سُورَةُ الْحِجْرِ مَكِّيَّةٌ ومَدَنِيَّةٌ

وَهِيَ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ آيَةً

«١» مكّيّة و آياتها تسع و تسعون ربّ يسّر و تمّم بالخير «٢»

 بِسْمِ اللّه الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(١) ليس عنوان السودة فى الأصل.

(٢) الخطبة من الناشر-.

_________________________________

١

الر تِلْكَ اشارة الى آيات السورة آياتُ الْكِتابِ الاضافة بمعنى من وَ قُرْآنٍ مُبِينٍ (١) الكتاب هو السورة او القران و تنكيره للتفخيم اى آيات ما هو جامع لكونه كتابا كاملا و قرانا يبين الرشد من الغى و الحلال من الحرام بيانا عربيّا-.

٢

رُبَما قرا نافع و عاصم و ابو جعفر بتخفيف الباء و الباقون بتشديدها- و ربّ حرف جر للتقليل و استعمل هاهنا للتكثير مجازا لمناسبة المقابلة و إيذانا بانهم لو كانوا يودون الإسلام قليلا و لو مرة واحدة فبالحرىّ ان يسارعوا اليه فكيف و هم يودون كثيرا بل كل ساعة- او إيذانا بان ودادهم بلغت من الكثرة بحد لا يمكن التعبير عنه فاكتفى بما يدل على التقليل- و قيل استعمل هاهنا على الحقيقة للتقليل و وجه التقليل انه يدهشهم اهوال القيامة فان حانت منهم افاقة فى بعض الأوقات تمنوا ذلك- و ما كافة تكف ربّ عن العمل فجاز دخولها على الفعل و حقها ان تدخل على الماضي لكن لمّا كان المترقب فى اخبار اللّه تعالى كالماضى فى تحققه دخلت على المضارع حيث قال اللّه تعالى يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ (٢) الغيبة فى حكاية ودادهم كالغيبة فى قولك حلف باللّه ليفعلن مكان قولك لافعلن- اخرج ابن المبارك و ابن جرير و البيهقي عن ابن عباس و انس رضى اللّه عنهم انهما تذاكرا فى هذه الاية فقالا هذا حيث يجمع اللّه تعالى بين اهل الخطايا من المسلمين و بين المشركين فى النار فيقول المشركون ما اغنى عنكم ما كنتم تعملون فيغضب اللّه فيخرجهم بفضل رحمته-

و اخرج هناد و سعيد بن منصور و البيهقي عن ابن عباس رضى اللّه عنهما قال ما يزال اللّه تعالى يشفّع و يدخل الجنة و يشفّع و يرحم حتّى يقول من كان مسلما فليدخل الجنة و ذلك قوله تعالى رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ-

و اخرج الطبراني فى الأوسط بسند صحيح عن جابر بن عبد اللّه رضى اللّه عنهما قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان ناسا من أمتي يعذبون بذنوبهم فيكونون فى النار ما شاء اللّه ان يكونوا ثم يعيّرهم اهل الشرك فيقولون ما نرى ما كنتم فيه من تصديقكم نفعكم فلا يبقى موحد الا أخرجه اللّه ثم قرا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ-

و اخرج الطبراني و ابن عاصم و البيهقي عن ابى موسى رضى اللّه عنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا اجتمع اهل النار فى النار و معهم من شاء اللّه تعالى من اهل القبلة قال الكفار للمسلمين الم تكونوا مسلمين قالوا بلى قالوا فما اغنى عنكم الإسلام و قد صرتم معنا فى النار قالوا كانت لنا ذنوب فاخذنا بها فيسمع اللّه ما قالوا فامر من كان فى النار من اهل القبلة فاخرجوا فلما راى ذلك من بقي من الكفار فى النار قالوا يا ليتنا كنا مسلمين فنخرج كما خرجوا ثم قرا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ- و ذكر البغوي هذا الحديث نحو ما ذكر و فى آخره فيأمر لكل من كان من اهل القبلة فيخرجون منها فحينئذ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ-

و اخرج الطبراني عن ابى سعيد الخدري رضى اللّه عنه انه سئل هل سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول شيئا فى هذه الاية رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ قال نعم سمعته يقول يخرج اللّه من شاء من المؤمنين من النار بعد ما يأخذ نقمته منهم- فلما أدخلهم اللّه النار مع المشركين قال المشركون تدّعون انكم اولياء اللّه فى الدنيا فما بالكم معنا فى النار فاذا سمع اللّه تعالى ذلك منهم اذن فى الشفاعة فيشفع الملائكة و النبيون و المؤمنون حتّى يخرجون بإذن اللّه فاذا راى المشركون ذلك قالوا يا ليتنا كنا مثلكم فتدركنا الشفاعة فيسمّون الجهنميون من أجل سواد وجوههم فيقولون يا ربنا اذهب عنا الاسم فيامرهم فيغسلون فى نهر الحيوة فيذهب الاسم عنهم-

و اخرج ابن جرير عن ابن مسعود فى هذه الاية قال هذا إذا راوهم يخرجون من النار-

و اخرج هناد عن مجاهد فى هذه الاية قال إذا خرج من النار من قال لا اله الا اللّه-.

٣

ذَرْهُمْ يعنى دعهم يا محمّد يعنى الذين كفروا يَأْكُلُوا وَ يَتَمَتَّعُوا بدنياهم وَ يُلْهِهِمُ اى يشغلهم عن الاستعداد للمعاد الْأَمَلُ اى توقعهم طول الأعمار فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٣) سوء صنيعهم إذا عاينوا العذاب و الغرض من هذا الكلام اقناط الرسول صلى اللّه عليه و سلم عن انقيادهم و اعلامه بانهم اهل الشقاوة فى علم اللّه تعالى و ان نصحهم بعد ذلك مما لا فائدة فيه- و فيه الزام للحجة و تحذير عن إيثار التنعم و ما يؤدى اليه طول الأمل.

٤

وَ ما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ اى اهل قرية و من زائدة إِلَّا وَ لَها كِتابٌ اى وقت لهلاكها مقدر مكتوب فى اللوح المحفوظ مَعْلُومٌ (٤) عند اللّه تعالى و الجملة صفة لقرية مستثناة من عموم الصفات و الأصل ان لا تدخله الواو كما فى قوله تعالى إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ لكن لمّا شابهت صورتها صورة الحال ادخلت عليها تأكيدا للصوقها بالموصوف و جاز ان يقال الجملة حال من القرية لكونها فى حكم الموصوفة كانه قيل وَ ما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ من القرى. إِلَّا وَ لَها كِتابٌ مَعْلُومٌ

٥

ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ من زائدة أَجَلَها اى لا تسبق امة الى الهلاك أجلها يعنى لا يهلك قبل ذلك وَ ما يَسْتَأْخِرُونَ (٥) اى لا يستأخرون الهلاك عند بلوغ الاجل و تذكير ضمير امة حملا على المعنى.

٦

وَ قالُوا اى الكفار للنبى صلى اللّه عليه و سلم تهكما و استهزاء يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (٦) يعنون انك لتقول قول المجانين حيث تقول انزل علىّ الذكر اى.

٧

القران لَوْ ما هل لا تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ ليشهدوا لك بالصدق على ما تقول و يعضدون على الدعوة كقوله تعالى لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً- او للعقاب على تكذيبنا كما أتت الأمم السابقة إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٧) فى دعوى النبوة.

٨

ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ قرا حفص و حمزة و الكسائي ننزّل بنونين على صيغة المضارع المتكلم المعروف من التفعيل مسندا الى اللّه تعالى و الملئكة بالنصب على المفعولية و ابو بكر بالتاء الفوقانية و النون على صيغة الواحد المؤنث المجهول من التفعيل و الملائكة بالرفع مسندا اليه و الباقون كذلك لكن على صيغة الواحد المؤنث المعروف من التفعل بحذف احدى التاءين و الملئكة مرفوع على الفاعلية إِلَّا بِالْحَقِّ اى بالعذاب المتحقق عند اللّه لقوم وَ ما كانُوا يعنى الكفار إِذاً يعنى إذا نزّلت الملائكة بالعذاب مُنْظَرِينَ (٨) اى مؤخرين يعنى لو نزلت الملائكة بالعذاب زال عن الكفار الامهال و عذبوا فى الحال.

٩

إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ رد لانكارهم و استهزائهم و لذلك أكده بوجوه وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (٩) من التحريف و الزيادة و النقصان و لا يتطرق اليه الخلل ابدا- و هذا دليل على كونه منزّلا من اللّه دون غيره إذ لو كان من عند غير اللّه لتطرق اليه الزيادة و النقصان و قدر الأعداء على الطعن فيه- ويل للرافضة حيث قالوا قد تطرق الخلل الى القران و قالوا ان عثمان و غيره حرّقوه و القوا منه عشرة اجزاء- و قيل الضمير فى له للنبى صلى اللّه عليه و سلم يعنى انا لمحمّد حافظون ممن اراده بسوء نظيره قوله تعالى وَ اللّه يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ-.

١٠

وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رسلا فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ (١٠) شيع جمع شيعة و هو القوم المجتمعة المتفقة كلمتهم من شاعه إذا تبعه و أصله الشياع و هو الحطب الصغار توقد به الكبار.

١١

وَ ما يَأْتِيهِمْ يعنى الشيع حكاية حال ماضية يعنى ما أتاهم مِنْ رَسُولٍ من زائدة لتعميم النفي إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (١١) كما يفعل هؤلاء بك تسلّية للنبى صلى اللّه عليه و سلم.

١٢

كَذلِكَ اى كما سلكنا الاستهزاء و الكفر فى قلوب الشيع الأولين نَسْلُكُهُ اى ندخل الاستهزاء فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (١٢) يعنى مشركى مكة- و السلك إدخال الشي ء فى الشي ء كالخيط فى المخيط و الرمح فى المطعون- و فيه رد للقدرية و دليل على انه تعالى يوجد الباطل فى قلوب الكفار.

١٣

لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حال من المجرمين وَ قَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ (١٣) اى سنة اللّه فيهم بان خذلهم و سلك الكفر فى قلوبهم او باهلاك من كذب الرسل منهم.

١٤

وَ لَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ اى على هؤلاء المقترحين القائلين لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ بابا مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (١٤) اى فظلت الملائكة يصعدون الى السماء و هم يرونها عيانا و قال الحسن فظل هؤلاء الكفار يعرجون الى السماء و يرون عجائبها طول نهارهم مستوضحين لما يرون.

١٥

لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا اى سددت منا الابصار بالسحر اى حبست و منعت النظر من السكر و هو سد النهر كذا فى القاموس- يدل عليه قراءة ابن كثير بالتخفيف كذا قال ابن عباس و قال الحسن معنى سكّرت بالتشديد سحرت و قال قتادة أخرت و قال الكلبي عميت قال فى القاموس سكرت أبصارنا اى حبست عن النظر و حيرت او غطيت و غشيت بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (١٥) قد سحرنا محمّد صلى اللّه عليه و سلم بذلك كما قالوه عند روية غير ذلك من المعجزات- و فى كلمة انّما و بل دلالة من الكفار على القطع بان ما يرونهم لا حقيقة له بل هو باطل خيّل إليهم بنوع من السحر-.

١٦

وَ لَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً البرج هو النجم الكبير ماخوذ من التبرج اى الظهور يقال تبرجت المرأة إذا ظهرت- و قال عطية هى قصور فى السماء- و ليس المراد بالآية مصطلح اهل الهيئة و النجوم فانها مبنية على كون السموات منطبقة بعضها على بعض بحيث يتحركن كلهن قسرا بحركة الفلك التاسع فلك الافلاك و كون حركة فلك الافلاك على منطقة و قطبين و حركة الفلك الثامن فلك الثوابت على منطقة و قطبين أخريين و لزوم الشمس منطقة الفلك الثامن و حصول التقاطع بين المنطقين و رسم خط يحصل به التقاطع بين الاقطاب الاربعة فيحصل اربعة أقواس كل قوس مشتملة على ثلاثة بروج- و ذلك مما يأبى عنه الشرع فانه يثبت بالشرع حركة الكواكب دون السموات و بعد ما بين كل سمائين خمسمائة عام و عدد السموات لا يزيد على سبع وَ زَيَّنَّاها اى البروج بالضياء او السماء بالشمس و القمر و الكواكب لِلنَّاظِرِينَ (١٦)

١٧

وَ حَفِظْناها يعنى السماء مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ (١٧) فلا يقدر ان يصعد إليها و يوسوس أهلها او يتصرف فى أمرها او يطلع على أحوالها-

قال البغوي قال ابن عباس كانت الشياطين لا يحجبون عن السموات و كانوا يدخلونها و يأتون باخبارها فيلقون على الكهنة فلمّا ولد عيسى عليه السلام منعوا من ثلاث سموات فلمّا ولد محمّد صلى اللّه عليه و سلم منعوا من السموات كلها فما منهم يريد استراق السمع إلا رمي بشهاب- فلمّا منعوا تلك المقاعد ذكروا ذلك لابليس فقال لقد حدث فى الأرض حدث- قال فبعثهم فوجدوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يتلو القران فقالوا هذا و اللّه الّذي حدث.

١٨

إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ اى لكن من استرق السمع فَأَتْبَعَهُ اى تبعه و لحقه شِهابٌ مُبِينٌ (١٨) ظاهر للمبصرين و الشهاب شعلة نار تخرج من الكواكب

قال البغوي و ذلك ان الشياطين يركب بعضهم بعضا الى السماء الدنيا فيسترقون السمع من الملائكة فيرمون بالشهب فلا يخطى ابدا فمنهم من يقتله و منهم من يحرق وجهه او جنبه او يده او حيث يشاء اللّه و منهم من يخبله فيصير غولا يضل الناس فى البوادي عن ابى هريرة قال ان نبى اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال إذا قضى اللّه الأمر فى السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كانّه سلسلة على صفوان فاذا فزّع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربّكم قالوا للذى قال الحقّ و هو العلىّ الكبير فيسمعها مسترق السمع و مسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض فيسمع الكلمة فيلقيها الى من تحته ثم يلقيها الاخر الى من تحته حتّى يلقيها على لسان الساحر او الكاهن و ربما أدركه الشهاب قبل ان يلقيها و ربما القاها قبل ان يدركه فيكذب معه مائة كذبة فيقال أ ليس قد قال لنا كذا و كذا فيصدق بتلك الكلمة الّتي سمعت من السماء رواه البخاري و من طريقه البغوي- و عن عائشة انها سمعت النبي صلى اللّه عليه و سلم يقول ان الملائكة تنزل فى العنان و هى السحاب فيذكر الأمر قضى فى السماء فيسترق الشياطين السمع فيسمعه فيوحيه الى الكهان فيكذبون معها مائة كذبة من عند أنفسهم رواه البخاري و من طريقه البغوي-.

١٩

وَ الْأَرْضَ مَدَدْناها اى بسطناها على الماء وَ أَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ جبالا ثوابت و قد كانت الأرض تميد الى ان أرساها بالجبال وَ أَنْبَتْنا فِيها اى فى الأرض او فى الجبال بل فى كليهما مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ مَوْزُونٍ (١٩) اى مقدر بمقدار معين يقتضيه الحكمة- او مستحسن متناسب من قولهم كلام موزون- اوله وزن فى أبواب النعم او ما يوزن من الفلزات كالذهب و الفضة و الحديد و النحاس و غيرها حتّى الزرنيخ و الكحل- و فى الجبال كالياقوت و الزبرجد و الفيروزج و غيرها.

٢٠

وَ جَعَلْنا لَكُمْ فِيها اى فى الأرض و الجبال مَعايِشَ جمع معيشة يعنى ما تعيشون بها فى الدنيا من المطاعم و المشارب و الملابس و الادوية وَ مَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ (٢٠) عطف على معايش اى جعلنا لكم من لستم له برازقين من الدواب و الانعام فمن هاهنا بمعنى ما كما فى قوله تعالى فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ- و قيل يريد اللّه تعالى به العيال و الخدم و المماليك و الانعام و الدواب الّتي يظنون انهم يرزقونها ظنا باطلا و اللّه يرزقكم و إياهم و أورد كلمة من تغليبا للعقلاء على غيرهم- و قيل من فى محل الجر عطفا على الضمير المجرور فى لكم و فذلكة الاية الاستدلال بتلك الأشياء على وجود الصانع و كمال قدرته و تناهى حكمته و تفرده بالالوهية و وجوب الوجود و الامتنان على العباد بما أنعم عليهم فى ذلك ليوحدوه و يعبدوه و يشكروه و لا يكفروه.

٢١

وَ إِنْ مِنْ شَيْ ءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ اى ما من شي ء خلقناه الا نحن قادرون على إيجاد أضعاف ما وجد منه من جنسه و تكوينها فضرب الخزائن مثلا لاقتداره- او شبه مقدوراته بالأشياء المخزونة الّتي لا يحتاج فى إخراجها الى كلفة و اجتهاد- و شبّه إيجاده فى الخارج بانزاله من الخزائن و إخراجه منه فقال وَ ما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (٢١) مقدر فى الأزل إيجاده معلوم عند اللّه مقداره-

قلت و لعل المراد بالخزائن الأعيان الثابتة فى علم اللّه تعالى و بانزاله إيجاده فى الخارج الظلي بوجود ظلى-

قال البغوي و عن الامام جعفر بن محمّد الصادق رضى اللّه عنهما و عن ابائهما انه قال فى العرش تمثال جميع ما خلق اللّه فى البر و البحر و هو تأويل قوله تعالى وَ إِنْ مِنْ شَيْ ءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ-

قلت لعل مراد الامام عليه السلام عالم المثال فانها بمنزلة الخيال للعالم الكبير و محل الخيال للانسان الدماغ و محل الخيال للعالم الكبير العرش- و قيل أراد بالخزائن المطر و هو خزينة لكل شي ء حيث قال اللّه تعالى وَ جَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْ ءٍ حَيٍّ- و يقال لا ينزل من السماء قطرة الا و معها ملك يسوقها حيث يريد اللّه كذا

قال البغوي-.

٢٢

وَ أَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ اى حوامل تحمل السحاب الماطرة جمع لاقحة يقال ناقة لاقحة إذا حملت الولد و منه ما روى ان النبي صلى اللّه عليه و سلم نهى عن بيع الملاقح يعنى بيع ما فى بطن الناقة من الولد- جمع ملقوح و جاز ان يكون لواقح جمع لقوح و هى ناقة ذات لبن-

قال البيضاوي شبه الريح الّتي جاءت يخبر من إنشاء سحاب ماطر بالحامل كما شبه ما لا يكون كذلك بالعقيم- و قال ابن مسعود يرسل اللّه الريح فيحمل الماء فيجرى به السحاب فتدرّ كما تدرّ اللقحة ثم تمطر- و قال ابو عبيد أراد باللواقح ملاقح جمع ملقحة لانها تلقح الأشجار اى تجعلها حاملة للثمار- و قال عبيد بن عمير يبعث الريح المبشرة فيقمّ الأرض قمّا ثم المثيرة فتثير سحابا ثم يبعث المؤلفة فتؤلف السحاب بعضه الى بعض فيجعله ركاما ثم يبعث اللواقح فيلقح الشجر- و قال ابو بكر بن عياش لا يقطر قطرة من السماء الا بعد ان تعمل الرياح الأربع فيه فالصبا تهجه و الشمال تجمعه و الجنوب تدره و الدبور تفرقه و فى الخبر ان اللقح الرياح الجنوب- و فى بعض الآثار ماهبت ريح الجنوب الا و انبعث عنبا عذقة- و اما الريح العقيم فانها تأتى بالعذاب و لا تلقح- و روى البغوي من طريق الشافعي و الطبراني عن ابن عباس قال ماهبت ريح قط إلا جثى النبي صلى اللّه عليه و سلم على ركبتيه و قال اللّهم اجعلها رحمة و لا تجعلها عذابا اللّهم اجعلها رياحا و لا تجعلها ريحا- قال ابن عباس فى كتاب اللّه أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً ... أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ و قال أَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ و يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ ... فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ اى جعلنا المطر لكم سقيا يقال أسقي فلان فلانا إذا جعل له سقيا و سقاه اى أعطاه ماء يشرب و يقول العرب سقيت الرجل ماء او لبنا إذا كان يسقيه فاذا جعلوا له ماء لشرب ارضه او ماشيته يقول أسقيته وَ ما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ (٢٢) يعنى ليس المطر فى خزائنكم بل هو فى خزائننا نفى عنهم ما اثبت لنفسه- او المعنى ما أنتم له بحافظين فى العيون و الآبار و نحو ذلك- و ذلك ايضا يدل على تدبير الحكيم كما يدل عليه حركة الريح فى بعض الأوقات من بعض الجهات و فى بعضها من بعض اخر من الجهات على وجه ينتفع به الناس فان طبيعة الماء يقتضى الغور فوقوفه دون حدّ لا بد له من سبب مقتضى لذلك-.

٢٣

وَ إِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي القلوب بالمعرفة و الأجسام بتعليق النفوس الحيوانية او النباتية او نحو ذلك وَ نُمِيتُ بإزالتها و تكرير الضمير فى انّا لنحن للدلالة على الحصر وَ نَحْنُ الْوارِثُونَ (٢٣) لا يبقى حىّ سوانا- استعير الوارث للباقى بعد فناء غيره استعارة من وارث الميت لانه يبقى بعد فنائه.

٢٤

وَ لَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَ لَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (٢٤) اى لا يخفى علينا شي ء من أحوالكم بيان لكمال علمه بعد الاحتجاج على كمال قدرته فان ما يدل على قدرته دليل على علمه-

قال البغوي قال ابن عباس أراد بالمستقدمين الأموات و بالمستأخرين الاحياء- و قال الشعبي الأولين و الآخرين و قال عكرمة المستقدمون من خلقه اللّه و حرج من أصلاب الآباء و المستأخرون من لم يخلق و لم يخرج بعد-

و قال مجاهد المستقدمون الأمم السابقة و المستأخرون امة محمّد صلى اللّه عليه و سلم- و قال الحسن المستقدمون فى الطاعة و الخير و المستأخرون المبطئون عنها- و قيل المستقدمون فى الصفوف فى الصلاة و المستأخرون فيها- اخرج ابن مردوية عن داود بن صالح انه سال سهل بن حنيف الأنصاري عن هذه الاية أنزلت فى سبيل اللّه قال لا و لكنها فى صفوف الصلاة-

و اخرج الترمذي و النسائي و ابن ماجة و ابن حبان و الحاكم و صححه عن ابن عباس ان امراة حسناء كانت تصلى خلف رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فتقدم بعض القوم لئلا ينظروا إليها و تأخر بعض حتّى يكون فى الصف المؤخر فاذا ركع نظر من تحت ابطيه فنزلت هذه الاية- و قال الأوزاعي أراد المصلين فى أول الوقت و المؤخرين الى آخره- و قال مقاتل أراد المستقدمين فى صف القتال و المستأخرين فيه- و قال ابن عيينة أراد من اسلم و من لم يسلم.

٢٥

وَ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ لا محالة للجزاء على ما عملوا من عمل عن جابر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من مات على شي ء بعثه اللّه تعالى عليه رواه احمد و الحاكم و البغوي- و توسيط الضمير للدلالة على انه هو القادر و المتولى لحشرهم لا غير و تصدير الجملة بان لتحقيق الوعد و و التنبيه على ان ما سبق من الدلالة على كمال قدرته و علمه بتفاصيل الأشياء يدل على صحة الحكمة كما صرح به قوله إِنَّهُ حَكِيمٌ ظاهر الحكمة متقن فى أفعاله عَلِيمٌ (٢٥) وسع علمه كل شي ء-.

٢٦

وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ يعنى جنس البشر بان خلق أباهم آدم عليه السلام و سمى إنسانا لظهوره- و ادراك البصر إياه- و لموانسة بعضهم ببعض- و قيل من النسيان لانه عهد اليه فنسى مِنْ صَلْصالٍ اى طين يابس غير مطبوخ يصلصل اى يصوت إذا نقر- قال ابن عباس رضى اللّه عنهما هو الطين الحر الطيب الّذي إذا نضب عنه الماء تشقق فاذا حرك تقعقع-

و قال مجاهد هو الطين المنتن و قال هو من صلّ اللّحم و أصلّ إذا أنتن مِنْ حَمَإٍ طين تغير و اسود من طول مجاورة الماء و هو صفة لصلصال اى كائن من حما مَسْنُونٍ (٢٦) مصور من سنة الوجه كان فى الاول ترابا فعجن بالماء فصار طينا فمكث فصار حما فخلص فصار سلالة فصور فصار مسنونا فيبس فصار صلصالا-

و قال مجاهد و قتادة المنتن المتغير من سننت الحجر على الحجر إذا حككته به فان ما يسيل بينهما كان منتنا و يسمى سنينا- و قال ابو عبيدة هو المصبوب فهو كالجواهر المذابة نصب فى القوالب من السن و هو الصب يقول العرب سننت الماء اى صببته كانه افرغ من الحمأ فصوّر منها تمثال انسان أجوف فيبس حتّى إذا نقر صلصل ثم غير ذلك طورا بعد طور حتّى سواه و نفخ فيه من روحه.

٢٧

وَ الْجَانَّ أريد به الجنس كما فى الإنسان لان تشعب الجنس إذا كان من شخص واحد خلق من مادة واحدة كان الجنس باسره مخلوقا منها- و قال ابن عباس الجانّ ابو الجن كما ان آدم ابو البشر- و قال قتادة هو إبليس و يقال الجان ابو الجن و إبليس ابو الشياطين و فى الجن مسلمون و قاسطون و يحيون و يموتون و ليس من الشياطين مسلم و يموتون إذا مات إبليس- و ذكر وهب من الجن من يولد لهم و يأكلون و يشربون بمنزلة الآدميين و من الجن من هم بمنزلة الريح لا يتوالدون و لا يأكلون و لا يشربون منصوب بفعل مضمر يفسره خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ اى قبل خلق آدم عليه السلام مِنْ نارِ السَّمُومِ (٢٧) اى من نار الحر الشديد النافذ فى المسام-

قال البغوي السموم ريح حارة تدخل مسام الإنسان و تقتله- و يقال السموم بالنهار و الحرور بالليل و عن الكلبي عن ابى صالح السموم نار لا دخان لها و الصواعق تكون منها و هى نار بين السماء و بين الحجاب فاذا أحدث اللّه امرا خرّقت الحجاب فهوت الى ما أمرت فالهدة الّتي يسمعون خرق ذلك الحجاب- و قيل نار السموم لهب النار- و قيل من نار السموم اى من نار جهنم- و عن الضحاك عن ابن عباس رضى اللّه عنهما قال كان إبليس من حى من الملائكة يقال لهم الجن خلقوا من نار السموم و خلقت الجن الذين ذكروا فى القران من مارج من نار فاما الملائكة خلقوا من النور.

٢٨

وَ إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ فى المستقبل من الزمان بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٢٨)

٢٩

فَإِذا سَوَّيْتُهُ عدلت صورته وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي اصل النفخ اجراء الريح فى تجويف جسم اخر- و الروح نوعان نوع منها علوى و هو خلق من خلق اللّه تعالى مجرد من المادّة يرى بنظر الكشف مقامه فوق العرش لكونه الطف منه و ذلك هو الروح العلوي و ذلك يرى بنظر الكشف خمسة بعضها فوق بعض القلب و الروح و السر و الخفي و الأخفى و هى كلها من لطائف عالم الأمر- و نوع منها سفلى و هو بخار لطيف ينبعث من العناصر الاربعة الّتي يتركب منها الجسم الإنساني و يسمى ذلك بالنفس و قد جعل اللّه تعالى الروح السفلى المسمى بالنفس مرءة للارواح العلوية فكما ان الشمس مع كونها على السماء تمتلى فى المرأة عند المحاذات اى يحصل فى المرأة نورها و حرارتها حتّى يظهر اثارها فى المرأة من الاضاءة و الإحراق كذلك الأرواح العلوية مع كونها على اوج تجردها تمتلى فى النفس حتّى يظهر فيها اثارها و ذلك البرزات الحاصلة فى النفوس هى الأرواح الجزئية لكل فرد من الافراد- ثم الروح السفلى مع ما تحملها من العلويات تتعلق اولا بالمضغة القلبية و تفيض عليه القوة الحيوانية و المعارف الانسانية المكتسبة من الأرواح العلوية ثم تسرى حاملا لها فى تجاويف الشرائين الى اعماق البدن و سميت ذلك بالنفخ لمشابهته بنفخ الريح فى الشي ء المجوف- و أضاف اللّه تعالى الروح الى نفسه تشريفا لكونه مخلوقا بامره من غير مادة- او لاستعداده قبول التجليات الرحمانية ما لا يستعد له روح غير الإنسان و الإنسان و ان كان الغالب منه عنصر الطين و لاجل ذلك أضيف خلقته الى الطين لكنه جامع للاسطقسّات العشر خمسة من عالم الخلق العناصر الاربعة و البخار المنبعث منها المسمى بالنفس و الروح السفلى و خمسة من عالم الأمر المذكورة فهو لاجل ذلك الجامعية صار مستحقّا للخلافة أهلا لنور المعرفة و نار العشق و المحبة المقتضية للمعيّة الغير المتكيفة المحكية بقوله صلى اللّه عليه و سلم المرء مع من أحب و مهبطا للتجليات الذاتية و الصفاتية و الظلالية و لاجل ذلك المعيّة و قبول التجليات اقتضت الحكمة الالهية لقوله تعالى فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ (٢٩) امر من وقع يقع و اللام هاهنا بمعنى الى يعنى قعوا الى آدم ساجدين للّه تعالى جعل اللّه تعالى آدم قبلة للملائكة كما جعل الكعبة قبلة للناس فكما ان الكعبة انما صارت مسجودة إليها لاجل تجل للّه تعالى فيها مختصة بها كذلك آدم -.

٣٠

فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ اما تحقيقا بإدراك المعيّة المذكورة او تقليدا او امتثالا لامر العليم الحكيم كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (٣٠) أكد اللّه سبحانه بتأكيدين للمبالغة فى التعميم و منع التخصيص- و ذكر عن المبرد انه قال أكد بالكل للاحاطة و بأجمعين للدلالة على انهم سجدوا مجتمعين دفعة واحدة و هذا ليس بشي ء فانه لو كان كذلك لكان الثاني حالا منصوبا لا تأكيدا مرفوعا.

٣١

إِلَّا إِبْلِيسَ فانه لاجل عدم البصيرة لم يدرك المعيّة المذكورة و لم يستدل بان قول الحكيم لا يخلو من الحكمة- قيل الاستثناء منقطع لان إبليس لم يكن من الملائكة كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ فعلى هذا يتصل به قوله تعالى أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (٣١) اى و لكن إبليس ابى- و قيل الاستثناء متصل و هو كان من الملائكة من صنف منها يسمون بالجن فعلى هذا ابى كلام مستأنف كانه جواب سائل قال هلا سجد.

٣٢

قالَ اللّه سبحانه يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (٣٢) يعنى اى شي ء عرض لك فى ان لا تكون مع الساجدين الى آدم مع وجوبه عليك بحكم الحاكم على الإطلاق و ظهور فضل آدم و استحقاقه بأخبار العليم الصادق الخلاق.

٣٣

قالَ إبليس لكمال غباوته لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ اللام لتأكيد النفي اى لا يصلح لى و ينافي حال ان اسجد لِبَشَرٍ جسمانى كثيف خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٣٣) و هى اخس العناصر و خلقتنى من نار و هى ألطفها و أشرفها- و قد ذكرنا ما يناسب هذا المقام فى تفسير سورة الأعراف-.

٣٤

قالَ اللّه تعالى فَاخْرُجْ يعنى ان عصيتنى فاخرج مِنْها اى من السماء او الجنة او من زمرة الملائكة فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (٣٤) مردود طريد من الخير و الكرامة فان من يطرد يرجم بالحجارة- او انّك ترجم بالشهب ان تقربت السماء و هو وعيد متضمن للجواب عن شبهته و تعريضه على اللّه تعالى بانه لا ينبغى ان يؤمر الفاضل بالسجود للمفضول- و الجواب ان الفضل و الخير كله بيد اللّه و فى امتثال امره فاذا عصى حرم من الخير و استحق الطرد.

٣٥

وَ إِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ (٣٥) فانه منتهى أمد الطرد و اللعنة و بعد ذلك وقت الجزاء المترتب على تلك اللعنة و الابعاد- او لانه بعد ذلك يعذب بما ينسى اللعن معه فيصير كالزائد- و قيل انما حد اللعنة به لانه ابعد غاية يضربها الناس-

قال البغوي قيل ان اهل السماء يلعنون إبليس كما يلعنه اهل الأرض فهو ملعون فى السماء و الأرض-

قلت بل يلعنه خالق السموات و الأرض حيث قال وَ إِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ

٣٦

قالَ إبليس. رَبِّ فَأَنْظِرْنِي اى ان أخرجتني و لعنتنى فانظرنى اى أمهلني و لا تمتنى إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (٣٦) أراد ان يجد فرصة الإغواء و النجات عن الموت إذ لا موت بعد البعث فاجابه اللّه فى الاول زيادة فى بلائه و شقائه لا إكراما له و لم يجبه فى الثاني و.

٣٧

قالَ فَإِنَّكَ «١» مِنَ الْمُنْظَرِينَ (٣٧)

(١) و فى الأصل انّك.

٣٨

إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (٣٨) عند اللّه تعالى اى الوقت الّذي يموت فيه الخلائق و هو النفخة الاولى- يقال ان مدة موت إبليس أربعين سنة و هوما بين النفختين-.

٣٩

قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي الباء للقسم و ما مصدرية اى باغوائك و اضلالك ايّاى قسمى لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ اى فى الدنيا الّتي هى دار الغرور ازيّن لهم المعاصي- و قيل الباء للسببية اى لازيّننّ لهم بسبب اغوائك ايّاى وَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٣٩) اى لاحملنهم على الغواية.

٤٠

إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (٤٠) قرا ابن كثير و ابو عمرو و ابن عامر بكسر اللام على صيغة الفاعل فى جميع القران يعنى أخلصوا دينهم بالتوحيد و الطاعة لك و نفوسهم لاتباع مرضاتك و الباقون بفتح اللام يعنى الذين أخلصتهم لنفسك عن طاعة غيرك و طهرتهم من الشوائب فهديتهم و اصطفيتهم فلا يعمل فيهم كيدى-.

٤١

قالَ اللّه تعالى هذا اى الإخلاص صِراطٌ عَلَيَّ اى طريق للوصول الىّ من غير ضلال مُسْتَقِيمٌ (٤١) لا اعوجاج فيه أصلا قال الحسن صراط الحق مستقيم

و قال مجاهد الحق يرجع على اللّه و عليه طريقه و لا يعرج على شي ء- و قال الأخفش يعنى علىّ الدلالة على الصراط المستقيم- و جاز ان يكون هذا اشارة الى ما تضمنه الاستثناء و هو تخليص المخلص من اغوائه- و المعنى ان تخليص المخلصين طريق علىّ اى حق علىّ ان اراعيه مستقيم فلا انحراف عنه- و قال الكسائي هذا الكلام على التهديد و الوعيد كما يقول الرجل لمن يخاصمه طريقك علىّ اى لا تفلت منى كما قال اللّه تعالى إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ فعلى هذا هذا اشارة الى ما اتخذ إبليس طريقا لنفسه اى طريق الإغواء-

و قرا ابن سيرين و يعقوب و قتادة علىّ بالرفع و التنوين من العلوّ و المعنى ان هذا يعنى الإخلاص طريق رفيع من ان ينال مستقيم لايمال.

٤٢

إِنَّ عِبادِي الظاهر ان الاضافة للاستغراق بدليل الاستثناء فيشتمل المؤمن و الكافر لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ (٤٢) يعنى سلطانك بتسليط اللّه تعالى ليس الا على الغاوين و اما المؤمنون فلا سلطان لك عليهم فهو تصديق لابليس فيما استثناه فهذه الاية نظير قوله تعالى إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ و المقصود بيان عصمة المخلصين و انقطاع مخالب الشيطان عنهم و من هاهنا يندفع قول من شرط ان يكون المستثنى اقل من الباقي لافضائه الى تناقض الاستثناءين- و جاز ان يكون الاستثناء منقطعا بمعنى لكن من اتبعك من الغاوين ليدخلنهم جهنم حذف الخبر لدلالة ما بعده عليه و يكون الكلام لتكذيب الشيطان فيما او هم ان له سلطانا على من ليس بمخلص من عباده فان منتهى ما يقدر عليه الشيطان التحريض كما قال وَ ما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي- و جاز ان يكون الاضافة فى عبادى للعهد و المعنى انّ عبادى المخلصين لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ و الاستثناء حينئذ منقطع البتة-.

٤٣

وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ اى موعد الغاوين او المتبعين أَجْمَعِينَ (٤٣) تأكيد للضمير او حال و العامل فيها الموعد ان جعلته مصدرا على تقدير المضاف و معنى الاضافة ان جعلته اسم مكان فانه لا يعمل

٤٤

لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ اخرج هناد و ابن المبارك و احمد الثلاثة فى الزهد و ابن جرير و ابن ابى الدنيا فى صفة النار و البيهقي عن على بن ابى طالب رضى اللّه عنه قال أبواب جهنم هكذا و وضع احدى يديه على الاخرى و فرج بين أصابعه يعنى باب فوق باب سبعة أبواب فيملا الاول ثم الثاني ثم الثالث ثم الرابع ثم الخامس ثم السادس ثم السابع- و ذكر البغوي اثر على رضى اللّه عنه نحوه و قال فيه ان اللّه وضع الجنان على العرض و وضع النيران بعضها فوق بعض-

و اخرج ابن جرير و ابن ابى الدنيا فى صفة النار عن ابن جريج فى هذه الاية قال أولها يعنى الأبواب جهنم ثم لظى ثم الحطمة ثم السعير ثم السقر ثم الجحيم ثم الهاوية.

لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ اى من الغاوين جُزْءٌ مَقْسُومٌ (٤٤) اى لكل دركة قوم يسكنونها- و منهم حال من جزء او من المستكن فى لكل باب لا فى مقسوم لان الصفة لا تعمل فيما تقدم على موصوفه- قرا ابو بكر جزّ «١» بالتشديد بلا همز-

قال البغوي قال الضحاك فى الدركة الاولى اهل التوحيد الذين ادخلوا النار يعذبون بقدر ذنوبهم ثم يخرجون و فى الثانية النصارى و فى الثالثة اليهود و فى الرابعة الصابئون و فى الخامسة المجوس و فى السادسة اهل الشرك و فى السابعة المنافقون قال اللّه تعالى إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ- و

قال البغوي روى عن ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال لجهنم سبعة أبواب باب منها لمن سل السيف على أمتي او قال على امة محمّد صلى اللّه عليه و سلم- قال القرطبي الباب الاول جهنم «٢»

و هو أهون عذابا من غيره و هو مختص بعصاة هذه الامة و سمى بذلك الاسم لانه يتجهّم فى وجوه الرجال و النساء فيأكل لحومهم و الهاوية و هى أبعدها قعرا-

و اخرج البزار عن ابن عباس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم للنار باب لا يدخله الا من شفى غيظه بسخط اللّه-

و اخرج الترمذي عن ابن عمر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لجهنم سبعة أبواب أشدها غمّا و كربا و حزنا و انتنها للزناة الذين ركبوا الزنى بعد العلم-

و اخرج البيهقي عن الخليل بن مرة مرسلا ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كان لا ينام حتّى يقرا تبارك و حم السجدة و قال الحواميم سبع و أبواب جهنم سبع- جهنم و حطمة و لظى و سقر و السعير و الهاوية و الجحيم قال يجي ء حم السجدة منها يوم القيامة يقف على باب من هذه الأبواب فيقول اللّهم لا يدخل هذا الباب من كان يؤمن بي و يقرءونى

و اخرج الثعلبي ان سلمان الفارسي لما سمع قوله تعالى وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ فى ثلاثة ايام هاربا من الخوف لا يعقل فجي ء به الى النبي صلى اللّه عليه و سلم فساله فقال يا رسول اللّه نزلت لهذه الاية وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ الاية فو الّذي بعثك بالحق لقد قطعت قلبى فانزل اللّه تعالى.

(١) الصحيح قرا ابو بكر جزؤ بضم الزاء و بهمزة و ابو جعفر جزّ بتشديد الزاء بلا همز و الباقون بالإسكان و همز-

(٢) اخرج ابن مردوية عن انس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم جزء أشركوا و جزء شكوا فى اللّه و جزء غفلوا-

٤٥

إِنَّ الْمُتَّقِينَ الذين لم يتبعوا الشيطان فى الشرك فِي جَنَّاتٍ وَ عُيُونٍ (٤٥) لكل واحد منهم جنة و عين او لكل واحد عدة منها- قرا نافع و ابو عمرو و هشام و حفص عيون بضم العين حيث وقع و الباقون بكسرها.

٤٦

ادْخُلُوها على ارادة القول يعنى يقال لهم ادخلوا الجنات و العيون بِسَلامٍ اى سالمين او مسلّما عليكم آمِنِينَ (٤٧) من الموت و الآفات و الخروج.

٤٧

وَ نَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ اى حقد كان فى الدنيا و الماضي هاهنا بمعنى المستقبل عبر به تنبيها على تحقق وقوعها- اخرج سعيد بن منصور و ابو نعيم فى الفتن و ابن ابى شيبة و الطبراني و ابن مردوية عن على رضى اللّه عنه قال أرجو ان أكون انا و عثمان و طلحة و الزبير منهم-

قلت و ذلك حين وقع الشر و الفتنة بينهم حتّى قتل عثمان فى حرب الدار و طلحة و الزبير يوم الجمل-

و اخرج عبد اللّه بن احمد فى زوائد الزهد عن عبد الكريم بن رشيد قال ينتهى اهل الجنة الى باب الجنة و هم يتلاحظون تلاحظ النيران فاذا دخلوها نزع اللّه تعالى ما فى صدورهم من غل فصاروا إخوانا- او المراد بالآية نزع التحاسد من صدور اهل الجنة على درجات الجنة و مراتب القرب إِخْواناً حال من ضمير فى جنت او من فاعل ادخلوها او من الضمير فى امنين او من الضمير المضاف اليه و العامل هاهنا معنى الاضافة و كذا قوله عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ (٤٧) و يجوز ان يكونا صفتين لاخوان او حالين من ضميره لانه بمعنى متصافين و ان يكون متقابلين حالا من المستقر فى على سرر اخرج هناد عن مجاهد فى هذه الاية قال لا يرى بعضهم قفا بعض-

قال البغوي و فى بعض الاخبار ان المؤمن فى الجنة إذا ودّ ان يلقى أخاه المؤمن سار سرير كل واحد منهما الى صاحبه فيلتقيان و يتحدثان-

و اخرج ابن ابى حاتم عن على بن الحسين نزلت فى ابى بكر و عمر وَ نَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ قيل و اىّ غلّ قال غلّ الجاهلية ان بنى تميم و بنى عدى و بنى هاشم كان بينهم فى الجاهلية فلما اسلم هؤلاء القوم تحابوا فاخذت أبا بكر الخاصرة فجعل على يسخن يده فيكمد بها خاصرة ابى بكر فنزلت هذه الاية قلت على هذه الرواية قوله و نزعنا حال من الضمير المستكن فى جنات بتقدير قد تقديره إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَ عُيُونٍ و قد نزعنا فى الدنيا بالإسلام ما كان فى صدورهم فى الجاهلية من غلّ.

٤٨

لا يَمَسُّهُمْ فِيها اى فى الجنة نَصَبٌ اى تعب استيناف او حال بعد حال من الضمير فى متقابلين وَ ما هُمْ مِنْها «١» اى من الجنة بِمُخْرَجِينَ (٤٨) فان تمام النعمة بالخلود- اخرج الطبراني عن عبد اللّه بن الزبير قال مر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بنفر من أصحابه يضحكون قال أ تضحكون و بين ايديكم النار فنزل جبرئيل و قال يا محمّد يقول لك ربك لم تقنط عبادى من رحمتى.

(١) فى الأصل عنها اى عن الجنة.

٤٩

نَبِّئْ عِبادِي قرا نافع و ابن كثير و ابو عمرو بفتح الياء و الباقون بإسكانها أَنِّي قرا نافع و ابن كثير و ابو عمرو بفتح الياء و الباقون بإسكانها أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٤٩)

٥٠

وَ أَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ (٥٠)

و اخرج ابن مردوية من وجه اخر عن رجل من اصحاب النبي صلى اللّه عليه و سلم قال اطلع علينا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من الباب الّذي يدخل منه بنوا شيبة قال الا أراكم تضحكون ثم أدبر ثم رجع القهقرى فقال انى خرجت حتّى إذا كنت عند الحجر جاء جبرئيل فقال يا محمّد ان اللّه يقول لم تقنط عبادى نبّئ عبادى الاية و فى نسق الكلام من هذه الاية فذلكة لما سبق من الوعد و الوعيد و تقرير له و فى ذكر المغفرة دليل على ان المراد بالمتقين من يتقى الشرك لا من يتقى الذنوب كلها صغيرها و كبيرها-

قال البغوي قال قتادة بلغنا ان نبى اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال لو يعلم العبد قدر عفو اللّه لما نورع عن حرام و لو يعلم قدر عذابه لتخرج نفسه- و روى الترمذي بسند حسن عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لو يعلم المؤمن ما عند اللّه من العقوبة ما طمع فى الجنة أحد و لو يعلم الكافر ما عند اللّه من الرحمة ما قنط من الجنة- و فى الصحيحين عن ابى هريرة قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول ان اللّه خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة و امسك عنده تسعة و تسعين رحمة و أرسل فى خلقه كلهم رحمة واحدة فلو يعلم الكافر بكل الّذي عند اللّه من الرحمة لم ييئس من الجنة و لو يعلم المؤمن بالذي عند اللّه من العذاب لم يأمن من النار- و فى توصيف ذاته بالمغفرة و الرحمة دون التعذيب ترجيح بجانب الوعد على الوعيد و تأكيد له- روى احمد و مسلم عن سلمان و احمد و ابن ماجة عن ابى سعيد عن النبي صلى اللّه عليه و سلم بلفظ ان اللّه تعالى خلق يوم خلق السموات و الأرض مائة رحمة كل رحمة طباق ما بين السماء و الأرض فجعل منها فى الأرض رحمة منها تعطف الوالدة على ولدها و الوحش و الطير بعضها على بعض و اخّر تسعا و تسعين فاذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة-.

٥١

وَ نَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ (٥١) فى عطف هذه الجملة على نبّئ عبادى الاية تحقيق للوعد و الوعيد فى الدنيا ايضا كما حققهما فى الاخرة فيما سبق- و الضيف اسم يطلق على الواحد و الاثنين و الجمع و المذكر و المؤنث و المراد هاهنا الملائكة الذين أرسلهم اللّه تعالى لبشارة ابراهيم بالولد و إهلاك قوم لوط.

٥٢

إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً اى نسلم او سلمنا سلاما قالَ ابراهيم إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (٥٢) خائفون لانهم دخلوا بغير اذن او بغير وقت او لانهم لم يأكلوا طعامه- و الوجل اضطراب النفس بتوقع المكروه.

٥٣

قالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا رسل ربك نُبَشِّرُكَ استيناف فى مقام التعليل للنهى عن الوجل فان المبشر لا يخاف منه قرا حمزة بالتخفيف و فتح النون من المجرد و الباقون من التفعيل بِغُلامٍ يعنى إسحاق عليه السلام لقوله تعالى فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ ... عَلِيمٍ (٥٣) ذى علم بالغ إذا كبر فتعجب ابراهيم لاجل كبره و كبر امرأته و.

٥٤

قالَ أَ بَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ اى مع مس الكبر إياي و الاستفهام للانكار ان يبشر فى مثل هذه الحالة و كذلك قوله فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (٥٤) اى فباىّ اعجوبة تبشروني فان البشارة بما لا يتصور وقوعه عادة بشارة بغير شي ء قرا ابن كثير بكسر النون مشددة فى كل القران على ادغام نون الجمع فى نون الوقاية و نافع بكسرها مخففة على حذف نون «١» الجمع استثقالا لاجتماع المثلين و دلالة لابقاء نون الوقاية المكسورة على الياء و الباقون بفتح النون و تخفيفها.

(١) هذا عند سيبويه و اما عند جمهور القراء فالمحذوفة نون الوقاية- ابو محمّد عفا اللّه عنه.

٥٥

قالُوا اى الملائكة بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ اى بالصدق او باليقين او بطريقة هى حق و هو قول اللّه عزّ و جلّ و امره الّذي لا راد لقضائه فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ (٥٥) اى من الآيسين و ذلك لانه تعالى قادر على ان يخلق بشرا من غير أبوين فكيف من شيخ فان و عجوز عاقر- و كان استعجاب ابراهيم عليه السلام باعتبار العادة دون القدرة و لذلك.

٥٦

قالَ وَ مَنْ يَقْنَطُ قرا ابو عمرو و الكسائي و يعقوب هاهنا و فى الروم يقنطون و فى الزمر لا تقنطوا بكسر النون فى الثلاثة و الباقون بفتحها مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (٥٦) اى المخطئون طريق المعرفة فلا يعرفون سعة رحمة اللّه و كمال علمه و قدرته فان القنوط من رحمة اللّه كبيرة كالامن من مكره-.

٥٧

قالَ ابراهيم فَما خَطْبُكُمْ اى شأنكم الّذي أرسلتم لاجله سوى البشارة أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (٥٧) لعله علم ان كمال المقصود ليس البشارة لانهم كانوا عددا و البشارة لا يحتاج الى العدد و لذلك اكتفى بالواحد فى بشارة زكريا و مريم عليهما السلام- او لانهم بشروه فى تضاعف الحال لازالة الوجل و لو كان تمام المقصود لابتدؤا بها.

٥٨

قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (٥٨) اى مشركين يعنى قوم لوط.

٥٩

إِلَّا آلَ لُوطٍ اى اتباعه و اهل دينه ان كان استثناء من قوم كان منقطعا إذ القوم مقيد بالاجرام و ان كان استثناء من الضمير فى مجرمين كان متصلا و القوم و الإرسال شاملين للمجرمين- و المعنى انا أرسلنا الى قوم أجرموا كلهم الا ال لوط منهم لنهلك المجرمين و ننجى ال لوط و يدل عليه قوله. إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ مما يعذب به غيرهم من القوم خفف حمزة و الكسائي و شدده الباقون أَجْمَعِينَ (٥٩) حملة مستأنفة على تقدير اتصال الاستثناء و جار مجرى خبر لكن على تقدير الانفصال و على هذا جاز ان يكون قوله.

٦٠

إِلَّا امْرَأَتَهُ استثناء من ال لوط او من الضمير المنصوب فى منجوهم و على تقدير اتصال الاستثناء لا يكون الاستثناء الا من الضمير لاختلاف الحكمين قَدَّرْنا اى قضينا قرا ابو بكر هنا و فى سورة النمل بتخفيف الدال و الباقون بتشديدها إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ (٦٠) الباقين فى العذاب مع الكفار- علق قدّر مع ان التعليق من خواص افعال القلوب لتضمنه معنى العلم و يجوز ان يكون قدّر جار مجرى

قلنا لان التقدير بمعنى القضاء قول و هو فى الأصل جعل الشي ء على مقدار غيره و اسناد الملائكة التقدير الى أنفسهم مع انه فعل اللّه تعالى لما لهم من القرب و الاختصاص به تعالى او لانهم كانوا رسلا فكلامهم على وجه السفارة مستند اليه تعالى-.

٦١

فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ (٦١)

٦٢

قالَ لهم لوط إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (٦٢) اى ينكركم نفسى إذ ليس عليكم زى السفر و لستم من اهل القرية فاخاف ان يصل الىّ منكم مكروه.

٦٣

قالُوا اى الملائكة بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ (٦٣) يعنى ما جئنا بما تنكرنا لاجله بل جئناك بما يسرّك و يشفى لك فى أعدائك و هو العذاب الّذي تعد بها قومك فيمترون بها.

٦٤

وَ أَتَيْناكَ بِالْحَقِّ باليقين من عذابهم او بالعذاب المحقق فى علم اللّه تعالى وَ إِنَّا لَصادِقُونَ (٦٤) فيما أخبرناك.

٦٥

فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ اذهب بهم فى الليل قرا نافع و ابن كثير فاسر بهمزة الوصل من السرى و معناهما واحد بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ اى طائفة منها و قيل فى آخرها وَ اتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ يعنى كن على اثرهم حتّى تسرع بهم و تطلع على أحوالهم وَ لا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ اى لا ينظر وراءه فيرى من الهول ما لا يطيقه- او لئلا يروا ما نزل بقومهم من العذاب فيرقوا لهم فيصيبهم ما أصابهم- او لا ينصرف أحدكم و لا يتخلف لغرض فيصيبه العذاب- و قيل نهوا عن الالتفات ليوطّنوا نفوسهم على المهاجرة او جعل النهى عن الالتفات كناية عن مواصلة السير و ترك التواني و التوقف لان من يلتفت لا بد له فى ذلك من ادنى وقفة وَ امْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (٦٥) يعنى الى حيث امر اللّه تعالى قال ابن عباس رضى اللّه عنهما يعنى الشام و قال مقاتل يعنى زغر.

٦٦

و قيل أردن وَ قَضَيْنا إِلَيْهِ اى أوحينا الى لوط مقضيّا و لذلك عدى بالى ذلِكَ الْأَمْرَ مبهم يفسره أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ يعنى أصلهم مَقْطُوعٌ و محل انّ النصب على البدل منه و فيه تفخيم لذلك الأمر- و المعنى انهم يستأصلون عن آخرهم لا يبقى منهم أحد مُصْبِحِينَ (٦٦) اى داخلين فى الصبح و هو حال من هؤلاء او من الضمير فى مقطوع- و جمعه حملا على المعنى فان دابر هؤلاء فى معنى مدبرى هؤلاء-.

٦٧

وَ جاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ سدوم يَسْتَبْشِرُونَ (٦٧) باضياف لوط يبشر بعضهم بعضا طمعا فى الفاحشة بهم فانهم كانوا فى صورة غلمان حسان الوجوه.

٦٨

قالَ لهم لوط إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ (٦٨) فان تفضيح الضيف تفضيح للمضيف.

٦٩

وَ اتَّقُوا اللّه فى ارتكاب الفاحشة وَ لا تُخْزُونِ (٦٩) قرا يعقوب لا تفضحونى و لا تخزونى بالياء و الباقون بحذفها اى لا تذلّونى بسببهم من الخزي و هو الهوان او لا تخجلوني فيهم من الخزاية و هى الحياء.

٧٠

قالُوا أَ وَ لَمْ نَنْهَكَ معطوف على محذوف تقديره أ نترك هؤلاء و لم ننهك و الاستفهام للانكار و هو من الإثبات نفى و بالعكس يعنى لا نتركهم و قد نهيناك عَنِ الْعالَمِينَ (٧٠) اى عن ان تجير منهم أحدا و تحول بيننا و بينهم فانهم كانوا يقطعون السبيل و يتعرضون كل واحد و كان لوط عليه السلام يمنعهم عنه بقدر وسعه- او عن ضيافة الناس و إنزالهم عندك فانا نركب منهم الفاحشة.

٧١

قالَ لهم لوط عليه السلام هؤُلاءِ بَناتِي قرا نافع بفتح الياء و الباقون بإسكانها و قد مر وجوه تأويله فى سورة هود عليه السلام إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (٧١) قضاء الشهوة او فاعلين ما أقول لكم فانكحوهن- قال اللّه تعالى.

٧٢

لَعَمْرُكَ يا محمّد و حياتك قسمى و هو لغة فى العمر يختص به القسم لا يثار الأخف فيه لانه كثير الدور على الالسنة-

قال البغوي روى عن ابى الجوزاء عن ابن عباس قال ما خلق اللّه نفسا أكرم عليه من محمّد صلى اللّه عليه و سلم و ما اقسم بحياة أحد الا بحياته إِنَّهُمْ يعنى كفار قريش لَفِي سَكْرَتِهِمْ اى غوايتهم و شدة انهماكهم فى قضاء الشهوات و عدم تميزهم بين الخطاء و الصواب الّذي يشاربه إليهم يَعْمَهُونَ (٧٢) يتحبرون فكيف يسمعون نصحك و الجملة معترضة فى قصة لوط- و قيل هذا من كلام الملائكة أضياف لوط خاطبوا لوطا بقولهم لعمرك يا لوط انّهم يعنى قومك لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ-.

٧٣

فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ يعنى الصيحة الهائلة المهلكة قيل صيحة جبرئيل مُشْرِقِينَ (٧٣) اى داخلين فى وقت شرق الشمس و إضائتها فكان ابتداء العذاب حين أصبحوا و تمامه حين اشرقوا.

٧٤

فَجَعَلْنا عالِيَها اى عالى المرتبة او عالى قرارهم سافِلَها رفعها جبرئيل الى السماء ثم قلبها وَ أَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (٧٤) اى من طين متحجرا و طين عليه كتاب من السجل و قد سبق مزيد بيان هذه القصة فى سورة هود- و الفاء فى قوله فجعلنا تدل على تقدم الصيحة على قلب الأرض و امطار الحجارة و اللّه اعلم.

٧٥

إِنَّ فِي ذلِكَ الحديث لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (٧٥) قال ابن عباس للناظرين

و قال مجاهد للمتفرسين و قال قتادة للمعتبرين و قال مقاتل للمتفكرين قلت الوسم التأثير و السمة الأثر يعنى الناظرين فى ظواهر الأشياء و سماتها حتّى يتفرسوا بواطنها بسمات ظواهرها.

٧٦

وَ إِنَّها اى مدينة لوط لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ (٧٦) اى بطريق ثابت واضح يسلكه الناس و يرون اثارها فالمقيم ما لم يندرس اثارها.

٧٧

إِنَّ فِي ذلِكَ البيان لآية لّلمؤمنين (٧٧) باللّه و رسوله المعتقدين بان هذا البيان من اللّه تعالى.

٧٨

وَ إِنْ اى انه كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ اى الأشجار المتكاثفة و هم قوم شعيب كانوا يسكنون غيظة و كانت عامة شجرهم الدوم و هو المقل لَظالِمِينَ (٧٨) اللام للتأكيد ظلموا أنفسهم و عرضوها للنار حيث كفروا باللّه و كذبوا شعيبا.

٧٩

فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ و ذلك ان اللّه سلط عليهم الحر سبعة ايام ثم بعث اللّه سحابة فالتجئوا إليها يلتمسون الروح فامطر اللّه عليهم منها نارا فاحرقتهم و ذلك عذاب يوم الظلة وَ إِنَّهُما يعنى سدوم قرية قوم لوط و الايكة- و قيل الايكة و مدين فانه كان مبعوثا إليهما و كان ذكر إحداهما منبها على الاخرى لَبِإِمامٍ مُبِينٍ (٧٩) اى بطريق واضح أ فلا يعتبر «١» بهما اهل مكة و الامام اسم لما يؤتم به فسمى به اللوح و مطمر البناء و الطريق لانها مما يؤتم بها-.

(١) فى الأصل ا فلا يعتدون [.....].

٨٠

وَ لَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ يعنى ثمود- و الحجر واد بين المدينة و الشام

الْمُرْسَلِينَ (٨٠) يعنى صالحا عليه السلام و جميع المرسلين الذين شهد برسالتهم صالح.

٨١

وَ آتَيْناهُمْ آياتِنا يعنى آيات الكتاب المنزل على نبيهم او معجزاته كالناقة و ولدها و سقياها و درها فَكانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (٨١)

٨٢

وَ كانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ (٨٢) من الانهدام و نقب اللصوص و تخريب الأعداء لوثاقتها- او امنين من عذاب اللّه لفرط غفلتهم و حسبانهم ان الجبال يحميهم منه.

٨٣

فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ صيحة العذاب مُصْبِحِينَ (٨٣) اى حال كونهم داخلين فى الصباح.

٨٤

فَما أَغْنى عَنْهُمْ اى لم يدفع عنهم العذاب ما كانُوا يَكْسِبُونَ (٨٤) من بناء البيوت الوثيقة و استكثار الأموال و العدد- و قد ذكرنا فى تفسير سورة التوبة فى قصة غزوة تبوك انه صلى اللّه عليه و سلم مر بالحجر فقال لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم الا ان تكونوا باكين ان يصيبكم مثل ما أصابهم و تقنّع بردائه و هو على الرحل و اسرع حتّى أجاز الوادي-.

٨٥

وَ ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ اى خلقا متلبسا بالحق كى يكون دليلا على وجود الصانع و صفاته و حجة على المنكرين مزيلا لعذرهم- او المعنى «١» متلبسا بالحق لا يلايم استمرار الفساد و دوام الشر فاقتضت الحكمة إهلاك أمثال هؤلاء و ازالة فسادهم من الأرض وَ إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فينتقم اللّه ممن أشرك باللّه و كذّب رسله فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (٨٥) اى اعرض عنهم و لا تعجل للانتقام منهم.

(١) فى الأصل ملتبسا.

٨٦

إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الّذي خلقك و خلق أعداءك و بيده الأمر كله الْعَلِيمُ (٨٦) بالمحسن و المسي ء فيجازى كلا منهما على حسب عمله- او هو العليم بحالك و حالهم فهو حقيق بان تكل اليه أمرك- او هو الّذي خلقكم و علم ما هو الأصلح لكم و الأصلح اليوم الصفح-.

٨٧

وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي جمع مثناة اسم الظرف او مثنية اسم الفاعل صفة للايات او السور-

قال البغوي قال عمر و علىّ و ابن مسعود رضى اللّه عنهم هى فاتحة الكتاب سبع آيات و هو قول قتادة و عطاء و الحسن و سعيد بن جبير

و روى البخاري عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أم القران هى السبع المثاني و القران العظيم- و فى وجه التسمية بالمثاني اقوال قال ابن عباس رضى اللّه عنهما و الحسن و قتادة لانها تثنّى فى الصلاة فيقرا فى كل ركعة- و قيل لانها مقسومة بين اللّه و بين العبد بنصفين نصفها ثناء و نصفها دعاء- عن ابى هريرة عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال يقول اللّه عزّ و جلّ قسّمت الصلاة بينى و بين عبدى نصفين الحديث و قد مر فى تفسير سورة الفاتحة- و قال الحسين بن الفضل سميت مثانى لانها نزلت مرتين مرة بمكة و مرة بالمدينة كل مرة معها سبعون الفا من الملائكة-

و قال مجاهد سميت مثانى لان اللّه تعالى استثناها و ادّخرها لهذه الامة فما أعطاها غيرهم- و قال ابو زيد البلخي سميت مثانى لانها تثنى اى تصرف اهل الشر عن الفسق من قولهم ثنيت عنانى- و قيل لانها تثنى على اللّه عزّ و جلّ بصفاته العظام «١»- و قال سعيد بن جبير عن ابن عباس قال سبعا يعنى سبع سور من المثاني للبيان فالمثانى اما من التثنية باعتبار تكرر قراءته او ألفاظه او قصصه و مواعظه قال و هى السبع «٢» الطوال أولها البقرة و آخرها الأنفال مع التوبة فانهما فى حكم سورة واحدة و لذلك لم يكتب بينهما سطر بسم اللّه- و قيل سابعها التوبة وحدها و قيل يونس- قال ابن عباس انما سميت السبع الطوال مثانى لان الفرائض و الحدود و الأمثال و الخير و الشر و العبر ثنيت فيها يعنى تكررت- و قيل انها من الثناء باعتبار انه مثنّى عليه بالبلاغة و الاعجاز و مثنّى على اللّه بما هو اهله من أسمائه و صفاته- روى محمّد بن نصر عن انس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان اللّه أعطاني السبع الطوال مكان التورية و أعطاني الراءات الى الطواسين مكان الإنجيل و أعطاني ما بين الطواسين الى الحواميم مكان الزبور و فضلنى بالحواميم و المفصل ما قزاهن نبى قبلى- و عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال اوتى النبي صلى اللّه عليه و سلم السبع الطوال و اعطى موسى عليه السلام ستّا فلما القى الألواح رفغت ثنتان و بقيت اربع- و قيل المراد بالسبع الحواميم السبع روى البغوي بسنده

(١) و عن عمر بن الخطاب قال فى قوله تعالى لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي قال السبع الطوال- و روى ذلك ايضا عن ابن عمر و ابن عباس و مجاهد و سفيان و غيرهم-

قلت و المثاني القران يذكر اللّه القصة الواحدة مرارا ١٢ منه رحمه اللّه.

(٢) فى الأصل بصفاته العظيم.

عن ثوبان ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال ان اللّه أعطاني السبع الطوال مكان التورية و أعطاني المائين مكان الإنجيل و أعطاني مكان الزبور المثاني و فضلنى ربى بالمفصل- و قال طاءوس المراد بالمثاني القران كله بدليل قوله تعالى اللّه نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ سمى القران مثانى لان الانباء و القصص ثنيت فيه فعلى هذا من للتبعيض و المراد بالسبع السور السبع- و قيل المراد بالسبع سبعة اسباع القران و من المثاني القران كله فعلى هذا قوله تعالى وَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (٨٧) من قبيل عطف أحد الوصفين على الاخر و على التأويلات السابقة من قبيل عطف الكل على البعض او العام على الخاص-.

٨٨

لا تَمُدَّنَّ يا محمّد عَيْنَيْكَ اى لا ترفع بصرك طمعا إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ من امتعة الدنيا أَزْواجاً أصنافا مِنْهُمْ اى من الكفار فانها مستحقرة بالاضافة الى ما أوتيته من القران روى إسحاق بن راهويه فى مسنده من حديث عبد اللّه بن عمرو ابن العاص انه قال من اوتى القران فراى أحدا اوتى من الدنيا أفضل مما اوتى فقد صغّر عظيما و عظّم صغيرا- و

قال البغوي روى ان سفيان بن عيينة تأول قول النبي صلى اللّه عليه و سلم ليس منا من لم يتغنّ بالقران اى لم يستغن به روى الحديث البخاري عن ابى هريرة و احمد و ابو داود و ابن حبان و الحاكم عن سعد و ابو داود عن ابى لبابة عن عبد المنذر و الحاكم عن ابن عباس و عائشة و روى البيهقي عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا تغبطن فاجرا بنعمة ان له عند اللّه قاتلا لا يموت و رواه البغوي بلفظ لا تغبطن فاجرا بنعمة فانك لا تدرى ما هو لاق بعد موته ان له عند اللّه قاتلا لا يموت- فبلغ ذلك وهب بن منبه فارسل اليه أبا داود الأعور فقال يا أبا فلان ما قاتلا لا يموت قال عبد اللّه بن مريم النار- و روى احمد و مسلم و الترمذي و ابن ماجة و البغوي عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انظروا الى من هو أسفل منكم و لا تنظروا الى من هو فوقكم فهو أجدر ان لا تزدروا نعمة اللّه عليكم وَ لا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ اى على الكفار بانهم لم يؤمنوا او المعنى لا تغتم على ما فانك من مشاركتهم فى الدنيا وَ اخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (٨٨) اى ليّن جانبك لهم و ارفق بهم و ارحمهم.

٨٩

وَ قُلْ إِنِّي قرا نافع و ابن كثير و ابو عمرو بفتح الياء و الباقون بإسكانها أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ (٨٩) أنذركم ببيان و برهان ان عذاب اللّه نازل بكم ان لم تؤمنوا-.

٩٠

كَما أَنْزَلْنا اى مثل الّذي أنزلنا من العذاب فهو وصف لمفعول النذير أقيم مقامه عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ (٩٠)

قال البغوي حكى عن ابن عباس انه قال هم اليهود و النصارى.

٩١

الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (٩١) اخرج الطبراني فى الأوسط عن ابن عباس قال سال رجل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال ارايت قول اللّه تعالى كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ قال اليهود و النصارى قال ما عضين قال أمنوا ببعض و كفروا ببعض جمع عضة كعدة الفرقة و القطعة كذا فى القاموس أصلها عضوة فعلة من عضى الشاة إذا جعلها أعضاء فاليهود و النصارى اقتسموا القران الى حق و باطل و جعلوه اجزاء صدقوا بعضه و قالوا هذا حق موافق للتورية و الإنجيل و كذبوا بعضه و قالوا هذا باطل مخالف لهما- و قيل كانوا يستهزءون به فيقول بعضهم سورة البقرة لى و يقول الاخر سورة ال عمران لى- و قال مجاهدهم اليهود و النصارى و أريد بالقران ما يقرءون من كتبهم قسمت اليهود و النصارى كتابهم فعرفوه و تركوه- و قيل المقتسمون قوم اقتسموا القران فقال بعضهم سحر و قال بعضهم شعر و قال بعضهم كهانة و قال بعضهم أساطير الأولين- و قيل الاقتسام هو انهم فرقوا القول فى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقالوا شاعر ساحر كاهن- و قال مقاتل كانوا ستة عشر رجلا بعثهم الوليد بن المغيرة ايام الموسم فاقتسموا عقاب مكة و طرقها و قعدوا على أنقابها يقولون لمن جاء من الحاجّ لا تغتروا بهذا الخارج (الّذي يدعى النبوة) منّا يقول طائفة منهم انه مجنون و طائفة انه كاهن و طائفة انه شاعر و الوليد قاعد على باب المسجد نصبوه حكما فاذا سئل عنه قال صدق أولئك يعنى المقتسمين- و العذاب النازل بالمقتسمين ان كان المراد بهم اليهود فقتل بنى قريظة و اجلاء بنى النضير و غيرهم و ان كان المراد بهم قريش فما نزل بهم يوم بدر حيث قتلوا أجمعون- و قيل المراد بالمقتسمين الذين تقاسموا على ان يبيتوا صالحا - و قيل عضين جمع عضة أصلها عضهة ذهبت هاؤها كما نقصوا من الشفة و أصلها شفهة بدليل التصغير على شفيهة و المراد بالعضهة الكذب و البهتان فى القاموس العضة الكذب و منه فى حديث البيعة و لا يعضه بعضنا بعضا اى لا يرميه بالعضهة و هى البهتان و الكذب- و فى حديث اخر إياكم و العضة قال الزمخشري أصلها فعلة من العضهة و هو البهت فحذفت لامه كما حذفت من السنة و الشفة كذا فى النهاية للجزرى- و قيل العضة السحر فى القاموس العضون السحر جمع عضهة بالهاء و انما جمع جمع السلامة جبرا لما حذف منه و منه قوله صلى اللّه عليه و سلم لعن اللّه العاضهة و المستعضهة اى الساحرة و المستسحرة كذا فى النهاية- و جاز ان يكون كما أنزلنا متعلقا بقوله تعالى وَ لَقَدْ آتَيْناكَ فانه بمعنى أنزلنا إليك و المعنى أنزلنا إليك سبعا من المثاني انزالا كما أنزلنا التورية و الإنجيل على المقتسمين يعنى اليهود و النصارى فهو صفة لمصدر محذوف و على هذا يكون قوله تعالى لا تَمُدَّنَّ الى آخره اعتراضا و على ما ذكرنا الموصول اعنى قوله الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ صفة للمقتسمين- و ان كان المراد بالمقتسمين المقتسمين على تبييت صالح عليه السلام فالموصول مبتدا خبره-.

٩٢

فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٩٢)

٩٣

عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (٩٣) من الكفر و المعاصي و التقسيم و نسبة القران الى الكذب او السحر و مجازيهم عليه-

قال البغوي قال محمّد بن إسماعيل البخاري قال عدة من اهل العلم يعنى عن قول لا اله الا اللّه اخرج الترمذي و ابن جرير و ابن ابى حاتم و ابن مردوية عن انس عن النبي صلى اللّه عليه و سلم فى هذه الاية قال عن قول لا اله الا اللّه-

و اخرج مسلم عن ابى برزة الأسلمي رضى اللّه عنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا تزال قد ما عبد عن الصراط حتّى يسئل عن اربع عن عمره فيما أفناه و عن جسده فيما أبلاه و عن علمه ما عمل فيه و عن ماله من اين اكتسبه و فيم أنفقه-

و اخرج الترمذي و ابن مردوية مثله عن ابن مسعود

و اخرج الطبراني و الاصبهانى فى الترغيب عن ابن عباس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم تناصحوا فى العلم و لا يكتم بعضكم بعضا فان خيانة الرجل فى علمه أشد من خيانته فى ماله و ان اللّه سائلكم عنه-

و اخرج ابو نعيم عن ابن عباس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما من عبد يخطو خطوة الا يسئل اللّه عنها ما أراد بها-

و اخرج الطبراني فى الأوسط عن ابن عمران رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال من امّ قوما فليتق اللّه و ليعلم انه ضامن مسئول لما ضمن فان احسن كان له من الاجر مثل اجر من خلفه و ما كان من نقص فهو عليه-

و اخرج ابن ابى حاتم و ابو نعيم فى الحلية عن معاذ بن جبل قال قال النبي صلى اللّه عليه و سلم يا معاذ ان المؤمن سئل يوم القيامة عن جميع سعيه حتّى كحل عينيه-

و اخرج البيهقي و ابن ابى الدنيا عن الحسن قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما من عبد يخطب الا اللّه سائله منها ما ذا أراد بها مرسل جيد الاسناد-

و اخرج ابن ابى حاتم عن الانفع بن عبد اللّه الكلاعى قال ان لجهنم سبع قناطير و الصراط عليهن فيحبس الخلائق على القنطرة الاولى فيقول قفوهم انهم مسئولون فيحاسبون على الصلاة و يسئلون منها فيهلك فيها من هلك و ينجو من نجا فاذا بلغوا الثانية حوسبوا على الامانة كيف أدوها و كيف خانوها فيهلك من هلك و ينجو من نجا فاذا بلغوا القنطرة الثالثة سئلوا عن الرحم كيف وصلوها و كيف قطعوها فيهلك من هلك و ينجو من نجا قال و الرحم يومئذ متدلية الى الهوى تقول اللّهم من وصلني فصله و من قطعنى فاقطعه-

و اخرج ابن ماجة عن ابى سعيد قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول ان اللّه تبارك و تعالى ليسئل العبد يوم القيامة حتّى يقول ما منعك إذا رايت المنكر ان تنكره فاذا لقن اللّه حجته قال يا رب رجوتك و فرقت من الناس و فى الصحيحين عن ابن عمران رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال كلكم راع و كلكم مسئول عن رعيته قال الامام الّذي على الناس راع و هو مسئول عن رعيته و الرجل راع على اهل بيته و هو مسئول عن رعيته و المرأة راعية على اهل بيت زوجها و ولده و هى مسئولة عنهم و عبد الرجل راع على مال سيده و هو مسئول عنه فكلكم راع و كلكم مسئول عن رعيته- و فى الباب عن انس عند ابن حبان و ابى نعيم و عنه عند الطبراني

و اخرج الطبراني فى الكبير عن المقدام سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول لا يكون رجل على قوم الا جاء يقدمهم يوم القيامة بين يديه رأية يحملها و هم يتبعونه فيسئل عنهم و يسئلون عنه-

و اخرج ايضا عن ابن عباس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما من امير يأمر على عشرة الا سئل عنهم يوم القيامة و فى باب السؤال أحاديث كثيرة جدّا-

فان قيل كيف الجمع بين هذه الاية و ما فى معناها من الأحاديث و بين قوله تعالى فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَ لا جَانٌّ قال ابن عباس وجه الجمع انه لا يسئل هل عملتم به لانه اعلم به منهم و لكن يقول لم عملتم كذا «١» و كذا اخرج البيهقي من طريق ابى طلحة عنه و اعتمد عليه قطرب و قال السؤال ضربان سوال استعلام و سوال توبيخ فقوله تعالى لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ يعنى استعلاما و قوله لَنَسْئَلَنَّهُمْ أجمعين يعنى توبيخا و تقريعا و قال عكرمة عن ابن عباس فى جمع الآيتين ان يوم القيامة يوم طويل فيه مواقف فيسئلون فى بعض المواقف و لا يسئلون فى بعضها نظيره قوله تعالى هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ و فى موضع اخر ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ كذا اخرج الحاكم.

(١) فى الأصل كذا كذا.

٩٤

فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ قال ابن عباس اى اظهر امر للنبى صلى اللّه عليه و سلم بإظهار الدعوة- روى عن عبد اللّه بن عبيدة قال كان مستخفيا حتّى نزلت هذه الاية فخرج هو و أصحابه- و يروى عن ابن عباس امضه قال الضحاك اعلم و قال الأخفش افرق بالقران بين الحق و الباطل و قال سيبويه اقض بما تؤمر و اصل الصدع الإبانة و الفصل و التميز وَ أَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (٩٤) لا تلتفت إليهم قيل نسخه اية القتال-.

٩٥

إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (٩٥) بقمعهم و إهلاكهم

قال البغوي يقول اللّه تعالى لنبيه صلى اللّه عليه و سلم فاصدع بامر اللّه و لا تخف أحدا غير اللّه فان اللّه تعالى كافيك ممن عاداك كما كفاك المستهزئين و هم خمسة نفر من رؤساء قريش الوليد بن المغيرة المخزومي و كان رأسهم و العاص بن وائل السهمي و الأسود ابن المطلب بن الحارث بن اسد بن عبد العزى ابو زمعة (و كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قد دعا عليه فقال اللّهم أعمه بصره و اثكله بولده) و الأسود بن عبد يغوث ابن وهب بن عبد مناف بن زهرة و الحارث بن قيس بن الطلالة- فاتى جبرئيل محمّدا صلى اللّه عليه و سلم و المستهزءون يطوفون بالبيت فقام جبرئيل و قام رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الى جنبه فمر به الوليد بن المغيرة فقال جبرئيل يا محمّد كيف تجد هذا قال بئس عبد اللّه قال قد كفيت و أومأ الى ساق الوليد فمر برجل من خزاعة ينال بريش نباله و عليه برديمان و هو يجر إزاره فتعلقت شظية من نبل بإزاره فمنعه الكبر ان يبطامن فينزعها و جعلت تضرب ساقه فخدشته فمرض فمات- و مر به العاص بن وائل فقال جبرئيل كيف تجد هذا يا محمّد قال بئس عبد اللّه فاشار جبرئيل الى اخمص رجليه و قال قد كفيت فخرج على راحلته و معه ابنان له يتنزه فنزل شعبا من تلك الشعاب فوطى على شبرقة فدخلت منها شوكة فى اخمص رجله فقال لدغت لدغت فطلبوا فلم يجدوا شيئا و انتفخت رجله حتّى صارت مثل عنق بعير فمات مكانه- و مر به الأسود بن المطلب فقال جبرئيل عليه السلام كيف تجد هذا قال عبد سوء فاشار بيده الى عينيه و قال قد كفيت فعمى قال ابن عباس رضى اللّه عنهما رماه جبرئيل بورقة خضراء فذهب بصره و وجعت عيناه فضرب برأسه الجدار حتّى هلك- و فى رواية الكلبي أتاه جبرئيل و هو فى اصل شجرة و معه غلام له فجعل ينطح رأسه بالشجرة و يضرب وجهه بالشوك فاستغاث بغلامه فقال غلامه لا ارى أحدا يصنع بك شيئا غير نفسك حتّى مات و هو يقول قتلنى رب محمّد- و مر به الأسود بن عبد يغوث فقال جبرئيل كيف تجد هذا قال بئس عبد اللّه على انه ابن خالى فقال قد كفيت و أشار الى بطنه فاستسقى بطنه فمات جنبا و فى رواية الكلبي انه خرج من اهله فاصابه السموم فاسود حتّى صار حبشيا فاتى اهله فلم يعرفوه و أغلقوا دونه الباب حتّى مات و هو يقول قتلنى رب محمّد- و مر به الحارث ابن قيس فقال جبرئيل كيف تجد هذا قال عبد سوء فاوما الى رأسه و قال قد كفيت فامتخط قبحا فقتله و قال ابن عباس انه أكل حوتا مالحا فاصابه العطش فلم يزل يشرب عليه من الماء حتّى انفذ بطنه فمات فذلك قوله عز و جل إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ بك و بالقرآن-

و اخرج الطبراني و ابو نعيم و البيهقي فى الدلائل من حديث ابن عباس رضى اللّه عنهما انهم كانوا خمسة من اشراف قريش الوليد ابن المغيرة و العاص بن الوائل و عدى بن قيس و الأسود بن عبد يغوث و الأسود ابن المطلب يبالغون فى إيذاء النبي صلى اللّه عليه و سلم و الاستهزاء به فقال جبرئيل لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أمرت ان أكفيكهم فاوما الى ساق الوليد فمر بنبّال فتعلق بثوبه سهم فلم ينعطف تعظما لاخذه فاصاب عرقا فقطعه فمات و أومأ الى اخمص العاص فدخلت فيه شوكة فانتفخت رجله حتّى صارت كالرحى و مات و أشار الى انف عدى بن قيس فامتخط قيحا فمات و الى رأس الأسود بن عبه يغوث و هو قاعد فى اصل شجرة فجعل ينطح برأسه الشجرة و يضرب وجهه بالشوك حتّى مات و الى عينى الأسود بن عبد المطلب فعمى-

و اخرج البزار و الطبراني عن انس ابن مالك قال مر النبي صلى اللّه عليه و سلم على أناس فجعلوا يغمزون فى قفاه هذا الّذي يزعم انه نبى و معه جبرئيل فغمر جبرئيل فوقع مثل الطفر فى أجسادهم فصارت قروحا حتّى نتنوا فلم يستطع أحد ان يدنو منهم فانزل اللّه تعالى إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ

٩٦

الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللّه إِلهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٩٦) عاقبة أمرهم-.

٩٧

وَ لَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ اى يمتلى صدرك من الغيظ و لا تستطيع إنفاذه بِما يَقُولُونَ (٩٧) من الشرك و الطعن فى القران و الاستهزاء.

٩٨

فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ فافرغ الى اللّه بالتسبيح و التحميد يشغلك التسبيح و التحميد عن الغيظ و يكفيك اللّه و يكشف عنك الغم و يذهب عنك الغيظ و يشف صدرك- او فنزهه عما يقولون حامدا للّه على ما هداك الى الحق قال ابن عباس فصل بامر ربك

وَ كُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (٩٨) من المتواضعين و قال الضحاك يعنى قل سبحان اللّه و بحمده و كن من المصلين- اخرج احمد و ابو داود و ابن جرير من حديث عبد العزيز أخي حذيفة بن اليمان رضى اللّه عنهما ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا خرّبه امر فزع الى الصلاة.

٩٩

وَ اعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (٩٩) اى الموت الموقن به فانه متيقن لحوقه كل مخلوق حىّ- و المعنى ما دمت حيّا و لا تخل بالعبادة كما فى قول عيسى أوصني بالصّلوة «١» ما دمت حيّا- روى البغوي بسنده و غيره عن جبير بن نفير قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما اوحى الىّ ان اجمع المال و أكون من التاجرين و لكن اوحى الىّ ان سبح بِحَمْدِ رَبِّكَ وَ كُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ وَ اعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ-

و عن عمر رضى اللّه عنه قال نظر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الى مصعب بن عمير مقيلا عليه إهاب كبش قد تنطق به فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انظروا الى هذا الّذي قد نور اللّه قلبه لقد رايته بين أبويه يغذو انه بأطيب الطعام و الشراب و لقد رايت عليه حلة شراها و شريت بمائتي درهم فدعاه حب اللّه و حب رسوله الى ما ترونه

(١) و فى القران بِالصَّلاةِ وَ الزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا-.

﴿ ٠