا قوة فلما انهزم أصحابه جئته من عن يمينه فاذا بالعباس قائم عليه درع بيضاء فقلت عمه لن يخذله فجئته عن يساره فاذا بابى سفيان بن الحارث فقلت ابن عمه لن يخذله فجئته من خلفه فلم يبق الا ان اسوّره سورة بالسيف إذا ارتفع الى فيما بينى و بينه شواظ من نار كانه يرق فخفت ان يتمخشنى «١» فوضعت على بصرى خوفا عليه و مشيت القهقرى و علمت انه ممنوع فالتفت الى و قال يا شيبة ادن منى فدنوت منه فوضع يده على صدرى و قال اللّهم اذهب عنه الشيطان فرفعت اليه راسى و هو أحب الىّ من سمعى و بصرى و قلبى ثم قال يا شيبة قاتل الكفار قال فتقدمت بين يديه أحب و اللّه ان أقيه بنفسي كلشي ء فلما انهزمت هوازن و رجع الى منزله دخلت عليه فقال الحمد للّه الذي أراد بك خيرا ثم حدثنى بما هممت به صلى اللّه عليه و سلم و روى محمد بن عمر عن النضر بن الحارث كان يقول الحمد للّه الذي أكرمنا بالإسلام و منّ علينا بمحمد صلى اللّه عليه و سلم و لم نمت على ما مات عليه الآباء فذكر حديثا طويلا ثم قال خرجت مع قوم من قريش هم على دينهم بعد و ابى سفيان بن حرب و سفيان بن امية و سهيل بن عمر و نحن نريد انكانت دبرة على محمد ان نغير عليه فيمن يغير عليه فلما تراءت الفئتان و نحن في خير المشركين حملت هوازن حملة واحدة ظننا ان المسلمين لا يجترونها ابدا و نحن معهم و انا أريد بمحمد ما أريد و عمدت له فاذا هو في وجوه المشركين واقف على بغلة شهباؤ حوله رجال بيض الوجوه فاقبلت عامدا اليه فصاحوا بي إليك إليك فرعب فوادى و أرعدت جوارحى قلت هذا مثل يوم بدر ان الرجل لعلى حق انه لمعصوم و ادخل اللّه قلبى الإسلام و غيّره عما كنت أهم به الحديث بطوله و روى محمد بن عمر عن ابى قتادة قال مضى سرعان الناس منهزمين حتى دخلوا مكة ساروا يوما و ليلة يخبرون اهل مكة بهزيمة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و عتاب بن أسيد يومئذ امير على مكة و معه معاذ بن جبل فجاءهم امر غمهم و سرّ بذلك قوم من اهل مكة و أظهروا الشماتة و قال قائل منهم يرجع العرب الى دين آبائها و قد قتل محمد و تفرق أصحابه فتكلم عتاب بن أسيد يومئذ فقال ان قتل محمد صلى اللّه عليه و سلم فان دين (١) أي يتخوفني. اللّه قائم و الذي يعبده محمد حى لا يموت فما امسوا من ذلك اليوم حتى جاء الخبر ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أوقع هوازن فسر عتاب بن أسيد و معاذ بن جبل رضى اللّه عنهما و كبت اللّه من ...... هناك ممن كان يسر بخلاف ذلك فرجع المنهزمون الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فلحقوه باوطاس و قد راحل منها الى الطائف (فائدة) قال انس رضى اللّه عنه بقي رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم وحده و قال العباس فيما روى عنه مسلم و ابن إسحاق و عبد الرزاق كنت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يوم حنين فلزمت انا و ابو سفيان بن الحارث رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فلم نفارقه و رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم على بغلة له شهباء فلما التقى المسلمون و الكفار ولى المسلمون مدبرين فطفق رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يركض بغلة قبل الكفار و انا أخذ بلجام بغلة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اكفها ان لا يسرع و هو لا يألوا ما اسرع نحو المشركين و ابو سفيان بن الحارث أخذ بركاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و في أحاديث آخر انه بقي مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم جماعة قال محمد بن يوسف الصالحي في الجمع بين الأقوال المراد انه بقي وحده متقدما مقبلا على العدو و الذين ثبتوا كانوا وراءه و الوحدة بالنسبة لمباشرة القتال و ابو سفيان بن الحارث و عباس كانوا يخدمونه في إمساك البغلة و نحو ذلك و اختلفوا في عدد الثابتين يوم حنين قال الكلبي كان حول رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ثلاثمائة من المسلمين و انهزم سائر الناس و روى البيهقي عن حارثة بن النعمان لقد حرزت من بقي مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حين أدبر الناس فقلت مائة و روى احمد و الطبراني و الحاكم و ابو نعيم برجال ثقات عن ابن مسعود قال كنت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يوم حنين فولى الناس و ثبت معه ثمانون رجلا من المهاجرين و الأنصار فنكصنا على أعقابنا نحوا من ثمانين قدما و لم نولهم الدبر و روى البزار عن انس ان أبا بكر و عمر و عثمان و عليا رضى اللّه عنهم ضرب كل منهم بضعة عشر ضربة و روى ابن مردوية عن ابى عمر لم يبق مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مأته رجلا و لا منافاة بين نفي المائة و اثبات ثمانين قال محمد بن عمر ا يقال ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال لحارثة بن النعمان حين انكشف عنه الناس يوم حنين يا حارثة كم ترى الناس الذين ثبتوا فنظرت عن يمينى و عن شمالى فقلت هم مأته فما علمت انهم مأته حتى كان يوم مررت على النبي صلى اللّه عليه و سلم و هو يناجى جبرئيل عند باب المسجد فقال جبرئيل يا محمد من هذا قال حارثة بن النعمان فقال جبرئيل هو أحد المائة الصابرة يوم حنين لو سلمت لوددت عليه فاخبر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حارثة قال ما كنت أظن الا دحية الكلبي واقف معك و ذكر النووي ان الذين ثبتوا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اثنا عشر رجلا و وقع في شعر العباس بن عبد المطلب ان الذين ثبتوا معه كانوا عشرة فقط قوله نصرنا رسول اللّه في الحرب تسعة و فر من قد فر عنه فاقشعوا و عاشرنا لاقي الحمام بنفسه لما مسه في اللّه لا يتوجع قال الصالحي قال الحافظ لعل هذا هو الا ثبت و من زاد على ذلك يكون عجل في الرجوع فعد فيمن لم ينهزم و ثبت اربع من النساء أم سليم بنت ملحان و أم عمارة نسيت و أم سليط و أم الحارث قال اللّه تعالى. ٢٦ ثُمَّ أَنْزَلَ اللّه سَكِينَتَهُ اى رحمته التي استقروا بها و أمنوا عَلى رَسُولِهِ وَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ الذين انهزموا و انما ذكر الرسول لان السكينة انما نزلت على المنهزمين ببركة وجود رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و بتوسطه نزلت على غيره و إعادة الجار للتنبيه على اختلاف حالهما و قيل المراد بالمؤمنين الذين ثبتوا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و لم يفروا اخرج الطبراني و الحاكم و ابو نعيم و البيهقي في الدلايل عن ابن مسعود قال كنت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يوم حنين فولى عنه الناس و بقيت معه في ثمانين رجلا من المهاجرين و الأنصار فكنا على أقدامنا نحوا من ثمانين قدما و لم نولهم الدبر و هم الذين نزلت عليهم السكينة قال ابن عقبة قام رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في الركابين و هو على البغلة فرفع يديه الى اللّه تعالى يقول اللّهم انى أنشدك ما وعدتني اللّهم لا ينبغى لهم ان يظهر علينا انتهى فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يا عباس ناديا معشر الأنصار يا اصحاب السمرة يا اصحاب سورة البقرة قال العباس و كان رجلا ميتا فقلت يا على صوتى اين الأنصار اين اصحاب السمرة اين اصحاب سورة البقرة قال فو اللّه لكانما عطفتهم حين سمعوا صوتى عطفة البقر على أولادها و في حديث عثمان بن ابى شيبة عند ابى القاسم البغوي و البيهقي يا عباس اصرخ بالمهاجرين بايعوا تحت الشجرة و بالأنصار اللذين آووا و نصروا قال فما شبهت عطفة الأنصار على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إلا عطفة الإبل على أولادها حتى نزل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كانه في خرجة فلرماح الأنصار كانت أخوف عندى على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من رماح الكفار فقالوا يا لبيك يا لبيك الحديث و روى ابو يعلى و الطبراني برجال ثقات عن انس ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أخذ يوم حنين كفا من حصى ابيض فرمى به و قال هزموا و رب الكعبة و كان على رضى اللّه عنه أشد الناس قتالا بين يديه و روى ابن سعد و ابن ابى شيبة و احمد و ابو داود و البغوي و غيرهم في حديث طويل عن ابى عبد الرحمن يزيد الفهري و اسمه كرز ولى المسلمون مدبرين كما قال اللّه تعالى فجعل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول يا ايها الناس انا عبد اللّه و رسوله فاقتحم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن فرسه و حدثنى من كان اقرب اليه منى انه أخذ حفنة من تراب فخشاه في وجوه القوم و قال شاهت الوجوه قال يعلى بن عطاء أخبرنا أبنائهم عن آبائهم قالوا ما بقي منا أحد الا امتلأت عيناه و فمه من التراب و سمعناه صلصلة من السماء كمر الحديد على الطست فهزمهم اللّه تعالى قال اللّه تعالى- وَ أَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها روى ابن ابى حاتم عن السدى الكبير قال هم الملئكة و روى ايضا عن سعيد بن جبير قال في يوم حنين أمد اللّه تعالى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بخمسة آلاف من الملئكة مسومين و روى ابن إسحاق و ابن المنذر و ابن مردوية و ابو نعيم و البيهقي عن جبير بن مطعم قال رايت قبل هزيمة القوم و الناس يقتتلون مثل البجاد الأسود اقبل من السماء حتى سقط بين القوم فنظرت فاذا نمل اسود قد ملا الوادي ثم أشك انها الملئكة و لم يكن الا هزيمة القوم و روى محمد بن عمر عن يحيى بن عبد اللّه عن شيوخ قومه من الأنصار قالوا رأينا يومئذ كالبجد الأسود هوت من السماء ركاما فنظرنا فاذا نمل مبثوث فان كنا لننفضه عن ثيابنا فكان نصر اللّه أيدنا به و روى مسدد في مسنده و البيهقي و ابن عساكر عن عبد الرحمن مولى أم برثن قال حدثنى رجل كان من المشركين يوم حنين قال التقينا اصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لم يقوموا لنا حلب شاة ان كفيناهم فبينا نحن نسوقهم في ادبارهم إذا التقينا صاحب البغلة فاذا هو رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و في رواية إذ بينا و بينه رجال بيض حسان الوجوه قالوا لنا شاهت الوجوه ارجعوا فرجعنا و ركبوا أكتافنا و كانت إياها و روى ابن مردوية و البيهقي و ابن عساكر عن شيبة بن عثمان الحجبي قال خرجت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يوم حنين ما خرجت إسلاما و لكن خرجت آنفا ان يظهر هوازن على قريش فو اللّه انى لواقف مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذ قلت يا رسول اللّه انى لارى خيلا بلقا قال يا شيبة انه لا يراها الا كافر فضرب بيده على صدرى و قال اللّهم اهد شيبة فعل ذلك ثلث مرات فو اللّه ما رفع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الثانية حتى ما أجد من خلق أحب الى منه فالتقى المسلمون فقتل من قتل ثم اقبل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و عمر آخذ باللجام و العباس أخذ بالثغر فنادى العباس اين المهاجرين اين اصحاب سورة البقرة بصوت عال هذا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فاقبل المسلمون و النبي صلى اللّه عليه و سلم يقول انا النبي لا كذب انا ابن عبد المطلب فجالدوهم بالسيوف فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الآن حمى «١» الوطيس و روى محمد بن عمر عن مالك بن أوس بن الحدثان قال حدثنى عدة من قومى شهدوا ذلك اليوم يقولون لقد رمى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم تلك الرمية من الحصباء فما من أحد الا يشكوا القذى في عينه و لقد كنا نجذ في صدورنا خفقانا كوقع الحصا في الطساس ما يهدى ذلك الخفقان و لقد راينا يومئذ رجالا بيضا على خيل بلق عليها عمائم حمر قد أرخوها بين أكتافهم بين السماء و الأرض كثائب كثائب اى لا يعقلون ما يليقون ... (١) حمى الوطيس هو شى ء كالتنور يخبز فيه شبه شدة الحرب به و قيل حجارة مدورة إذا حميت منعت الوطي عليها فضرب مثلا للام يشتد ١٢. و لا تستطيع ان تتاملهم من الرعب منهم قال اللّه تعالى وَ عَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ ذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (٢٦) روى ابن ابى حاتم عن السدى الكبير قال يعنى قتلهم بالسيف و روى البزار بسند رجاله ثقات عن انس ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال يوم حنين اجزروهم جزرا و أومى بيده الى الحلق و روى البيهقي عن عبد اللّه بن الحارث عن أبيه قال قتل من اهل الطائف يوم حنين مثل من قتل يوم بدر يعنى سبعين رجلا و استشهد بحنين ايمن ابن أم ايمن و سراقة بن الحارث و يتيم بن ثعلبة و يزيد بن زمعة و ابو عامر الأشعري باوطاس كما سياتى و روى محمد بن عمر عن محمد بن عبد اللّه بن صعصعة ان سعد بن عبادة جعل يصيح يا للخررج ثلثا و أسيد بن حضير يا للاوس ثلثا فثابوا من كل ناحية كانهم النحل يأوي الى يعسوبها قال اهل المغازي فنحق المسلمون على المشركين فقتلوهم حتى اسرع القتل في ذرارى المشركين فبلغ ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال ما بال أقوام بلغ بهم القتل حتى بلغ الذرية الا لا تقتل الذرية فقال أسيد بن الخضير يا رسول اللّه أولاد المشركين فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم او ليس خياركم أولاد المشركين كل نسمة تولد على الفطرة حتى يعرب عنهما لسانها فابواه يهودانها و ينصرانها قال محمد بن عمر قال شيوخ ثقيف ما زال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في طلبنا في ما نرى حتى ان الرجل منا ليدخل حصين الطائف و انه ليظن انه على اثره من رعب الهزيمة قالوا اهزم اللّه تعالى أعدائه من كل ناحية و اتبعهم المسلمون يقتلونهم و غنمهم اللّه نسائهم و ذراريهم و فر مالك بن عوف حتى بلغ حصين الطائف هو و أناس من اشراف قوم و قال ابن إسحاق و محمد بن عمر و غيرهما لما هزم اللّه هوازن أتوا الطائف و معهم مالك بن عوف و عسكر بعضهم باوطاس و توجه بعضهم نحور نخلة و لم يتتبع من سلك الثنايا و قتل ربيعة بن رفيع من بنى سليم دريد بن الصمة قال البغوي فلما هزم اللّه المشركين و ولوا مدبرين انطلقوا حتى أتوا أوطاس و بها عيالهم و أموالهم فبعث رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم رجلا من الأشعريين يقال له ابو عامر و امره على جيش الى أوطاس فسار إليهم فاقتتلوا و قتل الدريد بن الصمة و هزم اللّه المشركين و سبى المسلمون عيالهم و هرب مالك بن عوف النضري فاتى الطائف و تحصن بها و أخذ ماله و اهله فيمن أخذ و قتل امير المسلمين ابو عامر و اسلم عند ذلك ناس كثير من اهل مكة حين راوا فصر اللّه رسوله و إعزاز دينه و مما جمعت الغنائم امر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان ينحدر الى جعرانة فوقف بها الى ان انصرف رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من حصار الطائف قال ابن سعد و تبعه في العيون كان السبي ستة آلاف راس و الأهل اربعة و عشرون الف بعير و الغنم اكثر من أربعين الف شاة و اربعة آلاف اوقية فضة و روى عبد الرزاق عن سعيد بن المسيب قال سبى يومئذ ستة آلاف سبى بين امراة و غلام فجعل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أبا سفيان بن حرب و قال البلاذري بديل بن ورقاء الخزاعي و قال ابن إسحاق جعل على المغانم مسعود بن عمر الغفاري قال ابن إسحاق ثم مضى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حتى نزل قريبا من الطائف فضرب عسكره و اشرف ثقيف على حصنهم و لا مثل له في حصون العرب و أقاموا و هم مأته رام فرموا بالسهام و المقاطيع من بعد حصنهم و من دخل تحت الحصين ولوا عليه بسكك الحديد محماة من النار تطير منها الشرر فرموا المسلمين بالنبل رميا شديدا كانه رجل جراد حتى أصيب ناس المسلمين بجراحة و قتل منهم اثنا عشر رجلا فارتفع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الى موضع مسجده اليوم الذي بنته ثقيف بعد إسلامهم و قال عمرو بن امية الثقفي و اسلم بعد ذلك لا يخرج الى محمد أحد إذا دعى أحدا من أصحابه الى البراز و دعوه يقيم ما اقام ثم اقبل خالد بن الوليد فنادى من يبارز فلم يطلع عليه أحد ثم دعا فلم ينزل اليه أحد فنادى عبد يا ليل لا ينزل إليك أحد و لكنا نقيم في حصننا خباءنا فيه ما يصلحنا لسنين فاذا أقمت حتى ذهب ذلك الطعام خرجنا إليك بأسيافنا جميعا حتى نموت فقاتلهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بالرمي و هم يقاتلونه بالرمي من وراء الحصين و لم يخرج اليه أحد و كثرت الجراحات له من ثقيف بالنبل و قتل جماعة من المسلمين روى ابن إسحاق و محمد بن عمر عن شيوخه قالوا نادى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أيما عبد نزل من الحصن و خرج إلينا فهو حر فخرج من الحصن بضعة عشر رجلا فاعتقهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال محمد بن عمر و شاور رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أصحابه فقال سلمان الفارسي ارى ان تنصب المنجنيق فنصبه على حصين الطائف و هو أول منجنيق رمى به في الإسلام فامر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان يقطع أعنابهم و تخيلهم قال عروة امر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كل رجل من المسلمين ان يقطع خمس نخلات و خمس حيلات فقطع المسلمون قطعا ذريعا فنادت ثقيف لم تقطع أموالنا اما ان تأخذها ان ظهرت علينا و اما ان تدعها للّه و للرحم فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فانى ادعها للّه و للرحم قال ابن إسحاق و بلغني ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال لابى بكر انى رايت ان أهديت قعبة مملوءة زبدا فنظرها ديك فهراق ما فيها فقال ابو بكر ما أظن ان تدرك منهم يومك هذا ما تريد فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و لا ارى ذلك و روى محمد بن عمر عن ابى هريرة قال لما مضمت خمسة عشر من حصار الطائف استشار رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم نوفل بن معاوية الدئلي رضى اللّه عنه فقال يا نوفل ما ترى في المقام عليهم فقال يا رسول اللّه ثعلب في جحر ان أقمت عليه أخذته و ان تركته لم يضرك و روى الشجال عن ابن عمر و عمر رضى اللّه عنهما قال لما حاصر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الطائف و لم ينل منه شيئا قال انا قافلون عذا إنشاء اللّه فثقل عليهم قالوا تذهب و لا نقبح فقال اغدوا فغدوا فقاتلوا قتالا شديدا فاصابهم جراح فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انا قافلون غدا إنشاء اللّه تعالى قال فاعجبهم فضحك رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ذكر الصالحي انه استشهد من المسلمين بالطائف اثنا عشر رجلا روى البيهقي عن عروة امر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان لا يسرحوا ظهرهم فلما أصبحوا ارتحل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و أصحابه و دعا حين ركب قافلا اللّهم اهدهم و اكفنا مؤنتهم و روى الترمذي و حسنه عن جابر قالوا يا رسول اللّه احرفتنا نبال ثقيف فادع اللّه عليهم فقال اللّهم اهدهم ثقيفا و ايت بهم قال ابن إسحاق في رواية حاصر اهل الطائف ثلثين ليلة او قريبا من ذلك و في رواية بضعا و عشرين ليلة و قيل عشرين يوما و قيل بضع عشرة ليلة قال ابن حزم هو الصحيح بلا شك و روى احمد و مسلم و عن انس انهم حاصروا الطائف أربعين ليلة و استغربه في الهداية قال البغوي حاصرهم بقية الشهر يعنى شوال فلما دخل ذو القعدة و هو شهر حرام انصرف عنهم قلت هذا يوافق ما قال ابن حزم و على هذا لا دلالة فيه على القتال في الشهر الحرام كما ذكر من ادعى نسخ حرمة القتال فيها فاتى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الجعرانة فاحرم منها بعمرة قال اللّه تعالى. ٢٧ ثُمَّ يَتُوبُ اللّه مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ ان يهديه الى الإسلام وَ اللّه غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٧) قال ابن إسحاق في رواية يونس بن بكر عن ابن عمر قال كنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بحنين فلما أصاب من هوازن ما أصاب من أموالهم و سباياهم أدركه وفد هوازن بالجعرانة و هم اربعة عشر رجلا و رأسهم زهير بن صرد و فيهم بويرقان عم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من الرضاعة و قد اسلموا فقال يا رسول اللّه انا اصل و عشيرة و قد أصابنا من البلاء ما لم يخف عليك فامنن علينا من اللّه عليك و قام خطيبهم زهير بن صرد فقال يا رسول اللّه ان ما في الحظائر «١» من السبايا عماتك و خالاتك يعنى من الرضاع و حواضنك «٢» اللاتي كن يكفلنك و لو انا ملحنا للحارث بن ابى شمر يعنى ملك الشام من العرب او للنعمان بن المنذر يعنى ملك العراق من العرب ثم أصابنا منهما مثل الذي أصابنا منك رجونا عايدنهما و عطفهما و أنت يا رسول اللّه خير المكفولين ثم انشد بعض الشعر و روى الصالحي عن زهير بن صرد الجشمي يقول لما أسرنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يوم حنين و يوم هوازن و ذهب يفرق السبي و الشاء أتيته فانشاءت أقول امنن علينا رسول اللّه في كرم فانك المرأ نرجوه و ننتظر و قرا اشعارا قال فلما سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم هذا الشعر قال ما كان لى و لبنى عبد المطلب فهو لكم و قالت قريش ما كان لنا فهو للّه و لرسوله و قالت الأنصار ما كان لنا فهو للّه و رسوله قال الصالحي هذا حديث جيد الاسناد عال جدا رواه ايضا المقدسي في صحيحه و رجح الحافظ بن حجر انه حديث حسن و روى البخاري في الصحيح حديث مروان و مسور بن محزمة قالا ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حين جاءه وفد هوازن مسلمين فسالوه ان يرد إليهم أموالهم و سبيهم فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم معى من ترون و أحب الحديث الىّ أصدقه فاختاروا احدى الطائفتين اما السبي و اما المال قالوا فانا نختار (١) جمع حظيرة و هو الذرب الذي يصنع للابل و الغنم و كان السبي في خطاء مثلها ١٢. (٢) الحاضنة المرضعة جمع حواضن ١٢. سبيا فقام رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فاثنى على اللّه بما هو اهله ثم قال اما بعد فان إخوانكم قد جاؤ تائبين و انى رايت ان أرد إليهم سبيهم فمن أحب منكم ان يطيب بذلك فليفعل و من أحب ان يكون على حظه لغطيه إياه من أول ما يفى اللّه علينا فليفعل فقال الناس قد طبنا ذلك يا رسول اللّه فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انا لا أدرى من اذن منكم في ذلك فمن لم يأذن فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفائكم أمركم فرجع الناس فكلمهم عرفائهم ثم رجعوا الى رسول اللّه صلى اللّه عليه فاخبروه انهم قد طيبوا و أذنوا روى ابو داود و البيهقي و ابو يعلى عن ابى الطفيل قال رايت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقسم بالجعرانة لحما فجاءت امراة بدوية فلما دنت من النبي صلى اللّه عليه و سلم بسط لها ردائه فجلست عليه فقلت من هذه فقالوا امه التي ارضعته و روى ابو داود في المراسيل عن عمرو بن السائب قال كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم جالسا يوما فجاءه أبوه من الرضاعة فوضع بعض ثوبه فقعد عليه ثم أقبلت امه فوضع لها شق ثوبه من جانبه الآخر ثم جائه اخوه من الرضاعة فقام رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فاجلسه بين يديه و قال محمد بن عمر لما هزم المشركون يوم حنين امر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بطلب العدو و قال لخيله ان قدرتم على بجاد رجل من بنى سعد فلا يفلتن منكم و قد كان أحدث حدثا عظيما كان اتى رجلا مسلما فاخذه فقطعه عضوا عضوا ثم حرقه بالنار و كان قد عرف جرمه فهرب فاخذته الخيل فضموه الى الشيما بنت الحارث بن عبد العزى اخت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يعنى من الرضاعة و اتبعوها في الساق فجعلت شيما تقول انى و اللّه اخت صاحبكم فلم يصدقوها فاتوا بها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقالت يا محمد انى أختك فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و ما علامة ذلك فارته عضة بابها مها فقالت عضة عضضيتها و انا متوركتك «١» بوادي السرب و نحن نرعى بهم أبيك و ابى و أمك و أمي و قد نازعتك الثدي فعرف رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم العلامة فوثب قائما بسط ردائه ثم قال اجلسي عليه و ترحب بها و دمعت عيناه و سألها عن امه و أبيه فاخبره بموتهما فقال ان أحببت أقيمي عندنا محيته مكرمة و ان أجبت ان ترجعى الى قومك و صلتك و رجعتك الى قومك قالت بل ارجع الى قومى فاسلمت فاعطاها (١) اى جعلتك على وركي ١٢. رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ثلثة اعبد و جارية و امر لها ببعير او بعيرين و قال لها ارجعي الى الجعرانة تكونين مع قومك فانى امضى الى الطائف فرجعت الى جعرانة و وافاها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و أعطاها نعما و شاء و لمن بقي من اهل بيتها و كلمته في بجاد ان يهيه لها و يعفو عنه ففعل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال ابن إسحاق في رواية يونس بن عمران رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لما فرغ من رد سبايا هوازن ركب بعيره و تبعه الناس يقولون يا رسول اللّه اقسم علينا فيئا حتى اضطروه الى شجرة فانتزعت ردائه فقال يا ايها الناس ردوا على روائى فو الذي نفسى بيده لو كان عندى شجر تهامة نعما لقسمته عليكم ثم ما القيتمونى بخيلا و لا كذا بالحديث قال ابن إسحاق اعطى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم المؤلفة قلوبهم و كانوا اشرافا من اشراف العرب يأتلف بهم قلوبهم قال محمد بن عمر بالأموال فقسمها و اعطى المؤلفة قلوبهم أول الناس قال الصالحي فمنهم من اعطى مائة بعير و منهم من اعطى خمسين و جميع ذلك يزيد على خمسين رجلا ثم ذكر الصالحي اسمائهم فذكرهم سبعا و خمسين رجلا روى الشيخان في الصحيحين عن حكيم بن حزام قال سالت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بحنين مائة من الإبل فاعطانيها ثم سالته مائة فاعطانيها ثم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يا حكيم ان هذا المال حلوة فمن أخذ بسخاوة نفس بورك فيه و من اخذه بإسراف نفس لم يبارك فيه و كان كالذى يأكل و لا يشبع و اليد العليا خير من اليد السفلى و ابدأ بمن تعول فقال حكيم و الذي بعثك بالحق لا ازرى أحدا بعدك شيئا فكان عمر بن الخطاب يدعوه الى عطائه فيابى ان يأخذ فيقول عمر ايها الناس أشهدكم على حكيم بن حزام ادعوه الى عطائه فيابى ان يأخذ قال ابن ابى الزياد أخذ حكيم المائة الاولى فقط و ترك الباقي و اعطى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم سهيل بن عمر مائة و ابو سفيان بن حرب ماية من الإبل و أعطاه أربعين اوقية فضة و ابنه معاوية مائة من الإبل و أربعين اوقية فضة و يزيد بن ابى سفيان مائة بعير و أربعين اوقية و هكذا روى البخاري عن صفوان قال ما زال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يعطينى من غنايم حنين و هو ابغض الخلق الىّ حتى ما خلق اللّه شيئا أحب الى منه و في صحيح مسلم انه صلى اللّه عليه و سلم أعطاه مائة من النعم ثم ماية ثم مائة قال محمد بن عمر يقال ان صفوان طاف مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بتصفح الغنائم إذ مر بشعب مما أفاء اللّه على رسوله فيه غنم و ابل و رعاء مملوا فاعجب صفوان و جعل ينظر اليه فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أعجبك هذا الشعب يا أبا وهب قال نعم قال هو لك بما فيه فقال صفوان اشهد انك رسول اللّه ما طابت بهذا نفس أحد قط الا نبى روى احمد و مسلم و البيهقي عن رافع بن خديج ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اعطى المؤلفة قلوبهم من سبى حنين كل رجل منهم مائة من الإبل و ذكر الحديث و فيه اعطى العباس بن مرداس دون المائة فانشاء العباس يقول أ تجعل نهبى و نهب العبيد بين عيينة و الأقرع فما كان حصين و لا جالس يقومان مرداس في الجمع الى اخر الأبيات فاتم له رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم المائة و اعطى عثمان بن وهب و عدى بن قيس و عمير بن وهب و علاء بن جارية و مخرمة بن نوفل و غيرهم كلواحد منهم خمسين بعيرا ثم امر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم زيد بن ثابت بإحصاء الناس و الغنائم ثم فضها على الناس فكانت سهمانهم لكل رجل منهم اربعة من الإبل او أربعين شاة فانكان فارسا أخذ اثنى عشر من الإبل او عشرين و مأته شاة و إن كان معه اكثر من فرس واحد لم يسهم له قلت عطائه صلى اللّه عليه و سلم المؤلفة قلوبهم يبلغ اربعة آلاف بعيرا و زايدا عليه و قد مر فيما سبق ان ابل المغنم كانت اربعة و عشرين الف بعيرا الغنم اكثر من أربعين الف شاة و هى تساوى اربعة آلاف بعير فصار المجموع ثمانية و عشرون الف بعير فخمسة يكون اقل من خمسة آلاف بعير فعطا المؤلفة لا يخلوا اما ان يكون من راس الغنيمة او من جميع الخمس و لا يمكن ان يكون من خمس الخمس سهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فيلزم من هذا اما التنفيل بعد الاحراز بلا شرط سبق و الصرف الخمس الى صنف واحد و جعل المؤلفة صنفا من الفقراء و اللّه اعلم و لما كان رجال العسكر اثنى عشر الفا او ستة عشر الفا و منهم الفرسان و صار سهم الراجل اربعة بعير و الفارس اثنى عشر بعيرا فهذا يقتضى ان يبلغ الغنيمة ستين الف بعيرا و اكثر او اقل و لعل ذلك بضم قيمة العروض و النقود الى المواشي و اللّه اعلم قال محمد ابن إسحاق حدثنى محمد بن الحارث التيمي ان قائلا قال لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من أصحابه قال محمد بن عمر هو سعد بن ابى وقاص رضى اللّه عنه يا رسول اللّه أعطيت عيينة بن حصين و الأقرع بن حابس مأته و تركت جعيل بن سراقة الضمري فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اما و الذي نفسى بيده لجعيل بن سراقة خير من طلاع الأرض كلهم مثل عيينة بن حصين و الأقرع بن حابس و لكنى اتالفها ليسلما و وكلت جعيل بن سراقة الى إسلامه و روى البخاري عن عمرو بن ثعلب قال اعطى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قوما و منع آخرين فكانهم عتبوا فقال انى لاعطى أقواما أخاف هلعهم و جوعهم و أكل أقواما الى ما جعل اللّه في قلوبهم من الخير و الغنى منهم عمرو بن ثعلب قال عمرو فما أحب ان لى بكلمة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حمر النعم و في هذا المقام قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انى لاعطى الرجل و غيره أحب الى منه خشية ان يكبه اللّه في النار على وجهه رواه البخاري عن سعد بن ابى وقاص روى ابن إسحاق و احمد عن ابى سعيد الخدري و احمد و الشيخان من طرق عن انس ابن مالك و الشيخان عن عبد اللّه بن يزيد بن عاصم ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لما أصاب غنائم حنين و قسم المتألفين من قريش و سائر العرب ما قسم و في رواية طفق يعطى رجالا المائة من الإبل و لم يكن في الأنصار منها شى ء قليل و لا كثير وجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم حتى كثرت فيهم المقالة حتى قال قائلهم يغفر اللّه لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان هذا لهو العجب يعطى قريشا و بتركنا و سيوفنا يقطر من دمائهم إذا كانت شديدة فنحن ندعى و يعطى الغنيمة غيرنا و دوننا ممن كان هذا فان كان من اللّه صبرنا و إن كان من رسول اللّه استعتبناه فقال رجل من الأنصار لقد كنت أحدثكم ان لو استقامت الأمور لقد اثر عليكم فردوا عليه ردا عنيفا قال انس فحدث رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بمقالتهم فقال ابو سعيد فمشى سعد بن عبادة فقال يا رسول اللّه ان هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم قال فبم قال فيما كان من قسمك هذا الغنائم في قومك و في ساير العرب و لم يكن فيهم من ذلك شى ء فقال اين أنت من ذلك يا سعد قال ما انا الا امرا من قومى فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فاجمع لى قومك في هذه الحظيرة فخرج سعد يصرح فيهم حتى جمعهم فجاء رجل من المهاجرين فاذن له فيهم و جاء آخرون فردهم حتى إذا لم يبق من الأنصار أحد خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فحمد اللّه و اثنى عليه بما هو اهله ثم قال يا معشر الأنصار ا لم تكن ضلالا فهداكم اللّه و عالة فاغناكم اللّه و اعداء فالف بين قلوبكم قالوا بلى اللّه و رسوله أمن و أفضل فما قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم شيئا الا قالوا اللّه و رسوله أمن و أفضل ثم قال لا تجيبون يا معشر الأنصار قالوا و ما نقول يا رسول اللّه و بماذا نجيبك أمن للّه تعالى و لرسوله صلى اللّه عليه و سلم قال و اللّه لو شئتم لقلتم و صدقتم و صدقتم جئتنا طريدا فاويناك و عائلا فآسيناك و خائفا فامنك و مخذولا فنصرناك و مكذبا فصدقناك فقالوا المن للّه و لرسوله فقال فما حديث بلغني عنكم فسكتوا فقال ما حديث بلغني عنكم فقال فقهاء الأنصار اما رأسنا فلم يقولوا شيئا و اما أناس منا حديثة أسنانهم قالوا يغفر اللّه لرسوله يعطى قريشا و تركنا و سيوفنا تقطر من دمائهم فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انى لاعطى رجالا حديثى عهد بكفر أتألفهم و في رواية ان قريشا حديثوا عهد لجاهلية و مصيبة و انى أردت ان اجبرهم في رواية من الجبر ضد الكسر و في رواية براء معجمة من الجائزة و أتألفهم اوجدتم يا معشر الأنصار في نفوسكم في لعاعة من الدنيا «١» تألفت بها قوما اسلموا و وكلتكم الى ما قسم اللّه لكم من الإسلام أ فلا ترضون يا معشر الأنصار ان يذهب الناس الى رحالهم بالشاء و البعير و في لفظ بالدنيا و تذهبون برسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الى رحالكم تحوزورنه الى بيوتكم فو الذي نفسى بيده لو ان الناس سلكوا شعبا و سلكت الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار أنتم الشعار و الناس الدثار الأنصار كرشى «٢» و عيبتى «٣» و لو لا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار اللّهم ارحم الأنصار و أبناء الأنصار و أبناء أبناء الأنصار فبكى القوم حتى اخضلوا لحاهم و قالوا رضينا باللّه و برسوله حظا و قسما و ذكر محمد بن عمران رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أراد حينئذ ان يكتب بالبحرين يكون خاصة بعده دون الناس و هى يومئذ أفضل ما فتح عليه من الأرض فابوا و قالوا لا حاجة لنا بالدنيا بعدك فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انكم ستجدون بعدي اثرة «٤» شديدة فاصبروا حتى تلقونى على الحوض قال اهل المغازي قال (١) هى لقلة خضراء ناعمة شبه الدنيا لقلة بقائها ١٢. (٢) الكرش مجمع العلف من الحيوان ١٢. (٣) عينه مستودع الثياب ١٢. (٤) اى استأثر عليكم بما لكم فيه اشتراك في الاستحقاق ١٢. [.....]. رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لوفد هوازن ما فعل مالك بن عوف قالوا يا رسول اللّه هرب فلحق بحصن الطائف مع ثقيف فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اخبروه انه ان يأتي مسلما رددت اليه اهله و ماله و أعطيته مأته من الإبل و كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم امر بحبس اهل مالك بمكة عند عمتهم أم عبد اللّه بنت ابى امية فلما بلغ مالكا ما صنع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و ان اهله و ماله موفور و قد خاف مالك ثقيفا على نفسه و خاف ان يسمعوا ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال له ما قال فيحبسونه فامر براحلته فقدمت له بوحناء و امر بفرس له فاتى به ليلا فخرج من الحصن فجلس على فرسه ليلا فركضه حتى اتى وحناء فركب بعيره فلحق برسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فادركه بالجعرانة او بمكة فرد عليه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اهله و ماله و أعطاه مأته من الإبل و اسلم فحسن إسلامه فاستعمله رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم على من اسلم من قومه من تلك القبائل من هوازن و دوسا و ثقيفا و ثمالة و كان قد ضوى اليه قوم مسلمون و اعتقد لواء فكان يقاتل بهم من كان على الشرك و يميل بهم على ثقيف فيقاتلهم بهم و لا يخرج لثقيف سرح إلا غار عليه و كان لا يقدر على سرح الا اخذه و لا على رجل الا قتله و كان يبعث الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بالخمس مما يغنم مرة مائة بعير و مرة الف شاة و لقد أغار على سرح لاهل الطائف فاستاق لهم الف شاة في غداة واحدة قال ابن إسحاق في رواية يونس قدم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و قد ثقيف في رمضان سنة تسع فاسلموا و ذلك بعد غزوة تبوك و اللّه اعلم قال اللّه تعالى. ٢٨ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ مصدر من نجس ينجس على وزن سمع يسمع او كرم يكرم و لذا لا يثنى و لا يجمع و يستوى فيه الذكر و الأنثى و حمله اما على المبالغة او بتقدير ذو في القاموس النجس بالفتح و بالكسر و بالتحريك و ككتف و عضد ... ضد الطاهر قلت و هو ما يستقذره الطبع السليم و يطلق عليه النجاسة الحقيقية كالقاذورات و الدم و الحق بها الشارع النجاسات الحكمية من الحدث و الجنابة و انقطاع الحيض و النفاس فهو ما يستقذره الشرع فالكافر نجس شرعا لانه خبيث لخبث باطنه ليستقذره الشرع و يجب الاجتناب عنه كما يجب على المصلى الاجتناب عن النجاسة الحقيقية فلا يجوز موالاتهم قال الضحاك و ابو عبيدة نجس يعنى قذر قال البغوي أراد به نجاسته الحكم لا نجاسة العين سموا نجسا على الذم و قال قتادة سماهم نجسا لانهم يجتبون فلا يغتسلون و يحدثون فلا يتوضؤن و لا يجتنبون من النجاسات و عن ابن عباس ان أعيانهم نجسة كالكلاب اخرج ابو الشيخ و ابن مردوية عن ابن عباس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من صافح شركا فليتوضأ او ليغسل كفيه و هذا القول متروك بالإجماع فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ قالت الحنفية المراد به النهى عن الحج و العمرة لا عن الدخول مطلقا بدليل ان النبي صلى اللّه عليه و سلم بعث عليا رضى اللّه عنه ينادى في الموسم لا يحج بعد العام مشرك فظهر ان المراد منعهم عن الحج و العمرة فيجوز عنده دخول الكافر المسجد الحرام و دخول غيره بالطريق الاولى و ورد النهى عن الاقتراب للمبالغة و قالت الشافعية هو نهى عن دخولهم الحرم لانهم إذا دخلوا بالحرم فقد اقتربوا من المسجد الحرام و هذا كما قال اللّه تعالى سبحان الذي اسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام و أراد به الحرم لانه اسرى به من بيت أم هاني قال البغوي رضى اللّه عنه جملة بلاد الإسلام في حق الكفار على ثلثة اقسام أحدها الحرم فلا يجوز للكافران يدخله ذميا كان او مستامنا لظاهر هذه الآية و إذا جاء رسول من دار الكفار الى الامام و الامام في الحرم لا يأذن له في دخول الحرم بل يبعث اليه من يسمع رسالته خارج الحرم و القسم الثاني من بلاد الإسلام الحجاز فلا يجوز للكافر الاقامة فيها اكثر من مقام السفر و هو ثلثة ايام لكن جاز له دخولها لما روى عن عمر بن الخطاب انه سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول لئن عشت إنشاء اللّه لا خرجن اليهود و النصارى من جزيرة العرب حتى لا ادع الا مسلما فمضى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و اوصى فقال اخرجوا المشركين من جزيرة العرب فلم يتفرغ لذلك ابو بكر و اجلاهم عمر رضى اللّه عنهما في خلافته و أجل لمن يقدم منهم تاجرا ثلثا و جزيرة العرب من أقصى عدن أبين الى ريف العراق في الطول و من جدة و ما والاها من ساحل البحر الى الشام في العرض و القسم الثالث ساير بلاد الإسلام يجوز للكافر ان يقيم فيها بذمة او أمان و لكن لا يدخلون المساجد الا بإذن مسلم و قال الحافظ ابن حجر المروي عن الشافعي التفضيل بين المسجد الحرام و غيره من المساجد فلا يجوز له دخول المسجد الحرام و يجوز له دخول غيرها من المساجد و عند المالكية و المزني لا يجوز للكافر دخول شي ء من المساجد قياسا على المسجد الحرام و عقد البخاري بابا على دخول المشرك المسجد يعنى على جواز دخوله و ذكر فيه حديث ابى هريرة قال بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم خيلا بل تجد فجاءت برجل من بنى حنيفة يقال له ثمامة بن أثال فربطوه بسارية من سوارى المسجد و قد ذكرنا حديث قصة ثمامة بن أثال و إسلامه في سورة الأنفال في مسئلة جواز المن على الأسارى و هذا الاستدلال ضعيف لان قصة ثمامة بن أثال كان قبل فتح مكة و قد منع الكفار عن الحج او الدخول في المسجد الحرام في سنة تسع حيث قال اللّه تعالى بَعْدَ عامِهِمْ هذا ط يعنى العام الذي نزلت فيه سورة التوبة و حج فيه ابو بكر و نادى علىّ ببراءة و هى سنة تسع من الهجرة و قيل يوذن للكتابى خاصة بدخول المسجد قال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري في باب دخول المشرك المسجد ان حديث الباب يرد على هذا القول فان ثمامة بن أثال لم يكن من اهل الكتاب و اللّه اعلم قال البيضاوي في هذه الآية دليل على ان الكفار مخاطبون بالفروع نظرا الى انه سبحانه نهاهم عن اقتراب المسجد و هذا ليس بشي ء فان الخطاب في الاية للمؤمنين حيث قال اللّه تعالى يا ايها الذين أمنوا انما المشركون نجس الآية فالمومنون مامورون بمنعهم عن المسجد الحرام و إن كان ظاهر الآية نهيا للكفار كيف و لو كان الكفار مخاطبين بالفروع كانوا مخاطبين مامورين بالحج إذ الحج من الفروع مع ان الآية يمنعهم عن الدخول و الحج فيلزم التناقض و لو كانوا مخاطبين بهذه الاية بعدم الدخول و ترك الحج لكانوا ممتثلين بتركهم الحج فيلزم ان يكونوا ماجورين مثابين في ذلك و ذلك باطل و اللّه اعلم اخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس و ابن جرير و ابو الشيخ عن سعيد بن جبير و عكرمة و عطية العوفى و الضحاك و قتادة و غيرهم انه كان المشركون يجيئون الى البيت و يجيئون معهم بالطعام فلما نهوا عن إتيان البيت و نزلت انما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا شق على المسلمين و قالوا من يأتينا بالطعام و بالمتاع فانزل اللّه تعالى وَ إِنْ خِفْتُمْ ايها المسلمون من اهل مكة عَيْلَةً يعنى فقرا و فاقة يقال عال يعيل عيلة فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّه مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ قيده بالمشية لينقطع بالآمال اليه و لينبه على انه متفضل في ذلك و ان الغنى الموجود يكون لبعض دون بعض و في عام دون عام إِنَّ اللّه عَلِيمٌ بأحوال عباده حَكِيمٌ (٢٨) فيما يعطى و يمنع قال عكرمة فاغناهم اللّه بان انزل عليهم المطر مدرارا فكثر خيرهم و قال مقاتل اسلم اهل جدة و صنعاء و جرش من اليمن و جلبوا الميرة «١» الكثيرة الى مكة فكفاهم اللّه تعالى ما كانوا يخافون و قال الضحاك و قتادة عوضهم اللّه منها الجزية فاغناهم بها و ذلك قوله تعالى. (١) هى الطعام و نحوه مما يجلب للبيع ١٢. ٢٩ قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللّه وَ لا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ قال مجاهد نزلت هذه الآية حين امر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بقتال الروم فغزا بعد نزولها غزوة تبوك فان قيل اهل الكتاب يؤمنون باللّه و اليوم الاخر أجيب بانهم لا يؤمنون على ما ينبغى فانهم إذا قالوا عزير بن اللّه و المسيح بن اللّه لم يكن ايمانهم باللّه على حقيقة و لم يعتقدوا كونه أحدا صمدا لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفوا أحد و إذا قالوا لا يدخل الجنة الا من كان هودا او نصارى و ان النار لا يمسهم الا أياما معدودات و اختلفوا في نعيم الجنة اهو من جنس نعيم الدنيا او غيره و في دوامه و انقطاعه و قال بعضهم لا أكل فيها و لا شرب لم يكن ايمانهم بالآخرة على حقيقة فايمانهم كلا ايمان وَ لا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللّه وَ رَسُولُهُ اى ما ثبت تحريمه بالكتاب و السنة و قيل المراد برسوله الذي يزعمون اتباعه و المعنى انهم يخالفون اصل دينهم المنسوخ اعتقادا و عملا فان موسى و عيسى امرا باتباع محمد صلى اللّه عليه و سلم وَ لا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ اى لا يدينون الدين الحق أضاف الاسم الى الصفة و قال قتادة الحق هو اللّه اى لا يدينون دين اللّه فان الدين عند اللّه الإسلام و قيل الحق الإسلام و المعنى دين الإسلام و قال ابو عبيدة معناه لا يطيعون اللّه طاعة اهل الحق مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بيان للذين لا يؤمنون يعنى اليهود و النصارى حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ و هى في اللغة الجزاء و انما بنيت على فعلة للدلالة على الهيئة و هى هيئة الاذلال عند العطاء على ما ستعرف و المراد به الخراج المضروب على رقابهم و قيل هى مشتق من جزى دينه إذا قضاه عَنْ يَدٍ حال من الضمير اى عن يد مواتية غير ممتنعة يعنى منقادين او عن يد من يعطى خراجه يعنى مسلمين بايديهم غير باعثين بايدى غيرهم كذا قال ابن عباس و لذلك يمنع من التوكيل في أداء الجزية او المعنى عن قهر و ذل قال ابو عبيدة يقال لكل من اعطى شيئا كرها من غير طيب نفس أعطاه من يد و قيل معنى عن يد نقد الانسية و قيل عن اقرار بانعام المسلمين عليهم بقبول الجزية منهم عوضا عن القتل وَ هُمْ صاغِرُونَ (٢٩) أذلاء مقهورون قال عكرمة يعطون الجزية قياما و القابض جالس و عن ابن عباس قال يوخذ و يوطا عنقه و قال الكلبي إذا اعطى صفع في قفاه و قيل يوخذ بلحيته فيضرب في لهزمته و قيل يليب و يجر الى موضع الإعطاء بعنف و قيل إعطائه إياه و هو الصغار و قال الشافعي الصغار هو جريان احكام الإسلام عليهم ظاهر هذه الآية يقتضى ان انتهاء القتال بإعطاء الجزية مختص باهل الكتاب و لاجل هذه لم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أخذها من مجوس هجر رواه البخاري في صحيحه من حديث بجالة بن عبدة و اختلف كلام الشافعي في بجالة فقال في الحدود مجهول و قال في الجزية حديث ثابت و لاجل هذا الحديث انعقد الإجماع على جواز أخذ الجزية من المجوس- (مسئلة) اختلف العلماء في باب الجزية فقال ابو حنيفة توخذ من اهل الكتاب على العموم عربيا كان او أعجميا و من مشركى العجم على العموم مجوسيا كان او وثنيا الا المرتدين و قال ابو يوسف يوخذ من اهل العجم دون اهل العرب كتابيا كان او مشركا و قال مالك و الأوزاعي يوخذ من كل كافر عربيا كان او أعجميا الا مشركى قريش خاصة و المرتدين و ذهب الشافعي الى ان الجزية على الأديان لا على الإنسان فيوخذ من اهل الكتاب عربا و عجما و لا يوخذ من اهل الأوثان بحال و اما المجوس فهم عنده اهل كتاب لما روى مالك في الموطإ و الشافعي في الام عنه عن جعفر بن محمد عن أبيه عن عمر قال ما أدرى ما اصنع في أمرهم يعنى المجوس فقال له عبد الرحمن بن عوف اشهد لسمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول سنوا بهم سنة اهل الكتاب و قال الشافعي ثنا سفيان عن سعيد بن المرزبان عن نصر بن عاصم قال قال فروة بن نوفل على ما يوخذ الجزية من المجوس فليسوا باهل كتاب فقام اليه المستورد فاخذ بلبته و قال يا عدو اللّه أ تطعن أبا بكر و عمر و امير المؤمنين يعنى عليا و قد أخذوا منهم الجزية فذهب الى القصر فخرج عليهم على فقال ايته انا اعلم الناس بالمجوس كان لهم علم يعلمونه و كتاب يدرسونه و ان ملكهم سكر فوقع على ابنته او امه فاطلع عليه بعض اهل مملكته فلما صحا جاؤا يقيمون عليه الحد فامتنع منهم فدعى اهل مملكته فقال تعلمون دينا خيرا من دين آدم قد كان آدم ينكح بنيه ببناته فانا على دين آدم و ما يرغب بكم عن دينه فبايعوه و قاتلوا الذين خالفوهم حتى قتلوهم فاصبحوا و قد اسرى علمائهم فرفع من بين أظهرهم و ذهب العلم الذي في صدورهم و هم اهل كتاب و قد أخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و ابو بكر و عمر منهم الجزية ذكر الحديث ابن الجوزي في التحقيق و قال سعيد بن مرزبان مجروح قال يحيى بن سعيد لا استحل ان يروى عنه و قال يحيى ليس بشى و لا يكتب حديثه و قال القلاس متروك الحديث و قال ابو اسامة كان ثقة و قال ابو ذرعة صدوق مدلس قلت و ذكر ابو يوسف في كتاب الخراج قال حدثنا سفيان بن عيينة عن نضر بن عاصم الليثي عن على بن ابى طالب ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و أبا بكر و عمر أخذوا الجزية من المجوس و قال انا اعلم الناس بهم كانوا اهل كتاب يقرؤنه و علم يدرسونه فنزع من صدورهم قال ابو يوسف و حدثنا نصر بن خليفة ان فروة بن نوفل الأشجعي قال ان هذا الأمر عظيم يوخذ من المجوس الخراج و ليسوا أبا هل الكتاب قال فقام اليه مستوردين الأحنف قال طعنت على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فتب و الا قتلتك و قال قد أخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من مجوس اهل هجر الخراج قال فارتفعا الى على رضى اللّه عنه فقال انا احدثكما بحديث ترضيانه جميعا عن المجوس ان المجوس كانوا امة لهم كتاب يقرونه و ان ملكا شرب حتى سكر فاخذ بيد أخته فاخرجها من القرية و اتبعه اربعة رهط فوقع عليها و هم ينظرون اليه فلما أفاق من سكره قالت له أخته انك صنعت كذا و فلان و فلان و فلان و فلان ينظرون إليك فقال ما علمت ذلك قالت فانك مقتول الا ان تطيعنى قال فانى أطيعك قالت فاجعل هذا دينا و قل هذا دين آدم و قل حواء من آدم و ادع الناس اليه و اعرضهم على السيف فمن بايعك فدعه و من ابى فاقتله ففعل فلم يتابعه أحد فقتلهم يومئذ حتى الليل فقالت له انى ارى الناس قد احتروا على السيف و هم على النار لكع فاوقد لهم نارا ثم اعرضهم علينا ففعل وهاب الناس من النار فبايعوه قال على رضى اللّه عنه فاخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الخراج لاجل كتابهم و حرم مناكحهم و ذبائحهم لشركهم و روى ابن الجوزي في التحقيق ان ابن عباس قال ان اهل فارس لما مات نبيهم كتب لهم إبليس المجوسية و الجواب ان قوله صلى اللّه عليه و سلم سنوا بهم سنة اهل الكتاب لا يدل على كونهم من اهل كتاب و لا على ان يفعل بهم كل ما يفعل باهل الكتاب بل يدل على جواز أخذ الجزية منهم للاجماع على انه لا يجوز مناكحه نسائهم و لا أكل ذبائحهم و ما ذكر من حديث على حجة لنا لا علينا لانهم و إن كان أسلافهم اهل كتاب يدرسونه لكنهم منذ تركوا ذلك الدين و العمل بالكتاب و رفع العلم منهم و كتب لهم إبليس المجوسية لم يبقوا اهل كتاب و من هاهنا اتفق العلماء على ان المجوس ليسوا باهل كتاب الا في قول للشافعى و في قول هو مع الجمهور انهم ليسوا باهل كتاب قلت و لو كفى كون أسلافهم من اهل الكتاب لكان عبدة الأوثان من اهل الهند اولى بهذا الاسم فانهم يقرؤن الكتاب و يدرسونه و يسمونه بيد و هى اربعة اجزاء و يزعمونه من عند اللّه تعالى و يوافق أصولهم في كثير من الأمور بأصول الشرع و ما يخالف الشرع فذلك من اختلاطات الشيطان كما تفرق فرق الإسلام الى ثلث و سبعين فرقة بتخليطه الشيطان و دعوتهم هذا مؤيد من الشرع حيث قال اللّه تعالى و ان من امة الا خلا فيها نذير فهم اولى من المجوس في كونهم اهل كتاب لان ملك المجوس لما سكر و زنا بأخته ترك دينه و كتابه و ادعى دين آدم و هؤلاء الكفار لم يفعلوا ذلك الا انهم كفروا بتركهم الايمان بالنبي صلى اللّه عليه و سلم و قد ذكر لى ان في الجزء الرابع من بيد بشارة ببعثة خاتم النبيين محمد صلى اللّه عليه و سلم حتى اسلم بعض من قرا ذلك الجزأ و اللّه اعلم و قد يحتج للشافعى على ان الوثني لا يوخذ منهم الجزية بان القتال واجب بقوله تعالى قاتلوهم حتى لا تكون فتنة الا انا عرفنا جواز تركه في حق اهل الكتاب بالكتاب و في حق المجوس بالخبر يعنى انه صلى اللّه عليه و سلم أخذها من مجوس الهجر فبقى من ورائهم على الأصل قلنا قوله تعالى قاتلوا المشركين خص منه المجوس بالإجماع فجاز تخصيصه بالمعنى و بالحديث اما المعنى فان عبدة الأوثان في معنى المجوس فانهم مشركون كهيئتهم و كون أصولهم من اهل الكتاب لا يفيدهم و ايضا يجوز استرقاقهم بالإجماع فيجوز ضرب الجزية عليهم إذ كلواحد منهما يشتمل على سلب النفس منهم فانه يكتسب و يودى الى المسلمين و نفقته في كسبه و اما الحديث فحديث سليمان بن بريدة عن أبيه قال كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا امر أميرا على جيش او سرية أوصاه في خاصة بتقوى اللّه ... و من معه من المسلمين خيرا ثم قال اغزوا بسم اللّه في سبيل اللّه قاتلوا من كفر باللّه اغزوا و لا تقلوا و لا تغدروا و لا تمثلوا و لا تقتلوا وليدا و إذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم الى ثلث خصال او خلال فايتهم أجابوك فاقبل منهم و كف عنهم ادعهم الى الإسلام فان أجابوك فاقبل منهم و كف ثم ادعهم الى التحول من دارهم الى دار الهجرة فاخبرهم انهم ان فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين و عليهم ما على المهاجرين فان أبوا ان يتحولوا منها فاخبرهم انهم يكونون كاعراب المسلمين يجرى عليهم حكم اللّه الذي يجرى على المؤمنين و لا يكون لهم في الغنيمة و الفى شي ء الا ان يجاهدوا مع المسلمين فان هم أبوا فسلهم الجزية فان هم أجابوك فاقبل منهم و كف عنهم فان هم أبوا فاستعن باللّه و قاتلهم الحديث رواه مسلم و الحجة على جواز أخذ الجزية من الكتابي العربي حديث انس قال بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم خالد بن الوليد الى أكيدر دومة فاخذوه فاتوا به فحقن دمه و صالحه على الجزية رواه ابو داود و روى ابو داود و البيهقي من حديث يزيد بن رومان و عبد اللّه بن ابى بكر ان النبي صلى اللّه عليه و سلم بعث خالد بن الوليد الى البدر بن عبد الملك رجل من كندة كان ملكا على دومة فذكره مطولا و فيه انه صالحه على الجزية قال الحافظ ان ثبت ان أكيدر كان كنديا ففيه دليل على ان الجزية لا يختص بالعجم من اهل الكتاب لان أكيدر عربى و إذا ثبت ان الجزية لا يختص باهل الكتب و لا باهل العجم ثبت مذهب ابى حنيفة و مالك غير ان أبا حنيفة يقول لا يجوز أخذ الجزية من عبدة الأوثان من اهل العرب و لا استرقاقهم اخرج عبد الرزاق عن معمر عن الزهري انه صلى اللّه عليه و سلم صالح عبدة الأوثان الا من كان من العرب قال ابو حنيفة ان النبي صلى اللّه عليه و سلم نشأ بين اظهر العرب و القرآن نزل بلغتهم فالمعجزة في حقهم اظهر فلا يقبل منهم الا الإسلام او السيف و كذا المرتد فانه كفر بربه بعد ما هدى الى الإسلام و وقف على محاسبه فلا يقبل منه الا الاستلام او السيف ذكر محمد بن الحسن عن مقسم عن ابن عباس انه صلى اللّه عليه و سلم قال لا يقبل من مشركى العرب الا الإسلام او القتل و إذا ظهر على عبدة الأوثان من العرب او المرتدين يسترق نسائهم و صبيانهم لان النبي صلى اللّه عليه و سلم استرق ذرارى أوطاس و هوازن و هم من مشركى العرب و كذا ذرارى بنى المصطفى و غيرهم و ابو بكر استرق ذرارى بنى حنيفة لما ارتدوا و قسمهم بين الغانمين و كانت منهم أم محمد بن على بن ابى طالب و أم زيد بن عبد اللّه بن عمر ثم ان ذرارى المرتدين و نسائهم يجبرون على الإسلام بعد الاسترقاق بخلاف ذرارى عبدة الأوثان و قال الشافعي يسترق ذرارى عبدة الأوثان من العرب و الجواب لابى يوسف ان أخذ الجزية من كفار العرب كتابيا كان او مشركا و ان ثبت بحديث أخذ الجزية من أكيدر لكنه نسخ بالأحاديث الواردة في إخراج اليهود و النصارى من جزيرة العرب و ان لا يترك فيها الا مسلما فان أخذ الجزية من كفار العرب فرع تركهم فيها عن ابن عباس ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اوصى بثلث قال اخرجوا المشركين من جزيرة العرب و أجيزوا الوفد بما كنت اجيزهم قال ابن عباس و سكت عن الثالثة او قال نسيتها متفق عليه و عن جابر بن عبد اللّه قال أخبرني عمر بن الخطاب انه سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول لاخرجن اليهود و النصارى من جزيرة العرب حتى لا ادع فيها الا مسلما رواه مسلم و روى مالك في الموطإ عن ابن شهاب مرسلا لا يجتمع دينان في جزيرة العرب و وصله صالح بن ابى الأخضر ... عن الزهري عن سعيد عن ابى هريرة أخرجه إسحاق في مسنده و روى احمد و البيهقي عن ابى عبيدة بن الجراح آخر ما تكلم به النبي صلى اللّه عليه و سلم ان قال اخرجوا اليهود من الحجاز و اهل نجران من جزيرة العرب- (مسئلة) اختلفوا في قدر الجزية فقال ابو حنيفة ان وضع الجزية بالتراضي و الصلح فيقدر بحسب ما يقع عليه الصلح كما صالح رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اهل نجران على الفى حلة روى ابو داود عن ابن عباس قال صالح رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اهل نجران على الفى حلة النصف في صفر و النصف في رجب و قال ابو يوسف في كتاب الخراج و ابو عبيدة في كتاب الأموال كتب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الى اهل نجران الى ان قال الفى حلة كل حلة اوقية يعنى قيمة اوقية قال ابن همام فقول الولوجى كل حلة خمسون درهما ليس بصحيح لان الاوقية أربعون درهما و الحلة ثوبان إزار و رداء و يعتبر هذه الحلل في مقابلة روسهم و أراضيهم قال ابو يوسف الفاحلة على أراضيهم و على جزية رؤسهم يقسم على روس الرجل الذين لم يسلموا و على كل ارض من أراضي نجران و ان كان بعضهم قد باع ارضه او بعضها من مسلم او ذمى او تغلبى و المرأة و الصبى في ذلك سواء في أراضيهم و اما جزية روسهم فليس على النساء و الصبيان و روى ابن ابى شيبة انه صالح عمر نصارى بنى تغلب على ان يؤخذ منهم ضعف ما يوخذ من المسلم المال الواجب و ان غلب عليهم الامام و اقرهم على املاكهم فيضع على الغنى الظاهر الغنى في كل سنة ثمانية و أربعين درهما يأخذ منهم في شهر اربعة دراهم و على وسط الحال اربعة و عشرون درهما في كل شهر درهمان و على الفقير المعتل اثنا عشر درهما في كل شهر درهم إذا كان صحيحا في اكثر السنة عند ابى حنيفة رحمه اللّه و قال مالك في المشهور عنه على الغنى و الفقير جميعا اربعة دنانير في السنة او أربعين درهما لا فرق بينهما و قال الشافعي الواجب دينار يستوى فيه الغنى و الفقير و عن احمد اربع روايات أحدها كقول ابى حنيفة و الثانية انها مفوضة الى راى الامام و ليست بمقدرة و به قال الثوري و الثالثة انه يقدر الأقل منها بدينار دون الأكثر و الرابعة انها في اهل اليمن خاصة مقدر بدينار دون غيرهم اتباعا لحديث ورد فيهم عن معاذ ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لما وجهه الى اليمن امره ان يأخذ من كل حالم دينارا او عدله المعافر ثياب يكون بايمن رواه ابو داود و الترمذي و النسائي و الدار قطنى و ابن حبان و الحاكم و به أخذ الشافعي على الإطلاق قال ابو داود و حديث منكر و قال بلغني عن احمد انه كان ينكره و ذكر البيهقي الاختلاف فيه فبعضهم رواه عن الأعمش عن ابى وائل عن مسروق عن معاذ و قال بعضهم عن الأعمش عن ابى وائل عن مسروق ان النبي صلى اللّه عليه و سلم لما بعث معاذ الحديث و أعله ابن حزم بالانقطاع و ان مسروقا لم يلق معاذا و قال الحافظ ابن حجر فيه نظر و قال الترمذي حديث حسن و ذكر ان بعضهم رواه مرسلا و انه أصح و مذهب ابى حنيفة منقول عن عمر و عثمان و على ذكر الاصحاب في كتبهم عن عبد الرحمن بن ابى ليلى عن الحكم ان عمر بن الخطاب وجه حذيفة بن اليمان و عثمان بن حنيف الى السواد فمسحا ارضها و وضعا عليها الخراج و جعلا الناس ثلث طبقات على ما قلنا فلما رجعا أخبراه بذلك ثم عمل عثمان كذلك و روى ابن ابى شيبة ثنا على بن مسهر الشيباني عن ابن عون محمد بن عبد اللّه الثقفي قال وضع عمر بن الخطاب في الجزية على رؤس الرجال على الغنى ثمانية و أربعين درهما و على المتوسط اربعة و عشرون و على الفقير اثنى عشر درهما و هو مرسل و رواه ابن زنجويته في كتاب الأموال ثنا مندل عن الشيباني عن ابن عون عن المغيرة بن شعبة ان عمر وضع الحديث الى آخره و طريق آخر رواه ابن سعد في الطبقات الى نضرة ان عمر بن الخطاب وضع الجزية على اهل الذمة فيما فتح البلاد فوضع على الغنى الى آخر ما ذكر و من طريق آخر أسنده عبد القاسم بن سلام الى حارثة بن مضر عن عمر انه بعث عثمان بن حنيف فوضع عليهم ثمانية و أربعين و اربعة و عشرين و اثنا عشر و قد كان ذلك بمحضر من الصحابة بلا نكير فحل محل الإجماع و قال ابو يوسف في كتاب الخراج حدثنى السرى بن اسمعيل عن عامر الشعبي ان عمر بن الخطاب مسح السواد فبلغ ستة و ثلثين الف الف جريب و انه وضع على جريب الزرع درهما و قفيزا على الكرم عشرة دراهم و على الرطبة خمسة دراهم و على الرجل اثنى عشر درهما و اربعة و عشرون و ثمانيته و أربعون درهما قال و حدثنى سعيد بن ابى عروية عن قتادة عن ابن مجلز قال بعث عمر بن الخطاب عمار بن ياسر على الصلاة و الحرب و بعث عبد اللّه بن مسعود على القضاء و بيت المال و بعث عثمان بن حنيف على مساحة الأرض و جعل بينهم شاة كل يوم شطرها و بطنها لعمار و ربعها لعبد اللّه بن مسعود و الربع الاخر لعثمان بن حنيف و قال انى أنزلت نفسى و إياكم بهذا المال بمنزلة و الى اليتيم فان اللّه قال من كان غينا فليستعفف و من كان فقيرا فلياكل بالمعروف و اللّه ما ارى أرضا يوخذ منها شاة في كل يوم الا سيسرع ضرابها قال فمسح عثمان الأرضين فجعل على جريب العنب عشرة و على جريب النخل ثمانية و على جريب القصب ستة و على جريب الحنطة اربعة و على جريب الشعير درهمين و على الراس اثنا عشر درهما و اربعة و عشرين و ثمانية و أربعين و عطل من ذلك النساء و الصبيان قال سعيد و خالفنى بعض أصحابي فقال على جريب النخل عشرة و على جريب العنب ثمانية قال و حدثنى محمد بن إسحاق عن حارثة بن مطرف عن عمر انه أراد ان يقسم السواد بين المسلمين فامر بهم ان يحصوا فوجد الرجل نصيبه الاثنين و الثلاثة من العلاجين فشاور اصحاب محمد صلى اللّه عليه و سلم فقال على رضى اللّه عنه و عنهم يكونون مادة للمسلمين فبعث عثمان بن حنيف فوضع عليهم ثمانية و أربعين و اربعة و عشرين و اثنا عشر و أجاب الحنفية عن حديث معاذ انه محمول على انه كان صلحا فان اليمن لم يفتح عنوة بل صلحا فوقع على ذلك و بان كان اهل اليمن اهل فاقة و النبي صلى اللّه عليه و سلم يعلم ذلك ففرض عليهم ما على الفقراء يدل على ذلك ما رواه البخاري عن ابي نجيح قلت لمجاهد ما شان اهل الشام عليهم اربعة دنانير و اهل اليمن عليهم دينار قال جعل ذلك من قبل اليسار و وجه قول الثوري و احمد انه صلى اللّه عليه و سلم امر معاذا بأخذ الدينار و صالح نصارى نجران على الفى حلة و جعل عمر الجزية على ثلث طبقات كما قال ابو حنيفة و صالح بنى تغلب على ضعف ما يوخذ من المسلمين فهذا يدل على انه لا تقدير فيه بل هو مفوض الى راى الامام- (مسئلة) لا يوخذ الجزية من فقير غير معتمل عند ابى حنيفة و مالك و احمد و للشافعى فيه اقوال أحدها انه لا يوخذ منه و الثاني انه يجب عليه لكن يطالب عند يساره و الثالث انه إذا حال عليه الحول و لم يتيسر له الحق بدار الحرب له اطلاق قوله صلى اللّه عليه و سلم في حديث معاذ خذ من كل حالم و لنا ان عثمان بن حنيف لم يوظف الجزية على فقير غير معتل روى ابن رنجوية في كتاب الأموال ثنا الهشيم بن عدى عن عمر بن نافع حدثنى ابو بكر العنبسى صلة بن زفر قال ابصر عمر شيخا كبيرا من اهل الذمة ليال فقال له مالك قال ليس لى مال و ان الجزية يوخذ منى فقال له عمر ما انصفناك أكلنا شبيبتك ثم ناخذ منك الجزية ثم كتب عمر الى عماله ان لا تأخذوا الجزية من شيخ كبير «١» و قد جاء في بعض طرقه و على الفقير المكتسب اثنا عشر أخرجه البيهقي قال ابو يوسف حدثنى عمرو بن نافع عن ابى بكر قال مر عمر بن الخطاب بباب قوم و عليه سائل شيخ كبير ضرير البصر فذكر نحوه و قال فوضع عنه الجزية و عن ضربائه قال ابو بكر انا شهدت ذلك من عمر و رايت ذلك الشيخ و قال ابو يوسف حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عمر بن الخطاب انه مر بطريق الشام هو راجع في مسيره من الشام على قوم قد اقيموا في الشمس يصب على روسهم الزيت فقال ما بال هؤلاء قالوا عليهم الجزية لم يؤدوا فهم يعذبون حتى يؤدوا قال عمر فما يقولون ما يعتذرون في الجزية قالوا يقولون لا نجد قال فدعوهم لا تكلفوهم مالا يطيقون فانى سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول لا تعذبوا الناس فان الذين يعذبون الناس في الدنيا يعذبهم اللّه يوم القيامة و امر بهم فخلى سبيلهم و قال ابو يوسف و حدثنى بعض المشيخة المتقدمين يرفع الحديث الى النبي صلى اللّه عليه و سلم انه ولى عبد اللّه بن أرقم على جزية اهل الذمة فلما ولى من عنده ناداه فقال الا من ظلم معاهدا و كلفه فوق طاقته او ينقصه او أخذ منه شيئا بغير طيبة نفسه فانا حجيجه يوم القيامة و هذا الحديث يؤيد مذهب احمد ان الجزية مفوض الى راى الامام ينظر طاقة الذمي و لا يكلفه فوق طاقته- (مسئلة) لو وجبت الجزية على كافر بتمام السنة بعد عقد الذمة فلم يؤدها حتى اسلم فعند الشافعي يوخذ منه جزية ما مضى لان الجزية (١) و روى عن عمر بن الخطاب انه مر برجل من اهل الكتاب مطروح على باب قال استكدونى و أخذوا منى الجزية حتى كف بصرى فليس أحد يعود على بشي ء فقال عمر ما انصفنا إذا ثم قال هذا من الدين قال اللّه انما الصدقات للفقرا و المساكين ثم امر له برزق يجرى عليه. اجرة الدار و قد استوفى سكنى الدار كما هو أحد قوليه او وجبت بدلا عن العصمة الذي يثبت للذمى بعقد الذمة كما هو قوله الآخر و قد وصل اليه المعوض و هو حقن دمه و سكناه فتقرر البدل دينا عليه في ذمته فلا يسقط عنه كساير الديون و عند ابى حنيفة و مالك و احمد يسقط الجزية بإسلامه لان الجزية عقوبة على الكفر و لا عقوبة بعد التوبة و هى غاية للقتال منه ... لهذه الاية و قد انتهى القتال بالإسلام و كون الجزية اجرة الدار ممنوع فانه يسكن دار ملكه لنا حديث ابن عباس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ليس على المسلم جزية رواه احمد و الترمذي و ابو داود قال ابو داود سئل سفيان الثوري عن هذا فقال يعنى إذا اسلم فلا جزية عليه و باللفظ الذي فسر به سفيان الثوري رواه الطبراني في معجمه الأوسط عن ابن عمر عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال من اسلم فلا جزية عليه و ضعف ابن القطان من رواة حديث ابن عباس قابوس بن ابى الظبيان و ليس قابوس في سند الطبراني قال ابن همام هذا الحديث بعمومه يوجب سقوط ما كان استحق عليه قبل إسلامه بل هو المراد بخصوصه لانه موضع الفائدة إذ عدم الجزية على المسلم ابتداء من ضروريات الدين في الاخبار به من جهة الفائدة ليس كالاخبار بسقوطها في حال البقاء قال ابو يوسف في كتاب الخراج حدثنى شيخ من علماء الكوفة قال جاء كتاب عمر بن عبد العزيز الى عبد الحميد بن عبد الرحمن كتبت الى تسالنى عن أناس من اهل الحيرة يسلمون من اليهود و النصارى و المجوس و عليهم جزية عظيمة و تستأذن في أخذ الجزية منهم و ان اللّه تعالى بعث محمدا صلى اللّه عليه و سلم داعيا الى الإسلام و لم يبعثه جابيا فمن اسلم من اهل تلك الملل فعليه في ماله الصدقة و لا جزية عليه فان قيل ما الفرق بين الخراج و الجزية و الاسترقاق مع ان كلواحد منها عقوبة على الكفر فكيف يقولون بسقوط الجزية و عدم سقوط الخراج و الرق قلنا في الجزية ذل ظاهر و مبناه على الصغار و الخراج فيه معنى المئونة فان صاحب الأرض لا يتمكن من الزراعة من غير حماية السلطان و المقاتلة فكانه يعطى اجر مؤنتهم و اما الرقيق فقد تعلق به ملك شخص معين بخلاف الجزية فانه لم يتعلق بها ملك شخص معين بل فيه استحقاق للعامة و الحق الخاص فضلا عن العام ليس كالملك الخاص- (مسئلة) الجزية يجب باول الحول عند ابى حنيفة و هى رواية عن مالك فيجوز مطالبة جزية سنة فورا بعد عقد الذمة و قال الشافعي و احمد يجب ما جزه و هو المشهور عن مالك فلا يملك المطالبة حتى يمضى السنة فان مات في أثناء السنة او بعد تمامها و لم يؤد الجزية سقطت بموته عند ابى حنيفة و احمد و قال مالك و الشافعي لا تسقط و الوجه لهما ما ذكرنا انه بدل للسكنى او لحقن الدم و قد استوفى المعوض فصار البدل دينا يوخذ من تركته و لنا انه عقوبة دنيوية و العقوبات الدنيوية تسقط بالموت كالحدود- (مسئلة) إذا لم يؤد الذمي الجزية سنتين او اكثر يتداخل و يوخذ منه جزية واحدة عند ابى حنيفة و احمد و قال الشافعي يوخذ لكل سنة جزية له ما ذكرنا انه استوفى المعوض فصار العوض دينا و لنا انها عقوبة محضة و ليس الغرض منها المال بل الاذلال و لذالك لا يوخذ من يد نائبه كما ذكرنا من قبل و كفارات الفطر مع انها عبادة فيه معنى العقوبة تتداخل فكيف الجزية فانها عقوبة محضة و الاذلال يحصل يأخذها مرة و اللّه اعلم- (مسئلة) و لا جزية على الصبيان و المجانين اتفاقا فانهم ليسوا أهلا لعقوبة و لا على النساء ايضا اجماعا قال ابو يوسف في كتاب الخراج حدثنا عبيد اللّه عن نافع عن اسلم مولى عمر قال كتب عمر ان اقبلوا الجزية ممن جرت عليه المواشي و لا تأخذوا من امرأة و لا صبى و لا تأخذوا الجزية الا اربعة دنانير او أربعين درهما يعنى لا تأخذوا اكثر منه و روى البيهقي من طريق زيد بن اسلم عن أبيه ان عمر كتب الى أمراء الأجناد لا تضربوا الجزية الا على من جرت عليه المواشي و كان لا يضرب على النساء و الصبيان و روى من طريق آخر بلفظ لا تضعوا الجزية على النساء و الصبيان- (مسئلة) و لا جزية على المملوك قنا كان او مكاتبا او مدبرا او ابنا لام الولد إذ لا مال لهم و لا يتحمل عنهم مواليهم لانهم تحملوا الزيادة لاجلهم يعنى وجب عليهم جزية الاعتباء بسبيهم و ما روى ابو عبيدة في كتاب الأموال عن عروة قال كتب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الى اهل اليمن انه من كان على يهودية و نصرانية فانه لا ينتزع عنها و عليه الجزية على كل حالم ذكرا او أنثى عبدا او امة دينارا و قيمته و روى ابن زنجوبة عن الحسن فذكر نحوه مرسلان ضعيفان يقوى أحدهما الآخر لكن الامة ترك العمل بهما اجماعا فلا عبرة بهما و كذا ما روى ابو عبيد عن عمر قال لا تشتر رقيق اهل الذمة فانهم اهل خراج يؤدى بعضهم عن بعض- (مسئلة) إذا امتنع الذمي من أداء الجزية او امتنع من اجراء حكم من احكام الإسلام او قتل مسلما او اجمع على القتال او زنى بمسلمة و أصابها باسم نكاح او افتن مسلما عن دينه او قطع عليهم الطريق او صار للمشركين جاسوسا او أعان على المسلمين بدلالة او كتب الى المشركين اخبار المسلمين و أطلعهم على عوراتهم ينقض عهده عند احمد في اظهر الروايتين لما روى عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرت ان أبا عبيدة بن الجراح و أبا هريرة قتلا كتابيين أرادا امراة على نفسها مسلمة و روى البيهقي من طريق الشعبي عن سويد بن غفلة قال كنا عند عمر و هو امير المؤمنين بالشام إذا نبطى مضروب مسح يستعدى فغضب و قال لصهيب انظر من صاحب هذا فذكر القصة فجاء به و هو عوف بن مالك فقال رايته يسوق بامراة مسلمة فنخس الحمار ليصرعها فلم يصرع ثم دفعها فخرت عن الحمار فغشيها ففعلت به ما ترى قال عمر و اللّه ما على هذا عاهدناكم فامر به فصلت ثم قال ايها الناس فوا بذمة محمد صلى اللّه عليه و سلم فمن فعل منهم هذا فلا ذمة له و في رواية عن احمد لا ينتقض الا بالامتناع من بذل الجزية و اجراء أحكامنا عليه و قال الشافعي ينتقض بمنع الجزية و امتناع اجراء احكام الإسلام و بالإجماع على قتال المسلمين لا غير الا إذا شرط عند عقد الذمة هذه الأمور المذكورة فح ينتقض عهده بإتيانها و قال مالك لا ينتقض بالزنا بمسلمة و لا باصابتها باسم النكاح و يقطع الطريق و ينتقض بما سوى ذلك و قال القاسم من أصحابه بقطع الطريق ايضا و قال ابو حنيفة ينتقض عهده بان يلتحق بدار الحرب او كان له منعة و غلب على موضع و أراد المحاربة لانهم صاروا حربا علينا فيعرى عقد الذمة عن الفائدة و فيما سوى ذلك لا ينتقض عهده لان الغاية التي ينتهى به القتال التزام الجزية لا أدائها و الالتزام باق و من لا منعة له لا عبرة بامتناعه فان الامام يقدر عليه بالحبس و الضرب و غير ذلك- (مسئلة) و في ذكر اللّه عز و جل بما لا يليق بجلاله او ذكر كتابه المجيد او ذكر دينه القويم او ذكر رسوله الكريم بما لا ينبغى ينتقض عهده عند احمد سواء شرط منه ذلك اولا و كذا قال مالك انه إذا ذكر منهما بغير ما كفروا به ينتقض عهده و قال اكثر اصحاب الشافعي ان لم يشترط لا ينتقض عهده و ان شرط ينتقض و ذكر صاحب الهداية مذهب الشافعي انه ينتقض لان المؤمن ينتقض به إيمانه فالذمى ينتقض به امانه إذ عقد الذمة خلف عن الايمان و ذكر صاحب الهداية مذهب ابى حنيفة ان بسب النبي صلى اللّه عليه و سلم لا ينتقض عهده لان سبه عليه السلام كفر و الكفر المقارن لا يمنعه فالطارى لا يرفعه قال ابن همام يويده ما روى عن عايشة ان رهطا من اليهود دخلوا على النبي صلى اللّه عليه و سلم فقالوا السام عليك فقال و عليكم قالت ففهمتها فقلت عليكم السام و اللعنة فقال صلى اللّه و سلم مهلا يا عايشة فان اللّه رفيق يحب الرفق في الأمر كله قالت فقلت يا رسول اللّه الم تسمع ما قالوا قال عليه السلام قد قلت و عليكم و في رواية عليكم بغير واو متفق عليه و في رواية رددت عليهم فيستجاب لى فيهم و لا يستجاب لهم في قال ابن همام و لا شك ان هذا سب منهم له عليه الصلاة السلام و لو كان نقضا للعهد لقتلهم و في الفتاوى من مذهب ابى حنيفة ان من سب النبي صلى اللّه عليه و سلم يقتل و لا يقبل توبته سواء كان مؤمنا او كافرا و بهذا يظهر انه ينتقض عهده و يؤيده ما روى ابو يوسف عن حفص بن عبد اللّه بن عمر ان رجلا قال له سمعت راهبا سب النبي صلى اللّه عليه و سلم فقال له لو سمعته لقتلته انا لم نعطهم العهود على هذا و قال ابن همام و الذي عندى ان سبه عليه السلام او نسبته الى ما ينبغى الى اللّه تعالى ان كان مما لا يعتقدونه كنسبة الولد الى اللّه تعالى الذي يعتقده النصارى و اليهود إذا أظهروا يقتل به و ينتقض عهده و ان لم يظهروا و لكنه عثر عليه و هو يكتمه فلا لان دفع القتل و القتال عنهم بقبول الجزية الذي هو المراد بالإعطاء مقيد بكونهم صاغرين أذلاء بالنص و لا خلاف ان المراد استمرار ذلك لا عند مجرد القبول و اظهار ذلك منه ينافى قبول الجزية الدافع لقتله لانه الغاية في التمرد و عدم الالتفات و الاستخفاف بالإسلام و المسلمين فلا يكون جاريا على العقد الذي يدفع عنه القتال و هو ان يكون صاغرا ذليلا و اما اليهود المذكورون في حديث عايشة فلم يكونوا اهل ذمة بمعنى .... اعطائهم الجزية بل كانوا اصحاب موادعة بلا مال يوخذ منهم دفعا لشرهم الى ان أمكن اللّه منهم لانه لم يوضع قط جزية على اليهود المجاورين من قريظة و النضير قال ابن همام هذا البحث يوجب انه إذا استعلى ذمى على المسلمين على وجه صار مستمرا عليه حل للامام قتله او يرجع الى الذل و الصغار و اللّه اعلم اخرج ابن ابى حاتم عن سعيد بن جبير و عكرمة عن ابن عباس قال اتى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم سلام بن مشكم و نعمان بن اوفى و ابو انس و محمد بن دحية و شاس بن قيس و مالك بن الضيف فقالوا كيف نتبعك و قد تركت قبلتنا و انك لا تزعم ان عزير ابن اللّه فانزل اللّه تعالى. ٣٠ وَ قالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّه قرأ عاصم و الكسائي و يعقوب عزير بالتنوين على انه عربى مصغر و قيل انه أعجمي لكنه اسم خفيف يشبه المصغر و لذلك صرف مثل نوح و هود و لوط و عزير مبتدأ ما بعده خبره و ليس بصفة له و قرا الباقون بلا تنوين اما لمنع الصرف للعجمة و التعريف او لالتقاء الساكنين تشبيهما للنون بحرف اللين او لان الابن وصف و الخبر محذوف مثل معبودنا او صاحبنا قال البيضاوي هذا القول مزيف لانه يودى الى تسليم النسب و انكار الخبر المقدر قال عبيد بن عمير انما قال هذه المقالة رجل واحد من اليهود اسمه فنحاص بن عازورا و هو الذي قال ان اللّه فقير و نحن اغنياء و قال البغوي روى عطية العوفى عن ابن عباس انما قالت اليهود عزير بن اللّه لاجل ان عزيرا كان فيهم و كانت التوراة عندهم و التابوت فيهم فاضاعوا التوراة و عملوا بغير الحق فرفع اللّه عنهم التابوت و أنساهم التوراة و نسخها من صدورهم فدعا اللّه عزيز و ابتهل اليه ان يرد الذي نسخ من صدورهم فبينما هو يصلى مبتهلا الى اللّه نزل نور من السماء فدخل فعاد اليه التوراة فاذن في قومه و قال يا قوم قد آتاني اللّه التوراة وردها فعلق الناس به يعلمهم فمكثوا ما شاء اللّه ثم ان التابوت نزل بعد ذهابه منهم فلما رأوا التابوت عرضوا ما كان فيه على الذي كان يعلمهم عزير فوجدوه مثله فقالوا و ما اوتى عزير هذا الا انه ابن اللّه و قال الكلبي ان نجت نصر لما ظهر على بنى إسرائيل و قتل من قرا التوراة و كان عزير إذ ذاك صغيرا فلم يقتله فلما رجع بنو إسرائيل الى بيت المقدس و ليس فيهم من يقرأ التوراة بعث اللّه عزيرا ليجدد لهم التوراة و يكون له آية بعد ما أماته مائة عام و قد ذكرنا القصة في سورة البقرة في تفسير قوله تعالى او كالذى مر على قرية و هى خاوية راحلتى هاتين فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بالثمن لا اركب بعيرا ليس لى قال هو لك و لكن بالثمن الذي ابتعتهما به قال أخذتها بكذا و كذا قال أخذتها بذلك قال هى لك و عند البخاري في غزوة الرجيع انها الجدعاء و أفاد الواقدي ان الثمن ثمانمائة قالت عايشة فجهزناهما أحب الجهاز و وضعنا لهما سفرة في جراب و أفاد الواقدي انه كان في السفرة «١» شاة مطبوخة فقطعت اسماء بنت ابى بكر قطعة من نطاقها فربطت به على فم الجراب فبذلك سميت ذات النطاقين و في رواية ذات النطاق «٢» قال محمد بن يوسف الصالحي المحفوظ في هذا الحديث ان اسماء شقت نطاقها نصفين فشدت بأحدهما الزاد و اقتصرت على الآخر و من ثم قيل لها ذات النطاق و ذات النطاقين فالتثنية و الافراد بهذين الاعتبارين و عند ابن سعد انها شقت نطاقها فاوكت بقطعة منه الجراب و شدت في القربة بالباقي فسميت ذات النطاقين و استاجر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و ابو بكر رجلا من بنى الديل و هو على دين كفار قريش و اسلم بعد ذلك و كان هاديا خريتا يعنى ماهرا بالهداية فامناه فدفعا اليه راحليتهما و واعداه غار ثور بعد ثلث براحلتيهما و اعلم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم .... عليا بخروجه و امره ان يتخلف بعده حتى يودى عنه الودائع التي كانت عنده للناس و كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ليس بمكة أحد عنده شي ء يخشى عليه الا وضعه عنده لما يعلم من صدقه و أمانته قالت عائشة ثم لحق رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و ابو بكر في غار في جبل ثور في حديث عمر عند البيهقي انها خرجا ليلا و ذكر ابن إسحاق و الواقدي انهما خرجا من خوخة «٣» في ظهر بيت ابى بكر و روى ابو نعيم عن عايشة بنت قد أمته ان النبي صلى اللّه عليه و سلم قال لقد خرجت من الخوخة متنكرا فكان أول من لقينى ابو جهل فاعمى اللّه عز و جل بصره عنى و عن ابى بكر حتى مضينا قالت اسماء و خرج ابو بكر بماله كله خمسة آلاف درهم قال البلاذري كان مال ابى بكر يوم اسلم أربعين الف درهم فخرج الى المدينة للّهجرة و ما ماله الا خمسة آلاف درهم او اربعة (١) سفرة الطعام السفر. (٢) النطاق ما يشد به الوسط و كانت المرأة تلبس ثوبا ثم تشد وسطها بحبل ثم ترمل الأعلى على الأسفل فذلك الحبل النطاق ١٢. (٣) باب صغير ١٢. فبعثه ابنه عبد اللّه فحملها الى الغار قالت فدخل علينا جدى ابو قحافة و قد ذهب بصره فقال و اللّه انى لاراه قد ذهب بماله مع نفسه قالت قلت كلا يا أبت انه ترك لنا خيرا كثيرا قالت فاخذت احجارا فوضعتها في كوة البيت كان ابى يضع ماله فيها ثم وضعت عليها ثوبا ثم أخذت بيده فقلت ضع يا أبت يدك على هذا المال قالت فوضع يده عليه فقال لا بأس ان كان ترك لكم هذا فقد احسن و في هذا بلاغ لكم و لا و اللّه ما ترك لنا شيئا و لكن أردت ان اسكن الشيخ روى البيهقي ان أبا بكر لما خرج هو و رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الى الغار جعل يمشى مرة امام النبي صلى اللّه عليه و سلم و مرة خلقه و مرة عن يمينه و مرة عن شماله فسأله رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن ذلك فقال يا رسول اللّه اذكر الرصد فاكون امامك و اذكر الطلب فاكون خلفك و مرة عن يمينك و مرة عن يسارك لا أمن عليك فلما انتهيا الى فم الغار قال ابو بكر و الذي بعثك بالحق نبيا لا تدخله حتى ادخله قبلك ما كان فيه شي ء نزل بي قبلك فدخله فجعل يلتمس بيده فكلما رأى حجرا قال بثوبه فشقه ثم ألقمه الحجر حتى فعل ذلك بثوبه اجمع فبقى حجر فوضع عقبه عليه ثم دخل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فجعلت الحيات يلسعن أبا بكر و جعلت دموعه يتحدر و روى ابن ابى شيبة و ابن المنذر عن ابى بكر رضى اللّه عنه انهما لما انتهيا الى الغار إذا جحر فالقمه ابو بكر رجليه فقال يا رسول اللّه إن كان لدغة او لسعة كان بي و روى ابن مردوية عن جندب بن سفيان قال لما انطلق ابو بكر مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الى الغار قال ابو بكر يا رسول اللّه لا تدخل الغار حتى استبرئه «١» فدخل ابو بكر الغار فاصاب يده شي ء فجعل يمسح الدم عن يده و يقول هل أنت الا إصبع دميت و في سبيل اللّه ما لقيت و في حديث انس عند ابى نعيم ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لما أصبح قال لابى بكر اين ثوبك فاخبر بالذي صنع فرفع رسول (١) استبرأت الشي ء طلبت آخره لقطع الشبهة عليه عنى ١٢. اللّه صلى اللّه عليه و سلم يديه و قال اللّهم اجعل أبا بكر معى في درجتى في الجنة فاوحى اللّه اليه قد استجاب اللّه لك و روى زرين عن عمر انه ذكر عنده ابو بكر فبكى و قال وددت ان عملى كله مثل عمله يوما واحدا من أيامه و ليلة واحدة من لياليه اما ليلته فليلة سار مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الى الغار فلما انتهيا اليه قال و اللّه لا تدخله حتى ادخل قبلك فانكان فيه شي ء أصابني دونك فدخل فكسحه و وجد في جانبه ثقبا فشق إزاره و سدها به فبقى فيها اثنان فالقمها رجليه ثم قال لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ادخل فدخل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و وضع رأسه في حجره و نام فلدغ ابو بكر في رجله من الحجر و لم يتحرك مخافة ان ينتبه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فسقطت دموعه على وجه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فذهب ما يجده ثم انتقض عليه و كان سبب موته و اما يومه فلما قبض رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ارتدت العرب و قالوا لا نؤدى زكوة فقال لو منعونى عقالا لجاهدتهم عليه فقلت يا خليفة رسول اللّه تالف الناس و ارفق بهم فقال لى إجبار في الجاهلية و خوار في الإسلام انه قد انقطع الوحى و تم الدين أ ينقص و انا حى روى ابن سعد و ابو نعيم و البيهقي و ابن عساكر عن ابى مصعب المكي قال أدركت انس بن مالك و زيد بن أرقم و المغيرة بن شعبة فسمعتهم يتحدثون ان النبي صلى اللّه عليه و سلم لما دخل الغار أنبت اللّه شجرة الراه فنبت في وجه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فسترته و بعث اللّه العنكبوت فنسجت ما بينها فسترت وجه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و امر اللّه حمامتين وحشيتين فوقفتا في فم الغار و اقبل فتيان «١» قريش من كل بطن بعصيهم و هراوليهم و سيوفهم حتى إذا كانوا من النبي صلى اللّه عليه و سلم على أربعين ذراعا جعل بعضهم ينظر في الغار فلم ير الا حمامتين وحشيتين فعرف انه ليس فيه أحد فسمع النبي صلى اللّه عليه و سلم ما قال فعرف ان اللّه تعالى قد درأ عنه بهما فبارك عليهما النبي صلى اللّه عليه و سلم و فرض جزاء بهن و الخدرتا في الحرم فافرخ ذلك الزوج كل شي ء في الحرم و روى احمد بسند حسن عن ابن عباس ان المشركين قصوا «٢» اثره رسول اللّه صلى اللّه (١) جمع كثرة للفتى و هو الشاب الحدث ١٢. (٢) أي طنبوا اثار اقدامه ١٢. عليه و سلم فلما بلغوا الجبل اختلط عليهم فصعدوا الجبل فمروا بالغار فرأوا على بابه نسج العنكبوت فقالوا لو دخل هاهنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه فمكث فيه ثلث ليال و روى الحافظ احمد ابو بكر بن سعيد القاضي شيخ النسائي في مسند الصديق عن الحسن البصري قال جاءت قريش يطلب النبي صلى اللّه عليه و سلم و كانوا إذا أرادوا على باب الغار نسج العنكبوت قالوا لم يدخله أحد و كان النبي صلى اللّه عليه و سلم قائما يصلى و ابو بكر يرتقب فقال ابو بكر يا رسول اللّه هؤلاء قومك يطلبونك اما و اللّه ما على نفسى ابكى و لكن مخافة ان ارى فيك ما اكره فقال له النبي صلى اللّه عليه و سلم يا أبا بكر لا تخف ان اللّه معنا و في الصحيحين عن ابى بكر الصديق قال قلت للنبى صلى اللّه عليه و سلم و نحن في الغار لو ان أحدهم نظر الى قدمه لابصر ما تحت قدمه فقال يا أبا بكر ما ظنك باثنين اللّه ثالثهما و روى ابو نعيم في الحلية عن عطاء بن ميسرة قال نسجت العنكبوت مرتين مرة على داؤد حين كان طالوت يطلبه و مرة على النبي صلى اللّه عليه و سلم في الغار و ذكر البلاذري في تاريخه و ابو سعيد ان المشركين استاجروا رجلا يقال له علقمة بن كرز بن هلال الخزاعي و اسلم عام الفتح فقفا لهم الأثر حتى انتهى الى غار ثور و هو بأسفل مكة فقال هنا انقطع اثره و لا أدرى أخذ يمينا او شمالا ثم صعد الجبل فلما انتهوا الى فم الغار قال امية بن خلف ما أريكم في الغار ان عليه لعنكبوتا كان قبل ميلاد محمد ثم جاء قبال و روى البيهقي عن عروة ان المشركين لما فقدوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ركبوا في كل وجه يطلبونه و بعثوا الى اهل المياه يأمرونهم و يجعلون لهم الجعل العظيم و أتوا على الجبل الذي فيه الغار الذي فيه النبي صلى اللّه عليه و سلم حتى طلعوا فوقه و سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و ابو بكر أصواتهم فاشفق ابو بكر و بكى و اقبل عليه الهم و الحزن و الخوف فعند ذلك قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لابى بكر لا تحزن ان اللّه معنا أقسمت بالقمر المنشق ان له من قلبه نسبة مبرورة القسم و ما حوى الغار من خير و من كرم و كل طرف من الكفار عنه عمى فالصدق في الغار و الصديق لم يرما «١» و هم يقولون ما بالغار من ارم (١) لم يبرحا ١٢. ظنوا الحمام و ظنوا العنكبوت على خير البرية لم تنسج و لم تحم وقاية اللّه اغنت عن مضاعفة من الدروع و عن ال من الأطم قال اللّه تعالى فَأَنْزَلَ اللّه سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ اى على النبي صلى اللّه عليه و سلم حيث قال لا تحزن ان اللّه معنا كذا ذكر البلاذري و روى ابن ابى حاتم و ابو الشيخ و ابن مردوية و البيهقي و ابن عساكر عن ابن عباس قال فانزل اللّه سكينته على ابى بكر يعنى بقوله صلى اللّه عليه و سلم لا تحزن فان النبي صلى اللّه عليه و سلم تنزل عليه السكينة من قبل و هذا اولى لان فاء فانزل يدل عليه و ايضا إرجاع الضمير الى الأقرب اولى وَ أَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها و هم الملئكة يضربون وجوه الكفار و أبصارهم عن رئية روى ابو نعيم عن اسماء بنت ابى بكر ان أبا بكر رأى رجلا مواجه الغار فقال يا رسول اللّه انه يرانا قال كلا ان الملئكة يستره الآن بأجنحتها فلم ينشب ان قعد يبول مستقبلهما فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يا أبا بكر لو كان يراك ما فعل هذا و قيل القوا الرعب في قلوب الكفار حتى رجعوا و قال مجاهد و الكلبي أعانه الملئكة يوم بدر اخبر انه صرف عنه كيد الأعداء في الغار ثم اظهر نصره بالملائكة يوم بدر روى ابن عدى و ابن عساكر عن انس ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال لحسان هل قلت في ابى بكر شيئا قال نعم فقال قل و انا اسمع فقال و ثانى اثنين في الغار المنيف و قد طاف العدو إذ صاعدوا الجبلا و كان حب رسول اللّه قد علموا من البرية لم يعدل به رجلا فضحك رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حتى بدت نواجذه ثم قال يا حسان هو كما قلت قالت عايشة فكمنا «١» في الغار ثلث ليال و كان عبد اللّه بن ابى بكر يبيت عندهما و هو غلام شاب «٢» ثقف لقف فيدلج من عندهما بسحر فيصبح مع قريش كبائت لا يسمع امرا يكاد ان به الا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك اليوم حين يختلط الظلام و عند ابى استحق ان اسماء بنت ابى بكر كانت تأتيهما من الطعام إذا امست بما يصلحهما و كان عامر بن فهيرة يرعى غنما لابى بكر في رعيان اهل مكة فاذا امسى راح عليهما حين يذهب ساعة من العشاء فيبيتان في رسل «٣» و رضيفهما يفعل ذلك كل ليلة من الليالى فلما مضت الثلث و سكن عنهما الناس أتاهما صاحبهما الذي استاجرا ببعيرهما فركبا و انطلق معهما عامر بن فهيرة غلاما لعبد اللّه ابن الطفيل (١) اى يطلب لهما من مكروه من الكيد ١٢. (٢) اى يخرج من السحر ١٢. (٣) رسل شير تازه رضيف شير گرم ١٢. ابن سنجره أخو عايشة لامها ليخدمها في الطريق فاخذ بهما الدليل طريق الساحل أسفل من غسفان ثم أجاز بهما حتى عارض الطريق على أمج روى احمد و الشيخان عن البراء بن عازب انه قال لابى بكر كيف صنعتما ليلة سريت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال سرينا ليلتنا كلها حتى قام قائم الظهيرة و خلا الطريق فلا يرى فيه أحد رفعت لنا صخرة طويلة بها ظل لم يأت عليه شمس بعد فنزلنا عندها فاتيت الصخرة فسويت بيدي مكانا ينام فيه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في ظلها ثم بسطت له فروة كانت معى ثم قلت يا رسول اللّه نم و انا «١» انفض لك ما حولك فنام و خرجت انفض له ما حوله فاذا انا براع مقبل بغنمه الى الصخرة يريد منه الذي أردنا فلقيته فقلت له لمن أنت يا غلام فقال لرجل من اهل مكة فسماه فعرفته فقلت هل في غنمك من لبن قال نعم قلت فاحتلب لى قال نعم فاخذ شاة فقلت انقض الضرع من التراب و القذى فحلب لى في تعب معه كثبة «٢» من لبن و سعى اداوة ارتوى «٣» فيها للنبى صلى اللّه عليه و سلم يشرب منها و يتوضأ و على فمها خرقة فاتيت النبي صلى اللّه عليه و سلم و كرهت ان أوقظه من نومه فوقفت حتى استيقظه فصببت على اللبن من الماء حتى برد أسفله فقلت يا رسول اللّه اشرب من هذا اللبن فشرب حتى رضيت ثم قال أ لم يأن الرحيل قلت بلى قال فارتحلنا بعد ما زالت الشمس روى الطبراني و الحاكم و صححه و ابو نعيم و ابو بكر الشافعي عن سليط بن عمر و الأنصاري ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حين خرج مهاجرا الى المدينة هو و ابو بكر و عامر بن فهيرة و دليلهم مروا على خيمة أم معبد الخزاعية و هى لا تعرفه و كانت برزة «٤» جلدة تجلس بفناء القبة ثم تسقى و تطعم فسالوها لحما و تمرا يشتروا منها فلم يجدوا عندها شيئا من ذلك و إذ القوم مرملو «٥» مسنتون فقالت و اللّه لو كانت عندنا شي ء ما أعوزناكم فنظر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الى شاة في كسر الخيمة (١) اى أتجسس و تعرف ما فيه مما يخاف و في النهاية اى احرس و أطوف هل ارى طلبا يقال نفضت المكان و استنفضة او أ نظرت جميع و النفضة بفتح الفاء و سكونها قوم يبعثون متجسسين بل يرون غددا او خوفا ١٢. (٢) كثبه اى قدر قدح و قيل جلته خفيفة ١٢. [.....]. (٣) ارتوى فيها اى آب مى اوردم در ان ١٢. (٤) برزة امراة كهلة لا يحجب كالشواب و هى مع ذلك عفيفة عاقلة تجلس للناس و تحدثهم ١٢. (٥) مرملون هم الذين نفد زادهم و أصله من الرمل كانهم لصقوا بالرمل ١٢. فقال ما هذه الشاة يا أم معبد قالت شاة خلفها الجهد عن الغنم قال هل بها لبن قالت هى اجهد من ذلك قال أ تأذنين لى ان احلبها قالت بابى أنت و أمي ان رايت بها حلبها فو اللّه ما ضربها من فحل قط فشانك «١» بها فدعا بها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فمسح بيده ضرعها و ظهرها و سمى اللّه و دعا لها في شانها فتفاجت عليه و درت و دعا باناء يربض «٢» الرهط فحلب فيه ثجا «٣» حتى علاه البهاء سقاها حتى رويت و سقى أصحابه حتى رووا ثم شرب صلى اللّه عليه و سلم و قال ساقى القوم آخرهم شربا ثم حلب فيه ثانيا بعد بداء حتى ملأ الإناء ثم غادره عندها ثم تابعها و ارتحلوا عنها و روى ابن سعد و ابو نعيم عن أم معبد قالت بقيت الشاة التي لمس رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عندها حتى كان زمان الرمادة و هى سنة ثمان عشرة من الهجرة زمن عمر بن الخطاب و كنا نحلبها صبوحا «٤» و غبوقا و ما في الأرض قليل و لا كثير و روى البيهقي من وجه آخر قصة أم معبد بزيادة و نقصان و فيه عند الماء جاء ابنها باعنز يسوقها فقالت له انطلق بهذه العنزة و الشفرة «٥» الى هذين الرجلين فقل لهما يقول لكما ابى اذبحا هذه و كلا و أطعما فقال له النبي صلى اللّه عليه و سلم انطلق بالشفرة و جئنى بالقدح قال انها عنزة و ليس بها لبن قال انطلق فانطلق فجاء بقدح فمسح النبي صلى اللّه عليه و سلم ضرعها ثم حلب ملأ القدح الحديث و فيه قال ابو بكر فلبثنا ليلتين ثم انطلقنا و كانت تسميه المبارك و كثرت غنمها حتى جلبت جلبا الى المدينة فمر ابو بكر فرأه ابنها فعرفه فقال يا أمته ان هذا الرجل الذي كان مع المبارك فقامت اليه فقالت يا عبد اللّه من الرجل الذي كان معك قال هو نبى اللّه قالت فادخلنى عليه فاطعمها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و كساها و أسلمت قال هشام بن جيش فلما لثبت حتى جاءها زوجها ابو معبد يسوق أعنزا حبالى عجافا «٦» فلما راى اللبن عجب و قال من اين لك هذا اللبن يا أم معبد و الشاء عازب و لا حلوب في البيت قال لا و اللّه الا انه مر رجل (١) فشانك منصوب بفعل مقدر اى أصلح او نحو ذلك ١٢. (٢) يربض اى يرويهم و يثقلهم حتى يناموا و يمتدوا على الأرض من ربض بالمكان إذا لصق به ١٢. (٣) اى لنا كثيرا حتى علا الإناء بهاء اللبن و هو وبيص رغوته ١٢. (٤) صبوح ما يشرب أول النهار غبوق ما يشرب اخر النهار ١٢. (٥) جمع حامل و هى التي لم تحمل فيدل على العي ١٢. (٦) اى بعيد المرعى لا تنود الى المرج في الليل ١٢. مبارك من حاله كذا و كذا قال صفية يا أم معبد قالت رايت رجلا ظاهر الوضاءة أبلج الوجه حسن الخلق لم تعبه نجلة و لم تزرئه صعلة و سيما قسيما في عينيه رعج و في اشفاره وطف و في صوبة صحل او قالت صهل و في عنقه سطح و في لحيته كثافة أزج اقرن ان صمت فعليه الوقار و ان تكلم سما و علاه البهاء أجمل الناس و أبهاه من بعيد و أحلاه و أحسنه من قريب فصل لا نزر و لا هذر كان منطقه خرزات نظمن يتحدون ربعة لا يشناه طول و لا تفتحمه عين من قصر غضبا بين غصنين فهو انظر الثلاثة منظرا و أحسنهم قدر اله رفقاء يحفون به ان قال انصتوا لقوله و ان امر ابتدروا الى امره محفود محشود لا عابس و لا معتد فقال ابو معبد هذا و اللّه صاحب قريش الذي ذكر لنا من امره بمكة و لقد همت ان اصحبه و لافعلن ان وجدت الى ذلك سبيلا قالت اسماء رضى اللّه عنها لما خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و ابو بكر أتانا رجال من قريش فيهم ابو جهل فوقفوا على باب ابى بكر فخرجت إليهم فقالوا اين أبوك يا ابنة ابى بكر قلت لا أدرى و اللّه اين ابى فرفع ابو جهل يده و كان فاحشا خبيثا فلطم خدى لطمة طرح منها قرطى قالت ثم انصرفوا فمكثنا ثلثة ايام ما ندرى اين توجه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حتى اقبل رجل من الجن من أسفل مكة يتغنى بأبيات من شعر غنا العرب و تبعه الناس يسمعون صوته و ما يرونه حتى خرج من أعلى مكة و هو يقول جزا اللّه رب العرش خير جزائه رفيقين قالا «١» خيمتى أم معبدهما نزلاها بالهدى فاهتدى به و قد فاز من امسى رفيق محمد فيا لقصى مازوى «٢» اللّه عنكم به من فقال لا تجارى و سود و ليهن بنى كعب مقام فتاتهم و مقعدها للمومنين بمرصد سلوا أختكم عن شاتها و انائها فانكم ان تسالوا الشاة تشهدوا دعاه بشاة حائل فتحلبت اليه بصريح ضرة «٣» الشاة مزيد فغادرها رهنا لديه لحالب «٤» يردها في مصدر ثم مورد و في رواية عند البيهقي بسند حسن في فضة أم معبد انه طلبت قريش رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حتى بلغوا أم معبد فسالوها عنه فقالوا ارايت محمدا من خلقه كذا فوصفوه لها فقالت ما تقولون قد ضافنا حالب الحائل قالت قريش فذاك الذي أردنا قال البيهقي يحتمل انه صلى اللّه عليه و سلم راى الشاة التي (١) قال من القيلوة. (٢) زوى جمع و قبض صرع اللبن الخالص. (٣) ضرة اصل الفرع زيد اى علاه الزبد ١٢. (٤) يعنى يحلبها مرة بعد اخرى ١٢. فى كسر الخيمة ثم رجع ابنها باعنز ثم جاء زوجها و وصفته له قلت و لعل ذلك جاءت قريش في طلبه صلى اللّه عليه و سلم (قصة سراقه) روى احمد و الشيخان في الصحيحين عن سراقة بن مالك و احمد و يعقوب بن سفيان عن ابى بكر قال سراقة جاءنا رسل كفار قريش يجعلون في رسول صلى اللّه عليه و سلم و ابى بكر دية كل واحد منهما مائة ناقة من الإبل لمن قتله او اسره فبينا انا جالس في مجلس من قومى بنى مدلج اقبل رجل منهم حتى قام علينا فقال يا سراقة انى رايت آنفا اسودة «١» بالساحل و في لفظ ركبة ثلثة و لا أراها الا محمد او أصحابه قال سراقة فعرفت انهم هم فاوميت اليه ان اسكت فسكت حتى قمت فدخلت بيتي و أمرت جاريتى ان تخرج فرسى الى بطن الوادي و أخرجت سلاحى من وراء حجرتى فخططت برمحى و خفضت عالية الرمح حتى أتيت فرسى فركبتها فدفعتها تقرب فرأيت اسودتهما فلما دنوت منهم عثرت بي فرسى فخررت منها فقمت فاهويت بيدي كنانتى فاستخرجت منها الأزلام فاستقسمت بها أضرهم اولا أضرهم فخرج الذي اكره ان لا أضرهم و كنت ارجوا ان أرده فآخذ المائة ناقة فركبت فرسى و عصيت الأزلام فدفعتها تقرب بي حتى إذا سمعت قرأة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و هو لا يلتفت و ابو بكر يكثر الالتفات ساخت يدا فرسى في الأرض حتى بلغت الركبتين فخررت عنها ثم زجرتها فنهضت فلم تكد تخرج يداها فلما استوت قائمة إذ لا تريد بها غبار ساطع في السماء مثل الدخان فاستقسمت بالأزلام فخرج الذي اكره ان لا أضرهم فعرفت انه قد منع منى و انه ظاهر فناديتهما بالأمان «٢» و قلت انظرونى فو اللّه لا اوذينكم و لا يأتيكم منى شي ء تكرهونه فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لابى بكر رضى اللّه عنه قل له ماذا تبغى قلت ان قومك قد جعلوا فيك الدية و اخبرتهما اخبار ما يريد الناس بهم و عرضت عليهما الزاد و المتاع فلم يرزانى و لم يسالنى الا ان قال أخف عنا فسالته ان يكتب لى كتاب أمن قال اكتب له يا أبا بكر و في رواية فامر عامر بن فهيرة فكتب في رقعة من آدم ثم مضى رسول اللّه صلى اللّه (١) اسودة جمع سواد و هو الشخص ١٢. [.....]. (٢) اى لم ينقصاتى مما معى شيئا ١٢. عليه و سلم فلما فتح رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مكة و فرغ من اهل حنين خرجت الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لالقاه و معى الكتاب الذي كتب لى فبينا انا عامد له دخلت بين ظهرى كثيبة من كثايب الأنصار قال فطففوا يقرعوننى بالرماح و يقول إليك حتى دنوت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و هو على ناقته انظر الى ساقه في غرزه كانها جمادة فرفعت يدى بالكتاب فقلت يا رسول اللّه هذا كتابك و انا سراقة بن مالك فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم؟؟؟ رم وفاء و بر أدنه فدنوت منه فاسلمت ثم ذكرت شيئا أسأل عنه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فلم اذكره الا ان قلت يا رسول اللّه الضالة من الإبل تغشى حياضى و قد ملأتها من الإبل هل لى من اجر قال نعم في كل ذات كبد حرا اجر قال فرجعت الى قومى فسقت الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم صدقتى و قال ابو بكر و تبعنا سراقة بن مالك فنحن في جدد الأرض فقلت يا رسول اللّه هذا الطلب قد لحقنا و بكيت قال و ما يبكيك قلت اما و اللّه ما على نفسى ابكى و لكن ابكى عليك قال فدعا عليه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و قال اللّهم اكفناه بما شئت قال فساخت به فرسه في الأرض الى بطنها فوثب عنها ثم قال يا محمد قد علمت ان هذا علمك فادع اللّه ان يبحينى مما انا فيه فو اللّه لا عمين على من ورائي من الطلب و هذه كنانتى فخذ منها سهما فانك ستمر بإبلي و غنمى بمكان كذا و كذا فخذ منها حاجتك فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا حاجة لنا في إبلك و غنمك و دعا له رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فانطلق راجعا الى أصحابه لا يلقى الا قال قد كفيتم و لا يلقى أحدا إلا رده و وفى لنا و عند ابن سعد ان سراقة لما رجع قال لقريش قد عرفتم بصرى بطريق و قد سرت فلم ار شيئا فرجعوا قال ابن سعد و البلاذري عارضهم السراقة بقديد يوم الثلاثاء و روى عروة و الحاكم عنه عن أبيه ان النبي صلى اللّه عليه و سلم لقى الزبير في ركب من المسلمين كانوا تجارا قافلين من الشام فكسا الزبير رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و أبا بكر ثيابا بيضاء و روى البيهقي عن موسى بن عقبة انه صلى اللّه عليه و سلم لما دنا المدينة قدم طلحة بن عبيد اللّه من الشام عامدا الى مكة فلما لقيه أعطاه الثياب فلبس رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و ابو بكر روى البيهقي عن ابى هريرة ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال لابى بكر مدخله المدينة الاغنى؟ الناس فانه لا ينبغى لبنى ان يكذب فكان ابو بكر إذا سئل من أنت قال باغي حاجة و إذا قيل من الذي معك قال هاد يهدينى و لما شارف رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم المدينة لقيه ابو بردة الأسلمي في سبعين من قومه بنى سهم فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من أنت قال بريدة قال يا أبا بكر برد أمرنا و صلح ثم قال ممن قال من اسلم قال لابى بكر سلمنا ثم قال ممن قال من سهم قال خرج سهمك فلما أصبح قال بريدة للنبى صلى اللّه عليه و سلم لا تدخل المدينة الا و معك لواء فحل عمامته ثم شدها في رمح ثم مضى بين يدى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال الحاكم تواترت الاخبار ان خروجه من مكة كان يوم الاثنين و دخول المدينة يوم الاثنين الا ان محمد بن موسى الخوارزمي قال خرج من مكة يوم الخميس قال الحافظ يجمع بينهما بان خروجه من مكة يوم الخميس و خروجه من الغار ليلة الاثنين لانه اقام فيه ثلث ليال ليلة الجمعة و ليلة السبت و ليلة الأحد و خرج في أثناء ليلة الاثنين قلت و لعل ليلة الخميس هى الليلة التي أراد قريش قتله صلى اللّه عليه و سلم بعد ما مكروا به في دار الندوة فخرج صلى اللّه عليه و سلم من بيته الى بيت ابى بكر و استصحبه ثم خرج من خوخة ظهر بيته و اللّه اعلم- وَ جَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا يعنى كلمة الشرك او دعوتهم الى الكفر السُّفْلى ط و ذلك بتخليص الرسول صلى اللّه عليه و سلم عن إيذاء الكفار الى المدينة او بتأييده إياه بالملائكة في المواطن او بحفظه و نصره حيث حصروا وَ كَلِمَةُ اللّه يعنى كلمة التوحيد و دعوة الإسلام قرا يعقوب بالنصب عطفا على كلمة الذين كفروا و الباقون بالرفع على انه مبتداء خبره هِيَ الْعُلْيا ط و فيه اشعار بان كلمة اللّه عالية في نفسها و ان فاق غيرها فلا ثبات لتفوقه و لذلك وسط الفصل و قيل كلمة الذين كفروا ما قدروا بينهم في الكيد به ليقتلوه و كلمة اللّه وعده انه ناصره وَ اللّه عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٤٠) فى امره و تدبيره. ٤١ قال اللّه تعالى انْفِرُوا خِفافاً يعنى حين يخف و يسهل لكم الخروج الى الجهاد بصحة البدن و الشباب و القوة و النشاط و وجود الزاد و الراحلة و الأعوان و الاسلحة وَ ثِقالًا يعنى حين يثقل عليكم لاجل المرض او الشيب او الضعف او عدم النشاط او شاغل من الأهل و المال و الضيعات و قلة الزاد و السلاح و الكراع و المتاع و الى ما ذكرنا يرجع ما قال الحسن و الضحاك و مجاهد و قتادة و عكرمة شبابا و شيوخا و ما قال ابن عباس نشاط و غير نشاط او اهل اليسر و العسر او مقلين من السلاح و مكثرين منه و ما قال عطية العوفى ركبانا و مشاة و ابن زيد ان الثقيل الذي له الضيعة يكره ان يدع ضيعته و الحكيم بن عتبة مشاغيل و غير مشاغيل و الهمداني أصحاء و مرضى و يمان غرابا و متاهلين او مقلين الاتباع و الحواشي و مستكثرين و قال ابو صالح خفافا من المال اى فقراء و ثقالا اى اغنياء و قيل خفافا مسرعين خارجين ساعة سماع النفير و ثقالا بعد التروي فيه و الاستعداد له قال الزهري خرج سعيد بن المسيب الى الغزو و قد ذهبت احدى عينيه فقيل له انك عليل صاحب ضر فقال استنفر اللّه الخفيف و الثقيل و ان لم يمكننى الحرب كثرت السواد و حفظت المتاع قال عطاء الخراسانى عن ابن عباس نسخت هذه الآية قوله تعالى و ما كان المؤمنون لينفروا كافة و قال السدى لما نزلت هذه الآية اشتد شانها على الناس فنسخها اللّه تعالى و انزل ليس على الضعفاء و لا على المرضى الآية قلت لعل المراد بالنسخ في قول ابن عباس و السدى التخصيص لكون نزول الآيتين جميعا بلا فصل في غزوة تبوك فخرج من هذا الحكم من لا يستطيع الخروج من الضعفاء و المرضى و الذين لا يجدون ما ينفقون او ما يركبون عليه و لا يستطيعون الشي ء و بقي من يستطيع الخروج و لو بنوع مشقة و ذلك لاجل النفير العام و يمكن ان يكون نزول قوله تعالى ليس على الضعفاء للآية بفصل يوم او يومين و لو في غزوة تبوك بعد ما اشتد شانها على الناس فيكون نسخا و اللّه اعلم- وَ جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ اى بما أمكن لكم منهما كليهما او أحدهما فِي سَبِيلِ اللّه ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ من الاستمتاعات الدنيوية و ترك الجهاد إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٤١) الخير من الشر علمتهم انه خير لكم او ان كنتم تعلمون انه خير و اخبار اللّه به صدق فبادروا اليه قال محمد بن عمر حث رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم على الصدقة يعنى لتجهيز جيش العسرة في غزوة تبوك و كان أول من جاء بماله ابو بكر الصديق باربعة آلاف درهم فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم هل أبقيت لاهلك شيئا قال أبقيت لهم اللّه و رسوله و جاء عمر بنصف ماله فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم هل أبقيت لاهلك شيئا قال نعم مثل ما جئت به و حمل العباس طلحة بن عبيد اللّه و سعد بن عبادة و حمل عبد الرحمن بن عوف مائتى اوقية الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و تصدق عاصم بن عدى تسعين وسقا من تمر و جهز عثمان بن عفان ثلث ذلك الجيش حتى كان يقال ما بقيت لهم حاجة حتى كفاهم قال محمد بن يوسف الصالحي كان ذلك الجيش زيادة على ثلثين الفا فيكون رضى اللّه عنه جهز عشرة آلاف و ذكر ابو عمرو في الدرر و تبعه في الاشارة ان عثمان حمل على تسعمائة بعير و مائة فرس بجهازها و قال ابن إسحاق أنفق عثمان في ذلك الجيش نفقة عظيمة لم ينفق أحد مثلها و فقل ابن هشام عمن يثق به ان عثمان أنفق في جيش العسرة عشرة آلاف درهم قال محمد بن يوسف الصالحي يعنى غير الإبل و الزاد و ما يتعلق بذلك قال فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اللّهم ارض عن عثمان فانى راض عنه و روى احمد و الترمذي و حسنه و البيهقي عن عبد الرحمن بن سمرة قال جاء عثمان الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بألف دينار فصبها في حجر النبي صلى اللّه عليه و سلم فجعل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقلبها بيده و يقول ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم يرددها مرارا قال ابن عقبة و تخلف المنافقون عن غزوة تبوك و حدثوا أنفسهم ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا يرجع إليهم ابدا فاعتذروا و قال محمد بن عمر و جاء ناس من المنافقين الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يستاذنوه في القعود من غير علة فاذن لهم و كانوا بضعة و ثمانين رجلا فانزل اللّه تعالى فيهم. ٤٢ لَوْ كانَ اسم كان مضمر اى لو كان ما دعوا اليه عَرَضاً قَرِيباً اى متاعا دنيويا او المعنى غنيمة قريبته المتناول وَ سَفَراً قاصِداً اى متوسطا لَاتَّبَعُوكَ لوافقوك في الخروج طلبا للغنيمته وَ لكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ يعنى المسافة فانها تقطع بمشقة و قيل الشقة الغاية التي يقصدونها وَ سَيَحْلِفُونَ بِاللّه متعلق بسيحلفون او هو من جملة كلامهم و القول مراد في الوجهين يعنى سيحلفون باللّه قائلين لو استطعنا لخرجنا او سيحلفون المتخلفون إذا رجعت من تبوك معتذرين يقولون باللّه لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ ساد مسد جواب القسم و الشرط و معنى الاستطاعة استطاعة العدة او استطاعة الأبدان كانهم تمارضوا و هذه معجزة لكونه اخبارا عما وقع قبل وقوعه يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ بدل من سيحلفون يعنى انهم يهلكونها بايقاعها في العذاب بترك امتثال امر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و الكذب و اليمين الفاجرة و جاز ان يكون حالا من فاعل خرجنا يعنى لخرجنا معكم و ان أهلكنا أنفسنا بالمسير في الحر و القياها في التهلكة و جاء به على لفظ الغائب لانه مخبر عنهم الا ترى انه لو قال سيحلفون باللّه لو استطاعوا لخرجوا لكان ايضا سديدا يقال حلف باللّه ليفعلن و لا فعلن فالغيبة على حكم الاخبار و التكلم على الحكاية وَ اللّه يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (٤٦) في ذلك لانهم كانوا مستطيعين للخروج. ٤٣ عَفَا اللّه عَنْكَ «١» قال سفيان بن عيينه بدأ بالعفو قبل ان يعيره بالذنب لطفا به و إكراما له قلت او لانه تعالى ذكر العفو قبل المعاتبة تحرزا من ان يهلك رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لكمال خوفه و خشيته من اللّه تعالى و قيل افتتح الكلام بالدعاء كما يقول الرجل لمن خاطبه إذا كان كريما عنده عفا اللّه عنك ما صنعت في حاجتى و رضى اللّه عنك الا زرتنى و قيل معناه ادام اللّه لك العفو لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ فى القعود حين استأذنوك و هلا توقفت حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا فى الاعتذار وَ تَعْلَمَ الْكاذِبِينَ (٤٣) فيها يعنى من لا عذر له قال ابن عباس لم يكن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يعرف المنافقين يومئذ اخرج ابن جرير عن عمرو بن ميمون قال اثنان فعلهما رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لم يومر بهما اذنه المنافقين في القعود و اخذه الفدية من أسارى يدر فعاتبه اللّه كما تسمعون. (١) قال القاضي عياض في الشفاء ليس عفا هاهنا بمعنى غفر بل كما قال النبي صلى اللّه عليه و سلم عفا اللّه لكم عن صدقة الخيل و الرقيق و لم تجب عليهم قطاى لم يلزمكم ذلك و نحو للقشيرى و قال انما يقول العفو لا يكون الا عن ذنب من لم يعرف كلام العرب و قال معنى عفا اللّه عنك لم يلزمك ذنبا قال القاضي لم يتقدم للنبى صلى اللّه عليه و سلم فيه من اللّه نهى فيعد معصية و لاعد اللّه عليه معصية بل لم يعده اهل العلم معاتبه و غلطوا من ذهب الى ذلك قال نفطويه و قد حاشا اللّه من ذلك بل كان مخيرا بين أمرين ١٢. ٤٤ لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللّه وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ فى التخلف كراهة أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ و المعنى لا يستاذنونك في ان يجاهدوا بل يبادرون اليه و لا ينتظرون الاذن فضلا ان يستاذنوا في التخلف وَ اللّه عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (٤٤) شهادة لهم بالتقوى و وعدوا بثوابه. ٤٥ إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ في التخلف الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللّه وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ ذكر الايمان باللّه و اليوم الآخر في الموضعين اشارة الى ان الايمان يقتضى محبة الجهاد طمعا في الثواب بحيث لا يستاذن في إتيانه و عدم الايمان يقتضى تركه لعدم رجاء الثواب وَ ارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فشكت في الدين و نافقت فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (٤٥) يتحيرون فتارة يريدون الخروج كيلا يردا من المسلمين أذى لو ظفروا و تارة عدم الخروج لزعمهم ان الرسول لا يرجع إليهم ابدا. ٤٦ وَ لَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ معك لَأَعَدُّوا لَهُ ليهيؤا للخروج او للجهاد عُدَّةً ما يعد للسفر و الجهاد من المتاع و السلاح و الكراع وَ لكِنْ كَرِهَ اللّه انْبِعاثَهُمْ استدراك عن مفهوم قوله و لو أراد و الخروج كانه قال ما خرجوا و لكن تثبطوا لانه تعالى كره و لم يرد نهوضهم للخروج فَثَبَّطَهُمْ فحبسهم بالجبن و الكسل وَ قِيلَ اقْعُدُوا فى بيوتكم مَعَ الْقاعِدِينَ (٤٦) يعنى مع المرضى و الزمنا و قيل مع النساء و الصبيان تمثيل لا لقاء اللّه كراهة الخروج في قلوبهم او وسوسة الشيطان بالأمر بالقعود او حكاية قول بعضهم لبعض او اذن الرسول لهم قصة خروجه صلى اللّه عليه و سلم و تخلف اكثر المنافقين خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في رجب سنة تسع فعسكر بثنية الوداع و معه زيادة من ثلثين الفا قاله محمد بن إسحاق و محمد بن عمرو ابن سعد و كذا روى الحاكم في الإكليل عن معاذ بن جبل و نقل الحاكم في الإكليل عن ابى ذرعة الرازي قال كانوا بتبوك سبعين الفا و جمع بين الكلامين ان سبعين التابع و المتبوع و كانت الخيل عشرة آلاف فرس روى عبد الرزاق و ابن سعد انه خرج الى تبوك يوم الخميس و كان يستحب ان يخرج يوم الخميس قال ابن هشام و استخلف على المدينة محمد بن مسلمة الأنصاري و ذكر الدراوردي انه استخلف عام تبوك سباع بن عرفظة زاد محمد بن عمر بعد حكاية ما تقدم و يقال ابن أم مكتوم قال و الثابت عندنا محمد بن مسلمة الأنصاري و لم يتخلف عنه في غزوة غيرها و قيل على ابن ابى طالب قال ابو عمر و تبعه ابن دحية و هو الا ثبت روى عبد الرزاق في المصنف بسند صحيح عن سعد بن ابى وقاص ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لما خرج الى تبوك استخلف على المدينة على بن ابى طالب قال ابن إسحاق و خلف رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم على بن ابى طالب على اهله و امره بالإقامة فيهم فاوجف به المنافقون و قالوا ما خلفه الا استثقالا له و تحققا منه فلما قالوا ذلك أخذ على سلاحه و خرج حتى لحق برسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و هو نازل بالجرف فاخبره بما قالوا فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كذبوا و لكن خلفتك لما تركت ورائي فارجع فاخلفنى في أهلي و أهلك فلا ترضى يا على ان تكون منى بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبى بعدي فرجع على رضى اللّه عنه و هذا الحديث متفق عليه و عسكر عبد اللّه بن ابى مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم على حدة عسكرة أسفل منه نحوذ باب «١» فاقام الى ما اقام رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فلما سار رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم نحو تبوك تخلف ابن ابى راجعا الى المدينة فيمن تخلف من المنافقين و قال يغز و محمد بنى الأصفر مع جهد الحال و الحر و البلد البعيد الى ما لا طاقة له به يحسب محمد ان قتال بنى الأصفر معه اللعب و اللّه لكانى انظر الى أصحابه مقرنين في الجبال ارجافا «٢» برسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و بأصحابه فانزل اللّه ... تعالى في ابن ابى و من معه قوله تعالى. (١) ذباب جبل بقرب المدينة ١٢. (٢) رجافا يعنى قالوا ذلك حتى يضطرب المسلمون ١٢. ٤٧ لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ بخروجهم شيئا إِلَّا خَبالًا اى شرا و فسادا بايقاع الجبن في المؤمنين بتهويل الأمر او باعانة الكفار في حالة الجهاد و الغرة بالمؤمنين و نحو ذلك و لا يستلزم الآية وجود الفساد الآن و زيادة الفساد عند خروجهم لان الزيادة باعتبار أعم العام الذي وقع منه الاستثناء و لاجل هذا التوهم جعل بعضهم الاستثناء منقطعا و ليس كذلك لانه لا يكون حينئذ مفرغا وَ لَأَوْضَعُوا اى اسرعوا ركائبهم بالنميمة او الهزيمة او التخذيل من وضع البعير وضعا إذا اسرع خِلالَكُمْ اى وسطكم و قيل اوضعوا خلالكم اى اسرعوا فيما يخل بكم يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ اى يريدون ان يفتنوكم بايقاع الخلاف فيما بينكم او الرعب من العدو في قلوبكم و الجملة حال من فاعل اوضعوا وَ فِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ اى ضعفة يسمعون قولهم و يطيعون كذا قال قتادة او الجواسيس يسمعون حديثكم للنقل إليهم وَ اللّه عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٤٧) اى يعلمه ضمايرهم و ما يتأتى منهم فيجازيهم عنه. ٤٨ لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ اى طلبوا تشتت أمرك و تفرق أصحابك و تخذيل المؤمنين مِنْ قَبْلُ هذا اليوم يوم أحد حين انصرفوا عنك ابن ابى بأصحابه وَ قَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ اى دبروا لك المكايد و الحيل و دور و الآراء فى ابطال أمرك حَتَّى جاءَ الْحَقُّ اى جاء نصر اللّه و تائيده للدين الحق وَ ظَهَرَ أَمْرُ اللّه أعلا دينه على زعم منهم وَ هُمْ كارِهُونَ (٤٨) ظهور الدين و علوه. ٤٩ وَ مِنْهُمْ اى من المنافقين الذين استأذنوا فى التخلف مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي فى التخلف وَ لا تَفْتِنِّي و ذلك جد بن قيس المنافق روى ابن المنذر و الطبراني و ابن مردوية و ابو نعيم فى المعرفة عن ابن عباس و ابن ابى حاتم و ابن مردوية عن جابر بن عبد اللّه و محمد بن إسحاق و محمد بن عمر و ابن عقبة عن شيوخهم ان جد بن قيس اتى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و هو فى المسجد معه نفر فقال يا رسول اللّه ائذن فى القعود فانى ذو ضيعة و علة فيها عذر لى فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم تجهز فانك موسر لعلك تحقب من بنات بنى الأصفر قال الجد او تأذن لى و لا تقتنى فو اللّه لقد عرف قومى ما أحد أشد عجبا بالنساء منى و انى لاخشى ان رايت بنات بنى الأصفر لا اصبر عنهن فاعرض عنه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و قال قد اذنا لك زاد محمد بن عمر فجاءه ابنه عبد اللّه بن جد و كان بدر يا و هو أخو معاذ بن جبل لامه فقال لابيه لم ترد على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قوله فو اللّه ما فى بنى سلمة أحد اكثر مالا منك فلا تخرج و لا تحمل فقال يا بنى مالى و للخروج فى الحر الشديد و الريح و العسرة الى بنى الأصفر و اللّه ما أمن خوفا من بنى الأصفر و انا فى منزلى ا فاذهب إليهم اغزوهم انى و اللّه يا بنى عالم بالدوائر فاغلظ له ابنه فقال لا و اللّه و لكنه النفاق و اللّه لينزلن على رسوله قران يقرأ به فرفع نعلم؟؟ فضرب بها وجه ولده فانصرف ابنه و لم يكلمه فانزل اللّه هذه الاية للطبرانى و ابن مردوية و ابو نعيم انه قال عليه السلام لجد بن قيس ما تقول فى مجاهدة بنى الأصفر فقال يا رسول اللّه انى امرأ صاحب النساء و متى ارى نساء بنى الأصفر افتتن فأذن لى و لا تفتنى فنزلت و ذكر البغوي انه صلى اللّه عليه و سلم قال يا أبا وهب هل لك فى جلاد بنى الأصفر تتخذ منهم سرارى و وصيفا فقال جد يا رسول اللّه لقد عرف قومى انى رجل مغرم بالنساء و انى أخشى ان رايت بنات الأصفر ان لا اصبر عنهن ائذن لى فى القعود و لا تفتنى بهن و أعينكم بمالى و اخرج الطبراني بوجه اخر عن ابن عباس ان النبي صلى اللّه عليه و سلم قال اغزوا تغتنموا بنات بنى الأصفر فقال ناس من المنافقين انه ليفتنكم بالنساء فانزل اللّه تعالى هذه الاية و معنى قوله لا تفتنى على ما تقتضيه الروايات المذكورة ان لا تفتنى ببنات نبى الأصفر يعنى أقع فى الإثم و الفتنة لاجل حبهن و عدم المصابرة عنهن و قيل معناه لا تفتنى بسبب ضياع المال و العيال إذ لا كافل لها بعدي و قيل معناه ائذن لى فى القعود و لا توقعنى فى الفتنة يعنى العصيان لمخالفة أمرك بان لا تأذن لى و اقعد و فيه اشعار بانه لا محالة متخلف اذن به او لا يأذن أَلا فِي الْفِتْنَةِ اى الشرك و العصيان سَقَطُوا وقعوا يعنى الفتنة هى التي سقطوا فيها و هى فتنة التخلف و ظهور النفاق وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ (٤٩) مطبقة بهم جامعة لهم يوم القيمة او الان لاحاطة أسبابها. ٥٠ إِنْ تُصِبْكَ يا محمد فى بعض غزواتك حَسَنَةٌ ظفر و غنيمة تَسُؤْهُمْ لفرط حدهم وَ إِنْ تُصِبْكَ فى بعضها مُصِيبَةٌ كسرة او شدة كما أصاب يوم أحد فرحوا بتخلفهم و استحمدوا آرائهم يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا اى ما كان أصلح لنا يعنى القعود من الغزو مِنْ قَبْلُ وقوع هذه المصيبة وَ يَتَوَلَّوْا عن متحدثهم بذلك و مجتمعهم او عن الرسول صلى اللّه عليه و سلم وَ هُمْ فَرِحُونَ (٥٠) مسرورون بمصيبة المؤمنين بعداوتهم. ٥١ قُلْ يا محمد لهم لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللّه لَنا فى اللوح المحفوظ من النصرة او الشهادة و لم يقل ما كتب اللّه لنا او علينا للاشعار يكون كلا التقديرين خيرا لنا هُوَ يعنى اللّه الذي كتب مَوْلانا ناصرنا و متولى أمرنا فكيف يكون تقديره شرا لنا قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عجبا لامر المؤمن ان امره كله خير و ليس ذلك لاحد الا للمؤمن ان أصابته سراء شكر فكان خير اله و ان أصابته ضراء صبر فكان خير اله رواه احمد و مسلم عن صهيب و روى البيهقي عن سعد نحوه وَ عَلَى اللّه فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (٥١) متعلق بمحذوف اى ليتوكل المؤمنون على اللّه فليتوكلوا عليه و فيه تأكيد و بالفاء اشعار بانه لا ينبغى لهم ان يتوكلوا على غيره و هو وليهم و القدير على كل شى ء. ٥٢ قُلْ لهم يا محمد هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا فيه حذف أحد التاءين أصله تتربصون يعنى ما تنتظرون بنا ايها الكفار او المنافقون إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ اى احدى العاقبتين كل منهما حسنى العواقب و ذلك القتل فى سبيل اللّه و ذلك و إن كان قبيحا على زعمكم لكنه احدى العاقبتين الحسنين فى حقنا أحدهما هذه و هى شهادة مورثة للجنة و الحيوة المؤبدة و ثانيهما النصر و الغنيمة عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انتدب اللّه لمن خرج فى سبيله لا يخرجه الا ايمان لى و تصديق برسلى ان ارجعه بما نال من اجر و غنيمة او ادخله الجنة متفق عليه و الترديد مانعة الخلو دون الجمع وَ نَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ احدى السوئتين ان لا تتوبوا أحد لهما أَنْ يُصِيبَكُمُ اللّه بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ يوم القيامة ان ظفرتم فى الدنيا و ثانيهما ما قال أَوْ بِأَيْدِينا اى او بعذاب بايدينا و هو القتل على الكفر المفضى الى عذاب النار و هذا على تقدير كون الخطاب لمطلق الكفار و على تقدير كونه للمنافقين خاصة فاحدى السوئتين ان يصيبكم اللّه بعذاب من عنده اى يهلككم كما أهلك الأمم الخالية فيعذبكم فى النار ان متم على النفاق و ثانيهما القتل على الكفر ان أظهرتم ما فى قلوبكم فَتَرَبَّصُوا ما هو عاقبتنا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ (٥٢) ما هو عاقبتكم و قال الحسن تربصوا مواعيد الشيطان انا متربصون مواعيد الرحمن من اظهار دينه. ٥٣ قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً نصب على الحال اى طائعين من غير الزام من اللّه و رسوله او مكرهين اى ملزمين سمى الإلزام اكراها لانهم كانوا منافقين فكان إلزامهم الانفاق شاقا عليهم كالاكراه و هذا صيغة امر بمعنى الخبر تقديره لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ نفقاتكم سواء أنفقتم طوعا او كرها و فائدته المبالغة فى الحكم بتساوي الانفاقين فى عدم القبول كانهم أمروا ان يمتحنوا فينفقوا مرة طوعا و مرة كرها و ينظروا هل يتقبل منهم شى ء منها و هو جواب لجد بن قيس حيث قال ائذن لى و لا تفتنى و أعينك بمال و نفى التقبل بوجهين أحدهما انه لا يقبل منهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و كذا الائمة بعده لا يقبلون الصدقة ممن يعلمون انه منافق و ثانيهما انه تعالى لا يتقبل منهم و لا يثيب عليه إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِينَ (٥٣) اى خارجين من زمرة المسلمين تعليل لعدم التقبل على سبيل الاستيناف و ما بعده بيان و تقرير له. ٥٤ وَ ما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ قرأ حمزة و الكسائي بالياء التحتانية و الباقون بالتاء الفوقانية لان الفاعل مونث غير حقيقى اعنى نَفَقاتُهُمْ ان يقبل مفعول لمنع و فاعلا إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا يعنى ما منع من قبول نفقاتهم الا كفرهم بِاللّه وَ بِرَسُولِهِ وَ لا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَ هُمْ كُسالى يعنى متثاقلين لمراة الناس عطف على كفروا وَ لا يُنْفِقُونَ نفقة فى سبيل اللّه إِلَّا وَ هُمْ كارِهُونَ (٥٤) لانهم لا يرجون بها ثوابا و لا يخافون على تركها عفا بايعدون الزكوة مغرما و تركها مغنما فان قيل وصفهم بالطوع فى قوله أنفقوا طوعا او كرها و سلبه هنا بالكلية فكيف التوفيق قلنا المراد بالطوع هناك بذلهم من غير الزام الرسول كما ذكرنا و ليس ذلك البزل إلا رياء فليس ذلك الا عن كراهة و اضطرار لا عن رغبة و اختيار او يقال وصفه بالطوع هناك على سبيل الفرض و سلبه هاهنا على التحقيق. ٥٥ فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَ لا أَوْلادُهُمْ الاعجاب هو السرور بما يستحسن يعنى لا يستحسن ما أنعمنا عليهم من الأموال و الأولاد فان ذلك استدراج و وبال لهم كما قال إِنَّما يُرِيدُ اللّه باعطائهم الأموال و الأولاد لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا بسبب ما يتكايدون لجمعها و حفظها من المتاعب و ما يرون فيها من الشدائد و المصائب و فى إنفاقها من المكاره و فى تخليفها عند من لا يحمده من الحسرات و قال مجاهد و قتادة فى الآية تقديم و تأخير تقديرها فلا تعجبك أموالهم و لا أولادهم فى الحيوة الدنيا انما يريد اللّه ان يعذبهم بها فى الآخرة على كسبها و جمعها و حفظها و إنفاقها على وجه غير مشروح وَ تَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَ هُمْ كافِرُونَ (٥٥) و اصل الزهوق الخروج بصعوبة يعنى تخرج أنفسهم متحسرا متاسفا على تركها مشتغلون بالتمتعات عن النظر فى المبدأ و المعاد فيكون ذلك استدراجا و الآية دلت على بطلان القول بوجوب الأصلح لانه تعالى اخبر انه اعطى الأموال و الأولاد للتعذيب و الاماتة على الكفر. ٥٦ وَ يَحْلِفُونَ بِاللّه إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ اى من المسلمين وَ ما هُمْ مِنْكُمْ لكفر قلوبهم وَ لكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (٥٦) يخافون منكم ان تفعلوا بهم ما تفعلون بالمشركين. ٥٧ لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً اى حصنا يلجئون اليه او قوما يأمنون فيهم أَوْ مَغاراتٍ فى الجبال جمع مغارة و هى الغار يعنى الموضع الذي يغور فيه اى يستتر و قال عطاء سراديب أَوْ مُدَّخَلًا أصله مدتخل مفتعل من الدخول اى موضع يدخلون فيه بصعوبته كنفق اليربوع لَوَلَّوْا إِلَيْهِ لادبروا اليه هربا منكم وَ هُمْ يَجْمَحُونَ (٥٧) اى يسرعون فى اباء نفور لا يردهم شى ء كالفرس الجموح و معنى الآية انهم كارهون من مصاحبتكم أشد الكراهة لو يجدون مخلصا منكم لفارقوكم. ٥٨ وَ مِنْهُمْ اى من المنافقين مَنْ يَلْمِزُكَ اى يعيبك يقال لمزه و همزه إذا عابه قرا يعقوب بضم الميم حيث كان فِي الصَّدَقاتِ اى قسمتها يعنى يقولون لا تعدل فى القسمة روى الشيخان و البيهقي عن ابن مسعود قال لما قسم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم غنائم هوازن يوم حنين آثر ناسا من اشراف العرب فقال رجل من الأنصار يعنى من قومهم ان هذه لقسمة ما عدل فيها او ما أريد فيها وجه اللّه فقلت و اللّه لاخبرن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فاخبرته فتغير وجهه حتى صار كالصرف «١» و قال فمن يعدل إذا لم يعدل اللّه و رسوله رحم اللّه موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر قال محمد بن عمر الرجل المبهم هو معتب بن قشير المنافق و روى ابن إسحاق عن ابن عمر و الشيخان و احمد عن جابر و البيهقي عن ابى سعيد الخدري رضى اللّه عنهم ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بينما هو يقسم غنائم هوازن إذ قام اليه رجل قال ابن عمر و ابو سعيد من تميم يقال له ذو الخويصرة فوقف عليه صلى اللّه عليه و سلم قال فكيف رايت قال لم أرك عدلت اعدل و فى رواية فقال الرجل يا رسول اللّه اعدل فغضب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال ويلك من يعدل إذا لم اعدل قد خبت و خسرت ان لم أكن اعدل و فى رواية إذا لم يكن العدل عندى فعند من يكون فقال عمر بن الخطاب يا رسول اللّه و عنى اقتل هذا المنافق فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم معاذ اللّه ان يتحدث الناس اقتل أصحابي دعه فان له أصحابا يحتضر أحدكم صلوته مع صلوتهم و صيامه مع صيامهم يقرؤن القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ينظر الى نصله فلا يوجد فيه شى ء ثم ينظر الى ارصافه فلا يوجد فيه شى ء ثم ينظر الى نضيه ... «١» (١) الصرف صيغ يصبغ به الأديم ١٢ منه. فلا يوجد فيه شى ء ثم ينظر الى قدده فلا يوجد فيه شى ء و قد سبق الفرث و الدم آيتهم رجل اسود احدى عضديه مثل ثدي المرأة او مثل البضعة تدرور و يخرجون على خير فرقة من الناس قال ابو سعيد فاشهد انى سمعت هذا الحديث من رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و اشهد ان على ابن ابى طالب قاتلهم و انا معه فامر بذلك الرجل فالتمس فاتى به فنظرت اليه على لعت النبي صلى اللّه عليه و سلم قال البغوي و صاحب اسباب النزول نزلت الآية فى ذى الخويصرة التميمي يعنى المذكور فى هذا الحديث و اسمه خرقوص بن زهير اصل الخوارج فظاهر الآية يابى عن هذا القول لان المذكور فى الآية لمن الصدقات و قصتها ذى الخويصرة التميمي و معتب بن قشير المذكورين فى الحديثين الصحيحين المذكورين فى قسمة غنائم حنين و هذه الآية نزلت فى غزوة تبوك بعد غزوة حنين و عندى الآية نزلت فى قسمة صدقات جاء بها المسلمون لتجهيز جيش العسرة و اللّه اعلم و قال الكلبي نزلت الاية فى رجل من المنافقين يقال له ابو الحواص قال لم يقسم بالسوية قال اللّه تعالى فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَ إِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ (٥٨) إذا للمفاجات نائب مناب الفاء الجزائية قيل معناه و ان اعطوا كثيرا رضوا و فرحوا و ان اعطوا قليلا سخطوا نظرا الى قوله تعالى. (١) و هو قدحيه. ٥٩ وَ لَوْ ثبت أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللّه وَ رَسُولُهُ يعنى بما أعطاهم الرسول من الصدقة و الغنيمة و ذكر اللّه تعالى للتعظيم و التنبيه على ان فعل الرسول صلى اللّه عليه و سلم كان بامره تعالى و على انه يجب الرضا و التسليم بما فعل النبي صلى اللّه عليه و سلم كما يجب الرضا بقضاء اللّه تعالى و قدره وَ قالُوا حَسْبُنَا اللّه كفانا من فضله سَيُؤْتِينَا اللّه مِنْ فَضْلِهِ من وجه آخر ما يحتاج اليه وَ رَسُولُهُ من صدقة او غنيمة اخرى إِنَّا إِلَى اللّه راغِبُونَ (٥٩) فى ان يغنينا من فضله و الاية بأسرها فى حيز الشرط و الجواب محذوف تقديره لكان خيرا لهم ثم بين مصارف الصدقات قطعا لاطماع رجال كانوا يطمعون فيها و لم يكونوا من أهلها و تصويبا لما فعل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال. ٦٠ إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ قال البيضاوي و هو دليل على ان المراد باللمز لمزهم فى قسمة الزكوة دون الغنائم قلت المراد بالآية و اللّه اعلم ان مصرف الصدقات هم الفقراء فقط دون الأغنياء فالفقير هو المحتاج ضد الغنى سواء كان له قليل من المال او لم يكن و هو أعم من المسكين و غيره من الأصناف و قال اكثر الحنفية الفقير من له مال دون النصاب و ما قلت أوفق لمذهب ابى حنيفة رحمه اللّه حيث يعتبر الفقر فى الغارم و الغازي و غيرهما و الدليل على ما قلت من عموم الفقر و شموله للاصناف قصة معاذ روى الشيخان و اصحاب السنن من حديث ابن عباس ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لما بعث معاذا الى اليمن قال انك ستاتى قوما اهل كتاب فادعهم الى شهادة ان لا اله الا اللّه و انى رسول اللّه فان هم أطاعوا لذلك فاعلمهم ان اللّه قد افترض عليهم خمس صلوات فى كل يوم و ليلة فان هم أطاعوا لذلك فاعلمهم ان اللّه قد افترض عليهم صدقة توخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم فان هم أطاعوا لذلك فاياك و كرائم أموالهم و اتق دعوة المظلوم فانه ليس بينها و بين اللّه حجاب و بهذا الحديث اعتبر صفة الايمان فى الزكوة المفروضة فلا يجوز دفع الزكوة الى فقير كافر ذميا كان او حربيا لاجماع و أجاز الزهري و ابن شرمة الدفع الى اهل الذمة و يؤيد قول الزهري و ابن شبرمة ما روى عن عمر فى قوله تعالى انما الصدقات للفقراء قال هم زمنا اهل الكتاب و قد اضمحل خلافهما بإجماع من بعدهما فان قيل هذا حديث احاد كيف يجوز على اصل ابى حنيفة زيادة الايمان فى الفقراء المنصوصين بنص الكتاب قلنا خص من ذلك الآية الحربي بالإجماع مستندا الى قوله تعالى انما ينهاكم اللّه عن الذين قاتلوكم فى الدين فجاز تخصيصه بعد ذلك بخبر الآحاد و جاز دفع الصدقة النافلة الى الذمي اجماعا لقوله تعالى لا ينهاكم اللّه عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين الآية و حديث معاذ فى الزكوة المفروضة خاصة دون النافلة و اما الى الحربي فلا يجوز دفع النافلة ايضا لقوله تعالى انما ينهاكم اللّه عن الذين قاتلوكم و اما الصدقات الواجبة كالفطرة و الكفارات و النذور فحكمها حكم المفروضة عند الائمة الثلاثة فانهم لا يفرقون بين الفرض و الواجب و عند ابى حنيفة يجوز دفعها الى الذمي لانحطاط درجة الواجب عن الفريضة عنده و عدم شمول حديث معاذ إياها فان معاذا كان عاملا لاخذ الزكوة فحسب و اللّه اعلم و إذا كان الفقير أعم من المسكين و غيره من الأصناف فحينئذ عطف قوله تعالى وَ الْمَساكِينِ و ما بعده على الفقراء من قبيل عطف الخاص على العام كما فى قوله تعالى حافظوا على الصلاة و الصلاة الوسطى فهو لزيادة الاهتمام فلنذكر معانى الألفاظ من المساكين و غيرها حتى يظهر منها وجه الاهتمام بذكرها اما المساكين فالمراد به الفقير الذي لا يسال الناس إلحافا مشتق من السكون و السكينة اى لا يتحرك لاجل السؤال و الدليل عليه ما رواه الشيخان فى الصحيحين من حديث ابى هريرة ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال ليس المسكين الذي يطوف على الناس يرده اللقمة و اللقمتان و التمرة و التمرتان و لكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه و لا يفطن له فيتصدق عليه و لا يقوم فيسال الناس فظهر ان المسكين نوع من الفقير و إعطاءه اولى من إعطاء غيره من الفقراء فهو أهم قال اللّه تعالى للفقراء الذين أحصروا فى سبيل اللّه لا يستطيعون ضربا فى الأرض يحسبهم الجاهل اغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا و الحاف الإلحاح فان قيل قد يطلق المسكين على الفقير السائل ايضا كما فى حديث متفق عليه عن ابى هريرة فى قصة ثلثة من بنى إسرائيل أبرص و اقرع و أعمى الحديث بطوله و فيه رجل مسكين قد انقطعت بي الجبال فى سفرى فلا بلاغ لى اليوم الا باللّه ثم بك أسألك بالذي اعطاك اللون الحسن و الجلد الحسن و المال بعيرا يبلغ و فى سفرى قلنا اما ان يكون فى الحديث السابق بيان المراد من الآية لا بيان الغنى اللغوي و اما ان يكون فى الحديث الثاني لفظ المسكين مجاز او ليس المأخوذ فى مفهوم المسكين ان يكون له قليل من المال كما قال به بعض الشافعية ان الفقير من ليس له مال أصلا و المسكين من له قليل من الأعمال لان قوله تعالى فاطعام عشرة مساكين و اطعام ستين مسكينا فى الكفارات المراد به اجماعا الفقير مطلقا سواء كان له قليل من المال او لم يكن له مال أصلا و ايضا قوله تعالى او مسكينا ذا متربته يعنى من لصق بالتراث من فقره يرد قول من قال ان المسكين من له قليل من المال و كذا ليس المأخوذ فى مفهوم المسكين ان لا يكون له مال أصلا كما قال به بعض الحنفية لان قوله تعالى اما السفينة فكانت لمساكين يعملون فى البحر تدل على ان السفينة كانت لهم ملكا و مع ذلك سماهم اللّه تعالى مساكين و القول بانها كانت لهم بالاجارة او العارية او اطلق عليهم لفظ المساكين ترحما صرف للنص عن الظاهر بلا دليل و قد يستدل على ان المسكين احسن حالا من الفقير بان النبي صلى اللّه عليه و سلم استعاذ من الفقر و ذلك متفق عليه من حديث عايشة و فى الباب عن ابى هريرة عند ابى داود و النسائي و صححه ابن حبان و الحاكم و عندهما من حديث ابى بكرة و ابى سعيد و انس و قد قال النبي صلى اللّه عليه و سلم اللّهم أحيني مسكينا و أمتني مسكينا رواه الترمذي من حديث انس و ابن ماجة عن ابى سعيد و الجواب ان الفقر المستعاذ منه هو فقر النفس و فى الصحيح عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انما الغنى غنى النفس او المستعاذ منه فتنة الفقر لا حاله و كذا المسئول ليس نفس المسكنة بل بعض صفاته من الصبر و التوكل و الرضا او يقال اسناد حديث انس و ابى سعيد ضعيفان كذا قال الحافظ ابن حجر و ذكره ابن الجوزي فى الموضوعات لما رأه مباينا للحال الذي مات عليه النبي صلى اللّه عليه و سلم لانه كان مكفيا و قد قال اللّه تعالى و وجدك عائلا فاغنى و اللّه اعلم- وَ الْعامِلِينَ عَلَيْها اى على الصدقات عد اللّه سبحانه من اصناف الفقراء عاملى الصدقة و أعوانهم مجازا سواء كانوا اغنياء او فقراء لانهم و كلاء للفقراء فى أخذ الصدقات و تقسيمها مشغولون بامورهم فيجب عليهم مؤنتهم فهم فقراء حكما و اختلفوا فى قدر ما يعطى للعامل من الزكوة فقال الشافعي يعطى له و لاعوانه الثمن من الصدقات قل عمله او كثر بناء على انه يجب عنده صرف الزكوة الى الأصناف الثمانية على السوية و سنذكر الرد عليه و قال ابو حنيفة و اكثر الأئمة يعطى له كفاية بقدر عمله فان عمل يوما يعطى له كفاية يومه و ان عمل سنة يعطى له كفاية سنة لانه ليس للغنى حق فى الزكوة و انما يعطى العامل اجر عمله الذي وجب على الفقراء فيعطى ذلك القدر من مال الزكوة الذي هو حقهم و لا يجوز دفع جميع مال الزكوة الى العامل اجماعا و ان استغرقت كفاية جميع مال الصدقة بل حينئذ يعطى له النصف لا يزاد عليه إذ لو يعطى اكثر من النصف و للاكثر حكم الكل يكون هو عاملا لنفسه لا للفقراء فيفوت المقصود و لا يجب عليه مؤنته قال اللّه تعالى وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ قال البغوي و هم قسمان قسم مسلمون و قسم كفار فاما المسلمون فقسمان قسم دخلوا فى الإسلام و نيتهم ضعيفة فيه فكان النبي صلى اللّه عليه و سلم يعطيهم تألفا كما اعطى عيينة بن بدر و الأقرع بن حابس و العباس بن مرداس او اسلموا و نيتهم قوية فى الإسلام و هم شرفاء فى قومهم مثل عدى بن حاتم و الزبرقان بن بدر فكان يعطيهم تألفا لقومهم و ترغيبا لامثالهم فى الإسلام فهولاء يجوز للامام ان يعطيهم من خمس خمس الغنيمة و الفى سهم النبي صلى اللّه عليه و سلم و كان النبي صلى اللّه عليه و سلم يعطيهم من ذلك و لا يعطيهم من الزكوة و القسم الثاني من المؤلفة المسلمين ان يكون قوم من المسلمين بإزاء قوم كفار فى موضع لا يبلغه جيوش المسلمين الا بمؤنته كثيرة و هم لا يجاهدون اما لضعف نيّتهم او لضعف حالهم فيجوز للامام ان يعطيهم من سهم الغزاة من مال الصدقة و قيل من سهم المؤلفة من الصدقات روى ان عدى بن حاتم جاء أبا بكر بثلاثمائة من الإبل من صدقات قومه فاعطاه أبا بكر منها ثلثين بعيرا اما الكفار من المؤلفة فهو من يخشى شره منهم او يرجى إسلامه فالامام يعطى هذا حذرا من شره و يعطى ذلك ترغيبا له فى الإسلام فقد كان النبي صلى اللّه عليه و سلم يعطيهم من خمس الخمس كما اعطى صفوان ابن امية لما راى ميله الى الإسلام و اما اليوم فقد أعز اللّه تعالى الإسلام و له الحمد و أغناه عن ان يتالف عليه رجال فلا يعطى مشرك تألفا بحال و قد قال بهذا كثير من اهل العلم ان المؤلفة منقطعة و سهمهم ساقط روى ذلك عن عكرمة و هو قول الشعبي و به قال مالك و الثوري و إسحاق بن راهويه و اصحاب الرأي و قال قوم سهمهم ثابت يروى ذلك عن الحسن و هو قول الزهري و ابى جعفر محمد بن على بن الحسين عليهم السلام و ابى ثور و قال احمد يعطون ان احتاج المسلمون الى ذلك انتهى كلامه و فى اكثر الكتب انهم اختلفوا فى حكم المؤلفة قال ابو حنيفة قد سقط منهم المؤلفة قلوبهم لانه تعالى أعز الإسلام و اغنى و به قال مالك و هى رواية عن الشافعي و عن مالك رواية اخرى ان احتيج إليهم فى بلد او ثغر استأنف الامام لوجود العلة و هى رواية عن احمد و قال الشافعي و احمد فى أصح المختار عند اكثر اصحاب الشافعي ما فى المنهاج ان المؤلفة من المصرف قال و هو من اسلم و نيته ضعيفة اوله شرف يتوقع بإعطائه اسلام غيره و قلت و بهذا ظهر ان الشافعي ايضا لا يجوز إعطاء الزكوة للكافر من المؤلفة كما لا يجوز للكافر من الفقراء و المساكين و غيرهم و ابو حنيفة و من معه لا ينكرون إعطاء مسلم فقير من المؤلفة و انما الكلام فى المسلم الغنى من المؤلفة فعند الشافعي يعطى له من الزكوة بناء على زعمه ان الفقر غير معتبر فى سائر الأصناف و عند ابى حنيفة لا يعطى له الزكوة بناء على اعتبار الفقر فى سائر الأصناف فظهر انه لا خلاف بينهم فى ان حكم جواز إعطاء الزكوة للمؤلفة باق غير منسوخ و كيف يحكم بالنسخ مع عدم الناسخ و لو حمل قول ابى حنيفة على إعطاء الكافر من المؤلفة منسوخ لكان له وجه لكن لم يثبت ان النبي صلى اللّه عليه و سلم اعطى أحدا من الكفار للايلاف شيئا من الزكوة فان قيل روى مسلم و الترمذي عن سعيد بن المسيب عن صفوان بن امية فى قصة فقال أعطاني النبي صلى اللّه عليه و سلم و لانه ابغض الناس الى فما برح يعطينى انه لاحب الناس الى و هذا صريح فى انه كان يعطيهم فى حالة الكفر و قد جزم ابن اثير فى الصحابة انه أعطاه قبل إسلامه قلت قال النووي إعطاء النبي صلى اللّه عليه و سلم صفوان بن امية كان من غنائم حنين و صفوان يومئذ كافر قال الحافظ ابن حجر و دعوى الرافعي انه اعطى صفوان ذلك من الزكوة وهم و الصواب انه من الغنائم من خمس خمس التي كان للنبى صلى اللّه عليه و سلم و بذلك جزم البيهقي و ابن سيد الناس و ابن كثير و غيرهم و قال ابن الهمام فى بيان النسخ أسند الطبراني قول عمر بن الخطاب حين جائه عيينة بن حصين الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر يعنى ليس اليوم مؤلفة و اخرج ابن ابى شيبة عن الشعبي انما كانت المؤلفة على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و لما ولى ابو بكر انقطعت و قال ابن الهمام جاء عيينه و الأقرع يطلبان أرضا الى ابى بكر فكتب له الخط فمزقه عمر و قال هذا شى ء كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يعطيكموه ليتألفكم على الإسلام و اللآن فقد أعز اللّه الإسلام و اغنى عنكم فان ثبتهم على الإسلام و الا فبينا و بينكم السيف فرجعوا الى ابى بكر فقالوا الخليفة أنت أم عمر فقال هو ان شاء و وافقه و لم ينكر عليهما أحد من الصحابة قلت لا يخفى ان قول عمر لا يحتمل ان يكون ناسخا و ليس فى قوله تعالى فمن شاء فليومن و من شاء فليكفر دلالة على نسخ سهم المؤلفة كيف و هو اقدم نزولا من آية سهم المؤلفة فان سورة التوبة آخر القرآن نزولا و سورة الكهف مكية و ليست القصة فى الزكوة بل فى أقطاع الأرض فكيف يحكم بنسخ سهم المؤلفة و إذا ثبت ان حكمه باق غير منسوخ لكن الكافر من المؤلفة ليس بمراد بل الحكم مخصوص بالمسلمين منهم و لذا لم يثبت عن النبي صلى اللّه عليه و سلم إعطائه من الزكوة كافرا من المؤلفة فنقول إذا خص الكافر من المؤلفة فلا بد ان يخص الغنى ايضا بالأحاديث الواردة فى عدم حل الزكوة للغنى و بما ذكر فى حديث معاذ قوله صلى اللّه عليه و سلم توخذ من أغنيائهم و ترد الى فقرائهم و إذا خص المسلم الغنى من المؤلفة بقي الحكم فى المؤلفة الفقراء فظهر ان المؤلفة ايضا صنف من الفقراء عطف عليه عطف الخاص على العام لزيادة الاهتمام قوله تعالى وَ فِي الرِّقابِ عدل عن اللام الى فى للايذان بان الاربعة اللاحقة ارسخ فى استحقاق التصدق عليهم من المساكين و العاملين و المؤلفة لان فى للوعاء فنبه على انهم أحقاء بان يوضع فيهم الصدقات و المراد بهم المكاتبين عند ابى حنيفة و الشافعي و احمد و هى رواية ابن وهب عن مالك و هم فقراء البتة و انكانت عندهم نصاب لا يكفى لاداء كتابتهم فيعان فى فك رقابهم قال اللّه فكاتبوهم ان علمتم فيهم خيرا و آتوهم من مال اللّه الذي أتاكم و قال مالك الرقاب العبيد الأرقاء فعنده يشترى من الزكوة رقبة كاملة فيعتق و هى رواية عن احمد لكنه رجع احمد عنها و احتج مالك بأثر ابن عباس روى ابو عبيدة فى كتاب الأموال من طريق ابى الأشرس عن مجاهد عنه انه كان لا يرى بأسا ان يعطى الرجل من زكوة ماله فى الحج و ان يعتق منه الرقبة أخرجه عن ابى معوية عن الأعمش عنه و اخرج عن ابى بكر بن ابى عياش عن الأعمش عن ابى نجيح عن مجاهد عن ابن عباس قال أعتق من زكوة مالك قال و تابع أبا معوية عبدة بن سليمان رويناه فى فوايد يحيى بن معين رواية ابى بكر بن على المروزي عن عبده عن الأعمش عن ابى الأشرس و لفظه كان يخرج زكوة ثم يقول جهزونا منها الى الحج و قال الميموني قلت لابى عبد اللّه يشترى الرجل من زكوة ماله الرقاب فيعتق و يجعل فى ابن السبيل قال نعم ابن عباس يقول ذلك و لا اعلم شيئا يدفعه قال الجلالي أخبرنا احمد بن هاشم قال قال احمد كنت ارى ان يعتق من الزكوة ثم رجعت عن ذلك فاحتج عليه بحديث ابن عباس فقال هو مضطرب ثم عند مالك الولاء للمسلمين و فى رواية عنه الولاء للمعتق قال الحافظ انما وصف احمد اثر ابن عباس بالاضطراب لاختلاف فى اسناده عن الأعمش قال الحافظ و فى تفسير الرقاب قول ثالث ان سهم الرقاب يجعل نصفين نصف لكل مكاتب يدعى الإسلام و نصف يشترى بها رقاب من صلى و صام أخرجه ابن ابى حاتم و ابو عبيدة فى الأموال بإسناد صحيح عن الزهري انه كتب ذلك لعمر بن عبد العزيز و اللّه اعلم قلت قوله صلى اللّه عليه و سلم لمعاذ تأخذ من أغنيائهم و ترد على فقرائهم يابى قول مالك فان فى شراء الرقيق لم يوجد الرد ... على الفقراء و قول ابن عباس مضطرب كما قال احمد و لو صح فهو رأى ليس برواية فليس بحجة و ما ذكرنا فى تفسير الرقاب بالمكاتبين يدل عليه ما أخرجه الطبراني فى تفسيره من طريق محمد بن إسحاق عن الحسن البصري ان مكاتبا قال لابى موسى الأشعري و هو يخطب يوم الجمعة فقال له ايها الأمير حث الناس علىّ فحث عليه ابو موسى فالقى الناس عليه هذا يلقى عمامة و هذا يلقى قلادة و هذا يلقى خاتما حتى القى الناس عليه سوادا كثيرا فلما راى ابو موسى ما القى عليه قال اجمعوه ثم امر به فبيع فاعطى المكاتب مكاتبة ثم اعطى الفضل فى الرقاب و لم يرده على الناس و قال ان هذا أعطوه فى الرقاب فان قيل روى احمد و غيره ان رجلا جاء الى النبي صلى اللّه عليه و سلم فقال دلنى على عمل يقربنى الى ... الجنة و يباعدنى من النار فقال أعتق النسمة و فك الرقبة فقال ا و ليسا سواء قال لا عتق الرقبة ان تنفرد بعتقها و فك الرقبة ان تعين فى ثمنها قلت هذا لا يدل على ان فى الرقاب المذكور فى الآية ما قاله مالك و اللّه اعلم وَ الْغارِمِينَ و هم المديونون بالاتفاق لكن الشافعي و اكثر الائمة جعل المديون على ثلثة اقسام قسم أدانوا أنفسهم من غير معصية فانهم يعطون من الصدقة إذا لم يكن مالهم مال يفى بدينهم فانكان عندهم وفاء فلا يعطون و قسم أدانوا فى المعروف و إصلاح ذات البين فانهم يعطون من الصدقة و يقضى ديونهم و إن كانوا اغنياء و قسم أدانوا فى معصية اللّه و الإسراف فلا يدفع اليه شى ء و قال ابو حنيفة رحمه اللّه يدفع الى كل مديون لم يكن مالكا لنصاب فاضل عن وفاء دينه لعموم اللفظ و لا شك انه فقير فان ماله مشغول بدينه و الخلاف فيه كالخلاف فى رخص السفر و كل مديون كان له نصاب فاضل عن وفاء دينه لا يجوز دفع الزكوة اليه عند ابى حنيفة و مالك و احمد خلافا للشافعى فى مديون ادان فى الطاعة قوله تعالى وَ فِي سَبِيلِ اللّه كرر كلمة فى لترجيح الصنفين للاحقين على الرقاب و الغارمين قال الشافعي و ابو يوسف و جمهور العلماء المراد به منقطع الغزاة و قال احمد و محمد بن الحسن منقطع الحاج و الحجة لاحمد ما رواه احمد و ابو داود من حديث أم معقل قالت كان ابو معقل حاجا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فلما قدم قالت أم معقل قد علمت ان علىّ حجة فانطلقا يمشيان حتى دخلا عليه صلى اللّه عليه و سلم فقالت يا رسول اللّه علىّ حجة و ان لابى معقل بكرا فقال ابو معقل صدقة جعلته فى سبيل اللّه قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أعطها فلتحج عليه فان الحج فى سبيل اللّه و فيه ابراهيم بن مهاجر يتكلم فيه و فى بعض الروايات انه كان بعد وفات ابى معقل رواه ابو داود و احمد بسند آخر عن أم معقل قالت لما حج رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حجة الوداع و كان لنا جمل فجعل ابو معقل فى سبيل اللّه و أصابنا مرض و هلك ابو معقل و خرج النبي صلى اللّه عليه و سلم فلما فرغ من حجته جئته فقال يا أم معقل ما منعك ان تخرجى معنا قالت لقد تهيانا فهلك ابو معقل و كان لنا جمل هو الذي يحج عليه فاوصى به ابو معقل فى سبيل اللّه قال فهلا خرجت عليه فان الحج فى سبيل اللّه و احتج الشافعي بحديث ابى هريرة المتفق عليه و فيه و اما خالد فانكم تظلمون خالدا فانه قد احتبس ادراعه و اعتده قلت و لما كان الفقر ماخوذا فى جميع الأصناف فالاولى ان لا يخص فى سبيل اللّه بالحج و لا بالغزو بل يترك أعم منهما و من ساير أبواب الخير فمن أنفق ماله فى طلبة العلم صدق انه أنفق فى سبيل اللّه قوله تعالى وَ ابْنِ السَّبِيلِ و هو المسافر فاعلم ان المسافر اما ان يكون مالكا لنصاب يمنع أخذ الزكاة اولا و على الثاني يعطى له الزكوة اتفاقا سواء كان فى أثناء السفر او مريدا للسافر كمن لم يكن مسافرا لكونه فقيرا و على التقدير الاول إن كان له مال فى يده بقدر النصاب و بقدر ما يبلغ بلدا يريد دخوله لا يعطى له الزكوة اتفاقا سواء كان فى أثناء السفر اولا و إن كان له مال كثير فى وطنه لا معه و هو فى أثناء السفر فقير يدا ليس عنده ما يبلغ نصابا و لا ما يبلغ به وطنه الذي فيه ماله يعطى له الزكوة اتفاقا و هو المراد بابن السبيل فى هذه الآية عند ابى حنيفة رحمه اللّه فالفقر المعتبر لاباحة أخذ الزكوة هو الفقر يدا فمالكية المال لا ينافى جواز أخذ الزكوة ان لم يكن المال فى يده فالمقيم فى الوطن الذي له مال فى وطنه بمنزلة ابن السبيل و الدائن الذي مديونه مقر مفلس كابن السبيل كذا فى المحيط و إن كان له مال كثير فى وطنه و عنده مال قليل لا يبلغ نصابا لكن يمكن ان يبلغ به مكانه الذي فيه ماله لا يجوز له أخذ الزكوة اتفاقا لانه قادر على الوصول الى ماله فكانه فى يده و إن كان له مال فى يده يبلغ نصابا لكن ليس بقدر ما يقطع به المسافة المقصورة سواء هو فى أثناء السفر او هو مريد للسفر و سواء كان له مال بعيد منه او لا يكون لا يجوز له أخذ الزكوة عند ابى حنيفة و قال الشافعي يجوز لابى حنيفة ان المبيح لاخذ الزكوة انما هو الفقر و هو ليس بفقير و قال الشافعي ارادة السفر ايضا مبيح لاخذ الزكوة ان لم يكن عنده ما يقطع به السفر لان ابن السبيل صنف آخر غير الفقير لا يعتبر فيه الفقر و اللّه اعلم قلت الأصناف السبعة انواع للفقراء و المصرف هم الفقراء و لا يجوز دفع الزكوة الى هؤلاء الأصناف الا بشرط الفقر الا العاملين فانه يجوز اعطائهم و إن كانوا اغنياء فان المعطى لهم حينئذ فى الحقيقة هم الفقراء و هم يأخذون من مال الفقراء ما يجب لهم مؤنتهم عليهم اجرة عملهم لهم و لا تنحصر الفقراء فى هذه الأصناف و انما ذكر اللّه تعالى هذه الأصناف اهتماما بها فان لهذا الأصناف مزية على غيرهم من الفقراء فالمراد من الآية و اللّه سبحانه اعلم ان المصرف هم الفقراء لكن الاولى ان يلتمس لاعطاء الزكوة سببا يترجح به المعطى له على غيره من الفقراء فالمسكين الذي لا يسأل الناس اولى من السائلين لكونه أفقر و المسافر الفقير أفقر و أشد حاجة من المقيم و الغازي و الحاج و الكاتب و المؤلف للاسلام أحرى لان يعطوا من غيرهم لان فى اعطائهم اعانة على الحج الذي هو أحد اركان الإسلام و الجهاد الذي هو ذروة سنامه و على فك الرقبة الذي هو مفرغ لكثير من الخيرات و لا دلالة فى الآية على ان اسباب المزية منحصرة فى هذه الأمور بل للمزية اسباب غيره ايضا و انما ذكرت هذه الأمور تمثيلا فان منها القرابة قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى و ابدأ بمن تعول رواه البخاري من حديث ابى هريرة و مسلم من حديث حكيم بن حزام و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم دينارا نفقته فى سبيل اللّه و دينار تصدقته به على رقبة و دينار تصدقته به على مسكين و دينار أنفقته على أهلك أعظمها اجرا الذي أنفقته على أهلك رواه مسلم من حديث ابى هريرة و عن ميمونة بنت الحارث انها اعتقت وليدة فى زمان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فذكرت ذلك لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لاجرك متفق عليه و عن سليمان بن عامر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الصدقة على المسكين صدقة و على ذى الرحم ثنتان صدقة و صلة رواه احمد و الترمذي و النسائي و ابن ماجة و الدارمي و عن انس قال قال ابو طلحة ان أحب مالى الى بيرحاء و انه صدقة للّه تعالى ارجوا برها ذخرها عند اللّه فضعها يا رسول اللّه حيث أراك اللّه فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ارى ان تجعلها فى الأقربين فقسمها ابو طلحة فى أقاربه و بنى عمه متفق عليه غير انه لا يجوز دفع الزكوة الى من بينها ولادا و زوجية عند ابى حنيفة رحمه اللّه لان منافع املاكهم متصلة شرعا و عرفا فلا يتحقق التمليك على الكمال قال اللّه تعالى و وجدك عائلا فاغنى يعنى بمال خديجة و قال عليه السلام أنت و مالك لابيك قال ابن همام و سائر القرابات غير الولاد يجوز الدفع معه بل اولى لما فيه من الصلة مع الصدقة فالاخوة و الأخوات و الأعمام و العمات و الأخوال و الخالات و لو كان بعضهم فى عياله و لم يفرض القاضي نفقته عليه فدفعها اليه ينوى الزكوة جاز عن الزكوة و ان فرضها فدفعها ينوى الزكوة لا يجوز عن الزكوة لانه أداء واجب فى واجب اخر فلا يجوز الا إذا لم يحتسبها فى النفقة لوجود التمليك على الكمال و قال الشافعي و مالك و احمد لا يجوز دفع الزكوة الى من يجب نفقته عليه و علة المنع عندهم لزوم المئونة و وجوب النفقة على المعطى و قد ذكرنا مسئلة وجوب نفقة الأقارب فى سورة البقرة فى تفسير قوله تعالى و على المولود له رزقهن و كسوتهن بالمعروف و على الوارث مثل ذلك و قال ابو يوسف و محمد مثل ما قال ابو حنيفة ان علة المنع اتصال الاملاك و ذلك فى الولاد و الزوجية غير انه يجوز عندهما للزوجة دفع زكوتها الى زوجها على خلاف القياس اتباعا لحديث زينب امراة ابن مسعود قالت كنت فى المسجد فرأيت النبي صلى اللّه عليه و سلم قال تصدقن و لو من حليكن و كانت زينب تنفق على عبد اللّه و أيتام فى حجرها فقالت لعبد اللّه سل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أ يجزئ عنى ان أنفق عليك و على أيتام فى حجرى من الصدقة قال سلى أنت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فانطلقت الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فوجدت امرأة من الأنصار حاجتها مثل حاجتى فمر علينا بلال فقلنا سل النبي صلى اللّه عليه و سلم أ يجزئ عنى ان أتصدق على زوجى و أيتام لى فى حجرى و قلنا لا تخبرنا فدخل فساله فقال من هما قال زينب قال اى الزيانب قال امراة عبد اللّه قال نعم لها أجران اجر القرابة و اجر الصدقة رواه البخاري و مسلم و النسائي و الطحاوي و غيرهم و فى رواية النسائي على أزواجنا و أيتام فى حجورنا و فى رواية للطيالسى انهم بنو أخيها و بنو أختها و للنساى من طريق علقمة لاحدهما فضل مال و فى حجرها بنو أخ لها أيتام و للاخرى فضل مال و لها زوج خفيف «١» ذات اليد قالا قولها أ يجزي عنى يدل على ان الصدقة كانت واجبة لان الاجزاء انما يستعمل فى الواجبة و أجاب الحنفية بان ذلك كان فى الصدقة النافلة لانها هى التي كان النبي صلى اللّه عليه و سلم يتخول «٢» بالموعظة و الحث عليها و قولها يجزى و إن كان فى عرف الفقهاء الحادث (١) اى فقير قليل المال و الحظ من الدنيا ١٢. (٢) اى يتعهد من قولهم فلان خائل مال و هو الذي يصلحه و يقوم ١٢. لا يستعمل غالبا الا فى الواجب لكن فى ألفاظهم لما هو أعم من الفضل لانه بمعنى الكفاية فالمعنى هل يكفى التصدق عليه فى تحقق مسمى الصدقة و تحقيق مقصودها من التقرب الى اللّه فسلم القياس من المعارضة و احتج الطحاوي على هذا التأويل يعنى ان الصدقة فى الحديث صدقة التطوع بروايات اخرى روى الطحاوي بسنده عن رابطة بنت عبد اللّه امرأة عبد اللّه بن مسعود و كانت امراة صنعاء و ليس لعبد اللّه بن مسعود مال و كانت تنفق عليه و على ولده منها فقالت لقد شغلتنى و اللّه أنت و ولدك عن الصدقة فما أستطيع معكم بشئ فقال ما أحب ان لم يكن لك فى ذلك اجر ان تفعلى فسالت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم هى و هو فقالت يا رسول اللّه اننى امراة ذات صنعة أبيع منها و ليس لولدى و لا لزوجى شى ء فيشغلونى و لا أتصدق فهل فيهم اجر فقال فى ذلك اجر ما أنفقت عليهم فانفقى عليهم قال الطحاوي رابطة هذه هى زينب امراة عبد اللّه إذ لا يعلم ان عبد اللّه كانت له امرأة غيرها فى زمن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و روى الطحاوي بطريقين عن ابى هريرة ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انصرف من الصبح يوما فاتى على النساء فى المسجد فقال يا معشر النساء ما رايت من ناقصات عقل و دين اذهب لعقول ذوى الألباب منكن و انى قد رايت انكن اكثر اهل النار يوم القيامة فتقربن الى اللّه عز و جل بما استطعتن و كانت فى النساء امرأة ابن مسعود فانقليت الى ابن مسعود فاخبرته بما سمعت من رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و أخذت جلبابها فقال ابن مسعود اين تذهبين بهذا الحلي فقالت أتقرب به الى اللّه عز و جل و الى رسوله صلى اللّه عليه و سلم لعل اللّه لا يجعلنى من اهل النار قال هلمى ويلك تصدقى به علىّ و على ولدىّ فقالت لا و اللّه حتى اذهب به الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الحديث فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم تصدقى به عليه و على بنيه فانهم له موضع و روى البخاري من حديث ابى سعيد الخدري قال خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى اضحى او فطر الى المصلى ثم انصرف فوعظ الناس و أمرهم بالصدقة فقال ايها الناس تصدقوا فمر على النساء فقال يا معشر النساء تصدقن فانى اريتكن اكثر اهل النار قلن و بم يا رسول اللّه قال تكثرن اللعن و تكفرن العشير الحديث الى ان قالت امراة ابن مسعود عندى حلى فاردت ان أتصدق به فزعم ابن مسعود انه و ولده أحق من تصدقت به عليهم قال النبي صلى اللّه عليه و سلم صدق ابن مسعود زوجك و ولدك أحق من تصدقت به عليهم قال الطحاوي هذه الروايات تدل على كون الصدقة نافلة لان فى الحديث الاول كنت امراة صنعاء اصنع بيدي فابيع من ذلك و ذلك صريح انها لم تكن مالكة نصاب يجب فيه الزكوة و الحديث الثاني يدل على انها تصدقت بكل الحلي و ذلك من التطوع دون الزكوة و لان الأحاديث الثلاثة تدل على جواز دفع صدقتها على ولدها و قد اجمعوا على انه لا يجوز للمرأة ان ينفق على ولدها من زكوتها و أجاب الحافظ ابن حجر عن الاستدلال الطحاوي بان إجماعهم على انه لا يجوز للمرأة ان ينفق على ولدها من زكوتها ممنوع لان المانع من إعطاء الزكوة عند الجمهور وجوب نفقة المعطى له على المعطى و الا لا يلزمها نفقة ولدها مع وجود أبيه و عن الاستدلال يتصدق كل الحلي ان كل الحلي يمكن ان يكون قدر الواجب الذي وجب إخراجه عليها قلت حمل أحاديث امراة ابن مسعود على قصة واحدة تكلف و الظاهر انها قصتان بل قصص كذا قال الحافظ لان قصة خروج رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الى المصلى فى اضحى او فطر غير قصة وعظه صلى اللّه عليه و سلم بعد الانصراف من صلوة الصبح فى المسجد و قصة الانفاق على أيتام هم بنو أخيها و أختها غير قصة إنفاقها على أولادها و فى بعض الطرق قال ابن مسعود تصدقى علىّ و على أولادي و فى بعضها ما أحب ان لم يكن لك فى ذلك اجر ان تفعلى و إذا فرضناها قصتان فالظاهر ان السؤال فى أحدها عن الصدقة الواجبة إذ بعد العلم بالحكم فى الصدقة التطوع لا يحتمل ان تسأل زينب عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى الصدقة التطوع مرة ثانية و ايضا اطلاق قوله صلى اللّه عليه و سلم نعم لها أجران فى جواب قولها أ يجزئ عنى ان أتصدق على زوجى من غير فصل يدل على عموم اجزاء الصدقة و اللّه اعلم- و من اسباب المزية الجوار عن ابن عمر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما زال جبريل يوصينى بالجار حتى ظننت انه سيورثه رواه احمد و البخاري و مسلم و ابو داود و الترمذي و كذا روى احمد و الشيخان و اصحاب السنن عن عايشة و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا طبخت مرقة فاكثر مائها و تعاهد جيرانك رواه مسلم عن ابى ذر و منها شدة الحاجة لاجل العيال او نحوها عن انس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أفضل الصدقة ان تشيع كبدا جايعا رواه البيهقي فى شغب الايمان و منها سوال السائل قال اللّه تعالى و اما السائل فلا تنهر و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم للسائل حق و ان جاء على فرس رواه احمد و ابو داود و ايضا بسند صحيح عن الحسين و ابو داود عن على و الطبراني عن الهرماس بن زياد و عن أم بجيد قالت قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ردوا السائل و لو بظلف محرق رواه مالك و النسائي و رواه الترمذي و ابو داود مرسلا و عن ابن عباس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الا أخبركم بشر الناس رجل يسال باللّه و لا يعطى به و منها اليتم و الاسر قال اللّه تعالى يطعمون الطعام على حبه مسكينا و يتيما و أسيرا و غيرها من اسباب المزية يعرف بالآيات و الأحاديث و ما رويت ان الأصناف كلها اصناف للفقراء يوافق رأى ابى حنيفة و اكثر الائمة حيث شرطوا الفقر فى جميع الأصناف و قال الشافعي الأصناف الثمانية المذكورة كل منها مستحق للزكوة برأسها و لا يعتبر فى جميعها الفقر بل يجوز ان يعطى للمولف و المكاتب و المديون و الغازي و ابن السبيل مع كونهم اغنياء و احتج على ذلك بحديث عطاء بن يسار مرسلا قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا يحل الصدقة لغنى الا لخمسة لغازى فى سبيل اللّه او لعامل عليها او لغارم او لرجل اشتراها بماله او لرجل كان له جار مسكين فتصدق على المسكين فاهدى المسكين للغنى رواه مالك و ابو داود قلت فى هذا الحديث اضطراب فى السند و المتن اما السند فاختلف على زيد بن اسلم فقيل عنه عن عطاء مرسلا كما قال مالك فى الموطإ و روى عنه ابو داود و قيل عن زيد قال حدثنى الليث و قيل عن زيد عن عطاء عن ابى سعيد ذكر الروايات ابو داود و أماني المتن ففى الرواية المذكورة كما ذكرنا و فى رواية لابى داود عن عمران البارقي عن عطية عن ابى سعيد قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا يحل الصدقة لغنى الا فى سبيل اللّه عز و جل او ابن السبيل او جاز فقير تصدق عليه فهدى لك او يدعوك قال ابن همام هذا الحديث قيل لم يثبت و لو ثبت لم يقوقوة حديث معاذ فانه رواه اصحاب الكتب الستة و لو قوى قوته ترجح حديث معاذ بانه مانع و هذا مبيح مع انه دخله التأويل عندهم حيث قيدوا اباحة الاخذ للغازى بان لا يكون له شى ء فى الديوان و لا أخذ من الفي ء و هو أعم من ذلك و ذلك يضعّف الدلالة بالنسبة الى ما لا يدخله التأويل و حديث زياد بن الحارث الصدائ قال أتيت النبي صلى اللّه عليه و سلم فبايعته فذكر حديثا طويلا و فيه فاتاه رجل فقال أعطني من الصدقة فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان اللّه تعالى لم يرض بحكم نبى و لا غيره فى الصدقات حتى حكم فيها فجزاها ثمانية اجزاء فان كنت من تلك الاجزاء أعطيتك رواه ابو داود قلت الحديث ضعيف لانه من رواية عبد اللّه بن عمر بن غانم الافريقى قال الذهبي مجهول الحال و اتهمه ابن حبان و شيخه عبد الرحمن بن زياد ضعفه ابن معين و النسائي و قال الدار قطنى ليس بالقوى دوهاه احمد بن حنبل و إذا كان المصرف الفقراء و الأصناف الباقية انواع منه فعلى هذا لا شبهة فى جواز دفع جميع مال الزكوة الى صنف واحد منها او الى شخص واحد و كذا لو فرضناها أصنافا مغايرة للفقراء و قال الشافعي لا يجوز صرفها الى بعضهم مع وجود ساير الأصناف فعنده يجب استيعاب الأصناف ان قسم الامام و هناك عامل و الا فالقسمة على سبعة سوى العامل و ذكر البغوي انه يقسم على ستة اصناف لاجل سقوط سهم المؤلفة فان فقد بعضهم فعلى الموجودين و يجب التسوية بين الأصناف فى حصة كل صنف فاذا قسم الامام استوعب من الزكوة الحاصلة عنده احاد كل صنف و كذا يستوعب المالك ان انحصر المستحقون فى البلد و وفى بهم المال و الا فيجب إعطاء ثلثة ان وجد منهم ثلثا او اكثر فان لم يجد من بعض الأصناف الا واحد اصرف حصة ذلك الصنف اليه ما لم يخرج عن حد الاستحقاق فاذا انتهت حاجته و فضل شى ء رده الى الباقين و يجب التسوية بين الأصناف لا بين احاد الصنف الا ان يقسم الامام فيحرم عليه التفصيل مع تساوى الحاجات قال الشافعي فى الام اللام فى قوله تعالى للفقراء للاستحقاق فقد ذكر اللّه سبحانه الاستحقاق لثمانية اصناف فوجب إعطاء كل صنف و ذكر كل صنف بلفظ الجمع المحلى بلام الاستغراق فيجب استيعاب افراد كل صنف ان أمكن ذلك بان كان افراد كل صنف منحصرة فى البلد و كان المال يفى بهم و ان لم يمكن الاستيعاب يصرف الى ثلثة لبقاء الجمعية على حالها قلنا لام التعريف فى الآية ليست للاستغراق للاجماع على انه لا يجب صرف كل صدقة على فقراء العالم و تخصيص الاستغراق بفقراء بلده امر اختراعى و ايضا إذا لم يمكن حصر فقراء البلد و لا يجب صرف الزكوة الى جماعة اكثر من الثلاثة اجماعا و لو كان اللام للاستغراق لوجب استيعاب الكل او استيعاب ما أمكن منهم مثلا لو كان مائة درهم حصة كل صنف و لا يمكن حصر فقراء البلد فلا بد ان يجب الصرف الى مائة فقير مثلا لا الاقتصار على ثلثة فظهر ان اللام للجنش و لام الجنس ينافى الجمعية فالمعنى يستحقها جنس الفقير اى فرد كان و لو سلمنا ان الجمعية باق فمقابلة الجمع بالجمع يقتضى انقسام الآحاد على الآحاد و ايضا كون لام الجر للاستحقاق ممنوع بل حقيقة اللام للاختصاص و الاختصاص أعم من الملك و الاستحقاق و كونهم مصر فادون غيرهم و يدل على ما ذهبنا اليه الأحاديث و الآثار منها ما رواه البيهقي و الطبراني عن ابن عباس و ابن ابى شيبة عن عمر فى اى صنف وضعته أجزأك و روى الطبراني عن عمر انه كان يأخذ الفرض من الصدقة فيجعله فى صنف واحد قال ابو عبيدة فى كتاب الأموال و مما يدل على صحة ذلك ان النبي صلى اللّه عليه و سلم أتاه بعد ذلك مال فجعله فى صنف واحد و هم المؤلفة قلوبهم اقرع بن حابس و عيينة بن حصين و علقمة بن علاثه و زيد بن الجبل قسم فيهم الذهيبة التي بعثها معاذ من اليمن و انما يوخذ من اهل اليمن الصدقة ثم أتاه مال آخر فجعله فى صنف آخروهم الغارمون فقال لقبيصة بن المخارق حين أتاه و قد تحمل حمالة يا قبيصة أقم حتى يأتينا الصدقة فنامر لك بها قال ابن همام و لم يرو عن غيرهم ما يخالفهم قولا و لا فعلا قال البيضاوي و عن عمرو حذيفة و ابن عباس و غيرهم من الصحابة و التابعين رضى اللّه عنهم جواز صرفها الى صنف واحد و به قال الائمة الثلاثة و اختاره بعض أصحابنا يعنى الشافعية و به كان يفتى شيخى و والدي رحمه اللّه على ان الآية بيان ان الصدقة لا يخرج منهم لا إيجاب قسمتها عليهم- (مسئلة) لا يجوز دفع الزكوة الى غنى ليس من الأصناف المذكورة اجماعا و اما الغنى من الأصناف المذكورة فقد مر الخلاف فيه و اختلفوا فى حد الغنى الذي لا يجوز له أخذ الزكوة فقال ابو حنيفة هو الذي يملك نصابا من اى مال كان و قال بعض العلماء من وجد ما يغد به و يغشيه لا يحل له الزكوة لقوله صلى اللّه عليه و سلم من سال و عنده ما يغنيه فانما يستكثر من النار و فى رواية من نار جهنم فقالوا يا رسول اللّه و ما يغنيه و فى رواية و ما الغناء الذي لا ينبغى معه المسألة قال قدر ما يغديه و يعشيه رواه ابو داود من حديث سهيل بن حنظله و صححه ابن حبان و قال بعضهم من ملك أربعين درهما لا يحل له الزكوة لحديث ابى سعيد الخدري قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من سال و له قيمة اوقية فقد الحف فقلت ناقتى الياقوتة هى خير من اوقية فرجعت فلم اساله زاد هشام و كانت الاوقية على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أربعين درهما رواه ابو داود و النسائي و حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من سال و له أربعون درهما فهو الملحف و قال بعضهم من ملك خمسين درهما لم يحل له الصدقة و هى رواية عن احمد و به قال إسحاق و ابو ثور لحديث ابن مسعود قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من سال و له ما يغنيه جاء يوم القيامة و خموش «١» او خدوش او كدوح فى وجهه فقيل يا رسول اللّه ما الغنى قال خمسون درهما او قيمتها من الذهب رواه ابو داود و النسائي و غيرهما و الحديث ضعيف و الجواب ان ما ذكرتم من الأحاديث يدل على حرمة السؤال لمن يجد ما يغديه و يعشيه او أربعين درهما او خمسين لا عدم جواز أخذ الزكوة بغير سوال و نحن نقول بان من يجد ما يكفيه فى وقته لا يحل له السؤال لكن لو أعطاه أحد صدقة بلا سوال جاز له أخذها لما فى الصحيحين من حديث عمر بن الخطاب قال كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يعطينى العطاء فاقول أعطه من هو أفقر منى فقال خذه إذا جاءك من هذا المال شى ء و أنت غير مشرف «٢» و لا سائل فخذه و مالا فلا تتبعه نفسك فان هذا الحديث يدل على ان عمر كان يجد ما يغديه و ما يعشيه و الا لكان هو أفقر الناس و قد امره رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بأخذ الصدقة من غير سوال و قال مالك و الشافعي و احمد الاعتبار فى حرمة الزكوة بالكفاية فله ان يأخذ مع عدمها و إن كان له قنطار و ليس له ان يأخذها مع وجودها و ان قل ماله فيكون الرجل غنيا بدرهم مع الكسب و قد لا يغنيه الف مع ضعفه و كثرة عياله و ذكر البغوي مذهب مالك و الشافعي ان يكون عنده ما يكفيه و عياله سنة لحديث فبيصة بن مخارق عن رسول (١) خموش خدوش كدوح بمعنى خراشها با اندك تفاوت ١٢. (٢) يقال أشرفت الشي ء و أشرفت عليه اى اطلعت عليه من فوق أراد ما جاءك منه و أنت غير متطلع لا طامع فيه ١٢. اللّه صلى اللّه عليه و سلم انه قال المسألة لا يحل الا لثلثة رجل تحمل حمالة قوم فسأل فيها حتى يوديها ثم يمسك و رجل أصابته جائحة «١» اجتاحت ماله فسأل فيها حتى يصيب قواما من عيش ثم يمسك و رجل أصابته فاقة حتى يقوم ثلثة من ذى الحجى من قومه لقد أصابت فلان فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحت يأكلها صاحبها سحتا رواه مسلم و حديث حسين بن على بن ابى طالب عليهما السلام قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم للسائل حق و ان جاء على الفرس رواه احمد و ابو داود و غيرهما وجه الاحتجاج ان الحديث الاول يدل على ان اباحة السؤال ينتهى بان يصيب قواما من عيش و هو الكفاية فمن كان له نكاية و لو لم يكن له أربعون درهما لا يحل له الصدقة و الحديث الثاني يدل على ان السائل و ان كان على فرس فله حق و لا شك ان ذلك مع الحاجة فظهر ان من كان له حاجة و كان له ما كان الف درهم مثلا جاز الا عطاء له و الجواب ان هذين الحديثين لا مساس لهما بالمدعى لان الحديث الاول فى اباحة السؤال و حرمته و حاصلة ان السؤال بلا حاجة حرام و مع الحاجة جايز فمن أصابته فاقة يسأل حتى يصيب قواما من عيش قلت و ذا بكفاية يوم و ليلة كما فى حديث سهيل بن حنظلة فاذا أصاب قواما من عيش لا يحل له المسألة و يحل له الصدقة ان اعطى بلا سوال لعموم قوله تعالى الصدقات للفقراء و اما الحديث الثاني ففى بيان حق السائل و قوله و لو جاء على الفرس محمول على المبالغة و ايضا الفرس قد يكون من حوائجه الاصلية إذا كان الرجل غازيا و قد يكون صاحب الفرس مديونا و قد لا يبلغه فرسه نصابا و بمثل هذه الدلالة مع ما ذكرنا من الاحتمالات لا يمكن ان يقال لجواز الإعطاء من الزكوة الغنى مع النصوص القاطعة على منعه و قال ابو حنيفة الغنى من لا يكون له نصابا فاضلا عن حوائجه الاصلية لحديث معاذ تأخذ من أغنيائهم و ترد على فقرائهم فانه يدل على ان من يردّ (١) جائحة آونة التي يهلك الثمار ١٢. عليه غير من يوخذ منه فثبت انه من يجب عليه الزكوة لا يجوز الدفع اليه غير انه لا فرق فى المال النامي و غير النامي فى المنع عن دفع الزكوة اليه لما ثبت فى حديث ابى سعيد و غيره ان الاوقية و ما يكون على قيمته حكمهما سواء و انما الفرق بينهما فى وجوب الزكوة لقوله عليه السلام ليس فى العوامل و لا فى الحوامل و لا فى العلوفة صدقة فظهر ان اللّه سبحانه جعل القدرة الميسرة شرط الوجوب الزكوة و انما شرطنا فى المنع من إعطاء الزكوة اليه كون النصاب فارغا عن حوائجه الاصلية لان النصاب المشغول بالحاجة كالمعدوم نظيره جواز التيمم مع وجود الماء المعد للعطش فجاز للمديون المالك للنصاب أخذ الزكوة إذا لم يكن نصابه فاضلا عن دينه و كذا الغازي و ابن السبيل و فرس يركبه يبلغ نصابا او عالم له كتب يحتاج إليها فى المطالعة و التدريس او رجل له بيت يبلغ نصابا يسكنه و هذا محمل قوله صلى اللّه عليه و سلم لا يحل الصدقة لغنى الا لخمسة الغازي فى سبيل اللّه و الغارم و ابن السبيل و اللّه اعلم- (مسئلة) الفقير إذا كان قادرا على الكفاية بالكسب يجوز دفع الزكوة اليه لعموم قوله تعالى انما الصدقات للفقراء و قال الشافعي و احمد لا يجوز لحديث ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا يحل الصدقة لغنى و لا لذى مرة سوى رواه احمد و النسائي و ابن ماجة و ابن حبان و الحاكم و رواه ابو داود و الترمذي و الحاكم من حديث عبد اللّه بن عمر بن العاص بسند حسن و رواه الدار قطنى فى العلل و ابو يعلى عن طلحة و حديث جابر قال جاءت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم صدقة فركبه الناس فقال ايها الناس لا يصلح لغنى و لا لصحيح سوى و لا نعامل قوى رواه احمد و الدار قطنى و حديث عبيد اللّه بن عدى ان رجلين أخبراه انهما أتيا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يسألانه من الصدقة فقلب فيهما البصر و رأهما جلدين فقال ان شئتما اعطيتكما و لا حظ فيها لغنى و لا لقوى مكتسب رواه احمد و ابو داود و نسائى و قال صاحب التنقيح حديث صحيح و قال احمد ما أجوده من حديث هو أحسنها اسنادا و فى الباب عن ابن عمر فى كامل ابن عدى و عن حبشى بن جنادة فى سنن الترمذي و رواه احمد من طريق ابى زميل عن رجل من بنى هلال به و عن عبد الرحمن فى الطبراني قلنا قوله صلى اللّه عليه و سلم ان شئتما اعطيتكما و لا حظ فيها لغنى صريح فى انه يجوز دفع الزكوة الى فقير قوى و الا لم يقل ان شيئتما اعطيتكما و لنا ايضا حديث عمر بن الخطاب قال كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يعطينى العطاء فاقول أعطه من هو أفقر اليه منى قال خذه إذا جاءك من هذا المال شى ء و أنت غير مشرف و لا سائل فخذه و مالا فلا تتبعه نفسك متفق عليه من حديث سالم عن ابن عمر عنه و فى رواية لمسلم خذه فتموله و تصدق به قال سالم فمن ذلك كان ابن عمر لا يسأل أحدا شيئا و لا يرد شيئا أعطيه فان قيل ان عطية النبي صلى اللّه عليه و سلم لعمر كان بسبب العمالة لا لاجل الفقر و لذا قال النبي صلى اللّه عليه و سلم خذه فتموله و تصدق به لما روى مسلم عن ابى حميد الساعدي انه قال استعملني عمر بن الخطاب على الصدقة فلما فرغت منها و أديتها اليه أمرني بعمالة فقلت انما عملت للّه اجرى على اللّه فقال خذ ما أعطيت فانى عملت على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فعملنى فقلت مثل قولك فقال لى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا أعطيت شيئا من غير ان تسأل فكل و تصدق قلت العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص الحادثة و اللفظ عام إذا جاءك من هذا المال شى ء و أنت غير مشرف و لا سائل فخذه و من تتبع الأحاديث ظهر له صراحة او دلالة ان النبي صلى اللّه عليه و سلم اعطى من سأل الصدقة و هو صحيح سوى روى مسلم من حديث انس قال كنت امشى مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و عليه رداء نجرانى غليظ الحاشية فادركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة نظرت الى صفحة عنق رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قد اثرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته ثم قال يا محمد مر لى من مال اللّه الذي عندك فالتفت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فضحك ثم امر له بعطاء قال الحافظ ابن حجر و اكثر أحاديث الباب شاهدة لذلك و قلت و ما ذكرنا من الأحاديث جملتها تدل على ان دفع الصدقة الى فقير قوى يجوز سواء سأل الفقير او لا يجوز له ان لم يكن بسوال لكن يكره له السؤال و الاخذ بالسؤال فنفى حل الصدقة فى قوله صلى اللّه عليه و سلم لا يحل الصدقة لذى مرة سوى يرجع الى نفى حل السؤال و نفى حل الصدقة التي تعطى بالسؤال و الظاهر ان الأحاديث التي ينفى الحل وردت فى حادثة السؤال و اللّه اعلم- (مسئلة) لم يكن الصدقة حلالا للنبى صلى اللّه عليه و سلم لا واجبة و لا نافلة عند اكثر الأئمة و حكى عن الشافعي فى التطوع قولان و كذا فى رواية احمد و الحجة للجمهور حديث انس قال مر النبي صلى اللّه عليه و سلم بتمرة فى الطريق فقال لو لا انى أخاف ان يكون من الصدقة لاكلتها متفق عليه و حديث ابى هريرة ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا اتى به بطعام سأل عنه أ هدية أم صدقة فان قيل صدقة قال لاصحابه كلوا و لم يأكل و ان قيل هدية ضرب بيده فاكله معهم متفق عليه و روى الطحاوي عن بهز بن حكيم عن أبيه عنجده نحوه و كذا لآل محمد صلى اللّه عليه و سلم لم يكن الصدقة حلال لحديث ابى هريرة قال أخذ الحسن بن على تمرة من تمر الصدقة فجعلها فى فيه فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم كخ كخ ليطرحها ثم قال اما شعرت انا لا ناكل الصدقة متفق عليه- (مسئلة) اختلفوا فى تحريم الصدقة على أقارب النبي صلى اللّه عليه و سلم بعد وفاته صلى اللّه عليه و سلم على اربعة اقوال الاول الجواز مطلقا فريضة كانت او نافلة و هى رواية عن ابى حنيفة و رواية عن مالك و هذا قول لا يصاعده دليل شرعى غير انهم يقولون ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم جعل خمس الخمس من الغنيمة لاقاربه عوضا عن الصدقة فلما سقط خمس الخمس بعد وفات رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم سقط حرمة الصدقة الثاني المنع مطلقا فريضة كانت او نافلة و به قال ابو يوسف و محمد و اختاره الطحاوي و ابن همام لعموم قوله صلى اللّه عليه و سلم انا آل محمد لا ناكل الصدقة و فى رواية لا يحل لنا الصدقة رواه مسلم و الطبراني و الطحاوي من حديث عبد الرحمن بن ابى ليلى و من حديث رشد بن مالك و كذا عند احمد و الطحاوي فى قصة الحسن بن على من حديث الحسن نفسه الثالث جواز الفريضة دون النافلة و لم يذهب اليه غير مالك يقول ان الواجب حق لازم لا يلحق بأخذه ذلة بخلاف التطوع و هذا القول مردود بما ذكرنا من الأحاديث الرابع جواز النافلة دون الفريضة و هو المشهور من مذهب ابى حنيفة و المصحح عند الشافعي و الحنابلة و رواية عن مالك فعن مالك اربعة اقوال كلها مشهور وجه هذا لقول ان الأحاديث المذكورة محمولة على الصدقة المفروضة و كذا حديث المطلب بن ربيعة بن الحارث قال اجتمع ربيعة و العباس بن عبد المطلب فقالا لو بعثنا هذين الغلامين لى و للفضل بن عباس الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يأمرهما على هذه الصدقة فاصابا مما يصيب الناس فقال على لا ترسلوهما فانطلقنا حتى دخلنا على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و هو يومئذ عند زينب بنت حجش فقلنا يا رسول اللّه قد بلغنا النكاح و أنت ابر الناس و أوصل الناس جئناك لتامرنا على هذه الصدقة فنؤدى إليك كما يؤدى الناس و نصيب كما يصيبون قال فسكت طويلا ثم قال ان الصدقة لا ينبغي لال محمد انما هى أوساخ الناس ادعو الى محمية بن جزء رجلا من بنى اسد كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يستعمله على الأخماس و نوفل بن الحارث بن عبد المطلب فقال لمحمية انكح هذا الغلام ابنتك للفضل «١» ابن العباس فانكحه و قال لنوفل بن الحارث انكح هذا الغلام ابنتك فانكحنى فقال لمحمية اصدق عنهما من الخمس كذا و كذا رواه مسلم و هذا الحديث يدل على انه لا يحل الصدقة للّهاشمى و إن كان عاملا على الصدقات على طريق العمالة ايضا فكيف إذا لم يكن عاملا لكن الحديث فى الصدقة المفروضة لانها هى التي كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يبعث الناس لاخذها و الدليل على جواز الصدقة ما رواه الطحاوي من حديث ابن عباس قال قدمت عير المدينة فاشترى منه النبي صلى اللّه عليه و سلم متاعا فباعه بربح أواق فضة فتصدق بها على أرامل بنى عبد المطلب ثم قال لا أعود ان اشترى بعدها شيئا و ليس ثمنه عندى و ما رواه (١) للفضل ابن العباس فانكحه و قال لنوفل بن الحارث انكح هذا الغلام ابنتك ١٢. الشافعي عن ابراهيم بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهم السلام انه كان يشرب من سقايات بين مكة و المدينة فقال أ تشرب من الصدقة قال انما حرم علينا الصدقة المفروضة و القول بان حكم صدقات الأوقاف خلاف حكم سائر الصدقات امر لا دليل عليه و ايضا لو كان كذلك لقال الامام حكم صدقات الأوقاف خلاف حكم سائر الصدقات و لم يقل كذلك بل قال انما حرم علينا الصدقة المفروضة و ما روى البخاري و غيره قوله صلى اللّه عليه و سلم لا تورث ما تركناه صدقة و قد كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يعطى اهل بيته فى حياته نفقة سنتهم و ما بقي يجعله مجعل مال اللّه و كذلك كان ابو بكر و عمرو على و عباس بعد وفات رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يعملون بما عمل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و ظهر انه ليس كل صدقة على بنى هاشم حراما- (مسئلة) لا يجوز للّهاشمى ان يأخذ الزكوة من الهاشمي عند اكثر الائمة و قال ابو يوسف جاز ذلك لان الصدقة انما حرم عليهم لانها من أوساخ الناس و المراد بالناس غيرهم فلا بأس لو أكلوا صدقات أنفسهم قلنا شرفهم يقتضى حرمة أوساخ الناس عليهم كلهم هاشميا كان او غيرهم مسئلة الذين يحرم عليهم الصدقة هم بنو هاشم خمسة بطون ال على و عباس و جعفر و عقيل و الحارث بن عبد المطلب عند ابى حنيفة و مالك و قال الشافعي بنو المطلب ايضا معهم حيث اشركهم النبي صلى اللّه عليه و سلم فى سهم ذوى القربى من الخمس كما ذكرنا من حديث جبير بن مطعم فى مسائل الخمس- (مسئلة) و يحرم الزكوة على مواليهم عند ابى حنيفة و محمد و هو الأصح من مذهب الشافعي و مالك و قال بعضهم لا يحرم على مواليهم و قال ابو يوسف لا يصرف غير بنى هاشم الى مواليهم لنا حديث ابى رافع ان النبي صلى اللّه عليه و سلم بعث رجلا من بنى مخزوم على الصدقة فقال لابى رافع الا تصحبنى فتصيب منها قال فقلت حتى اذكر ذلك لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فذكرت ذلك له فقال انا آل محمد لا يحل لنا الصدقة و ان مولى القوم منهم رواه احمد و ابو داود و الترمذي و النسائي و ابن حبان و الحاكم و رواه الطبراني من حديث ابن عباس و اسم الى رافع أرقم بن ابى الأرقم و اللّه اعلم- (مسئلة) يكره نقل الصدقة من بلد الى بلد آخر لقوله صلى اللّه عليه و سلم لمعاذ توخذ من أغنيائهم و ترد على فقرأهم و حكى عن عمر بن عبد العزيز انه رد صدقة حملت من خراسان الى الشام الى مكانها من خراسان قوله تعالى فَرِيضَةً مِنَ اللّه مصدر مؤكد لما دل عليه الآية اى فرض لهم الصدقات فريضة او حال من الضمير المستكن فى الفقراء وَ اللّه عَلِيمٌ بالمصلحة حَكِيمٌ (٦٠) فى القسمة يضع الأشياء فى مواضعها و اللّه اعلم- اخرج ابن ابى شيبة و ابن المنذر و ابن ابى حاتم و ابو الشيخ عن مجاهد و اخرج ابن ابى حاتم عن السدى قال اجتمع ناس من المنافقين فيهم خلاس بن سويد بن الصامت و مخشى بن حمير و وديعة بن ثابت فارادوا ان يقعوا فى النبي صلى اللّه عليه و سلم فنهى بعضهم بعضا و قالوا انا نخاف ان يبلغ محمدا فيقع لكم فقال بعضهم انما محمد اذن نحلف فيصدقنا قال الخلاس بل نقول ما شئنا ثم ناتيه و ننكو ما قلنا و تحلف فيصدقنا بما نقول فانما محمد اذن فانزل اللّه تعالى. ٦١ وَ مِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ اى يغتابونه و يتقولون حديثه و يقولون فيه ما لا ينبغى وَ يَقُولُونَ إذا نهوا عن ذلك لئلا يبلغه صلى اللّه عليه و سلم هُوَ يعنى النبي صلى اللّه عليه و سلم أُذُنٌ اى يسمع كل ما يقال له و يصدقه سمى بالجارحة للمبالغة كانه من فرط استماعه صار جملته فمعز الدولة للسماع كما يسمى الجاسوس عينا او تقديره ذو اذن سامعة او يقال اذن مشتق فعل من اذن اذنا إذا استمع و اخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس انه قال كان نبتل بن الحارث يأتي رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فيجلس اليه يسمع و ينقل حديثه الى المنافقين فانزل اللّه هذه الآية و قال محمد بن إسحاق كان نبتل رجلا ادلم ثائر «١» الراس احمر العينين اسفع الخدين مشوه الخلق و قد قال النبي صلى اللّه عليه و سلم من أحب ان ينظر الى الشيطان فينظر الى هذا و كان يتم حديث رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الى المنافقين فقيل له لا تفعل فقال انما محمد اذن فمن حدثه شيئا صدقه فنقول ما شئنا ثم ناتية و نحلف له فيصدقنا فانزل اللّه تعالى هذه الاية و قال اللّه تعالى فى جوابهم قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ قرأ العامة بالاضافة و هو كقولك رجل صدق يريد الجودة و الصلاح كانه قيل نعم هو اذن و لكن نعم الاذن هو او المعنى انه مستمع خير لكم و صلاح لا مستمع شر و فساد فيسمع عذر من اعتذر و لا يسمع الغيبة و النميمة و نحو ذلك قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم المؤمن عز كريم و الفاجر خبث ليئم رواه ابو داود و الترمذي و الحاكم و صححه عن ابى هريرة و يجوز ان يريد هو اذن فى الخير و الحق و فيما يجب سماعه و قبوله و ليس بإذن فى غير ذلك و قرا الأعمش و البرجمي عن ابى بكر اذن خير مرفوعين مئوفين على ان خير صفة اذن او خبر ثان يعنى ان يسمع منكم و يصدقكم خير لكم من ان يكذب قولكم ثم مدحه بقوله يُؤْمِنُ بِاللّه وَ يُؤْمِنُ اى يصدق (١) ثائر الراس اى منتشر شعر الراس من ثار الشي ء يثور إذا انتشر و ارتفع و مشوه الخلق قبيحة و منه شاهت الوجود اى قيمت السفع نوع السواد و ليس بالكثير ١٢. لِلْمُؤْمِنِينَ اى لن يظهر الايمان بناء على حسن الظن او المعنى يصدق المؤمنين المخلصين دون المنافقين لكن يقبل اعذارهم إعراضا عنهم عدى فعل الايمان بالباء الى اللّه لانه قصد ضد الكفر و باللام الى المؤمنين لانه قصد به التصديق لهم ضد تكذيبهم وَ رَحْمَةٌ قرأ حمزة بالجر عطفا على خير يعنى اذن خير و رحمة و الباقون بالرفع عطفا على اذن لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ يعنى لمن اظهر الايمان حيث يقبله و لا يكشف سره و فيه تنبيه على انه ليس يقبل قولكم جهلا يحالكم بل ترفقا و ترحما عليكم او المعنى رحمة للذين أمنوا منكم مخلصين حيث استنقذهم من الكفر الى الايمان و يشفع لهم فى الآخرة و يستنقذ من النار الى الجنة. وَ الَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّه لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٦١) لا يفيد لهم تسليم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قولهم و اعتذارهم قال مقاتل و الكلبي نزلت فى رهط من المنافقين تخلفوا عن غزوة تبوك فلما رجع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أتوه يعتذرون و يحلفون فانزل اللّه تعالى. ٦٢ يَحْلِفُونَ بِاللّه على معاذيرهم فيما قالوا و تخلفوا لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ عنهم و الخطاب للمومنين وَ اللّه وَ رَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ بالطاعة و الإخلاص و الضمير راجع الى اللّه تعالى لان إرضاء اللّه تعالى لا يتحقق بالايمان الكاذبة بل بالطاعة و الإخلاص فالتقدير و اللّه أحق ان يرضوه و الرسول كذلك و قيل الضمير راجع الى كل منهما و انما وحد الضمير لانه لا تفاوت بين رضاء اللّه و رضاء رسوله فكانهما فى حكم شى ء واحد و قيل الضمير راجع الى الرسول صلى اللّه عليه و سلم لان الكلام فى إيذاء الرسول و ارضائه إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ (٢٢) صدقا شرط حذف جزائه لما يدل عليه السياق يعنى إن كانوا مومنين صدقا فليرضوا اللّه و رسوله بالطاعة و الإخلاص لكنهم لم يرضوا اللّه و رسوله و لم يخلصوا ايمانهم. ٦٣ أَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ الضمير للشان مَنْ يُحادِدِ اللّه وَ رَسُولَهُ اى يخالف اللّه و رسوله بالمعصية و التخلف عن الغز و بعد الاستنفار مفاعلة من الحد بمعنى الجانب فان المخالف لاحد يكون فى جانب مغاير لجانبه فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فِيها «١» على حذف الخبر اى الحق ان له نار جهنم او على تكرير ان للتاكيد و يحتمل ان يكون معطوفا على انه و يكون الجواب محذوفا تقديره من يحادد اللّه و رسوله يهلك ذلِكَ اى دخول النار و الهلاك الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (٦٣) هذه الآية فى مقام التعليل لقوله اللّه و رسوله (١) عن يزيد بن هارون انه خطب ابو بكر الصديق فقال فى خطبته يوتى بعيد قد أنعم اللّه عليه و بسط له فى رزقه و أصح بدنه و قد كفر نعم ربه فوقف بين يدى اللّه فيقال له ماذا عملت ليومك هذا ما قدمت لنفسك فلا يجده قدم خيرا فيبكى حتى ينفذ الدموع ثم يعيرو يجزى ما ضيع من طاعة اللّه فينتجب حتى يسقط صدقاته على وجنتيه و كل واحد منهما فرسخ ثم يعير و يجزى حتى يقول يا رب ابعثني الى النار و ارخى من مقامى هذا و ذلك قوله تعالى و من يحادد اللّه و رسوله فان له نار جهنم الى الاية ١٢. [.....]. أحق ان يرضوه فان عدم إرضاء اللّه و مخالفته يفضى الى النار دون عدم إرضاء غيره و ما احسن قول الشاعر- ليتك تحلوا و الحيوة مريرة و ليتك ترضى و الأنام غضاب ليت الذي بينى و بينك عامر و بينى و بين العالمين خراب و ذكر البغوي قول قتادة و السدى ان قوله تعالى يحلفون باللّه لكم ليرضوكم نزلت فى جماعة من المنافقين فيهم خلاس بن سويد وقعوا فى النبي صلى اللّه عليه و سلم و قالوا ان كان ما يقول محمد حقا فنحن شر من الحمير و ذكر عامر بن قيس رضى اللّه عنه هذه المقالة عند رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و سنذكر القصة فيما بعد إنشاء اللّه. ٦٤ يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ يعنى المؤمنين بِما فِي قُلُوبِهِمْ اى قلوب المنافقين من الحسد و العداوة للمؤمنين و يهتك عليهم استارهم و يجوز ان يكون الضمائر للمنافقين فان النازل فيهم كالنازل عليهم من حيث انه مقرو و محتج به عليهم قال البغوي كانوا يقولون فيما بينهم و يستترون و يخافون الفضيحة بنزول القران فى شانهم و ذلك يدل على انهم كانوا مترددين فى امر الرسول صلى اللّه عليه و سلم و يحذرون الفضيحة على تقدير صدقه عليه السلام و قيل انه خبر بمعنى الأمر و المعنى ليحذر المنافقون ان تنزل عليهم سورة و قيل كانوا يقولون ذلك فيما بينهم استهزاء لقوله تعالى قُلِ اسْتَهْزِؤُا امر تهديد إِنَّ اللّه مُخْرِجٌ اى مظهر ما تَحْذَرُونَ (٦٤) اى ما تحذرونه من إنزال السورة فيكم او تحذرون إظهاره من مساويكم قال ابن عباس رضى اللّه عنهما انزل اللّه تعالى ذكر سبعين رجلا من المنافقين بأسمائهم و اسماء آبائهم ثم نسخ ذكر الأسماء رحمة على المؤمنين لئلا يعير بعضهم بعضا لان أولادهم كانوا مومنين قال البغوي نزلت هذه الآية فى اثنى عشر رجلا من المنافقين وقفوا لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم على العقبة لما رجع من غزوة تبوك ليفتكوا به إذا علاها فاخبر جبرئيل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم (قصّة) ذلك ما روى احمد عن ابى الطفيل و البيهقي عن حذيفه و ابن سعد عن جبير بن مطعم رضى اللّه عنهم و ابن ابى حاتم و ابو الشيخ عن الضحاك و البيهقي عن عروة و عن ابن إسحاق و محمد بن عمر عن شيوخه ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ببعض الطريق مكر به ناس من المنافقين و ائتمروا بينهم ان يطرحوه من عقبة فى الطريق و فى رواية اجمعوا ان يقتلوه فجعلوا يلتمسون غرته فلما أراد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان يسلك العقبة أرادوا ان يسلكوها معه قالوا إذا أخذ فى العقبة رفعناه عن راحلته فى الوادي فاخبر اللّه تعالى رسوله بمكرهم فلما بلغ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم تلك العقبة نادى مناديه للناس ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أخذ للعقبة فلا يأخذها واحد و اسلكوا بطن الوادي فانه أسهل لكم و أوسع فسلك الناس بطن الوادي الا النفر الذين مكروا برسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لما سمعوا ذلك استعدوا و تلثموا «١» و سلك رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم العقبة و امر عمار بن ياسر ان يأخذ بزمام الناقة و يقودها و امر حذيفة بن اليمان ان يسوق من خلفه فبينا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يسير فى العقبة إذ سمع حس القوم فدعسوه «٢» فنفروا ناقة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حتى سقط بعض متاعه و كان حمزة بن عمرو الأسلمي لحق برسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بالعقبة و كانت ليلة مظلمة قال حمزة فتور لى فى أصابعي الخمس و أضاءت حتى كنا نجمع ما سقط السوط و الحبل و اشباههما و امر حذيفة ان يردهم فرجع حذيفة إليهم و قد رأى غضب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و معه محجن فجعل يضرب وجوه رواحلهم و قال إليكم إليكم يا اعداء اللّه فعلم القوم ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قد اطلع على مكرهم فانحطوا من العقبة مسرعين حتى خالطوا الناس و اقبل حذيفة حتى اتى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال اضرب الراحلة يا حذيفة و امش أنت يا عمار فاسرعوا حتى استويا بأعلاها و خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من العقبة ينتظر الناس و قال لحذيفة هل عرفت أحدا من أولئك الذين رددتهم قال يا رسول اللّه قد عرفت رواحلهم كان القوم متلثمين فلم ابصرهم من أجل ظلمة الليل قال هل علمتم ما كان من شانهم و ما أرادوا قالوا لا و اللّه يا رسول اللّه قال فانهم مكروا ليسيروا معى فاذا طلعت العقبة (١) تلثموا اى شد الفم باللثام للغبار ١٢. (٢) الداعسه المطاعنة بالرماح ١٢. رهونى فطرحونى منها ان اللّه تعالى قد أخبرني بأسمائهم و اسماء آبائهم و مما خبركم بهم إنشاء اللّه تعالى قال أ فلا تأمرهم يا رسول اللّه إذا جاءك الناس ان تضرب أعناقهم قال اكره ان يتحدث الناس و يقولوا ان محمدا قد وضع يده فى أصحابه و ذكر البغوي بلفظ اكره ان يقول العرب لما ظفر بأصحابه اقبل يقتلهم بل يكفينا اللّه بالدبيلة «١» فسماهم لهما ثم قال اكتماهم فلما أصبح رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال له أسيد بن الحضير يا رسول اللّه ما منعك البارحة من سلوك الوادي فقد كان أسهل من العقبة فقال يا أبا يحى أ تدري ما أراد بي المنافقون و ما هموا به قالوا لتبعه فى العقبة فاذا اظلم الليل عليه قطعوا الشاع راحلتى و تحسوها حتى كادوا يطرحونى عن راحلتى قال أسيد يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قد اجتمع الناس و نزلوا فمر كل بطن ان يقتل الرجل الذي هم بهذا فيكون الرجل فى عشيرته هو الذي يقتله و ان أحببت و الذي بعثك بالحق فنبئنى فلا أبرح حتى آتيك برؤسهم قال يا أسيد انى اكره ان يقول الناس ان محمدا لما انقطعت الحرب بينه و بين المشركين وضع يده فى قتل أصحابه فقال يا رسول اللّه ليسوا باصحاب فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أ ليس يظهرون شهادة ان لا اله الا اللّه قال بلى و لا شهادة لهم قال فعديت عن قتل أولئك قال ابن إسحاق فلما أصبح رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال لحذيفة ادع عبد اللّه بن سعد بن ابى السرج و أبا حاضر الاعرابى و عامر أبا عامر و الحلاس بن سويد بن الصامت و هو الذي قال لا ننتهى حتى نرمى محمدا من العقبة الليلة و لئن كان محمد و أصحابه خيرا منا انّا إذا الغنم و هو الراعي و لا عقل لنا و هو العاقل و امره ان يدعوا مجمع بن حارثة و مليح التيمي و هو الذي سرق طيب الكعبة و ارتد عن الإسلام فانطلق هاربا فى الأرض فلا يدرى اين ذهب و امره ان يدعوا حيصر بن نمير الذي أغار على تمر الصدقة فسرقه فقال له رسول (١) هى دمل كبير يظهر فى الجوف تقتل صاحبها غالبا ١٢. اللّه صلى اللّه عليه و سلم ويحك ما حملك على هذا قال حملنى عليه انى أظن ان اللّه لا يطلعك عليه فاما إذا اطلعك اللّه عليه فانى اشهد اليوم انك لرسول اللّه صلى اللّه و انى لم او من بك قبل الساعة فعفا عنه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بقوله الذي قال و امر حذيفة ان يأتيه بطعمة ابن أبيرق و عبد اللّه بن عيينة و هو الذي قال لاصحابه اسهروا هذه اللية تسلموا الدهر كله فو اللّه مالكم امر دون ان يقتلوا هذا الرجل فدعاه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال ويحك ما كان ينفعك من قتلى لوانى قتلت فقال عدو اللّه يا نبى اللّه و اللّه ما نزال بخير ما اعطاك اللّه النصر على عدوك انما نحن باللّه و بك فتركه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و قال لحذيفة ادع مرة بن الربيع و هو الذي ضرب بيده على عاتق عبد اللّه بن ابى ثم قال تمطى او قال تميطى و النعيم لنا من بعده كائن تقتل الواحد المفرد فيكون الناس عامة عامة بقتله مطمئنين فدعاه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال ويحك ما حملك ان تقول الذي قلت فقال يا رسول اللّه ان كنت قلت شيئا من ذلك انك العالم به و و ما قلت شيئا من ذلك فجمعهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و هم اثنى عشر رجلا الذين حاربو اللّه و رسوله صلى اللّه عليه و سلم و أرادوا قتله فاخبرهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بقولهم و منطقهم و سرهم و علانيتهم و اطلع اللّه نبيه صلى اللّه عليه و سلم على ذلك بعلمه و ذلك قوله تعالى و هموا بما لم ينالوا و مات الاثنا عشر منافقين محاربين اللّه و رسوله صلى اللّه عليه و سلم قال حذيفة فيما رواه البيهقي و دعا عليهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال اللّهم ارمهم بالدبيلة قال شهاب من نار يقع على نياط «١» قلب أحدهم فيهلك و روى مسلم عنه ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال فى أصحابي اثنا عشر رجلا منافقا لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل فى سلم الخياط ثمانية تكفيهم الدبيلة سراج من نار يظهر بين أكتافهم حتى ينجم من صدورهم قال البيهقي و روينا عن حذيفة انهم كانوا اربعة عشر او خمسة عشر و هذه القصة وقعت فى مرجعه صلى اللّه عليه و سلم من تبوك الى المدينة قال اللّه تعالى. (١) نياط القلب هو عرق به علق القلب من الوتين إذا قطع مات صاحبه ١٢. ٦٥ وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لام قسم اى و اللّه لئن سالتهم عن استهزائهم بك و بالقرآن و هم سائرون معك فى غزوة تبوك لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَ نَلْعَبُ قُلْ أَ بِاللّه وَ آياتِهِ وَ رَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ (٦٥) يعنى قل ذلك توبيخا على استهزائهم بمن لا يصح الاستهزاء به و إلزاما للحجة عليهم و لا تعبا باعتذارهم الكاذب فجعلوا كانهم معترفون باستهزائهم حتى وبخوا بأخطائهم موضع الاستهزاء حيث جعل المستهزأ به يلى حرف التقرير و ذلك يكون بعد ثبوت الاستهزاء كذا قالوا قلت قولهم انما كنا نخوض و نلعب اعتراف منهم بالاستهزاء و معناه كنا نقول ما يفهم منه الاستهزاء لقطع مسافة الطريق على سبيل اللعب لا على قصد الاستهزاء اخرج ابن ابى حاتم عن ابن عمر قال قال رجل فى غزوة تبوك فى مجلس ما راينا مثل قراينا هؤلاء لا ارغب بطونا و لا أكذب ألسنة و لا اجبن عند اللقاء فقال له رجل كذبت و لكنك منافق لا خبرك رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فبلغ ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و نزل القرآن قال ابن عمرو انا رأيته متعلقا بحقب نافة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و الحجارة تنكيه و هو يقول انما «١» كنا نخوض و نلعب و رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول ا باللّه و آياته و رسوله كنتم تستهزؤن ثم أخرجه من وجه آخر عن ابن عمر نحوه و سمى الرجل عبد اللّه بن ابى كذا ذكر البغوي عن عمر رضى اللّه عنه و اخرج ابن جرير عن قتادة ان ناسا من المنافقين قالوا فى غزوة تبوك يرجوا هذا الرجل ان يفتح قصور الشام و حصونها هيهات فاطلع اللّه نبيه صلى اللّه عليه و سلم على ذلك فاتاهم فقال قلتم كذا و كذا قالوا انما كنا نخوض و نلعب فنزلت قال البغوي سبب نزول هذه الاية على ما قال الكلبي و مقاتل و قتادة ان النبي صلى اللّه عليه و سلم كان يسير فى غزوة تبوك و بين يديه ثلثة نفر من المنافقين اثنان يستهزءان بالقرآن و الرسول صلى اللّه عليه و سلم و الثالث يضحك قيل كانوا يقولون ان محمدا يزعم انه يغلب الروم و يفتح مداينهم و ما أبعده من ذلك و قيل كانوا يقولون ان محمدا يزعم انه نزل فى أصحابنا المقيمين فى المدينة قرآن و انما هو قوله و كلامه فاطلع اللّه نبيه صلى اللّه عليه و سلم على ذلك فقال احبسوا علىّ الركب فدعاهم فقال لهم قلتم كذا و كذا فقالوا انما كنا نخوض و نلعب اى كنا نتحدث و نخوض فى الكلام كما يفعل الركب يقطع (١) عن شريح بن عبيد ان رجلا قال لابى الدرداء يا معشر القراء ما بالكم اجبن منا و أبخل إذا سئلتم و أعظم لقما إذا أكلتم فاعرض عنه ابو الدرداء و لم يرد شيئا فاخبر بذلك عمر بن الخطاب فانطلق عمر الى الرجل الذي قال ذلك فقال بثوبه و خنقه و قاده الى النبي صلى اللّه عليه و سلم قال الرجل انما كنا نخوض و نلعب فاوحى اللّه الى نبيه صلى اللّه عليه و سلم و لين سالتهم ليقولن انما كنا نخوض و نلعب ١٢. الطريق بالحديث و اللعب و هذه القصة وقعت فى رواحه صلى اللّه عليه و سلم من المدينة الى تبوك و قال محمد بن إسحاق و محمد بن عمر كان رهط من المنافقين يسيرون مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الى تبوك لم يخرجوا الا رجاء الغنيمة منهم وديعة بن ثابت أخو بنى عمرو بن عوف و الجلاس بن الصامت و مخشى بن حمير من أشجع حليف لبنى سلمة زاد محمد بن عمرو ثعلبة بن حاطب فقال بعضهم بعضا مكانى بكم غدا مقرنين فى الجبال ارجافا برسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و ترصيبا للمومنين و قال الجلاس بن عمرو كان زوج أم عمير و كان ابنها عمير فى حجره و اللّه لئن كان محمد صادقا لنحن شر من الحمير فقال عمير و أنت شر من الحمير و رسول اللّه الصادق و أنت الكاذب فقال مخشى بن حمير و اللّه لوددت انى اقاضى على ان يضرب كل رجل منا «١» مائة جلدة و اننا ننقلب من ان ينزل فينا قرآن لمقالتكم هذه فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لعمار بن ياسر أدرك القوم فانهم قد احترقوا فاسألهم عما قالوا فان أنكروا فقل بلى قلتم كذا و كذا فانطلق عمار إليهم فقال لهم ذلك فاتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يعتذرون اليه فقال وديعة بن ثابت و قد أخذ حقب ناقة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و رجلاه تنسفان الحجارة و رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم على ناقته و هو يقول يا رسول اللّه انما كنا نخوض و نلعب فانزل اللّه فيهم و لئن سالتهم ليقولون انما كنا نخوض و نلعب قل أبا للّه و آياته و رسوله كنتم تستهزءون. (١) يعنى جلد كل منا مأته و لا ينزل فينا قرآن يفضحنا ١٢. ٦٦ لا تَعْتَذِرُوا اى لا تشتغلوا باعتذاراتكم الكاذبة فانها معلومة الكذب قَدْ كَفَرْتُمْ اى أظهرتم الكفر بايذاء الرسول و الطعن فيه بَعْدَ إِيمانِكُمْ اى اظهاركم الايمان إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ لتوبتهم و إخلاصهم قال محمد بن إسحاق الذي عفى عنه رجل واحد و هو مخشى بن حمير الأشجعي فقال هو الذي كان يضحك و لا يخوض و كان يمشى مجانبا لهم و ينكر بعض ما يسمع فلما نزلت هذه الآيات تاب من نفاقه قال اللّهم لا أزال اسمع آية تقربها عينى و تقشعر منها الجلود و تجب منها القلوب اللّهم اجعل وفاتي قتلا فى سبيلك لا يقول أحد انا غسلت انا دفنت فاصيب يوم اليمامة فما أحد من المسلمين الا عرف مصرعه غيره و قال مخشى يا رسول اللّه فعدلى اسمى و اسم ابى فسماه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عبد الرحمن او عبد اللّه نُعَذِّبْ طائِفَةً قرأ عاصم نعف بفتح النون و ضم الفاء و تعذب بضم النون و كسر الذال على صيغة المتكلم المبنى للفاعل و طائفة بالنصب و الباقون بالياء المضمومة و فتح الفاء فى الاول و بالتاء الفوقانية و فتح الذال فى الثاني على صيغة الغائب المبنى للمفعول و طائفة بالرفع بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ (٦٦) بالإصرار على النفاق و إيذاء الرسول و الاستهزاء. ٦٧ الْمُنافِقُونَ وَ الْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ جنس بَعْضٍ فى الشرك و النفاق و البعد عن الايمان و فيه تكذيب لحلفهم باللّه انهم لمنكم و تقرير لقوله و ما هم منكم و ما بعده كالدليل عليه فانه يدل على مضادة حالهم لحال المؤمنين و تشابه حال بعضهم لبعض يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ اى بالشرك و المعصية وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ اى عن الايمان و الطاعة يقولون لا تنفروا فى الحر وَ يَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ عن الانفاق فى سبيل اللّه و قبض اليد كناية عن الشح نَسُوا اللّه كانهم لا يعلمون لهم خالقا يسألهم عما يفعلون و غفلوا عن ذكره و تركوا طاعته فَنَسِيَهُمْ فتركهم اللّه من توفيقه و هداية فى الدنيا و رحمته فى الآخرة و تركهم فى عذابه إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٦٧) الخارجون عن دائرة الايمان و الطاعة بالكلية. ٦٨ وَعَدَ اللّه الْمُنافِقِينَ وَ الْمُنافِقاتِ وَ الْكُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها اى مقدرة الخلود هِيَ اى النار حَسْبُهُمْ عقابا و جزاء على كفرهم و نفاقهم ان يعذبوا فى الدنيا فيه دليل على عظم عذابها و انه بحيث لا يزاد عليه وَ لَعَنَهُمُ اللّه و ابعدهم من رحمة و أهانهم وَ لَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ (٦٨) دائم لا يقطع و المراد به ما وعدهم فى الآخرة او ما معهم فى الدنيا و هو ما يقاسونه من تعب النفاق و الظاهر المخالف للباطن خوفا من المسلمين و ما يحذرونه ابدا من الفضيحة و نزول العذاب ان اطلع على أسرارهم. ٦٩ كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ الكاف محلها رفع خير لمبتدأ محذوف اى أنتم ايها المنافقون مثل الذين كانوا من قبلكم من كفار الأمم الماضية او نصب على المصدرية تقديره نعلتم ايها المنافقون فعلا مثل فعل الذين كانوا من قبلكم من العدول عن امر اللّه فلعنتم كما لعنوا كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً بطشا و منعة وَ أَكْثَرَ أَمْوالًا وَ أَوْلاداً بيان لتشبههم بهم و تمثيل حالهم بحالهم فَاسْتَمْتَعُوا يعنى فتمتعوا و انتفعوا بِخَلاقِهِمْ اى بنصيبهم من الدنيا و لذاتها و اشتقاقه من الخلق بمعنى التقدير فان الخلاق ما قدر لصاحبه فَاسْتَمْتَعْتُمْ ايها المنافقون بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ ذم الأولين باستمتاعهم بالحظوظ الدنية الفانية الغير المرضية للّه تعالى معرضين عن تحصيل لذائر الباقية القوية المرضية تمهيدا الذم المخاطبين بمشابهتهم و اقتفاء آثارهم وَ خُضْتُمْ اى دخلتم فى الباطل و اللّهو كَالَّذِي خاضُوا يعنى كالخوض الذي خاضوا او كالفوج الذي خاضوا أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ لم يستحقوا عليها ثوابا فى الدارين وَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٦٩) الذين خسروا الدنيا و الآخرة يعنى كما حبطت أعمالهم و خسروا كذلك حبطت أعمالكم و خسرتم عن ابى سعيد الخدري عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبرا شبرا و ذراعا ذراعا حتى لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم قلنا يا رسول اللّه اليهود و النصارى قال فمن و فى رواية ابى هريرة فهل الناس الا هم رواه البخاري و روى الحاكم عن ابن عباس عنه صلى اللّه عليه و سلم لتركبن سنن من قبلكم شبرا بشبر ذراعا بذراع حتى لو ان أحدهم دخل حجر ضب لدخلتم و لو ان أحدهم جامع امرأته بالطريق لفعلتموه قال البغوي قال ابن مسعود أنتم أشبه الأمم ببني إسرائيل سمتا و هديا تتبعون عملهم حذو القدة بالقدة غير انى لا أدرى أ تعبدون العجل أم لا قوله تعالى. ٧٠ أَ لَمْ يَأْتِهِمْ يعنى المنافقين التفات من الخطاب الى الغيبة نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ انهم عصوا رسلنا و خالفوا أمرنا فعذبناهم و أهلكناهم ثم ذكرهم فقال قَوْمِ نُوحٍ مع ما عطف عليه بدل من الموصول يعنى اهلكوا بالطوفان لكفرهم وَ عادٍ اهلكوا بالريح وَ ثَمُودَ اهلكوا بالرجفة وَ قَوْمِ إِبْراهِيمَ بسلب النعمة و إهلاك نمرود بنملة و إهلاك أصحابه وَ أَصْحابِ مَدْيَنَ قوم شعيب اهلكوا بالنار يوم الظلة وَ الْمُؤْتَفِكاتِ قريات قوم لوط ايتفكت بهم اى انقلبت فصار عاليها سافلها و امطروا حجارة من سجيل أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ بالمعجزات الظاهرة فكذبوهم فاهلكوا فَما كانَ اللّه لِيَظْلِمَهُمْ اى لم يكن عادة اللّه ان يعذبهم بلا جرم منهم وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٧٠) حيث كذبوا الرسل و عصوهم كما فعلتم فاخذناهم بالعذاب فاحذروا ان ينزل بكم مثل ما نزل بهم. ٧١ وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يؤيد بعضهم بعضا فى طاعة اللّه و إعلاء دينه يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ بالايمان و الطاعة وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ عن الشرك و النفاق و معصية الرسول و اتباع الشهوات وَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ يُطِيعُونَ اللّه وَ رَسُولَهُ فى كل ما أمروا به أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّه لا محالة فان السين موكدة للوقوع إِنَّ اللّه عَزِيزٌ غالب على كل شى ء لا يمتنع عنه امر حَكِيمٌ (٧١) يضع الأشياء مواضعها. ٧٢ وَعَدَ اللّه الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَ مَساكِنَ طَيِّبَةً يطيب فيها العيش او يستطيبها النفس فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ قيل معناه اقامة و خلود يقال عدن بالمكان إذا قام به قال صاحب المدارك عدن علم بدليل قوله تعالى جنات عدن التي وعد الرحمن و قد عرفت ان كلمة الذي و التي وضعتا لوصفت المعارف بالجمل فهى مدينة فى الجنة قلت يؤيد كونه علما ما اخرج ابن المبارك و الطبراني و ابو الشيخ عن عمران بن حصين و ابى هريرة رضى اللّه عنهما قال سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن هذه الآية و مساكن طيبة فى جنات عدن قال قصر من لؤلؤ فى ذلك القصر سبعون دارا من ياقوتة حمراء فى كل دار سبعون بيتا من زمرد خضراء فى كل بيت سرير على كل سرير سبعون فراشا من كل لون على كل فراش زوجة من الحور العين فى كل بيت سبعون مائدة على كل مائدة سبعون لونا من الطعام فى كل بيت سبعون وصيفا و وصيفة و يعطى المؤمن كل غداة من القوة ما يأتي على ذلك كله اجمع و اخرج ابو الشيخ فى كتاب العظمة عن ابن عمر قال خلق اللّه تبارك و تعالى أربعا بيده العرش و عدن و القلم و آدم ثم قال لكل شى ء كن فكان و اخرج البراز و ابن جرير و الدار قطنى فى الموتلف و المختلف و ابن مردوية من حديث ابى الدرداء قوله صلى اللّه عليه و سلم عدن دار اللّه التي لم ترها عين و لم يخطر على قلب بشر لا يسكنها غير ثلثة النبيين و الصديقين و الشهداء يقول اللّه طوبى لمن دخلك و فى الصحيحين عن ابى موسى الأشعري قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم جنتان من فضة آنيتهما و ما فيهما و جنتان من ذهب آنيتهما و ما فيهما و ما بين القوم و بين ان ينظروا الى ربهم الا رداء الكبرياء على وجهه فى جنة عدن و اخرج احمد و الطيالسي و البيهقي هذا الحديث بلفظ جنات الفردوس اربع جنتان من ذهب الحديث قال البيهقي فى قوله رداء الكبرياء استتاره بصفة الكبرياء و العظمة لانه لكبريائه و عظمته لا يراه أحد من خلقه الا باذنه قال البغوي قال ابن مسعود هى يعنى جنات عدن بطنان الجنة اى وسطها و قال عبد اللّه بن عمرو بن عمرو بن العاص ان فى الجنة قصرا يقال له عدن حوله البروج و المروج «١» له خمسة آلاف باب لا يدخله الا نبى او صديق او شهيد و قال الحسن قصر من ذهب لا يدخله الا نبى او صديق او شهيد او حكم عدل و قال عطاء ابن السائب عدن نهر فى الجنة جنانه على حافيته و قال مقاتل و الكلبي عدن أعلى درجة فى الجنة و فيها عين التسنيم و الجنان حولها محدقة بها و هى مغطاه من حين خلقها اللّه تعالى حتى ينزلها أهلها الأنبياء و الصديقون و الشهداء و الصالحون و من شاء اللّه تعالى و فيها قصور الدر و الياقوت و الذهب فتهب ريح طيبة من تحت العرش فيدخل عليهم كثائب «٢» المسك الأبيض قال القرطبي قيل الجنان سبع دار الخلد و دار الجلال و دار السلام و جنة عدن و جنة المأوى و جنة نعيم و الفردوس و قيل اربع فقط لحديث ابى موسى فانه لم يذكر فيه سوى اربع كلها يوصف بالمأوى و خلد و عدن و السلام و هذا ما اختاره الحكيم فقال ان الجنتين للمقربين و الجنتين الأخريين لاصحاب اليمين و فى كل جنة درجات و منازل و أبواب و مرجع العطف فى الاية يحتمل ان يكون الى تعدد الموعود لكل واحد او للجميع على سبيل التوزيع او الى تغائر وصفه كانه وصفه اولا بانه من جنس ما هو ابهى الأماكن يعرفونها ليميل (١) المرج الأرض الواسعة إنبات كثير تمرج فيها الدواب اى تخلى و يشرح مختلطه كيف شاءت و اصل ...المرج الخلطة ١٢. (٢) كثائب جمع كثيب و هو الرمل المستطيل المحدودب ١٢. اليه طباعهم أول ما يقرع أسماعهم ثم وصفه بانه محفوف بطيب العيش معرى عن شوائب الكدورات التي لا يخلوا عن شى ء منها أماكن الدنيا و فيها ما تشتهى الا نفس و تلذ الأعين ثم وصفه بانه دار اقامة و ثبات فى جوار العليين لا يعتريهم فيها فناء و لا تغير ثم وعدهم بما هو اكبر من ذلك فقال وَ رِضْوانٌ مِنَ اللّه اى شى ء من رضوان اللّه أَكْبَرُ نعمة من سائر النعم فى الصحيحين عن ابى سعيد الخدري قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان اللّه تعالى يقول لاهل الجنة يا اهل الجنة فيقولون لبيك ربنا و سعديك فيقول هل رضيتم فيقولون و ما لنا لا ترضى و قد أعطيتنا ما لم ... تعط أحدا من خلقك «١» فقال انا أعطيتكم أفضل من ذلك قالوا و ما أفضل من ذلك فيقول أحل عليكم رضوانى فلا أسخط عليكم ابدا و اخرج الطبراني فى الأوسط ... و صححه عن جابر يرفعه إذا دخل اهل الجنة الجنة قال اللّه تعالى هل تسألون شيئا فازيدكم قالوا يا ربنا فما خير مما أعطيتنا قال رضوان من اللّه اكبر ذلِكَ الرضوان او جميع ما تقدم هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٧٢) الذي يستحقر دونه ما سواه. (١) الظاهر ان المراد من الخلق فى قوله أعطيتنا ما لم يعط أحدا من خلقك الملائكة إذ لا يجوز ان ير أحد التفصيل على اهل النار من الانس و الجن و لا على ما لا يعقل و اللّه اعلم منه. ٧٣ يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ بالسيف وَ الْمُنافِقِينَ قال ابن عباس و الضحاك يعنى باللسان و ترك الرفق و تغليظ الكلام و قال الحسن و قتادة بإقامته الحدود و قال ابن مسعود يجاهدهم بيده فان لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه و قال لا يلقى المنافق الا بوجه مكفهر وَ اغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَ مَأْواهُمْ فى الآخرة جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ (٧٣) هى قال عطاء نسخت هذه الآية كل شى ء من العفو و الصفح و اللّه تعالى اعلم- اخرج ابن جرير عن ابن عباس قال كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم جالسا فى ظل شجرة فقال انه سياتيكم انسان ينظر بعينين شيطان فطلع رجل ازرق فدعاه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال علام تشتمنى أنت و أصحابك فانطلق الرجل فجاء بأصحابه فحلفوا باللّه ما قالوا حتى تجاوز عنهم فانزل اللّه تعالى. ٧٤ يَحْلِفُونَ بِاللّه ما قالُوا و اخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس قال كان الجلاس بن سويد بن الصامت ممن تخلف عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى غزوة تبوك و قال لئن كان هذا الرجل صادقا لنحن شر من الحمير فرفع عمير بن سعد ذلك الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فحلف باللّه ما قلت فانزل هذه الاية فزعموا انه تاب و حسنت توبته ثم اخرج عن كعب بن مالك نحوه و كذا اخرج ابن إسحاق عنه و اخرج ابن سعد فى الطبقات نحوه عن عروة و كذا ذكر البغوي قول الكلبي قال نزلت فى جلاس بن سويد و ذلك ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم خطب ذات يوم بتبوك فذكر المنافقين فسماهم رجسا و عابهم فقال جلاس لئن كان محمد صادقا لنحن شر من الحمير فسمعه عامر بن قيس فقال أجل ان محمدا صلى اللّه عليه و سلم لصادق و أنتم شر من الحمير فلما انصرف رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الى المدينة أتاه عامر بن قيس فاخبره بما قال الجلاس فقال الجلاس كذب يا رسول اللّه علىّ فامرهما رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان يحلفا عند المنبر فقام الجلاس عند المنبر بعد العصر فحلف باللّه الذي لا اله الا هو ما قاله و لقد كذب علىّ عامر ثم قام عامر فحلف باللّه الذي لا اله الا هو لقد قاله و ما كذبت عليه ثم رفع عامر يديه الى السماء و قال اللّهم انزل على نبيك الصادق منا الصدق فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و المؤمنون أمين فنزل جبرئيل عليه السلام قبل ان يتفرقا بهذه الآية حتى بلغ فان يتوبوا يك خيرا لهم فقام الجلاس فقال يا رسول اللّه اسمع اللّه قد عرض علىّ التوبة صدق عامر بن قيس فيما قاله لقد قلته و انا استغفر اللّه و أتوب اليه فقبل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ذلك منه ثم تاب و حسنت توبته و اخرج ابن ابى حاتم عن انس بن مالك قال سمع زيد بن أرقم رجلا من المنافقين يقول و النبي صلى اللّه عليه و سلم يخطب ان كان هذا صادقا لنحن شر من الحمير فرفع ذلك الى النبي صلى اللّه عليه و سلم فجحد القائل فانزل اللّه هذه الاية و اخرج ابن جرير عن قتادة قال ذكر لنا ان رجلين أحدهما من جهينة و الآخر من غفار و كانت جهينة حلفاء الأنصار و ظهر الغفاري على الجهني فقال عبد اللّه بن ابى الأوس انصروا أخاكم فو اللّه ما مثلنا و مثل محمد الا كما قال القائل سمن كلبك يا ذلك لئن رجعنا الى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل فسعى رجل من المسلمين الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فارسل اليه فسأله فجعل يحلف باللّه ما قال فانزل اللّه تعالى يحلفون باللّه ما قالوا الآية و هذه قصة غزوة بنى المصطلق و قد ذكرنا القصة فى سورة المنافقين وَ لَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ قيل هى سب النبي صلى اللّه عليه و سلم و قيل هى قول الجلاس لان كان محمد صادقا لنحن شر الحمير و قيل قولهم لئن رجعنا الى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل وَ كَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ اى أظهروا الكفر بعد ما أظهروا الإسلام وَ هَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا قيل هم اثنا عشر رجلا من المنافقين وقفوا على العقبة فى طريق تبوك ليفتكوا «١» برسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فجاء جبرئيل و امره ان يرسل إليهم من يضرب رواحلهم فارسل حذيفة لذلك و قد مر القصة و اخرج الطبراني عن ابن عباس قال همّ رجل يقال له الأسود بقتل النبي صلى اللّه عليه و سلم فنزلت هذه الاية و قال مجاهد همّ المنافقون بقتل المسلم الذي سمع قولهم لنحن شر من الحمير كيلا يفشيه و قيل هموا بإخراج الرسول صلى اللّه عليه و سلم و المؤمنين من المدينة فى قصة غزوة بنى المصطلق و قال السدى قالوا إذا قدمنا المدينة عقدنا على راس عبد اللّه بن ابى تاجا فلم يصلوا اليه وَ ما نَقَمُوا اى ما كرهوا و ما وجدوا ما يورث نقمتهم و يقتضى انتقامهم شيئا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللّه وَ رَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ يعنى الا الإحسان بهم و ذلك شى ء محبوب عند القلوب يوجب المحبة و الانقياد دون العداوة و الانتقام و الجملة حال من فاعل هموا بيان لكمال شرهم و خبثهم حيث أساءوا فى مقابلة الإحسان اخرج ابن جرير و ابو الشيخ عن عكرمة ان مولى بن عدى بن كعب قتل رجلا من الأنصار فقضى النبي صلى اللّه عليه و سلم بالدية اثنى عشر (١) الفتك ان يأتي الرجل حاجته و هو غافل فيقتله ١٢. الفا قال البغوي مولى الجلاس قتل فامر له رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بدية اثنى عشر الفا فاستغنى و فيه نزلت هذه الآية و قال الكلبي كان اهل المدينة قبل قدوم النبي صلى اللّه عليه و سلم المدينة فى ضنك من العيش فلما قدم عليهم النبي صلى اللّه عليه و سلم استغنوا بالغنائم فَإِنْ يَتُوبُوا من نفاقهم و كفرهم يَكُ ذلك التوب خَيْراً لَهُمْ قد مر ان هذه الاية حمل الجلاس على التوبة وَ إِنْ يَتَوَلَّوْا اى يعرضوا عن التوبة و الإخلاص يُعَذِّبْهُمُ اللّه عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا بالخزي و الفضيحة او القتل وَ الْآخِرَةِ بالنار وَ ما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَ لا نَصِيرٍ (٧٤) حتى ينجيهم من القتل و الخزي روى البغوي بسنده و كذا ابن جرير و ابن ابى حاتم و ابن مردوية و الطبراني و البيهقي فى شعب الايمان عن ابى امامة الباهلي قال جاء ثعلبة بن حاطب الأنصاري الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال يا رسول اللّه ادع اللّه ان يرزقنى مالا فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ا ما لك فى رسول اللّه أسوة حسنة و الذي نفسى بيده لو أردت ان تسير الجبال معى ذهبا لساوت ثم أتاه بعد ذلك فقال يا رسول اللّه ادع اللّه ان يرزقنى مالا و الذي بعثك بالحق نبيا لان رزقنى اللّه مالا لاعطين كل ذى حق حقه فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اللّهم ارزق ثعلبة مالا قال فاتخذ غنما فنمت كما ينموا الدود فضاقت عليه المدينة فتنحى عنها فنزلت واديا من أوديتها و هى تنموا كما ينموا الدود و كان يصلى مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الظهر و العصر و يصلى فى غنمه سائر الصلوات ثم كثرت و نمت حتى تباعد عن المدينة فصار لا يشهد الا الجمعة ثم كثرت و نمت فتباعد ايضا حتى كان لا يشهد جمعة و لا جماعة فكان إذا كان يوم الجمعة يخرج يتلقى الناس يسألهم عن الاخبار فذكره رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ذات يوم فقال ما فعل ثعلبة قالوا يا رسول اللّه اتخذ ثعلبة غنما يسعها واد فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يا ويح «١» ثعلبة يا ويح ثعلبة يا ويح ثعلبة فانزل اللّه تعالى آية الصدقات فبعث رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم رجلا من بنى سليم رجلا من جهينة و كتب لهما أسنان الصدقة و كيف يأخذان و قال لهما مرا بثعلبة بن حاطب و برجل من بنى سليم فخذا صدقاتهما فخرجا حتى أتيا ثعلبة فسالاه الصدقة و أقرأه كتاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال ما هذه الا جزية ما هذه الا اخت الجزية انطلقا حتى تفرغا ثم عودا الى فانطلقا و سمع بهما السلمى فنظر الى خيار أسنان ابله فعزها للصدقة ثم استقبلهما بها فلما راؤها قالوا ما هذا عليك قال خذاه فان نفسى بذاك طيبة فمرا على الناس و أخذا الصدقات ثم رجعا الى ثعلبة فقال أروني كتابكما فقرأه فقال ما هذه الا جزية ما هذه الا اخت الجزية اذهبا حتى ارى رأيى قال فاقبلا فلما راهما رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قبل ان يكلماه قال يا ويح ثعلبة يا ويح ثعلبة يا ويح ثعلبة ثم دعا للسلمى بخير فاخبراه بالذي صنع ثعلبة فانزل اللّه فيه. (١) هى كلمة ترحم و ترجع يقال لمن وقع فى هلكته لا يستحقها ١٢. ٧٥ وَ مِنْهُمْ اى من المنافقين مَنْ عاهَدَ اللّه لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ فيه ادغام التاء فى الصاد وَ لَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٧٥) و اخرج ابن جرير و ابن مردوية من طريق العوفى عن ابن عباس نحوه يعنى يعمل عمل اهل الصلاح من صلة الرحم و أداء الزكوة و النفقات الواجبة و المستحبة فى سبيل اللّه. ٧٦ فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ اى بالمال و منعوا حق اللّه وَ تَوَلَّوْا عن طاعة اللّه و رسوله وَ هُمْ مُعْرِضُونَ (٧٦) اى هم قوم عادتهم الاعراض عنها. ٧٧ فَأَعْقَبَهُمْ اللّه او البخل اى جعل عاقبة أمرهم نِفاقاً اى سوء اعتقاد فِي قُلُوبِهِمْ حيث لم يروا امتثال امر اللّه تعالى فى أداء الزكوة واجبا و أنكروا وجوب الزكوة و زعموها اخت الجزية إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ اى يلقون اللّه بالموت او يلقون عملهم اى جزائه و هو يوم القيامة او فى القبر يعنى حرمهم اللّه التوبة الى ان ماتوا على النفاق بِما أَخْلَفُوا اللّه اى بسبب اخلافهم ما وَعَدُوهُ من التصدق و الصلاح وَ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ (٧٧) اى بكونهم كاذبين فان خلف الوعد متضمن لكذب مستقبح من الوجهين قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم آية المنافق ثلث إذا حدث كذب و إذا وعد اخلف و إذا ائتمن خان متفق عليه من حديث ابى هريرة زاد مسلم بعد قوله ثلث و ان صام و صلى و زعم انه مسلم ثم اتفقا و روى البغوي و ابن جرير و غيره فى حديث ابى امامة المذكور فيما قبل انه نزلت الآية و عند رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم رجل من أقارب ثعلبة فسمع ذلك فخرج حتى أتاه فقال ويحك يا ثعلبة لقد انزل اللّه عز و جل فيك كذا و كذا فخرج ثعلبة حتى اتى النبي صلى اللّه عليه و سلم فسأله ان يقبل صدقته فقال ان اللّه منعنى ان اقبل منك صدقتك فجعل يحثوا على راسه التراب فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم هذا عملك قد امرتك لم تطعنى فلما ابى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان يقبض صدقته رجع الى منزله و قبض رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ثم اتى أبا بكر رضى اللّه عنه فقال اقبل صدقتى فقال ابو بكر لم يقبلها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انا اقبلها فقبض ابو بكر و لم يقبلها فلما ولى عمر أتاه فقال اقبل صدقتى فقال لم يقبلها منك رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و لا ابو بكر انا اقبلها منك فلم يقبلها ثم ولى عثمان فاتاه فلم يقبلها و هلك ثعلبة فى خلافة عثمان و قال ابن عباس و سعيد بن جبير و قتادة ... اتى ثعلبة مجلسا من الأنصار فاشهدهم لان أتاني اللّه من فضله أتيت منه كل ذى حق حقه و تصدقت منه وصلت منه القرابة فمات ابن عمر له فورثه مالا فلم يف بما قال فانزل اللّه تعالى هذه الآية و قال الحسن و مجاهد نزلت فى ثعلبة بن حاطب و معتب بن قشير و هما من بنى عمرو بن عوف خرجا على ملاء قعود و قالا و اللّه لان رزقنا اللّه من فضله لنصدقن فلما رزقهما اللّه بخلا به. ٧٨ أَ لَمْ يَعْلَمُوا اى المنافقون او من عاهد اللّه حين أظهروا خلاف ما اضمروا و الاستفهام للتوبيخ أَنَّ اللّه يَعْلَمُ سِرَّهُمْ يعنى ما يسرون من النفاق او العزم على الأخلاف وَ نَجْواهُمْ اى يتناجون فيما بينهم من المطاعن او تسمية الزكوة جزية وَ أَنَّ اللّه عَلَّامُ الْغُيُوبِ (٧٨) فلا يخفى عليه شى ء روى الشيخان فى الصحيحين عن ابن مسعود قال لما نزلت اية الصدقة كنا نتحامل على ظهورنا فجاء رجل فتصدق بشئ كثير فقالوا يعنى المنافقين مراء و جاء رجل فتصدق بصاع فقالوا ان اللّه لغنى عن صدقة هذا فنزل. ٧٩ الَّذِينَ يَلْمِزُونَ اى يعيبون الموصول مرفوع على الذم او منصوب او بدل من الضمير فى سرهم او مبتدأ خبره سخر اللّه منهم الْمُطَّوِّعِينَ أصله المتطوعين اى الراغبين مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي إكثار الصَّدَقاتِ وَ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يتصدقون به إِلَّا جُهْدَهُمْ اى طاقتهم اى ما يطيقون و يقدرون عليه من المال القليل و قال البغوي قال اهل التفسير حث رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم على الصدقة فجاء عبد الرحمن بن عوف باربعة آلاف درهم و قال يا رسول اللّه مالى ثمانية آلاف جئتك باربعة آلاف فاجعلها فى سبيل اللّه و أمسكت اربعة آلاف لعيالى فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بارك اللّه لك فيما أعطيت و فيما أمسكت فبارك اللّه ما فى ماله حتى انه خلف امرأتين يوم مات فبلغ ثمن ماله لهما مائة و ستين الف درهما و فى رواية صولحت احدى امرأتيه عن نصف الثمن على ثمانين الف درهم و كان حقها اكثر مما صولحت عليه و تصدق يومئذ عاصم بن عدى العجلاني بمائة وسق من تمر و جاء ابو عقيل الأنصاري و اسمه الحجاب بصاع من تمر فقال يا رسول اللّه بت ليلتى اجر بجرير «١» الماء حتى نلت صاعين من تمر فامسكت أحدهما لاهلى و أتيتك بالاخر فامره رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان ينثره فى الصدقات فلمزهم المنافقون و قالوا ما اعطى عبد الرحمن و عاصم الا رياء و ان كان اللّه و رسوله لغنيين عن صاع ابى عقيل و لكنه أحب ان يذكر بنفسه ليعطى من الصدقة فانزل اللّه هذه الآية و عنى بالمطوعين عبد الرحمن و عاصم و بالذين لا يجدون الا جهدهم أبا عقيل قلت روى القصة احمد و ابن جرير و ابن مردوية عن ابن عباس و قصة مصالحة احدى امرأتيه الطبراني و اسمه تماضر من حديث ابى عقيل و ورد نحو هذه القصة من حديث ابى هريرة و ابى سعيد الخدري و ابى عقيل نفسه و عميرة بنت سهل بن رافع أخرجها كلها ابن مردويه قال اللّه تعالى عز شانه فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ يستهزؤن بهم سَخِرَ اللّه مِنْهُمْ اى جازا هم على السخرية و اخرج البيهقي عن الحسن قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان المستهزئين بالناس يفتح لاحدهم باب من الجنة فيقال لاحدهم فيجئى بكر به و غمه فاذا جاء غلق دونه فما زال كذلك حتى ان أحدهم ليفتح له الباب من أبواب الجنة فيقال لهم هلم فما يأتيه من الإياس وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٧٩) بكفرهم و استهزائهم قال البيضاوي روى عن عبد اللّه بن عبد اللّه بن ابى المنافق كان من المخلصين سأل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى مرض موت أبيه المنافق ان يستغفر له ففعل فنزلت. (١) الجرير الحبلى و المعنى استقى للناس على اجرة صاعين ١٢. ٨٠ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ امر بمعنى الاخبار بالتسوية بين استغفار الرسول صلى اللّه عليه و سلم للمنافقين و عدمه فى عدم الافادة كما نص عليه بقوله إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللّه لَهُمْ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لازيدن على السبعين فنزلت سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم كذا اخرج البخاري و مسلم من حديث ابن عمر معناه و اخرج ابن المنذر عن عروة و مجاهد و قتادة و اخرج ابن المنذر من طريق العوفى عن ابن عباس قال لما نزلت هذه الاية قال النبي صلى اللّه عليه و سلم اسمع ربى و قد رخص لى فيهم فو اللّه لاستغفرن اكثر من سبعين مرة لعل اللّه ان يغفر لهم فنزلت استغفرت لهم أم تستغفر لهم قال البيضاوي فهم النبي صلى اللّه عليه و سلم من السبعين العدد المخصوص لانه الأصل فجوز ان يكون ذلك حدا يخالفه حكم ما ورائه فبين له ان المراد به التكثير دون التحديد و قد شاع استعمال السبعة و السبعين و سبعمأة و نحوها فى التكثير لاشتمال السبعة على جملة اقسام العدد فان العدد قليل و كثير فالقليل ما دون الثلث و الكثير الثلث فما فوقه و ادنى الكثير ثلثه و لا غاية لا قصاه و ايضا العدد نوعان شفع و وتر و أول الاشفاع اثنان و أول الأوتار ثلثة و واحد ليس بعدد و السبعة أول الجمع الكثير من النوعين لان فيها أوتارا ثلثة و اشفاعا ثلثة و العشرة كمال الحساب لان ما جاوز العشرة فهو اضافة الآحاد الى العشرة كقولك اثنا عشر ثلثة عشر الى عشرين و العشرون تكرير العشرة مرتين و الثلاثون تكريرها ثلث مراة و هكذا الى ماءة فالسبعون يجمع الكثرة و النوع و الكثرة منه و كمال الحساب و الكثرة منه فصار السبعون ادنى الكثير من العدد من كل وجه و لا غاية لاقصاه فجاز تخصيص السبعين بهذا المعنى فكانه العدد باسره ذلِكَ الياس عن المغفرة بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللّه وَ رَسُولِهِ يعنى ليس ذلك لبخل منا و لا لقصور فيك بل لعدم قابليتهم بسبب الكفر الصارف عنها وَ اللّه لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (٨٠) المتمردين فى كفرهم و هو كالدليل على الحكم السابق فان مغفرة الكافر انما هو بالإقلاع عن الكفر و الإرشاد الى الحق و المنهمك فى كفره المطبوع عليه لا ينقطع و لا يهتدى. ٨١ فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ عن غزوة تبوك و المخلف المتروك بِمَقْعَدِهِمْ اى بعقودهم عن الغزو خِلافَ رَسُولِ اللّه قال ابو عبيدة اى بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و قيل خلاف بمعنى المخالفة فيكون انتصابه على العلة او الحال يعنى فرحوا لاجل مخالفة الرسول و حال كونهم مخالفين له وَ كَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّه فيه تعريض بالمؤمنين الذين حصلوا رضائه تعالى ببذل الأموال و الأنفس و اثروا رضاه على الأموال و الأنفس وَ قالُوا اى قال بعضهم لبعض و للمؤمنين تثبيطا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ اخرج ابن جرير عن ابن عباس قال امر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان ينبعثوا معه و ذلك فى الصيف فقال رجل يا رسول اللّه الحر الشديد و لا تستطيع الخروج فلا تنفر فى الحر فانزل اللّه تعالى قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا و قد اثرتموها بهذه المخالفة فيه استجهال لهم لانه من يصون نفسه من مشقة ساعة و وقع بسبب ذلك فى مشقة أشد و اغلظ الموبد كان أجهل من كل جاهل لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ (٨١) اى يعلمون قال البغوي كذلك هو فى مصحف ابن مسعود يعنى لو كانوا يعلمون ان ما بهم إليها او انها كيف هى ما اختاروها بايثار الدعة على الطاعة قال محمد بن يوسف الصالحي جعل جد بن قيس و غيره من المنافقين يثبطون المسلمين عن الخروج و قال الجد لجبار بن منحر و من معه من بنى سلمة لا تنفروا فى الحر رهادة فى الجهاد و شكافى الحق و ارجافا برسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فانزل اللّه تعالى قل نار جهنم أشد حرا و اخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي قال خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى حر شديد الى تبوك فقال رجل من بنى سلمة لا تنفروا فى الحر فانزل اللّه قل نار جهنم أشد حرا الآية و اخرج البيهقي فى الدلايل من طريق ابن إسحاق عن عاصم بن عمر ابو قتادة و عبد اللّه بن ابى بكر بن حزم قال رجل من المنافقين لا تنفروا فى الحر فنزلت هذه الآية و اللّه اعلم- قال اللّه تعالى. ٨٢ فَلْيَضْحَكُوا اى المنافقون حين فرحوا بمقعدهم خلاف رسول اللّه قَلِيلًا يعنى ضحكا قليلا او فى زمان قليل يعنى فى الدنيا وَ لْيَبْكُوا كَثِيراً فى الآخرة اخبار عما يؤل اليه حالهم فى الدنيا و الآخرة أخرجه على صيغة الأمر للدلالة على انه حتم واجب و الضحك و البكاء اما محمولان على الحقيقة او هما كنايتين عن السرور و الغم و جاز ان يكون المراد بيان حالهم فى الآخرة و المراد من القلة العدم جَزاءً مصدر فعل محذوف اى يجزون جزاء بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٨٢) فى الدنيا اخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس فى قوله تعالى فليضحكوا قليلا قال الدنيا قليل فليضحكوا فيها ما شاؤا فاذا انقطعت الدنيا و صاروا الى اللّه فليستانفوا البكاء بكاء لا ينقطع ابدا و اخرج ابن ماجة و ابو يعلى و البيهقي و هناد عن انس قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول يرسل البكاء على اهل النار فيكون حتى ينقطع الدموع ثم يكون الدم ثم توتى فى وجوههم كهيئة الأخدود و لو أرسلت فيها السفن لجرت و اخرج الحاكم و صححه عن عبد اللّه بن قيس ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال ان اهل النار ليبكون حتى لو أجريت السفن فى دموعهم لجرت و انهم يسكبون الدم و اخرج ابن ابى الدنيا و الضياء كلاهما فى صفة النار عن زيد بن رفيع رفعه ان اهل النار إذا دخلوا النار بكوا الدموع زمانا ثم يكون القيح زمانا فيقول لهم الخزنة يا معشر الأشقياء تركتم البكاء فى الدنيا هل تجدون اليوم من تستغيثون به فيرفعون أصواتهم يا اهل يا معشر الآباء و الأمهات و الأولاد خرجنا من القبور عطاشا و كنا طول الموقف عطاشا و نحن اليوم عطاش فافيضوا علينا من الماء او مما رزقكم اللّه فيدعون أربعين لا يجيبهم ثم يجيبهم انكم ماكثون فيئسوا من كل خير قلت و جاز ان يكون معنى الآية فليضحكوا اى الناس أجمعين فى دنياهم قليلا امر اباحة يشعر كراهة كثرة الضحك فان كثرة الضحك يميت القلب و ليبكوا فى الدنيا كثيرا من خشية اللّه حتى يكون البكاء جزاء و عوضا بما كانوا يكسبون يتهافت به سياتهم عن انس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لو تعلمون ما اعلم لضحكتم قليلا و لبكيتم كثيرا رواه احمد و الشيخان فى الصحيحين و الترمذي و النسائي و ابن ماجة و رواه البخاري ايضا عن ابى هريرة و رواه الحاكم و صححه عن ابى ذر و زاد و لما ساغ لكم الطعام و لا الشراب و روى الطبراني و الحاكم و البيهقي عن ابى الدرداء مرفوعا بلفظ لو تعلمون ما اعلم لبكيتم كثيرا و لضحكتم قليلا و لخرجتم الى الصعدات تجارون «١» الى اللّه تعالى لا تدرون تنجون او لا تنجون و روى الحاكم عن ابى هريرة و صححه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لو تعلمون ما اعلم لبكيتم كثيرا و لضحكتم قليلا يظهر النفاق و يرتفع الأمانة و يقبض الرحمة و يتهم الامين و يؤتمن غير الامين أناخ بكم الشرف الجون الفتن كامثال الليل المظلم و روى البغوي بسنده عن انس قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول يا ايها الناس ابكوا فان لم تستطيعوا فتباكوا فان اهل النار يبكون فى النار حتى يسيل دموعهم فى وجوههم كانها جداول حتى ينقطع الدموع فيسيل الدماء و يفرج العيون فلو ان سفنا أجريت فيها لجرت و روى احمد و الترمذي و ابن ماجة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لو تعلمون ما اعلم لضحكتم قليلا و لبكيتم كثيرا و ما تلذذتم بالنساء على الفرشات و لخرجتم الى الصعدات تجارون الى اللّه و روى ابن ماجة عن ابن مسعود قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما من عبد مومن يخرج من عينيه دموع و ان كان مثل راس الذباب من خشية اللّه ثم يصيب من خروجه الا حرمه اللّه على النار. (١) جار الى اللّه اى تضرع ١٢. ٨٣ فَإِنْ رَجَعَكَ اى ردك اللّه إِلى المدينة و فيها طائِفَةٍ مِنْهُمْ اى من المخلفين يعنى منافقيهم فان كلهم لم يكونوا منافقين او من بقي منهم بعد ما تاب بعضهم و هلك بعضهم فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ معك الى غزوة اخرى بعد تبوك فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ قرأ ابو بكر و حمزة و الكسائي بسكون الياء و الباقون بفتحها أَبَداً فى سفر وَ لَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ قرأ حفص بفتح الياء و الباقون بسكونها عَدُوًّا اخبار فى معى النهى للمبالغة إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ يعنى فى غزوه تبوك و الجملة تعليل للنهي و كان إسقاطهم عن ديوان الغزاة عقوبة لهم فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ (٨٣) مع النساء و الصبيان و المرضى و الزمنى لعدم لياقتهم للجهاد و قال ابن عباس مع الذين تخلفوا بغير عذر و قيل مع المخالفين قال القراء يقال صاحت خالف إذا كان مخالفا روى الشيخان فى الصحيحين عن ابن عمر قال لما توفى عبد اللّه بن ابى جاء ابنه الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فسأله ان يعطيه قميصه يكفن فيه أباه فاعطاه ثم سأله فقام ليصلى عليه فقام عمر فاخذ بثوبه فقال يا رسول اللّه اتصلي عليه و قد نهاك ربك ان تصلى على المنافقين فقال انما خيرنى اللّه فقال استغفر لهم او لا تستغفر لهم ان تستغفر لهم سبعين مرة و سازيده على السبعين فقال انه منافق فصلى عليه فانزل اللّه تعالى. ٨٤ وَ لا تُصَلِّ المراد بالصلوة الدعاء و الاستغفار للميت فيشتمل صلوة الجنازة ايضا لانها مشتملة على الدعاء و الاستغفار عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً ظرف لتصل و قيل ظرف لمات يعنى مات موتا موبدا على الكفر فان احياء الكافر للتعذيب دون التمتع فكانه لم يحيى و بهذا المعنى قال اللّه لا يموت فيها و لا يحيى وَ لا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ للدفن او للزيارة قيل كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا دفن الميت وقف على قبره و دعا له و لذا ورد النهى عن القيام على قبره إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللّه وَ رَسُولِهِ وَ ماتُوا وَ هُمْ فاسِقُونَ (٨٤) تعليل للنهى او لتائيد الموت و روى البخاري عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب انه قال لما مات عبد اللّه بن ابى ابن سلول دعى له رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ليصلى على ابن ابى و قد قال يوم كذا كذا و يوم كذا كذا اعدد عليه قال انى خيرت فاخترت لو اعلم انى لو زدت على السبعين غفر له لزدت عليها فصلى عليه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ثم انصرف فلم يمكث الا يسيرا حتى نزلت الآيتان من براءة و روى البخاري عن جابر بن عبد اللّه قال اتى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عبد اللّه بن ابى بعد ما ادخل حفرته فامر به فاخرج فوضعه على ركبته و نفث فيه ريقه و البسه قميصه و فى الصحيحين عن ابن عمر ان عبد اللّه بن عبد اللّه بن ابى كان من المصلحين سأل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى مرض أبيه ان يستغفر له ففعل فنزلت و روى الحاكم و صححه و البيهقي فى الدلائل عن اسامة بن زيد ان ابن ابى دعا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى مرضه فسأله ان يستغفر له و يكفنه فى شعاره الذي يلى جسده و يصلى عليه فلما مات أرسل قميصه ليكفن فيه و ذهب ليصلى فنزلت هذه هذه الآية و اخرج البخاري من حديث جابر انه قال لما كان يوم بدر و اتى بالعباس و لم يكن عليه ثوب فوجدوا قميص عبد اللّه بن ابى يقدر عليه فكساه النبي صلى اللّه عليه و سلم إياه فلذلك نزع النبي صلى اللّه عليه و سلم قميصه الذي البسه يعنى كان ذلك مكافاة له قال البغوي روى ان النبي صلى اللّه عليه و سلم كلم فيما فعل بعبد اللّه بن ابى فقال صلى اللّه عليه و سلم و ما يغنى عنه قميصى و صلاتى من اللّه و اللّه انى كنت ارجوا ان يسلم به الف من قومه قال و روى انه اسلم الف من قومه لما راؤه يتبرك بقميص النبي صلى اللّه عليه و سلم قال البغوي فما صلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بعد هذه الآية على منافق و لا قام على قبره حتى قبض. ٨٥ وَ لا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَ أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللّه أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا وَ تَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَ هُمْ كافِرُونَ (٨٥) تكرير للتاكيد و الأمر حقيق به فان الابصار طامحة الى الأموال و الأولاد و النفوس مغطبتة عليها و يجوز ان يكون هذا فى فريق غير الاول. ٨٦ وَ إِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ من القرآن و يجوز ان يراد بها بعضها أَنْ آمِنُوا بِاللّه اى بان أمنوا و يجوز ان يكون ان مفسرة و الظاهر ان المراد بالايمان هاهنا امتثال امره صلى اللّه عليه و سلم فى الجهاد وَ جاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ فى القعود أُولُوا الطَّوْلِ اى ذووا الغنا و السعة مِنْهُمْ اى من المنافقين وَ قالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ (٨٦) فى رحالهم بعذر. ٨٧ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ اى النساء اللاتي يخلفن فى البيوت جمع خالفة و قد يقال الخالفة الذي لا خير فيه فلان خالفة قومه إذا كان دونهم يعنى مع ارزال الناس الذين لا خير فيهم وَ طُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ طبع اللّه عليها فلا يدركون حسن الخيرات و سؤالسيات فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (٨٧) ما فى الجهاد و موافقة الرسول من السعادة و ما فى المخالفة عنه من الشقاوة. ٨٨ لكِنِ الرَّسُولُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مخلصين جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ يعنى ان تخلف الخوالف و لم يجاهدوا فلا منقصة فى الدين فقد جاهد من هو خير منهم وَ أُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ ز اى منافع الدارين و قيل الخيرات الحور العين قال اللّه تعالى فيهن خيرات حسان جمع خيرة و حكى عن ابن عباس ان الخير لا يعلم معناه الا اللّه عز و جل كما قال جل ذكره فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين قلت مراد ابن عباس انه يعم جميع المنافع وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٨٨) ٨٩ أَعَدَّ اللّه لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٨٩) بيان لما لهم فى الاخرة من الخيرات. ٩٠ وَ جاءَ الْمُعَذِّرُونَ اى المعتذرون بالجهد و كثرة العيال ادغم التاء فى الذال و نقل حركتها الى العين كذا قال الفراء او المعنى المقصرون فيه الموهمون ان لهم عذر و لا عذر لهم عذر من التفعيل اى قصر و قرا يعقوب و مجاهد المعذرون بالتخفيف من اعذر إذا اجتهد و بالغ فى العذر مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ فى القعود قال محمد بن عمر جاء ناس من المنافقين الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يستأذنونه فى القعود من غير علة فاذن لهم و روى ابن مردوية عن جابر بن عبد اللّه استاذن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم رجال من المنافقين حين اذن لجد بن قيس يستاذنونه يقولون يا رسول اللّه ايذن لنا فانا لا نستطيع ان ننفر فى الحر فاذن لهم و اعرض عنهم و نزل هذه الآية فلم يعذرهم اللّه تعالى قال ابن إسحاق هم نفر من بنى غفار و قال محمد بن عمر كانوا اثنين و ثمانين رجلا منهم خفاف بن أيما انزل اللّه فيهم و إذا أنزلت سورة ان أمنوا الى قوله و طبع اللّه على قلوبهم فهم لا يعلمون قال الضحاك المعذرون هم رهط عامر بن الطفيل جاؤا الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم دفاعا عن أنفسهم و قالوا يا نبى اللّه ان نحن غزونا معك تغير اعراب طى على حلائلنا و أولادنا و مواشينا فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قد نبأني اللّه من اخباركم و سيغنى اللّه عنكم و قال ابن عباس هم الذين تخلفوا العذر بإذن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم وَ قَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللّه وَ رَسُولَهُ فى ارعاء الايمان يعنى المنافقين فعلى هذا التأويل الفريق الاول غير مسيئين و الظاهر ان المراد بهؤلاء هم الأولون كذب اللّه المنافقين المعذرين بالباطل او يقال المعذرون أعم من هؤلاء فان منهم من اعتذر بكسله لا لكفره قال ابو عمرو بن العلاء كلا الفريقين مسيئين قوم تكلفوا عذرا بالباطل و هم الذين عناهم اللّه عز و جل بقوله و جاء المعذرون و قوم تخلفوا من غير تكلف عذر فقعدوا جرأة على اللّه و هم المنافقون فاوعدهم اللّه تعالى بقوله سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ اى من الاعراب او من المعذرين فان منهم من اعتذر بكسله لا لكفره عَذابٌ أَلِيمٌ (٩٠) اخرج ابن ابى حاتم عن زيد بن ثابت رضى اللّه عنه قال كنت اكتب لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و كنت اكتب براءة و انى لواضع القلم على اذنى إذ امر بالقتال فجعل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ينظر ما ينزل عليه إذ جاء أعمى فقال كيف بي يا رسول اللّه و انا أعمى فنزلت. ٩١ لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ قال ابن عباس يعنى الزمنى و المشايخ و العجزة و قيل الصبيان و قيل النسوان وَ لا عَلَى الْمَرْضى العميان و غيرهم وَ لا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ لفقرهم حَرَجٌ اى ضيق فى القعود عن الغزو و ما ثم إِذا نَصَحُوا للّه وَ رَسُولِهِ بالايمان و الطاعة فى السر و العلانية كما يفعل الموالي و الناصح او بما يقدروا عليه فعلا و قولا يعود على الإسلام و المسلمين بالصلاح ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ وضع المحسنين موضع الضمير للدلالة على انهم منخرطون فى سلك المحسنين غير معاتبين مِنْ سَبِيلٍ الى معاتبتهم وَ اللّه غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩١) لهم او للمسى فكيف للمحسن قال البغوي قال قتادة نزلت فى عابد بن عمر و أصحابه و قال الضحاك نزلت فى عبد اللّه بن أم مكتون و كان ضرير البصر روى البخاري و ابن سعد عن انس و ابن سعد عن جابر رضى اللّه عنهما ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لما رجع من غزوة تبوك فدنا المدينة قال ان بالمدينة أقواما ما سرتم سيرا و لا قطعتم واديا الا كانوا معكم قالوا يا رسول اللّه و هم بالمدينة قال و هم بالمدينة حبسهم العذر. ٩٢ وَ لا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ عطف على الضعفاء او على المحسنين قال ابن عباس سالوه ان يحملهم على الدواب و قيل سالوه ان يحملهم على الخفاف المرقوعة و النعال المحضوفة ليفروا معه قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ حال من الكاف فى أتوك بإضمار قد تَوَلَّوْا جواب إذا وَ أَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ اى تسيل مِنَ الدَّمْعِ اى دمعها و من للبيان و هى مع مجرورها فى محل النصب على التميز و هو ابلغ من تفيض دمعها لانه يدل على ان العين صارت دمعا فياضا حَزَناً نصب على العلة او الحال او المصدر لفعل دل عليه ما قبله أَلَّا يَجِدُوا اى لئلا يجدوا متعلق بحزنا او يتقيض ما يُنْفِقُونَ (٩٢) فى غزوتهم روى ابن جرير و ابن مردوية عن ابن عباس و ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي و ابن إسحاق و ابن المنذر و ابو الشيخ عن الزهري و يزيد بن رومان و عبد اللّه بن بكر و عاصم بن محمد بن عمر و قتادة و غيرهم رحمهم اللّه ان عصابة من اصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم جاؤه يستحملونه و كلهم معسر ذو حاجة لا يحب التخلف عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا أجد ما أحملكم عليه تولوا و أعينهم تفيض من الدمع حزنا ان لا يجدوا ما ينفقون قال محمد بن يوسف الصالحي اختلفوا فى اسمائهم فالذى اتفقوا عليه سالم بن عمير من بنى عمرو بن عوف الأوسي و علية بن زيد و ابو ليلى بن عبد الرحمن بن كعب و هرمى بن عبد اللّه و الذي اتفق عليه القرضى و ابن إسحاق و الواقدي و تبعهم ابن سعد و ابن حزم و ابو عمرو السهيلي و لم يذكر الأخير عرباض بن سارية جزم بذلك ابن حزم و ابو عمرو و رواه ابو نعيم عن ابن عباس والدي اتفق عليه القرظي و ابن إسحاق عمرو بن حمام بن الجموح و الذي اتفق عليه القرظي و ابن عقبة و ابن إسحاق عبد اللّه بن مغفل روى ابن سعد و يعقوب بن سفيان و ابن ابى حاتم عن ابن مغفل قال انى لاجد الرهط الذين ذكر اللّه تعالى و لا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم و فى حديث ابن عباس أخرجه ابن ابى حاتم من طريق العوفى قال امر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الناس ان ينبعثوا غازين معه فجاءت عصابة من اصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فيهم عبد اللّه بن مغفل المزني قالوا يا رسول اللّه احملنا فقال و اللّه ما أجد ما أحملكم عليه فتولوا و هم بكاء و عزّ عليهم ان يحبسوا عن الجهاد و لا يجدون نفقة و لا محملا فانزل اللّه تعالى عذرهم و لا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم الآية و الذي اتفق عليه القرظي و ابن عمر سلمة بن صخر و لفظ القرظي سلمان و الذي اتفق عليه القرظي و ابن عقبة عمرو بن عنمة بن عدى و عبد اللّه بن عمرو المزني حكاه ابن إسحاق قولا بدلا عن ابن مغفل و انفرد القرظي يذكر عبد الرحمن بن زيد ابو علية من بنى حارثة و بذكر حرمى بن عمرو من بنى مازن و قال محمد بن عمرو يقال ان عمرو بن عوف منهم قال ابن سعد و فى بعض الروايات من يقول فيهم معقل بن يسار و ذكر فيهم الحاكم حرمى بن مبارك بن النجار و ذكر ابن عابد فيهم مهدى بن عبد الرحمن و ذكر فيهم محمد بن كعب سالم بن عمرو الواقفي قال ابن سعد و بعضهم يقول البكاءون بنو مقرن السبعة و هم من مزينة انتهى و هم النعمان و سويد و مغفل و عقبل و سنان ذكر ابن إسحاق فى رواية يونس و ابن عمران علية بن زيد لما فقد ما يحمله و لم يجد عند رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما يحمله خرج من الليل فصلى من ليلة ما شاء اللّه تعالى ثم بكى و قال اللّهم انك أمرت بالجهاد و رغبت فيه و انى أتصدق على كل مسلم بكل مظلمة أصابني فيها من مال او جسدا و عرض ثم أصبح مع الناس فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اين المتصدق هذه الليلة فلم يقم اليه أحد فقام اليه ناخبره فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ابشر فو الذي نفسى بيده لقد كتبت فى الزكوة المتقبلة قال ابن إسحاق و محمد بن عمر لما خرج البكاءون من عند رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و قد أعلمهم انه لا يجد ما يحملهم عليه بقي يامين بن عمرو النضري أبا ليلى و عبد اللّه بن مغفل و هما يبكيان فقال ما يبكيكما قالا جئنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ليحملنا فلم نجد عنده ما يحملنا عليه و ليس عندنا ما نقوى به على الخروج و نحن نكره ان يفوتنا غزوة مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فاعطاهما ناضحا له و زود كلواحد منهما صاعين من تمر زاد محمد بن عمرو حمل العباس بن عبد المطلب منهم رجلين و حمل عثمان بن عفان منهم ثلثة نفر بعد الذي كان جهز من الجيش قلت لعله لما سقط السبعة من الستة العشر المذكورين و سقط اثنان منهم لاجل شك الراوي فبقى من لم يخرج الى الغزو لفقد ما يحمله سبعة و هم الذين قال اللّه تعالى فيهم انه لا سبيل عليهم بالمعاتبة و اللّه اعلم روى الشيخان فى الصحيحين عن ابى موسى الأشعري قال أتيت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى نفر من الأشعريين ليحملنا و فى رواية أرسلني أصحابي الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اساله لهم الحملان فقلت يا رسول اللّه ان أصحابي أرسلوني إليك لتحملهم فقال و اللّه لا أحملكم على شى ء و ما عندى ما أحملكم عليه و وافقته و هو غضبان و لا أشعر فرجعت حزينا من منع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و من محافة ان يكرن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم وجد فى نفسه علىّ فرجعت الى أصحابي فاخبرتهم بالذي قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ثم جئ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بنهب ابل فلم البث الا سويعة إذ سمعت بلالا ينادى اين عبد اللّه بن قيس فاجبته فقال أجب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يدعوك فلما أتيته قال هذين القرينين «١» و هذين القرينين لستة ابعرة اتباعهن حينئذ من سعد فانطلق بهن الى أصحابك فقل ان اللّه او قال ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يحملكم على هؤلاء فاركبوهن قال ابو موسى فانطلقت الى أصحابي فقلت ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يحملكم على هولاء و لكن و اللّه لا أودعكم حتى ينطلق معى بعضكم الى من سمع مقالة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حين سالته لكم و منعه فى أول مرة ثم إعطائه إياي بعد ذلك لا تظنوا انى حدثتكم شيئا لم يقله فقالوا لى و اللّه انك عندنا لمصدق و لنفعلن ما أحببت قال فانطلق ابو موسى بنفر منهم حتى أتوا الذين سمعوا مقالة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم منعه إياهم ثم إعطائه بعد ذلك فحدثوهم بمثل ما حدثهم ابو موسى ثم قلنا و اللّه لا يبارك لنا فرجعنا فقلنا لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال انا ما حملتكم و لكن اللّه حملكم ثم قال و اللّه انى إنشاء اللّه لا احلف على يمين فارى غيرها خيرا منهما الا أتيت الذي هو خير و كفرت عن يمينى. (١) القرينين الجملان المشدود ان أحدهما الى الآخر ١٢. [.....]. ٩٣ إِنَّمَا السَّبِيلُ بالعقاب و المعاتبة عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَ هُمْ أَغْنِياءُ واجدون الاهبة رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ استيناف ببيان ما هو السبب لاستيذانهم من غير عذرهم و هو رضاهم بالدناة و الانتظام فى جملة الخوالف وَ طَبَعَ اللّه عَلى قُلُوبِهِمْ حتى غفلوا عن وخامة العاقبة فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٩٣) سوى ما اختاروه من القعود على الجهاد و موافقة الرسول. ٩٤ يَعْتَذِرُونَ يعنى المنافقين الذين تخلفوا عن غزوة تبوك و قد ذكرنا انهم كانوا بضعة و ثمانين نفرا إِلَيْكُمْ ايها الرسول و المؤمنون إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ من غزوة تبوك الى المدينة و فى الاية معجزة فانهم جاؤا بعد ذلك يعتذرون بالباطل قال اللّه تعالى قُلْ لا تَعْتَذِرُوا بالمعاذير الكاذبة لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ لن نصدقكم علة للنهى لان غرض المعتذر ان يصدق فيما يعتذر به ثم بين علة عدم التصديق و قال قَدْ نَبَّأَنَا اللّه مِنْ أَخْبارِكُمْ أعلمنا بالوحى الى نبيه صلى اللّه عليه و سلم بعض اخباركم و هو ما فى ضمايركم من الشر و الفساد و ما زورتم من الاعتذارات الكاذبة وَ سَيَرَى اللّه عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ فى المستقبل من الزمان هل تتوبون من نفاقكم أم تقيمون عليه فيه استتابة و امهال للتوبة ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَ الشَّهادَةِ بعد الموت وضع الوصف موضع الضمير للدلالة على انه مطلع على سرهم و علتهم لا يفوت شى ء من ضمائرهم و أعمالهم من علمه فَيُنَبِّئُكُمْ بالتعذيب بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٩٤) ٩٥ سَيَحْلِفُونَ بِاللّه لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ و لا تعاتبوهم. فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ و لا تعاتبوهم و لا تصاحبوهم إِنَّهُمْ رِجْسٌ اى لانهم أرجاس لخبث باطنهم فلا يجوز معهم المؤانسة و المصاحبة و لا ينفعهم المعاتبة لعدم صلاحيتهم للتطهر و المقصود عن المعاتبة انما هو التطهير بالحمل على الانابة وَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ من تمام التعليل كانه قال انهم أرجاس من اهل النار فلا تصاحبوهم و لا تعاتبوهم جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٩٥) يجوز ان يكون مصدر الفعل محذوف اى يجزون جزاء او يكون علة لكون ماواهم جهنم قال البغوي قال ابن عباس نزلت فى جد بن قيس و معتب بن قشير و أصحابهما كانوا ثمانين رجلا من المنافقين فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم حين قدم المدينة لا تجالسوهم و لا تكلموهم و قال مقاتل نزلت فى عبد اللّه بن ابى حلف للنبى صلى اللّه عليه و سلم باللّه الذي لا اله الا هو ان لا يتحلف عنه بعدها و طلب من النبي صلى اللّه عليه و سلم ان يرضى عنه فانزل اللّه هذه الاية. ٩٦ يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ يحلفهم فتستديموا على ما كنتم تفعلون بهم فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللّه لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (٩٦) اى عنهم وضع المظهر موضع المضمر ليدل على موجب عدم الرضا يعنى ان لبسوا عليكم و رضيتم بهم لا يمكنهم ان يلبسوا على اللّه و يرضوه مع كفرهم و لا ينفعهم رضائكم مع سخط اللّه تعالى فانه ينزل بهم الهوان فى الدنيا و العذاب فى الآخرة و المقصود من الآية النهى عن الرضاء عنهم و الاغترار بمعاذيرهم. ٩٧ الْأَعْرابُ يعنى اهل البادية أَشَدُّ كُفْراً وَ نِفاقاً من اهل البلد لتوحشهم و قساوتهم و عدم اختلاطهم باهل العلم و قلة استماعهم الكتاب و السنة وَ أَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا اى أحق بان لا يعلموا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللّه عَلى رَسُولِهِ من الشرائع فرائضها و سنتها و مباحاتها و محرماتها و مكروهاتها لا يميزون بعضها من بعض لجهلهم وَ اللّه عَلِيمٌ يعلم حال جميع خلقه حَكِيمٌ (٩٧) فيما يفعل بهم فى الدنيا و الآخرة. ٩٨ وَ مِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ اى يزعم ما يُنْفِقُ فى سبيل اللّه مَغْرَماً اى غرامة و خسرانا قال عطاء لا يرجون لاعطائه ثوابا و لا على إمساكه عقابا انما ينفقون خوفا و رياء وَ يَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ اى ينتظرون بكم تقلب الزمان بان يموت الرسول و يظهر المشركون حتى يتخلصوا عن الانفاق الذي ينفقونها رياء و خوفا عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ اعتراض بالدعاء عليهم بنحو ما يتربصون بالمؤمنين او اخبار بما يقع بهم نحو ما يتربصون بالمؤمنين و الدائرة فى الأصل مصدر او اسم فاعل من داريد و رسمى عقبة الزمان التي يأتي بالخير مرة و بالشر اخرى قرا ابن كثير و ابو عمرو السوء هنا و فى سورة الفتح بالضم السين و معناه الضر و المكروه و الباقون بفتح السين و هو مصدر أضيف اليه للمبالغة كقولك رجل صدق وَ اللّه سَمِيعٌ لما يقولون عند النفاق فيما بين شياطينهم عَلِيمٌ (٩٨) بما يضمرون قال البغوي نزلت الآية المذكورة فى اعراب اسد و غطفان و بنى تميم و كذا اخرج ابو الشيخ عن الكلبي الا انه لم يذكر فيه بنى تميم ثم استثنى اللّه سبحانه من الاعراب المذكورين حال بعضهم فقال. ٩٩ وَ مِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللّه وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ و قال البغوي اخرج ابن جرير عن مجاهد انها نزلت فى بنى مقرن من مزينته الذين نزلت فيهم و لا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم و اخرج عن عبد الرحمن بن معقل قال كنا عشرة ولد مقرن و قال الكلبي اسلم و غفار و جهينة من تميم و اسد بن خزيمة و هوازن و غطفان و فى الصحيحين عن ابن عمر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم غفار غفر اللّه لها و اسلم سالمها اللّه و عصية عصمت اللّه و رسوله و فيهما عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قريش و الأنصار و جهينة و مزينته و اسلم و غفار أشجع موالى ليس لهم مولى دون اللّه و رسوله و فيهما عن ابى بكرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اسلم و غفار و مزينة و جهينة خير من تميم و من بنى عامر و الحليفين اسد و غطفان و روى البغوي عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اسلم و غفار و شى ء من جهينه و مزينة خير عند اللّه يوم القيامة من تميم و اسد بن خزيمة و هوازن و غطفان وَ يَتَّخِذُ اى يزعم ما يُنْفِقُ فى سبيل اللّه سبب قُرُباتٍ و هى ثانى مفعولى يتخذ عِنْدَ اللّه صفة لقربات او ظرف ليتخذ وَ صَلَواتِ الرَّسُولِ اى سبب دعائه صلى اللّه عليه و سلم و استغفاره اخرج ابن جرير و ابن المنذر و ابن ابى حاتم و ابن مردوية عن ابن عباس قال صلوات الرسول استغفاره صلى اللّه عليه و سلم و قد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اللّهم صل على ال ابى اوفى حين جاء عبد اللّه بن ابى اوفى بصدقته كذا اخرج الجماعة الا الترمذي من حديث عبد اللّه بن ابى اوفى أَلا إِنَّها اى النفقة قُرْبَةٌ لَهُمْ ط عند اللّه تعالى قرا نافع برواية ورش قربة بضم الراء و الباقون بسكونها و هذه شهادة من اللّه تعالى بصحة معتقدهم و تصديق لرجائهم على الاستيناف مع حر فى التنبيه و التأكيد سَيُدْخِلُهُمُ اللّه السين لتحقيق الوعد فِي رَحْمَتِهِ اى جنته. إِنَّ اللّه غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩٩) ١٠٠ وَ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ الذين هجروا قومهم و عشائرهم و فارقوا أوطانهم و أموالهم يعنى من قريش مكة وَ الْأَنْصارِ الذين نصروا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و أووه و أصحابه حين أخرجه قومه يعنى من اهل المدينة و اختلفوا فى السابقين من الفريقين قال سعيد بن المسيب و قتادة و ابن سيرين و جماعة هم الذين صلوا الى القبلتين و قال عطاء بن ابى رباح هم اهل بدر و قال الشعبي هم الذين شهدوا بيعة الرضوان بالحديبية و قيل هم من المهاجرين ثمانية ففر الذين سبقوا الى الإسلام ثم تتابع الناس فى الدخول فى الإسلام بعدهم و هم أبو بكر و على و زبير بن الحارثة و عثمان بن عفان و زبير بن العوام و عبد الرحمن بن عوف و سعد بن ابى و قاص و طلحة بن عبيد اللّه قال البغوي و اختلفوا فى أول من أمن برسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بعد امرأته خديجة مع اتفاقهم على انها أول من أمن برسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال بعضهم على ابن ابى طالب و هو قول جابر بن عبد اللّه و يؤيده قول على رضى اللّه عنه (شعر) سبقتكم الى الإسلام طرا غلاما ما بلغت او ان حلم قال مجاهد و ابن إسحاق اسلم على و هو ابن عشر سنين و قال بعضهم أول من أمن به بعد خديجة ابو بكر الصديق و هو قول ابن عباس و ابراهيم النخعي و الشعبي و يشهده قول حسان بن ثابت فى اشعاره فى مدح ابى بكر و تسليم النبي صلى اللّه عليه و سلم إياه و قال بعضهم أول من أمن به زيد بن حارثة و هو قول الزهري و عروة ابن الزبير و كان إسحاق بن ابراهيم الحنظلي يجمع بين هذه الأقوال فيقول أول من اسلم من الرجال ابو بكر و من النساء خديجة و من الصبيان على و من العبيد زيد بن الحارثة رضى اللّه عنهم أجمعين قال ابن إسحاق فلما اسلم ابو بكر اظهر إسلامه و دعا الى اللّه و الى رسوله و كان رجلا محببا سهلا و كان انسب قريش و أعلمها بما كان فيها و كان تاجر إذا خلق و معروف و كان رجال قومه يأتونه و يألفونه لغير واحد من الأمر لعلمه و حسن مجالسته فجعل يدعوا الى الإسلام من وثق به من قومه فاسلم على يديه فيما بلغني عثمان و الزبير بن العوام و عبد الرحمن بن عوف و سعد بن ابى وقاص و طلحة بن عبيد اللّه فجاء بهم الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حين اسلموا و صلوا ثم اسلم غيرهم حتى بلغ المسلمون من الرجال و النساء الى تسع و ثلثين فى سبع سنين ثم اسلم عمر بن الخطاب فهو منهم أربعين فاذا اسلم عمر قال المشركون اليوم انتصف منا ثم شاع الإسلام و تقوى بإسلام عمر بعد سبع سنين و من هاهنا قال على رضى اللّه عنه صليت قبل الناس بسبع سنين و السابقون من الأنصار هم الذين بايعوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ليلة العقبة و كانوا ستة فى العقبة الاولى و قيل سبعة و اثنى عشر فى العقبة الثانية و السبعون فى العقبة الثالثة كما سنذكر و الذين أمنوا حين قدم عليهم ابو زرارة و مصعب بن عمير يعلمهم القرآن فاسلم خلق كثير و جماعة من النساء و الصبيان قرا يعقوب و الأنصار بالرفع عطفا على قوله و السابقون و هى قرأة ابى أخرجها ابن جرير و ابو الشيخ عن محمد بن كعب القرظي و الحاكم و ابو الشيخ عن اسامة و محمد بن ابراهيم التيمي وَ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ قيل هم بقية المهاجرين و الأنصار سوى السابقين الأولين و قيل هم الذين سلكوا سبيلهم فى الايمان و الهجرة و النصرة الى يوم القيامة قلت و يمكن ان يكون المراد من السابقين المقربين الذين قال اللّه تعالى فيهم و السابقون السابقون أولئك المقربون فى جنات النعيم ثلة من الأولين يعنى من الصحابة و التابعين و اتباعهم فانهم الأولون من هذه الامة و قليل من الآخرين اى آخري هذه الامة يعنى بعد الالف و هم ارباب كمالات النبوة فانهم كثيرون فى الصدر الاول قال المجدد للالف الثاني رضى اللّه عنه الصحابة كلهم كانوا من ارباب كمالات النبوة و اكثر التابعين و بعض من اتباع التابعين و قيل بعد الالف من الهجرة قلت فعلى هذا قوله تعالى من المهاجرين و الأنصار بيان للسابقين الأولين و ليست كلمة من للتبعيض و الذين اتبعوهم بإحسان يشتمل السابقين الآخرين و اصحاب اليمين الذين هم ثلة من الأولين من الصدر الاول و من بعدهم و ثلة من الآخرين الى ما بعد الالف الى يوم القيامة و قال عطاء الذين اتبعوهم بإحسان هم الذين يذكرون الصحابة بالترحم و الدعاء قال ابو صخر حميد بن زياد أتيت محمد بن كعب القرظي فقلت له ما قولك فى اصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال جميع اصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى الجنة محسنهم و سيئهم فقلت له من اين تقول هذا قال أقرأ قوله تعالى و السابقون الأولون من المهاجرين و الأنصار «١» الى ان قال رضى اللّه عنهم و رضوا عنه قال و الذين اتبعوهم بإحسان شرط فى التابعين شريطة و هو ان يتبعوهم فى أفعالهم الحسنة دون السيئة قال ابو صخر فكانى لم يقرأ هذه الاية قط و ما عرفت تفسيرها حتى قرأها علىّ محمد بن كعب قلت و اولى بالاحتجاج على كون جميع الصحابة فى الجنة قوله تعالى لا يستوى منكم من أنفق من قبل الفتح و قاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد (١) و عن حبيب الشهيد عن عمر بن عامر الأنصاري ان عمر بن الخطاب قرا او السابقون الأولون من المهاجرين و الأنصاري الذين اتبعوهم بإحسان فرفع الأنصار و لم يلحق الواو فى الذين فقال له زيد بن ثابت و الذين فقال الذين فقال زيد امير المؤمنين اعلم فقال ايتوني بالى بن كعب فاتاه فسأله عن ذلك فقال و الذين فقال فنعم إذا فتابع أبيا ١٢. و قاتلوا و كلا وعد اللّه الحسنى فانه صريح فى ان جميع الصحابة أولهم و آخرهم وعدهم اللّه تعالى الحسنى يعنى الجنة و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا تسبوا أصحابي فو الذي نفسى بيده لو ان أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم و لا نصيفه متفق عليه من حديث ابى سعيد الخدري و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا تمس النار مسلما رأنى او راى من رأنى رواه الترمذي عن جابر و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما من أحد من أصحابي يموت بأرض الا بعث قائدا و نور الهم يوم القيامة رواه الترمذي من حديث بريدة و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أصحابي كالنجوم فبايهم اقتديتم اهتديتم رواه رزين من حديث عمر بن الخطاب رَضِيَ اللّه عَنْهُمْ بقبول طاعتهم و ارتضاء أعمالهم وَ رَضُوا عَنْهُ ربا و عن الإسلام دينا و محمد رسولا و نبيا بما القى اللّه حبه فى قلوبهم و بما نالوا من نعم الدنيوية و الدينية وَ أَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ قرأ ابن كثير من تحتها كما هو فى ساير المواضع و كذلك فى مصاحف اهل مكة و الباقون بحذف من خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٠٠) ١٠١ وَ مِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ و هم من مزينة و جهينة و أشجع و اسلم و غفار أخرجه ابن المنذر عن عكرمة كان منازلهم حول المدينة و كون بعضهم منافقين كما يدل عليه من التبعيضية لا ينافى ما مر من الأحاديث فى مناقب غفار و اسلم و أشجع و غيرها. وَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يعنى من الأوس و الخزرج عطف على ممن حولكم و قوله تعالى مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ صفة للمنافقين فصل بينها و بينه بالمعطوف على الخبر او كلام مبتدأ بيان لتمرنهم فى النفاق و جاز ان يكون الظرف خبر المحذوف و جملة مردوا صفة لمبتدأ محذوف تقديره و من اهل المدينة قوم مردوا على النفاق اى مرنوا و ثبتوا عليه يقال تمرد فلان على ربه اى عتى و مرد على معصية اى مرن و ثبت عليها و اعتادها و منه المريد و المارد قال ابن إسحاق اى لجوا فيه و أبوا غيره و قال ابن زيدا قاموا عليه و لم يتوبوا فى القاموس مرد كنصر و كرم مرودا و مرادة فهو مريد و مارد و متمرد اقدم و عتا او هو يبلغ الغاية التي يخرج إليها من جملة ما عليها ذلك الصنف أجنحتها رضى لطالب العلم و ان العالم يستغفر له من فى السموات و من فى الأرض و الحيتان فى جوف الماء و ان فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب و ان العلماء ورثة الأنبياء و ان الأنبياء لم يورثوا دينارا و لا درهما و انما ورثوا العلم فمن اخذه أخذ بخظ وافر رواه احمد و الترمذي و ابو داود و ابن ماجة. الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ هم المصلون ذكرهم باللفظين كانه كرر ذكره للدلالة على فضل الصلاة على سائر العبادات عن ابن مسعود قال سالت النبي صلى اللّه عليه و سلم ايّ الأعمال أحب الى اللّه قال الصلاة لوقتها قلت ثم اى قال بر الوالدين قلت ثم اى قال الجهاد فى سبيل اللّه متفق عليه و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الصلاة عماد الدين رواه ابو نعيم عن الفضل بن دكين و قال الصلاة نور المؤمن رواه ابن عساكر عن انس و قال الصلاة قربان كل تقى رواه القضاعي عن على و قال عليه السلام اقرب ما يكون العبد من ربه و هو ساجد فاكثروا الدعاء رواه مسلم و ابو داود و النسائي عن ابى هريرة الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ بالايمان و الطاعة وَ النَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ عن الشرك و المعصية و قيل المعروف السنة و المنكر البدعة ذكر العاطف بينهما للدلالة على ان مجموعهما خصلة واحدة وَ الْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللّه اى فيما بينه و بين اللّه تعالى من الحقائق و الشرائع قيل أورد العاطف هاهنا للتنبيه على ان ما قبله تفصيل الفضائل و هذا اجمالها قلت لعل اللّه سبحانه أورد العاطف هاهنا لان اللّه سبحانه ذكر اولا إتيان الحسنات المذكورات ثم ذكر محافظة حد كل منها بلا زيادة من قبل نفسه رهبانيته ابتدعوها و بلا نقصان صورة و لا معنى فكان الأشياء المذكورة قبلها مجموعها شى ء واحد يعبر عنها بإتيان الشرائع و هذا شى ء اخر كناية عن الإخلاص و الحضور التام المستفاد من صحبة ارباب القلوب فان محافظة الحدود لا يتصور الا بحضور تام دائم و اللّه اعلم وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (١١٢) يعنى الموصوفين بتلك الفضائل وضع المؤمنين موضع ضميرهم للدلالة على ان ايمانهم دعاهم الى ذلك و ان المؤمن الكامل من كان كذلك و حذف المبشر به للتعظيم كانه قيل بشرهم بما لا يدركه الافهام و لا يحيط الكلام و لم يسمعه الاذان و اللّه اعلم روى الشيخان فى الصحيحين عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فوجد عنده أبا جهل و عبد اللّه بن ابى امية بن المغيرة فقال اى عم قل لا اله الا اللّه كلمة أحاجّ لك بها عند اللّه فقال ابو جهل و عبد اللّه بن ابى امية أ ترغب عن ملة عبد المطلب فلم يزل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يعرضها عليه و يعيد انه بتلك المقالة حتى قال ابو طالب اخر ما كلمهم على ملة عبد المطلب و زاد فى رواية و ابى ان يقول لا اله الا اللّه فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و اللّه لاستغفرن لك ما لم انه عنك فنزلت. ١١٣ ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَ لَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (١١٣) بان ماتوا على الكفر فيه دليل على جواز الاستغفار لاحيائهم فانه طلب لتوفيقهم للايمان و روى مسلم عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لعمه قل لا اله الا اللّه اشهد لك يوم القيامة قال لو لا ان يعير قريش يقولون انما حمله على ذلك الجزع لاقررت بها عينك فانزل اللّه تعالى انك لا تهدى من أحببت و لكن اللّه يهدى من يشاء و روى البخاري عن ابى سعيد الخدري انه سمع النبي صلى اللّه عليه و سلم و ذكر عنده عمه فقال لعله ينفعه شفاعتى يوم القيامة فيجعل فى ضحضاح «١» من نار يبلغ كعبيه يغلى منه دماغه هذا الحديث المذكور يدل على ان الاية نزلت بمكة فى ابى طالب و اخرج الترمذي و حسنه و الحاكم عن على قال سمعت رجلا يستغفر لابويه و هما مشركان فقلت له ا تستغفر لك لابويك و هما مشركان فقال استغفر ابراهيم لابيه و هو مشرك فذكرت ذلك لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فنزلت هذه الاية و لعل هذه القصة قارنت قصة موت ابى طالب فنزلت الاية فيهما و ما يدل على ان الاية نزلت فى امنة أم النبي صلى اللّه عليه و سلم و عبد اللّه أبيه فلا يصلح منها شي ء و ليس شي ء منها ما يصلح ان يعارض ما ذكرنا فى القوة فيجب ردها منها ما رواه الحاكم و البيهقي فى الدلائل من طريق أيوب بن هانى عن مسروق عن ابن مسعود قال خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يوما الى المقابر و خرجنا معه فامرنا فجلسنا ثم تخطى القبور حتى انتهى الى قبر منها فناجاه طويلا (١) الضحضاح ما رق من الماء على وجه الأرض ما يبلغ الكعبين فاستعاره للنار ١٢. ثم ارتفع باكيا فبكينا لبكائه ثم اقبل علينا فتلقاه عمر فقال يا رسول اللّه ما الذي أبكاك فقد ابكاناها و أفزعنا فجاء فجلس إلينا فقال افزعكم بكائي قلنا نعم قال ان القبر الذي رايتمونى اناجى فيه قبر امنة بنت وهب و انى استأذنت ربى فى زيارتها فاذن لى فاستاذنته فى الاستغفار لها فلم يأذن لى و نزل علىّ ما كان للنبى و الذين أمنوا معه ان يستغفر و للمشركين الآيتين فاخذنى ما يأخذ الولد للوالدة من الرقة فذلك الذي أبكاني قال الحاكم هذا حديث صحيح و نعقبه الذهبي فى شرح المستدرك و قال أيوب بن هانى ضعفه ابن معين و منها ما اخرج الطبراني و ابن مردوية من حديث ابن عباس قال لما اقبل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من غزوة تبوك و اعتمر هبط من ثنية عسفان فنزل على قبر امه فذكر نحو حديث ابن مسعود و فيه ذكر نزول الاية قال السيوطي اسناده ضعيف لا تعويل عليه و قال البغوي قال ابو هريرة و بريدة لما قدم النبي صلى اللّه عليه و سلم مكة اتى قبر امه امنة فوقف عليه حتى حميت الشمس رجاء ان يؤذن له فيستغفر لها فنزلت ما كان للنبى الاية هذه و كذا اخرج ابن سعد و ابن شاهين من حديث بريدة بلفظ لما فتح رسول اللّه مكة اتى قبر امه فجلس فذكر نحوه و فى لفظ عند ابن جرير عن بريدة كما ذكر البغوي قال ابن سعد فى الطبقات بعد تخريجه هذا غلط و ليس قبرها بمكة و قبرها بالأبواء و اخرج احمد و ابن مردوية و اللفظ له من حديث بريدة قال كنت مع النبي صلى اللّه عليه و سلم إذ وقفت على عسفان فابصر قبر امه فتوضأ و صلى و بكى ثم قال انى استأذنت ربى ان اشفعه لها فنهيت فانزل اللّه تعالى ما كان للنبى الاية هذه قال السيوطي طرق الحديث كلها معلولة و قال الحافظ ابن حجر فى شرح البخاري من حكم بصحة حديث ابن مسعود ليس لكونه صحيحا لذاته بل لوروده من هذه الطرق و قد تاملت فوجدتها كلها معلولة و فى الحديث علة اخرى انها مخالف لما فى الصحيحين ان هذه الاية نزلت بمكة عقب موت ابى طالب و كذا ما ذكر البغوي قول قتادة انه صلى اللّه عليه و سلم قال لاستغفرن لابى كما استغفر ابراهيم لابيه فانزل اللّه ما كان للنبى الاية هذه مرسل ليس بصحيح بل ضعيف و مخالف لما فى الصحيحين كما ذكرنا فلا يجوز القول بكون أبوي النبي صلى اللّه عليه و سلم مشركين مسندى بهذه الاية و قد صنف الشيخ الاجل جلال الدين السيوطي رضى اللّه عنه رسائل فى اثبات ايمان أبوي رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و جميع ابائه و أمهاته الى آدم عليه السلام و خلصت منها رسالة سميتها بتقديس اباء النبي صلى اللّه عليه و سلم فمن شاء فليرجع اليه و هذا المقام لا يسع زيادة التطويل فى الكلام فان قيل ما ورد من حديث الصحيحين فى قصة موت ابى طالب قال ابو جهل أ ترغب عن ملة عبد المطلب و قول ابى طالب انا على ملة عبد المطلب يدل على كون عبد المطلب مشركا قلنا لا نسلم ذلك بل كان مؤمنا موحد او قد ذكر ابن سعد فى الطبقات بأسانيده ان عبد المطلب قال لام ايمن و كانت تحضن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يا بركة لا تغفلى عن ابني فانى وجدته مع غلمان قريبا من السدرة و ان اهل الكتاب يقولون ان ابني هذا نبى هذه الامة لكن لما كان هو فى زمن الجاهلية جاهلا بالشرائع و بما جاء به النبي صلى اللّه عليه و سلم و إن كان التوحيد كافيا له فى زمن الفترة زعم ابو جهل و ابو طالب ان محمدا صلى اللّه عليه و سلم جاء بشي ء منكر و حكما يكون ملة عبد المطلب مخالفا لما جاء به النبي صلى اللّه عليه و سلم قوله تعالى. ١١٤ وَ ما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ يعنى آزر و كان عما لابراهيم عليه السلام و كان ابراهيم ابن تارخ و قد ذكرنا الكلام فيه فى سورة الانعام و قد صح عن النبي صلى اللّه عليه و سلم انه قال بعثت من خير قرون بنى آدم قرنا فقرنا حتى بعثت من القرن الذي كنت فيه رواه البخاري فلا يمكن ان يكون كافر فى سلسلة ابائه صلى اللّه عليه و سلم إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ قال بعض المفسرين الضمير المرفوع عايد الى أبيه و المنصوب الى ابراهيم يعنى ان أباه وعده ان يسلم فقال له ابراهيم ساستغفر لك يعنى إذا أسلمت و الأكثر على ان المرفوع راجع الى ابراهيم و المنصوب الى أبيه و ذلك ان ابراهيم وعد إياه ان يستغفر له رجاء إسلامه و هو قوله ساستغفر لك ربى يدل على ذلك قراءة من قرا وعدها أباه بالباء الموحدة و الدليل على ان الوعد كان من ابراهيم و كان الاستغفار فى حال كون أبيه مشركا قوله تعالى قد كانت لكم أسوة حسنة فى ابراهيم الى ان قال الا قول ابراهيم لابيه لاستغفرن لك فانه صريح فى ان ابراهيم عليه السلام ليس بقدوة فى هذا الاستغفار فهو انما استغفر له و هو مشرك لمكان الوعد رجاء ان يسلم فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ اى لابراهيم بموت أبيه على الكفر او بما اوحى اليه بانه لن يؤمن أَنَّهُ عَدُوٌّ للّه تَبَرَّأَ مِنْهُ فقطع عن استغفاره و قيل فلما تبين له فى الاخرة انه عدو اللّه تبرأ منه روى البخاري عن ابى هريرة عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال يلقى ابراهيم أباه آزر يوم القيامة و على وجه آزر قترة و غبرة فيقول له ابراهيم الم اقل لك لا تعصنى فيقول له أبوه فاليوم لا أعصيك فيقول ابراهيم يا رب انك وعدتني ان لا تخزنى يوم يبعثون ناى خزى اخزى من ابى الا بعد فيقول اللّه تعالى انى حرمت الجنة على الكافرين ثم يقال يا ابراهيم انظر ما تحت رجليك فينظر فاذا هو بذيخ متلطخ فيوخذ بقوائمه فيلقى فى النار و فى رواية فتبرأ منه يومئذ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ الذي يكثر التأوه لكمال خشيته من اللّه تعالى كذا قال كعب الأحبار و كان ابراهيم عليه السلام يكثر ان يقول آه من النار قبل ان لا ينفع آه و قيل هو الذي يتاوه من الذنوب و مالهما واحد و كذا ما قال البغوي انه جاء فى الحديث الأواه الخاشع المتضرع فان الخشوع يستلزم التأوه من الذنوب و النار و كذا ما قال عطاء الراجع عن كل ما يكره اللّه الخائف من النار و قال ابن مسعود الأواه الدعّاء و عن ابن عباس قال المؤمن التواب و قال الحسن و قتادة الأواه الرحيم بعباد اللّه و قال مجاهد الأواه الموقن و قال عكرمة هو المستيقن بلغة الحبشة و قال عقبة بن عامر الأواه كثير الذكر للّه تعالى و عن سعيد بن جبير قال الأواه المسيح و روى عنه الأواه المعلم للخير و قال النخعي هو الفقيه و فى القاموس ذكر المعاني المذكورة فقال الأواه الموقن او الداعي او الرحيم او الفقيه او المؤمن بالحبشية و قال ابو عبيدة هو المتاوه شفقا المتضرع يقينا و لزوما للطاعة قال الزجاج انتظم قول ابى عبيدة جميع ما قيل فى الأواه حَلِيمٌ (١١٣) اى صفوح عمن ناله بمكروه و من ثم قال لابيه عند وعيده بقوله لان لم تنته لارجمنك قال سلام عليك ساستغفر لك ربى و قال ابن عباس الحليم السيد و فى القاموس الحلم بالكسر الاناءة و العقل فهو حليم و الجملة لبيان ما حمل ابراهيم على الاستغفار و اللّه اعلم- قال مقاتل و الكلبي ان قوما قدموا على النبي صلى اللّه عليه و سلم و اسلموا و لم يكن الخمر حراما و لا القبلة مصروفة الى الكعبة فرجعوا الى قومهم و هم على ذلك ثم حرمت الخمر و صرفت القبلة و لا علم لهم بذلك ثم قدموا المدينة فوجدوا الخمر قد حرمت و القبلة قد صرفت فقالوا يا رسول اللّه قد كنت على دين و نحن على غيره فنحن ضلال فانزل اللّه تعالى. ١١٥ وَ ما كانَ اللّه لِيُضِلَّ قَوْماً اى يحكم عليهم بالضلال و يسميهم الضالة و يواخذهم على فعل بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ للاسلام حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ اى ما يجب اتقائه من الأعمال فلم يتقوه و يستحقون الإضلال و قيل فيه بيان عذر لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى قوله لعمه لاستغفرن لك ما لم انه عنه او لمن استغفر لاسلافه المشركين قبل النهى قال مجاهد بيان اللّه للمؤمنين فى الاستغفار للمشركين خاصة و بيان لهم فى مغصية و طاعة عامة يعنى ان الاية نزلت فى الاستغفار للمشركين لكن حكمها عام لعموم الصيغة إِنَّ اللّه بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيمٌ (١١٤) يعنى يعلم حال من فعل جهلا و من فعل تمرد او من يستحق الإضلال و من لا يستحقه. ١١٦ إِنَّ اللّه لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ يُحْيِي وَ يُمِيتُ وَ ما لَكُمْ ايها الناس مِنْ دُونِ اللّه من غيره مِنْ وَلِيٍّ يحفظكم منه وَ لا نَصِيرٍ (١١٥) يمنع عنكم ضررا يريد بكم فلا ينبغى لكم ان توالوا بالمشركين و تستغفروا لهم و إن كانوا اولى قربى حسبكم ولاية اللّه و نصرته. ١١٧ لَقَدْ تابَ اللّه عَلَى النَّبِيِّ وَ الْمُهاجِرِينَ وَ الْأَنْصارِ من اذن المنافقين فى التخلف او المعنى برأهم عن تعلق الذنوب لقوله تعالى ليغفر لك اللّه ما تقدم من ذنبك و ما تأخر و قيل المراد بعث على التوبة و المعنى ما من أحد الا و هو محتاج الى التوبة حتى النبي صلى اللّه عليه و سلم و خاصة أصحابه لقوله تعالى توبوا الى اللّه جميعا إذ ما من أحد الا له مقام يستنقص دونه ما هو فيه و الترقي اليه توبة من تلك النقيصة و فيه اظهار تفضل التوبة بانها مقام الأنبياء و الصالحين من عباده و قيل افتتح الكلام بالنبي لانه كان سبب توبتهم فذكره معهم كما ذكر كلمة للّه فى قوله تعالى للّه خمسه و للرسول و لذى القربى الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ حين استغفرهم لغزوة تبوك فِي ساعَةِ اى وقت الْعُسْرَةِ قال البغوي كانت غزوة تبوك تسمى غزوة العسرة و الجيش جيش العسرة اى الشدة لما كانت عليهم عسرة من الظهر و الزاد و الماء قال الحسن كان العشرة منهم يخرجون على بعير واحد منهم يعنقبونه يركب الرجل ساعة ثم ينزل فيركب صاحبه كذلك و كان زادهم التمر المسوس و الشعير المتغير و كان النفر منهم يخرجون ما معهم الا التمرات بينهم فاذا بلغ الجوع من أحدهم أخذ التمرة فلاكها حتى يجد طعمها ثم يعطيها صاحبه فيمصها ثم يشرب عليها جرعة من ماء كذلك حتى يأتي على آخرهم و لا يبقى من التمرة الا النواة فمضوا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم على صدقهم و يقينهم روى احمد و ابن خزيمة و ابن حبان و الحاكم عن عمر بن الخطاب قال خرجنا الى تبوك فى يوم قيظ شديد فنزلنا منزلا و أصابنا فيه عطش حتى ظننا ان رقابنا سينقطع حتى إذا كان الرجل ليذهب فيلتمس الماء فلا يرجع حتى يظن ان رقبته سينقطع و حتى ان كان الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه «١» فيشربه و يجعل ما بقي على كبده فقال ابو بكر يا رسول اللّه ان اللّه عز و جل قد عود لك فى الدعاء خيرا فادع اللّه لنا قال أ تحب ذلك قال نعم فرفع يديه نحو السماء فلم يرجعها حتى جالت «٢» السماء فاظلت ثم سكبت فملاؤا ما معهم ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر و روى ابن ابى حاتم عن ابى حرزة الأنصاري قال نزلوا الحجر فامرهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان لا يحملوا من مائها شيئا ثم ارتحل ثم نزل منزلا آخر و ليس معهم ماء فشكوا ذلك الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فصلى ركعتين ثم دعا فارسل اللّه سحابة فامطرت عليهم حتى استقوا منها فقال رجل من الأنصار لآخر من قومه متهم بالنفاق ويحك قد ترى ما دعا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فامطر اللّه علينا السماء قال انما مطرنا بنوء كذا و كذا فانزل اللّه تعالى و تجعلون رزقكم انكم تكذبون مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قرأ حفص و حمزة بالياء التحتية و الباقون بالتاء الفوقية لان الفاعل مونث غير حقيقى قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ اى قلوب بعضهم و لم يرد الميل عن الدين بل أراد الميل الى التخلف و الانصراف لاجل الشدة التي كانت عليهم قال الكلبي همّ ناس بالتخلف ثم لحقوه و قال ابن إسحاق و محمد عمر كان نقر من المسلمين أبطأت بهم النية عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حتى تخلفوا عنه من غير شك و لا ارتياب منهم كعب بن مالك و هلال بن امية و مرارة ابن الربيع و ابو حيثمة و ابو ذر الغفاري و كانوا نفر صدق لا يتهمون فى إسلامهم روى ابن إسحاق عن ابن مسعود قال لما سار رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الى تبوك جعل يتخلف عنه الرجل فيقولون يا رسول اللّه تخلف فلان فيقول دعوه فان يك فيه خير فسيلحقه اللّه بكم و ان يك غير ذلك فقد ارى حكم اللّه فيه حتى قيل يا رسول اللّه تخلف ابو ذر و (١) الفرث الرجين فى الكرش ١٢. (٢) اى دارت السحاب يعنى برخاست ابر پس سايه كرد پس ريخت آب ١٢. ابطأ بعيره فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم نحو ذلك و تلوّم ابو ذر بعيره فلما ابطأ عليه أخذ متاعه فحمله على ظهره ثم خرج يتبع اثر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ماشيا قال محمد بن عمر كان ابو ذر يقول ابطأت على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى غزوة تبوك من أجل بعيري و كان نضوا «١» أعجف فقلت اعلفه أياما ثم الحق برسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فعلفته أياما ثم خرجت فلما كنت بذي المودة إذ مر بي فتلومت عليه يوما فلم ار به حركة فاخذت متاعى فحملته و تطلعت على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم نصف النهار فنظر ناظر من المسلمين فقال يا رسول اللّه ان هذا الرجل يمشى على الطريق وحده فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كن أبا ذر فلما تأمله القوم قالوا يا رسول اللّه هو و اللّه ابو ذر فقال رحم اللّه أبا ذر يمشى وحده و يموت وحده و يبعث وحده قال محمد بن يوسف الصالحي فكان كذلك فلما قدم ابو ذر على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أخبره خبره فقال لقد غفر اللّه تعالى لك يا أبا ذر بكل خطوة ذنبا الى ان بلغتني و روى الطبراني عن ابى خيثمة و ابن إسحاق و محمد بن عمر عن شيوخهما قال لما سار رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أياما دخل ابو خيثمة على اهله فى يوم حار فوجد امرأتين له فى عريشين لهما فى حائط و قد رشت كلواحدة منهما عريشها و برّدت له فيه ماء و هيات له فيه طعاما فلما دخل قام على باب العريش فنظر الى امرأتيه و ما صنعتا له فقال سبحان اللّه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قد غفر له ما تقدم من ذنبه و ما تأخر حرفى انصح و الريح و الحر يحمل سلاحه على عنقه و ابو خيثمة فى ظل بارد و طعام مهيا و امرأة حسناء فى ماله مقيم ما هذا بالنصف ثم قال و اللّه لا ادخل عريش واحدة منكما حتى الحق برسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم تهيا لى زادا ففعلتا ثم قدم ناضحه فارتحله ثم خرج فى طلب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حتى أدركه حتى نزل تبوك و قد أدرك أبا خيثمة عمير بن وهب الجمحي فى الطريق لطلب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فترافقا حتى إذا دنوا من تبوك قال ابو خيثمة لعمير بن وهب ان لى ذنبا فلا عليك ان تخلف عنى اتى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ففعل حتى إذا دنا من رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال الناس هذا راكب مقبل فقال رسول اللّه (١) نضوا الدابة التي هزلته الاسفار و أذهبت لحمها ١٢. صلى اللّه عليه و سلم كن أبا خيثمة فقالوا و اللّه هو ابو خيثمة فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اولى «١» لك يا أبا خيثمة ثم اخبر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الخبر فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم خيرا و دعا له بخير ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ تكرير للتاكيد او أراد بالتوبة فى صدر الاية التوبة من اذن المنافقين فى التخلف و هاهنا من كيدودتهم زيغ القلوب او المراد فى صدر الاية التوفيق للتوبة و الانابة و هاهنا قبول التوبة او للتبيه على انه تاب عليهم لاجل ما كابدوا من العسرة إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (١١٦) قال البغوي قال ابن عباس من تاب اللّه عليه لم يعذبه ابدا يعنى على ذلك الذنب. (١) اولى لك كلمة تهديه من دنا الى الهلاك ١٢. ١١٨ وَ عَلَى الثَّلاثَةِ عطف على عليهم الَّذِينَ خُلِّفُوا اى تخلفوا عن غزوة تبوك و قيل خلفوا اى أرجى أمرهم عن توبة ابى لبابة و أصحابه و هؤلاء الثلاثة هم كعب بن مالك الشاعر و مرارة ابن الربيع و هلال ابن امية كلهم من الأنصار روى الشيخان فى الصحيحين و احمد و ابن ابى شيبة و ابن إسحاق و عبد الرزاق عن كعب بن مالك قال لم أتخلف عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى غزوة غزاها الا فى غزوة تبوك غير انى كنت تخلفت فى غزوة بدر و لم يعاقب اللّه أحدا تخلف عنها انما خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يريد عير قريش حتى جمع اللّه بينهم و بين عدوهم على غير ميعاد و لقد شهدت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ليلة العقبة قلت يعنى ليلة العقبة الثالثة حين تواثقنا على الإسلام و ما أحب ان لى بها مشهد بدر و انكانت البدر اكثر ذكرا فى الناس منها كان من خبرى انى لم أكن قط أقوى و لا أيسر حين تخلفت عنه فى تلك الغزوة و اللّه ما اجتمعت عندى قبله راحلتان قط حتى جمعتها فى تلك الغزوة و لم يكن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يريد غزوة إلا ورى بغيرها و كان يقول الحرب خدعة حتى كانت تلك الغزوة غزاها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى حر شديد و استقبل سفرا بعيدا و صفاوز و عدوّا كثيرا فجلّا للمسلمين أمرهم ليتأهبوا اهبة غزوهم فاخبرهم بوجهه الذي يريد و المسلمون مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كثير و عند مسلم يزيدون على عشرة آلاف و روى الحاكم فى اكليل عن معاذ قال خرجنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الى غزوة تبوك زيادة عن ثلثين الفا و قال ابو ذرعة لا يجمعهم كتاب حافظ قال الزهري يريد الديوان فما رجل يريد ان يتغيب الا ظن انه سيخفى له ما لم ينزل فيه وحي من اللّه تعالى و غزا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم تلك الغزوة حين طابت الظلال و الثمار و تجهز رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و تجهز المسلمون معه فخرج يوم الخميس و كان يحب إذا كان سفر جهاد او غيره ان يخرج يوم الخميس فطفقت اعدوا لكى أتجهز معهم فارجع و لم اقض شيئا فاقول فى نفسى انا قادر عليه فلم يزل يتمادى بي الحال حتى اشتد بالناس الحر فاصبح رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم غازيا و المسلمون معه و لم اقض من جهازى شيئا فقلت أتجهز بعده بيوم او يومين ثم ألحقهم فغدوت بعد ان فصلوا لاتجهز فرجعت و لم اقض شيئا ثم غدوت و لم اقض شيئا فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى أمعن القوم و اسرعوا و تفارط الغزو و هممت ان ارتحل فادركهم و ليتنى فعلت و لم يقدر لى ذلك فكنت إذا خرجت فى الناس بعد خروج رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فطفت فيهم أحزنني ان لا ارى الا رجلا مغموصا «١» عليه بالنفاق او رجلا ممن عذر اللّه من الضعفاء و لم يذكر لى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حتى بلغ تبوك فقال و هو جالس فى القوم بتبوك ما فعل كعب بن مالك فقال رجل من بنى سلمة و فى رواية من قومى قال محمد بن عمر هو عبد اللّه بن أنيس السلمى يا رسول اللّه حبسه برداه «٢» و نظره فى عطفيه فقال معاذ بن جبل و يقال ابو قتادة بئسما قلت و اللّه يا رسول اللّه ما علمت عليه الا خيرا فسكت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال كعب فلما بلغني ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم توجه قافلا حضرنى همى و طفقت أعد عذرا لرسول اللّه صلى اللّه عليه و اهيّئ الكلام و أقول بماذا اخرج من سخطه غدا و استعنت على ذلك بكل ذى رأى من أهلي فلما قيل ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قد أظل قادما زاح عنى الباطل و عرفت ان لن اخرج منه ابدا بشي ء فيه كذب فاجمعت صدقه و عرفت انه لن ينجينى الا الصدق و أصبح رسول اللّه عليه و سلم قادما قال ابن سعد فى رمضان قال كعب و كان إذا قدم من سفر (١) اى مطعونا فى دينه ١٢. (٢) اى جانبيه كناية من كونه معجبا متكبرا ١٢. لا يقدم الا فى الضحى فيبدأ بالمسجد فيركع فيه ركعتين فيقعد فيه ثم يدخل على فاطمة ثم على أزواجه فبدأ بالمسجد فركعهما ثم جلس للناس فلما فعل ذلك جأه المخلفون فطفقوا يعتذرون اليه و يحلفون له و كانوا بضعة و ثمانين رجلا فقبل منهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم علانيتهم و بايعهم و استغفر لهم و وكل سرائرهم الى اللّه فجئته فلما سلمت عليه تبسم تبسم المغضب فقال تعال فجئت امشى حتى جلست بين يديه و عند ابن عابد فاعرض عنه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال يا رسول اللّه لم تعرض عنى فو اللّه ما نافقت و لا ارتبت و لا بدلت فقال لى ما خلفك الم تكن قد اتبعت ظهرا فقلت بلى انى و اللّه يا رسول اللّه لو جلست عند غيرك من اهل الدنيا لرأيت انى ساخرج من سخطه بعذر و لقد أعطيت جدلا و لكنى و اللّه لقد علمت لان حدثتك حديث كذب ترضى به عنى ليوشكن اللّه تعالى ان يسخطك و لان حدثتك حديث صدق تجد على فيه انى لارجوا فيه عفو اللّه لا و اللّه ما كان لى من عذر و اللّه ما كنت أقوى و لا أيسر منى حين تخلفت عنك فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اما هذا فقد صدق فقم حتى يفضى اللّه فيك بما يشاء فمضيت و ثار رجال من بنى سلمة فاتبعونى فقالوا لى ما علمناك كنت إذ نبت ذنبا قبل هذا و لقد عجزت ان لا تكون اعتذرت الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بما اعتذر اليه المخلفون قد كان كافيك ذنبك استغفار رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فو اللّه ما زالوا يؤنّبوننى حتى أردت ان ارجع فاكذب نفسى فقلت ما كنت اجمع أمرين أتخلف عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و كذبه ثم قلت لهم هل بقي هذا معى أحد قالوا نعم رجلان قالا مثل ما قلت فقيل لهما مثل ما قيل لك فقلت من هما قالوا مرارة بن الربيع العمرى و هلال بن امية الواقفي و عند ابن ابى حاتم من مرسل الحسن ان سبب تخلف الاول انه كان حائط حين زهى فقال فى نفسه قد غزوت قبلها فلو أقمت عامى هذا فلما تذكر ذنبه قال اللّهم انى أشهدك انى قد تصدقت به فى سبيلك و ان الثاني كان له اهل تفرقوا ثم رجعوا فقالوا قمت هذا العام عندهم فلما تذكر قال اللّهم لك على ان لا ارجع الى أهلي و لا مالى قال كعب فذكروا رجلين صالحين قد شهدا بدرا فيهما أسوة فمضيت حين ذكرهما و نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن كلامنا «١» ايها الثلاثة من بين من تخلف عنه فاجبنا الناس و تغيروا لنا و عند ابن ابى شيبة فطفقنا تغدوا فى الناس لا يكلمنا أحد و لا يسلم علينا أحد و لا يرد علينا أحد سلاما و عند عبد الرزاق و تنكر لنا الناس حتى ما هم بالذي نعرف و تنكرت لنا الحيطان حتى ما هى بالتي نعرف انتهى و من شى أهم الى من ان أموت فلا يصلى علىّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم او يموت فاكون من الناس بتلك المنزلة فلا يكلمنى أحد و لا يصلى علىّ حتى تنكرت فى نفسى الأرض حتى ما هى بالتي اعرف فلبثنا ذلك خمسين ليلة فاما صاحباى فاستكانا و قعدا فى بيوتهما يبكيان و اما انا فكنت أشب القوم و اجلدهم فكنت اخرج فاشهد الصلاة مع المسلمين و أطوف الأسواق فلا يكلمنى أحد و لا يرد على سلاما و آتى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فاسلم عليه و هو فى مجلسه بعد الصلاة فاقول فى نفسى هل حرك شفتيه برد السلام علىّ أم لا ثم أصلي قريبا منه فاسارقه النظر فاذا أقبلت على صلوتى اقبل على ذلك فاذا التفت نحوه اعرض عنى حتى إذا طال على ذلك من جفوة الناس مشيت حتى تسورت جدار حائط ابى قتادة و هو ابن عمى يعنى انه من بنى سلمة و ليس هو ابن أخو أبيه الأقرب قال كعب و هو أحب الناس الىّفسلمت عليه فواللّه ما رد علىّ السلام فقلت يا أبا قتادة هل تعلمنى أحب اللّه و رسوله فسكت فعدت له فسكت فلم يكلمنى حتى إذا كان فى الثالثة او الرابعة قال اللّه و رسوله اعلم ففاضت عيناى و توليت حتى تسورت من الجدار قال فبينا انا امشى بسوق المدينة إذا نبطي من أنباط الشام ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول من يدل على كعب بن مالك فطفق الناس يشيرون له حتى جاءنى و دفع الى كتابا من ملك غسان و عند ابن ابى شيبة من بعض قومى بالشام كتب الى كتابا فى سرقة «٢» من حرير فاذا فيه اما بعد فانه قد بلغني ان صاحبك قد جفاك و أقصاك و لم يجعلك اللّه بدار الهوان و لا مضيعة «٣» فان كنت متجولا فالحق بنا نواسيك «٤» فقلت لما قراتها و هذا ايضا من البلاء قد طمع فى اهل الكفر فتيممت (١) بالرفع و محله النصب على الاختصاص اى خصوصا الثلاثة الذين كقولهم اللّهم اغفر لنا أيتها العصابة و قال ابو سعيد السيرافي انه مفعول فعل محذوف اى أريد الثلاثة و خالفوا الجمهور و قالوا انه مناوى و الثلاثة صفة له و انما أوجبوا ذلك لانه فى الأصل كان كذلك قبل الاختصاص و كل ما نقل من باب الى باب فاعرابه بحسب أصله كافعل التعجب عنه. (٢) الأبيض من الحرير او الحرير عامه ١٢. (٣) حيث يضيع حقك ١٢. (٤) مواساة غمخوارى كردن ١٢. بها التنور فسجرته بها و عند ابن عابد انه شكى حاله الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و قال ما زال اعراضك عنى حتى رغب فىّ اهل الشرك قال كعب حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين إذا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يأتينى قال محمد بن عمر هو خزيمة بن ثابت و هو الرسول الى مرارة و هلال بذلك فقال كعب فقال ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يأمرك ان تعزل امرأتك فقلت أطلقها أم ماذا افعل قال لابل اعتزلها و لا تقربها و أرسل إلى صاحبى بمثل ذلك فقلت لامراتى الحقي باهلك فتكونى عندهم حتى يقضى اللّه فى هذا الأمر قال كعب بن مالك فجاءت امراة هلال بن امية اى خولة بنت عاصم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقالت يا رسول اللّه ان هلال بن امية شيخ ضايع ليس له خادم و عند ابن ابى شيبة انه شيخ قد ضعف بصره انتهى فهل تكره ان اخدمه قال لا و لكن لا يقر بك قالت انه و اللّه ما به حركة الى شى ء و اللّه ما زال يبكى منذ كان من امره ما كان الى يومه هذا قال كعب فقال لى بعض أهلي لو استأذنت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى امرأتك كما اذن لامراة هلال بن امية ان يخدمه فقلت و اللّه لا استاذن فيها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و ما يدرينى ما يقول رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا استاذنه فيها و انا رجل شاب فلبثت بعد ذلك عشر ليال حتى كملت لنا خمسون ليلة من حين نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن كلامنا و عند عبد الرزاق و كانت توبتنا نزلت على النبي صلى اللّه عليه و سلم ثلث الليل فقالت أم سلمة يا نبى اللّه الا نبشر كعب بن مالك قال إذا يحطمنكم الناس و يمنعونكم النوم سائر الليل فلما صليت الفجر صبح خمسين ليلة وافا على ظهر بيت من بيننا فبينا انا جالس على الحال التي ذكر اللّه تعالى قد ضاقت على نفسى و ضاقت على الأرض بما رحبت سمعت صوت صارخ او فى على جبل سلع بأعلى صوته يا كعب بن مالك البشر و عند محمد بن عمر و كان الذي اوفى على جبل سلع أبا بكر الصديق فصاح قد تاب اللّه على كعب يا كعب البشر و عند عقبة ان رجلين سعيا كعبا يبشرانه فسبق أحدهما فارتقى المسبوق على سلع فصاح يا كعب البشر بتوبة اللّه و قد انزل اللّه عز و جل فيكم القرآن و زعموا ان الذين سبقا ابو بكر و عمر قال كعب نخررت ساجدا ابكى فرحا بالتوبة و عرفت انه قد جاء فرج و آذن «١» رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم (١) بالمد اعلم ١٢. بتوبة اللّه علينا حين صلى صلوة الفجر فذهب الناس يبشروننا و ذهب قبل صاحبى مبشرون و ركض الىّ رجل على فرس و عند محمد بن عمر هو زبير بن العوام و سعى ساع من اسلم قال و كان الصوت اسرع من الفرس فلما جاءنى الذي سمعت صوته و هو حمزة الأسلمي يبشرنى نزعت له ثوبىّ فكسوته إياه يبشراه و و اللّه ما املك غيرهما يومئذ و استعرت ثوبين من ابى قتادة كما عند محمد بن عمر فلبسته مما قال و كان الذي بشر هلال بن امية بتوبة سعيد بن زيد فما ظننت انه يرفع راسه حتى تخرج نفسه اى الجهد فقد كان امتنع من الطعام حتى كان يواصل الأيام صياما لا يفتر من البكاء و كان الذي بشر مرارة ابن الربيع بتوبة سلكان بن سلامة ابو سلامة بن وقش قال كعب و انطلقت الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فيتلقانى الناس فوجا فوجا يهنؤنى بالتوبة يقولون لتهنئك توبة اللّه عليك قال كعب حتى دخلت المسجد فاذا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم جالس حوله الناس فقام الىّ طلحة بن عبيد اللّه يهرول حتى صافحنى و هنأنى و اللّه ما قام الىّ رجل من المهاجرين غيره و لا أنساها لطلحة قال كعب فلما سلمت على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و هو يبرق وجهه من السرور ابشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك قلت يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ا من عندك أم من عند اللّه قال لا بل من عند اللّه انكم صدقتم اللّه فصدقكم اللّه و كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا سر استنار وجهه كانه قطعة قمر و كنا نعرف ذلك منه فلما جلست بين يديه قلت يا رسول اللّه ان من توبتى ان انخلع من مالى كله صدقة الى اللّه تعالى و الى رسوله صلى اللّه عليه و سلم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم امسك عليك بعض مالك فهو خير لك قلت نصفه قال لا قلت فثلثه قال نعم قال فانى امسك سهمى الذي بخيبر و قلت يا رسول اللّه انما نجانى اللّه بالصدق و ان من توبتى ان لا أحدث الا صدقا ما بقيت فو اللّه ما اعلم أحدا من المسلمين أبلاه «١» اللّه فى صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم احسن مما ابتلاني ما تعمدت منذ ذكرت ذلك لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الى يومى هذا كذبا و انى لارجو ان يحفظنى اللّه تعالى فيما بقيت و انزل اللّه تعالى لقد تاب اللّه على النبي و المهاجرين و الأنصار الى قوله (١) اى أنعم اللّه عليه ١٢. [.....]. و كونوا مع الصادقين فو اللّه ما أنعم اللّه تعالى علىّ من نعمة بعد ان هدانى للاسلام أعظم من نفسى من صدقى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان لا أكون كذبة فأهلك كما هلك الذين كذبوا حين انزل الوحى شر «١» ما قال لاحد فقال تبارك و تعالى سيحلفون باللّه لكم إذا انقلبتم إليهم الى قوله فان اللّه لا يرضى عن القوم الفاسقين قال كعب و كنا تخلفنا ايها الثلاثة عن امر أولئك الذين قبل منهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حين حلفوا له فبايعهم و استغفر لهم و ارجا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أمرنا حتى قضى اللّه سبحانه فيه بذلك قال اللّه تعالى و على الثلاثة الذين خلفوا و ليس الذي ذكر اللّه تعالى ممن خلفنا عن الغزو و انما هو تخليفه إيانا و ارجاؤه أمرنا عمن خلف و اعتذر اليه فقبل منه قال فى النور لعل الحكمة فى هجران كعب و صاحبيه خمسين ليلة انها كانت هذه مدة غيبته صلى اللّه عليه و سلم فى سفر تلك الغزوة قال اللّه تعالى حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ لاعراض الناس عنهم بِما رَحُبَتْ اى مع رحبها و سعتها و هذا مثل لشدة الحيرة فى أمرهم كانهم لا يجدون فيها مكانا ليقرون فيه قلقا و اضطرابا وَ ضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ اى قلوبهم من فرط الوحشة و الغم بحيث لا يسعتها انس و لا سرور وَ ظَنُّوا اى علموا أَنْ لا مَلْجَأَ اى لا مفزع مِنَ اللّه من سخطه إِلَّا إِلَيْهِ اى الا الى استغفاره ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ اى قبل توبتهم لِيَتُوبُوا اى ليستقيموا على التوبة فان توبتهم قد سبقت او المعنى ليعدوا من جملة التوابين عن ابى بكر الوراق انه قال التوبة النصوح ان يضيق على التائب إذا أذنب الأرض بما رحبت و تضيق عليه نفسه كتوبة هؤلاء الثلاثة إِنَّ اللّه هُوَ التَّوَّابُ عن ابى موسى قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان اللّه يبسط يده بالليل ليتوب مسئ النهار و يبسط يده بالنهار ليتوب مسئ الليل حتى تطلع الشمس من مغربها رواه مسلم و عن انس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اللّه أشد فرحا يتوب عبده حين يتوب اليه من أحدكم كان راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه و عليها طعامه و شرابه فايس منها فاتى شجرة فاضطجع فى ظلها قد ايس من راحلته فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده فاخذ بخطامها ثم قال لشدة الفرح اللّهم أنت عبدى و انا ربك اخطأ من شدة الفرح رواه مسلم و فى الباب أحاديث كثيرة الرَّحِيمُ (١١٧) المتفضل عليهم بالنعم. (١) شر ما قال لاحد بالاضافة به اى قال قولا شر القول الكائن لاحد من الناس ١٢. ١١٩ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّه وَ كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (١١٨) فى ايمانهم و عهودهم او فى دين اللّه نية و قولا و عملا يعنى الزموا الصدق فى كل شى ء قال ابن عباس و كذا روى عن ابن عمر اى كونوا مع محمد صلى اللّه عليه و سلم و أصحابه الذين صدقت نياتهم و استقامت قلوبهم و أعمالهم و خرجوا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الى تبوك بإخلاص نية دون المنافقين المتخلفين عنه و قال سعيد بن جبير مع ابى بكر و عمر و قال الضحاك أمروا ان يكونوا مع ابى بكر و عمر و أصحابهما و روى انه قال ابن عباس مع على ابن ابى طالب عن سفيان قال تفسير اختلاف انما هو كلام جامع يراد به هذا و هذا و قال ابن جريج مع المهاجرين لقوله تعالى للفقراء المهاجرين الى قوله أولئك هم الصادقون و قيل من الذين صدقوا فى الاعتراف بالذنب و لم يعتذروا بالاعذار الكاذبة قال ابن مسعود ان الكذب لا يصلح فى جد و لا هزل و لا ان يعد أحدكم صبية شيئا ثم لا ينجز له اقرأ ان شنم و قرا هذه الاية. ١٢٠ ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ظاهره خبر و معناه نهى كقوله تعالى و ما لكم ان توذوا رسول اللّه وَ مَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ سكان البوادي مزينة و جهينة و أشجع و اسلم و غفار أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا غزا بنفسه الشريفة وَ لا يَرْغَبُوا و لا ان يرغبوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ اى لا يضنوا أنفسهم عمالا يضن نفسه عنه ذلِكَ اشارة الى ما دل عليه قوله ما كان من النهى عن التخلف يعنى ذلك النهى بِأَنَّهُمْ اى بسبب انهم لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ اى شى ء من العطش وَ لا نَصَبٌ تعب وَ لا مَخْمَصَةٌ مجاعة فِي سَبِيلِ اللّه اى معاونة رسوله و الجهاد لاعلاء دينه وَ لا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً مصدر او ظرف اى يدوسون دوسا او يذهبون أرضا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وطئهم إياها وَ لا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا قتلا او اسرا او نهبا او غنيمة إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ اى استوجبوا به الثواب و ذلك مما يوجب المشايعة و الانتهاء عن التخلف إِنَّ اللّه لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (١١٩) على إحسانهم و هو تعليل لكتب و تنبيه على ان الجهاد احسان اما فى حق الكفار فلانه سعى فى تكميلهم و إنقاذهم من النار بأقصى ما يمكن كالضرب للمجنون و تأديب الصبى و اما فى حق المؤمنين فلانه صيانة لهم عن سطوة الكفار و استيلائهم عن ابى عبس قال سمعت النبي صلى اللّه عليه و سلم يقول من اغبرت قدماه فى سبيل اللّه حرمه اللّه تعالى على النار رواه البخاري فى الصحيح و احمد و الترمذي و النسائي و عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مثل المجاهد فى سبيل اللّه كمثل الصائم القائم القانت بايات اللّه لا يفتر من صيام و لا صلوة حتى يرجع المجاهد فى سبيل اللّه متفق عليه قال البغوي اختلفوا فى حكم هذه الاية قال قتادة هذه خاصة لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا غزا بنفسه لم يكن لاحد ان يتخلف عنه الا بعذر فاما غيره من الائمة و الولاة فيجوز لمن شاء من المؤمنين يتخلف عنه إذا لم يكن بالمسلمين اليه ضرورة و قال الوليد بن مسلم سمعت الأوزاعي و ابن المبارك و ابن جابر و سعد بن عبد العزيز يقولون هذه الاية لاول هذه الامة و آخرها و قال ابن زيد هذا حين كان اهل الإسلام قليلا فلما كثروا نسخها اللّه تعالى و أباح التخلف لمن شاء و قال و ما كان المؤمنون لينفروا كافة قلت اتفق الائمة على ان الجهاد فرض كفاية إذا قام به جماعة من المسلمين و حصل بهم الكفاية سقط عن الباقين و عن سعيد بن المسيب انه فرض عين للعمومات الواردة فى الجهاد و ما ورد التغليظ فى المتخلفين عن غزوة تبوك قلنا عند النفير العام يكون فرضا على الأعيان بالإجماع كما فى غزوة تبوك و الا فهو فرض كفاية لقوله تعالى لا يستوى القاعدون من المؤمنين غير اولى الضرر و المجاهدون فى سبيل اللّه الى قوله و كلا وعد اللّه الحسنى و قوله تعالى و ما كان المؤمنون لينفروا كافة قوله تعالى. ١٢١ وَ لا يُنْفِقُونَ فى سبيل اللّه نَفَقَةً صَغِيرَةً وَ لا كَبِيرَةً كما فعل عثمان بن عفان و عبد الرحمن بن عوف و غيرهما فى جيش العسرة (وَ لا يَقْطَعُونَ) فى مسيرهم مقبلين و مدبرين وادِياً و هو كل منفرج ينفذ فيه السيل اسم فاعل من ودى إذا سال فشاع بمعنى الأرض (إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ) ذلك لِيَجْزِيَهُمُ اللّه بذلك الكتابة أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١٢٠) يعنى جزاء احسن أعمالهم يعنى الجهاد فى سبيل اللّه او احسن جزاء أعمالهم عن ابى مسعود الأنصاري قال جاء رجل بناقة مخطومة فقال هذه فى سبيل اللّه فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة كلها مخطومة رواه مسلم و عن زيد بن خالد ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال من جهز غازيا فى سبيل اللّه فقد غزا و من خلف غازيا فى اهله فقد غزا متفق عليه و اللّه اعلم قال الكلبي ان احياء بنى اسد بن خزيمة أصابتهم سنة شديدة فاقبلوا بالذراري حتى نزلوا بالمدينة فافسدوا طرقها بالعذرات و اغلوا أسعارها فانزل اللّه تعالى. ١٢٢ وَ ما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً نفى بمعنى النهى و اللام لتأكيد النفي و المعنى لا ينفروا كافة عن أوطانهم لطلب العلم فانه مخل بالمعاش و مفضى الى المفسدة فَلَوْ لا فهلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ اى من كل جماعة كثيرة كقبيلة و اهل بلدة او قرية طائِفَةٌ جماعة قليلة لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ اى ليتكلفوا الطلب الفقاهة فى الدين و يتجشموا المشاق فى تحصيلها قال صاحب النهاية الفقه فى الأصل الفهم و اشتقاقه من الشق و الفتح و فى القاموس الفقه بالكسر المعلم بالشي ء و الفهم له و الفطنة و غلب على علم الدين لشرفه و قال بعض المحققين الفقه هو التوصل الى علم غائب بعلم شاهد فهو أخص من العلم يعنى العلم الاستدلالي قال اللّه تعالى فما لهولاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا و لا يستنبطون مضمونه قال ابو حنيفة رحمه اللّه هو معرفة النفس مالها و ما عليها و التخصيص بالعلم بفروع الدين اصطلاح جديد و الظاهر انه يشتمل علم المقلد ايضا فالمقلد إذا أخذ العلم من المجتهد و من كتابه فقد ادى ما وجب عليه بهذه الاية و اللّه اعلم وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ الذين لم ينفروا إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ فى أوطانهم بعد تحصيل العلم لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (١٢١) بانذارهم ما يجب عليهم اجتنابها و قال مجاهد نزلت فى ناس خرجوا فى البوادي فأصابوا منهم معروفا و دعوا من وجدوا من الناس الى الهدى فقال الناس لهم ما نريك الا و قد تركتم صاحبكم و جئتمونا فوجدوا فى أنفسهم من ذلك حرجا فاقبلوا كلهم من البادية حتى دخلوا على النبي صلى اللّه عليه و سلم فانزل اللّه تعالى هذه الاية قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم تجدون الناس معادن كمعادن الذهب و الفضة فخيارهم فى الجاهلية خيارهم فى الإسلام إذا فقهوا رواه الشافعي و كذا روى الشيخان فى الصحيحين و احمد عن ابى هريرة و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الناس رجلان عالم و متعلم و لا خير فيما سواهما رواه الطبراني عن ابن مسعود و اللّه اعلم و هذه الاية دليل على ان اخبار الآحاد حجة لان عموم كل فرقة يقتضى ان ينفر من كل ثلثة تفردوا بقرية طائفة الى التفقه لينذر فرقتها كى يتذكروا فيحذروا فلو لم يعتبر الاخبار ما لم يتواتر لم يفد ذلك اعلم ان الفقه فى الدين ينقسم الى فرض عين و فرض كفاية فالفرض العين هو العلم بالعقائد الصحيحة و من الفروع ما يحتاج اليه كل أحد كالطهارة و الصلاة و الصوم و كذلك كل عبادة أوجبها الشرع على الآدمي يجب عليه معرفة أحكامها مثل علم الزكوة إن كان له مال و علم الحج ان وجب عليه و كذلك من المعاملات يجب معرفة احكام ما يتعاطى بها و يمارسها فيجب معرفة احكام البيع من الصحيح و الفاسد و الربوا للتجار و الإجارات لمن يتاتى بها و نحو ذلك قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم طلب العلم فريضة على كل مسلم رواه ابن عدى و البيهقي بسند صحيح عن انس و الطبراني فى الصغير و الخطيب عن الحسن بن على و الطبراني فى الأوسط عن ابن عباس و فى الكبير عن ابن مسعود و عند الخطيب عن على و فى الطبراني فى الأوسط و البيهقي عن ابى سعيد و زاد ابن عبد البر عن انس و ان طالب العلم يستغفر له كل شى ء حتى الحيتان فى البحر و فى رواية و اللّه يحب إغاثة اللّهفان و الفرض الكفاية و هو ان يتعلم الرجل كل باب من العلم حتى يبلغ درجة الفتوى فاذا قعد أهل بلد عن تعلمه عصوا جميعا و إذا قام من كل بلد واحد بتعلمه سقط عن الباقين و عليهم تقليده فيما يقع لهم من الحوادث و هو أفضل من كل عبادة نافلة قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم طلب العلم أفضل عند اللّه من الصلاة و الصيام و الحج و الجهاد فى سبيل اللّه عز و جل رواه صاحب سند الفردوس عن ابن عباس و روى ايضا عنه طلب العلم ساعة خير من قيام ليلة و طلب العلم يوما خير من صيام ثلثة ايام و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فضل العالم على العابد كفضلى على أدناكم ان اللّه و ملئكة و اهل السموات و الأرضين حتى النملة فى جحرها و حتى الحوت فى الماء ليصلون على معلم الناس الخير رواه الترمذي بسند صحيح عن ابى امامة و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقيه واحد أشد على الشيطان من الف عابد رواه الترمذي و ابن ماجة عن ابن عباس و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا مات الإنسان انقطع عمله الا من ثلثة الا من صدقة جارية او علم ينتفع به او ولد صالح يدعوا له و اما لعلم اللدني فى الذي يسمون أهلها بالصوفية الكرام فهو فرض عين لان ثمراتها تصفيه القلب عن الاشتغال بغير اللّه تعالى و اتصافه بدوام الحضور و تزكية النفس عن رذائل الأخلاق من العجب و الكبر و الحسد و حب الدنيا و الكسل فى الطاعات و إيثار الشهوات و الرياء و السمعة و غير ذلك و تجليتها بكرام الأخلاق من التوبة و الرضا بالقضاء و الشكر على النعماء و الصبر على البلاء و غير ذلك و لا شك ان هذه الأمور محرمات و فرايض على كل بشر أشد تحريما من معاصى الجوارح و أهم افتراضا من فرائضها فالصلوة و الصوم و شى ء من العبادات لا يعبأ بشئ منها ما لم تقترن بالإخلاص و النية قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان اللّه لا يقبل من العمل الا ما كان له خالصا و ابتغى به وجهه رواه النسائي عن ابى امامة و قال عليه السلام ان اللّه لا ينظر الى صوركم و أموالكم و لكن ينظر الى قلوبكم- رواه مسلم عن ابى هريرة و كل ما يترتب عليه من الفروض الأعيان فهو فرض عين و اللّه اعلم و فى سبب نزول الاية وجه آخر و ذلك ما قال البغوي انه قال ابن عباس فى رواية الكلبي و كذا اخرج ابن ابى حاتم عن عكرمة و نحوه عن عبد اللّه بن عمير انه لما انزل اللّه تعالى عيوب المنافقين فى غزوة تبوك و نزلت ان لا تنفروا يعذبكم عذابا أليما كان النبي صلى اللّه عليه و سلم يبعث السرايا فكان المسلمون ينفرون جميعا الى الغزو و يتركون النبي صلى اللّه عليه و سلم و خده و فى رواية عكرمة تخلف عن الغزو أناس من اهل البوادي فقالت المنافقون هلك أصحاب البوادي فانزل اللّه تعالى هذه الاية يعنى ما كان المؤمنون لينفروا الى الغزو كافة فهلا نفر من كل فرقة عظيمة طايفة الى الغزو و بقي طائفة مع النبي صلى اللّه عليه و سلم ليتفقه القاعدون فى الدين و يتعلمون القرآن و السنن و الفرائض و الاحكام فاذا رجعت السرايا اخبروهم بما نزل بعدهم فتمكث السرايا يتعلمون ما نزل بعدهم و ينفر سرايا اخر حتى لا ينقطع التفقه الذي هو الجهاد الأكبر لان الجدال بالحجة هو الأصل و المقصود من البعثة و لذا قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم العلماء ورثة الأنبياء فيكون الضمير فى ليتفقهوا و لينذروا لبواقى الفرق بعد الطائفة النافرة للغزوة و فى رجعوا للطائفة النافرة قال السيوطي قال ابن عباس فهذه مخصوصة بالسرايا و التي من قبلها بالنهى عن تخلف أحد فيما إذا خرج النبي صلى اللّه عليه و سلم و قال الحسن هذه التفقه و الانذار راجع الى الفرقة النافرة معناه هلا نفر فرقة ليتفقهوا اى ليبصروا بما يريهم من الظهور على المشركين و نصرة الدين و لينذروا قومهم من الكفار إذا رجعوا من الجهاد فيخبروهم بنصر اللّه رسوله و المؤمنين لعلهم يحذرون قتال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فنزل بهم ما نزل باصحابهم من الكفار و هذا يدل على ان الجهاد فرض كفاية إذا قام به جماعة سقطه عن الباقين الا عند النفير العام حتى يصير فرضا على الأعيان قوله تعالى. ١٢٣ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ امر بقتال الأقرب منهم فالاقرب إليهم فى الدور و النسب فان الأقرب أحق بالشفقة و الاستصلاح و لذلك امر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اولا بانذار عشيرته الأقربين و لما هاجر الى المدينة امر بقتال قريظة و النضير و خيبر و نحوها و إذا فرغ من قتال العرب امر بقتال الروم و هم المراد بهذه الآية لانهم كانوا سكان الشام و كان الشام اقرب الى المدينة من العراق فاذا نزلت هذه الآية عزم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم على قتال الروم عام تبوك كما ذكرنا فيما سبق فى رواية ابن مردوية عن ابن عباس و ابن ابى شيبة و ابن المنذر عن مجاهد و ابن جرير عن سعيد بن جبير و على مقتضى هذه الاية قالت الفقهاء يجب على من يكون فى الثغر الجهاد بمن يليهم من الكفار فان لم يكن بهم كفاية او تكاسلوا و عصوا يجب على من يقرب منهم و كذا من يقرب ممن يقرب ان لم يكن بهم كفاية او تكاسلوا و هكذا الى ان يجب على جميع اهل الإسلام شرقا و غربا كذا جهاز الميت و الصلاة عليه وَ لْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً شدة و حمية قال الحسن صبرا على الجهاد و ظاهر الاية امر للكفار و المراد منه الأمر للمؤمنين بالتغليظ يعنى اغلطوا عليهم وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّه مَعَ الْمُتَّقِينَ (١٢٢) دون الكفار بالعون و النصر فلا تبالوا بقتالهم قوله تعالى. ١٢٤ وَ إِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ ما صلة مؤكدة فَمِنْهُمْ يعنى من المنافقين مَنْ يَقُولُ لاخوانه استهزاء أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ السورة إِيماناً يقينا و تعديقا قال اللّه تعالى فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً بزيادة العلم الحاصل من تدبير السورة بما فيها من الاعجاز و بانضمام الايمان بها و بما فيها الى ايمانهم وَ هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (١٢٣) بنزولها لانه سبب لزيادة علمهم و كما لهم و ارتفاع و رجاتهم. ١٢٥ وَ أَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ شك و نفاق فَزادَتْهُمْ السورة رِجْساً كفرا بها مضموما إِلَى رِجْسِهِمْ كفرهم بغيرها وَ ماتُوا وَ هُمْ كافِرُونَ (١٢٤) فان الايمان امر وهبى لا يفيد النذر و الآيات مالم يشاء اللّه قال مجاهد فى هذه الاية دلالة على ان الايمان يزيد و ينقص و كان عمر رضى اللّه عنه يأخذ بيد الرجل و الرجلين من أصحابه فيقول تعالوا حتى نزداد ايمانا و قال على رضى اللّه عنه ان الايمان يبدوا لمظة «١» بيضاء فى القلب كلما ازاد الايمان عظما ازداد ذلك البياض من حتى يبيض القلب كله و ان النفاق يبدو لمظة سوداء فى القلب فكلما ازداد النفاق ازداد ذلك السواد حتى يسود القلب و ايم اللّه لو شققتم عن قلب مومن لوجدتموه ابيض لو شققتم عن قلب منافق لوجدتموه أسودا. (١) المظة النكتة من البياض ١٢. ١٢٦ أَ وَ لا يَرَوْنَ قراءة حمزة و يعقوب بالتاء الفوقانية على خطاب المؤمنين و الباقون بالياء التحتانية حكاية عن المنافقين المذكورين أَنَّهُمْ اى المنافقون يُفْتَنُونَ اى يبتلون بأصناف البليات من الأمراض و الشدائد و قال مجاهد بالقحط و الشدة و قال قتادة بالغزو و الجهاد مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فيعاينون ما يظهر من الآيات و قال مقاتل بن حبان يفضحون بإظهار نفاقهم و قال عكرمة ينافقون ثم يومنون ثم ينافقون و قال يمان ينقضون عهودهم فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ من نقض العهد و من المعاصي و النفاق الجالب إليهم تلك البليات و الفضائح وَ لا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (١٢٥) أصله يتذكرون اى لا يتعظون بما يرون من تصديق وعد اللّه بالنصر و الظفر للمسلمين. ١٢٧ وَ إِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فيها ذكرهم و قرأها النبي صلى اللّه عليه و سلم نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ اى تغامزوا بالعيون إنكارا لها و سخرية او غيظا لما فيها من عيوبهم و تفضيحهم و يريدون الهرب قائلا بعضهم لبعض اشارة هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ من زائدة يعنى هل يراكم أحد من المؤمنين ان قمتم من عند رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فان لم يرهم أحد خرجوا من المسجد و ان علموا ان أحدهم يريهم أقاموا و ثبتوا ثُمَّ انْصَرَفُوا عن الايمان بها و قيل انصرفوا عن مواضعهم التي يسمعون فيها يعنى حضرة الرسول صلى اللّه عليه و سلم مخافة الفضيحة صَرَفَ اللّه قُلُوبَهُمْ عن الايمان قال ابو إسحاق أضلهم اللّه مجازاة على فعلهم ذلك و يحتمل الدعا بِأَنَّهُمْ اى بسبب انهم قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (١٢٦) اى لا يفقهون الحق سوء فهمهم و عدم تدبرهم. ١٢٨ لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ اى من جنسكم عربى مثلكم من بنى اسمعيل عليه السلام تعرفون نسبه و حسبه قال ابن عباس ليس من العرب قبيلة الا و قد ولدت النبي صلى اللّه عليه و سلم و له فيهم نسب قال جعفر بن محمد الصادق لم يصبه شى ء من ولاد الجاهلية من زمان آدم عليه السلام روى البغوي بسنده عن ابن عباس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما ولدني من سفاح الجاهلية شى ء ما ولدني الانكاح كنكاح الإسلام و قرا ابن عباس و الزهري و ابن محيصن من أنفسكم بفتح الفاء اى اى من أشرفكم و أفضلكم عَزِيزٌ شديد شاق عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ قيل ما زايدة معناه عنتكم اى دخول المشقة و المضرة عليكم و قال القتيبي ما اعنتكم و ضركم و قال ابن عباس ما ضللتم و قال الضحاك و الكلبي أثمتم فما موصولة حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ اى على ايمانكم و صلاح شانكم بِالْمُؤْمِنِينَ منكم و من غيركم رَؤُفٌ رَحِيمٌ (١٢٧) الرأفة شدة الرحمة قدم الأبلغ منها لرعاية الفواصل قبل رؤف بالمطيعين رحيم بالمذنبين. ١٢٩ فَإِنْ تَوَلَّوْا عن الايمان بك و ناصبوك للحرب فَقُلْ حَسْبِيَ اللّه فانه يكفيك مؤنتهم و يعينك عليهم لا إِلهَ إِلَّا هُوَ كالدليل عليه عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ فلا ارجوا و لا أخاف الا منه وَ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (١٢٨) خصه بالذكر لانه أعظم المخلوقات اخرج عبد اللّه بن احمد عن ابى بن كعب قال اخر ما نزل من القرآن هاتان الآيتان لقد جاءكم رسول من أنفسكم الى اخر السورة و قال «١» هما أحدث الآيات باللّه عهدا و اللّه اعلم. (فصل) و لما كان نزول اكثر هذه السورة فى غزوة تبوك و قد ذكرنا بعض قصصها فى ضمن تفسير السورة فلنذكر بقية قصص تلك الغزوة و المعجزات التي ظهرت فيها تتميما للمقال روى الطبراني عن عبد اللّه بن سلام ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لما مر بالخليجة فى سفره الى تبوك قال له أصحابه المبرك يا رسول اللّه الظل و الماء و إن كان فيها دوم «٢» و ماء فقال انها ارض زرع دعوها فانها مامورة يعنى ناقته فاقبلت حتى بركت عند الدومة التي كانت فى مسجد ذى المروة قال محمد بن عمر و لما نزل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم وادي القرى اهدى له بنى عريض اليهودي هريسا فاكلها و أطعمهم أربعين وسقا فهى جارية عليهم الى يوم القيامة و فى رواية فهى جارية عليهم الى الساعة روى مالك و احمد و الشيخان فى (١) عن يحيى بن عبد الرحمان بن حاطب انه قال أراد عمر بن الخطاب ان يجمع القران فقام فى الناس فقال من كان تلقى فى زمن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم شيئا من القرآن فلياتنا به و كانوا كتبوا ذلك فى الصحف و الألواح و العسب و كان لا يقبل من أحد شيئا حتى يشهد به شاهدان فقتل و هو يجمع ذلك اليه فقام عثمان بن عفان فقال من كان عنده شى ء من كتاب اللّه فلياتنا به و كان لا يقبل من ذلك حتى يشهد به شاهدان فجاء خزيمة بن ثابت فقال انى رايتكم تركتم به ايتين لم تكتبوهما فقال اما هما قال تلقيت من رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم الآيتين فقال عثمان و انا اشهد انهما من اللّه فاين نرى ان تجعلهما قال اختم بهما آخر ما نزل من القرآن فتحتمت بها براة الحمد للّه رب العلمين صلى اللّه على رسوله روف الرحيم. (٢) الودم جمع ودمة و هى ضخام الشجري شجر المقل ١٢. الصحيحين عن ابن عمرو احمد عن جابر و ابى كبشة الأنماري و ابى حميد الساعدي ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لما مر بالحجر تقنع بردائه و هو على الرحل فاوضع راحلته حتى خلف أبيات ثمود و لما نزل هناك تسارع الناس الى اهل الحجر يدخلون عليهم و استقى الناس من الآبار التي كانت تشرب منها ثمود و عجنوا و نصبوا القدور باللحم فبلغ ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فنودى فى الناس الصلاة جامعة فلما اجتمعوا قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم الا ان تكونوا باكين ان يصيبكم ما أصابهم و لا تشربوا من مائها و لا تتوضاوا منه للصلاة و اهريقوا القدور و اعلفوا العجين الإبل ثم ارتحل بهم حتى نزل على البير التي كانت تشرب منها الناقة و قال لا تسألوا الآيات فقد سالها قوم صالح سألوا نبيهم ان يبعث لهم آية فبعث اللّه تبارك و تعالى لهم الناقة فكانت ترد هذا الفج و تصدر «١» من هذا الفج «٢» فعتوا عن امر ربهم فعقروها و كانت تشرب مياههم يوما و يشربون لبنها يوما فعقروها فاخذتهم صيحة اخمد اللّه تعالى من تحت أديم السماء منهم إلا رجلا واحدا كان فى حرم اللّه قيل من هو يا رسول اللّه قال ابو رغال فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه ما تدخلون على قوم غضب اللّه عليهم فناداه رجل منهم تعجب منهم فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الا أنبئكم بأعجب من ذلك رجل من أنفسكم ينبئكم بما كان قبلكم و بما هو كائن بعدكم فاستقيموا و سددوا فان اللّه لا يعبأ بعذابكم شيئا و سيأتى اللّه بقوم لا يدفعون عن أنفسهم بشئ تهب عليكم الليلة ريح شديدة فلا يقومن أحد و من كان له بعير فليوثق عقاله و لا يخرجن أحد منكم الا و معه صاحب له ففعل الناس ما أمرهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إلا رجلين من بنى ساعدة خرج أحدهما لحاجته و خرج الآخر فى طلب بعير له فاما الذي خرج لحاجته فانه خنق على مذهبه و اما الذي ذهب فى طلب بعيره فاحتملته الريح حتى طرحته على جبل طى فاخبر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بذلك فقال الم أنهكم ان يخرج أحد الا و معه صاحب له ثم دعا للذى أصيب على مذهبه فشفى و اما لاخر فان طيا أهدته الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم (١) تصدر اى ترجع بعد ورود ١٢. (٢) اى الموضع الذي ينغوط فيه ١٢. حين رجع الى المدينة و قد مر قصة استسقائه صلى اللّه عليه و سلم و روى محمد بن عمر و محمد بن إسحاق انه ضلت ناقة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و خرج الناس فى طلبها فقال زيد بن اللّصيب أحد بنى قينقاع كان يهوديا فاسلم و نافق و كان فى رجل عمارة بن حزم محمد يزعم انه نبى و هو يخيركم خبر السماء و هو لا يدرى اين ناقته فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و كان عمارة بن حزم عنده ان منافقا قال كذا و اللّه انى لا اعلم الا ما علمنى اللّه و قد اطلعنى اللّه عليها و هى فى الوادي فى شعب كذا فذهبوا فجاؤا بها فاقبل عمارة على زيد يجافى عنقه و يقول اخرج يا عدو اللّه من رحلى فلا تصاحبنى قال ابن إسحاق فزعم بعض الناس ان زيدا تاب و قال بعض الناس لم يزل منافقا حتى هلك و فى تلك الغزوة ما روى مسلم عن المغيرة بن شعبة ذهاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قبل الفجر لحاجته فاسفر الناس حتى خافوا الشمس فقدموا عبد الرحمن بن عوف فصلى بهم و توضأ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و ضاق كم جبته فاخرج يديه من تحت الجبة و مسح على خفيه و أدرك ركعة فصلى ركعة اخرى و سلم و قال أحسنتم صلوا الصلاة لوقتها و انه لم يتوف نبى حتى يؤمه رجل صالح من أمته و روى احمد و الطبراني انه صلى اللّه عليه و سلم اردف سهيل بن بيضاء على رحله و رفع صوته يا سهيل ثلث مرات كل ذلك يقول سهيل لبيك حتى عرف الناس انه يريدهم فلما اجتمع الناس قال من شهد ان لا اله الا اللّه وحده لا شريك له حرمه اللّه على النار روى محمد بن عمرو ابو نعيم فى الدلائل انه عارض الناس حية عظيمة ذكر من عظمها و خلقها فاقبلت حتى واقفت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و هو على راحلته طويلا و الناس ينظرون اليه فقامت قائمة فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم هذا أحد الرهط الثمانية من الجن الذين وفد و الىّ يسمعون القرآن و هاهو ذا يقرأكم السلام فقال الناس جميعا و عليه السلام و رحمة اللّه و بركاته روى احمد برجال الصحيح عن حذيفة عن معاذ قال عليه السلام لكم ستاتون غدا إنشاء اللّه عين تبوك و انكم لن تأتوها حتى يضحى النهار فمن جاء فلا يمس من ماءها شيئا حتى اتى فجئناها و سبق اليه رجلان و العين مثل الشراك بتض «١» بشئ من ماء فسالهما رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم هل مسستما من مائها شيئا (١) اى تسيل ١٢. قالا نعم فسبهما و قال لهما ما شاء اللّه ان يقول ثم غرفوا من العين قليلا قليلا حتى اجتمع فى شن ثم غسل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فيه وجهه و يديه و تمضمض ثم إعادة فجرت العين بماء كثير و لفظ ابن إسحاق فانخرق الماء حتى كان يقول من سمعه ان له حساكحس الصواعق و ذلك الماء فوارة بتبوك ثم قال يا معاذ يوشك ان طالت بك حيوة ان ترى ما هاهنا يلى جنانا و فيما روى البيهقي و ابو نعيم عن عروة ففارت عينها حتى امتلأت فهى كذلك حتى الساعة روى احمد و النسائي عن ابى سعيد الخدري خطب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عام تبوك و هو مسند ظهره الى نخلة فنادى الا أخبركم بخير الناس و شر الناس ان من خير الناس رجل محمل فى سبيل اللّه على ظهر فرسه او على ظهر بعيره او على قدميه حتى يأتيه الموت و ان من شر الناس رجلا يقرأ كتاب اللّه لا يرعوى «١» الى شى ء منه و روى ابو داود عن ابن عمر قال اتى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بجنبة فى تبوك فدعا بسكين فسمى و قطع روى احمد و ابو داود انه مر غلام بينه صلى اللّه عليه و سلم و بين القبلة على حمار و هو يصلى فقال اللّهم اقطع اثره فصار مقعدا و رمى محمد بن عمر عن رجل من بنى سعد قال جئت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و هو جالس بتبوك فى نفر فقال يا بلال أطعمنا فاخرج بلال خرجات بيده من تمر معجون بسمن و إقط فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كلوا فاكلنا حتى شبعنا فقلت يا رسول اللّه ان كنت لا كل هذه وحدي فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الكافر يأكل فى سبعة أمعاء و المؤمن يأكل فى معاء واحد ثم جئته من الغد فاذا عشرة نفر حوله فقال هات أطعمنا يا بلال فجعل يخرج من جراب تمرا بكفه قبضة قبضة فقال اخرج و لا تخش من ذى العرش إقتارا فجاء بجراب فنشره فخرزته مدين فوضع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يده على التمر و قال كلوا بسم اللّه فاكلوا و أكلت معهم حتى ما أجد له مسلكا قال و بقي على النطع مثل الذي جاء به بلال كانّا لم ناكل منه تمرة واحدة ثم قال غدوت من الغد و عاد نفر فكانوا عشرة او يزيد رجلا او رجلين فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يا بلال أطعمنا فجاء بلال بذلك الجراب بعينه أعرفه فنشره و وضع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يده عليه و قال كلوا بسم اللّه فاكلنا حتى نهلنا (١) لا يرعوى اى لا ينكف و لا ينزجر من رعى يرعوا إذا انكف عن الأمر و قد ارعوى عن القبيح ارعواء و قيل الارعواء الندم على الشي ء و الانصراف عنه ١٢. ثم رجع مثل الذي صب ففعل ذلك ثلثة ايام و فى قصة اخرى روى محمد بن عمر و ابو نعيم و ابن عساكر عن عرباض بن سارية فذكر قصة انه قال كنا ثلثة انا و جعال بن سراقة و عبد اللّه بن مغفل المزني كلنا جياع انما نعيش بباب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فدخل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قبة و معه زوجته أم سلمة فطلب شيئا فلم يجد فخرج فنادى بلا لاهل من عشاء لهولاء النفر فاخذ الجرب ينفضها جرابا جرابا فتقع التمرة و الثمرتان حتى رايت فى يده سبع تمرات ثم دعا بصفحة فوضع التمر فيها ثم وضع يده على التمرات و سمى اللّه تعالى فقال كلوا بسم اللّه فاكلنا فأحصيت أربعا و خمسين تمرة اكلتها أعدها عدا و نواها فى يدى الاخرى و صاحباى يصنعان مثل ما اصنع و شبعنا و أكل كل واحد منا خمسين تمرة و رفعنا أيدينا فاذا التمرات السبع كما هى فقال يا بلال ارفعها فانه لا يأكل منها أحد الا نسهل شبعا فلما أصبح رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و صلّى صلوة الصبح انصرف الى فناء قبته فجلس و جلسنا حوله و فقراء من المسلمين عشرة فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم هل لكم من الغداء فدعا بلالا بالتمرات فوضع يده عليهن فى الصفحة ثم قال كلوا بسم اللّه فاكلنا فوالذى بعثه بالحق حتى أشبعنا و انا لعشرة ثم رفعوا منها أيديهم شبعا و إذا التمرات كما هى فقال لو لا انى استحيى من ربى لاكلنا من هذه التمر حتى نرد المدينة من آخرنا و طلع غليم من اهل البلد فاخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم التمرات بيده فدفعها اليه فولّى الغلام يلوكهن روى محمد بن عمر انه هاجت ريح شديد بتبوك فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لموت منافق عظيم النفاق فقدموا المدينة فوجدوا منافقا عظيم النفاق قد مات روى محمد بن عمر انه قدم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم نفر من سعد هزيم فقالوا يا رسول اللّه انا قدمنا إليك و تركنا أهلنا على بير قليل مائها و هذا القيظ و نحن نخاف ان تفرقنا ان نقتطع لان الإسلام لم يغش حولنا بعد فادع اللّه لنا فى مائنا فانا ان روينا به فلا قوم اغرمنا لا يقربنا أحد مخالف لديننا فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ابغوني حصيات فتناول بعضهم ثلث حصيات فدفعهن الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فعركهن بيده ثم قال اذهبوا بهذه الحصيات الى بيركم فاطرحوا واحدة واحدة و سموا اللّه تعالى فانصرف القوم من عند رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ففعلوا ذلك فجاشت بيرهم بالرواء و نفوا من حاربهم من اهل الشرك و وطئوهم فما انصرف رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الى المدينة حتى اوطئوا «١» من حولهم عليه و دانوا عليه بالإسلام روى الطبراني عن ابن عمرو معاوية بن ابى سفيان و البيهقي و ابن سعد عن انس قال طلعت الشمس بضياء و شعاع و نور لم أدرها طلعت فيما مضى فاتى جبرئيل فسأل عنها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال ذاك معاوية بن معاوية المزني مات بالمدينة اليوم فبعث اللّه سبعين الف ملك يصلون عليه فهل لك فى الصلاة عليه قال نعم فصلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم وصف الملئكة خلفه صفين فلما فرغ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال لجبرئيل بم بلغ هذه المنزلة قال يحبه قل هو اللّه أحد يقرأها قائما و قاعدا و راكبا و ماشيا و على كل حال قال الحافظ هذا لحديث له طرق يقوى بعضها بعضا روى الطبراني و ابو نعيم عن محمد بن حمزة عن عمرو الأسلمي عن أبيه عن جده قال خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الى غزوة تبوك و كنت على خدمته ذلك السفر فنظرت الى نحى السمن قد قل ما فيه و هيات للنبى صلى اللّه عليه و سلم طعاما فوضعت النحى فى الشمس و نمت فانتبهت بخذير «٢» النحى فقمت فاخذت راسه بيدي فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و رآني لو تركته لسال الوادي سمنا روى الحارث بن اسامة عن بكر بن عبد اللّه المزني قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من يذهب بهذا الكتاب الى قيصر و له الجنة فقال رجل و ان لم يقبل فانطلق الرجل فاتاه بالكتاب فقرأ فقال اذهب الى نبيكم فاخبره انى متبعه و لكن لا أريد ان ادع ملكى و بعث معه بدنانير الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فرجع فاخبره فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كذب و قسم الدنانير روى احمد و ابو يعلى بسند حسن عن سعيد بن ابى راشد عن التنوخي رسول هرقل قال قدم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم تبوك فبعث دحية الكلبي الى هرقل فلما ان جاء كتاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم دعا قسيسى اى علماء النصارى الروم و بطارقتهما ثم اغلق عليه و عليهم الدار فقال قد نزل هذا الرجل حيث رايتم و قد أرسل يدعونى الى ثلث خصال ان اتبعه على دينه او ان أعطيه مالنا على ارضنا و الأرض ارضنا او نلقى اليه الحرب و اللّه لقد عرفتم فيما تقرءون من الكتاب فهلم فلنتبعه على دينه او نعطيه مالنا على ارضنا فنخروا نخرة رجل واحد حتى خرجوا و قالوا تدعونا الى ان نذر النصرانية او تكون عبيد الاعرابى من الحجاز فلما ظن انهم ان يخرجوا من عنده فسدوا عليه (١) اى كلموا مع الغصب ١٢. (٢) هو صوت الماء فاستعير للسمن ١٢. الروم رناهم «١» و لم يكد و قال انما قلت ذلك لاعلم صلابتكم على دينكم و أمركم ثم دعا رجلا من عرب تجيّب كان على نصارى العرب قال ادع لى رجلا حافظا للحديث عربى اللسان ابعثه الى هذا الرجل بجواب كتابه فجاءنى فدفع الىّ هرقل كتابا فقال اذهب بكتابي هذا الى هذا الرجل فما سمعته من حديثه فاحفظ لى منه ثلث خصال هل يذكر صحيفته التي كتب بشئ و انظر إذا قرا كتابى فهل يذكر الليل و انظر الى ظهره هل فيه شي ء يريبك قال فانطلقت بكتابه حتى جئت تبوكا فاذا هو جالس بين ظهرانى أصحابه محتبيا على الماء فقلت اين صاحبكم قيل هوذا فاقبلت امشى حتى جلست بين يديه فناولته كتابى فوضعه فى حجره ثم قال ممن أنت قلت انا من تنوخ قال هل لك فى الإسلام الحنيفة ملة أبيك ابراهيم قلت انى رسول قوم و على دين قوم حتى ارجع إليهم فضحك رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و قال انك لا تهدى من أحببت و لكن اللّه يهدى من يشاء و هو اعلم بالمهتدين يا أخا تنوخ انى كتبت كتابا الى كسرى فمزقه و ممزق ملكه و كتبت الى النجاشي بصحيفة فمزقها و اللّه ممزقه و ممزق ملكه و كتبت الى صاحبك بصحيفة فامسكها فلن يزال الناس يجدون منه بأسا ما دام فى العيش خير قلت هذه احدى الثلث التي أوصاني صاحبى بها فاخذت سهما من جعبتى فكتبتها فى جفن سيفى ثم ناول الصحيفة رجلا عن يساره قلت من صاحب كتابكم الذي يقرأ لكم قالوا معاوية فاذا فى كتاب صاحبى تدعونى الى جنة عرضها السموات و الأرض أعدت للمتقين فاين النار فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم سبحان اللّه اين النهار إذا جاء الليل فاخذت سهما من جعبتى فكتبته فى جنب سيفى فلما فرغ من قراءة كتابى قال ان لك حقا و انك رسول اللّه فلو وجدت عندنا جائزة جوزناك بها انا سفر «٢» مرملون قال فناداه رجل من طائفة الناس انا أجوزه ففتح رحله فاذا هو بحلة صفراء فوضعها فى حجرى قلت من صاحب الجائزة قيل لى عثمان ثم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أيكم ينزل هذا الرجل فقال فتى من الأنصار انا فقام الأنصاري و قمت معه حتى إذا خرجت من طائفة المجلس نادانى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال تعال يا أخا تنوخ فاقبلت أهوى حتى كنت فى مجلسى الذي كنت بين يديه فحل حبوته عن ظهره و قال هنا (١) من الرنى بضم الراء بمعنى الصعود ١٢. (٢) سفر جمع سافر كركب و راكب ١٢. امض لما أمرت له فجلست فى ظهره فاذا انا بخاتم النبوة فى موضع مصرف الكتف مثل المحجمة الضخمة قال محمد بن عمر فانصرف الرجل الى هرقل فذكر ذلك له فدعا قومه الى التصديق بالنبي صلى اللّه عليه و سلم فابوا حتى خافهم على ملكه و هو فى موضعه بحمص لم يتحرك و لم يزحف «١» و كان الذي خير النبي صلى اللّه عليه و سلم من تعبية أصحابه و دنوه الى وادي الشام باطلا لم يرد ذلك و لا همّ به و ذكر السهيلي ان هرقل اهدى هديا فقبل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و فرقها على المسلمين و ان هرقل امر مناد يا ينادى الا ان هرقل آمن بمحمد و اتبعه فدخلت الأجناد فى سلاحها و طافت بقصره تريد قتله فارسل إليهم انى أردت ان اختبر صلابتكم فى دينكم فقد رضيت عنكم فرضوا عنه ثم كتب الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كتابا مع دحية رضى اللّه عنه يقول فيه انى مسلم و لكن مغلوب على امرى فلما قرا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كتابه قال كذب عدو اللّه و اللّه ليس بمسلم بل هو على نصرانية و روى البيهقي عن ابن إسحاق قال حدثنى يزيد بن رومان و عبد اللّه بن بكر و البيهقي عن عروة بن الزبير قال لما توجه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قافلا الى المدينة من تبوك بعث خالد بن الوليد بأربعمائة و عشرين فارسا فى رجب سنة تسع الى أكيدر بن عبد الملك بدومة الجندل و كان أكيدر من كندة و كان نصرانيا فقال خالد كيف لى به وسط بلاد كلب و انما انا فى أناس يسيرون فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ستجده يصيد البقر فتاخذه فيفتح اللّه لك دومة فان ظفرت به فلا تقتله و ايت به الىّ فخرج خالد بن الوليد حتى إذا كان من حصنه بمنظر العين فى ليلة مقمرة صافية و هو على سطح له مع امرأته الرباب بنت انيف بن عامر الكندية فصعد أكيدر على ظهر الحصن من الحر و قينة تغينه ثم دعى بشراب فشرب فاقبلت البقرة الوحشية تحك بقرونها باب الحصن الحديث فنزل أكيدر و ركب فرسه و ركب معه نفر من اهل بيته معه اخوه حسان و مملوكان له فخرجوا من حصنهم بمطاردهم «٢» فلما فصلوا من الحصن أخذته خيل خالد فاستاسر أكيدر و امتنع حسان و قاتل حتى قتل و هرب المملوكان و من كان معه فدخلوا الحصن و كان على حسان قباء ديباج مخوص «٣» بالذهب (١) الزحفان يتحرك حركة ضعيفة كالصبى على استه ١٢. (٢) مطروا مح قصير يطعن به ١٢. [.....]. (٣) بضم الميم و فتح الخاء المعجمة و فتح الواو المشددة و الضاد المهملة المنسوج بالذهب ١٢. فاستلبه و قال خالد لاكيدر هل لك ان اجبرك من القتل حتى اتى بك رسول اللّه صلّى اللّه على ان تفتح لى دومة فقال أكيدر نعم فانطلق به خالد حتى أدناه من الحصن فنادى أكيدر اهله ان افتحوا باب الحصن فارادوا ذلك فابى عليهم فصاد أخو أكيدر فقال أكيدر لخالد تعلم و اللّه انهم لا يفتحون لى رأونى فى وثاقك فخل عنى فلك اللّه و الامانة ان افتح لك الحصن ان أنت صالحتنى على أهلي قال خالد فانى أصالحك فقال أكيدر ان شئت حكمتك و ان شئت حكمتنى قال خالد بل نقبل منك ما أعطيت فصالحه على الفى بعير و ثمانمأة راس و أربعمائة درع و أربعمائة رمح على ان ينطلق به و بأخيه الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فيحكم فيهما حكمه فلما قضاه خالد على ذلك خلى سبيله ففتح باب الحصن فدخل خالد و أوثق مصادا أخا كيدر و أخذ ما صالح عليه من الإبل و الرقيق و السلاح و لما ظفر خالد بأكيدر و بأخيه حسان أرسل خالد عمر بن امية الضميري الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بشيرا و أرسل معه قباء حسان قال انس و جابر رأينا قباء حسان أخي أكيدر حين قدم به على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فجعل المسلمون يلمسون بايديهم و يتعجبون من هذا فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ا تعجبون من هذا و الذي نفسى بيده لمناديل سعد بن معاذ فى الجنة احسن من هذا ثم لما قبض خالد ما صالحه عزل للنبى صلى اللّه عليه و سلم الصفي ثم خمس الغنائم ثم قسم الغنائم بين أصحابه قال ابو سعيد الخدري أصابني درع و بيضة و عشر من الإبل و قال واثلة أصابني ست فرايض «١» و قال عبد اللّه بن عمرو بن عوف كنا أربعين رجلا من بنى مزينة أصاب كل رجل خمس فرائض مع سلاخ و درع و رماح قلت و تفاوت السهم بتفاوت القيمة ثم ان خالدا توجه الى المدينة و معه أكيدر و مصاد روى محمد بن عمر عن جابر قال رايت أكيدر حين قدم به خالد عليه صليب ذهب و عليه الديباج فلما رأى النبي صلى اللّه عليه و سلم سجد له فاومى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بيده لا لامرتين و اهدى لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم هدية فيها كسوة قال ابن الأثير و بغلته و صالحه (١) فرائض جمع فريضة سمى به لانه يوخذ فى فريضة الزكوة ثم اتسع حتى قيل فى غير الزكوة. على الجزية و بلغت جزيتهم ثلاثمائة دينار و حقن دمه و دم أخيه و خلى سبيلهما و كتب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كتابا فيه أمانهم و لما بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم خالد بن الوليد الى أكيدر بن عبد الملك بدومة اشفق ملك ايلة بجنّة بن رؤبة ان يبعث اليه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كما بعث الى أكيدر فقدم على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و قدم معه اهل جربا و اذرح قال ابو حميد الساعدي قدم ملك ايلة على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فاهدى الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بغلة بيضاء فكساه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بغلة بيضاء فكساه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بردا و كتب له كتابا رواه ابن ابى شيبة و البخاري و روى محمد بن عمر عن جابر قال رايت يحنة بن روبة يوم اتى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و عليه صليب من ذهب و هو معقود الناصية فاومى برأسه فاومى اليه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان ارفع راسك و صالحه يومئذ و كساه بردا يمنية فاشتراه بعد ذلك ابو العباس عبد اللّه بن محمد بثلاثمائة دينار و امر له بمنزله عند بلال انتهى قالوا و قطع الجزية جزية معلومة ثلاثمائة دينار كل سنة و كانوا ثلاثمائة رجل و كتب لهم بذلك كتابا و كتب صلى اللّه عليه و سلم لاهل اذرح كتابا و صالح رسول اللّه صلّى اللّه عليه اهل مقنا على ربع ثمارهم و ربع عربهم و روى ابن ابى شيبة و احمد و مسلم عن ابى حميد الساعدي قال جاء ابن العلماء صاحب ايله رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بكتاب و اهدى له بغلة بيضاء فكتب اليه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و اهدى له بردا روى احمد عن جابر بن عبد اللّه و ابن سعد عن يحيى بن كثير انه صلى اللّه عليه و سلم اقام بتبوك عشرين ليلة يقصر الصلاة و على ذلك جرى محمد بن عمرو ابن سعد و ابن حزم و غيرهم و قال ابن عقبة و ابن إسحاق بضع عشرة ليلة قال محمد بن عمر شاور رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أصحابه فى التقدم يعنى من تبوك الى الشام فقال عمر بن الخطاب يا رسول اللّه ان كنت مامورا فسر و الا فللزوم جمعا كثيرا و ليس بها أحد من اهل الإسلام و قد دنونا منهم و قد أفزعهم دنوك فلو رجعنا هذه السنة حتى نرى او يحدث اللّه تعالى لك امرا روى احمد و الطبراني و الطحاوي من طريق ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال فى غزوة تبوك إذا دفع الطاعون بأرض و أنتم بها فلا تخرجوا منها و إذا كنتم بغيرها فلا تقدموا عليها قال الحافظ فى بذل الماعون لعله بلغه صلى اللّه عليه و سلم ان الطاعون فى الجهة التي كان يقصدها و كان ذلك من اسباب رجوعه من غير قتال و اخرج ابن ابى حاتم و البيهقي فى الدلايل بسند ضعيف من حديث شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم ان اليهود آتوا النبي صلى اللّه عليه و سلم فقالوا ان كنت نبينا فالحق بالشام فان الشام ارض المحشر و ارض الأنبياء فصدق رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قولهم فغزا غزوة تبوك فلما بلغ تبوك انزل اللّه تعالى آيات من بنى إسرائيل و ان كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها فامره بالرجوع الى المدينة روى إسحاق بن راهويه عن ابى هريرة و ابو يعلى و ابو نعيم و ابن عساكر عن عمر بن الخطاب و محمد بن عمر عن شيوخه قالوا يا رسول اللّه لو أذنت فننحر من نواضحنا «١» فاكلنا فلقيهم عمر بن الخطاب فامرهم ان يمسكوا عن نحرها فقال يا رسول اللّه أذنت الناس فى نحر حمولتهم يأكلونها فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم شكوا الىّ ما بلغ من الجوع فاذنت لهم بنحر الرفقة البعير و البعيرين و يتعاقبون فيما فضل فهم قافلون الى أهلهم فقال عمر يا رسول اللّه انك ان فعلت قل الظهر و لكن ادع بفضل أزوادهم جميعا و ادع اللّه لهم فيها بالبركة فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم نعم فدعا بنطع فبسط و نادى منادى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من كان عنده فضل من زاد فليأت به فجعل الرجل يأتي بكف ذرة و يجئى الاخر بكسرة و جعل الرجل بالمد الدقيق او السويق او التمر و كان جميع ما جاؤا به سبعا و عشرين صاعا ثم قام رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فتوضأ و صلّى ركعتين ثم دعا اللّه ان يبارك فيه قال ابو هريرة فما تركوا فى العسكر وعاء الا ملؤه و أكلوا حتى شبعوا و فضل فضلة و قال عمر فاخذوا حتى صدروا و انه نحو ما كانوا يحرزون فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اشهد ان لا اله الا اللّه و انى رسول اللّه لا يأتي بها عبد غير شاك فيحجب عن الجنة و فى حديث ابى قتادة عند ابى نعيم و محمد بن عمر ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عرش ليلة (١) نواضح جمع ناضح و هو البعير الذي يستقى عليها الماء ثم استعمل فى كل بعير ١٢. قافلا من تبوك فتمنا فما انتبهنا الا بحر الشمس فقلنا انا للّه فاتنا الصبح فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لنغيظن الشيطان كما غاظنا فتوضأ من ماء اداوة معى ففضل فضلة فقال يا أبا قتادة احفظ بماء فى الاداوة فصلى بنا الفجر بعد طلوع الشمس فقرأ بالمائدة فلما انصرف من الصلاة قال اما انهم لو أطاعوا أبا بكر و عمر رشدوا و ذلك ان أبا بكر و عمر أرادا ان ينزلا بالجيش على الماء فابوا ذلك عليهما فنزلوا على غير ماء بفلاة من الأرض فركب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فلحق الجيش عند زوال الشمس و نحن معه و قد كادت أعناق الخيل و الرجال و الركاب تقطع عطاشا فدعا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بالركوة فافرغ ماء من الاداوة فيها و وضع أصابعه عليها فنبع الماء من بين أصابعه و اقبل الناس فاستقوا و فاض الماء حتى روّوا و روّوا خيلهم و ركابهم و كان فى العسكر اثنا عشر الف بعير و الناس ثلثون الفا و الخيل اثنى عشر الف و روى ابن إسحاق و محمد بن عمر قالوا اقبل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قافلا حتى إذا كان بين تبوك و واد يقال له وادي الناقة كان فيه و شل يخرج منه فى أسفله قدر ما يروى الراكبين او ثلثة فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من سبقنا الى ذلك الوشل فلا يستقين منه شيئا حتى نأتيه فسبق اليه اربعة من المنافقين معتب بن قثير و الحارث بن يزيد و وديعة بن ثابت و زيد بن اللصيب فلما أتاه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم وقف عليه فلم يرقيه شيئا فقال من سبقنا الى هذا الماء فقيل فلان و فلان فقال الم أنهكم لا فلعنهم و دعا عليهم ثم نزل فوضع يده تحت الوشل ثم مسحه بإصبعيه ثم اجتمع منه فى كفه ماء قليل ثم نضحه به ثم مسحه بيده ثم دعا بما شاء اللّه ان يدعوا فانخرق من الماء قال معاذ بن جبل و الذي نفسى بيده لقد سمعت له من شدة انخراقه سيل الصواعق فشرب الناس ما شاؤا و استقوا ما شاؤا ثم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم للناس لئن بقيتم لتسمعن بهذا الوادي و هو اخضب مما بين يديه و مما خلفه و روى محمد بن عمر و ابو نعيم عن جماعة من اهل المغازي قال بينا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يسير منحدرا للشنة و هو فى قيظ شديد عطش العسكر حتى لا يوجد للشنته ماء قليل و لا كثير فشكوا ذلك لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فارسل أسيد بن حضير و قال عسى ان تجد لنا ماء فادرك أسيد راوية من ماء مع امرأة فجاء أسيد بالماء و دعا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بالبركة و قال هلم أسقيتكم فلم يبق معه سقاء الا ملاؤه ثم دعا بركابهم و خيولهم فسقوها و يقال انه صلى اللّه عليه و سلم امر بما جاء به فصبه فى تعب عظيم فادخل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فيه يده و غسل وجهه و يديه و رجليه ثم صلّى ركعتين ثم رفع يديه مدا ثم انصرف و ان القعب ليفور فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم للناس رووا و اتسع الماء و انبسط الناس حتى يصف عليه المائة و المائتان فارتوا و ان القعب ليجيش بالرواء و روى الطبراني بسند صحيح عن فضالة عن عبيد ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم غزا غزوة تبوك فجهد الظهر جهدا شديدا فشكوا ذلك اليه و رآهم يزحون «١» ظهورهم فوقف فى مضيق و الناس يمرون فيه فنفخ فيها و قال اللّهم احمل عليها فى سبيلك فانك تحمل على القوى و الضعيف و الرطب و اليابس و البر و البحر فاستمرت فما دخلنا المدينة الا و هى تنازعنا أزمتها و لما اشرف رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم المدينة قال هذه طابت رواه الشيخان فى الصحيحين و غيرهما عن جابر و ابى حميد الساعد و غيرهم فلما راى أحد قال هذا أحد جبل يحبنا و نحبه روى البيهقي عن عايشة لما قدم النبي صلى اللّه عليه و سلم المدينة جعل النساء و الصبيان يقلن- شعر (١) يرجون اى يسوقون ١٢. طلع البدر علينا من ثنيات الوداع وجب الشكر علينا ما دعا اللّه داع قال ابن سعد و جعل الناس يبيعون اسلحتهم يقولون قد انقطع الجهاد فبلغ ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فنهاهم و قال لا يزال عصابة من أمتي يجاهدون على الحق حتى يخرج الدجال و كان قدومه صلى اللّه عليه و سلم بالمدينة فى رمضان و قد خرج من المدينة الى تبوك فى رجب سنة تسع و كان بين المدينة و تبوك نحو اربعة عشر مرحلة قال فى النور كذا قالوا و قد سرناها مع الحجيح فى اثنى عشرة مرحلة و بينها و بين دمشق احدى عشر مرحلة و الحمد للّه و الصلاة و السلام على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قد وقع الفراغ من هذا التفسير المظهرى وقت العصر يوم الشنبة فى التاريخ الهفتم الشهر لذى الحجة السنة ١٢٤٣ بعد الهجرة النبي صلى اللّه عليه و سلم و اله و أصحابه أجمعين |
﴿ ٠ ﴾