٤ وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ اى يقذفون بصريح الزنى بنحو زنيت او يا زانى اجمع على هذا التقييد علماء التفسير و الفقه بقرينة اشتراط الاربعة في الشهادة فمن قذف بغير الزنى من المعاصي لا يجب عليه حد القذف اجماعا و لكن يعزره الحاكم على ما يرى و كذا لورمى بالزنى تعريضا كما إذا قال لست انا بزان فانه لا يحد و به قال ابو حنيفة و الشافعي و احمد و سفيان و ابن سيرين و الحسن بن صالح و قال مالك و هو رواية عن احمد انه يحد بالتعريض لما روى الزهري عن سالم عن ابن عمران عمر كان يضرب الحد بالتعريض- و عن علىّ انه جمد رجلا بالتعريض و لانه إذا عرف مراده كان كالتصريح- قلنا التعريض ليس كالتصريح و لذا جاز خطبة النساء في العدة تعريضا و لا يجوز تصريحا قال اللّه تعالى وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ المحصنات او المحصنين بدلالة هذا النص للقطع بالفاء الفارق و هو صفة الأنوثة و استقلال دفع عارما نسب اليه بالتأثير بحيث لا يتوقف فهمه على اهلية الاجتهاد و عليه انعقد اجماع الامة- و تخصيص المحصنات بالذكر لخصوص الواقعة او لان قذف النساء اغلب و اشنع- و المراد بالاحصان هاهنا بإجماع العلماء ان يكون حرّا عاقلا بالغا مسلما عفيفا غير متهم بالزنى و هذا محمل قوله صلى اللّه عليه و سلم من أشرك باللّه فليس بمحصن عند الجمهور كما ذكرنا فيما سبق- فمن زنى في عمره مرة ثم تاب و حسن حاله و امتد عمره فقذفه قاذف بالزنى لا يحد لكون القاذف صادقا فيما رمى به لكنه يعزر لان التائب من الذنب كمن لا ذنب له و كذا لا يحد قاذف رقيق او صبى او مجنون و حكى عن داود ان قاذف الرقيق يحد ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ بعد انكار المقذوف فلو أقر المقذوف على نفسه بالزنى او اقام القاذف اربعة من الشهود على الزنى سقط الحد عن القاذف- و لو شهد اربعة على الزنى متفرقين غير مجتمعين لا يجب حد الزنى على المقذوف عند ابى حنيفة كما ذكرنا فيما سبق لكن يسقط حد القذف عن القاذف لوجود النصاب و الاجتماع انما شرط احتياطا لدرء حد الزنى لا لايجاب حد القذف و كذا لو أقر المقذوف مرة لا يجب عليه الحد و لا على قاذفه- و المراد بالشهداء في هذه الاية الذين كانوا أهلا للشهادة فلو شهد اربعة على رجل بالزنى و هم عميان او محدودون في قذف او أحدهم عبد او محدود في قذف فانهم يحدون و لا يحد المشهود عليه لانهم ليسوا من اهل أداء الشهادة فوجودهم كعدمهم و العبد ليس باهل للتحمل و الأداء لعدم الولاية فلم يثبت شبهة الزنى لان الزنى يثبت بالأداء- و لو شهدوا و هم فساق لم يحدوا و لا يحد المقذوف لانهم من اهل الأداء و التحمل لكن في ادائهم نوع قصور لاجل الفسق فيثبت بشهادتهم شبهة الزنى فلا يحدّوا حدّ القذف و لا المقذوف حد الزنى و عند الشافعي يحدّ الفسقة حد القذف لانهم كالعبيد ليسوا من اهل الشهادة و من هذه الاية يثبت انه لو نقص عدد الشهود عن الاربعة حدوا لانهم قذفوه لانه لا حسبة عند نقصان العدد و خروج الشهادة عن القذف انما هو باعتبار الحسبة- روى الحاكم في المستدرك و البيهقي و ابو نعيم في المعرفة و ابو موسى في الدلائل من طرق انه شهد عند عمر على المغيرة بن شعبة بالزنى أبو بكرة و نافع و شبل بن معبد (و لم يصرح به زياد و كان رابعهم فجلد عمر الثلاثة و كان بمحضر من الصحابة و لم ينكر عليه أحد- و علق البخاري طرفا منه و رواه عبد الرزاق عن الثوري عن سليمان التيمي عن ابى النهدي نحوه و فيه لما نكل زياد قال عمر هذا رجل لا يشهد الا بحق ثم جلدهم الحدّ فَاجْلِدُوهُمْ بعد مطالبة المقذوف اجماعا لان فيه حق العبد و ان كان مغلوبا ثَمانِينَ جَلْدَةً ان كان القذفة أحرارا و اما ان كانوا ارقاء جلد كل واحد منهم أربعين سوطا بإجماع الفقهاء و سند الإجماع القياس على حد الزنى الثابت تنصيفه بقوله تعالى فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ- روى البيهقي بسنده عن عبد اللّه بن عامر بن ربيعة انه قال أدركت أبا بكر و عمر و عثمان و من بعدهم من الخلفاء فلم أرهم يضربون المملوك إذا قذف الا أربعين سوطا و روى مالك بهذا في الموطإ الا انه ليس فيه ذكر ابى بكر- و قال الأوزاعي حدّ العبد مثل حدّ الحرّ وَ لا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً عطف على الأمر بالجلد جزاء لما تضمن المبتدا معنى الشرط فهو من تتمة الحد عندنا لانهما اخرجا بلفظ الطلب مفوضين الى الائمة بخلاف قوله تعالى وَ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٤) فانه كلام مستانف جملة اسمية أخرجت بطريق الاخبار لا مناسبة لها بالطلب بل هى دفع توهم استبعاد صيرورة القذف سببا لوجوب الحدّ الّذي يندرئ بالشبهات فان القذف خبر يحتمل الصدق و الكذب و ربما يحتمل ان يكون حسبة- وجه الدفع بيان انهم فاسقون عاصون بهتك ستر العفة من غير فائدة حين عجزوا عن اقامة اربعة شهداء فلهذا استحقوا العقوبة- و قال الشافعي رحمه اللّه جملة لا تقبلوا كلام مستأنف غير داخل في الحدّ لانه لا يناسب الحد لان الحدّ فعل يلزم الامام إقامته لا حرمة فعل و قوله تعالى وَ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ في مقام التعليل لرد الشهادة- قلنا بل هو مناسب للحدّ فان الحدّ للزجر و الزجر في رد الشهادة ابدا اكثر من الضرب و يدل على ذلك قوله ابدا فان الفسق لا يصلح سببا لرد الشهادة ابدا بل لرد الشهادة مادام فاسقا- لا يقال قوله لا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً المراد منه ما دام هو مصر على القذف فاذا تاب قبل شهادته كما يقال لا تقبل شهادة الكافر ابدا و يراد به مادام كافرا- لانا نقول عدم قبول الشهادة للكافر ما دام كافرا يفهم من قوله لا تقبل شهادة الكافر و لا حاجة فيه الى قوله ابدا الا ترى ان اضافة الحكم الى المشتق يدل على علية المأخذ و علية الكفر لعدم قبول الشهادة يقتضى دوامه ما دام الكفر- فقوله ابدا في هذا المثال لغو لا يحتمل ان يكون كلام اللّه تعالى نظيرا له. |
﴿ ٤ ﴾