١٦

أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ شي ء من الجزاء إِلَّا النَّارُ لانهم استوفوا جزاء أعمالهم الحسنة فى الدنيا و بقيت لهم أوزار الأعمال السيئة وَ حَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها من الحسنات يعنى لم يبق لهم ثواب فى الاخرة- ا و لم يكن لانهم لم يريدوا بها وجه اللّه تعالى حتّى يكون اجره على اللّه- و الظرف اما متعلق بحبط و الضمير يعود الى الاخرة- و اما بصنعوا و الضمير يعود الى الدنيا وَ باطِلٌ فى نفسه

ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٦) من الحسنات فى الدنيا لانه لم يعمل على ما ينبغى و كانّ كلّ واحدة من الجملتين علة لما قبلها- و الظاهر ان هذه الاية فى حق الكفار- روى البخاري عن عمر بن الخطاب فى حديث طويل انه قال رفعت بصرى فى بيته صلى اللّه عليه و سلم فو اللّه ما رايت فيه شيئا يرد البصر غير اهبة ثلاثة فقلت يا رسول اللّه ادع اللّه فليوسع على أمتك فان فارس و الروم قد وسع عليهم و اعطوا من الدنيا و هم لا يعبدون اللّه فجلس النبي صلى اللّه عليه و سلم و كان متكيا فقال او فى هذا أنت يا ابن الخطاب ان أولئك قوم عجلوا طيباتهم فى الحيوة الدنيا و اما المؤمن فيريد الدنيا و الاخرة- و إرادته الاخرة غالبة فيجازى بحسناته فى الدنيا و يثاب عليها فى الاخرة- عن انس ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال ان اللّه لا يظلم المؤمن حسنة يعطى عليها فى الدنيا و يثاب عليها فى الاخرة و اما الكافر فيطعم بحسناته فى الدنيا حتّى إذا افضى الى الاخرة لم يكن له حسنة يعطى بها خيرا رواه مسلم و احمد-

قلت و قوله تعالى لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ قرينة دلت على ان الاية فى حق الكفار للاجماع على ان مال المؤمن الى الجنة البتة- و قيل هذه الاية فى حق اهل الرياء عن ابى سعيد بن فضالة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال إذا جمع اللّه الناس يوم القيامة ليوم لا ريب فيه نادى مناد من كان أشرك فى عمل عمله للّه أحدا فليطلب ثوابه من عند غير اللّه فان اللّه اغنى الشركاء عن الشرك رواه احمد و عن انس ان النبي صلى اللّه عليه و سلم قال من كانت نيته طلب الاخرة جعل اللّه غناه فى قلبه و جمع اللّه شمله و أتته الدنيا و هى راغمة و من كانت نيته طلب الدنيا جعل اللّه الفقر بين عينيه و شتت عليه امره و لا يأتيه منها الا ما كتب له رواه الترمذي و رواه احمد و الدارمي عن ابان عن زيد بن ثابت- و قوله تعالى نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ «١» فِيها وَ هُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ لا ينافى قوله عليه السلام لا يأتيه منها الا ما كتب له لان إيفاء أعمالهم فى الدنيا بحيث لا يبخسون مكتوب لهم و يأتيهم البتة و لا يأتيه ما يزيد عليه و ان كان طالب الدنيا يطلب ما لا نهاية له فانه لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى ثالثا-

قلت و ان كانت هذه الاية فى اهل الرياء فمعنى قوله تعالى لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ انه ليس لهم جزاء ما يراءون فيه الا النار-

(١) فى الأصل أعمالهم و هم فيها-.

﴿ ١٦