سُورَةُ الْقَصَصِ مَكِّيَّةٌ وَهِيَ ثَمَانٍ وَثَمَانُونَ آيَةً سورة القصص مكية الا قوله تعالى الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ الى قوله لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ و فيها آيات نزلت بين مكة و المدينة و هى قوله تعالى إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ و هى ثمان و ثمانون اية ربّ يسّر و تمّم بالخير بِسْمِ اللّه الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ _________________________________ ١ طسم ٢ تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ ابان لازم و متعد يعنى ظاهر فى كونه من عند اللّه لاعجازه او مظهر لاحكامه و مواعيده و ما فيها من القصص. ٣ نَتْلُوا اى نقراه بقراءة جبرئيل عَلَيْكَ و يجوز ان يكون نتلوا بمعنى ننزل مجازا مِنْ نَبَإِ اى بعض نبا مُوسى وَ فِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ ظرف مستقر حال من نبا اى مقرونا بالصدق او من فاعل نتلوا اى محقين او ظرف لغو متعلق بنتلوا لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ فانهم هم المنتفعون به. ٤ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا اى استكبر و تجبر و تعظم استيناف بيان لذلك البعض فِي الْأَرْضِ اى ارض مصر وَ جَعَلَ أَهْلَها اى اهل تلك الأرض شِيَعاً اى فرقا يشيعونه فيما يريد من الخدمة او يشيع بعضهم بعضا او فرقا أكرم منهم طائفة و هم القبط و أهان آخرين و هم بنوا إسرائيل او أصنافا فى الخدمة استعمل كل صنف فى عمل او أحزابا اغرى بينهم العداوة كيلا يتفقوا عليه و فى القاموس شيعة الرجل اتباعه و أنصاره و الفرقة على حدة يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ و هم بنوا إسرائيل الجملة حال من فاعل جعل او استيناف يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ لان كاهنا قال يولد مولود فى بنى إسرائيل يذهب ملكك على يديه كذا اخرج عبد الرزاق و عبد بن حميد و ابن المنذر عن قتادة وَ يَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ اى يترك بناتهم احياء بدل من قوله يستضعف سمى ذلك استضعافا لانهم عجزوا و ضعفوا عن دفعه عن أنفسهم إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ و لذلك اجترأ على قتل خلق كثير من أولاد الأنبياء لتخيل فاسد إذ لا ينفعه القتل سواء صدق الكاهن او كذب-. ٥ وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ اى نتفضّل عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ بانقاذهم من بأسه جملة نريد حكاية حال ماضية معطوفة على انّ فرعون علا من حيث انهما واقعان تفسيرا للنبأ- او حال من فاعل يستضعف بتقدير و نحن نريد او عطف على يستضعف و الرابط بالموصوف وضع المظهر اى الذين استضعفوا موضع الضمير و لا يلزم من مقارنة الارادة للاستضعاف مقارنة المراد له لكون تعلق الارادة حينئذ تعلقا استقباليا مع ان منة اللّه بخلاصهم لمّا كانت قرينة الوقوع منه جاز ان يجرى مجرى المقارن وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً يقتدى بهم فى امر الدين دعاة الخير كذا قال مجاهد و قال قتادة ولاة و ملوكا بدليل قوله تعالى وَ جَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ لما كان فى ملك فرعون و قومه. ٦ وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ اى ارض مصر و الشام و اصل التمكن ان يجعل للشئ مكانا يستقر فيه ثمّ استعير للتسليط و نفاذ الأمر وَ نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما قرأ الأعمش و الحمزة و الكسائي يرى بالياء و مفتوحة و فتح الراء و امالة فتحها و رفع الأسماء الثلاثة على الفاعلية و الباقون بالنون مضمومة و كسر الراء و فتح الياء بعدها و نصب الأسماء الثلاثة على المفعولية مِنْهُمْ اى من بنى إسرائيل ما كانُوا يَحْذَرُونَ و الحذر هو التوقي عن الضرر و ذلك انهم أخبروا ان هلاكهم على يد رجل من بنى إسرائيل و كانوا على وجل منه فاراهم اللّه ما كانوا يحذرون .. ٧ وَ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى و هى يوخابذ بنت لاوى بن يعقوب عليه السلام كذا ذكر البغوي اجمعوا على انه ليس بوحي نبوة و ان النبي لا يكون الا رجلا قال قتادة قذف فى قلبها و هو الإلهام فى اصطلاح الصوفية و من جنسه المنام الصادق الموجب لليقين و اطمينان القلب و هو ايضا من قبيل الإلهام و هذه الاية تدل على ان الإلهام ايضا من اسباب العلم و ان كان علما ظنّيا و المعتبر الهام القلوب الزاكية و النفوس المطمئنة و الفرق بين الوسوسة و الإلهام بحصول اليقين و اطمينان القلب أَنْ أَرْضِعِيهِ ان مفسرة لاوحينا لان فيه معنى القول او مصدرية يعنى ارضعى موسى ما أمكنك اخفاؤه قال البغوي اختلفوا فى مدة إرضاع موسى عليه السلام امه قيل هى ثمانية أشهر و قيل اربعة أشهر و قيل ثلاثة أشهر كانت ترضعه فى حجرها و هو لا يبكى و لا يتحرك فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ بان يحس به فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ فى البحر يريد النيل وَ لا تَخافِي عليه الضياع وَ لا تَحْزَنِي لفراقه إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ من قريب بحيث تامنين عليه وَ جاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ روى عطاء و الضحاك عن ابن عباس ان بنى إسرائيل لما كثروا بمصر و استطالوا على الناس و عملوا بالمعاصي و لم يأمروا بالمعروف و لم ينهوا عن المنكر فسلط اللّه عليهم النبط فاستضعفوهم الى ان نحاهم اللّه على يدى نبيه- موسى - قال ابن عباس رض ان أم موسى لما دنى ولادتها و كانت قابلة من قوابل اللاتي و كّلهن فرعون بحبالى بنى إسرائيل مصافية لام موسى فلمّا ضربها الطلق أرسلت إليها و قالت قد نزل بي ما نزل فلينفعنى حبك إياي اليوم قال فعالجت قابلتها فلما ان وقع موسى عليه السلام بالأرض هالها نور بين عينى موسى عليه السلام فارتعش كل مفصل منها و دخل حب موسى عليه السلام فى قلبها ثم قالت يا هذه ما جئت إليك حين دعوتنى الا و من ورائي قتل مولودك و لكن وجدت لابنك حبّا ما وجدت حب شى ء مثل حبه فاحفظى ابنك فانى أراه مدونا. فلمّا خرجت القابلة من عندها ابصر بعض العيون فجاءوا الى بابها ليدخلوا على أم موسى فقالت أخته يا أماه هذا الحرس بالباب قلفّت موسى فى خرقة فوضعته فى التنور و هو مسجور و طاش عقلها فلم تعقل ما تصنع فدخلوا فاذا التنور مسجور و راوا أم موسى ع لم يتغير لها لون و لم يظهر لها لبن فقالوا لها ما ادخل عليك القابلة قالت هى مصافية لى فدخلت علىّ زائرة فخرجوا من عندها و رجع إليها عقلها فقالت لاخت موسى عليه السلام فاين الصبى قالت لا أدرى فسمعت بكاء الصبى من التنور فانطلقت اليه و قد جعل اللّه سبحانه و تعالى النار عليه بردا و سلاما فاحتملته. قال ثم ان أم موسى لما رات الحاج فرعون فى طلب الولدان خافت على ابنها فقذف اللّه فى نفسها ان تتخذ له تابوتا ثم تقذف التابوت فى اليم و هو النيل فانطلقت الى رجل من قوم فرعون نجار فاشترت منه تابوتا صغيرا فقال لها النجار ما تصنعين بهذا التابوت قالت ابن لى أخبؤه فى التابوت و كرهت الكذب قال و لم قالت أخشى عليه كيد فرعون فلما اشترت التابوت و حملته فانطلقت انطلق النجار الى الذبّاحين ليخبرهم بامر أم موسى فلمّا هم بالكلام امسك اللّه تعالى فلم يطق الكلام و جعل يشير بيده فلم يدر الأمناء ما يقول فلما أعياهم امره قال كبيرهم اضربوه و أخرجوه فلمّا انتهى النجار الى موضعه رد اللّه عليه لسانه فتكلم فانطلق ايضا يريد الأمناء فاتاهم ليخبرهم فاخذ لسانه و بصره فلم يطلق الكلام و لم يبصر شيئا فضربوه و أخرجوه و وقع فى واد يهوى فيه حيران فجعل عليه ان رد لسانه و بصره ان لا يدل عليه و ان يكون معه و يحفظه حيث ما كان فعرف اللّه منه الصدق فرد اللّه عليه بصره و لسانه فخر للّه ساجدا فقال يا رب دلّنى على هذا العبد الصالح فدله اللّه عليه فخرج من الوادي و أمن به و صدقه و علم ان ذلك من اللّه عزّ و جلّ. و قال وهب بن منبه لما حملت أم موسى بموسى كتمت أمرها من جميع الناس فلم يطلع على حملها أحد من خلق اللّه و ذلك شى ء ستره اللّه لما أراد ان يمن على بنى إسرائيل فلمّا كانت السنة التي يولد فيها بعث فرعون القوابل و تقدم إليهن ففتش النساء تفتيشا لم يفتش قبل ذلك و حملت أم موسى ع بموسى فلم ينت بطنها و لم يتغير لونها و لم يظهر لبنها و كانت القوابل لا تتعرض لها فلمّا كانت الليلة التي ولد فيها ولدته و لا رقيب عليها و لا قابلة و لم يطلع عليها أحد الا أخته مريم و اوحى اللّه إليها أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ الآية فكتمته امّه ثلاثة أشهر ترضعه فى حجرها لا يبكى و لا يتحرك فلمّا خافت عليه عملت له تابوتا مطبقا قيل وضعته فى تابوت مطلّى بالقارّ من داخل ممهدا له فيه و أغلقته ثم ألقته فى البحر ليلا- قال ابن عباس و غيره فكان لفرعون يومئذ بنت ليس له ولد غيرها و كانت أحب الناس عليه و كان لها كل يوم ثلاث حاجات ترفعها الى فرعون و كان بها برص شديد و كان فرعون قد جمع لها أطباء مصر و السحرة فنظروا فى أمرها فقالوا لها أيتها الملكة لا تبرئى الا من قبل البحر يوجد فيه شبه الإنسان فيؤخذ من ريقه فيطلح به برصها فتبرا من ذلك و ذا يوم كذا و ساعة كذا حين تشرق الشمس- فلما كان يوم الاثنين غدا فرعون الى مجلس كان له على شفير النيل و معه امرأته آسية بنت مزاحم و أقبلت ابنة فرعون فى جواريها حتى جلست على شاطئ النيل مع جواريها حتى تلاعبهن و تنضح الماء على وجوههن إذ اقبل النيل بالتابوت يضربه الأمواج فقال فرعون ان هذا الشي ء فى النيل قد تعلق بالشجرة ايتوني به فابتدروا بالسفن من كل جانب حتى وضعوه بين يديه فعالجوا فتح الباب فلم يقدروا عليه و عالجوا كسره فلم يقدروا عليه فدنت آسية فرات فى جوف التابوت نورا لم يره غيرها فعالجت ففتحت الباب فاذا هى بصبىّ صغير فى مهدة و إذا نور بين عينيه و قد جعل اللّه رزقه فى ابهاميه يمصهما لبنا فالقى اللّه تعالى المحبة لموسى فى قلب آسية و أحبه فرعون و عطف عليه- و أقبلت ابنة فرعون فلمّا اخرجوا الصبىّ من التابوت عمدت بنت فرعون الى ما كان من ريقه فلطخت ببرصها فبرات فقبّلته و ضمته الى صدرها فقالت الغواة لفرعون ايها الملك انا نظنّ ان ذلك المولود الّذى تحذر منه من بنى إسرائيل هو هذا رمى به فى البحر خوفا منك ان تقتله فهمّ فرعون بقتله قالت آسية قرّة عين لّى و لك لا تقتلوه عسى ان ينفعنا او نتّخذه ولدا و كانت لا تلد فاستوهبت موسى من فرعون فوهبه لها و قال فرعون اما انا فلا حاجة لى فيه. قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لو قال يومئذ هو قرة عين لى كما هو لك لهداه اللّه كما هدها فقيل لاسية سميه فقالت سميته موسى لانا وجدناه بين الماء و الشجر؟" فمو" هو الماء- و" سا" هو الشجر .. ٨ فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ اللام للعاقبة تشبها لعاقبة الأمر و مواده بالغرض الباعث على الفعل لتحقق وقوعها لَهُمْ عَدُوًّا يقتل رجالهم وَ حَزَناً يستعبد نساءهم قرا «و خلف- ابو محمد» حمزة و الكسائي بضم الحاء و سكون الزاء و الباقون بفتحهما و هما لغتان فى المصدر و هو هاهنا بمعنى الفاعلي إِنَّ فِرْعَوْنَ وَ وزيره هامانَ وَ جُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ فى كل شى ء فليس بمبدع منهم ان قتلوا الوفا لاجله ثم أخذوه يربونه ليكبر و يفعل بهم ما كانوا يحذرون او المعنى كانوا مذنبين فعاقبهم اللّه تعالى بان ربّى عدوهم على أيديهم فالجملة اعتراض لتأكيد خطاءهم او لبيان الموجب لما ابتلوا به. ٩ وَ قالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ لفرعون عطف على فالتقطه ال فرعون قال وهب بن منبه لما وضع التابوت بين يديه و فتحوه وجدوا فيه موسى فلما نظر اليه قال عبرانى من اهل الأعداء فغاظه ذلك و قال كيف أخطأ هذا الغلام- و كان فرعون قد استنكح امراة من بنى إسرائيل يقال لها آسية بنت مزاحم و كانت من خيار النساء و كانت من بنات الأنبياء و كانت امّا للمساكين ترحمهم و تتصدق عليهم و تعطيهم قالت لفرعون و هى قاعدة الى جنبه هذا الوليد اكبر من ابن سنة و انما أمرت بذبح الولد لهذه السنة فدعه يكن قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَ لَكَ خبر مبتدا محذوف لا تَقْتُلُوهُ خطاب بلفظ الجمع على التعظيم. و روى انها قالت أتانا من ارض اخرى ليس من بنى إسرائيل عَسى أَنْ يَنْفَعَنا علة لقوله تعالى لا تَقْتُلُوهُ فان فيه مخايل اليمن و دلائل النفع و ذلك لما رات من نور بين عينيه و ارتضاعه إبهامه لبنا و برء البرصاء بريقه أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً او نتبناه فانه اهل له فاطاعوها وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ حال من الملتقطين يعنى هم لا يشعرون ان هلاكهم على يديه فاستحياه فرعون فالقى اللّه عليه محبته اخرج ابن جرير عن محمد بن قيس مرفوعا انه قال فرعون قرّة عين لّك لالى و لو قال قرة عين لى كما هو لك لهداه اللّه كما هداها و قال ابن وهب قال ابن عباس لو ان عدو اللّه قال فى موسى كما قالت آسية عسى ان يّنفعنا لنفعه اللّه و لكن ابى للشقاء الذي كتبه اللّه عليه-. ١٠ وَ أَصْبَحَ يعنى صار عطف على قالت امراة فرعون فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً اى خاليا من العقل لشدة الخوف و الحزن حين سمعت وقوعه فى يد فرعون كقوله تعالى وَ أَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ اى خلاء لا عقول فيها و قال اكثر المفسرين اى خاليا من كل شى ء سوى ذكر موسى و همّه و قال الحسن فارغا اى ناسيا للوحى الذي اوحى اللّه إليها حين أمرها ان تلقيه فى البحر وَ لا تَخافِي وَ لا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَ جاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ فجاءه الشيطان و قال كرهت ان يقتل فرعون ولدك فيكون لك اجره و ثوابه و توليت أنت قتله فالقيته فى البحر و أغرقته- فلمّا جاءها الخبر بان فرعون أصابه فى النيل قالت انه وقع فى يد عدوه فانساها عظم البلاء ما كان من عهد اللّه إليها- قلت لعل حزنها لمّا كان الهام الأولياء دليلا ظنيّا فافزعته احتمال الخطاء فى الإلهام و قال ابو عبيدة معناه فارغا من الحزن لعلمها بصدق وعد اللّه تعالى و أنكر القتيبي هذا و قال كيف يكون هذا و اللّه يقول إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ ان مخففة من الثقيلة اسمها ضمير الشأن و اللام فارقة اى انها كادت ليظهر به اى بموسى يعنى بامره انه ابنها من شدة جزعها كما قال عكرمة عن ابن عباس رض انها كادت تقول وا ابناه و قال مقاتل لما رات التابوت يرفعه موج و يضعه اخر خشيت عليه الغرق فكادت تصيح من شفقتها و قال الكلبي كادت تظهر انه ابنها و ذلك حين سمعت الناس يقولون لموسى بعد ما شبّ موسى بن فرعون فشق عليها فكادت تقول هو ابني فقيل معنى الاية وَ أَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً من الحزن حين سمعت ان فرعون تبنّاه فكادت لتبدى به اى بانه ابنها حيث لم تملك نفسها من شدة الفرح و روى ابن جرير و ابن ابى حاتم عن السدىّ انه قالت اخت موسى هل أدلكم الى آخره و جاءت بامها فاخذ موسى ثديها فكادت تقول هو ابني فعصمها اللّه و قال ابو عبيدة معنى الاية أَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً من الخوف و الحزن لقوله تعالى لا تخافي و لا تحزنى و ان كادت لتبدى به يعنى انها لشدة وثوقها بوعد اللّه كادت ان تظهر انه ابنها او تظهر بالوحى إليها بان اللّه وعدني برده الىّ و جعله من المرسلين لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها ظرف لغو متعلق بقوله رَبَطْنا و هى بتأويل المصدر مبتدا خبره محذوف يعنى لو لا ربطنا على قلبها موجود او ظرف مستقر خبر للمبتدا اى لو لا ربطنا ثابت على قلبها يعنى لو لا ربطنا بالصبر على الجزع او على كتمان الفرح على التأويل الاول و الثاني او بالصبر على كتم اسرار اللّه تعالى على تاويل ابى عبيدة و جواب لو لا محذوف ايضا دل عليه ما قبله يعنى لابدت به لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ متعلق بربطنا يعنى ربطنا على قلبها بالصبر على الجزع او على كتم الفرح لتكون من المصدقين بوعد اللّه او متعلق باصبح و المعنى أصبح فؤاد امّ موسى فارغا من الخوف و الحزن لتكون من المؤمنين الموقنين بوعد اللّه و على ما ذكرنا من التأويل اندفع انكار القتيبي على تاويل ابى عبيدة و جملة لو لا ان رّبطنا معترضة حينئذ قال يوسف بن حسين أمرت أم موسى بشيئين و نهيت عن شيئين و بشرت ببشارتين فلم ينفعها الكل حتى تولى اللّه حفظها فربط على قلبها و سكن قلقها الذي وجدت من شدة الحزن او القرح لتكون من المؤمنين الواثقين بوعد اللّه لا بتبنّى فرعون-. ١١ وَ قالَتْ أم موسى عطف على أصبح لِأُخْتِهِ مريم بنت عمران قُصِّيهِ اى اتبعى اثره و تبتغى خبره فَبَصُرَتْ بِهِ عطف على محذوف معطوف على قالت تقديره فقضت فبصرت له عَنْ جُنُبٍ اى عن بعد حال من أحد الضميرين المرفوع او المجرور و فى القصة انها تمشى جانبا و ننظر اختلاسا ترى انها لا تنظر وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ انها أخته و انها ترقبه. ١٢ وَ حَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ عطف على بصرت و المراد بالتحريم المنع التكويني دون التكليفي و المراضع اما جمع مرضع بالضم يعنى منعنا عنه لبن كل مرضعة فلم يرتضع من أحدا هن و اما جمع مرضع بالفتح على انه مصدر ميمى بمعنى الرضاع او ظرف و هو الثدي مِنْ قَبْلُ قصصها قال ابن عباس رض ان امراة فرعون كان همها من الدنيا ان تجد له مرضعة و كانوا كلما أتوا بمرضعة لم تأخذ موسى ثديها حتى راته اخت موسى فى ذلك الحال و فى القصة ان موسى مكث ثمانى ليال لا يقبل ثديا و يصيح فَقالَتْ عطف على حرمنا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ اى لاجلكم صفة لاهل بيت وَ هُمْ لَهُ ناصِحُونَ اى لا يقصرون فى ارضاعه و تربيته و النصح ضد الغش و هو تصفية العمل عن شوب الفساد حال من فاعل يكفلونه قال ابن جريح و السدىّ لمّا قالت اخت موسى و هم له ناصحون أخذوها و قالوا انّك قد عرفت هذا الغلام فدلينا على اهله قالت ما أعرفه و قلت و هم للملك ناصحون كذا اخرج ابن جرير و ابن ابى حاتم عن السدى و قيل انها قالت انما قلت هذا و غبة فى سرور الملك و اتصالنا به و قيل انها لمّا قالت هل أدلكم على اهل بيت قالوا لها من قالت لامى قالوا لامك ابن قالت نعم هارون (و كان هارون ولد فى سنة لا يقتل فيها الوالدان) قالوا صدقت فأتينا به فانطلقت الى أمها فاخبرتها بحال ابنها و جاءت بها إليهم فلمّا وجد موسى ريح امه قبل ثديها و جعل يمصه حتى امتلأ جنباه قال السدىّ كانوا يعطونها اجرة كل يوم دينارا قيل انما أخذتها لانها كانت مال حربى و ذلك قوله عزّ و جلّ. ١٣ فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ عطف على جمل محذوفة معطوفة بعضها على بعض معطوفة على فقالت هل ادلّكم تقديره فقالوا دلّنى فدلت على أمها فقالوا اتى بها فانطلقت فانت بها فوضعوه فى حجرها فارضعته فرضعته فسلموه إليها للارضاع فرددناه الى امه كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها برد موسى إليها وَ لا تَحْزَنَ لفراقه عطف على تقرّ وَ لِتَعْلَمَ أم موسى عطف على لا تخزن أَنَّ وَعْدَ اللّه برده إليها حَقٌّ وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ اى اكثر الناس لا يَعْلَمُونَ ان وعد اللّه حق و لو علموا ذلك لما ارتكبوا منهيات اللّه خوفا من وعيده و ما تركوا أوامره طمعا فى وعده و فيه تعريض على أم موسى لما فرط منها حين جزعت على تأويل أصبح فؤاد امّ موسى فارغا بمعنى خاليا من الصبر و قيل يعنى لا يعلمون بهذا الوعد و لا بان هذه أخته و هذه امه فمكث عندها الى ان فطمته فاتت به الى فرعون فتربى عنده كما قال اللّه تعالى حكاية عنه فى سورة الشعراء أَ لَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً-. ١٤ وَ لَمَّا بَلَغَ موسى أَشُدَّهُ جمع شدة بمعنى القوة كالنعم جمع نعمة يعنى مبلغه الذي لا يزيد اليه نشوه قال الكلبي الأشد ما بين ثمانى عشرة سنة الى ثلاثين سنة و قال مجاهد و غيره ثلاث و ثلاثون سنة وَ اسْتَوى عقله اى بلغ أربعين سنة كذا روى سعيد بن جبير عن ابن عباس و قيل استوى اى انتهى شبابه آتَيْناهُ حُكْماً اى النبوة وَ عِلْماً اى معرفة باللّه و باحكامه قيل ليس المراد به الاستنباء لانه يكون بعد الهجرة فى المراجعة من هذين بل المراد به الفقه و العلم بالشرائع قلت العطف بالواو للجمع المطلق لا دليل فيه على الترتيب فالاستنباء و ان كان بعد الهجرة لكن ذكره هاهنا لبيان انجاز الوعد بتمامه حيث قال إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَ جاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ وَ كَذلِكَ صفة المصدر محذوف تقديره نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ جزاء كذلك اى مثل ذلك الذي جزينا موسى و امه على إحسانهما .. ١٥ وَ دَخَلَ موسى الْمَدِينَةَ عطف على لمّا بلغ أشدّه قال السدىّ هى مدينة مدين من ارض مصر و قال مقاتل كان قرية تدعى خانين على رأس فرسخين من مصر و قيل مدينة عين الشمس و قال المحلى مدينة منف دخله بعد ان غاب عنه مدة عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها و هو وقت القائلة و اشتغال الناس بالقيلولة و قال محمد بن كعب القرظي دخلها فيما بين المغرب و العشاء قال السدى و ذلك ان موسى يسمى ابن فرعون فكان يركب مراكب فرعون و يلبس ملابسه فركب فرعون يوما و ليس عنده موسى فلمّا جاء موسى قيل له ان فرعون قد ركب فركب فى اثره فادركه المقيل بأرض منف قد خلها نصف النهار و ليس فى طرقها أحد. و قال ابن إسحاق كان لموسى شيعة من بنى إسرائيل يستمعون منه و يقتدون به فلمّا عرف ما هو عليه من الحق راى فراق فرعون و قومه فخالفهم فى دينه حتى ذكر ذلك منه و أخافوه و خافوه و كان لا يدخل قرية الا خائفا مستخفيا فدخلها حين غفلة من أهلها- و قال ابن زيد لما عدا موسى فرعون بالعصا فى صغره و أراد فرعون قتله فقالت امراة فرعون هو صغير فترك قتله و امر بإخراجه من مدينته فلم يدخل الا بعد ان كبر و بلغ أشده ف دَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها يعنى حين غفلة عن ذكر موسى من بعد نسائهم خبره و امره لبعد عهدهم به قال البغوي و روى عن على رضى اللّه تعالى فى قوله تعالى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها يوم عيد لهم قد اشتغلوا بلهوهم و لعبهم فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ صفة لرجلين اى يختصمان و يتنازعان هذا مِنْ شِيعَتِهِ يعنى من بنى إسرائيل هذه الجملة مع ما عطف عليها حال من رجلين بترك الواو على طريقة كلمته فوه الى لىّ بتقدير تقديره فوجد رجلين يقال فيهما هذا من شيعته وَ هذا مِنْ عَدُوِّهِ اى من القبط و جاز ان يكون هذا و هذا بدلا من رجلين و قوله من شيعته و من عدوه حال من المشار اليه و العامل فيه معنى الاشارة فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عطف على وجد عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ و الاستغاثة طلب الغوث استغاث الاسرائيلى على الفرعوني فغضب موسى و اشتد غضبه لانه تناوله و هو يعلم منزلة موسى من بنى إسرائيل و حفظه لهم و لا يعلم الناس الا من قبل الرضاعة من أم موسى فقال للفرعونى خل سبيله فقال انما ناخذه ليحمل الحطب الى مطبخ أبيك فتنازعه فقال الفرعوني لقد هممت ان احمله عليك و كان موسى قد اوتى بسطة فى الخلق و شدة القوة و البطش فَوَكَزَهُ مُوسى قرأ ابن مسعود فلكزه موسى و معناهما واحد و هو الضرب بجمع الكف و قيل الوكز الضرب فى الصدر و اللكز فى الظهر و قال الفراء معناهما الدفع و قال ابو عبيدة الوكز الدفع باطراف الأصابع و فى بعض التفاسير عقد موسى ثلاثا و ثمانين فضربه فى صدره فَقَضى عَلَيْهِ اى قتله و دفنه فى الرمل كذا قال المحلى و معناه فرغ من امره فكل شى ء فرغت منه فقد قضيته و قضيت عليه و لم يكن الموسى قتله فندم عليه موسى و قالَ إلخ الجملة مستأنفة هذا اى القتل مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ انما قال ذلك لانه لم يكن مأمورا حينئذ بقتل الكفار او لانه كان مأمونا فيهم فلم يكن له اغتيالهم و هذا لم يكن مناف لعصمته لكونه خطأ و انما عدّ ذلك الأمر من عمل الشيطان و سماه ظلما و استغفر عنه على عادة المقربين فى استعظام محقرات صدرت منهم إِنَّهُ اى الشيطان عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ اى ظاهر العداوة-. ١٦ قالَ جملة مستانفة رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي بقتل نفس من غير أمرك فَاغْفِرْ لِي خطيئتى فَغَفَرَ لَهُ عطف على قال اى غفر اللّه لموسى حقه و لم يكن القبطي معصوم الدم حتى لا يتصو ر المغفرة من غير قصاص او عفو من المقتول او ورثته إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الذنوب عباده الرَّحِيمُ بهم. ١٧ قالَ مستانفة اخرى رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ الباء فى بما أنعمت للقسم و جوابه ما بعده و قوله فلن أكون معطوف على محذوف تقديره اقسم بانعامك علىّ بالنبوة و المغفرة و غير ذلك تبت فلن أكون او الباء متعلق بمحذوف تقديره ربّ اعصمني من الزلات بحق إنعامك علىّ و على هذا قوله فلن أكون جواب للدعاء اى ليكن منك اعصامى فعدم كونى ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ قال ابن عباس اى للكافرين و هذا لو صح لدلّ على ان الاسرائيلى، كان كافرا و هو قول مقاتل و قال قتادة معناه لن أعين بعد هذا على خطيئة و قيل معناه لن أكون معينا لمن أدت معاونته الى جرم-. ١٨ فَأَصْبَحَ موسى فِي الْمَدِينَةِ التي قتل فيها القبطي عطف على فقضى عليه خائِفاً على نفسه يَتَرَقَّبُ الانتقام من ورثة المقتول او يترقب النصر من ربه حالان من فاعل أصبح فَإِذَا للمفاجاة الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ اى يستغيثه مشتق من الصراخ قال ابن عباس اتى فرعون فقيل له ان بنى إسرائيل قتلوا منّا رجلا فخذلنا بحقنا فقال انجوا الى قاتله و من يشهد عليه فلا يستقيم ان يقضى بغير بينة نميناهم يطوفون لا يجدون ثبتا إذ مر موسى من الغد فراى ذلك الاسرائيلى يقاتل فرعونيّا فاستغاثه على الفرعوني فصادف موسى و قد ندم ما كان منه بالأمس من قتل القبطي قالَ لَهُ اى للاسرائيلى مُوسى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ بيّن الغواية حيث تسبّبت قتل رجل بالأمس و تقاتل اليوم رجلا اخر و تستغيثنى و قيل انما قال للفرعونى انّك لغوىّ مبين بظلمك ثم أدرك موسى الرقبة الاسرائيلى لمّا راى ظلم الفرعوني عليه فمديده لبطش الفرعوني. ١٩ فَلَمَّا أَنْ أَرادَ موسى أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما اى لموسى و الاسرائيلى لانه لم يكن على دينهما و لان القبط كانوا اعداء بنى إسرائيل ظن الاسرائيلى انه يريد بطشه لما راى من غصته و سمع قوله انّك لغوىّ مبين قالَ الاسرائيلى يا مُوسى أَ تُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ او قال ذلك القبطي لما توهم من قوله انه الّذى قتل القبطي بالأمس لهذا الاسرائيلى و الاول اظهر إِنْ تُرِيدُ اى ما تريد إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً قتالا بالغضب فِي الْأَرْضِ اى فى ارض مصر حيث تطاول على الناس و لا تنظر العواقب وَ ما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ بين الناس فتدفع التخاصم بالتي هى احسن فلمّا سمع القبطي قول الاسرائيلى أَ تُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ علم ان قاتل القبطي بالأمس كان موسى انطلق الى فرعون و أخبره بذلك فامر فرعون بقتل موسى او سمع الناس مقالاتهم و اشتهر ان موسى قتل القبطي و ارتفع الى فرعون و ملئه فهموا بقتله. ٢٠ وَ جاءَ رَجُلٌ عطف على قال يا موسى قال اكثر اهل التأويل هو حزئيل مومن ال فرعون و قيل اسمه شمعون و قيل سمعا مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ ظرف مستقر صفة لرجل و ليس متعلقا بجاء لان تخصيصها الحقه بالمعارف فصح ان يكون قوله يَسْعى حالا منه يعنى جاء ذلك الرجل يسرع فى مشيه فاخذ طريقا قريبا حتى سبق الى موسى فاخبره و أنذره و قالَ يا موسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ اى يأمر بعضهم بعضا متلبسا ذلك الأمر بِكَ لِيَقْتُلُوكَ اى لكى يقتلوك او يأمر بعضهم بعضا بقتلك و اللام زائدة و قيل معناه يتشاورون بك سمى التشاور ايتمار الان كلا من المتشاورين يأمر الاخر لكى يقتلوا فَاخْرُجْ من المدينة إِنِّي لَكَ متعلق بمحذوف خبر لان يعنى انى نافع لك مِنَ النَّاصِحِينَ خبر ثان و لا يجوز ان يكون لك متعلقا بناصحين لان معمول الصلة لا يتقدم على الموصول و قيل متعلق بناصحين و الكلام محمول على التقديم و التأخير و قيل لك بيان لمبهم كانه قال انّى من النّاصحين ثم أراد ان يبيّن فقال لك اى انصح لك و اللام فيه لتقوية عمل فعل محذوف. ٢١ فَخَرَجَ موسى مِنْها من تلك القرية خائِفاً على نفسه يَتَرَقَّبُ اى ينتظر الطالب من خلفه و قيل يترقب النصر من ربه فان قيل هذه الاية تدل على جواز الخوف للانبياء من غير اللّه سبحانه و قد قال اللّه تعالى فيهم وَ لا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللّه فما التوفيق قلنا الخوف على نفسه من مقتضيات الطبعية لا ينافى النبوة و المراد بقوله تعالى لا يخشون أحدا الّا اللّه انّهم لا يبالون فى إتيان أوامره تعالى و الانتهاء عن مناهيه لحوق مضرة بهم من أحد سوى اللّه تعالى بخلاف سائر الناس فانهم يخشون النّاس كخشية اللّه او أشدّ خشية و إذا أوذي فى اللّه جعل فتنة النّاس كعذاب اللّه قالَ موسى استيناف او حال بتقدير قد من فاعل خرج رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ اى الكافرين يعنى خلصنى منهم و احفظني من لحوقهم و فى القصة ان فرعون بعث فى طلبه حين اخبر بهربه فقال اركبوا بينات الطريق فانه لا يعرف كيف الطريق-. ٢٢ وَ لَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قال الزجاج اى سلك الطريق التي يلقى فيها مدين و هى قرية سميت باسم مدين بن ابراهيم عليه السلام و كان موسى قد خرج بلا ظهر و بلا زاد و كان مدين على مسافة ثمانية ايام من مصر و لم يكن فى سلطنة فرعون و لمّا ظرف فيه معنى الشرط متعلق بقوله قالَ يعنى موسى توكلا على اللّه و حسن ظن به عَسى رَبِّي قرأ نافع «و ابو جعفر- ابو محمد» و ابن كثير و ابو عمرو بالفتح و الباقون بالإسكان أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ و الجملة معطوفة على قال ربّ نجّنى و اضافة سواء الى السبيل اضافة صفة الى موصوفه و المعنى ان يهدينى السبيل السوي الّذى لا زحمة فيه و لم يكن موسى يعرف الطريق إليها فلما قال هذا جاءه ملك بيده عنزة فانطلق به قال المفسرون خرج موسى من مصر و لم يكن معه الأورق الأشجار و البقل حتى يرى خضرته فى بطنه و ما وصل الى مدين حتى وقع خف قدميه. قال ابن عباس رض هو أول ابتلاء من اللّه لموسى عليه السلام .. ٢٣ وَ لَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ اى وصل اليه و هو بئر كانوا يسقون منها مواشيهم وَجَدَ عَلَيْهِ اى على الماء يعنى جانب البئر أُمَّةً اى جماعة كثيرة مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ مواشيهم وَ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ اى فى مكان أسفل من مكانهم امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ حال من امرأتين او صفة لهما ان تمنعان أغنامها عن الماء لئلا تختلط باغنامهم قالَ موسى للمرءتين- ما خَطْبُكُما اى ما شأنكما حيث تمنعان مواشيكما من الماء و الخطب بمعنى الشان كذا فى القاموس قيل هو مصدر بمعنى المفعول يعنى ما مخطوبكما يعنى ما مطلوبكما من هذا المنع قالَتا لا نَسْقِي أغنامنا حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ قرأ ابو جعفر و ابو عمرو و ابن عامر يصدر بفتح الياء و ضم الدال على انه فعل لازم بمعنى يرجع و الباقون بضم الياء و كسر الدال من الافعال يعنى حتى يصرف الرعاء مواشيهم عن الماء حذف المفعول من يسقون و تذودان و لا تسقى لان الغرض هو الفعل دون المفعول الا ترى انه انما رحمهما لانهما كانتا على الزود مع الحاجة الى السقي لاجل ضعفهما و الناس على السقي و لم يرحمهما لان مزودهما غنم و سقيهم ابل و ايضا الغرض بيان ما يدل على عفتهما و احترازهما عن مزاحمة الرجال وَ أَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ السنّ لا يقدر ان يسقى مواشيه و لذلك احتجنا الى سقى المواشي و الجملة حال من فاعل لا نسقى و وجه مطابقة جوابهما سواله انه سالهما عن سبب الذور فقالتا السبب فى ذلك انا امرأتان ضعيفتان مستورتان لا نقدر على مزاحمة الرجال و نستحيى من اختلاطهم فلا بد لنا من الذور و تأخير السقي كيلا يختلط الغنم قال البغوي اختلفوا فى اسم أبيهما فقال مجاهد و الضحاك و السدى و الحسن هو شعيب عليه السلام و قال وهب و سعيد بن جبير هو ثيرون بن أخي شعيب و كان شعيب قد مات قبل ذلك بعد ما كف بصره فدفن بين المقام و الزمزم و قيل رجل ممن أمن بشعيب عليه السلام فلما سمع موسى قولهما رحمهما. ٢٤ فَسَقى لَهُما غنمهما قال ابن عباس زاحم القوم و نحاهم عن رأس البئر فسقى غنم المرأتين و قيل اقتنع موسى صخرة من رأس بئر اخرى كانت بقربها لا يطيق رفعها الا الجماعة من الناس قيل عشرة انفس و يقال انه نزع دلوا واحدا و دعا فيه بالبركة فروى منه جميع الغنم ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ ظل شجرة فجلس فى ظلها من شدة الحرّ و لمّا طال البلاء بموسى انس بالشكوى الى مولاه و لا بأس فى الشكوى إذا كان الى المولى دون غيره فَقالَ موسى رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ قال اهل العلم اللام بمعنى الى يقال فقير له و فقير اليه و المراد بالانزال الإعطاء يقال انزل اللّه تعالى نعمه او نعمته على الخلق اى أعطاهم إياه و ذلك قد يكون بانزال الشي ء نفسه كانزال القران و إنزال المطر و قد يكون بانزال أسبابه و الهداية اليه كما فى قوله تعالى وَ أَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ ... وَ أَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ و أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً. و أنزلت هاهنا صيغة ماض أريد به المستقبل او بمعنى قدرت انزاله الىّ و المعنى انى ما تعطينى او قدرت إعطاءه ايّاى مِنْ خَيْرٍ اى طعام قليل او كثير فَقِيرٌ محتاج «١» سائل يعنى أعطني ما شئت قليلا او كثيرا و لتضمنه معنى السؤال عدى باللام موضع الى قال ابن عباس سال اللّه لقمة يقيم بها صلبه قال الباقر عليه السلام لقد قالها و انه لمحتاج الى شق تمرة و قال سعيد بن جبير عن ابن عباس لقد قال موسى عليه السلام رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ و هو أكرم على اللّه و قد افتقر الى شق تمرة قال مجاهد ما ساله الا الخير و قيل معناه انى لما أنزلت اى بسبب ما أنزلت الىّ من خير اى الدين و الحكمة فقير اى صرت فقيرا فى الدنيا لاجل مخالفة فرعون فى الدين فانه كان فى سعة عند فرعون و الغرض منه اظهار التبهج و الشكر على ذلك- قلت و جاز ان يكون المعنى و انى الى ما أنزلت الىّ من خير اى الدين و الحكمة فقير سائل منك المزيد فيه كانه قال رب زدنى علما. قلت و جاز ان يكون أنزلت مشتقا من النزل بضم النون و الزاء و هو ما يعدّ للنازل من الزاد يقال أنزلت فلانا اى أضفته و المعنى الى فقير محتاج سائل لما تعدلى من الطعام .. (١) و عن عمر بن الخطاب ان موسى لمّا ورد ماء مدين وجد عليه امّة من النّاس يسقون فلمّا فرغوا أعادوا الصخرة على البئر و لا يطيق رفعها الا عشرة رجال فاذا هو بامراتين قال ما خطبكما فحدثناه فاتى الحجر فرفعه وحده ثم استقى فلم يسق الا ذنوبا واحدا حتى رويت الغنم فرجعت المرأتان الى أبيهما فحدثناه و تولى موسى الى الظل و قال رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ الى اخر القصة ١٢ منه بزد اللّه مضجعة. ٢٥ فَجاءَتْهُ عطف على محذوف تقديره فرجعتا الى أبيهما سريعا قبل الناس و اغناهما «احنك البعرين أشدهما أكلا منه رح» حنك بطان فقال لهما أبوهما ما أعجلكما قالتا وجدنا رجلا صالحا رحمنا فسقى أغنامنا فقال لاحدهما اذهبي فادعيه لى فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ الظرف حال من فاعل تمشى و جملة تمشى حال من فاعل جاءت قال البغوي قال عمر بن الخطاب رضى اللّه عنه ليست بسلفع من النساء خرّاجة دلّاجة و لكن جاءت مستترة وضعت كم درعها على وجهها استحياء قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا اخرج ابن عساكر و كذا ذكر البغوي انه قال ابو حازم سلمة بن دينار لما سمع موسى ذلك أراد ان لا يذهب و لكن كان جائعا فلم يجد بدّا من الذهاب فمشت المرأة و مشى موسى خلفها فكانت الريح تضرب ثوبها فتكشف ساقها فكره موسى ان يرى ذلك منها فقال لها امشى خلفى و دلّنى على الطريق ان اخطأت ففعلت كذالك فلمّا دخل على شعيب إذا هو قد تهيّا للعشاء فقال اجلس يا شابّ فتعشّ فقال موسى أعوذ باللّه فقال شعيب و لم ذلك الست بجائع قال بلى و لكن أخاف ان يكون هذا عوضا لما سقيت لهما و انا من اهل بيت لا نطلب على عمل من اعمال الاخرة عوضا من الدنيا فقال شعيب لا و اللّه يا شابّ و لكن عادتى و عادة ابائى نقرئ الضيف و و نطعم الطعام فجلس موسى فاكل قلت قوله تعالى قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا صريح فى انها دعت موسى الى إعطاء الاجر و موسى أجاب دعوتها و مشى معها و لم يكن ذلك بعد ما أراد ان لا يذهب على ما قال ابو حازم فالاية تدل على بطلان هذه القصة فانها تدل على الإنكار بعد الدعوة و ايضا هذه القصة يعارض قول موسى فى قصة الخضر لو شئت لتّخذت عليه اجرا و عن ابى هريرة عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال ما بعث اللّه نبيا إلا رعى الغنم فقال أصحابه و أنت يا رسول اللّه قال كنت أرعى على قراريط لاهل مكة- رواه البخاري و سنذكو قوله صلى اللّه عليه و سلم ان موسى اجر نفسه ثمان سنين او عشرا على عفة فرجه و طعام بطنه- و الحق ان المكروه انما هو أخذ الاجر و اشتراطه على عمل هو عبادة مقصودة بنفسها او شرط لعبادة مقصودة كالاذان و الامامة و تعليم القران لا على ما هو مباح فى نفسه يصير طاعة بنية صالحة و قد أجاز الشافعي أخذ الاجرة على الاذان و نحو ذلك و أجاز المتأخرون من الحنفية أخذ الاجرة على تعليم القران و اللّه اعلم. فَلَمَّا جاءَهُ معطوف على جمل محذوفة تقديره فلما جاءته و قالت ما ذكر جاء موسى شعيبا عليه السلام فلمّا جاءه اى جاء موسى عنده اى عند شعيب حذف المضاف و أقيم المضاف اليه مقامه وَ قَصَّ موسى عليه السلام عَلَيْهِ الْقَصَصَ مصدر بمعنى المفعول فى القاموس قص اثره قصّا و قصصا تتبعه و قص الخبر اعمل معنى الاية اخبر موسى خبره اجمع من قتله القبطي و قصد فرعون قتله قالَ شعيب لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ يعنى من فرعون و قومه و انما قال ذلك لان فرعون لم يكن سلطانه على مدين و جملة نجوت تعليل لقوله لا تخف. ٢٦ قالَتْ إِحْداهُما يعنى التي استدعته يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ اى اتخذه أجيرا ليرعى أغنامنا إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ اى خير من استعملت من قوىّ على العمل وادي الامانة تعليل سائغ تجرى مجرى الدليل على انه حقيق بالاستيجار و للمبالغة فيه جعل خير اسم انّ و ذكر الفعل بلفظ الماضي و ان كان المعنى على الاستقبال للدلالة على انه مجرب معروف- اخبر الخطيب فى تاريخه عن ابى ذر يرفعه انه قال لها أبوها و ما أعلمك بقوته و أمانته قالت اما قوته فانه رفع حجرا من رأس البئر لا يرفعها الا عشرة و قيل أربعون رجلا و اما أمانته فانه قال لى امشى خلفى حتى لا تصف الريح بدنك- روى عن ابن مسعود قال افرس الناس ثلاثة بنت شعيب و صاحب يوسف حيث قال عَسى أَنْ يَنْفَعَنا و ابو بكر رض فى عمر رض حيث جعله خليفة فى حياته. ٢٧ قالَ شعيب عند ذلك إِنِّي «ابو جعفر- ابو محمد» قرا نافع بفتح الياء و الباقون بإسكانها أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ اسمهما صفورة وليّا فى قول شعيب الجبائي و قال ابن إسحاق صفورة و شرقا و قال غيرهما الكبرى صفراء و الصغرى اصغيرا قال وهب بن منبه زوجه الكبرى و ذهب أكثرهم الى انه زوجه الصغرى و اسمها صفورة و هى التي ذهبت لطلب موسى كذا روى البزار و الطبراني من حديث ابى ذر مرفوعا و كذا اخرج البخاري عن انس قال البغوي روى ابو ذر مرفوعا إذا سئلت اىّ الامرأتين انكحها إياه فقل الصغرى منهما و هى التي جاءت فقالت يابت استاجره فتزوج صغراهما عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي اى تأجر نفسك منى و تكون لى أجيرا و قال الفراء ان تجعل ثوابها من تزويجها يقول العرب أجرك يأجرك اى أثابك و المعنى على ان تثيبنى من تزويجها ان ترعى غنمى ثَمانِيَ حِجَجٍ ظرف على التأويلين الأولين و مفعول به على تأويل الفراء بإضمار مضاف و الحجج السنون واحده حجة فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً اى عشر سنين فى رعى الغنم فَمِنْ عِنْدِكَ اى فذلك تفضل من عندك و تبرع و ليس بواجب عليك و هذا استدعاء لعقد النكاح لانفسه إذ لو كان عقدا لقال قد أنكحتك هذه تبعين إحداهما فالظاهر انه جرى بعد ذلك العقد على واحد ة معينة منهما لكن هذه الاية تدل على ان رعى الغنم ثمان سنين جعل تمام المهر او بعضه بانضمام مال اخر معه و يدل عليه ما رواه احمد و ابن ماجة عن عتبة بن المنذر قال كنا عند رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقرأ طسم حتى بلغ قصة موسى فقال ان موسى عليه السلام اجر نفسه ثمان سنين على عفة فرجه و طعام بطنه. (مسئلة):- بهذه الاية و الحديث استدل الفقهاء على انه من نكح امراة على ان يرعى الزوج غنمها جاز حيث ذكر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قصة موسى من غير بيان نفيه فى شريعتنا و به قال ابو حنيفة رحمة اللّه فى رواية ابن سماعة عنه و لا يجوز ذلك عند ابى حنيفة فى رواية الأصل و الجامع وجه قول ابى حنيفة ان الاستدلال بهذه الاية و الحديث المذكور فى هذه المسألة لا يجوز الا إذا ثبت كون العتم ملكا للبنت للاجماع على ان المهر فى شريعتنا يكون للزوجة لا لوليها و الغنم كانت لشعيب عليه السلام فالاجماع دل على ان هذا الحكم كان فى شريعتهم لا فى شريعتنا و قد ذكرنا هذه المسألة فى سورة النساء فى تفسير قوله تعالى وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ ... وَ ما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ بالزام تمام العشرة او المناقشة فى مراعات الأوقات و استيفاء الأعمال- المشقة مشتقة من الشق بمعنى الفرق فان ما يصعب عليك يشق اى يفرق عليك اعتقادك فى اطاقته و رأيك فى مزاولته سَتَجِدُنِي «ابو جعفر- ابو محمد» قرا نافع بفتح الياء و الباقون بإسكانها إِنْ شاءَ اللّه مِنَ الصَّالِحِينَ قال عمر فى حفظ الصحبة و الوفاء بما قلت و هذه الجملة تأكيد لقوله ما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ و المراد بالاشتراط بمشية اللّه فيما وعد من الصلاح الاتكال على توفيقه فيه و معونته و عدم الاتكال على نفسه لا التردد فى الوعد .. ٢٨ قالَ موسى ذلِكَ الشرط ثابت بَيْنِي وَ بَيْنَكَ مما شرطتّ علّى فلك و ما شرطتّ لى من تزويج إحداهما فلى أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ اىّ منصوب بقضيت و ما زائدة مؤكدة للابهام و المعنى اى الأجلين أطولهما او اقصرهما قَضَيْتُ اى وفيتك فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ جزاء لما تضمن ايّما معنى الشرط و الجملة الشرطية بدل من قوله ذلِكَ بَيْنِي وَ بَيْنَكَ يعنى لا تعتدى علّى بطلب الزيادة فكما لا أطالب بالزيادة عند قضاء عشر سنين كذلك لا أطالب بالزيادة عند قضاء ثمان- او فلا أكون معتديا بترك الزيادة عليه كقولك لا اثم علىّ و هو ابلغ فى اثبات الخيرة و تساوى الأجلين فى القضاء من ان يقال ان قضيت الا قصر فلا عدوان على وَ اللّه عَلى ما نَقُولُ من المشارطة وَكِيلٌ قال ابن عباس فيما بينى و بينك و الجملة حال ممّا سبق و الوكيل هو من وكل اليه الأمر و استعمل هاهنا موضع الشاهد و الرقيب و لذلك عدى بعلى و روى شداد بن أوس مرفوعا بكى شعيب النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم حتى عمى فرد اللّه بصره ثم بكى حتى عمى فرد اللّه بصره فقال اللّه ما هذا البكاء ا شوقا الى الجنة أم خوفا من النار فقال لا يا رب و لكن شوقا الى لقائك فاوحى اللّه اليه ان يكن ذلك فهنيئا لك لقائى يا شعيب لذلك اخدمتك موسى- و لمّا تعاقدا هذا العقد بينهما امر شعيب ابنته ان تعطى موسى عصا يدفع بها السباع عن غنمه و اختلفوا فى تلك العصا قال عكرمة خرج بها آدم من الجنة فاخذها جبرئيل بعد موت آدم فكانت معه حتى لقى بها موسى ليلا فدفعها اليه. و قال آخرون كانت من أس الجنة حملها آدم من الجنة فتوارثها الأنبياء و كان لا يأخذها غير نبى الا كلمته فصار من آدم الى نوح ثم الى ابراهيم ثم وصلت الى شعيب و كانت عصا الأنبياء عنده فاعطاها موسى. و قال السدى كانت تلك العصا أودعها ملك فى صورة رجل فامر ابنته ان تأتيه بعصا فاتته بها فلما راها شعيب قال لها ردى هذه العصاء و اتيه بغيرها فالقتها و أرادت ان تأخذ غيرها و لا تقع فى يدها الا هى حتى فعلت ذلك ثلاث مرات فاعطاها موسى فاخرجها موسى معه ثم ان الشيخ ندم و قال كانت وديعة فذهب فى اثره و طلب ان يرد العصا فابى موسى ان يعطيه و قال هى عصاى فرضيا ان يجعلا بينهما أول رجل يلقاهما فاتاهما ملك فى صورة رجل فحكم ان يطرح العصا فمن حملها فهى له فطرح فعالجها ليأخذها فلم يطقها فاخذها موسى فرفعها فتركها له الشيخ- ثم ان موسى لما أتم الاجل و سلّم شعيب ابنته قال موسى للمرءة اطلبى من أبيك ان يجعل لنا بعض الغنم فطلبت من أبيها فقال شعيب لكما كلما ولدت هذا العام على غير شيتها «كل لون يخالف معظم لون الفرس و غيره. منه رح» قيل أراد شعيب ان يجازى موسى على حسن رعيته إكراما له و وصلة لابنته فقال انى قد وهبت لك من الجدايا التي تضع اغنامى هذه السنة كل أبلق و بلقاء فاوحى اللّه الى موسى فى المنام ان اضرب بعصاك الماء الذي فى مسقى الأغنام فضرب بعصاه الماء ثم سقى الأغنام منه فما أخطأت واحد منها الا وضعت حملها ما بين أبلق و بلقاء فعلم شعيب ان ذلك رزق ساقه اللّه عز و جلّ الى موسى فامره فوفى له بشرطه و سلم الأغنام اليه-. ٢٩ فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ اى أتمه و فرغ منه روى البغوي عن سعيد بن جبير قال سالنى يهودى من اهل الحيرة اىّ الأجلين قضى موسى قلت لا أدرى حتى اقدم على خبر العرب فاسئله فقدمت فسالت ابن عباس فقال قضى أكثرهما و اطيبهما ان رسول اللّه إذا قال فعل- قال البغوي روى ابو ذر إذا سئلت اىّ الأجلين قضى موسى فقل خيرهما و أبرهما- رواه البزار و قال مجاهد لما قضى موسى الاجل مكث بعد ذلك عند صهره عشرا اخر فاقام عنده عشرين سنة ثم استأذنه فى العود الى مصر فاذن له فخرج الى مصر وَ سارَ بِأَهْلِهِ حتى إذا بلغ برية قريبا من طور سيناء فى ليلة مظلمة شديدة الشتاء و أخذ امرأته الطلق آنَسَ اى ابصر مِنْ جانِبِ الطُّورِ اى من جهة التي تلى الطور ناراً قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا مكانكم و جمع الضمير ان صح ان لم يكن معه غير امرأته لما كنى عنها بالأهل إِنِّي قرأ نافع و ابن كثير و ابو عمرو بفتح الياء و الباقون باسكانه آنَسْتُ ناراً الجملة فى مقام التعليل لامكثوا لَعَلِّي قرا الكوفيون بإسكان الياء و الباقون بفتحها آتِيكُمْ مِنْها اى من النار لاجل اضاءتها الطريق بِخَبَرٍ الطريق و كان قد أخطأ الطريق أَوْ جَذْوَةٍ قرأ عاصم بفتح الجيم «و خلف- ابو محمد» و حمزة بضمها و الباقون بكسرتها ثلاث لغات قال البغوي قال قتادة و مقاتل هى العود الذي قد احترق بعضها و جمعها جذى و فى القاموس الجذوة مثلثة القبسة من النار و الجمرة مِنَ النَّارِ اى نتخذه من النار و من للابتداء او للتبعيض و قال البيضاوي هى عود غليظ سواء كان فى راسه نارا و لم يكن و لذلك بينه بقوله من النار فمن للبيان لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ اى نستدفؤن بها .. ٣٠ فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ اى جانب الْوادِ الْأَيْمَنِ اى الوادي الذي عن يمين موسى فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ متعلق بنودى يعنى مباركة لموسى حيث كلمه اللّه تعالى هناك و بعثه نبيّا و قال عطاء يريد المقدسة مِنَ الشَّجَرَةِ بدل اشتمال من الشاطئ لانها كانت نابتة على الشاطئ قال ابن مسعود كانت شجرة اخضر تبرق و قال قتادة و مقاتل و الكلبي كانت عوجة و قال وهب من العليق و عن ابن عباس انها العذب أَنْ مفسرة لنودى يا مُوسى إِنِّي قرأ نافع و ابن كثير و ابو عمرو بفتح الياء و الباقون بإسكانها أَنَا اللّه رَبُّ الْعالَمِينَ و قال فى طه انّى انا ربّك و فى النمل انّه انا اللّه العزيز الحكيم و المقصود واحد فهو اما رواية بالمعنى او ذكر اللّه سبحانه فى المحكي بالصفات المذكورة كلها و اقتصر فى الحكاية على بعضها كما اقتصر على بعض ما تكلم به فى كل موضع فانه ذكر فى طه فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً إلخ وَ ما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى و قال فى النمل بورك من فى النّار و من حولها و سبحان إلخ. ٣١ وَ أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها عطف على محذوف تقديره فالقاها فصارت ثعبانا و اهتزت فلمّا راها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ يعنى كانها حية صغيرة فى سرعة حركتها و شدة اضطرابها وَلَّى مُدْبِراً هاربا منها وَ لَمْ يُعَقِّبْ اى لم يرجع فنودى يا مُوسى أَقْبِلْ وَ لا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ عن المخاوف فانّه لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ-. ٣٢ اسْلُكْ اى ادخل يَدَكَ فِي جَيْبِكَ اى جيب قميصك تَخْرُجْ مجزوم فى جواب الأمر بَيْضاءَ حال من المفعول المحذوف لتخرج اى تخرجها بيضاء ذات شعاع مِنْ غَيْرِ سُوءٍ متعلق ببيضاء وَ اضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ قرأ الكوفيون غير حفص و اهل الشام بضم الراء و سكون الهاء و حفص بفتح الراء و سكون الهاء و الباقون بفتحهما و كلها لغات بمعنى الخوف قال عطاء عن ابن عباس امره اللّه ان يضم يده اليه ليذهب عنه الخوف و قال ما من خائف بعد موسى الا إذا وضع يده على صدره زال خوفه و قال مجاهد كل من فزع فضم جناحيه اليه ذهب عنه الفزع و الجناح اليد كلها و قيل العضد و قيل المراد من ضم الجناح السكون و التجلد و الثبات عند انقلاب العصا حية استعارة من حال الطائر فانه إذا خاف نشر جناحيه و إذا أمن و اطمان ضمهما اليه قال البغوي اى اسكن روعك و اخفض عليك جانبك لان من شأن الخائف ان يضطرب قلبه و يرتعد بدنه و مثله قوله تعالى وَ اخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ و قوله تعالى وَ اخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ يريد رفق بهم و قال الفراء أراد بالجناح عصا معناه اضمم إليك عصاك و قيل الرهب الكم بلغة حمير قال الأصمعي سمعت بعض العرب يقول أعطني ما فى رهبك اى ما فى كمك معناه اضمم إليك يدك مخرجا من الكم لانه تناول العصا و يده فى كمه حين قال له اللّه تعالى خُذْها وَ لا تَخَفْ و الظاهر عندى ان هذا عطف تفسيرى لقوله اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ و اضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ اى أدخلها فى جيبك و الغرض من التكرير ترتب الامرين عليه أحدهما التجلد و ضبط النفس و دفع الخوف و اظهار الجراءة و هو المراد بقوله اضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ اى يديك المبسوطتين اللتين تتقى بهما الحية فى جيبك من الرهب اى من أجل دفع الرهب و ثانيهما ظهور معجزة اخرى و هو المراد بقوله تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ و يدل على هذا قوله تعالى فى سورة طه وَ اضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ... آيَةً أُخْرى ... فَذانِكَ اشارة الى العصا و اليد قرا ابن كثير و ابن عمرو بتشديد النون و الباقون بتخفيفها بُرْهانانِ اى حجتان قال فى القاموس البرهان بالضم الحجة و برهن عليه اقام البرهان فهو فعلال و قيل هو فعلان من البرة يقال بره الرجل إذا ابيض و يقال برهاء و برهرهة للمرءة البيضاء و فى القاموس ابره اتى بالبرهان او بالعجائب و غلب الناس مِنْ رَبِّكَ اى كائنان من ربك صفة لبرهانان إِلى فِرْعَوْنَ متعلق بمحذوف اى مرسلا بهما الى فرعون وَ مَلَائِهِ فهو صفة بعد صفة لبرهانان او استيناف متعلق بمحذوف اى اذهب بهما الى فرعون و ملائه إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ فى مقام التعليل اى لانهم كانوا أحقاء بان يرسل إليهم. ٣٣ قالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ ضمير المفعول محذوف اى يقتلونى. ٣٤ وَ أَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً و انما قال لعقدة كانت فى لسانه من وضع الجمرة فى فيه فَأَرْسِلْهُ يعنى هارون مَعِي قرأ حفص بفتح الياء و الباقون بإسكانها رِدْءاً اى معينا يقال اردأته اى أعنته حال من الضمير المنصوب و هو فى الأصل اسم مايعان به كالدف ء. قرا نافع «و ابو جعفر- ابو محمد» بفتح «١» الدال من غير همزة و الباقون بإسكان الدال و الهمزة و حمزة على مذهبه فى الوقف يُصَدِّقُنِي قرأ عاصم و حمزة بالرفع صفة لردا اى ردا مصدقا لى و قرا الآخرون بالجزم على جواب الدعاء و الضمير المرفوع عائد يعنى ان أرسلته معى يصدقنى بتقرير الحجة و ازاحة الشبهة و فصاحة اللسان و قيل المراد تصديق القوم لتقريره و توضيحه لكنه أسند اليه الفعل اسناده الى المسبب و قال مقاتل الضمير المرفوع عائد الى فرعون و المعنى ان أرسلت معى هارون يصدقنى فرعون بحسن تقرير هارون إِنِّي قرأ نافع «و ابو جعفر- ابو محمد» و ابن كثير و ابو عمرو بفتح الياء و الباقون بإسكانها أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ قرأ الجمهور بحذف الياء و أثبتها «و يعقوب فى الحالين- ابو محمد» ورش فى الوصل فقط يكذبونى يعنى فرعون و قومه حيث لا يطاوعنى لسانى عند المحاجة. (١) قرا نافع و ابو جعفر بنقل حركة الهمزة على الدال فنافع وصلا بالتنوين و وقفا بالألف بدل التنوين و ابو جعفر فى الحالين بالألف ١٢ ابو محمد عفا اللّه عنه-. ٣٥ قالَ اللّه تعالى سَنَشُدُّ عَضُدَكَ اى سنقويك فان شدة العضد مستعار للتقوية فان قوة الشخص بشدة اليد على مزاولة الأمور و لذلك يعبر عنه باليد و شدتها بشدة العضد بِأَخِيكَ اى بإرسال أخيك هارون معك و كان هارون يومئذ بمصر وَ نَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً اى غلبة او حجة فَلا يَصِلُونَ اى فرعون و قومه إِلَيْكُما بمكروه بِآياتِنا متعلق بمحذوف اى اذهبا باياتنا او بنجعل يعنى نجعل لكما بايتنا اى بالمعجزات التي نعطيكما سلطانا على الأعداء او بمعنى لا يصلون و المعنى نمتنعون اى فرعون و قومه بايتنا اى بسبب المعجزات او قسم جوابه لا يصلون او بيان للغالبون فى قوله تعالى أَنْتُما وَ مَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ بمعنى انه صلة لما بنيه او صلة له على ان اللام فيه للتعريف لا بمعنى الذي .. ٣٦ فَلَمَّا جاءَهُمْ معطوف على محذوف تقديره فجاء موسى الى فرعون و قومه بالآيات البينات و هى العصا و اليد فلما جاءهم مُوسى بِآياتِنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا اى العصا و نحوه إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرىً اى مختلق لم يفعل قبله مثله او سحر يعمله موسى ثم يفتريه على اللّه او سحر موصوف بالافتراء كسائر انواع السحر وَ ما سَمِعْنا بِهذا السحر او دعاء النبوة فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ كائنا فى ايامهم. ٣٧ وَ قالَ مُوسى رَبِّي قرأ «ابو جعفر- ابو محمد» نافع و ابن كثير و ابو عمرو بفتح الياء و الباقون بإسكانها أَعْلَمُ منكم بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى مِنْ عِنْدِهِ فيعلم انى محق و أنتم مبطلون تجحدون بالحق بعد وضوح الآيات و بعد ما استيقنت به أنفسكم ظلما و علوّا معطوف على قالوا و المراد حكاية القولين حتى ينظر فيهما فيميز الصحيح من الفاسد و قرا ابن كثير قال موسى بغير واو العطف كذلك هو فى مصاحفهم لانه فى جواب كلامهم فهو استيناف فى جواب ما قال موسى فى جواب قولهم وَ مَنْ تَكُونُ قرأ حمزة «و خلف ابو محمد» و الكسائي بالياء التحتانية و الباقون بالتاء الفوقانية لكون المسند اليه مؤنثا غير حقيقى يجوز فيه الأمران لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ عطف على من جاء بالهدى يعنى اعلم بمن تكون له عاقبة محمودة فى الدار الاخرة و قال البيضاوي المراد بالدار الدنيا و عاقبتها الاصلية هى الجنة لان الدنيا خلقت مزرعة للاخرة مجازا إليها و المقصود منها الثواب و العقاب انما قصد بالعرض و قال المحققون العقبى و العاقبة يطلفان على ما يعقب الحسنات من الثواب- و العقاب و العقوبة و المعاقبة يختص بما يعقب السيّئات و يترتب عليها من العذاب قال اللّه تعالى خَيْرٌ ثَواباً وَ خَيْرٌ عُقْباً و قال لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ و فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ و الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ و قال اللّه تعالى فَحَقَّ عِقابِ و قال شديد العقاب و قال وَ إِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ يعنى لا يفوزون بالهدى فى الدنيا و حسن الثواب فى الاخرة. ٣٨ وَ قالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي نفى علمه باله غيره دون وجوده إذ لم يكن عنده ما يقتضى الجزم بعدمه و لذلك قال فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ و هو كان وزير فرعون قال له فاطبخ لى الاجر قيل هو أول من اتخذ الاجر و بنى به عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً قصرا عاليا فان التنكير للتعظيم لَعَلِّي قرأ الكوفيون «و يعقوب- ابو محمد» بإسكان الياء و الباقون بفتحها أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى توهم انه لو كان لكان فى السماء و يمكن الترقي اليه وَ إِنِّي لَأَظُنُّهُ يعنى موسى عليه السلام مِنَ الْكاذِبِين َ فيما يقولون ان للارض و السماء خالقا كان فرعون دهريا لم يعتقد وجوب استناد الممكنات الى الواجب و يزعم انه من كان سلطانا متغلبا كان الها مستحقا للعبادة- قال البغوي قال اهل التفسير جمع هامان العملة و الفعلة حتى اجتمع خمسون الف بناء سوى الاتباع و الاجراء و من يطبخ الاجر و الجص و من ينجر الخشب و يضرب المسامير فرفعوه و شيدوه حتى ارتفع ارتفاعا لم يبلغه بنيان أحد من الخلق أراد اللّه عزّ و جلّ ان يفتنهم فيه فلمّا فرغوا منه ارتقى فرعون و قومه فامر بنشابة «النشاب النبل الواحدة بها- قاموس منه رح» فرمى بها فى السماء فردت اليه و هى متلطخة دما فقال قد قتلت اله موسى و كان فرعون يصعده على البرازين- فبعث اللّه جبرئيل حين غروب الشمس فضربه بجناحه و قطعه ثلاث قطع فوقعت قطعة منها على عسكر فرعون فقتلت منهم الف الف رجل و وقعت قطعة فى البحر و قطعة فى المغرب و لم يبق من عمل بشئ الا هلك .. ٣٩ وَ اسْتَكْبَرَ هُوَ وَ جُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ اى بغير الاستحقاق فان الاستكبار بالحق لمن لا يكون فوقه كبير و لا مثله و لا دونه و ما هو الا اللّه سبحانه خالق كل ما سواه فهو المتكبر على الحقيقة المبالغ فى الكبرياء و من ثم قال اللّه تعالى الكبرياء ردائى و العظمة إزاري فمن نازعنى فى واحد منهما قذفته فى النار رواه احمد و ابو داود و ابن ماجة بسند صحيح عن ابى هريرة و ابن ماجة عن ابن عباس و رواه الحاكم بسند صحيح عن ابى هريرة بلفظ الكبرياء ردائى فمن نازعنى فى ردائى قصمته- و رواه سمويه عن ابى سعد و ابى هريرة بلفظ الكبرياء ردائى و العزّ إزاري فمن نازعنى فى شى ء منهما عذبته وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ قرأ نافع و يعقوب و حمزة و الكسائي بفتح الياء و كسر الجيم على البناء للفاعل من المجرد و الباقون بضم الياء و فتح الجيم على البناء للمفعول من الإرجاع. ٤٠ فَأَخَذْناهُ وَ جُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ اى القيناهم فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ احذر قومك عن مثلها. ٤١ وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً قدوة لاهل الضلال بالحمل على الإضلال او قدوة و رؤساء فى الدنيا بإعطاء المال و الجاه يَدْعُونَ الناس إِلَى النَّارِ الى موجباتها من الكفر و المعاصي جملة يدعون صفة لائمة وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ يعنى لا يدفع أحد عنهم عذاب اللّه تعالى عطف على يدعون. ٤٢ وَ أَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً طردا عن الرحمة او لعن اللاعنين يلعنهم اللّه و الملائكة و المؤمنون عطف على جعلنا وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ متعلق بمقبوحين هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ اى المبعدين الملعونين قال ابو عبيدة من المهلكين و عن ابن عباس من المشوهين لسواد الوجه و زرقة العين يقال قبحه اللّه و كذا يقال شوهه اللّه إذا جعله قبيحا و يقال قبحه قبحا و قبوحا إذا أبعده من كل خير-. ٤٣ وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ التورية جواب قسم محذوف مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا ما مصدرية الْقُرُونَ الْأُولى قوم نوح و هود و صالح و لوط و غيرهم بَصائِرَ لِلنَّاسِ حال من الكتاب اى حال كونه موجبا للبصائر جمع بصيرة و هى نور فى القلوب يبصر به قلوبهم حقائق الأشياء من الواجب و الممكن على ما هى عليه بقدر الطاقة البشرية و يميز الحق من الباطل و الرشد من الغى وَ هُدىً يهتدوا به الى طريق النجاة و ما فيه صلاح المعاش و المعاد وَ رَحْمَةً اى حال كون الكتاب سبيلا لنيل رحمة اللّه ان جعلوا بها او حال كونه مقتضى لرحمة اللّه الازلية عليهم لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ اى لكى يتذكروا او يكونوا على حال يرجى منهم التذكر فان التذكر و الخشية من ثمرات العلم إِنَّما يَخْشَى اللّه مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ-. ٤٤ وَ ما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ من مقام موسى و هو الطور قال قتادة و السدى اى بجانب الجبل الغربي و قال الكلبي بجانب الوادي الغربي عنوا انه ليس من باب اضافة الصفة الى الموصوف بل الموصوف محذوف قال ابن عباس يريد حيث ناجى موسى ربه و الخطاب لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يعنى ما كنت يا محمد حاضرا إِذْ قَضَيْنا اى أوحينا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ بالرسالة الى فرعون و قومه وَ ما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ للوحى اليه او على الوحى اليه و هم السبعون الذين اختاره من قومه لميقات ربه- يعنى اخبارك بقصة موسى اخبار بالغيب لا يمكن الاطلاع عليه الا بالوحى فهو معجزة لك و برهان على دعواك النبوة و لذلك استدرك بقوله. ٤٥ وَ لكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً اى رجالا مقارنين فى كل عصر او اهل قرون بحذف المضاف ان كان القرن بمعنى الزمان فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ يعنى و لكنا أوحينا إليك لبعد الفترة و اندراس العلوم و تغير الشرائع و الاضطراب و التعارض فى الاخبار لما انا انشأنا قرونا مختلفة بعد موسى فتطاولت عليهم المدد و وقع التكاذب و التخالف فيما بينهم فحذف المستدرك و أقيم سببه مقامه- و قال البغوي ان اللّه قد عهد الى موسى و قومه عهودا فى محمّد صلى اللّه عليه و سلم و الايمان به فلما طال عليهم العمر و خلقت القرون بعد القرون نسوا تلك العهود و تركوا الوفاء بها فمعنى الاية ما كنت حاضرا حين عهدنا الى موسى فى أمرك و لم يكن ذلك باستدعائك و لكنا فعلنا ذلك تفضلا ابتدائيّا حسما لاعتذار من خالفك إذا نشأنا قرونا فتطاول عليهم نظيره قوله تعالى وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ الى قوله أَنْ تَقُولُوا ... إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ وَ ما كُنْتَ ثاوِياً اى مقيما فِي أَهْلِ مَدْيَنَ كمقام موسى و شعيب فيهم تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا تذكرهم بالوعد و الوعيد خبر ثان لكنت او حال من الضمير فى ثاويا قال مقاتل يعنى لم تشهد فى اهل مدين فتقرأ على اهل مكة خبرهم وَ لكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ إياك الى اهل مكة و سائر الناس بالمعجزات و اخبار المغيبات و لو لا ذلك لما تلوت قصصهم على هؤلاء. ٤٦ وَ ما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ اى بناحية الجبل الذي كلم اللّه عليه موسى إِذْ نادَيْنا موسى ان خذ الكتاب بقوّة فالمراد بهذا وقت إعطائه التوراة و بالأول وقت استنبائه و قال وهب قال موسى يا رب أرني محمدا صلى اللّه عليه و سلم قال انك لن تصل الى ذلك و ان شئت ناديت أمته و أسمعتك صوقهم قال نعم يا رب قال اللّه تعالى يا امة محمد فاجابوا من أصلاب ابائهم و قال ابو زرعة بن عمرو بن جرير نادى يا امة محمد ص قد أجبتكم قبل ان تدعونى و أعطيتكم قبل ان تسئلونى و روى عن ابن عباس قال اللّه تعالى يا امة محمد فاجابوا من أصلاب الآباء و أرحام الأمهات لبيك اللّهم لبيك ان الحمد و النعمة لك و الملك لك لا شريك لك قال اللّه تعالى يا امة احمد ان رحمتى سبقت غضبى و عفوى عقابى قد أعطيتكم من قبل ان تسئلونى و قد أجبتكم من قبل ان تدعونى و قد غفرت لكم من قبل ان تعصونى من جاء يوم القيامة بشهادة ان لا اله الّا اللّه و ان محمدا عبدى و رسولى دخل الجنة و ان كان ذنوبه اكثر من زبد البحر وَ لكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ اى لكن رحمناك رحمة من ربّك بإرسالك و الوحى إليك و اطلاعك على المغيبات او أرسلناك او علمناك رحمة من ربك لِتُنْذِرَ متعلق بمحذوف و هو الفعل الناصب لقوله تعالى رحمة يعنى رحمناك و أرسلناك او علمنك لتنذر قَوْماً ما أَتاهُمْ صفة لقوم مِنْ نَذِيرٍ فاعل أتاهم بزيادة من مِنْ قَبْلِكَ و المراد بالقوم اهل مكة لم يبعث نبى بمكة بعد إسماعيل عليه السلام و كانت دعوة موسى و عيسى و غيرهما فى بنى إسرائيل لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ اى لكى يتذكروا و يتعظوا متعلق بقوله لتنذر. ٤٧ وَ لَوْ لا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ اى عقوبة و نقمة بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ اى بسبب ما أتوا به من الكفر و المعاصي و لما كان اكثر الأعمال بتزاول الأيدي نسبت الأعمال الى الأيدي تغليبا و ان كان بعضها من افعال القلوب فَيَقُولُوا منصوب لكونه معطوفا على تصيبهم و العطف بالفاء للسببية المنبهة بان يكون سببا لانتفاء ما يجاب به لو لا الامتناعية و انه لا يصدر عنهم هذا القول الا بعد ما أصابهم العقوبة رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ منصوب فى جواب لو لا التحضيضية تشبيها له بالأمر تقديره هلا كان منك إرسال رسول إلينا فاتباعا منا آياتِكَ وَ نَكُونَ عطف على نتبع مِنَ الْمُؤْمِنِينَ و جواب لو لا الامتناعية محذوفة و المعنى لو لا قولهم إذا أصابتهم عقوبة بسبب كفرهم و معاصيهم ربّنا هلّا أرسلت إلينا رسولا يبلغنا آياتك فنتبعها و نكون من المصدقين لما بعثناك إليهم رسولا و عاقبناهم بكفرهم من غير إنذار سابق على العقاب و لكن بعثناك إليهم قطعا لاعتذارهم و إلزاما للحجة عليهم نظير قوله تعالى لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّه حُجَّةٌ بعد الرّسل. ٤٨ فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ يعنى القران او محمدا صلى اللّه عليه و اله و سلم رسولا مصدقا بالكتاب المعجز مِنْ عِنْدِنا قالُوا يعنى كفار مكة تعنتا و اقتراحا لَوْ لا هلا أُوتِيَ محمّد صلى اللّه عليه و سلم مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى من الآيات كالعصا و اليد البيضا او الكتاب جملة واحدة و هذه الجملة معطوفة على مضمون جملة سابقة و لكن بعثناك إليهم قطعا لاعتذارهم و إلزاما للحجة فلمّا جاءهم الحق إلخ أَ وَ لَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ القران الاستفهام للانكار و انكار النفي اثبات و الواو للعطف على محذوف تقديره الم يكذبوا موسى و لم يكفروا بما اوتى موسى يعنى قد كذّبوا موسى و كفروا بما اوتى موسى من قبل هذا فكيف يطلبون منك مثل ما اوتى موسى يعنى ان أبناء جنسهم فى الرأى و المذهب و هم كفرة زمان موسى كفروا بما اوتى موسى و قال الكلبي لما دعا النبي صلى اللّه عليه و سلم اهل مكة الى الإسلام بعثوا رجالا الى أحبار اليهود بالمدينة فسالوهم عن امر محمد صلى اللّه عليه و سلم فاخبروهم ان نعته فى كتابهم التورية فرجعوا فاخبروهم بقول اليهود فكفروا يعنى اهل مكة بموسى و بما اوتى به قالوا ساحران كذا قرا اهل الحجاز و البصرة و الشام على وزن اسم الفاعل يعنون محمدا و موسى صلى اللّه عليهما و سلم و قرا الكوفيون سِحْرانِ بكسر السين و اسكان الحاء على المصدر على حذف المضاف او جعلهما سحرين مبالغة او عنوا بالسحرين التوراة و الفرقان و على قول غير الكلبي قالوا يعنى كفرة زمان موسى ساحران يعنون موسى و هارون تَظاهَرا اى تعاونا يعنى محمدا و موسى بتوافق الكتابين او موسى و هارون وَ قالُوا اى كفار مكة او كفار زمن معسى إِنَّا بِكُلٍّ اى بكل منهما او بكل واحد من الأنبياء كافِرُونَ و الظاهر قول الكلبي على ما يقتضيه السياق و بدليل قوله تعالى-. ٤٩ قُلْ يا محمد فَأْتُوا يا اهل مكة و الفاء فى جواب شرط مقدر يعنى ان كفرتم بالكتابين القران و التورية و قلتم انهما سحران فأتوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللّه هُوَ أَهْدى مِنْهُما اى مما اوتى محمد و موسى من القران و التورية و اضمارهما لدلالة المعنى أَتَّبِعْهُ مجزوم فى جواب الأمر يعنى ان تأتوا باهدى منهما أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فى دعواكم انهما سحران و من جاءا بهما ساحران و جواب الشرط محذوف دلّ عليه ما قبله اعنى فأتوا و هذا من الشروط التي يراد بها الإلزام و التبكيت و مجئى حرف الشك التهكم بهم. ٥٠ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ دعاءك الى الإتيان بالكتاب الاهدى حذف المفعول للعلم به و لان فعل الاستجابة يعدى بنفسه الى الدعاء و باللام الى الداعي فاذا عدى اليه حذف الدعاء غالبا و المعنى انه ان لم يأتوا بكتاب اهدى فَاعْلَمْ انهم الزموا و لم يبق لهم حجة و أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ إذ لو اتبعوا حجة لا توابها عند الحاجة إليها وَ مَنْ أَضَلُّ يعنى لا أحد أضل مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللّه فى موضع حال للتوكيد او التقييد فان هواء النفس قد يوافق الحق إذا كمل ايمان المرء قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا يومن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به- رواه البغوي فى شرح السنة عن عبد اللّه بن عمرو و قال النووي حديث صحيح إِنَّ اللّه لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ الذين ظلموا أنفسهم بالانهماك فى اتباع الهوى-. ٥١ وَ لَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ قال الفراء يعنى أنزلنا آيات القران يتبع بعضها بعضا قال البيضاوي يعنى فى الانزال ليتصل التذكير او فى النظم ليتقرر الدعوة بالحجة و المواعظ بالمواعيد و النصائح بالعبر قال فى المدارك التوصيل تكثير الوصل و تكريره و قال ابن عباس معناه بيّنا قلت يعنى بيّن بعض الكتاب ببعض و قال قتادة وصّل لهم القول فى هذا القران كيف صنع بمن مضى و قال مقاتل بيّنا لكفار مكة بما فى القران من اخبار الأمم الماضية كيف عذبوا بتكذيبهم و قال ابن زيد وصّلنا لهم خبر الدنيا بخبر الاخرة حتى كانهم عاينوا الاخرة فى الدنيا لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ اى لكى يتذكرون متعلق بوصّلنا. اخرج ابن جرير و الطبراني عن رفاعة القرظي قال نزلت وَ لَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ فى عشرة انا أحدهم- و اخرج ابن جرير عن على بن رفاعة قال خرج عشرة رهط من اهل الكتاب منهم رفاعة يعنى أباه الى النبي صلى اللّه عليه و سلم فامنوا قاوذوا فنزلت. ٥٢ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ اى من قبل محمد صلى اللّه عليه و سلم و قيل من قبل القران هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ اخرج ابن جرير عن قتادة قال كنا نحدث انها نزلت فى أناس من اهل الكتاب كانوا على الحق حتى بعث اللّه محمدا صلى اللّه عليه و سلم فامنوا به منهم عثمان و عبد اللّه بن سلام رض و كذا ذكر البغوي و كذا اخرج ابن مردويه عن ابن عباس و اخرج الطبراني فى الأوسط عن ابن عباس ان أربعين من اصحاب النجاشي قدموا فشهدوا وقعة خيبر فكانت فيهم جراحات و لم يقتل منهم- فلمّا راوا ما بالمؤمنين من الحاجة قالوا يا رسول اللّه انّا اهل ميسرة فائذن لنا نجئى باموالنا نواسى بها المسلمين فانزل اللّه فيهم الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ- و اخرج ابن ابى حاتم عن سعيد بن جبير قال لما اتى جعفر و أصحابه النجاشي أنزلهم و احسن إليهم فلما أرادوا ان يرجعوا قال من أمن من اهل مملكته ايذن لنا فلنخدم هؤلاء فى البحر و نأتى هذا النبي فنحدث به عهدا فانطلقوا و قدموا على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فشهدوا معه أحدا و حنينا و خيبر و لم يصب أحد منهم فقالوا للنبى صلى اللّه عليه و سلم ايذن لنا فلنأت ارضنا فان لنا أموالا فتجئ بها فننفقها على المهاجرين فانّا نرى بهم جهدا فاذن لهم فانطلقوا فجاءوا باموالهم و أنفقوها على المهاجرين فانزل اللّه فيهم الاية- و ذكر البغوي عن سعيد بن جبير نحوه قال فانزل اللّه فيهم الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ الى قوله وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ و ذكر البغوي عن ابن عباس ان الاية نزلت فى ثمانين من اهل الكتاب أربعون من نجران و اثنان و ثلاثون من الحبشة و ثمانية من الشام- ثم وصفهم اللّه تعالى فقال. ٥٣ وَ إِذا يُتْلى يعنى القران عَلَيْهِمْ الظرف متعلق بقوله قالُوا آمَنَّا بِهِ اى بانه كلام اللّه عطف على يؤمنون إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا استيناف لما أوجب إيمانه إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ اى من قبل نزوله مُسْلِمِينَ مخلصين للّه فى التوحيد مؤمنين بمحمد صلى اللّه عليه و سلم انه نبى و ذلك لما بشر به عيسى عليه السلام حيث قال مُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ و كان ذكره فى التورية و الإنجيل. و هذا استيناف اخر للدلالة على ان ايمانهم به ليس مما أحدثوه حينئذ و انما هو امر تقادم عهده و جاز ان يكون هذه الجملة بيان لقوله آمَنَّا فانه يحتمل البعيد و القريب و بهذه الآية حمل على البعيد و اندفع احتمال القريب .. ٥٤ أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ مرة على ايمانهم بكتابهم و بالقران قبل نزوله بشهادة نبيهم و كتابهم و مرة على ايمانهم بالقران بعد نزوله بِما صَبَرُوا اى بصبرهم و بقائهم على الايمان بالقران بعد نزوله كما كان قبل نزوله بخلاف غيرهم من اهل الكتاب الذين كانوا يؤمنون به قبل نزوله و يستفتحون به على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به حسدا و لم يصبروا على الايمان روى الشيخان فى الصحيحين عن ابى موسى الأشعري رضى اللّه عنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ثلاثة لهم أجران رجل من اهل الكتاب أمن بنبيه و أمن بمحمد و العبد المملوك إذا ادى حق اللّه و حق مواليه و رجل كانت عنده امة يطاها فادّبها فاحسن تأديبها و علمها فاحسن تعليمها ثم أعتقها فتزوجها فله أجران وَ يَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ قال ابن عباس يدفعون بشهادة ان لا اله الا اللّه الشرك و قال مقاتل يدفعون ما سمعوا من الأذى و الشتم من المشركين بالصفح و العفو قلت و جاز ان يقال يدفعون عداوة من عاداهم بالإحسان إليهم فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ و قيل معناه يدفعون بالطاعة المعصية قال اللّه تعالى إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اتبع الحسنة السيئة يمحها وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ فى سبيل الخير. ٥٥ وَ إِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ اى القبي ح من القول أَعْرَضُوا عَنْهُ قال البغوي كان المشركون يسبون مؤمنى اهل الكتاب و يقولون (تبّا لكم) تركتم دينكم فيعرضون عنهم و لا يردون عليهم وَ قالُوا لَنا أَعْمالُنا وَ لَكُمْ أَعْمالُكُمْ اى لنا ديننا و لكم دينكم سَلامٌ عَلَيْكُمْ ليس المراد التحيّة و لكنه سلام المتاركة معناه سلمتم منا لا نردكم بالشتم و القبيح لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ اى لا نطلب دين الجاهلين و لا نجب دينكم الذي أنتم عليه قيل معناه لا نطلب صحبة الجاهلين و قيل معناه لا نريد ان نكون من الجاهلين يعنون انه ان صدر منا شتمكم و سبّكم فى مقابلة ما صدر منكم شتمنا فنكون حينئذ مثلكم و نحن لا نريد ذلك نعوذ باللّه ان نكون من الجاهلين و الجملة الشرطية اعنى إذا سمعوا اللّغو الى آخره معطوف على قوله وَ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قال البغوي و هذا كان قبل ان يؤمر المسلمون بالقتال قلت و هذا القول من البغوي لا يطابق ما ذكر من سبب نزول الاية فان الاية نزلت امّا فى عبد اللّه بن سلام و أصحابه و كان إسلامهم بعد الهجرة و اما فى اصحاب النجاشي حين قدموا مع جعفر بن ابى طالب و ذلك فى غزوة خيبر سنة ست من الهجرة و اما فى أربعين من اهل نجران و ثمانية من اهل الشام و كل ذلك كان بعد الهجرة بعد ما أمرنا بالقتال و اللّه اعلم- اخرج مسلم و غيره عن ابى هريرة قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم لعمه ابى طالب قل لا اله الا اللّه اشهد لك يوم القيامة قال لو لا تعير فى نساء قريش يقلن انه حمله على ذلك الجزع لا قررت بها عينك فانزل اللّه تعالى. ٥٦ إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ هدايته او من أحببته لقرابته وَ لكِنَّ اللّه يَهْدِي مَنْ يَشاءُ هدايته وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ قال مجاهد و مقاتل بمن قدر له الهدى و اخرج النسائي و ابن عساكر فى تاريخ دمشق بسند جيد عن ابى سعيد بن رافع قال سالت ابن عمر عن هذه الاية إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ فى ابى جهل و ابى طالب قال نعم و اخرج الشيخان و النسائي و ابن جرير و ابن المنذر و ابن ابى حاتم و ابو الشيخ و ابن مردوية و البيهقي من حديث سعيد بن المسيب عن أبيه قال حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فوجد عنده أبا جهل و عبد اللّه بن ابى امية بن المشيرة فقال اى عم قل لا اله الا اللّه كلمة أحاجّ لك بها عند اللّه فقال ابو جهل و عبد اللّه بن ابى امية أ ترغب عن ملة عبد المطلب فلم يزل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يعرضها عليه و يعيد انه بتلك المقالة حتى قال ابو طالب اخر ما كلمهم على ملة عبد المطلب و ابى ان يقول لا اله الا اللّه قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لاستغفرن لك ما لم انه عنك فانزل اللّه ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ الاية و انزل اللّه فى ابى طالب إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَ لكِنَّ اللّه يَهْدِي مَنْ يَشاءُ. اخرج ابن جرير من طريق العوفى عن ابن عباس ان أناسا من قريش قالوا للنبى صلى اللّه عليه و سلم ان نتبعك يتخطفنا الناس فانزل اللّه. ٥٧ وَ قالُوا يعنى اهل مكه عطف على قالُوا لَوْ لا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى و ما بينها اعتراضات إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا قال البغوي نزلت فى الحارث بن عثمان بن نوفل بن عبد مناف انه قال للنبى صلى اللّه عليه و سلم انا لنعلم ان الّذى تقول حق و لكنا ان اتبعناك خفنا ان تخرجنا العرب من ارض مكة و هو معنى قوله نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا- كذا اخرج النسائي و ابن المنذر عن ابن عباس و اخرج النسائي عن ابن عباس ان الحارث بن عامر بن نوفل الّذى قال ذلك و الاختطاف الانتزاع بسرعة فرد اللّه عليهم ذلك و قال أَ وَ لَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ الاستفهام للانكار و الواو للعطف على محذوف تقديره الم نسكنهم بمكة و لم نمكّن لّهم حَرَماً آمِناً و ذلك ان العرب فى الجاهلية كان يغير بعضهم على بعض و يقتل بعضهم بعضا و كان اهل مكة امنون حيث كانوا لحرمة الحرم و من المعروف انه كان يأمن فيه الظباء من الدّياب و الحمام من الحداة يُجْبى إِلَيْهِ قرأ نافع و يعقوب «و ابو جعفر ابو محمد» بالتاء الفوقانية لاجل الثمرات و الباقون بالياء التحتانية للحائل بين الاسم المؤنث و الفعل و لان التأنيث غير حقيقى اى يجلب و يجمع اليه ثَمَراتُ كُلِّ شَيْ ءٍ من كل جانب رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا فاذا كان هذا حالهم و هم عبدة الا يوثان فكيف يعرضهم للتخويف و التخطف إذا ضموا الى حرمة البيت حرمة التوحيد وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ جهلة لا يَعْلَمُونَ لا يتفطنون له و لا يتفكرون ليعلموا و قيل انه متعلق بقوله مِنْ لَدُنَّا اى قليل منهم يتدبرون فيعلمون ان ذلك رزق من عند اللّه إذ لو علموا لما خافوا غيره و انتصاب رزقا على المصدر من معنى يجبى فان معناه يرزق رزقا او على الحال من الثمرات لتخصيصها بالاضافة ثم بيّن ان الأمر بالعكس فان الواجب ان يخافوا من بأس اللّه على ما هو عليه من الكفر و المعاصي بقوله. ٥٨ وَ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ اى من اهل قرية كانت حالهم كحالكم بَطِرَتْ اى أشرت و طغت و صفت القرية بوصف أهلها يعنى طغى أهلها بنعم اللّه و لم يشكروها قال عطاء عاشوا فى البطر فاكلوا رزق اللّه و عصوه و عبدوا الأصنام مَعِيشَتَها منصوب على الظرفية يعنى طغت مدة معيشتها فدمّر اللّه و خرّب ديارهم فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ خربة و هى حجر و قرى قوم لوط تعليل لما سبق من إهلاك القرى لَمْ تُسْكَنْ حال من مساكنهم و العامل فيه معنى الاشارة مِنْ بَعْدِهِمْ اى بعد ما اهلكوا إِلَّا قَلِيلًا منصوب على المصدرية او الظرفية يعنى الا سكونا قليلا او زمانا قليلا قال ابن عباس لم يسكنها الا مسافرا و مار طريقا يوما او ساعة و قيل معناه لم يبق من يسكنها الا قليلا من شوم معاصيهم وَ كُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ إذ لم يخلفهم أحد يتصرف بصرفهم فى ديارهم و سائر متصرفاتهم. ٥٩ وَ ما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ اى لم يكن عادته إهلاك الْقُرى الكافر حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها يعنى أكبرها و أعظمها رَسُولًا ينذرهم خص الأعظم ببعثة الرسل فيها لان الرسل يبعث الى الاشراف فان الاتباع يتبعهم فى الايمان و الكفر. و من أجل ذلك كتب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الى هرقل اسلم تسلم و الا فعليك اثم الأريسين و الاشراف يسكنون المدائن و المواضع التي هى أم ما حولها يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا قال مقاتل يخبرهم ان العذاب نازل بهم ان لم يؤمنوا فيه التفات من الغيبة الى الخطاب وَ ما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلَّا وَ أَهْلُها ظالِمُونَ بتكذيب الرسل و العتو بالكفر. ٦٠ وَ ما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ من زخارف الدنيا فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ زِينَتُها تتمتعون و تتزينون بها مدة حياتكم المنقضية وَ ما عِنْدَ اللّه من الجنة و مراتب قربه تعالى خَيْرٌ فى نفسه من ذلك لانه لذة خالصة و بهجة كاملة وَ أَبْقى لانه أبدى أَ فَلا تَعْقِلُونَ الاستفهام للانكار و الفاء للعطف و التعقيب على محذوف تقديره الا تتفكرون فلا تعقلون. ٦١ أَ فَمَنْ وَعَدْناهُ عطف على قوله وَ ما عِنْدَ اللّه خَيْرٌ وَ أَبْقى و الهمزة لانكار تعقيب المعطوف للمعطوف عليه يعنى ابعد هذا التفاوت الجلى جعلتم من وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً اى بالجنة فان حسن الوعد بحسن الموعود فَهُوَ لاقِيهِ اى مدركه لا محالة لامتناع الخلف فى وعد اللّه سبحانه و لذلك عطف بالفاء المفيدة للسببية كَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا المشوب بالآلام المكدر بالمتاعب المستعقب للتحسر على الانقطاع ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ للحساب او العذاب و ثم للتراخى فى الزمان او الرتبة قرا نافع «١» و ابن عامر فى رواية و الكسائي ثمّ هو بسكون الهاء تشبيها للمنفصل بالمتصل قال قتادة يعنى المؤمن و الكافر لا يستويان بل المؤمن احسن حالا قال البغوي و كذا اخرج ابن جرير انه قال مجاهد نزلت فى النبي صلى اللّه عليه و سلم و ابى جهل. و اخرج من وجعه اخر عنه انها نزلت فى حمزة و ابى جهل و قال البغوي قال مقاتل و محمد بن كعب نزلت فى حمزة او على و فى ابى أجهل و قيل نزلت فى عمار و وليد بن المغيرة. (١) و الصحيح قرا قالون عن نافع و الكسائي و ابو جعفر بخلف عنه ثمّ هو بسكون الهاء إلخ ابو محمد عفا اللّه عنه. ٦٢ وَ يَوْمَ يُنادِيهِمْ عطف على يوم القيامة او منصوب باذكر فَيَقُولُ اللّه سبحانه للمشركين أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ اى تزعمونهم فى الدنيا شركائى حذف مفعولى تزعمون لدلالة الكلام عليه قلت لعل المراد بالشركاء رؤساء الكفرة الذين ترك الاتباع عبادة اللّه و اختاروا عبادتهم و اتباعهم و تسميتهم شركاء على سبيل الاستهزاء. ٦٣ قالَ الَّذِينَ حَقَّ اى وجب عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ لوجوب مقتضاه و المراد بالقول لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ و غيره من آيات الوعيد يعنى قال رؤساء الكفار رَبَّنا هؤُلاءِ اى الاتباع مبتدا خبره الَّذِينَ أَغْوَيْنا الضمير المنصوب العائد الى الموصول محذوف يعنى أغويناهم أَغْوَيْناهُمْ فغووا كَما غَوَيْنا الكاف صفة لمصدر فعل محذوف دل عليه أغويناهم تقديره فغووا غيّا كما غوينا اى مثل ما غوينا و هو استيناف للدلالة على انهم غووا باختيارهم مثل ما غوينا باختيارنا و انا لم نفعل بهم الا وسوسة و تسويلا و تسويلنا و ان كان داعيا لهم الى الكفر فقد كان دعاء اللّه تعالى لهم باقامة الحجج و بعث الرسل و إنزال الكتب اولى بالاتباع من تسويلنا و هذا كقوله تعالى وَ قالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الاية و يجوز ان يكون الموصول صفة و أغويناهم الخبر لاجل ما اتصل به من المقدر و الملفوظ أعتى فغووا كما غوينا فافاد زيادة على الصفة و هو و ان كان فضلة لكنه صار من اللوازم تَبَرَّأْنا منهم و مما اختاروا من الكفر هوى منهم إِلَيْكَ متعلق بتبرّأنا بتضمين معنى التوجه يعنى تبرأنا منهم متوجهين إليك ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ اى ما كانوا يعبدوننا بل كانوا يعبدون أهواءهم و قيل ما مصدرية متصلة بتبرأنا اى تبرأنا من عبادتهم إيانا. ٦٤ وَ قِيلَ يعنى للكفار عطف على قالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ ... ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ لتخلصكم من العذاب و المراد بالشركاء هاهنا الأصنام و نحوها المعبودون بالباطل فَدَعَوْهُمْ من فرط الحيرة او لاجل ما كانوا يزعمون انهم يشفعون عند اللّه فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ لعجزهم عن الاجابة و النصرة وَ رَأَوُا يعنى الكفار الْعَذابَ لانفسهم و لالهتهم لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ جواب لو محذوف تقديره لو انهم يهتدون فى الدنيا لم يروا العذاب و الأظهر ان لو للتمنى اى تمنوا انهم كانوا مهتدين. ٦٥ وَ يَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ ما ذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ عطف على الاول فانه تعالى يسئلهم اولا سوال توبيخ عن اشراكهم و ثانيا عن تكذيبهم الرسل. ٦٦ فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ اى فصارت الانباء عليهم كالعميان لا يهتدى إليهم و أصله فعموا عن الألباء ا لكنه عكس مبالغة و دلالة على ان ما يحضر الدهر انما يغيض و يرد عليه من خارج فاذا أخطأه لم يكن حيلة الى استحضاره و المراد بالانباء الاعذار فى تكذيب الرسل و قال مجاهد الحجج و المعنى انهم لا يجيبون بشئ و لا يأتون بحجة أم لم يكن عندهم حجة يَوْمَئِذٍ تأكيد لقوله يَوْمَ يُنادِيهِمْ قال البيضاوي و إذا كانت الرسل ينتعنون فى الجواب عن مثل ذلك من الهول و يفوضون الى علم اللّه تعالى فما ظنك بالكفار و تعدية الفعل بعلى لتضمنه معنى الخفاء فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ اى لا يسئل بعضهم بعضا عن الجواب لفرط الدهشة او العلم بانه مثله. ٦٧ فَأَمَّا مَنْ تابَ من الشرك وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً اى جمع بين الايمان و العمل الصالح فَعَسى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ عند اللّه و عسى تحقيق على عادة الكرام او ترجى من النائب و المعنى فليتوقع للفلاح .. ٦٨ وَ رَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَ يَخْتارُ من يشاء لما يشاء فاختار محمدا صلى اللّه عليه و سلم للنبوة من بين سائر الناس قال البغوي نزلت جوابا للمشركين حين قالوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ يعنون الوليد بن المغيرة و عروة بن مسعود الثقفي ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ الخيرة اسم من الاختيار قائم مقام المصدر و يطلق بمعنى المفعول ايضا يقال محمد خيرة اللّه من خلقه و معنى الاية ليس للعباد الاختيار فى ذلك حتى يقولوا لو لا أرسل إلينا فلان فهذا بمنزلة التأكيد نما سبق و لذلك خلا من العاطف و يؤيده سياق القصة انها نزلت جوابا لما قال المشركون و يناسبه قوله تعالى سُبْحانَ اللّه اى تنزيها له ان ينازعه أحدا و يزاحم اختياره اختيار غيره وَ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ اى عن اشراكهم او مشاركة ما يشركونه به و قيل ما فى قوله ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ موصولة فى محل النصب على المفعولية ليختار و العائد محذوف و المعنى و ربك يختار ما كان لهم اى للعباد فيه الخيرة اى الخير و الصلاح يعنى كان إرسال محمد صلى اللّه عليه و اله و سلم لهم خيرا دون إرسال غيره و على هذا التأويل مع ما فيه من التكلف لا حجة المعتزلة على وجوب الأصلح على اللّه تعالى بل المراد انه يفعل بفصلا ما هو خير لهم غالبا و قيل ما كان لهم الخيرة نفى لاختيار العباد رأسا و دليل على كون العباد مجبورين فى أفعالهم و هذا ايضا باطل إذ لو كان المراد ذلك لنكر الخيرة و لم يورد بلام العهد المشير الى اختيار معين و هو اختيار الرسل كما يدل عليه سبب النزول. ٦٩ وَ رَبُّكَ يَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ كعداوة الرسول و حقده وَ ما يُعْلِنُونَ كالطعن فيه. ٧٠ وَ هُوَ اللّه المستحق للعبادة لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لا يستحقها غيره تقرير لما سبق لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَ الْآخِرَةِ لانه الجميل على الإطلاق و جمال غيره مستعار منه هو المولى للنعم كلها عاجلها و أجلها يحمده المؤمنون فى الاخرة كما حمدوه فى الدنيا يقولون الْحَمْدُ للّه الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ... الْحَمْدُ للّه الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ ابتهاجا بفضله و التذاذا بحمده لاجل التكليف وَ لَهُ الْحُكْمُ القضاء النافذ فى كل شى ء قال ابن عباس حكمه لاهل طاعته بالمغفرة و لاهل معصيته بالشقاء وَ إِلَيْهِ اى الى حكمه تُرْجَعُونَ بالنشور بعد الموت. ٧١ قُلْ يا محمد ص أَ رَأَيْتُمْ أخبروني يا اهل مكة إِنْ جَعَلَ اللّه عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً اى دائما من السرود و هو المبالغة و الميم زائدة إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا تطلع عليكم الشمس مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللّه يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ تطلبون فيه المعيشة و من للاستفهام للانكار و المعنى لا اله غير اللّه يأتيكم به قال البيضاوي كان حقه هل اله فذكر بمن على زعمهم ان غيره الهة أَ فَلا تَسْمَعُونَ موعظتى سماع تدبرو استبصار. ٧٢ قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللّه عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً بإسكان الشمس فى وسط السّماء إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللّه يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ استراحة عن تعب الاشغال أَ فَلا تُبْصِرُونَ ايتنا و لعله لم يصف الضياء بما يقابل السكون لان الضوء نعمة بذاته مقصودة بنفسه و لا كذلك الليل و لان منافع اليوم اكثر من ان يذكر و لذلك قرن به أ فلا تسمعون و بالليل أ فلا تبصرون لان استفادة العقل من السمع اكثر من استفادته من البصر. ٧٣ وَ مِنْ رَحْمَتِهِ من للسببية متعلق بجعل لكم قدم عليه للحصر جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ اى فى الليل وَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ اى من منافع الدنيا و الاخرة فى النهار فهو لف و نشر مرتب و قال الزجاج يجوز ان يكون معناه لتسكنوا فيهما و لتبتغوا من فضله فيهما قلت و على هذا انما ذكر بالليل و النهار و لم يقل و جعل لكم الزمان لتغائر أنحاء السكون و الابتغاء فيهما وَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ اى لكى تشكروا على نعماء اللّه تعالى. ٧٤ وَ يَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ انهم يشفعون لكم و ينجركم من عذاب اللّه تقريع بعد تقريع للاشعار بانه لا شى ء اجلب لغضب اللّه من الإشراك به و كان الاول توبيخ على اتباعهم رؤساءهم و ترك عبادة اللّه باتباعهم و هذا بيان لفساد رأيهم و رجائهم الشفاعة من الحجارة و نحوها. ٧٥ وَ نَزَعْنا اى أخرجنا عطف على يقول على سبيل الالتفات او اعتراض مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً يشهد عليهم بما كانوا عليه و هو نبيهم فَقُلْنا هاتُوا بُرْهانَكُمْ اى حجتكم على صحة ما كنتم تدينون به فَعَلِمُوا حينئذ أَنَّ الْحَقَّ للّه فى الالوهية لا يشاركه فيها أحد وَ ضَلَّ عَنْهُمْ غاب عنهم غيبة الضائع ما كانُوا يَفْتَرُونَ فى الدنيا من الباطل-. ٧٦ إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى قال البغوي كان ابن عمه لانه كان قارون بن يصهر بن قاهت بن لاوى بن يعقوب عليه السلام و موسى بن عمران بن قاهت بن لاوى بن يعقوب عليهما السلام كذا اخرج ابن المنذر عن ابن جريح- و قال ابن إسحاق كان قارون عم موسى ع كان أخا عمران و هما ابنا يصهر بن قاهت و لم يكن فى بنى إسرائيل اقرأ للتورية من قارون و لكنه نافق كما نافق السامري و قال جلال الدين المحلى كان ابن عمه و ابن خالته فَبَغى عَلَيْهِمْ قيل كان عاملا لفرعون على بنى إسرائيل فكان يبغى عليهم اى يظلمهم و قال الضحاك بغى عليهم بالشرك و قيل بغى عليهم بالكبر و العلو و قيل معناه حسدهم و طلب الفضل عليهم و اخرج عبد بن حميد و ابن ابى حاتم عن قتادة قال كان قارون ابن عم موسى أخي أبيه و كان قطع البحر مع بنى إسرائيل و كان يسمى «١» من حسن صوته بالتوراة لكن عدو اللّه نافق كما نافق السامرىّ ما هلكه اللّه ليغيه و انما بغى الكثرة ماله ولده- لكن قوله تعالى فى سورة المؤمن وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَ سُلْطانٍ مُبِينٍ إِلى فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ قارُونَ فَقالُوا ساحِرٌ كَذَّابٌ يدل على ان قارون لم يؤمن بموسى قط لا طاهرا و لا باطنا- قال شهر بن حوشب زاد قارون فى طول ثيابه شبرا عن ابن عمر ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال لا ينظر اللّه الى من جرثوبه خيلأ- رواه البغوي و روى مسلم عن ابى هريرة عنه صلى اللّه عليه و سلم ان اللّه لا ينظر الى من يجر رداءه بطرا و روى احمد و النسائي بسند صحيح عن ابن عباس مرفوعا قال ان اللّه لا ينظر الى مسبل إزاره وَ آتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ اى الأموال المدخرة ما إِنَّ مَفاتِحَهُ اى مفاتح صناديقه جمع مفتح بكسر الميم و هى التي يفتح بها و هذا قول قتادة و مجاهد و جماعة و قيل مفاتحة اى خزائنه (١) هكذا البياض في الأصل. كما قال اللّه تعالى وَ عِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ اى خزائنه و قياس واحدها الفتح لكن على هذا التأويل قوله تعالى لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ لا يدل على كثرة خزائنه غاية الكثرة فان ما يحمله أربعون من الرجال لا يبلغ غالبا اربع مائة الف درهم. و قال جرير عن منصور عن خيثمة قال وجدت فى الإنجيل مفاتح خزائن قارون و قرستين بغلا ما يزيد مفتاح منها على إصبع لكل مفتاح كنز و يقال ان قارون اين ما ذهب يحمل معه مفاتيح كنوزه و كانت من حديد فلمّا ثقلت عليه جعل من خشب فثقلت عليه فجعلت من جلود البقر على طول إصبع و كانت تحمل معه إذا ركب على أربعين بغلا- و هذه الروايات لا يساعدها القران إذا لعصبة لا يطلق الا على الرجال دون البغال قال البغوي و اختلفوا فى العصبة قال مجاهد ما بين العشرة الى خمسة عشر و قال الضحاك عن ابن عباس ما بين الثلاثة الى العشرة و قال قتادة ما بين العشرة الى الأربعين و كذا فى القاموس و قيل سبعون و روى عن ابن عباس رض انه قال كان يحمل مفاتحه أربعون رجلا أقوى ما يكون من الرجال- و معنى قوله لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ اى تنتقلهم و تميل بهم إذا حملوها لثقلها و قال ابو عبيدة هذا من المقلوب تقديره ما ان العصبة لتنوء بها يقال ناء فلان بكذا إذا نهض به مثقلا و الجملة خبر ان و هى مع جملتها صلة ما و هى ثانى مفعولى اتيناه و من الكنوز حال مقدم عليه إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ ظرف لتنوء لا تَفْرَحْ الفرح السرور و انكشاف الصدر بوجدان المرغوب و الفرح المنهي عنه هو البطر بمعنى الطغيان و التكبر عن قبول الحق عند ما يرى نفسه غنيّا قال اللّه تعالى إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى فى القاموس الفرح السرور و النظر و فسر البغوي لا تفرح بقوله لا تبطر و لا مأشر و لا تمرح و انما ذلك لان الفرح بمعنى السرور عند وجدان المرغوب امر طبغى لا اختيار للعبد فيه فلا يتصور عنه النهى. و قال البيضاوي و الفرح بالدنيا مذموم مطلقا لانه يحبسه حبها و الرضاء بها و الذهول عن ذهابها فان العلم بان ما فيها من اللذات مفارقة لا فحاله توجب التبرج و لذلك قال اللّه تعالى لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَ لا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ و علل النهى هاهنا بكونه مانعا من محبة اللّه إيانا فقال إِنَّ اللّه لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ بزخارف الدنيا المتكبرين بها غير شاكرين عليها قال بعض المحققين قد ورد ذم الفرح فى مواضع عديدة من القران قال اللّه تعالى فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ و قال وَ فَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا و قال ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بغير الحق و قال حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا- و لم يرخص فى الفرح الا فى قوله تعالى فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا و قوله وَ يَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللّه. و عندى ان الفرح فى الدنيا بما يفيد فى الاخرة محمود مطلقا و مامور به فى قوله تعالى فَبِذلِكَ فليفرحوا و الفرح بلذّات الدنيا ان كان مقرونا بالشكر فمحمود ايضا حيث قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الطاعم الشاكر كالصائم الصابر. و الفرح ان كان مقرونا بالطغيان و الكفران فمذموم حقّا فالمدح و الذم انما يتوجه الى ما يتعلق به الفرح او ما معه من الشكر او الكفران و اما نفس الفرح و السرور بدرك المرغوب فامر طبعى لا اختيار للعبد فيه فلا يتوجه اليه التكليف غير انه إذا أحب العبد اللّه صادقا لا يفرح الا بما يرضى به ربه و لا يحب اللّه الا من يحبه فلا يحب اللّه من يفرح بمرغوبه من حيث هو مرغوبه لا من حيث هو مرغوب ربه و اللّه اعلم-. ٧٧ وَ ابْتَغِ فِيما آتاكَ اللّه من نعماء الدنيا الدَّارَ الْآخِرَةَ يعنى الجنة بان تقوم بشكرها و تنفقها فى مرضاة اللّه وَ لا تَنْسَ اى لا تترك ترك المنسي نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا يعنى ما تحصل بها آخرتك فان حقيقة نصيب الإنسان من الدنيا ان يعمل للاخرة فان الدنيا مزرعة الاخرة كذا قال مجاهد و ابن زيد و قال السدى نصيبك من الدنيا الصدقة و صلة الرحم و قال على رضى اللّه عنه لا تنس صحتك و قوتك و شبابك و غناك ان تطلب الاخرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اغتنم خمسا قبل خمس حياتك قبل موتك و صحتك قبل سقمك و فراغك قبل شغلك و شبابك قبل هرمك و غناك قبل فقرك- رواه الحاكم و البيهقي بسند صحيح و احمد فى الزهد و روى البغوي و ابن حبان و ابو نعيم فى الحلية عن عمر بن ميمون الأودي مرسلا نحوه و قال الحسن أمران يقدم الفضل و يمسك ما يغنيه يعنى ما يكفيه و قال منصور بن زاذان لا تنس نصيبك من الدنيا قوتك و قوة أهلك وَ أَحْسِنْ الى عباد اللّه كَما أَحْسَنَ اللّه إِلَيْكَ او احسن عبادة اللّه بدوام الذكر و الشكر و الطاعة كما احسن اللّه إليك بانعام متواتر غير منقطع بحيث لا تعدو لا تحصى وَ لا تَبْغِ اى لا تطلب الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ قال البيضاوي نهى له مما كان عليه من الظلم و البغي و قال البغوي كل من عصى اللّه فقد طلب الفساد فى الأرض إِنَّ اللّه لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ بسوء أعمالهم .. ٧٨ قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ الظرف منصوب على الحال من الضمير المرفوع عِنْدِي قرا نافع «و ابو جعفر- ابو محمد» و ابن كثير بخلاف عنه و ابو عمرو بفتح الياء و الباقون بإسكانها ظرف مستقر صفة لعلم او لغو متعلق باوتيته كقولك هذا عندى اى فى ظنى و اعتقادي و فيه رد لقولهم أَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللّه إِلَيْكَ يعنى لم يحسن الىّ اللّه من غير استحقاق منى تفضلا محضا حتى يجب علىّ شكره و الإحسان الى عباده بل أوتيت الجاه و المال و التفوق على الناس حال كونى على علم كائن عندى او فى اعتقادي- قيل المراد به علم الكيميا قال سعيد بن المسيب كان موسى يعلم الكيميا فعلّم يوشع بن نون ثلث ذلك العلم و علّم كالب بن يوقنّا ثلثه و علّم قارون ثلثه فخذعهما قارون حتى أضاف علمهما الى علمه و كان ذلك سبب أمواله- و قيل عَلى عِلْمٍ عِنْدِي بالصرف فى التجارات و الزراعات و انواع المكاسب قال سهل ما نظر أحد الى نفسه فافلح و السعيد من صرف بصره عن أفعاله و أقواله و فتح له سبيل رؤية منة اللّه فى جميع الافعال و الأقوال و الشقي من زين فى عينيه أقواله و أفعاله و أحواله فافتخر بها و ادعاها لنفسه فسوف يهلك يوما كما خسف بقارون لما ادعى لنفسه فضلا أَ وَ لَمْ يَعْلَمْ جملة معترضة و الاستفهام للتعجب و التوبيخ و الواو للعطف على محذوف تقديره الم يتفكر قارون و لم يعلم أَنَّ اللّه قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَ أَكْثَرُ جَمْعاً و لو علم ذلك لما اغتر بماله و لم تتكبر و لو علم ان اللّه هو المهلك فهو المعطى و هو المانع لا اله غيره و لا استحقاق لاحد عليه و فيه رد لا دعائه العلم و تعظمه به بنفي هذا العلم الحلي فان اللّه قد أهلك عاد للاولى و كان أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَ أَكْثَرُ جَمْعاً فان شداد بن عاد ملك الأرض كلها وَ لا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ فانه تعالى مطلع عليها لا يحتاج الى السؤال و الاستعلام فيعاقبهم فى الدنيا باهلاك و فى الاخرة بإدخال النار- لمّا هدوا للّه قارون بذكر إهلاك من كان قبله ممن كانوا أقوى منه و اغنى أكد ذلك بانه لم يكن ذلك ما يخصهم بل اللّه مطلع على ذنوب المجرمين كلهم متقدميهم و متاخريهم معاقبهم عليها لا محالة قال قتادة يدخلون النار بغير سوال و لا حساب و قال مجاهد يعنى لا يسئل الملائكة عنهم لانهم يعرفونهم بسيماهم و قال الحسن لا يسئلون سوال استعلام بل يسئلون سوال تقريع و توبيخ. ٧٩ فَخَرَجَ قارون يوم اعطف على قال عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قال ابراهيم النخعي خرج هو و قومه فى ثياب خضر و حمرو قال ابن زيد خرج فى سبعين الف عليهم المعصفرات و قال مجاهد خرج على براذين بيض عليها سروح الأرجوان عليهم المعصفرات و قال مقاتل خرج على بغلة شهباء عليها سروح من ذهب عليه الأرجوان و معه اربعة آلاف فارس عليهم و على دوابهم الأرجوان و معه ثلاث مائة جارية بيض عليهن الحلي و الثياب الحمر على البغال الشهب قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا على ما هو عادة الناس فى الرغبة فى الدنيا يا لَيْتَ يعنى يا قوم ليت لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ تمنوا مثله لا عينه حذرا من الحسد و ذلك لما كان بنوا إسرائيل مؤمنين إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ من الدنيا تعليل للتمنى. ٨٠ وَ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ بما وعد اللّه للمومنين فى الاخرة للذين تمنوا كذا قال مقاتل و قال ابن عباس هم الأحبار من بنى إسرائيل وَيْلَكُمْ الويل مصدر بمعنى الهلاك منصوب على المصدرية يعنى هلكتم هلاكا او على المفعولية تقديره ألزمكم اللّه هلاكا فهو فى الأصل دعاء استعمل للزجر عما لا يرتضى ثَوابُ اللّه فى الآخرة خَيْرٌ مما اوتى قارون بل من الدنيا و ما فيها لِمَنْ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً متعلق بخير او بثواب اللّه يعنى ثواب اللّه لمن أمن خير او متعلق ب قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ يعنى قالوا ذلك لمن أمن وَ لا يُلَقَّاها إِلَّا الصَّابِرُونَ كلام مستأنف او حال من الضمير فى خير و الضمير للكلمة التي تكلم بها الأحبار او للثواب فانه بمعنى المثوبة او للجنة او للايمان و العمل الصالح فانهما فى معنى السيرة و الطريقة يعنى لا يتاتى تلك الكلمة او الثواب او الجنة او السيرة الا الصابرون على الطاعات و عن المعاصي الزاهدون فى الدنيا. ٨١ فَخَسَفْنا بِهِ وَ بِدارِهِ الْأَرْضَ فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ اى أعوان يفئى إليهم الرجل عند المصيبة الفاء للتعليل يَنْصُرُونَهُ فيدفعون عنه عذاب اللّه مِنْ دُونِ اللّه وَ ما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ اى الممتنعين مما نزل به من الخسف يقال نصره من عدوه فانتصر إذا منعه فامتنع عطف على فما كان- قال اهل العلم بالأخبار كان قارون اعلم بنى إسرائيل بعد موسى و هارون و اقرأهم للتورية و أجملهم و أغناهم و كان حسن الصوت فبغى و طغى و كان أول طغيانه و عصيانه ان اللّه اوحى الى موسى ان يأمر قومه يعلّقوا فى أرديتهم خيوطا اربعة فى كل طرف خيطا اخضر كلون السماء يذكرون به السماء إذا نظروا إليها و يعلمون اله منزل منها كلامى فقال موسى يا رب أ فلا تأمرهم ان يجعلوا أرديتهم خضرا كلها فان بنى إسرائيل تحقر هذه الخيوط فقال له ربه يا موسى ان الصغير من امرى ليس بصغير فاذا هم لم يطيعونى فى الأمر الصغير لم يطيعونى فى الأمر الكبير. فدعاهم موسى و قال ان اللّه يأمركم ان تعلقوا على أرديتكم خيوطا حضرا كلون السماء لكى تذكروا ربكم إذا رايتموها ففعلت بنوا إسرائيل ما أمرهم به موسى و استكبر قارون فلم يطعه و قال أخا يفعل هذه الأرباب بعبيدهم لكى يتميزوا عن غيرهم و هذا بدو عصيانه و بغير فلمّا قطع موسى ببني إسرائيل البحر جعل الحبورة لهارون و هى رياسة الذبح فكان بنوا إسرائيل يأتون بهديهم الى هارون فيضعه على المذبح فتنزل نار من السماء فتاكله فوجد قارون من ذلك فى نفسه و اتى موسى فقال يا موسى لك الرسالة و لهارون الحبورة و لست فى شى ء من ذلك و انا اقرأ للتورية لا صبر لى على هذا فقال موسى ما انا جعلتها فى هارون بل اللّه جعلها له فقال قارون و اللّه لا أصدقك حتى ترينى بيانه فجمع موسى رؤساء بنى إسرائيل فقال هاتوا عصيكم فخرجها و القاها فى القبة التي كان يعبد اللّه فيها فجعل يحرسون عصيهم حتى أصبحوا فاصبحت عصا هارون قد اهتز لهم ورق اخضر فقال قارون و اللّه ما هذا بأعجب مما تصنع من السحر و اعتزل قارون موسى باتباعه و جعل موسى يداديه للقرابة التي بينهما و هو يؤذيه فى كل وقت و لا يزيد الا عتوا و تجبرا و معاداة حتى بنى دارا و جعل بابها من الذهب و ضرب على جدرانها صفائح الذهب و كان الملا من بنى إسرائيل يغدون و يروحون فيطعمهم الطعام و يحدثونه و يضاحكونه- قال ابن عباس فلمّا نزلت الزكوة على موسى أباه قارون فصالحه عن كل الف دينار على دينار و كل الف درهم على درهم و عن كل الف شاة على شاة و عن كل الف شى ء على شى ء ثم رجع الى بيته فحسبه فوجده كثيرا فلم يسمح بذلك نفسه فجمع بنى إسرائيل فقال لهم يا بنى إسرائيل ان موسى قد أمركم بكل شى ء فاطعتموه و هو الان يريد ان يأخذ أموالكم قالوا أنت كبيرنا فأمرنا بما شئت فقال أمركم ان تجيئوا بفلانة البغي فنجعل لها مجعلا حتى نقذف موسى بنفسها فاذا فعلت ذلك خرج بنو إسرائيل فرفضوه. فدعوها فجعل لها قارون الف درهم و قيل الف دينار و قيل طستا من ذهب و قيل قال أمولك و اخلطك بنسائى على ان تقذنى موسى بنفسك غدا إذا حضر بنوا إسرائيل فلمّا كان من الغد جمع قارون بنى إسرائيل ثم اتى موسى فقال ان بنى إسرائيل ينتظرون خروجك فتأمرهم و تنهاهم فخرج إليهم موسى و هم فى براح من الأرض فقام فيهم فقال يا بنى إسرائيل من سرق قطعنا يده و من افترى جلدناه ثمانين و من زنى و ليست له امرأة جلدناه مائة و من زنى و له امراة رجمناه حتى يموت- فقال له قارون و ان كنت أنت قال و ان كنت انا فقال ان بنى إسرائيل يزعمون انك فجرت بفلانة قال ادعوها فان قالت فهو كما قالت فلما ان جاءت قال لها موسى يا فلانة انا فعلت بك ما يقول هؤلاء و عظم عليها و سال بالّذى فلق البحر لبنى إسرائيل و انزل التورية الا صدقت فتداركها اللّه تعالى فقالت فى نفسها أحدث اليوم توبة أفضل من ان أوذي رسول اللّه فقالت لا كذبوا و لكن جعل لى قارون جعلا على ان أقذفك بنفسي- فخر موسى ساجدا يبكى و يقول اللّهم ان كنت رسولك فاغضب لى فاوحى اللّه الى موسى انى أمرت الأرض ان تطيعك فمرها بما شئت فقال موسى يا بنى إسرائيل ان اللّه بعثني الى قارون كما بعثني الى فرعون فمن معه فليلث و من كان معى فليعتزل فاعتزلوا فلم يبق مع قارون الا رجلان ثم قال موسى يا ارض خذيهم فاخذت الأرض باقدامهم و فى رواية كان سريره و فرشه فاخذته حتى غيبت سريره ثم قال خذيهم فاخذتهم الى الركب ثم قال يا ارض خذيهم فاخذتهم الى الأوسط ثم قال بأرض خذيهم فاخذتهم الى الأعناق و قارون و أصحابه فى كل ذلك يتضرعون يناشده قارون اللّه تعالى و الرحم حتى انه ناشده سبعين مرة و موسى فى كل ذلك لا يلتفت اليه لشدة غضبه ثم قال يا ارض خذيهم فانطبت عليهم الأرض- و اوحى اللّه الى موسى ما اغلظ قلبك له استغاث بك سبعين مرة فلم تغثه اما و عزتى و جلالى لو استغاث بي مرة لاعنته و فى بعض الآثار قال لا اجعل الأرض بعدك طوعا لاحد. قال قتادة خسف به الأرض فهو يتجلجل «١» فى الأرض كل يوم قامة رجل لا يبلغ قعرها الى يوم القيامة و أصبحت بنوا إسرائيل يتناسقون فيما بينهم ان موسى انما دعا على قارون ليسيد بداره و بكنوزه و بامواله فدعا اللّه موسى حتى خسف بداره و بكنوزه و أمواله الأرض فذلك قوله تعالى فَخَسَفْنا بِهِ وَ بِدارِهِ الْأَرْضَ فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللّه وَ ما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ. (١) اى يفوض فيها و الجلجلة حركة مع صوت. نهايه منه رح. ٨٢ وَ أَصْبَحَ اى صاد الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ اى منزلته بِالْأَمْسِ اى منذ زمان قريب يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ هذه اللفظة عند البصريين من وى للتعجب و كأنّ للتشبيه و معناه ما أشبه الأمران اللّه يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَ يَقْدِرُ يعنى الأمران سيئان مرتبطان بمشية اللّه لا لكرامة يقتضى البسط و لا لهو ان يوجب القبض. و قال الخليل وى اسم فعل للتعجب و التندم فان القوم تندموا فقالوا متندمين على ما سلف و كانّ معناه أظن ذلك و أقدره كما يقول كانّ الفرح قد أتاك اى أظن ذلك و اقدره- و قال قطرب ويك بمعنى ويلك حذف منه اللام و انّ منصوب بفعل مقدر تقديره ويلك اعلم انّ اللّه يبسط و يقدر اى يوسع و يضيق و قيل و يكانّ حرف تنبيه بمنزلة الا و عن الحسن انه قال كلمة ابتداء تقديره و ان اللّه و قال مجاهد معناه الم تعلم و قال قتادة الم تر و قال الفراء هى كلمة تقرير كقول الرجل اما ترى الى صنع اللّه و إحسانه و ذكر انه سمع اعرابية تقول لزوجها اين ابنك فقال و يكانّه وراء البيت يعنى اما ترينه وراء البيت لَوْ لا أَنْ مَنَّ اللّه عَلَيْنا فلم يعطنا ما عنينا لَخَسَفَ قرأ حفص و يعقوب بفتح الخاء و السين على البناء للفاعل و العامة بضم الخاء و كسر السين على البناء للمفعول بِنا كما خسف بقارون وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ لنعمة اللّه او المكذبون برسله و بما و عدوا لهم من ثواب الاخ رة- لا يصلح هاهنا معنى ما أشبه فى و يكانّه و يصلح غير ذلك من المعاني-. ٨٣ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ صفة بعد صفة لتلك اشارة تعظيم كانّه قال تلك الدّار الاخرة التي سمعت خبرها و بلغك وصفها نَجْعَلُها خبر لتلك لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ قال الكلبي و مقاتل اى استكبارا عن الايمان و قال عطاء غلبة و قهرا على الناس و تهاونا بهم و قال الحسن يطلبون الشرف و العز عند ذى السلطان و عن علّى كرم اللّه وجهه انها نزلت فى اهل التواضع من الولاة و اهل القدرة يعنى من كان من الولاة و اهل القدرة متواضعا فهو لا يريد علوّا فى الأرض وَ لا فَساداً قال الكلبي هو الدعاء الى عبادة غير اللّه و قال عكرمة هو أخذ اموال الناس بغير حق و قال ابن جريج و مقاتل العمل بالمعاصي وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ قال قتادة اى الجنة قلت العاقبة يستعمل فيما يعقب الحسنات و يتاب عليها كما ان العقاب يستعمل فيما يعقب السيئات و تنقم بها. ٨٤ مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها اى عشر اضعافها الى سمع مائة ضعف و الى ما شاء اللّه وَ مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ وضع المظهر موضع المضمر تهجينا لحالهم بتكرير اسناد السيئة إليهم إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ اى الّا مثل ما كانوا يعملون حذف المثل و اقام ما كانوا يعملون مقامه مبالغة فى المماثلة-. ٨٥ إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ يعنى أوجب عليك تلاوته و تبليغه و العمل به كذا قال عطاء و قال البغوي قال اكثر المفسرين يعنى انزل عليك القران لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ يعنى الى مكة و قدرده يوم الفتح و انما نكّره لانه فى ذلك اليوم له شأن و مرجعا له اعتداد لغلبة رسول اللّه و قهره اعداء اللّه و ظهور الإسلام و ذل الشرك و هى رواية العوفى عن ابن عباس و هو قول مجاهد قال القتيبي معاد الرجل بلده لانه ينصرف ثم يعود الى بلده. ذكر البغوي ان النبي صلى اللّه عليه و سلم لما خرج من الغار مهاجرا الى المدينة سار فى غير الطريق مخافة الطلب فلمّا أمن و رجع الى الطريق نزل الجحفة بين مكة و المدينة و عرف الطريق الى مكة اشتاق إليها فقال له جبرئيل عليه السلام أ تشتاق الى بلدك و مولدك قال نعم قال فان اللّه يقول إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ فرده اللّه يوم الفتح كذا اخرج ابن ابى حاتم عن الضحاك و الاية نزلت بحجفة بين مكة و المدينة و روى سعيد بن جبير عن ابن عبّاس رض المعاد الموت قلت لانه عود الى الحالة الاصلية قال اللّه تعالى كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ و قال الزهري و عكرمة يعنى الى القيامة و قيل الى الجنة كانه لما حكم ب إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ أكّد ذلك بوعد المحسنين و وعيد المسيئين و وعده بالعاقبة الحسنى فى الدارين. و لمّا قال كفار مكة للنبى صلى اللّه عليه و سلم انّك لفى ضلل مبين انزل اللّه سبحانه قُلْ رَبِّي قرأ نافع «و ابو جعفر- ابو محمد» و ابو عمرو و ابن كثير بفتح الياء و الباقون بإسكانها و روى ابو ربيعة عن قنبل و عن البزي ايضا بالإسكان «فهو غير ماخوذ- ابو محمد» أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى و ما يستحقه من الثواب و النصر يعنى محمدا صلى اللّه عليه و سلم من منصوب بفعل يدل عليه اعلم تقديره ربى اعلم الكائنات يعلم من جاء بالهدى وَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ و ما يستحقه من العذاب و الاذلال يعنى به المشركين و فى هذه الاية تقرير للوعد السابق و لذا عقبه و كذا قوله. ٨٦ وَ ما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ اى يوحى إليك الْكِتابُ اى القران إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ قال الفراء الاستثناء منقطع معناه لكن ألقاه ربك رحمة منه و يجوز ان يكون الاستثناء منفصلا مفرغا محمولا على المعنى كانه قال ما القى إليك ربك الكتاب لشئ الا رحمة اى الا لاجل الرحمة فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ بمداراتهم و التحمل عنهم و الاجابة الى طلبهم قال مقاتل و ذلك حين درعى الى دين ابائه فذكّر الى نعمه و نهاة عن مظاهرتهم على ما هم عليه. ٨٧ وَ لا يَصُدُّنَّكَ يعنى كفار مكة عَنْ آياتِ اللّه اى عن قراءتها و العمل بها بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَ ادْعُ إِلى رَبِّكَ اى الى معرفته و توحيده و عبادته وَ لا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بمظاهرتهم. ٨٨ وَ لا تَدْعُ مَعَ اللّه إِلهاً آخَرَ هذا و ما قبله يقطع اطماع المشركين عن مساعدته لهم لا إِلهَ إِلَّا هُوَ تعليل للنهى كُلُّ شَيْ ءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ يعنى الا ذاته فان ما عداه ممكن هالك معدوم فى حد ذاته لا شى ء الا و وجوده مستفاد مستعار منه تعالى قيل معناه كل عمل لغو باطل الا ما أريد به وجهه و جملة كلّ شى ء تعليل لَهُ الْحُكْمُ اى القضاء النافذ فى الخلق وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ تردونّ فى الاخرة فيجازيكم بأعمالكم. |
﴿ ٠ ﴾