سُورَةُ الْإسْرَاءِ مَكِّيَّةٌ وَهِيَ مِائَةٌ وَإِحْدَى عَشَرَةَ آيَةً مائة و احدى عشرة اية مكية الا و ان كادوا ليفتنونك الى اخر ثمان آيات ربّ يسّر و تمّم بالخير «١» بِسْمِ اللّه الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (١) الخطبة من الناشر-. _________________________________ ١ سُبْحانَ اسم بمعنى التسبيح الّذي هو التنزيه و قد يستعمل علما له فيقطع عن الاضافة و بمنع الصرف و انتصابه بفعل متروك إظهاره تقديره سبحوا اللّه سبحان او اسبح اللّه سبحانه- ثم نزل سبحان منزلة الفعل فسد مسده و دل على التنزيه البليغ و تصدير الكلام به للتنزيه عن العجز عما ذكر بعد و يكون بمعنى التعجب الَّذِي أَسْرى يعنى سيّر ليلا بِعَبْدِهِ محمّد صلى اللّه عليه و سلم لَيْلًا منصوب على الظرف و فائدة ذكره مع ان الاسراء لا يكون الا بالليل الدلالة بتنكيره على تقليل مدة الاسراء مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كما فى الصحيحين عن انس عن مالك بن صعصعة ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال بينا انا فى المسجد الحرام بين النائم و اليقظان إذا تأنى جبرئيل بالبراق- و فى لفظ بينما انا فى الحطيم مضطجعا إذا تأنى ات الحديث- و قد ذكرناه فى تفسير سورة النجم- و قيل كان الاسراء من دار أم هانى فالمراد بالمسجد الحرام حينئذ الحرم سماه المسجد الحرام لان كله مسجد- او لانه محيط به ليطابق المبدا المنتهى- و يدل على كون النبي صلى اللّه عليه و سلم فى البيت دون المسجد ما فى الصحيحين عن انس عن ابى ذر يحدث عن النبي صلى اللّه عليه و سلم فقال ففرج عنى سقف بيتي و انا بمكة الحديث و ذكرناه ايضا فى سورة النجم- و ما رواه ابو يعلى فى مسنده و الطبراني فى الكبير من حديث أم هانى انه كان فى بيت أم هانى فاسرى به فرجع من ليلته و قص القصة عليها- و قال مثل لى النبيون فصليت بهم- ثم خرج الى المسجد و اخبر به قريشا فتعجبوا منه استحالة- و ارتد ناس ممن أمن به- و سعى رجال الى ابى بكر فقال ان كان قال ذلك فقد صدق قالوا أ تصدقه على ذلك قال انى لاصدقه على ابعد من ذلك و سمى بذلك الصديق- و استنعته طائفة سافروا الى بيت المقدس فحلى له فطفق ينظر اليه و ينعته لهم فقالوا اما النعت فقد أصاب فقالوا أخبرنا عن عيرنا فاخبرهم بعدد جمالها و أموالها و قال يقدم يوم كذا مع طلوع الشمس يقدمها جملا أورق- فخرجوا يشتدون الى الثنية فصادفوا العير كما أخبرهم ثم لم يؤمنوا او قالوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ- و قلت و يمكن الجمع بين الحديثين بتعدد المعراج مرة من الحطيم و مرة من بيت أم هانى- قال البغوي قال مقاتل كانت ليلة الاسراء قبل الهجرة بسنة يقال كان فى رجب و قيل فى شهر رمضان- إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى يعنى البيت المقدس سمى أقصى لبعده من المسجد الحرام و لم يكن حينئذ وراءه مسجد- و تعجب قريش لبعده و استحالوه قال البيضاوي و الاستحالة مدفوعة بما ثبت فى الهندسة ان ما بين طرفى قرص الشمس ضعف ما بين طرفى كرة الأرض مائة و نيفا و ستين مرة- ثم ان طرفها الأسفل يصل موضع طرفها الا على فى الأقل من ثانية- و قد برهن فى الكلام ان الأجسام متساوية فى قبول الاعراض و ان اللّه تعالى قادر على كل شي ء من الممكنات فيقدر ان يخلق مثل هذه الحركة السريعة او اسرع منها فى بدن النبي صلى اللّه عليه و سلم او فيما يحمله- و التعجب من لوازم المعجزات الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ بالأنهار و الأشجار و الثمار و قال مجاهد سماه مباركا لانه مقر الأنبياء و مهبط الملائكة و الوحى و منه يحشر الناس يوم القيامة لِنُرِيَهُ يعنى عبده محمّدا صلى اللّه عليه و سلم مِنْ آياتِنا اى بعض عجائب قدرتنا كذهابه فى برهة من الليل الى مسيرة أربعين ليلة و من هناك الى السموات و تمثيل الأنبياء له و ما راى فى تلك الليلة من آيات ربه الكبرى- و صرف الكلام من الغيبة الى التكلم لتعظيم تلك الآيات إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ لاقوال النبي صلى اللّه عليه و سلم و المجيب لدعائه الْبَصِيرُ (١) لافعاله و أحواله الحفيظ له فى ظلمة الليل- قال البغوي و روى عن عائشة انها كانت تقول ما فقد جسد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و لكن اللّه اسرى بروحه- يعنى فى المنام و يدل عليه ما رواه البخاري من حديث انس بن مالك يقول ليلة اسرى برسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من مسجد الكعبة انه جاء ثلاثة نفر قبل ان يوحى اليه و هو نائم فى المسجد الحرام فقال أولهم ايّهم هو فقال أوسطهم هو خيرهم فقال آخرهم خذوا خيرهم- فكانت تلك الليلة فلم يرهم حتّى أتوه ليلة اخرى فيما يرى قلبه و ينام عينه و لا ينام قلبه- و كذلك الأنبياء ينام أعينهم و لا ينام قلوبهم- فلم يكلموه حتّى احتملوه فوضعوه عند زمزم فشق جبرئيل ما بين نحره الى لبته حتّى فرغ من صدره و جوفه فغسله من ماء زمزم بيده- و ساق حديث المعراج بقصته- فاذا هو فى السماء الدنيا بنهرين يطردان قال هذا النيل و الفرات عنصرهما- ثم مضى به فى السماء فاذا هو بنهر اخر عليه قصر من لؤلؤ و زبرجد فضرب بيده فاذا هو مسك أذفر- قال ما هذا يا جبرئيل قال هذا الكوثر الّذي خبأ لك ربك و ساق الحديث و قال ثم عرج بي الى السماء السابعة و قال قال موسى رب لم أظن ان يرفع علىّ أحد- ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه الا اللّه- حتّى جاء سدرة المنتهى و دنا الجبار رب العزة فتدلى- حتّى كان منه قاب قوسين او ادنى فاوحى اليه ما اوحى خمسين صلوة كل يوم و ليلة فلم يزل يردده موسى الى ربه حتّى صارت الى خمس صلوات- ثم احتبسه موسى عند الخمس فقال يا محمّد و اللّه لقد راودت بنى إسرائيل قومى على ادنى من هذا فضعفوا عنه و تركوه- و أمتك أضعف أجسادا و قلوبا و أبدانا و ابصارا و اسماعا - فارجع فليخفف عنك ربك كل ذلك يلتفت النبي صلى اللّه عليه و سلم الى جبرئيل ليشير عليه و لا يكره ذلك جبرئيل- فرفعه عند الخامسة فقال يا رب ان أمتي ضعفاء أجسادهم و قلوبهم و استماعهم و أبدانهم فخفف عنا- فقال الجبار يا محمّد فقال لبيك و سعديك- قال انه لا يبدل القول لدىّ كما فرضت عليك فى أم الكتاب فكل حسنة بعشر أمثالها فهى خمسون فى أم الكتاب و هى خمس عليك- فقال موسى ارجع الى ربك فسئله فليخفف عنك ايضا قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و اللّه «١» قد استحييت من ربى فيما اختلفت عليه- قال فاهبط بسم اللّه فاستيقظ و هو فى المسجد الحرام- و روى مسلم هذا الحديث مختصرا فان قوله فاستيقظ و هو فى المسجد الحرام يدل على كونه رؤيا فى المنام- و الأكثرون على ان اللّه تعالى اسرى بعبده محمّد «٢» صلى اللّه عليه و سلم ليلة المعراج بجسده فى اليقظة و تواترت الاخبار الصحيحة بذلك و عليه انعقد الإجماع- و لو كان المعراج فى المنام لما أنكر عليه قريش إذ لا استبعاد فى الرؤيا- قال البغوي قال شيخنا الامام رضى اللّه عنه قد قال بعض اهل الحديث ما وجدنا لمحمّد بن اسمعيل و لمسلم فى كتابيهما شيئا لا يحتمل مخرجا الا هذا الحديث المذكور الّذي يدل على كون الاسراء فى المنام بروحه و أحال الآفة فيه الى شريك بن عبد اللّه و أنكر ايضا على ان ذلك قبل ان يوحى اليه- و قد اتفق اهل العلم على ان المعراج كان بعد الوحى بنحو من اثنى عشر سنة قبل الهجرة بسنة- ثم قال البغوي قال شيخنا الامام هذا الاعتراض عندى لا يصح لان هذا كان رؤيا فى المنام أراه اللّه تعالى قبل الوحى- ثم عرج به فى اليقظة بعد الوحى قبل الهجرة بسنة تحقيقا لرؤياه من قبل- كما انه راى فتح مكة فى المنام عام الحديبية سنة ست من الهجرة ثم كان تحقّقه سنة ثمان و اللّه اعلم- قال البغوي روى انه لما رجع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ليلة اسرى به فكان بذي طوى قال يا جبرئيل ان قومى لا يصدقونى قال يصدقك ابو بكر و هو الصديق- قال البغوي قال ابن عباس و عائشة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لما كان ليلة اسرى بي فاصبحت بمكة قطعت بامرى و عرفت ان الناس مكذبى- فروى انه صلى اللّه عليه و سلم قعد معتزلا محزونا- فمر به ابو جهل فجلس اليه فقال له كالمستهزئ هل استفدت من شي ء- قال نعم قال انى اسرى بي الليلة قال الى اين قال الى بيت المقدس قال ثم أصبحت بين ظهر أنينا قال نعم- فلم ير ابو جهل ان ينكر ذلك مخافة ان يجحده الحديث ثم قال أتحدث قومك بما حدثتنى قال نعم- فقال ابو جهل يا معشر بنى كعب بن لوى هلم- قال فانتقضت المجالس (١) و فى الأصل قد و اللّه استحييت. (٢) و فى الأصل محمّدا. فجاءوا حتّى جلسوا إليهما- قال فحدث قومك ما حدثتنى قال نعم انى اسرى بي الليلة قالوا الى اين قال الى بيت المقدس قالوا ثم أصبحت بين ظهرانينا قال نعم- قال فمن بين مصفق و من بين واضع يده على رأسه متعجبا- و ارتد ناس ممن كان أمن به و صدقه- و سعى رجل من المشركين الى ابى بكر فقال هل لك فى صاحبك يزعم انه اسرى به الليلة الى بيت المقدس- قال أوقد قال ذلك قالوا نعم قال ان كان قال ذلك لصدق- قالوا و تصدقه انه ذهب الى بيت المقدس فى ليلة و جاء قبل ان يصبح قال نعم انى لاصدقه بما هو ابعد من ذلك أصدقه بخبر السماء فى غدرة و روحة- فلذلك سمى ابو بكر الصديق قال و فى القوم من قد اتى المسجد الأقصى فقالوا هل تستطيع ان تنعت لنا المسجد قال نعم- قال فذهبت انعت و انعت فما زلت انعت حتّى التبس علىّ بعض النعت- قال فجي ء بالمسجد و انا انظر اليه حتّى وضع دون دار عقيل فنعت المسجد و انا انظر اليه- فقالوا اما النعت فو اللّه لقد أصاب ثم قالوا يا محمّد أخبرنا عن عيرنا فهى أهم إلينا فهل لقيت منها شيئا- قال نعم مررت على عير بنى فلان و هى بالروحاء قد أضلوا بعيرا لهم و هم فى طلبه- و فى رحالهم قدح من ماء فعطشت فاخذته فشربته ثم وضعته كما كان فسلوهم هل وجدوا الماء فى القدح حين رجعوا اليه قالوا هذه اية- قال و مررت بعير بنى فلان و فلان و فلان راكبان قعودا لهما بذي مر فنفر بعيرهما منى «١» فاسئلوهما عن ذلك قالوا و هذه اية- قالوا و أخبرنا عن عيرنا قال مررت بها بالتنعيم قالوا فما عدتها و احمالها و هيئتها قال كنت فى شغل عن ذلك ثم مثلت له مكانه بالحرورة بعدتها و هيئتها و من فيها- قال نعم هيئتها كذا و كذا و فيها فلان يقدمها جمل أورق عليه غرارتان مخيطتان يطلع عليكم عند طلوع الشمس- قالوا و هذه اية فخرجوا يشتدون نحو الثنية و هم يقولون و اللّه لقد قص محمّد شيئا و بيّنه حتّى أتوا كداء فجلسوا عليه فجعلوا ينتظرون متى تطلع الشمس فيكذّبونه إذ قال قائل منهم و اللّه هذه الشمس قد طلعت و قال الاخر و اللّه و هذه الإبل قد طلعت يقدمها بعير أورق فيها فلان و فلان كما قال لهم فلم يؤمنوا و قالوا ان هذا السحر مبين- و روى مسلم عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لقد رايتنى فى الحجر و قريش تسئلنى عن مسراى- فسالنى عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها فكربت كربا ما كربت مثله قط- فرفعه اللّه لى انظر اليه ما يسئلونى عن شي ء الا انبأتهم به- و قد رايتنى فى جماعة من الأنبياء و إذا موسى قائم يصلى فاذا رجل ضرب جعد كانّه من رجال شنوة أشبه الناس به شبها عروة بن مسعود الثقفي- و إذا ابراهيم قائم يصلى أشبه الناس به صاحبكم (يعنى نفسه) فحانت الصلاة فاممتهم فلما فرغت من الصلاة قال لى قائل يا محمّد هذا مالك صاحب النار فسلم عليه فالتفت اليه فبدانى بالسلام- و روى البخاري فى الصحيح قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ليلة اسرى به لقيت موسى (قال فنعته) فاذا هو رجل (حسبته قال) مضطرب رجل الرأس كانه من رجال شنؤة قال و لقيت عيسى (فنعته النبي صلى اللّه عليه و سلم فقال) ربعة احمر كانّما خرج من ديماس يعنى الحمام و رايت ابراهيم و انا أشبه ولده به قال و أوتيت بانائين أحدهما فيه لبن و الاخر فيه خمر فقيل لى خذ أيهما شئت فاخذت اللبن فشربته فقال لى هديت الفطرة او أصبت الفطرة اما لو أخذت الخمر غوت أمتك- و فى الصحيحين عن جابر انه سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول لمّا كذّبنى قريش فى الحجر فجلى اللّه بيت المقدس فطفقت أخبرهم عن آياته و انا انظر اليه و قد ذكرنا أحاديث اخر فيها قصة المعراج الى السموات السبع و سدرة المنتهى فى سورة النجم. (١) فرمى لفلان فانكسرت يده- كذا فى البغوي عبد الرّحمن غفر له مدرس و مفتى مدرسه امينيه دهلى. |
﴿ ١ ﴾