٥٣

وَ ما أُبَرِّئُ نَفْسِي فتح الياء نافع و ابو عمرو و ابو جعفر- ابو محمّد و أسكنها الباقون- تنبيها على انه لم يرد بذلك تزكية النفس و العجب بحاله- بل اظهار ما أنعم اللّه عليه من العصمة و التوفيق و ترغيب الناس الى الاقتداء به و الاقتفاء بآثاره- احرج ابن مردوية من حديث انس مرفوعا انه لما قال يوسف لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ قال له جبرئيل و لا حين هممت- فقال ذلك و ذكره البيضاوي عن ابن عباس موقوفا إِنَّ النَّفْسَ يعنى ان النفس الحيواني المنبعث من العناصر الاربعة- الّتي هى مركب للقلب و الروح و غيرهما من لطائف عالم الأمر- الّتي مقرها فوق العرش لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ من حيث انها بالطبع مائلة الى الشهوات و الرذائل الّتي هى من خصائص العناصر الاربعة- كالغضب و الكبر الذين هما مقتضى عنصر النار- و الدناءة و الخسة مقتضى الأرض- و التلون و قلة الصبر مقتضى الماء- و الهزل و اللّهو مقتضى الهواء إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي فتح الياء نافع و ابو عمرو و أسكنها الباقون يعنى الّا من رحم ربّى فما بمعنى من كما فى قوله تعالى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ فعصمه فلا يطيع نفسه و يجاهدها و لاجل ذلك المجاهدة يدرك افضلية على الملائكة- او المعنى الا وقت رحمة ربى- و ما مصدرية يعنى إذا أدرك الإنسان رحمة الرّحمن بالاجتباء او بالانابة الى الأنبياء- فحينئذ يتزكى نفسه بتزكية من اللّه تعالى قال اللّه تعالى فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ ...

بَلِ «١» اللّه يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ- و تطمئن بمرضات اللّه و يخاطب بقوله تعالى ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبادِي الصالحين- و حينئذ يبدل اللّه سيئاتها حسنات و يجعلها اماما لسائر اللطائف فى الخيرات و تستعد لتجليات الصفات ما لا يستعد لها لطائف عالم الأمر- و قيل الاستثناء منقطع اى لكن رحمة ربى هى الّتي تصرف الاساءة و يبدلها بالاصابة- و قيل الآيتان «٢» حكاية عن قول زليخا و المستثنى نفس يوسف و أمثاله و المعنى ان ذلك الّذي قلت من براءة يوسف ليعلم يوسف أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ اى لم أكذب عليه فى حال الغيبة- و جئت بالصدق فيما سئلت عنه- وَ ما أُبَرِّئُ نَفْسِي من الخيانة فانى قد خنسته حين قذفته و قلت ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ و أودعته السجن- تريد الاعتذار مما كان منها بان كل نفس لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ الّا من رحم ربّى

(١) و فى القرآن فى النساء أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللّه يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ و فى النجم فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى -.

(٢) فى الأصل ايتين-.

كنفس يوسف و أمثاله- رحمه اللّه بالعصمة- قرا قالون و البزي بالسّوّ على قلب الهمزة واوا ثم الإدغام فى حال الوصل و تحقيق همزة الّا- و ورش و قنبل على أصلهما فى الهمزتين المكسورتين و ابو عمرو ايضا على أصله- و الباقون على أصولهم إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥٣) يغفر همّ النفس و خطراتها و يرحم من يشاء بالعصمة- او يغفر المستغفر لذنبه المعترف على نفسه و يرحمه ما استغفره و استرحمه-.

﴿ ٥٣