٢

الزَّانِيَةُ وَ الزَّانِي مبتدأ خبره محذوف عند سيبويه تقديره سنذكر حكمهما و قوله فَاجْلِدُوا بيان لحكمه الموعود تقديره إذا ثبت زناهما فاجلدوا و قال المبرد خبره جملة فاجلدوا أورد الفاء في الخبر تتضمن المبتدأ معنى الشرط فان اللام بمعنى الّذي تقديره الّذي زنى و الّتي زنت فيقال في شانهما اجلدوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما منصوب على المفعولية يقال جلده إذا ضرب جلده كما يقال راسه و بطنه إذ ضرب راسه و بطنه ذكر بلفظ الجلد كيلا يبرج و يضرب بحيث يبلغ اللحم و من هاهنا قال الفقهاء مسئلة- يضربه بسوط لا ثمرة له ضربا متوسطا روى ابن ابى شيبة ثنا عيسى بن يونس عن حنظلة السدوسي عن انس بن مالك قال كان يؤمر بالسوط فيقطع ثمرته ثم يدق بين حجرين ثم يضرب به-

قلنا له في زمن من كان هذا قال في زمن عمر بن الخطاب- و روى عبد الرزاق عن يحيى بن ابى كثير ان رجلا اتى النبي صلى اللّه عليه و سلم فقال يا رسول اللّه انى أصبت حدّا فاقمه علىّ فدعا عليه السلام بسوط فأتى بسوط شديد له ثمرة فقال سوط دون هذا فاتى بسوط مكسورلين فقال سوط فوق هذا فاتى بسوط بين سوطين- فقال هذا فامر به فجلد- و روى ابن ابى شيبة عن زيد بن اسلم نحوه و ذكره مالك في المؤطا مِائَةَ جَلْدَةٍ منصوب على المصدرية قدّم الزانية في هذه الاية على الزاني لان الزنى في الأغلب يكون بتعريضها للرجل و عرض نفسها عليه بخلاف السرقة فانها تقع غالبا من الرجال و لذلك قدم السارق على السارقة في قوله تعالى وَ السَّارِقُ وَ السَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما-

(مسئلة) اجمع علماء الامة على ان الزانية و الزاني إذا كانا حرين عاقلين بالغين غير محصنين فحدهما ان يجلد كل واحد منهما مائة جلدة بحكم هذه الاية و لا يزاد على ذلك عند ابى حنيفة رحمه اللّه- و قال الشافعي و احمد يجب عليهما ايضا تغريب عام الى مسافة قصر فما فوقها و لو كان الطريق أمنا ففى تغريب المرأة بلا محرم قولان و في المنهاج انه لا تغرب المرأة وحدها في الأصح بل مع زوج او محرم و لو بأجر و أجرته عليها في قول و في بيت المال في قول فان امتنع بأجرة ففى قول يجبره الامام- و في المنهاج انه لا يجبر في الأصح و قال مالك يجب تغريب الزاني دون الزانية- احتج الشافعي بحديث عبادة بن الصامت ان النبي صلى اللّه عليه و سلم قال خذوا عنى خذوا عنى قد جعل اللّه لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة و تغريب عام و الثيب بالثيب جلد مائة و الرجم- و قد مر الحديث في سورة النساء في تفسير قوله تعالى فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّه لَهُنَّ سَبِيلًا- و حديث زيد بن خالد قال سمعت النبي صلى اللّه عليه و سلم يأمر فيمن زنى و لم يحصن جلد مائة و تعزيب عام- رواه البخاري و في الصحيحين حديث زيد بن خالد و ابى هريرة ان رجلين اختصما الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال أحدهما اقض بيننا بكتاب اللّه و ائذن لى ان أتكلم قال تكلم قال ان ابني كان عسيفا على هذا فزنى بامراته فاخبرونى ان على ابني الرجم فافتديت بمائة شاة و بجارية لى ثم انى سالت اهل العلم فاخبرونى ان على ابني جلد مائة و تغريب عام و انما الرجم على امرأته- فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اما و الّذي نفسى بيده لاقضين بينكما بكتاب اللّه اما غنمك و جاريتك و فرد عليك و اما ابنك فعليه جلد مائة و تغريب عام و اما أنت يا أنيس فاعد على امراة هذا فان اعترفت فارجمها فاعترفت فرجمها- قال مالك البكر بالبكر جلد مائة و تغريب عام غير شامل للنساء فلا يثبت التعزيب في النساء و هذا ليس بشي ء فان سياق الحديث في النساء حيث قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم خذوا عنى قد جعل اللّه لهن سبيلا الحديث- و عدم شمول البكر المرأة ممنوع كيف و قد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم البكر تستأذن- و كلمة من زنى في حديث زيد عام في الذكر و الأنثى لكن الوجه الصحيح لقول مالك ان النبي صلى اللّه عليه و سلم قال لا تسافر المرأة الا مع ذى محرم- رواه الشيخان في الصحيحين و احمد و ابو داود عن ابن عمر و في الصحيحين و عند احمد عن ابن عباس نحوه و روى ابو داود و الحاكم في المستدرك عن ابى هريرة نحوه و لاجل ذلك خص مالك حكم التغريب بالرجال دون النساء- و جعل الشافعي المحرم شرطا للتغريب- و قال الطحاوي ان تغريب النساء لما بطل لاجل نهيهن عن المسافرة بغير محرم انتفى ذلك عن الرجال ايضا- و استدل الطحاوي على عدم التعزيب فى الحد بحديث ابى هريرة قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول إذا زنت امة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد و لا يثرب «١» عليها ثم إذا زنت فليجلدها الحد و لا يثرب عليها ثم إذا زنت الثالثة فتبين زناها فليبعها و لو بحبل من شعر متفق عليه قال ان النبي صلى اللّه عليه و سلم امر ببيع الامة إذا زنت و محال ان يأمر ببيع من لا يقدر مبتاعه على قبضه من بائعه- فثبت بطلان تغريب الامة إذا زنت و إذا بطل تغريب الإماء بطل تغريب الجرائر لقوله تعالى فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ و إذا بطل تغريب الحرائر بطل تغريب الأحرار- و هذا القول غير سديد لان نفى التعزيب في النساء مطلقا او في الإماء لاجل التعارض في النصوص لا يقتضى السقوط في حق الرجال مع عدم التعارض هناك- و قال بعض الحنفية لا يجوز العمل بحديث التغريب لانه زيادة على الكتاب و هى في حكم النسخ فلا يجوز بخبر الآحاد- و هذا القول مردود لان الزيادة الّتي هى في حكم النسخ زيادة ركن او شرط او وصف في الماموريه حتى يجعل المجزى غير مجز كزيادة تعين الفاتحة في اركان الصلاة و صفة الايمان في رقبة الكفارة و التتابع في الصيام و الطهارة في الطواف و هى ممنوعة- و اما مطلق الزيادة فغير ممنوعة و الا لبطلت اكثر السنن الا ترى ان عدة الوفاة ثبتت بنص القرآن و الإحداد فيها ثبت بالسنة و ليس الإحداد شرطا في العدة حتى لو تربصت اربعة أشهر و عشر ا و لم تحد عصت بترك الواجب و انقضت عدتها و جاز لها التزوج- و من هذا القبيل القول بان تعين الفاتحة و ضم السورة و غيرهما من واجبات الصلاة على رأى ابى حنيفة حيث قال بوجوبها و لم يقل بركنيتها- و زيادة التغريب في الحد لا تجعل جلد مائة غير مجز فلا محذور فيه- فقال اصحاب الشافعي ان الاية ساكتة عن التغريب و ليس في الاية ما يدفعه لينسخ أحدهما الاخر نسخا مقبولا او مردودا-

(١) اى لا يوبخها؟؟؟ و لا يقرعها بالزنى بعد الضرب- و قيل أراد لا يقنع في أمرها بالتثريب بل يضرب فان زنى الإماء لم يعده العرب مكروها و عيبا فامرهم بحد الإماء كما يحد الحرائر منه رحمه اللّه-.

فقال المحققون من الحنفية ان قوله تعالى فَاجْلِدُوا بيان للحكم الموعود في قوله الزَّانِيَةُ وَ الزَّانِي على قول سيبويه فكان المذكور تمام حكمه و الا كان تجهيلا إذ يفهم منه انه تمام الحكم و ليس تمامه في الواقع فكان مع الشروع في البيان ابعد من ترك البيان لانه يوقع في الجهل المركب و ذك في البسيط- و جزاء للشرط على قول المبرد فيفيدان الواقع هذا فقط فلو ثبت معه شي ء اخر كان مثبتة معارضا لا مثبتا لما سكت عنه و هو الزيادة الممنوعة- و أورد عليه بان الحديث مشهور تلقته الامة بالقبول فيجوز به نسخ الكتاب و أجيب بانه ان كان المراد بالتلقى بالقبول إجماعهم على العمل به فممنوع لظهور الخلاف- و ان كان المراد إجماعهم على صحته بمعنى صحة سنده فكثير من اخبار الآحاد كذلك و لا تخرج بذلك عن كونها احادا-

فان قيل الاية قطعى السند لكنه ظنى الدلالة لكونه عاما خص منه البعض اجماعا فان الحكم بالجلد مائة مختص بالاحرار و الحرائر دون العبيد و الإماء- و بغير المحصن عند اكثر الامة- و ايضا دلالتها على كون الحكم الجلد فقط لا غير ظنية مستنبطة بالرأى حتى لم يدر له كثير من الفقهاء و اهل العربية- و الحديث ظنى السند قطعى الدلالة فتساويا فجاز ان يكون حديث الآحاد ناسخا لحكم الكتاب فلان يجوز به الزيادة على الكتاب اولى-

قلنا على تقدير تسليم المساواة سياق حديث عبادة يدل انه أول حكم ورد في الزانيات و الزواني حيث قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم خذوا عنى خذوا عنى قد جعل اللّه لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة و تغريب عام و الثيب بالثيب جلد مائة و الرجم فالاية عند التعارض ناسخ ليس بمنسوخ- و قد قال الشافعي الجلد المذكور في الحديث في حق الثيب منسوخ فلا مانع من كون التغريب في حق البكر منسوخا بهذه الاية- قال ابن همام ليس في الباب من الأحاديث ما يدل على ان الواجب من التغريب واجب بطريق الحد- فان أقصى ما فيه دلالة قوله البكر بالبكر جلد مائة و تغريب عام و هو عطف واجب على واجب و هو لا يقتضى ذلك بل ما في البخاري من قول ابى هريرة ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قضى فيمن زنى و لم يحصن بنفي و اقامة الحد ظاهر في ان النفي ليس من الحد لعطفه عليه و كونه مستعملا في جزء مسماه و عطفه على جزء اخر بعيد لا يوجبه دليل و ما ذكر من الألفاظ لا تفيد فجاز كون التغريب لمصلحة- (فائدة) و قد يرجح اصحاب الشافعي حديث التغريب بالمعقول حيث قالوا ان في التغريب حسم باب الزنى لقلة المعارف- و عارضه الحنفية بان فيه فتح باب الفتنة لانفرادها عن العشيرة و عمن تستحيى منهم ان كان بها شهوة قوية و قد تفعله لحامل اخر و هو حاجتها الى معيشتها- و يؤيده ما روى عبد الرزاق و محمد بن الحسن في كتاب الآثار أخبرنا ابو حنيفة عن حماد عن ابراهيم النخعي قال قال عبد اللّه بن مسعود في البكر يزنى بالبكر يجلد ان مائة و ينفيان سنة قال و قال علىّ بن ابى طالب حسبهما من الفتنة ان ينفيا- و روى محمد عن ابى حنيفة عن حمّاد عن ابراهيم قال كفى بالنفي فتنة- و روى عبد الرزاق عن الزهري عن ابن المسيب قال غرّب عمر ربيعة بن امية بن خلف في الشراب الى خيبر فلحق بهرقل فتنصر فقال عمر لا اغرّب بعده مسلما-

(مسئلة) و إذا راى الامام مصلحة في التغريب مع الجلد جاز له النفي عند ابى حنيفة رحمه اللّه ايضا و هو محل التغريب المروي عن النبي صلى اللّه عليه و سلم و ابى بكر و عمر و عثمان روى النسائي و الترمذي و الحاكم و صححه على شرط الشيخين و الدار قطنى من حديث ابن عمران النبي صلى اللّه عليه و سلم ضرب و غرّب و ان أبا بكر ضرب و غرّب و ان عمر ضرب و غرّب- و صححه ابن القطان و رجح الدار قطنى وقفه و روى ابن ابى شيبة بإسناد فيه مجهول ان عثمان جلد امراة في زنى ثم أرسل بها الى خيبر قنفاها- و ليس التغريب مقتصرا على الزنى بل يجوز للامام تغريب كل واء إذا راى مصلحة- روى الطحاوي بسنده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ان رجلا قتل عبده عمدا فجلده النبي صلى اللّه عليه و سلم مائة و نفاه سنة و محا أراه سهمه من المسلمين و امره ان يعتق رقبة- و روى سعيد بن منصور ان عمر بن الخطاب اتى برجل شرب الخمر في رمضان فضرب مائتى سوط ثم سيره الى الشام- و علق البخاري طرفا عنه و رواه البغوي في الجعديات و زاد و كان إذا غضب على رجل يسيره الى الشام و روى البيهقي عن عمر انه كان ينفى الى البصرة- و روى عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع ان عمر نفى الى فدك- و من لههنا أخذ مشائخ السلوك رضى اللّه عنهم و عنا الهم يغرّبون المريد إذا بدا عنه قوة نفس و لجاج لتنكسر نفسه و تلين قلت إذا راى القاضي مسلما يقع في المعاصي بغلبة الشهوة مع الندم و الاستحياء يأمره بالغربة و السفر و اما من لا يستحيى و لا يندم فنفيه عن الأرض حبسه حتى يتوب و اللّه اعلم.

(مسئلة) و إذا كان الزاني و الزانية محصنين يرجمان بإجماع الصحابة و من بعدهم من علماء النصيحة- و أنكره الخوارج لانكارهم اجماع الصحابة و حجية خبر الآحاد و ادعائهم ان الرجم لم يثبت من القرآن و لا من النبي صلى اللّه عليه و سلم الا بخبر الآحاد- و الحق ان الرجم ثابت من النبي صلى اللّه عليه و سلم بأخبار متواترة بالمعنى كفضل على و شجاعته وجود حاتم و ان كانت من الآحاد في تفاصيله صورة و خصوصياته- عن عمر بن الخطاب قال ان اللّه بعث محمدا صلى اللّه عليه و سلم بالحق و انزل عليه الكتاب و كان مما انزل اللّه عليه اية الرجم رجم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و رجمنا بعده- و الرجم في كتاب اللّه حق على من زنى إذا أحصن من الرجال او النساء إذا قامت البينة او كانت الحبل او الاعتراف- متفق عليه و روى البيهقي انه خطب و قال ان اللّه تعالى بعث محمدا صلى اللّه عليه و سلم بالحق و انزل عليه الكتاب فكان مما انزل فيه اية الرجم فقرأناها و و عيناها الشّيخ و الشّيخة إذا زنيا فارجموهما البتّة نكالا من اللّه و اللّه عزيز حكيم- و رجم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و رجمنا من بعده الحديث و في آخره و لو لا أخشى ان يقول الناس زاد في كتاب اللّه لا ثبته في حاشية المصحف- و روى ابو داؤد خطبة عمرو فيه انى خشيت ان يطول بالناس زمان فيقول قائل لا نجد الرجم في كتاب اللّه- و في رواية للترمذى بلفظ لو لا انى اكره ان أزيد في كتاب اللّه لكتبته في المصحف فانى خشيت ان يجئ قوم فلا يجدونه في كتاب اللّه فيكفرون به- و كان هذا يعنى خطبة عمر بمحضر من الصحابة و لم ينكر عليه أحد- و في الباب حديث ابى امامة بن سهل عن خالته العجماء بلفظ الشيخ و الشيخة إذا زنيا فارجموهما بما قضيا من اللذة- رواه الحاكم و الطبراني و في صحيح ابن حبان من حديث كان سورة الأحزاب توازى سورة البقرة و كان فيها اية الرجم الشيخ و الشيخة الحديث- و في الصحيحين عن ابن مسعود قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا يحل دم امرئ مسلم يشهد ان لا اله الا اللّه و انى رسول اللّه الا بإحدى ثلاث النفس بالنفس و الثيب الزاني و المارق لدينه التارك للجماعة- متفق عليه و عن ابى امامة بن سهل بن حنيف ان عثمان بن عفان اشرف يوم الدار فقال أنشدكم باللّه أ تعلمون ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال لا يحل دم امرئ مسلم الا بإحدى ثلاث زنى بعد إحصان او ارتداد «١» بعد اسلام او قتل نفس بغير حق فقتل به فو اللّه ما زنيت في جاهلية و لا في اسلام و لا ارتددت منذ بايعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و لا قتلت النفس الّتي حرم اللّه فبم تقتلونى- رواه الترمذي و النسائي و ابن ماجة و الدارمي و رواه الشافعي في مسنده و رواه البزار و الحاكم و قال صحيح على شرط الشيخين و البيهقي و ابو داود و أخرجه البخاري عن فعله صلى اللّه عليه و سلم من قول ابى قلابة حيث قال و اللّه ما قتل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أحدا

(١) و في الأصل كفر إلخ- الفقير الدهلوي-.

قط الا في ثلاث خصال رجل قتل فقتل او رجل زنى بعد إحصان او رجل حارب اللّه و رسوله و ارتد عن الإسلام و قد صح انه صلى اللّه عليه و سلم رجم ما عز بن مالك حين اعترف بالزنى- رواه مسلم و البخاري من حديث ابن عباس و رواه الترمذي و ابن ماجة من حديث ابى هريرة و في الصحيحين من حديث ابى هريرة و ابن عباس و جابر و من لم يسم و رواه مسلم من بريدة قال جاء ما عز بن مالك الى النبي صلى اللّه عليه و سلم فقال يا رسول اللّه طهرنى الحديث- و رجم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم امراة من غامد من الأزد قالت يا رسول اللّه و اعترفت انها حبلى من الزنى رجمها بعد وضع الحمل و في رواية رجمها حين أكل ولدها الطعام رواه مسلم من حديث بريدة و رجم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم امراة من جهينته حين اعترفت بالزنى- رواه مسلم من حديث عمران بن حصين.

قال علماء الفقه و الحديث و قد جرى عمل الخلفاء الراشدين بالرجم مبلغ حد التواتر و اللّه اعلم-

(مسئلة) و ان كان أحدهما محصنا و الآخر غير محصن يرحم المحصن و يجلد الآخر كما قضى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في رجل كان عسيفا لاخر فزنى بامراته و قد مر الحديث-

(مسئلة) هل يجلد المحصن قبل الرجم أم لا فقال احمد يجلد اولا بحكم هذه الاية ثم يرجم فالاية عنده غير مخصوص بغير المحصن و لا منسوخ- و هو يقول ليس الجلد المذكور في الاية تمام الحد بل بعضه فيضم بالسنة مع الجلد في غير المحصن التغريب سنة و في المحصن الرجم و كما لا يزاحم الاية حديث التغريب كذلك لا يزاحمه حديث الرجم و ان كان متواترا فوجب العمل بهما و يؤيده ما ذكرنا من حديث عبادة بن الصامت قوله صلى اللّه عليه و سلم البكر بالبكر جلد مائة و تغريب عام و الثيب بالثيب جلد مائة و الرجم- و روى عن سلمة بن المحبق نحوه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم خذوا عنى خذوا عنى قد جعل اللّه لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة و نفى سنة و الثيب بالثيب جلد مائة و الرجم- و يؤيده اثر علىّ بن ابى طالب رواه احمد و الحاكم و النسائي عن الشعبي ان عليّا جلد سراحة الهمدانية بالكوفة ثم رجمها ضربها يوم الخميس و رجمها يوم الجمعة و قال اجلدها بكتاب اللّه و ارجمها بسنة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم- و أصله في صحيح البخاري و لم يسم المرأة- و قال ابو حنيفة و مالك و الشافعي هذه الاية مخصوص بغير المحصن او منسوخ في حق المحصن و كذا حديث عبادة بن الصامت و سلمة بن المحبق و الدليل على كونه منسوخا ان النبي صلى اللّه عليه و سلم رجم ما غزا و المرأة الغامدية و الجهينية و نقل تلك القصص بوجوه و طرق كثيرة و لم يرو في شي ء من طرقها انه جلد ثم رجم- و قد مرّ في حديث زيد و خالد في قصة رجلين اختصما الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و كان ابن أحدهما عسيفا على الاخر فزنى بامراته قضى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم على ابنه بالجلد و التغريب و قال يا أنيس اغد الى امراة هذا فان اعترفت فارجمها و لم يقل اجلدها ثم ارجمها و الناسخ اما ان يكون وحيا غير متلو او وحيا منسوخ التلاوة اعنى الشّيخ و الشّيخة إذا زنيا فارجموهما و هذه الاية المنسوخ تلاوتها لا يتصور كونها ناسخا الا على ما قرره المحققون من الحنفية في هذه الاية ان المذكور كل الواجب فقوله تعالى الزَّانِيَةُ وَ الزَّانِي فَاجْلِدُوا يدل على كون الجلد كل الواجب- و الشّيخ و الشّيخة إذا زنيا الاية تدل على ان الرجم كل الواجب فتعارضا- فكان أحدهما ناسخا للاخر- و لو لم يفهم من الآيتين ان المذكور كل الواجب فلا تعارض و لا نسخ بل يجب حينئذ الجمع بين الرجم و الجلد كما قال احمد و اللّه اعلم- و اما اثر علىّ فيعارضه اثر عمر فهو امر اجتهادي كقول احمد روى الطحاوي بسنده عن ابى واقد الليثي ثم الأشجعي و كان من اصحاب النبي صلى اللّه عليه و سلم انه قال بينما نحن عند عمر بالجاببة أتاه رجل فقال يا امير المؤمنين ان امراتى زنت فهى هذه تعترف بذلك فارسلنى عمر في رهط إليها نسئلها فاخبرتها بالذي قال زوجها فقالت صدق فبلّغنا ذلك عمر فامر برجمها فهذا عمر (بحضرة اصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم) لم يجلدها قبل رجمها-

قلت و لعل عليّا رضى اللّه عنه جلد سراحة الهمدانية قبل ثبوت احصانها ثم رجمها بعد ثبوت احصانها- و معنى قوله اجلدها بكتاب اللّه و ارجمها بسنة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان الجلد في حق غير المحصن ثابت بالقرآن و الرجم في حق المحصن ثابت بسنة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فمتى ثبت احصانها رجمتها- و قد روى عن النبي صلى اللّه عليه و سلم مثل ذلك روى الطحاوي بسنده عن جابر ان رجلا زنى فامر به النبي صلى اللّه عليه و سلم فجلد ثم اخبر انه كان قد أحصن فامر به فرجم- (فائدة) اعلم ان الإحصان استعمل في القرآن لمعان منها الحرية و منها التزويج قال اللّه تعالى وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ أراد به المزوجات و قال فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ أراد بقوله أُحْصِنَّ إذا زوجن و بالمحصنات الحرائر- و منها العفة كما في قوله تعالى وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ و قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ- و المراد بالاحصان الّذي هو شرط للرجم في الزاني و الزانية الدخول بنكاح صحيح فانه ثمرة التزويج يدل على ذلك تعبير النبي صلى اللّه عليه و سلم المحصن بالثيب و غير المحصن بالبكر و ذكر العلماء من شرائط إحصان الرجم الحرية و العقل و البلوغ و ان يكون قد تزوج تزويحا صحيحا و دخل بالزوجة و هذه الشروط الخمسة مجمع عليها للرجم- لكن العقل و البلوغ شرطان لاهلية العقوبة بل لاهلية الخطاب مطلقا فلا وجه لذكرهما في إحصان الرجم- و الحرية شرط لتكامل الحد مطلقا لا للرجم خاصة حتى لا يجلد العبد مائة- بقي الدخول بنكاح صحيح معتبرا-

و زاد ابو حنيفة و مالك و محمد في شرائط إحصان الرجم الإسلام خلافا للشافعى و ابى يوسف و احمد احتجت الحنفية على اشتراط الإسلام بقوله صلى اللّه عليه و سلم من أشرك باللّه فليس بمحصن- رواه إسحاق بن راهويه في مسنده ثنا عبد العزيز بن محمد ثنا عبد عن نافع عن ابن عمر قال إسحاق رفعه ابن عمر مرة فقال عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و وقفه مرة- قال ابن الجوزي لم برفعه غير إسحاق و يقال انه رجع عنه و الصواب انه موقوف- قال ابن همام لا شك ان مثله بعد صحة الطريق محكوم برفعه فان الراوي يفتى على حسب مافع قلت إذا رجع إسحاق عن الرفع و اعترف بخطائه و لم يرفعه غيره فكيف يحكم برفعه- و لو سلمنا كونه مرفوعا فالحديث لا يدل على إحصان الرجم خاصة و قد ذكرنا ان الإحصان استعمل في القرآن لمعان منها العفة فلعل معنى الحديث من أشرك فليس بعفيف فلا يحد قاذفه- فلا يثبت بهذا الحديث اشتراط الإسلام للرجم مع عموم لفظ الثيب بالثيب و شموله للمؤمن و الكافر- و قد روى الشيخان في الصحيحين عن ابن عمران اليهود جاءوا الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فذكروا له ان رجلا منهم و امراة زنيا فقال لهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما تجدون في التورية في شأن الرجم قالوا نفضحهم و يجلدون قال عبد اللّه بن سلام كذبتم ان فيها الرحم- فاتوا بالتورية فنشروها فوضع أحدهم يده على اية الرجم فقرا ما قبلها و ما بعدها فقال عبد اللّه بن سلام ارفع يدك فرفع فاذا فيها اية الرجم فقالوا صدق يا محمّد فيها اية الرجم فامر بهما النبي صلى اللّه عليه و سلم فرجما- فهذا الحديث حجة للشافعى و احمد و أجاب عنه صاحب الهداية بانه كان ذلك بحكم التورية ثم نسخ قلت شرائع من قبلنا واجب العمل على اصل ابى حنيفة ما لم يظهر نسخه في شريعتنا لا سيّما إذا عمل به النبي صلى اللّه عليه و سلم فان عمله صلى اللّه عليه و سلم دليل صريح في كون ذلك الحكم باق في شريعتنا لانه محال ان يحكم النبي صلى اللّه عليه و سلم بحكم منسوخ في شريعتنا على خلاف ما انزل اللّه عليه و ليس شي ء من الآيات و الأحاديث دالّا على نسخه فان لفظ الزاني و الزانية و الشيخ و الشيخة و الثيب و البكر يعم المؤمن و الكافر جميعا و حديث من أشرك فليس بمحصن لا يدل على اشتراط الإسلام في الرجم بل هو محمول على إحصان القذف-

(مسئلة) و زاد ابو حنيفة رحمه اللّه في شرائط إحصان الرجم كون كلا الزوجين عند الدخول بنكاح صحيح حرين مسلمين عاقلين بالغين و كذا قال احمد سوى الإسلام حتى لو تزوج الحر المسلم العاقل البالغ امة او ضبية او مجنونة او كتابية و دخل بها لا يصير محصنا بهذا الدخول فلو زنى بعده لا يرجم و كذا لو تزوجت الحرة البالغة العاقلة عبدا او مجنونا او صبيّا و دخل بها لا تصير محصنة فلا ترجم لو زنت بعده- و لو تزوج مسلم ذمية فاسلمت بعد ما دخل بها و لم يدخل بها بعد إسلامها ثم زنت لا ترجم- و كذا لو اعتقت الامة الّتي تحت حر مسلم عاقل بالغ بعد ما دخل بها و لم يدخل بها بعد اعتاقها ثم زنت لا ترجم- احتجت الحنفية بما رواه الدار قطنى و ابن عدىّ عن ابى بكر بن عبد اللّه بن ابى مريم عن على بن ابى طلحة عن كعب بن فالك انه أراد تزوج يهودية او نصرانية فسال النبي صلى اللّه عليه و سلم عن ذلك فنهاه و قال انها لا تحصنك- قال الدار قطنى ابو بكر بن ابى مريم ضعيف جدّا و على بن ابى طلحة لم يدرك كعبا- و قال ابن همام و رواه بقية ابن الوليد عن عتبة بن تميم عن على بن ابى طلحة عن كعب و هو منقطع-

قلت بقية بن الوليد ايضا ضعيف مدلس قال ابن همام الانقطاع عندنا داخل في الإرسال و المرسل- عندنا حجة بعد عدالة الرجال-

قلت و لا شك ان هذا ليس في قوة حديث الصحيحين ان النبي صلى اللّه عليه و سلم رجم اليهودي و اليهودية فلا يجوز العمل به- و هذا الحديث لا يصلح حجة لاحمد لان الإسلام ليس بشرط للاحصان عنده- و قد روى البيهقي من طريق ابى وهب عن يونس عن ابن شهاب انه سمع عبد الملك يسئل عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة عن الامة هل تحصن الحرّ قال نعم قيل عمن قال أدركنا اصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقولون ذلك و قال البيهقي بلغني عن محمد بن يحيى انه قال و حدثت عن الأوزاعي مثله و روى البيهقي من طريق عبد الرزاق عن عمر عن الزهري عن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة مثله-

(مسئلة) «١» و إذا كان أحد الزانيين محصنا و الاخر غير محصن رجم المحصن و جلد الاخر اجماعا لحديث زيد بن خالد و ابى هريرة في قصة عسيف حيث قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اما ابنك فعليه جلد مائة و تغريب عام و اما أنت يا أنيس فاغد على امراة هذا فان اعترفت فارجمها فاعترفت فرجمها- متفق عليه-

(مسئلة) و ان كان أحدهما محنونا و الاخر عاقلا فقال مالك و الشافعي و احمد يجب الحد على العاقل منهما و قال ابو حنيفة يجب الحد على العاقل دون العاقلة مع المجنون قال ابو حنيفة فعل الزنى انما يتحقق من الرجال و انما المرأة محل و انما سميت زانية مجازا فتعلق الحد في حقها بالتمكين من قبيح الزنى و هو فعل من هو مخاطب بالكف عنه- و قال الجمهور ان العذر من جانبها لا يسقط الحد من جانبه اجماعا فكذا العذر من جانبه و لا نسلم ان الزانية اطلق عليها بالمجاز و لو سلمنا فمعناه المجازى و هو التمكين من الزنى موجب للحد في حقها و القول بان فعل الصبى و المجنون ليس بزنى ممنوع بل هو زنى لغة و شرعا و عدم المأثم لاجل عدم التكليف و اللّه اعلم-

(١) قد مر هذه المسألة فيما سبق- ابو محمّد.

فصل- مسئلة الزنى في الشرع و اللغة و طى الرجل المرأة فى القبل من غير الملك و اما الوطي في الدبر رجلا كان المفعول به او امراة فليس بزنى لغة و لا شرعا و قد ذكرنا اختلاف العلماء في حد اللواطة في سورة النساء في تفسير قوله تعالى وَ الَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما فمن وطى زوجته الحائض او الصائمة او المحرمة او أمته قبل الاستبراء او الامة المشتركة بينه و بين غيره او الامة المشركة او المنكوحة لغيره او الامة المحرّمة برضاع لا يكون زنى و لا يوجب الحدّ لوجود الملك لكنه يأثم- و شبه الملك ملحق بالملك شرعا يسقط به الحد عند الائمة الاربعة و جمهور العلماء- خلافا للظاهرية لقوله صلى اللّه عليه و سلم ادرءوا الحدود بالشبهات و هو في مسند ابى حنيفة عن مقسم عن ابن عباس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ادرءوا الحدود بالشبهات- و روى الترمذي و الحاكم و البيهقي من طريق الزهري عن عروة عن عائشة بلفظ ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فاذا كان له مخرج فخلوا سبيله فان الامام ان يخطئى في العفو خير من ان يخطئى في العقوبة- و في اسناده يزيد بن زياد الدمشقي و هو ضعيف و قد قال فيه البخاري منكر الحديث و قال النسائي متروك و رواه وكيع عنه موقوفا و هو أصح قاله الترمذي قال و قد روى عن غير واحد من الصحابة انهم قالوا ذلك و قال البيهقي في السنن رواية وكيع اقرب للصواب. قال و رواه رشدين عن عقيل عن الزهري و رشدين ضعيف ايضا و روينا عن على مرفوعا ادرءوا الحدود بالشبهات و لا ينبغى ...

للامام ان يعطل الحدود و فيه المختار بن نافع و هو منكر الحديث قاله البخاري و أصح ما فيه حديث سفيان الثوري عن عاصم عن ابى وائل عن عبد اللّه بن مسعود قال ادرءوا الحدود بالشبهات ادفعوا القتل عن المسلمين ما استطعتم رواه ابن ابى شيبة و روى عن عقبة بن عامر و معاذ ايضا موقوفا رواه ابن ابى شيبة و روى منقطعا و موقوفا على عمر و رواه ابن حزم في كتاب الإيصال من حديث عمر موقوفا عليه بإسناد صحيح و أسند ابن ابى شيبة من طريق ابراهيم النخعي عن عمر لان أخطئ الحدود بالشبهات أحب الىّ من ان أقيمها بالشبهات- و قالت الظاهرية ان الحد بعد ثبوته لا يجوز ان يدرأ بشبهة إذ ليس في درء الحد عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم شي ء بل عن بعض الصحابة من طرق لا خير فيها و اعلّوا حديث ابن مسعود الموقوف بالإرسال و ما رواه عبد الرزاق عنه و هو غير رواية ابن ابى شيبة فانها معلولة بإسحاق بن ابى فروة- قال ابن همام الحديث تلقته الامة بالقبول و في تتبع المروي عن النبي صلى اللّه عليه و سلم و الصحابة ما يوجب القطع في المسألة الا ترى ان النبي صلى اللّه عليه و سلم قال لما عز لعلك قبلت لعلك لمست لعلك غمزت ليلقنه الرجوع بعد الإقرار و انما فائدته انه إذا قال نعم ترك و كذا قال للسارق الّذي جيئ به لا إخاله سرق و للغامدية مثل ذلك و كذا قال علىّ لسراحة لعله وقع عليك و أنت نائمة لعله استكرهك لعل مولاك زوجك و أنت تكتمينيه و تتبع مثله عن كل واحد يوجب طولا في الكلام- فالحاصل من هذا كله كون الحد يحتال في درئه بلا شك فمعنى الحديث و الآثار مقطوع به و اللّه اعلم-

(مسئلة) الشبهة اما شبهة اشتباه اى شبهة في حق من اشتبه عليه دون من لم يشتبه عليه- و ذلك فيما لم يكن هناك دليل حل أصلا لكن الفاعل ظن غير الدليل دليلا كجارية أبيه و امه و زوجته و المعتدة بعد ثلاث تطليقات او طلاق على مال و أم ولد أعتقها مولاها و هى في العدة و جارية المولى في حق العبد و الجارية المرهونة- حيث لا دليل هناك تدل على الحل لكن الفاعل لو ظن حلها لاجل اتصال الاملاك لاجل الولاد و الزوجية باعتبار عدم قبول الشهادة لهم او لاجل بقاء حقوق النكاح من وجوب النفقة و منع الغير من النكاح في العدة و الملك يدا في الرهن لا يحد و لو علم الحرمة يحد لعدم الحل بدليل أصلا- و اما شبهة للملك و ذلك حيث وجد دليل يوجب الحل في ذاته كجارية ابنه نظرا الى قوله صلى اللّه عليه و سلم أنت و مالك لابيك- رواه ابن ماجة من حديث جابر فى جواب من قال يا رسول اللّه ان لى مالا و ولدا و ابى يريد ان يحتاج مالى- قال ابن القطان و المنذرى سنده صحيح و رواه الطبراني في الأصغر و البيهقي في الدلائل في قصة و المعتدة بالكنايات لاختلاف الصحابة في كونها رواجع و الجارية المبيعة و الممهورة في حق البائع و الزوج لكونها في ضمانه و كذا كل جهة أباحها عالم كنكاح بلا شهود- ففى هذه الصور لا يحد و ان كان الواطى يعتقد الحرمة و كذا من زفت اليه غير امرأته في أول و هلة و قالت النساء انها زوجتك لاحد عليه اجماعا و عليه المهر قضى بذلك علىّ رضى اللّه عنه و بالعدة لانه اعتمد دليلا و هو الاخبار في موضع الاشتباه إذ الإنسان لا يتميز بين امرأته و غيرها في أول وهلة- بخلاف من وجد على فراشه امراة فوطيها فانه يجب عليه الحد عند ابى حنيفة خلافا لمالك و الشافعي و احمد فعندهم لا يحد قياسا على المزفوفة بجامع ظن الحل- لنا انه لا اشتباه بعد طول الصحبة فلم يكن الظن مستندا الى دليل- و كذا إذا كان أعمى لانه يمكنه التمييز بالسؤال و غيره الا إذا دعاها فاجابته اجنبية قالت انا زوجتك فواقعها لان الاخبار دليل و جاز تشابه النغمة خصوصا لو لم يطل الصحبة و اللّه اعلم

(مسئلة) و من الشبهة عند ابى حنيفة و زفر و سفيان الثوري شبهة عقد فمن نكح امراة لا يحل نكاحها لا يجب عليه حد الزنى عند ابى حنيفة لكن يجب عليه العقوبة البليغة الشديدة-

قلت و الاولى ان يقال فيه القتل حدّا اتباعا بالحديث- و عند مالك و الشافعي و احمد و ابى يوسف و محمد يجب عليه حد الزنى ان كان عالما بذلك لانه وطى في فرج مجمع على تحريمه من غير ملك و لا شبهة ملك و الواطى اهل للحد عالم بالتحريم فيجب الحد كما لو لم يوجد العقد إذ العقد ليس لشبهة لانه لم يصارف محله لانه في نفسه خيانة يوجب عقوبة انضمت الى زنى فلم يكن شبهة كما لو أكرهها و عاقبها و زنى بها- و لو سلمنا ان العقد شبهة و الوطي بالشبهة لم يكن زنى فهو اغلظ من الزنى فاحرى ان يجب فيه ما يجب في الزنى- و لابى حنيفة انه عقد صادف محلا لمطلق النكاح لكونها أنثى من بنى آدم و ان لم يكن محلا لهذا النكاح المخصوص حتى صار باطلا فاورث شبهة فان الشبهة ما يشابه الثابت و لا شك ان مشابه الثابت ليس بثابت فالشبهة لا يقتضى ثبوت الحل بوجه من الوجوه و إذا ثبت فيه شبهة الملك لم يكن زنى و كونه اغلظ من الزنى لا يقتضى كونه موجبا للحد- لان امر الحدود توقيفى الا ترى انه من قذف محصنا بالزنى وجب عليه حدّ القذف ثمانون سوطا و من قذفه بالكفر لا يجب عليه حدّ القذف مع ان الكفر اغلظ من الزنى و قد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الغيبة أشد من الزنى رواه البيهقي في شعب الايمان عن ابى سعيد و جابر و المراد بما لا يحل نكاحها ما لا يحل نكاحها على التأييد باتفاق العلماء كالمحرمات بنسب او رضاع او صهرية- و اما ان كان النكاح مختلفا فيه كالنكاح بلا ولى و بلا شهود فهو مسقط للحد اتفاقا لتمكن الشبهة عند الجميع و ان كان النكاح متفقا على تحريمه لكن حرمتها غير موبدة كما إذا تزوج امة على حرة او تزوج مجوسية او امة بلا اذن سيدها او تزوج العبد بلا اذن سيده او تزوج منكوحة الغير او معتدته او المطلقة ثلاثا او خامسة او اخت زوجته او في عدتها فعند ابى حنيفة لا يحدّ و عند صاحبيه في رواية عنهما يحدّ و في اخرى لا يحدّ و يؤيد قول ابى حنيفة ما رواه الطحاوي ان رجلا تزوج امراة في عدتها فرفع الى عمر فضربها دون الحد و جعل لها الصداق و فرق بينهما و قال لا يجتمعان ابدا قال و قال على ان تابا و أصلحا جعلهما مع الخطاب- و في مسئلة المحارم روى عن جابر انه يضرب عنقه و كذا نقل عن احمد و إسحاق و اهل الظاهر و قصر ابن حزم قتله على ما إذا كانت المرأة امراة أبيه قصرا للحد على مورده و في رواية اخرى لاحمد يضرب عنقه و يؤخذ ماله لبيت المال لحديث البراء بن عازب قال لقيت خالى و معه رأية فقلت له اين تريد- قال بعثني رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الى رجل نكح امراة أبيه ان اضرب عنقه و أخذ ماله «١» رواه ابو داود و الترمذي و قال حديث حسن و رواه الطحاوي بطرق و لم يذكر فيه أخذ المال و في بعض طرقه أخذ المال ايضا و روى ابن ماجة عن ابن عباس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من وقع على ذات محرم منه فاقتلوه- و عن معاوية بن قرة عن أبيه ان النبي صلى اللّه عليه و سلم بعث جده معاوية الى رجل عرس بامراة أبيه ان يضرب عنقه و يخمس ماله- قالت الحنفية هذه الأحاديث لا حجة فيها لمن قال بوجوب الحد من الجلد و الرجم لعدم ذكر الجلد و الرجم في الحديث و ايضا ليس في الحديث ذكر الدخول بالمرأة المحرمة بل ذكر النكاح بالمحرمة و نفس النكاح ليس بموجب للحد اجماعا- فوجب ان يقال ان النبي صلى اللّه عليه و سلم انما امر بالقتل و أخذ المال اما سياسة و اما لان المتزوج بامراة أبيه فعل ما فعل مستحلا كما كانوا يفعلون في الجاهلية فصار بذلك مرتدا و لعله صار محاربا و لذلك امر بقتله و أخذ ماله و تخميسه-

(مسئلة) و من شبهة العقد ما إذا استأجر امراة ليزنى بها ففعل لاحد عليه عند ابى حنيفة رحمه اللّه و يعزر و قال ابو يوسف و محمد و مالك و الشافعي و احمد يحدّ لان عقد الاجارة لا يستباح به البضع كما لو استأجرها للطبخ و نحوه من الأعمال ثم زنى بها يحد اتفاقا له ان المستوفى بالزنى المنفعة و هى المعقود عليه في الاجارة لكنه في حكم العين بالنظر «٢» الى الحقيقة بكونه محلّا لعقد الاجارة فاورث شبهة- بخلاف الاستيجار للطبخ لان العقد لم يضف الى المستوفى بالوطى و العقد المضاف الى محل يورث شبهة فيه لا في محل اخر و اللّه اعلم-

(مسئلة) اتفق العلماء على ان الزنى يثبت بشهادة اربعة من الرجال و لا يثبت بشهادة ما دونها- و لا بشهادة النساء لقوله تعالى فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ- و قوله تعالى لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ-

(١) كذا في سنن ابى داود و ليس في الأصل لفظة ماله- الفقير الدهلوي-.

(٢) و في الأصل فبالنظر- الفقير الدهلوي-.

(مسئلة) لو شهد اربعة متفرقين يثبت الزنى و يحد عند الشافعي لوجود النصاب- و عند الثلاثة هم قذفوه «١» لعدم النصاب في أول الوهلة فيرد شهادتهم ثم لا تصير شهادتهم مقبولة بعد كونها مردودة و لو جاءوا متفرقين فاجتمعوا و شهدوا معا قبلت شهادتهم عند احمد و عند مالك و ابى حنيفة يشترط مجئى الشهود الاربعة مجتمعين و اداؤهم الشهادة معا-

(مسئلة) هل يشترط العدد في الإقرار فقال ابو حنيفة و احمد و اكثر العلماء انه لا يثبت الزنى بالإقرار الا إذا أقر العاقل البالغ على نفسه بذلك اربع مرات و اختلفوا في اشتراط كونها في اربعة مجالس فقال ابو حنيفة لا بد من اربعة مجالس لان المجلس جامع للمتفرقات و باب الزنى باب الاحتياط- و قال احمد و ابو ليلى يكتفى ان يقر أربعا في مجلس واحد لحديث رواه الشيخان في الصحيحين عن ابى هريرة قال اتى النبي صلى اللّه عليه و سلم رجل و هو في المسجد فناداه يا رسول اللّه انى زنيت فاعرض عنه النبي صلى اللّه عليه و سلم فتنحى لشق وجهه الّذي اعرض قبله فقال انى زنيت فاعرض عنه النبي صلى اللّه عليه و سلم فلما شهد اربع شهادات دعاه النبي صلى اللّه عليه و سلم فقال ابك جنون قال لا فقال أحصنت قال نعم يا رسول اللّه فقال اذهبوا به فارجموه الحديث و احتج ابو حنيفه بما رواه مسلم عن بريدة ان ماعرا اتى النبي صلى اللّه عليه و سلم فرده ثم أتاه الثانية من الغد فرده ثم أرسل الى قومه هل تعلمون بعقله بأسا فقالوا ما نعلمه الا و في العقل من صالحينا فاتاه الثالثة فارسل إليهم ايضا فسألهم فاخبروه انه لا بأس به و لا بعقله فلمّا كان الرابعة حفر له حفيرة فرجم-

و اخرج احمد و إسحاق بن راهويه و ابن ابى شيبة في المصنف عن ابى بكر قال اتى ما عز بن مالك النبي صلى اللّه عليه و سلم فاعترف و انا

(١) و في الأصل هم قذفه إلخ و لا يستقيم و لعل الصحيح هو قذفه و الغلط من الناسخ و اللّه تعالى اعلم- الفقير الدهلوي- [.....].

عنده مرّة فرده ثم جاء فاعترف عنده الثانية فرده- ثم جاء فاعترف عنده الثالثة فرده- فقلت له ان اعترفت الرابعة رجمك قال فاعترف الرابعة فجلسه ثم سال عنه فقال لا نعلم الا خيرا فرجم- هذا الحديث ايضا صريح في تعدد المجي ء و هو يستلزم غيبته كل مرة و من هاهنا قالت الحنفية إذا تغيب ثم عاد فهو مجلس اخر- و روى ابن حبان في صحيحه من حديث ابى هريرة قال جاء ماعز بن مالك الى النبي صلى اللّه عليه و سلم فقال انّ الأبعد زنى «١» فقال له ويلك و لا يدريك ما الزنى فامر به قطرد

و اخرج ثم أتاه الثانية فقال مثل ذلك فامر به فطرد

و اخرج ثم أتاه الثالثة فقال مثل ذلك فامر به فطرد

و اخرج ثم أتاه الرابعة فقال مثل ذلك فقال ادخلت و أخرجت فقال نعم فامر به ان يرجم- فهذه و غيرها مما يطول ذكره ظاهر في تعدد المجالس فوجب ان يحمل الحديث الاول عليها و ان قوله فتنحى تلقاء وجهه معدود مع قوله الاول إقرارا واحدا لانه في مجلس واحد و قوله حين بين ذلك اربع مرات اى في اربعة مجالس لانه لا ينافى ذلك و قال مالك و الشافعي و ابو ثور و الحسن و حماد بن ابى سليمان انه يثبت الزنى بإقراره مرة لقوله صلى اللّه عليه و سلم في حديث زيد بن خالد و ابى هريرة في قصة العسيف اغد يا أنيس الى امراة هذا فان اعترفت فارجمها فغدا عليها فاعترفت فرجمها قالوا و ليس في قصة الامرأة الغامدية الا ذكر الإقرار مرة-

قلنا قوله ان اعترفت فارجمها معناه ان اعترفت اعترافا مقبولا في حد الزنى- و انما اقتصر النبي صلى اللّه عليه و سلم على قوله ان اعترفت لعلمه بان الصحابة كانوا يعلمون لقصة ما عز و غيره ان الإقرار المعتبر في الزنى انما هو اربع اقرارات في اربعة مجالس- و قولهم ليس في قصة الغامدية الا ذكر الإقرار فممنوع بل

(١) و في مجمع البحار ص ١٠٣ ان الأبعد قد زنى اى المتباعد عن الخير و العصمة بعد بالكسر فهو باعد اى هلك و البعد الهلاك و الأبعد الخائن ايضا انتهى و الحاصل ان سيدنا ما عزا رضى اللّه عنه عنى بقوله ان الأبعد زنى نفسه اى انا الّذي تباعد عن الخير و العصمة إلخ- الفقير الدهلوي.

قد روى ابو داود و النسائي انه كان اصحاب النبي صلى اللّه عليه و سلم تتحدث ان الغامدية و ما عز بن مالك لو رجعا بعد اعترافهما لم يطلبهما و انما رجمهما بعد الرابعة- فهذا نص في إقرارها أربعا غاية ما في الباب انه لم ينقل تفاصيلها و اللّه اعلم- و قد روى البزار في مسنده عن زكريا بن سليم ثنا شيخ من قريش عن عبد الرحمن بن ابى بكرة عن أبيه فذكره و فيه انها أقرت اربع مرات و هو يردها ثم قال لها اذهبي حتى تلدى غير ان فيه مجهولا ينجبر جهالته بما يشهد له من حديث ابى داود و النسائي.

(مسئلة) يستحب للامام ان يلقنه الرجوع عن الإقرار كما قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لما عز لعلك قبّلت او لمست-

(مسئلة) لو أقر أربعا بالزنى ثم رجع قبل ان يحد او في اثنائه يقبل رجوعه و سقط عنه الحد عند الائمة الثلاثة و عن مالك فيه روايتان- لنا ان الرجوع خبر يحتمل الصدق كالاقرار و ليس أحد يكذبه فيه فيتحقق الشبهة في الإقرار و الحدود تندرئ بالشبهات- بخلاف ما فيه حق العبد و هو القصاص و حد القذف لوجود من يكذّبه- و يؤيده قصة ماعز روى ابو داود عن يزيد بن نعيم قصته فذكر انه لما رجم فوجد مس الحجارة فجزع فخرج يشتد فلقيه عبد اللّه بن أنيس و قد عجز أصحابه فنزع له بوظيف بعير فرماه به فقتله- ثم اتى النبي صلى اللّه عليه و سلم فذكر ذلك له فقال هلا تركتموه لعله يتوب فيتوب اللّه عنه- و روى الترمذي و ابن ماجة في حديث ابى هريرة نحوه- (فصل- مسئلة) إذا زنى المريض و حدّه الرجم رجم لان الاتلاف مستحق فلا يمتنع بسبب المرض- و ان كان حدّه الجلد لا يجلد حتى يبرا كيلا يفيض الى الهلاك- و ان كان مرضا لا يرجى البرء منه كالسل او كان خديجا اى ضعيف الخلقة فعند ابى حنيفة و الشافعي يضرب بعتكال فيه مائة شمراخ فيضرب به دفعة و لا بد من وصول كل شهر أخ الى بدنه كما روى البغوي في شرح السنة و ابن ماجة نحوه عن ابى امامة بن سهل بن حنيف عن سعيد بن سعد بن عبادة قال كان بين امائنا رجل مخدج ضعيف فلم يرع الا و هو على امة من إماء الدار يحنث بها فرفع شأنه سعد بن عبادة الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال اجلدوه مائة سوط- قال يا نبى اللّه هو أضعف من ذلك لو ضربنا مائة سوط لمات قال فخذوا له عثكالا فيه مائة شمراخ فاضربوه واحدة و خلوا سبيله- و رواه ابو داود عن ابى امامة بن سهل عن رجل من الأنصار و رواه النسائي عن ابى امامة بن سهل عن أبيه و رواه الطبراني عن ابى امامة بن سهل .............. عن ابى سعيد الخدري قال الحافظ ان كان الطرق كلها محفوظة فيكون ابو امامة قد حمله عن جماعة من الصحابة و رواه البيهقي عن ابى امامة مرسلا-

(مسئلة) ان زنت الحامل لا تحدّ حتى تضع حملها كيلا يؤدى الى هلاك الجنين و هو نفس محترمة- و ان كان حدّها الجلد لا تجلد حتى تطهر من النفاس عن علىّ رضى اللّه عنه قال يا ايها الناس اقيموا على ارقائكم الحد من أحصن منهم و من لم يحصن فان امة لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم زنت فامرنى ان اجلدها فاذا هى حديث عهد بنفاس ... فخشيت ان انا جلدتها ان اقتلها فذكرت ذلك للنبى صلى اللّه عليه و سلم فقال أحسنت رواه مسلم و في رواية ابى داود قال دعها حتى ينقطع دمها ثم أقم عليها الحد و اقيموا الحدود على ما ملكت ايمانكم و ان كان حد النفساء الرجم رجمت لانفصال الولد عنها و استحقاقها الهلاك و عن ابى حنيفة انه يؤخر حتى يستغنى عنها ولدها إذا لم يكن أحد يقوم يتريبته لصيانة الولد من الضياع- روى مسلم عن بريدة في قصة الغامدية ان النبي صلى اللّه عليه و سلم أخرجها حتى تضع فكفلها رجل من الأنصار حتى وضعت فقال قد وضعت الغامدية قال إذا لا ترجمها و تدع ولدها صغيرا ليس له من ترضعه فقام رجل من الأنصار فقال الىّ رضاعها يا نبى اللّه قال فرجمها و في رواية انه قال لها اذهبي حتى تلدى فلما ولدت قال اذهبي فارضعيه حتى تفطيه فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز فقالت هذا يا نبى اللّه قد فطمته و أكل الطعام فدفع الصبى الى رجل من المسلمين فحفر لها الى صدرها و امر الناس فرجموها

(مسئلة) قوله تعالى فاجلدوا خطاب للائمة فلا يجوز عند ابى حنيفة اقامة الحدود للمولى الا ان يأذن له الامام و قال مالك و الشافعي و احمد يقيم المولى بلا اذن الامام و في رواية عن مالك انه يقيم المولى الا في الامة المزوجة و استثنى الشافعي من المولى ذميّا و مكاتبا و امراة- و هل يجرى ذلك على العموم حتى لو كان قتلا بسبب الردة او قطع الطريق او قطعا للسرقة ففيه خلاف عند الشافعي قال النووي الأصح المنصوص انه يعم لاطلاق الخبر- و في التهذيب الأصح ان القتل و القطع الى الامام- لهم ما في الصحيحين من حديث ابى هريرة قال سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن الامة إذا زنت و لم تحصن قال ان زنت فاجلدوها ثم ان زنت فاجلدوها ثم ان زنت فاجلدوها ثم ان زنت فبيعوها و لو بضفير- و قال النبي صلى اللّه عليه و سلم اقيموا الحدود على ما ملكت ايمانكم- رواه النسائي و البيهقي من حديث علىّ و أصله في مسلم موقوفا على علىّ و غفل الحاكم فاستدرله- و روى الشافعي ان فاطمة رضى اللّه عنها جلدت امة لها زنت- و روى ابن وهب عن ابن جريج عن عمرو بن دينار ان فاطمة بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كانت تجلد وليتها خمسين إذا زنت- و روى الشافعي عن مالك عن نافع ان عبد العبد اللّه بن عمر سرق فارسل به عبد اللّه الى سعيد بن العاص و هو امير المدينة ليقطع يده فابى سعيد ان يقطع يده و قال لا يقطع يد العبد إذا سرق فقال له ابن عمر في اىّ كتاب وجدت هذا فامر به ابن عمر فقطعت يده و رواه عبد الرزاق في مصنفه عن معمر عن أيوب عن نافع ان ابن عمر قطع يد غلام له سرق و جلد عبد اللّه زنى من غير ان يدفعهما الى الوالي- و رواه ابن ماجة و فيه قصة لعائشة و رواه سعيد بن منصور عن هشيم عن ابن ابى ليلى عن نافع نحوه و روى مالك في الموطإ و الشافعي عنه قال خرجت عائشة الى مكة و معها غلام لبنى عبد اللّه بن ابى بكر الصديق فذكر قصة فيها انه سرق و اعترف فامرت به عائشة فقطعت يده و روى مالك في الموطإ ان حفصة قتلت امة لها سحرت و رواه عبد الرزاق و زاد فانكر ذلك عثمان بن عفان فقال ابن عمر ما تنكر على أم المؤمنين امراة سحرت فاعترفت- و لابى حنيفة ما رواه اصحاب السنن في كتبهم عن ابن مسعود و ابن عباس و ابن الزبير موقوفا و مرفوعا اربع الى الولاة الحدود و الصدقات و الجمعات و الفي ء- وَ لا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ اى رحمة قرا ابن كثير رافة بفتح الهمزة و لم يختلفوا في سورة الحديد انها ساكنة لمجاورة و رحمة فِي دِينِ اللّه اى في طاعته يعنى لا تعطلوا الحدود بان لا تقيموها رحمة على الناس كذا قال مجاهد و عكرمة و عطاء و سعيد بن جبير و النخعي و الشعبي روى الشيخان في الصحيحين- عن عائشة ان قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية الّتي سرقت فقالوا من يكلم فيها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقالوا و من يجترئى عليه الا اسامة بن زيد حب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فكلمه اسامة فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أتشفع في حد من حدود اللّه ثم قام فاختطب ثم قال انما أهلك الذين قبلكم انهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه و إذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد و ايم اللّه لو ان فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها- و قال جماعة معناها لا تأخذكم بهما رأفة فتخففوا الضرب و لكن اوجعوهما ضربا و هذا قول سعيد بن المسيب و الحسن قال ابو حنيفة يجتهد في حد الزنى ثم في حد الشرب و يخفف في حد القذف لان سببه محتمل لاحتمال كونه صادقا بخلاف حد الشرب فان سببه متيقن و جناية الزنى أعظم منه- و قال قتادة يخفف في حد الشرب و الفرية و يجتهد فى الزنى- و قال الزهري يجتهد في حد الزنى و القذف لثبوتهما بكتاب اللّه و يخفف في حد الشرب لثبوتها بالسنة-

قال البغوي روى ان عبد اللّه بن عمر جلد جارية له زنت فقال للجلاد اضرب ظهرها و رجليها فقال له ابنه لا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللّه فقال يا بنى ان اللّه لم يأمرنى بقتلها و قد ضربت و أوجعت إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّه وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ شرط مستغن عن الجزاء بما مضى يعنى ان كنتم تؤمنون باللّه فسادعوا الى امتثال امره و اجتهدوا في اقامة حدوده فان الايمان يقتضى ذلك وَ لْيَشْهَدْ اى ليحضر عَذابَهُما اى حدهما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢) زيادة في التنكيل فان التفضيح قد ينكل اكثر ما ينكل التعذيب و الطائفة فرقة يمكن ان يكون حافة حول من الطوف و أقلها قيل اربعة للجوانب الأربع- و قيل ثلاثة لانها ادنى فهو جمع طائف- و قيل جاز إطلاقها على واحد او اثنين قال اللّه تعالى وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا- قال في القاموس الطائفة من الشي ء القطعة منه او الواحد فصاعدا او الى الالف او أقلها رجلان او رجل فيكون بمعنى النفس-

قلت فيصح ان يكون جمعا يكنى به عن الواحد و يصح ان يجعل كزاوية او علامة- قال النخعي و مجاهد اقله رجل فما فوقه و هو المروي عن ابن عباس و به قال احمد و قال عطاء و عكرمة و إسحاق رجلان فصاعدا و قال الزهري و قتادة ثلثة فصاعدا و قال مالك و ابن زيد اربعة بعدد الشهداء في الزنى و قال الحسن البصري عشرة فصاعدا-

قلت و هذا القول اولى بالصواب إذ المقصود بالآية التشهير.

﴿ ٢