١٧

أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ برهان مِنْ رَبِّهِ يدله على الحق و الصواب فيختار عبادة اللّه على عبادة الأوثان و الدار الاخرة الباقية و نعيمها على الدار الدنيا الفانية و لذاتها- الموصول مبتدا حذف خبره و الفاء للتعقيب و الهمزة لانكار الحكم بمشابهة من هذا شأنه بهؤلاء المقصرين هممهم و افكارهم على الدنيا بعد العلم بان المقصرين ليس لهم فى الاخرة الّا النّار و هو الّذي اغنى عن ذكر الخبر- و التقدير أ فمن كان على بيّنة من ربّه كمن كان يريد الحيوة الدنيا- و المراد بالموصول المؤمنون المخلصون و من قال المراد به النبي صلى اللّه عليه و سلم عنى به الرسول صلى اللّه عليه و سلم و اتباعه للعموم و جمعية اسم الاشارة اليه فى قوله أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ- اخرج ابو الشيخ عن ابى العالية و ابراهيم النخعي فى قوله أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ قال ذلك محمّد صلى اللّه عليه و سلم و كذا اخرج ابن ابى حاتم و ابن مردوية و ابو نعيم فى المعرفة عن على بن ابى طالب- و المراد بالبينة القران وَ يَتْلُوهُ اى يقرأ ذلك البرهان شاهِدٌ مِنْهُ اى من اللّه تعالى وَ مِنْ قَبْلِهِ اى من قبل نزوله كِتابُ مُوسى يعنى التورية شاهد من اللّه يصدق القران إِماماً كتابا مؤتما به فى الدين وَ رَحْمَةً على المنزل عليهم و هما حالان من كتاب موسى- و المراد بالشاهد جبرئيل عليه السلام أخرجه ابن جرير و ابن المنذر و ابن ابى حاتم و ابو الشيخ و ابن مردوية من طرق عن ابن عباس أ فمن كان على بيّنة من ربّه و يتلوه شاهد منه قال جبرئيل- فهو شاهد من اللّه يتلو من كتاب اللّه الّذي انزل على محمّد صلى اللّه عليه و سلم- و من قبله تلا التورية على موسى كما تلا القران على محمّد صلى اللّه عليه و سلم- و كذا ذكر البغوي قول ابن عباس و علقمة و ابراهيم و مجاهد و عكرمة و الضحاك و اكثر اهل التفسير انه جبرئيل - و قال الحسن و قتادة هو لسان محمّد صلى اللّه عليه و سلم- يعنى يقرا ذلك البرهان الّذي عليه المؤمنون شاهد من اللّه و هو محمّد صلى اللّه عليه و سلم- و من قبله كتاب موسى شاهد له- اخرج ابن جرير و ابن المنذر و ابن ابى حاتم و الطبراني فى الأوسط و ابو الشيخ عن محمّد بن على بن ابى طالب قال قلت لابى ان الناس يزعمون فى قول اللّه تعالى وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ انك أنت الشاهد- فقال وددت انى انا هو و لكنه لسان محمّد صلى اللّه عليه و سلم- و أخرجه ابو الشيخ من طريق ابى نجيح عن مجاهد- و قيل يتلو من التلو بمعنى التبعية و الشاهد ملك يحفظه و الضمير فى يتلوه اما لمن او للبينة باعتبار المعنى- و من قبله كتاب موسى جملة مبتدئة- اخرج ابن جرير و ابن المنذر و ابن ابى حاتم و ابو الشيخ عن مجاهد أ فمن كان على بيّنة من ربّه قال هو محمّد صلى اللّه عليه و سلم و الشاهد منه قال ملك يحفظه- و قيل الشاهد هو على بن ابى طالب

قال البغوي قال على رضى اللّه عنه ما من رجل من قريش الا و قد نزلت فيه اية من القران فقال له رجل و أنت اىّ شي ء نزل فيك- قال وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ-

فان قيل فما وجه تسمية على بالشاهد-

قلت لعل وجه ذلك انه أول من اسلم من الناس فهو أول من شهد بصدق النبي صلى اللّه عليه و سلم- و الاوجه عندى ان يقال ان عليّا رضى اللّه عنه كان قطب كمالات الولاية و سائر الأولياء حتّى الصحابة رضوان اللّه عليهم اتباع له فى مقام الولاية- و افضلية الخلفاء الثلاثة بوجه اخر كذا حقق المجدد رضى اللّه عنه فى مكتوب من اواخر مكتوباته فكانّ معنى الاية أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ يعنى على حجة واضحة و برهان قاطع و هو محمّد صلى اللّه عليه و سلم- فانه كان على حجة واضحة من ربه و برهان قاطع يفيد العلم بالقطع انه رسول اللّه- و ذلك معجزاته و أفضلها القران و علومه المستندة الى الوحى- و يتلوه اى يتبعه شاهد من اللّه على صدقه و هو علىّ و من شاكله من الأولياء- فان كرامات الأولياء معجزات للنبى صلى اللّه عليه و سلم و علومهم المستندة الى الإلهام و الكشف ظلال لعلوم النبي صلى اللّه عليه و سلم- المستندة الى الوحى فتلك الكرامات و العلوم شاهدة على صدق النبي صلى اللّه عليه و سلم- فقوله صلى اللّه عليه و سلم انا دار الحكمة و علىّ بابها رواه الترمذي بسند صحيح عن على- و انا مدينة العلم و علىّ بابها فمن أراد العلم فليأت الباب رواه ابن عدى فى الكامل و العقيلي فى الضعفاء و الطبراني و الحاكم عن ابن عباس و ابن عدى و الحاكم عن جابر- اشارة الى علوم الأولياء دون علوم الفقهاء فان أخذ علوم الفقهاء لم ينحصر على علىّ رضى اللّه عنه بل قال فيه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أصحابي كالنجوم بايهم اقتديتم اهتديتم- و قيل شاهد منه هو الإنجيل- و قبله كتاب موسى التورية شاهد له- و قيل البينة البرهان العقلي و الشاهد القران- قال الحسين بن الفضل الشاهد هو القران و نظمه و اعجازه- و المعنى أ فمن كان قائما على وفق البرهان العقلي و يتبع ذلك البرهان شاهد من اللّه يعنى القران يشهد بصحة البرهان و من قبل القران كتاب موسى يعنى التورية ايضا يشهد للبرهان و المراد بالموصول المسلم المخلص أُولئِكَ اشارة الى من كان على بينة بناء على ان المراد به جماعة المسلمين و جاز ان يكون اشارة الى شاهد من حيث المعنى ان كان المراد به علىّ رضى اللّه عنه و من شاكله من الأولياء يُؤْمِنُونَ بِهِ حقيقة الايمان وَ مَنْ يَكْفُرْ بِهِ اى محمّد صلى اللّه عليه و سلم او بالقران مِنَ الْأَحْزابِ من اهل الملل كلها فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و الّذي نفس محمّد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الامة و لا يهودى و لا نصرانى و مات و لم يؤمن بالذي أرسلت به الا كان من اصحاب النار رواه مسلم فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ فى شك مِنْهُ اى من الموعد او من القران إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (١٧) لقلة نظرهم و اختلال فكرهم-

﴿ ١٧