٣ الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَ الزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ اخرج ابو داود و الترمذي و النسائي و الحاكم من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال كان رجل يقال له مرثد يحمل الأسارى من مكة حتى يأتى بهم المدينة و كانت امراة بمكة صديقة له يقال لها عناق فاستأذن النبي صلى اللّه عليه و سلم ان ينكحها فلم يرد عليه شيئا حتى نزلت هذه الاية- فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يا مرثد الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَ الزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَ حُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فلا تنكحها- و اخرج النسائي عن عبد اللّه بن عمرو قال كانت امراة يقال لها أم مهزول و كانت تسافح فاراد رجل من اصحاب النبي صلى اللّه عليه و سلم ان يتزوجها فنزلت- و اخرج سعيد بن منصور عن مجاهد قال لمّا حرم اللّه الزنى فكان زوانى عندهن جمال فقال الناس لننطلقنّ فلنتزوجهنّ فنزلت- و قال البغوي قال قوم قدم المهاجرون المدينة و منهم فقراء لا مال لهم و لا عشائر و في المدينة نساء بغايا يكرين انفسهن و هن يومئذ اخصب اهل المدينة فرغب ناس من فقراء المهاجرين في نكاحهن لينفقن عليهم فاستأذنوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فنزلت هذه الاية وَ حُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ان يتزوجوا تلك البغايا لانهن كن مشركات- و هذا قول عطاء بن ابى «١» رباح و مجاهد و قتادة و الزهري و الشعبي و في رواية العوفى عن ابن عباس قلت اخرج ابن ابى شيبة في مصنفه من مراسيل سعيد بن جبير- و قال البغوي قال عكرمة نزلت في نساء بمكة و المدينة منهن تسع لهن رأيات كرأيات البيطا يعرفن بها منهن أم مهزول جارية السائب بن ابى السائب المخزومي و كان الرجل ينكح الزانية في الجاهلية يتخذها مأكلة فاراد ناس من المسلمين نكاحهن على تلك الجهة فاستأذن رجل من المسلمين نبى اللّه صلى اللّه عليه و سلم في نكاح أم مهزول اشترطت له ان تنفق عليه فانزل اللّه تعالى هذه الاية- و لهذه الاية و الأحاديث المذكورة احتج احمد على انه لا يجوز نكاح الزاني و لا الزانية حتى يتوبا فاذا تأبا فلا يسميان زانيين- و عند الائمة الثلاثة نكاح الزاني و الزانية صحيح ففى لفسير هذه الاية قال بعضهم معناه الاخبار كما هو ظاهر الصيغة- و المعنى ان الزاني لاجل فسقه لا يرغب غالبا في نكاح الصالحات و الزانية (١) و في الأصل عطاء بن رباح إلخ ابو محمد عفا عنه. لا يرغب فيها الصلحاء فان المشاكلة علة الالفة و التضام و المخالفة سبب للنفرة و الافتراق- و كان حق المقابلة ان يقال و الزانية لا تنكح الا من زان او مشرك لكن المراد بيان احوال الرجال في الرغبة فيهن لما ذكرنا انها نزلت في استيئذان الرجال من المؤمنين- و على هذا التأويل المراد بالتحريم في قوله تعالى وَ حُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (٣) التنزيه عند اكثر العلماء عبّر عنه بالتحريم مبالغة يعنى ان المؤمنين لا يفعلون ذلك و يتنزهون عنه تحاميا عن التشبه بالفساق و سوء المقابلة و المعاشرة و الطعن في النسب و غير ذلك من المفاسد و قال مالك يكره كراهة تحريم- و قال البغوي قال قوم المراد بالنكاح الجماع و معنى الاية الزاني لا يزنى الا بزانية او مشركة و الزانية لا تزنى الا بزان او مشرك و هو قول سعيد بن جبير و الضحاك بن مزاحم و رواية الوالبي عن ابن عباس و قال زيد بن هارون يعنى الزاني ان كان مستحلا فهو مشرك و ان جامعها و هو محرم فهو زان و على هذا ايضا مبنى الكلام على الاخبار- و قال جماعة النفي هاهنا بمعنى النهى و قد قرئ به و الحرمة على ظاهرها لكن التحريم كان خاصّا في حق أولئك الرجال من المهاجرين الذين أرادوا نكاح الزانيات دون سائر الناس- و هذا القول بعيد جدّا لان الممنوع في الاية ابتداء الزاني عن نكاح الصالحات غير الزانيات و كان حق الكلام حينئذ المؤمن لا ينكح الا مؤمنة صالحة و ايضا عموم قوله تعالى وَ حُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ينافى تخصيص الحكم برجال مخصوصين- و كان ابن مسعود يحرم نكاح الزانية و يقول إذا تزوج الزاني بالزانية فهما زانيان ابدا- و قال الحسن الزاني المجلود لا ينكح الا زانية مجلودة و الزانية المجلودة لا ينكحها الا زان مجلود- و روى ابو داود بسنده عن عمرو بن شعيب عن ابى سعيد المقبري عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا ينكح الزاني المجلود الا مثله مبنى هذين القولين ان التحريم عام و الاية غير منسوخة و قال سعيد بن المسيب و جماعة ان حكم الاية منسوخ و كان نكاح الزانية حراما بهذه الاية فنسخها قوله تعالى وَ أَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ فدخلت الزانية في أيامي المسلمين- و يدل على جواز نكاح الزانية ما روى البغوي عن جابر ان رجلا اتى النبي صلى اللّه عليه و سلم فقال يا رسول اللّه ان امراتى لا تدفع يد لامس قال طلقها قال اتى أحبها و هى جميلة قال استمتع بها و في رواية فامسكها إذا- كذا روى الطبراني و البيهقي عن عبيد اللّه بن عمر عن عبد الكريم بن مالك عن ابى الزبير عن جابر و قال ابن ابى جابر سالت ابى عن هذا الحديث فقال حدثنا محمد بن كثير عن معتمر عن عبد الكريم حدثنى ابو الزبير عن مولى لبنى هاشم فقال جاء رجل فذكره و رواه الثوري فسمى الرجل هشاما مولى لبنى هشام و رواه ابو داود و النسائي من طريق عبد اللّه بن عبيد اللّه بن عمير عن ابن عباس و قال النسائي رفعه أحد الرواة الى ابن عباس واحدهم لم يرفعه قال و هذا الحديث اى الموصول ليس بثابت و المرسل اولى بالصواب و رواه الشافعي مرسلا و رواه النسائي و ابو داود من رواية عكرمة عن ابن عباس نحوه قال الحافظ اسناده أصح و اطلق النووي عليه الصحة و أورد ابن الجوزي الحديث في الموضوعات مع انه أورده بإسناد صحيح و ذكر عن احمد بن حنبل انه لا يثبت في الباب شي ء و ليس له اصل- فائدة قال الحافظ اختلف العلماء في معنى قوله لا تدفع يد لامس فقيل معناه لا تمنع ممن يطلب منها الفاحشة و بهذا قال ابو عبيدة و النسائي و ابن الاعرابى و الخطابي و الفريابي و النووي و هو مقتضى استدلال البغوي و الرافعي و غيرهما في هذه المسألة- و قيل معناه التبذير يعنى لا تمنع أحدا طلب منها شيئا من مال زوجها و بهذا قال احمد و الأصمعي و محمد بن نصر و على هذا التأويل لا استدلال بالحديث في هذه المسألة- قال البغوي و روى ان عمر بن الخطاب ضرب رجلا و امراة في زنى و حرص ان يجمع بينهما فابى الغلام- و اخرج الطبراني و الدار قطنى من حديث عائشة قالت سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن رجل زنى بامراة و أراد ان يتزوجها فقال الحرام لا يحرم الحلال- و في مصنفى عبد الرزاق و ابن ابى شيبة سئل ابن عباس عن الرجل يصيب من المرأة حراما ثم يبدوله ان يتزوج بها قال اوله سفاح و آخره نكاح. |
﴿ ٣ ﴾