سُورَةُ الْعَنْكَبُوتِ مَكِّيَّةٌ وَهِيَ تِسْعٌ وَ سِتُّونَ آيَةً مكّيّة و هى تسع و ستون اية و قال الشعبي عشر آيات من أولها مدنيّة ربّ يسّر و تمّم بالخير بِسْمِ اللّه الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ اخرج ابن ابى حاتم عن الشعبي ان ناسا كانوا بمكة قد أقروا بالإسلام فكتب إليهم اصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من المدينة انه لا يقبل منكم اقرار بالإسلام حتى تهاجروا فخرجوا عامدين الى المدينة فتبعهم المشركون فردوهم فنزلت فيهم. _________________________________ ١ الم ٢ أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ فكتبوا إليهم انه قد انزل فيكم كذا و كذا فقالوا نخرج فان اتبعنا أحد قاتلنا فخرجوا فاتبعهم المشركون فقاتلوهم فمنهم من قتل و منهم من نجا فانزل اللّه فيهم ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا الاية و اخرج ايضا عن قتادة قال نزلت فى ناس من اهل مكة خرجوا يريدون النبي صلى اللّه عليه و سلم فعرض لهم المشركون فرجعوا فكتب إليهم إخوانهم بما نزل فيهم فخرجوا فقتل من قتل و خلص من خلص فنزل فيهم وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا الاية و ذكر البغوي عن ابن عباس قال أراد بالناس الّذين أمنوا بمكة سلمة بن هشام و عياش بن ربيعة و الوليد بن الوليد و عمار بن ياسر و غيرهم و اخرج ابن سعيد و ابن جرير و ابن ابى حاتم عن عبيد اللّه بن عمير قال نزلت فى عمار بن ياسر إذ كان يعذب فى اللّه احسب النّاس الاية و كذا ذكر البغوي قول ابن جريح و قال قال مقاتل نزلت فى مهجع بن عبد اللّه مولى عمر بن الخطاب و هو أول من يدعى الى باب الجنة من هذه الامة قلت و هو أول من خرج من المسلمين مبارزا يوم بدر فقتله عامر بن الحضرمي بسهم و كان أول من قتل كذا فى سبيل الرشاد و لمّا جزع عليه أبواه و امرأته انزل اللّه تعالى فيهم هذه الاية- وقوع الاستفهام بعد الم دليل على استقلاله و المراد بالحسبان الظنّ و هو متعلق بمضمون جملة للدلالة على جهة ثبوتها و لذلك يقتضى مفعولين او ما يسدّ مسدهما كقوله ان يتركوا و الاستفهام للانكار و التوبيخ و ان يّقولوا تقديره لان يقولوا و هم لا يفتنون حال من فاعل يقولوا و المعنى أ ظنوا أتركهم غير مفتونين لقولهم آمنّا فالترك اوّل مفعوليه و غير مفتونين من تمامه و لقولهم هو الثاني كقولك حسبت ضربه للتأديب او المعنى احسبوا أنفسهم متروكين غير مفتونين لقولهم أمنا يعنى لا يحسبوا ذلك بل يمتحتهم اللّه بالمشاق كالمهاجرة و المجاهدة و انواع المصائب فى الأنفس و الأموال و الأولاد ليتميز المخلص من المنافق و الثابت فى الدين من المضطر فيه و لينالوا بالصبر عليها عوالى الدرجات. و ذكر البغوي ان اللّه تعالى أمرهم فى لابتداء بمجرد الايمان ثم فرض عليهم الصلاة و الزكوة و سائر الشرائع فشق على بعضهم فانزل اللّه هذه الاية فالمعنى احسبوا ان يتركوا على مجرد الايمان و هم لا يفتنون بالأوامر و النواهي فان مجرد الايمان و ان كان مانعا عن الخلود فى العذاب لكن نيل الدرجات يترتب على وظائف الطاعات و رفض الشهوات. ٣ وَ لَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ من الأنبياء و المؤمنين فمنهم من نشر بالمناشير و منهم من قتل و ابتلى بنوا إسرائيل بفرعون يسومهم سوء العذاب الجملة متصل بقوله احسب او بقوله لا يفتنون يعنى ذلك سنة قديمة جارية فى الأمم كلها فلا ينبغى ان يتوقع خلافه او معترضة لتسلية المؤمنين فَلَيَعْلَمَنَّ اللّه الَّذِينَ صَدَقُوا فى قولهم أمنا معطوف على قوله و لقد فتنّا و فيه التفات من التكلم الى الغيبة وَ لَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ اللّه عالم ازلا و معنى الاية ليتعلقن علمه حاليا يتميز به الذين صدقوا فى الايمان من الذين كذبوا فيه و ينوط به ثوابهم و عقابهم و قيل معناه ليظهرن اللّه الصادقين من الكاذبين حتى يوجد معلومه و قال مقاتل ليرين اللّه و قيل لِيَمِيزَ اللّه الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ. ٤ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ اى الكفر و المعاصي فان العمل يعم افعال القلوب و الجوارح أَنْ يَسْبِقُونا ان يفوتنا فلا نقدر على الانتقام منهم و ان مع صلتها ساد مساد مفعولى حسب معطوف على احسب و أم منقطعة بمعنى بل و الهمزة و الاضراب لان هذا الحسبان ابطال من الحسبان الاول لان فى الحسبان الاول يقدران لا يمتحن لايمانه و فى هذا ان لا يجازى بمساويه و قالوا الاول فى المؤمنين و هذا فى الكافرين قلت و جاز ان يكون أم متصلة و الإنكار ورد على أحد الحسبانين المتردد فيهما بالهمزة و أم و النكرة فى حيز النفي المستفاد من الإنكار يعم فالمعنى كلا الحسبانين باطلان فلا تحسبوا ايها المؤمنون ان لا تمتحنوا بل تمتحنون بالمصائب لتنالوا الدرجات الرفيعة و لا يحسب أعداؤكم ان لا يعذبهم اللّه فى الدنيا و الاخرة بل يعذبهم اللّه فى الدنيا بايدى المؤمنين و فى الاخرة بعذاب من عنده و الحاصل ان المؤمنين يمتحنون بالمصائب ثم يكون الغلبة لهم فى اخر الأمر ساءَ ما يَحْكُمُونَ ما موصولة مرفوعة على الفاعلية او موصوفة منصوبة على التميز من الضمير المبهم المرفوع و المخصوص محذوف اى بئس الذي يحكمونه حكمهم هذه او بئس حكما يحكمونه حكمهم هذا. ٥ مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللّه قال ابن عباس الرجاء بمعنى الخوف اى من يخشى البعث و الحساب و عذاب اللّه و قال سعيد بن جبير من كان يطمع فى ثواب اللّه قلت و جاز ان يكون المعنى من كان يرجوا رؤية اللّه فيستدل بهذه الاية ان رؤية اللّه فى الدنيا غير واقع الا ما قيل ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم راى ربه ليلة المعراج و كان ذلك خارجا من الدنيا فمن ادعى رؤية اللّه فى الدنيا برأى العين فقد كذب فَإِنَّ أَجَلَ اللّه يعنى أجل لقائه يحذف المضاف و وقته الموعود له لَآتٍ لا محالة قال مقاتل يعنى يوم القيامة لكائن فليبادر الى ما يحقق رجاءه و ينجوه عما يخاف عنه و هذا كقوله تعالى فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ... وَ هُوَ السَّمِيعُ لاقوال العباد الْعَلِيمُ. ٦ بعقائدهم و أفعالهم وَ مَنْ جاهَدَ اعداء اللّه يعنى الكفار فى الحرب او نفسه فى الكف عن الشهوات المنهية و الترفع و الصبر على الطاعات و الشيطان فى دفع وساوسه عطف على الشرطية السابقة فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ لان منفعته راجعة إليها إِنَّ اللّه لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ لا حاجة له الى طاعتهم و انما كلف عبادة رحمة عليهم و مراعاة لمصالحهم الجملة تعليل لما سبق. ٧ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ يعنى نذهب سيئاتهم بحسناتهم عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الصلوات الخمس و الجمعة الى الجمعة و رمضان الى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنب الكبائر رواه مسلم و قد مر فى تفسير قوله تعالى إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ ... وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ منصوب بنزع الخافض الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ اى بأحسن أعمالهم و هو الطاعة يعنى لا نضيعها و قيل معناه نعطهم اكثر مما عملوا عشر أمثالها الى سبع مائة ضعف الى ما شاء اللّه و قيل احسن بمعنى حسن-. ٨ وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسانَ الوصية التقدم الى الغير بما يعمل به مقترنا بوعظ بِوالِدَيْهِ حُسْناً أمرناه بإتيان فعل ذا حسن او كانه فى ذاته حسن تفرط حسنه متلبسا ذلك الفعل بوالديه اى يبرهما و يعطف عليهما و قيل معناه و وصّينا الإنسان ذا حسن بان يبرهما اخرج مسلم و الترمذي و البغوي و ابن ابى حاتم و ابن مردويه عن سعد بن ابى وقاص و هو سعد بن مالك ابو إسحاق الزهري أحد العشرة المبشرة رضى اللّه عنه كان من السابقين الأولين و كان بارّا بامه انه لما اسلم قالت امه و هى حمنة بنت ابى سفيان بن امية بن عبد الشمس (قد امر اللّه بالبر و فى رواية) قالت ما هذا الّذى أحدثت و اللّه لا اطعم طعاما و لا اشرب شرابا حتى أموت او تكفر و فى رواية حتى ترجع الى ما كنت عليه او أموت فتعير بذلك ابد الدهر يقال قاتل امه فنزلت وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً وَ إِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي بإضمار القول اى و قلنا له و ان جاهداك لتشرك بي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ بالوهيته عبر عن نفيها بنفي علم بها اشعارا بان ما لا يعلم صحته لا يجوز اتباعه و ان لم يعلم بطلانه فضلا عما علم بالادلة القطعية بطلانه فَلا تُطِعْهُما فى ذلك قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق رواه احمد و الحاكم و صححه عن عمران و الحكم بن عمرو الغفاري و فى الصحيحين و سنن ابى داؤد و النسائي عن على رضى اللّه عنه لا طاعة لاحد فى معصية اللّه انما الطاعة فى المعروف. قال البغوي ثم انها اى أم سعد مكثت يوما و ليلة لم تأكل و لم تشرب و قيل لبثت ثلاثة ايام كذلك فجاء سعد و قال يا أماه لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفسا نفسا ما تركت دينى ان شئت كلى و ان شئت فلا تأكلى فلمّا أيست منه أكلت و شربت إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ بالجزاء عليه و نزلت ايضا فى قصة أم سعد التي فى لقمان و التي فى الأحقاف. ٩ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ من الأنبياء و الشهداء و الأولياء اى نجعلهم فى جملتهم و نحشر معهم او فى مدخلهم و هى الجنة و الكمال فى الصلاح منتهى درجات المؤمنين و متمنى أنبياء اللّه المرسلين فان كمال الصلاح عبارة عن عدم شى ء الفساد فى الاعتقاد و الأعمال و الأخلاق و الاشغال عطف على وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ و ما بينهما اعتراض- اخرج ابن جرير و ابن المنذر عن عكرمة عن ابن عباس قال كان قوم من اهل مكة قد اسلموا و كانوا يخفون الإسلام فاخرجهم المشركون معهم يوم بدر فاصيب بعضهم فقال المسلمون هؤلاء كانوا مسلمين فاكرهوا فاستغفر لهم فنزلت إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ الاية فى سورة النساء فكتبوا بها الى من بقي بمكة منهم و انه لا عذر لهم فخرجوا فلحقهم المشركون فردوهم فنزلت. ١٠ وَ مِنَ النَّاسِ عطف على ما سبق ذكر المؤمنين اولا ثم ذكر المنافقين مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللّه فَإِذا أُوذِيَ فِي اللّه بان عذبهم الكفار على الإسلام جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ الأذى الذي لحقهم من الكفار كَعَذابِ اللّه فى الاخرة اى جزع من عذاب الناس و لم يصبر فاطاع الناس و ترك الإسلام كما يترك المسلمون الكفر و المعاصي بخوف عذاب اللّه فى الاخرة و الجملة الشرطية عطف على صلة من قال ابن عباس رض فكتب إليهم المسلمون بذلك فتحزّبوا فقالوا نخرج فان اتبعنا أحد قاتلناه فنزلت ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا الاية فكتبوا بذلك فخرجوا فلحقهم فنجا من نجا و قتل من قتل- و اخرج عن قتادة انها نزلت فى القوم الذين ردهم المشركون الى مكة وَ لَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ اى فتح و غنيمة للمؤمنين لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ فى الدين جواب قسم محذوف فى اللفظ و فى المعنى جزاء للشرط و هذه الشرطية معطوفة على شرطية سابقه اعنى فاذا أوذي و قيل الاية نزلت فى المنافقين و يؤيده قوله تعالى أَ وَ لَيْسَ اللّه بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ الهمزة للانكار و الواو للحال و الإنكار راجع الى الحال و المعنى ليس الحال انهم يقولون ذلك و ليس اللّه لعالم بما فى صدورهم بل الحال ان اللّه عالم بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ من الإخلاص و النفاق فيجازى المنافقين على نفاقهم او للعطف على مضمون ما سبق يعنى نافقوا و لا يخفى ذلك على اللّه. ١١ وَ لَيَعْلَمَنَّ اللّه جواب قسم محذوف و الجملة معترضة وعدا للمؤمنين و وعيدا للمن افقين او معطوف على مضمون انكار نفى علمه تعالى تأكيد له الَّذِينَ آمَنُوا مخلصين وَ لَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ فيجازى كلا على حسب ما أضمر قال الشعبي هذه الآيات العشر من أول السورة الى هنا مدنية و ما بعدها مكية. ١٢ وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا يعنى كفار مكة كذا قال مجاهد لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا قال الكلبي و مقاتل قاله ابو سفيان لمن أمن من قريش اتبعوا ديننا و ملة ابائنا عطف على ما سبق من ذكر المنافقين وَ لْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ اى ان كان ذاك خطيئة او ان كان ذاك خطيئة ان كان بعث و مواخذة أمروا أنفسهم بالحمل عاطفين على أمرهم بالاتباع مبالغة فى تعليق الحمل بالاتباع و الوعد بتخفيف الأوزار عنهم تشجيعا لهم و قال الفراء لفظه امر و معناه جزاء مجازه ان اتبعتم سبيلنا حملنا خطاياكم كقوله تعالى فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ و لمّا كان فى كلامهم تشجيعا على الكفر و المعاصي ردّ اللّه عليهم قولهم و كذبهم بقوله تعالى وَ ما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْ ءٍ الجملة حال من فاعل قال إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ فى الاخبار بالحمل عنهم المستفاد من قولهم و لنحمل خطاياكم من الاولى للتبيين و الثانية مزيدة و التقدير و ما هم بحاملين شيئا من خطاياهم. ١٣ وَ لَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ اى أوزار أعمالهم التي عملوا بانفسهم جواب القسم المقدر و هو حكاية قسم لا انشائية فهو خبرية معطوفة على ما هُمْ بِحامِلِينَ وَ أَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ لما تسببوا له بالإضلال و هو الحمل على المعاصي من غير ان ينقص من أوزار اتباعهم وَ لَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ سوال تقريع و تبكيت عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ من الأباطيل التي أضلوا بها-. ١٤ وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ عطف على قوله وَ لَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ و فيه التفات من الغيبة الى التكلم فَلَبِثَ عطف على أرسلنا فدل على انه بعد الإرسال فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ طوفان الماء يقال لما طاف بكثرة من سيل ظلام او نحوها طوفان يعنى فغرقوا وَ هُمْ ظالِمُونَ بالكفر حال من مفعول أخذهم قال ابن عباس بعث نوح لاربعين سنة و بقي فى قومه يدعوهم الف سنة الا خمسين عاما و عاش بعد الطوفان ستين سنة حتى كثر الناس و فشوا و كان عمره الفا و خمسين سنة- أخرجه ابن ابى شيبة و عبد بن حميد و ابن المنذر و ابن ابى حاتم و ابو الشيخ و الحاكم و صححه و ابن مردوية و ذكره البغوي. و عن وهب انه عاش الفا و اربع مائة سنة فقال له ملك الموت يا أطول الأنبياء عمرا كيف وجدت الدنيا قال كدار لها بابان دخلت و خرجت لم يقل تسع مائة و خمسين عاما لان اللفظ اخصر و لان المقصود بيان طول مصابرته على مكايد أمته فكان ذكر الالف افخم. ١٥ فَأَنْجَيْناهُ يعنى نوحا وَ أَصْحابَ السَّفِينَةِ الذين ركبوها معه من أولاده و اتباعه و كانوا ثمانين و قيل ثمانية و سبعين و قيل عشرة نصفهم ذكور و نصفهم إناث و قد مر فى سورة هود و سورة الأعراف تمام القصة وَ جَعَلْناها اى السفينة او الحادثة آيَةً لِلْعالَمِينَ يتعظون و يستدلون بما. ١٦ وَ إِبْراهِيمَ عطف على نوح يعنى و أرسلنا ابراهيم او منصوب بإضمار اذكر إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللّه ظرف لارسلنا اى أرسلناه حين كمل عقله و تم نظره بحيث عرف الحق و امر الناس به او بدل اشتمال منه ان قدّرا ذكر وَ اتَّقُوهُ اى خافوا و احذروا عذابه ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ مما أنتم عليه تعليل للامر بالعبادة و التقوى إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ جزاؤه محذوف و التقدير ان كنتم تعملون الخير و الشر و تتميزون بينهما او كنتم تنظرون بنظر العلم دون نظر التعصب و الجدال او كنتم من اولى العلم و التميز لا يخفى عليكم ان ذلكم خير لكم مما أنتم عليه. ١٧ إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّه أَوْثاناً حجارة لا تضر و لا تنفع وَ تَخْلُقُونَ إِفْكاً منصوب على المصدر اى تكذبون كذبا او تقولون قولا ذا افك فى تسميتها الهة و ادعاء شفاعتها عند اللّه او على العلية اى تخلقونها و تنحتونها للافك او على المفعولية على ان المعنى تخلقون شيئا ذا افك و الجملة معترضة لبيان شناعة حالهم و كذا ما بعده او استدلال على شرارة ما هم عليه من حيث انه زور و باطل إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّه الأوثان و غيرها لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً دليل اخر على شرارة ذلك من حيث انه لا يجدى نفعا و رزقا يحتمل المصدر اى لا يستطيعون ان يرزقوكم و يحتمل ان يراد به المرزوق و تنكيره للتعميم و التحقير اى لا يملكون شيئا من الرزق فَابْتَغُوا عِنْدَ اللّه الرِّزْقَ كله فانه المالك لا غير وَ اعْبُدُوهُ وَ اشْكُرُوا لَهُ متوسلين الى مطالبكم مقيدين لما اعطاكم من النعم بشكره مستعدين للقائه بهما فانه إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ حال مقدرة من فاعل اشكروا-. ١٨ وَ إِنْ تُكَذِّبُوا اى تكذبونى فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ رسلا من قبلى فلم يضرهم تكذيبهم إياهم و انما أضر أنفسهم حيث تسبب لمّا حلّ بهم من العذاب فكذا تكذيبكم وَ ما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ الذي يزيل الشك يعنى لا يضره تكذيب من كذّبه و ليس الواجب عليه هداية الخلق إذ ليس ذلك فى وسعه- هذه الاية و ما بعدها الى قوله فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ جاز ان يكون من كلام ابراهيم من جملة قصته و جاز ان يكون اعتراضا بذكر شأن النبي صلى اللّه عليه و سلم و قريش و هدم مذهبهم و الوعيد على سوء صنيعهم توسط بين طرفى القصة من حيث ان مساقها تسلية لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بان أباه خليل اللّه كان فى مثل حالك من مخالفة القوم و تكذيبهم إياه. ١٩ أَ وَ لَمْ يَرَوْا قرأ ابو بكر «و خلف- و ابو محمد» و حمزة و الكسائي بالتاء الفوقانية خطابا و الباقون بالياء التحتانية غيبة الهمزة للانكار و الواو للعطف على محذوف تقديره الم ينظروا و لم يروا او الواو للحال و الإنكار انكار لحال عدم الرؤية عند التكذيب تقديره فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ و الحال انهم قد رأوا- كَيْفَ يُبْدِئُ اللّه الْخَلْقَ اى كيفية بدء خلقهم قلم يعتبروا به خلقهم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة ثم يخرج طفلا ثم يتحول أحوالا حتى يموت ثُمَّ يُعِيدُهُ الى الحيوة بعد الموت معطوف على او لم يروا لا على يبدئ فان الرؤية غير واقعة عليه و يجوز ان يأوّل الاعادة بأن ينشئ فى كل سنة مثل ما كان فى السنة السابقة من النبات و الثمار و نحوها فحينئذ يعطف على يبدئ و يجوز ان يعطف على يبدئ و يجعل وقوع الرؤية على ما يدل على إمكان الاعادة رؤية عليها مجازا إِنَّ ذلِكَ الاعادة او ما ذكر من الامرين عَلَى اللّه يَسِيرٌ إذ لا يفتقر فى فعله الى شى ء و لا يتعب فيه. ٢٠ قُلْ سِيرُوا حكاية خطاب من اللّه تعالى لابراهيم عليه السلام بتقدير القول يعنى قلنا لابراهيم قل سيروا او خطاب لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ على اختلاف الأجناس و الأحوال ثُمَّ اللّه يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ كان القياس ان يقول (فانظروا كيف بدا اللّه الخلق ثمّ ينشئ النّشاة الآخرة) فغيره على هذا النمط لان المقصود اثبات جواز الاعادة- فلمّا قررهم فى الإبداء بانه من اللّه احتج بان الاعادة مثل الإبداء فمن كان قادرا على الإبداء لا يعجزه الاعادة فكانه قال ثم الذي أنشأ النشأة الاولى هو الذي ينشئ النّشاة الاخرة فللتنبيه على هذا المعنى ابرز اللّه اسمه و أوقعه مبتدا- قال بعض المحققين ثمّ ينشئ النّشاة الآخرة معطوف على محذوف مفهوم ممّا سبق تقديره قل سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ فقد أنشأ اللّه النشاة الاولى ثم اللّه الذي أنشأ النشاة الاولى ينشئ النشاة الاخرة. قرأ ابن كثير و ابو عمرو النّشأة بفتح الشين ممدودا هاهنا و فى النجم و الواقعة و الباقون بإسكان الشين من غير الف و وقف حمزة على وجهين فى ذلك أحدهما ان يلقى الحركة على الشين ثم يسقطها طردا للقياس و الثاني ان يفتح الشين و يبدّل الهمزة الفا اتباعا للخط قال الداني و مثله قد يسمع من العرب إِنَّ اللّه عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ لان قدرته مقتضى و نسبة ذاته الى الممكنات بأسرها سواء فيقدر على النشاة الاخرى كقدرته على الاولى. ٢١ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ تعذيبه فى الاخرة بالنار و فى الدنيا بالخذلان او بالحرص او بسوء الخلق او بالاعراض عن اللّه او اقتراف البدعة وَ يَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ رحمته بإدخال الجنة فى الآخرة و فى الدنيا بالتأييد و القناعة و حسن الخلق و الإقبال على اللّه و اتباع السنة وَ إِلَيْهِ تُقْلَبُونَ تردون. ٢٢ وَ ما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ ربكم عن ادراككم فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي السَّماءِ ان فزرتم من قضائه بالتواري فى الأرض او الهبوط فى مهاريها او بالتحصن فى السّماء او القلاع الذاهبة فيها و جاز ان يكون و لا فى السماء تقديره و لا من فى السّماء عطفا على اسم ما كقول حسان فمن يهجو رسول اللّه منكم و يمدحه و ينصره سواء وَ ما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللّه مِنْ وَلِيٍّ وَ لا نَصِيرٍ يحرسكم عن بلاء يظهر فى الأرض او ينزل من السماء و يدفعه عنكم-. ٢٣ وَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللّه بدلائل وحدانيته او باياته المنزلة فى كتبه وَ لِقائِهِ اى بالبعث أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي اى ييئسون منها يوم القيامة او المراد بالرحمة الجنة و هم آيسون فى الدنيا منها لانكارهم البعث وَ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ هذه ان كان من كلام ابراهيم فالتقدير قال اللّه وَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللّه وَ لِقائِهِ أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي و ان كان معترضا من اللّه تعالى فمعطوف على قوله قل سيروا لا على مقولة قل ثم رجع الى قصة ابراهيم فقال. ٢٤ فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ عطف على أرسلنا ابراهيم إِلَّا أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ قال ذلك بعضهم لبعض او قاله واحد منهم و أسند الفعل الى كلهم لرضائهم به فَأَنْجاهُ اللّه مِنَ النَّارِ معطوف على محذوف تقديره فاتفقوا على تحريقه فقذفوه فى النار فانجاه اللّه منها بان جعله بردا و سلاما إِنَّ فِي ذلِكَ الانجاء لَآياتٍ هى حفظه من أذى النار و إخمادها مع عظمها فى زمان يسيرو إنشاء روض فى مكانها لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ فانهم هم المنتفعون بها-. ٢٥ وَ قالَ ابراهيم لقومه عطف على قال يقوم اعبدوا اللّه إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللّه أَوْثاناً مَوَدَّةَ مصدر بمعنى المفعول يعنى مودودا او على تقدير المضاف اى سبب مودة قرا ابن كثير و ابو عمرو و الكسائي «اى الايس- ابو محمد» و يعقوب بالرفع «بلا موييل- ابو محمد» مضافا الى بَيْنِكُمْ بالجر على انه خبر مبتدا محذوف اى هى مودودة او سبب مودة بينكم يعنى يود بعضكم بعضا و يتواصلون بسبب اجتماعكم على عبادتها- و الجملة صفة أوثانا او خبر ان على ان ما مصدرية او موصولة و العائد محذوف و هو المفعول الاول اى انما اتخذتموه من دون اللّه أوثانا سبب للمودة منكم و قرا «و روح- ابو محمد» حفص و حمزة مودّة مضافا الى بينكم منصوبا على العلية اى لتتودوا بينكم و تتواصلوا لاجتماعكم على عبادة الأوثان و أوثانا المفعول الاول لاتخذتم و مفعوله الثاني محذوف اى اتخذتم أوثانا معبودين من دون اللّه و جاز ان يكون مودة مفعوله الثاني بتقدير مضاف او بتأويلها بالمودودة اى اتخذتم أوثانا سبب المودة بينكم او مودودة و قرا نافع و ابن عامر و ابو بكر مودّة منونة ناصبة بينكم منصوبا على ما ذكرنا فى قراءة حفص فِي الْحَياةِ الدُّنْيا متعلق بمودة يعنى مودة بينكم تنحصر فى الدنيا و تنقطع بعده ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ حين يكون الاخلّاء بعضهم لبعض عدوّ يكفر بعضكم ببعض و يلعن بعضكم بعضا اى يقع التناكر و التلاعن بين الكفار او بينهم و بين الأوثان و الجملة معطوفة على مقولة قال وَ مَأْواكُمُ جميعا ايها العابدون و المعبودون النَّارُ وَ ما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ يخلصونكم منها. ٢٦ فَآمَنَ عطف على قال لَهُ اى لابراهيم لُوطٌ لكونه معصوما عن تكذيب الأنبياء و هو أول من صدق ابراهيم و كان ابن أخيه هاران وَ قالَ ابراهيم إِنِّي مُهاجِرٌ من قومى إِلى رَبِّي اى الى حيث أمرني ربى او الى حيث يتيسّر لى هناك عبادة ربى. او المعنى انى مهاجر من قومى معرض عنهم متوجها الى ربى و هى السفر فى الوطن على اصطلاح الصوفية قال المفسرون هاجر ابراهيم من كوثى (و هو من سواد كوفة) الى حران ثم اتى الشام و معه لوط و امرأته سارة و هو أول من هاجر «١» فنزل ابراهيم فلسطين و لوط السدوم قالوا كان ابراهيم حين هاجر ابن خمس و سبعين سنة إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الذي يمنعنى من أعدائي الْحَكِيمُ الذي لا يأمرنى الا بما فيه صلاحى. (١) عن اسماء بنت ابى بكر قالت هاجر عثمان الى الحبشة فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم انه أول من هاجر بعد ابراهيم و لوط و عن ابن عباس قال اوّل من هاجر الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عثمان بن عفان كما هاجر لوط الى ابراهيم. و عن زيد بن ثابت قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما كان بين عثمان و رقية و بين لوط من مهاجر ١٢ منه رحمه اللّه. ٢٧ وَ وَهَبْنا لَهُ بعد إسماعيل إِسْحاقَ بعد ما ايس من الولادة لكبر سنه و كبر امرأته و كونها عاقرا وَ يَعْقُوبَ ولد الولد نافلة وَ جَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ اى ابراهيم النُّبُوَّةَ وَ الْكِتابَ من التورية و الإنجيل و الزبور و الفرقان وَ آتَيْناهُ أَجْرَهُ على هجرته إلينا فِي الدُّنْيا ج بإعطاء الولد فى غير او انه و الذرية الطّيّبة كذا قال السدىّ و استمرار النبوة فيهم و انتماء اهل الملل اليه و الثناء و الصلاة عليه الى اخر الدهر كذا قالوا- قلت لعل اجره فى الدنيا اللذة فى الذكر و الفكر و العبادة للّه فوق ما يستلذون بها اهل الدنيا من المستلذات الحسنة نظيره قوله تعالى هُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ وَ إِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ اى فى عداد الكاملين فى الصلاح عطف على اتيناه اجره فى الدّنيا و غير الأسلوب من الفعلية الى الاسمية للدلالة على استمرار الاخرة دون الدنيا. ٢٨ وَ لُوطاً عطف على ابراهيم إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ قرأ ابو عمرو و حمزة و الكسائي بالهمزتين على الاستفهام للانكار و التوبيخ و الباقون بهمزة واحدة على الخبر لَتَأْتُونَ جواب قسم محذوف الْفاحِشَةَ الفعلة البالغة فى القبح ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ هذه الجملة صفة للفاحشة على طريقة و لقد امر على اللّئيم يسبّنى او حال او مستأنفة لكونه فاحشة. ٢٩ أَ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ بيان للفاحشه وَ تَقْطَعُونَ السَّبِيلَ و ذلك انهم كانوا يفعلون الفاحشة بمن مرّ بهم من المسافرين فترك الناس الممرّ بهم و قيل معناه تقطعون سبيل النساء بايثار الرجال على النساء وَ تَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ اى فى مجالسكم و لا يقال النادي النادي الا لما فيه اهله روى البغوي عن ابى صالح مولى أم هانى بنت ابى طالب رضى اللّه عنها قالت سالت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن قوله تعالى وَ تَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ قلت ما المنكر الذي كانوا يأتون قال كانوا يحذفون اهل الطرق و يسخرون بهم رواه احمد و الترمذي و غيرهما قوله يحذفون اهل الطريق اى يرمونهم بالبنادق قال البغوي و يروى انهم كانوا يجلسون فى مجالسهم عند كل رجل منهم قصعة فيها حصى فاذا مر بهم عابر سبيل قيل خذوهم فايّهم أصابه فهو اولى به و قيل كان يأخذ ما معه و ينكحه و يغرنه ثلاثة دراهم و لهم قاض بذلك و قال القاسم بن محمد كانوا يتضارطون فى مجالسهم و قال مجاهد كان يجاهد بعضهم بعضا فى مجالسهم و عن عبد اللّه بن سلام كان يبزق بعضهم على بعض و عن مكحول قال كان من اخلاق قوم لوط مضغ العلك و تطريف الأصابع بالحناء و حل الإزار و الصغير و الحذف و اللوطية فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ عطف على قال إِلَّا أَنْ قالُوا استهزاء ائْتِنا بِعَذابِ اللّه إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فيما اوعدتنا به من نزول العذاب او فى استقباح تلك الافعال او فى دعوى النبوة المفهوم من التوبيخ. ٣٠ قالَ لوط رَبِّ انْصُرْنِي بانزال العذاب عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ بابتداع الفاحشة و استبانها لما بعدهم وصفهم بذلك مبالغة فى استنزال العذاب و اشعارا بانهم أحقاء بان يعجل لهم العذاب-. ٣١ وَ لَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى بالبشارة بالولد و النافلة اعنى إسحاق و يعقوب قالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ قرية سدوم و الاضافة لفظية لان معناه الاستقبال إِنَّ أَهْلَها كانُوا ظالِمِينَ تعليل لاهلاكهم بإصرارهم و تماديهم فى ظلمهم الذي هو الكفر و المعاصي. ٣٢ قالَ ابراهيم إِنَّ فِيها لُوطاً اعتراض عليهم بان فيها من لم يظلم او معارضة للموجب بالمانع و هو كون النبي بين أظهرهم قالُوا اى الرسل و هم الملائكة نَحْنُ أَعْلَمُ منك بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ قرأ حمزة و الكسائي بالتخفيف من الافعال و الباقون بالتشديد من التفعيل وَ أَهْلَهُ تسليم لقوله مع ادعاء مزيد العلم و جواب عنه بتخصيص اهل القرية بمن عداه و عدى اهله او تأقيت الإهلاك بإخراجهم عنها و فيه تأخير البيان عن الخطاب و ذلك جائز و انما لا يجوز تأخيره عن وقت الحاجة إِلَّا امْرَأَتَهُ زق كانَتْ فى علم اللّه تعالى مِنَ الْغابِرِينَ الباقين فى العذاب او فى القرية تعليل للاستثناء-. ٣٣ وَ لَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِي ءَ اى الحقه المساءة و الغم بِهِمْ اى بسبب الرسل مخافة ان يقصدهم قومه بسوء و ان صلة لتأكيد الفعلين و اتصالهم وَ ضاقَ لوط بِهِمْ بسبب الرسل ذَرْعاً تميز من النسبة و الذرع الطاقة يقال فلان طويل الذراع اى شديد القوة لان طويل الذراع ينال ما لا يناله قصيرها و المعنى ضاق طاقته بشأنهم و تدبير أمرهم فى الحفظ عن قومه وَ قالُوا اى الرسل لما راوا فيه اثر الغم و المساءة لا تَخَفْ وَ لا تَحْزَنْ على تمكّنهم منّا او لا تخف تمكّنهم منا و لا تحزن باهلاكنا إياهم إِنَّا مُنَجُّوكَ تعليل للنهى قرا ابن كثير «و يعقوب و خلف ابو محمد» و حمزة و الكسائي و ابو بكر بالتخفيف من الافعال و الباقون بالتشديد من التفعيل و موضع الكاف نصب عند الكوفيين و يؤيده عطف وَ أَهْلَكَ بالنصب و عند البصريين محل الكاف جر و نصب أهلك بإضمار فعل اى و ننجى أهلك او بالعطف على المحل البعيد للكاف فان الاضافة اللفظية فى حكم الانفصال و هو فى الأصل منصوب إِلَّا امْرَأَتَكَ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ ٣٤ إِنَّا مُنْزِلُونَ قرأ ابن عامر بالتشديد من التفعيل و الباقون بالتخفيف من الافعال. عَلى أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً اى عذابا سمّى بذلك لانه يقلق المعذب من قولهم ارتجز إذا ارتجس اى اضطرب مِنَ السَّماءِ قال مقاتل الخسف و الحصب بِما كانُوا يَفْسُقُونَ ٣٥ وَ لَقَدْ تَرَكْنا مِنْها اى من قريات لوط آيَةً بَيِّنَةً قال ابن عباس هى اثار منازلهم الخزية و قال قتادة هى الحجارة الممطورة التي اهلكوا بها أبقاها اللّه حتى أدركها أوائل هذه الامة و قال مجاهد هى ظهور الماء الأسود على وجه الأرض و قيل هى حكايتها الشائعة لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ يتدبرون فى الآيات تدبر ذوى العقول .. ٣٦ وَ إِلى مَدْيَنَ متعلق بمحذوف تقديره و أرسلنا الى مدين معطوفا على و لقد أرسلنا نوحا أَخاهُمْ شُعَيْباً فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللّه وَ ارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ قيل الرجاء هاهنا بمعنى الخوف يعنى خافوا عذاب اليوم الاخر او المعنى افعلوا فعلا ترجون به ثواب الاخرة فاقيم المسبب مقام السبب وَ لا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ حال موكدة لعاملها و جاز ان يكون الحال منتقلة و المعنى لا تفسدوا فى الأرض على قصد الإفساد احتراز عما إذا أفسدوا على قصد الإصلاح كالقتل و الجرح و تخريب الديار و قطع الأشجار فى حرب الكفار من اهل الحرب. ٣٧ فَكَذَّبُوهُ فى دعوى النبوة فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ الزلزلة الشديدة و قيل صيحة جبرئيل لان القلوب ترجف فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ باركين على الركب ميتين و المراد من دارهم بلدهم او دورهم و لم يجمع للامن من اللبس. ٣٨ وَ عاداً وَ ثَمُودَ منصوبان بإضمار اذكر او فعل دل عليه ما قبله مثل أهلكنا معطوف على قوله فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قرأ حمزة و حفص و يعقوب ثمود غير منصرف على تأويل القبيلة وَ قَدْ تَبَيَّنَ مع ما عطف عليه جملة معترضة لَكُمْ يا اهل مكة مِنْ مَساكِنِهِمْ اى بعض مساكنهم او المعنى قد تبين لكم إهلاكهم من مساكنهم إذا نظرتم إليها عند مروركم بها وَ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ من الكفر و المعاصي فَصَدَّهُمْ الشيطان عَنِ السَّبِيلِ اى سبيل الّذى بيّن لهم الرسل الموصل الى الجنة وَ كانُوا مُسْتَبْصِرِينَ قال مقاتل و قتادة و الكلبي كانوا معجبين فى دينهم و ضلالتهم يحسبون انهم على الهدى و المعنى انهم كانوا عند أنفسهم مستبصرين- و قال الفراء كانوا عقلاء ذوى البصائر متمكنين من النظر و الاستبصار لكنهم لم يفعلوا و قيل معناه كانوا مبينين ان العذاب لاحق بهم بأخبار الرسل لكنهم ألحوا حتى هلكوا. ٣٩ وَ قارُونَ وَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ معطوفون على عاد قيل قدم قارون لشرف نسبه و فيه اشعار بان الكفر و العصيان من شريف النسب أقبح وَ لَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَ ما كانُوا سابِقِينَ اى فائتين بل أدركهم امر اللّه بالتعذيب. من سبق طالبه إذا فاته. ٤٠ فَكُلًّا اى كل واحد منهم منصوب بقوله أَخَذْنا اى عاقبناه بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً اى الريح التي تحمل الحصباء و هى الحصى الضعيف و هم قوم لوط وَ مِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ يعنى ثمود و مدين وَ مِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ يعنى قارون وَ مِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا يعنى قوم نوح و فرعون و قومه وَ ما كانَ اللّه لِيَظْلِمَهُمْ اى يعاملهم معاملة الظالم فيعاقبهم بغير جرم إذ ليس ذلك من عادته وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ بالتعريض للعذاب. ٤١ مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللّه أَوْلِياءَ يعنى مثل الكفار فيما اتخذوه معتمدا و متكلا من الأصنام كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ فيما اتَّخَذَتْ بَيْتاً فى الوهن و الخوار بل ذاك اوهن فان لهذا حقيقة و انتفاعا ما يعنى مثل دينهم كمثل بيت العنكبوت او المعنى مثل الكفار الذين اتخذوا من دون اللّه اولياء بالنسبة الى الموحد كمثل العنكبوت بالنسبة الى رجل بنى بيتا من حجر و جصّ و العنكبوت «١» يقع على الواحد و الجمع و المذكر و المؤنث و التاء فيه كتاء الطاغوت و يجمع على عناكيب و عكاب و اعكب وَ إِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لا بيت اوهن و اقل وقاية للحر و البرد منه هذه الجملة حال او مستانفة لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ يرجعون الى علم لعلموا ان هذا مثلهم و ان دينهم اوهن من ذلك. (١) عن على قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم دخلت انا و ابو بكر العار فاجتمعت العنكبوت فنسجت بالباب فلا تقتلوهن ١٢. ٤٢ إِنَّ اللّه يَعْلَمُ على إضمار القول اى قل للكفرة انّ اللّه يعلم ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْ ءٍ قرأ ابو عمرو «و يعقوب- ابو محمد» و عاصم يدعون بالباء على الغيبة حملا على ما قبله من ذكر الأمم و الباقون بالتاء للخطاب الى كفار مكة و ما استفهامية منصوبة بيدعون فيعلم معلقة منها و من للتبيين او نافيه و من مزيدة و شى ء مفعول يدعون و الكلام تجهيل لهم و تأكيد للمثل او مصدرية و شى ء مصدر او موصولة مفعول ليعلم و مفعول يعلم عائده المحذوف و الكلام وعيد لهم وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ تعليل لما سبق فان من فرط الغباوة اشراك ما لا يعدل شيئا بمن هذا شأنه و ان الجماد بالاضافة الى القادر على كل شى ء البالغ فى العلم و إتقان الفعل كالمعدوم و ان من هذا صفته قادر على مجازاتهم. ٤٣ وَ تِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَ ما يَعْقِلُها اى ما يعقل حسن تلك الأمثال و فائدتها إِلَّا الْعالِمُونَ الّذين يتدبرون فى الأشياء على ما ينبغى فيعقلون عن اللّه سبحانه روى البغوي عن عطاء و ابى الزبير عن جابر رض انه تلى هذه الاية وَ تِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَ ما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ قال العالم من عقل عن اللّه فعمل بطاعنه و اجتنب معصية و كذا روى الثعلبي و الواحدي و روى ابو داود بن الحرمي كتاب العقل من طريق الحارث بن اسامة و أورده ابن الجوزي فى الموضوعات. ٤٤ خَلَقَ اللّه السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِالْحَقِّ فان المقصود بالذات من خلقها افاضة الخير و الدلالة له على ذاته و صفاته كما أشار اليه بقوله إِنَّ فِي ذلِكَ الخلق لَآيَةً دالة على وجود اللّه تعالى و علمة و قدرته و إرادته و وحدته و تنزهه عن المناقص لِلْمُؤْمِنِينَ فانهم هم المنتفعون بها. (الجزء الحادي و العشرون). ٤٥ اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ اى القران تقربا الى اللّه بتلاوته و تحفظا لاتعاظه و أحكامه و اعتبارا بامثاله و استكشافا لمعانيه فان القاري المتأمل قد ينكشف له بالتكرار ما لا ينكشف له أول مرة حتى يتمثل لاوامره و ينتهى عن مناهيه وَ أَقِمِ الصَّلاةَ المفروضة إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى هذه الجملة تعليل للامر باقامة الصلاة عَنِ الْفَحْشاءِ اى ما ظهر قبحه شرعا و عقلا وَ الْمُنْكَرِ للانتهاء عن المعاصي من حيث انها تذكر اللّه و تورث للنفس خشية قال البغوي روى عن انس رضى اللّه عنه قال كان فتى من الأنصار يصلى الصلوات الخمس مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ثم لم يدع شيئا من الفواحش الا ركبه فوصف لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حاله فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان صلاته تنهاه يوما فلم يلبث ان تاب و حسن حاله- و فى مسند إسحاق و البزار و ابى يعلى عن ابى هريرة قال جاء رجل الى النبي صلى اللّه عليه و سلم قال ان فلانا يصلى بالليل فاذا أصبح سرق قال ان صلاته تنهاه. قال البغوي قال ابن عباس رض و ابن مسعود فى الصّلوة منتهى و مزدجر عن معاصى فمن لم تأمره صلاته بالمعروف و لم تنهه عن المنكر لم يزدد صلاته من اللّه الا بعدا- و قال الحسن و قتادة من لم تنهه صلاته عن الفحشاء و المنكر فصلاته وبال عليه- و قيل المراد بالصلوة القران كما فى قوله تعالى وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ يعنى بالقران فى الصلاة و لا شك ان القران ينهى عن الفحشاء و المنكر- روى البغوي عن جابر قال قال رجل للنبى صلى اللّه عليه و سلم انّ رجلا يقرأ القران بالليل كله فاذا أصبح سرق قال ستنهى قراءته- و فى رواية قيل يا رسول اللّه ان فلانا يصلى بالنهار و يسرق باللّيل قال ان صلاته ستردعه وَ لَذِكْرُ اللّه أَكْبَرُ قال ابن عطاء و لذكر اللّه اكبر من ان يبقى معصية و المراد بذكر اللّه الصلاة الناهية عن الفحشاء و المنكر. و انما غير عنها بالذكر للتعليل بان اشتمالها للذكر هو السبب لكونها مفضية الى الحسنات ناهية عن السيئات- و قد ورد فى فضل الذكر أحاديث منها حديث ابى الدرداء رضى اللّه عنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الا أنبئكم بخير أعمالكم و أذكاها عند مليككم و ارفعها فى درجاتكم و خير لكم من انفاق الذهب و الورق و خير لكم من ان تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم و يضربوا أعناقكم قالوا بلى قال ذكر اللّه- رواه مالك و احمد و الترمذي و ابن ماجة الا ان مالكا وقفه على ابى الدرداء و عن ابى سعيد الخدري رضى اللّه عنه عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انه سئل اى العباد أفضل و ارفع درجة عند اللّه قال الذاكرون اللّه كثيرا و الذاكرات قيل يا رسول اللّه و من الغازي فى سبيل اللّه فقال لو ضرب بسيفه الكفار حتى تنكسر و تخضب دما لكان الذاكرون اللّه كثيرا أفضل منه درجة رواه احمد و الترمذي و قال الترمذي حديث غريب و عن عبد اللّه بن بسر قال جاء أعرابي الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال اى الناس خير قال طوبى لمن طال عمره و حسن عمله قال يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال اى الناس خير قال طوبى لمن طال عمره و حسن عمله قال يا رسول اللّه اى الأعمال أفضل قال ان تفارق الدنيا و لسانك رطب من ذكر اللّه- رواه احمد و الترمذي و عن ابى هريرة قال كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يسير فى طريق مكة فمر على جبل يقال له حمدان فقال سيروا هذا حمدان سبق المفردون قالوا و ما المفردون يا رسول اللّه قال الذاكرون اللّه كثيرا و الذاكرات- رواه مسلم و عن ابى موسى قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مثل الذي يذكر ربه و الذي لا يذكر ربه مثل الحي و الميت. متفق عليه و عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان اللّه ملائكة يطوفون فى الطرق يلتمسون اهل الذكر فاذا وجدوا قوما يذكرون اللّه تنادوا هلموا الى حاجتكم قال فيحفونهم بأجنحتهم الى السماء قال فيسئلهم ربهم (و هو اعلم بهم) ما يقولون عبادى قال يقولون يسبحونك و يكبرونك و يحمدونك و يمجّدونك قال فيقول هل راؤنى قال فيقولون لا و اللّه ما راوك قال فيقول كيف لو راونى قال يقولون لو راوك كانوا أشدّ لك عبادة و أشدّ لك تمجيدا و اكثر لك تسبيحا قال فيقول فما يسئلون قالوا يسئلونك الجنة قال يقول هل راوها فيقولون لا و اللّه ما راوها قال يقول كيف لو راوها قال يقولون لو انهم راوها كانوا أشد عليها حرصا و أشد طلبا و أعظم فيها رغبة قال فلم يتعوذون قال يقولون من النار قال يقول فهل راوها قال يقولون لا و اللّه يا رب ما راوها قال يقول فكيف لوراوها قال يقولون لو راوها كانوا أشد لها فرارا و أشد لها مخافة قال فيقول فاشهدكم انى قد غفرت لهم قال يقول ملك من الملائكة فيهم فلان ليس منهم انما جاء لحاجة قال هم الجلساء لا يشقى جليسهم- رواه البخاري و روى مسلم نحوه و فيه قال يقولون رب فيهم عبد خطاء انما مرّ فجلس معهم قال فيقول و لغفرت هم القوم لا يشقى بهم جليسهم- و عن انس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا امررتم برياض الجنة فارتعوا قالوا و ما رياض الجنة قال قال حلق الذكر. رواه الترمذي و روى مسلم من حديث معاوية رض ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم خرج على حلقة من أصحابه فقال و ما اجلسكم هاهنا قالوا جلسنا نذكر اللّه و نحمده على ما هدانا للاسلام و منّ به علينا قال ان اللّه عزّ و جلّ يباهى بكم الملائكة- و عن مالك قال بلغني ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كان يقول ذاكر اللّه فى الغافلين كالمقاتل خلفه الفارين و ذاكر اللّه فى الغافلين كغصن اخضر فى شجر يابس و ذاكر اللّه فى الغافلين مثل مصباح فى بيت مظلم و ذاكر اللّه فى الغافلين يريه مقعده من الجنة و هو حى و ذاكر اللّه فى الغافلين يغفر له بعدد كل فصيح و أعجم من بنى آدم و البهائم- رواه رزين و عن معاذ بن جبل قال ما عمل آدمي عملا انجاله من عذاب اللّه من ذكر اللّه- رواه مالك و الترمذي و ابن ماجه و عن ابى سعيد شهد على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انه قال لا يقعد قوم يذكرون اللّه الا حفتهم الملائكة و غشيتهم الرحمة و نزلت عليهم السكينة و ذكرهم اللّه فيمن عنده و رواه مسلم و عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انا عند ظن عبدى بي و انا معه إذا ذكرنى فان ذكرنى فى نفسه ذكرته فى نفسى و ان ذكرنى فى ملاء ذكرته فى ملاء خير منهم متفق عليه و قال قوم معنى قوله تعالى و لذكر اللّه اكبر لذكر اللّه إياكم أفضل من ذكركم إياه و يروى ذلك عن ابن عباس رض و هو قول مجاهد و عكرمة و سعيد بن جبير قال البغوي و يروى ذلك مرفوعا عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر رضى اللّه عنهما عن النبي صلى اللّه عليه و سلم و المعنى انه لا تقصروا فى ذكر اللّه فان ذكركم إياه يفضى الى ذكره إياكم و لذكره إياكم أفضل من ذكركم إياه وَ اللّه يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ لا يخفى عليه شى ء كذا قال عطاء. ٤٦ وَ لا تُجادِلُوا يعنى لا تخاصموا عطف على أقم الصّلوة اى و لا تجادل أنت و المؤمنون أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي اى بالخصلة التي هِيَ أَحْسَنُ الخصال يعنى بالقرءان و الدعاء الى اللّه باياته و التنبيه على حججه فالمستثنى مفرغ او المعنى الا بالتي هى احسن مما يفعله الكافرون يعنى معارضة الخشونة باللين و الغضب بالكظم و المشاغبة بالنصح فالمستثنى منقطع لان النصح ليس بمجادلة إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ بنبذ العهد او عدم قبول الجزية فقاتلوهم حتى يسلموا او يعطوا الجزية عن يدوّهم صاغرون كذا قال سعيد بن جبير ان المستثنى اهل الحرب و الباقي بعد الثنيا اهل الذمة و الظاهر انه كان الحكم بحسن المجادلة قبل الأمر بالقتال لان الاية مكية فالمراد حينئذ بالذين ظلموا المفرطون فى الاعتداء و العناد و القائلون بإثبات الولد و بان يد اللّه مغلولة و بانّ اللّه فقير و نحن اغنياء فحينئذ جاز مجادلتهم بالعنف و على هذا قال قتادة و مقاتل هذه الاية منسوخة باية السيف وَ قُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَ أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ بيان لحسن المجادلة. و يحتمل ان يكون المعنى و لا تجادلوا اهل الكتاب إذا أخبروا مما ذكر فى كتبهم يعنى لا تكذبوهم الّا الّذين ظلموا منهم يعنى الا من اخبر بشئ معلوم قطعا انه كاذب فيه كقولهم بتأبيد دين موسى او قتل عيسى او كون عيسى ابن اللّه و نحو ذلك فحينئذ يجب تكذيبه و المباهلة عليه وَ قُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَ أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَ إِلهُنا وَ إِلهُكُمْ واحِدٌ وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ اى مطيعون له خاصة و فيه تعريض باتخاذهم أحبارهم و رهبانهم أربابا من دون اللّه عن ابى هريرة رضى اللّه عنه قال كان اهل الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية و يفسرونها بالعربية لاهل الإسلام فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا تصدقوا اهل الكتاب و لا تكذبوهم و قولوا آمنّا باللّه و ما انزل إلينا و ما انزل إليكم الاية- رواه البخاري و عن ابى نملة الأنصاري انه بينما هو جالس عند رسول ال لّه صلى اللّه عليه و سلم جاءه رجل من اليهود و مر بجنازة فقال يا محمد هل يتكلم هذا الميت فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا اعلم فقال اليهودي انها تتكلم فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما حدثكم اهل الكتب لا تصدقوهم و لا تكذبوهم و قولوا امنّا باللّه و كتبه و رسله فان كان باطلا لم تصدقوهم و ان كان حقّا لم تكذبوهم. ٤٧ وَ كَذلِكَ اى كما أنزلنا على من قبلك أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ وحيا مصدقا لسائر الكتب الالهية و هو تحقيق لقوله فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ به يعنى مومنى اهل الكتب عبد اللّه بن سلام و أمثاله او المعنى الذين آتَيْناهُمُ الْكِتابَ كانوا يؤمنون به قبل مبعث النبي صلى اللّه عليه و سلم وَ مِنْ هؤُلاءِ اى من اهل مكة او من العرب او ممن فى عهد النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم من الكتابين مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ اى بالقران وَ ما يَجْحَدُ بِآياتِنا الاضافة للعهد يعنى بايات القران إِلَّا الْكافِرُونَ يعنى الكافرون باللّه و بالكتب كلها يعنى من كذب بالقران فقد كذب بالتوراة و الإنجيل ايضا لانهما مصدقان للقران فتكذيبه تكذيب بهما فمن أنكر القران و ادعى الايمان بالتورية فدعواه باطل قال قتادة الجحود انما يكون بعد المعرفة عرفوا ان محمدا حق و القران حق فجحدوا. ٤٨ وَ ما كُنْتَ تَتْلُوا يا محمد ص عطف على كَذلِكَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ اى من قبل ما انزل إليك الكتاب مِنْ كِتابٍ وَ لا تَخُطُّهُ و لا تكتبه بِيَمِينِكَ ذكر اليمين زيادة تصوير للمنفى و نفى للتجوز فى الاسناد إِذاً يعنى إذا كنت قاريا للكتب المتقدمة كاتبا لها لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ اى الكافرون يعنى اهل مكة و قالوا لعله التقطه من كتب الأقدمين كذا قال قتادة و انما سماهم مبطلين لكفرهم او لارتيابهم بانتفاء وجه واحد مع وجود المعجزات المتكاثرة و قيل معناه لا ارتياب اهل الكتاب لوجدانهم نعتك فى كتبهم بالامى كذا قال مقاتل فيكون على هذا ابطالهم باعتبار الواقع دون المقدر. ٤٩ بَلْ هُوَ اى القران آياتٌ بَيِّناتٌ واضحة الدلالة على صدقها إضراب عما فهم فيما سبق يعنى ما هذا القران مختلقا من عندك و لا مخطوطا بيمينك بل هو آيات بينات فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ يعنى المؤمنين الذين حملوا القران يحفظونه لا يقدر أحد على تحريفه و هى من خصائص القران كونه آيات بينات الاعجاز و كونه محفوظا عن التحريف و الاسقاط لقوله تعالى وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ و كونه محفوظا فى الصدور بخلاف سائر الكتب فانها لم تكن معجزة فكانوا يحرفون الكلم منها عن مواضعها و ما كانت تقرا الا من مصحف و قال ابن عباس بل هو يعنى محمدا صلى اللّه عليه و سلم ذوايات بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ من اهل الكتاب لانهم يجدون نعته و وصفه فى كتبهم وَ ما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الظَّالِمُونَ الظلم وضع الشي ء فى غير موضعه يعنى آياتنا معجزة واضحة الدلالة على صدقها لظما و معنى فمن جحد بها بعد وضوح اعجازها فهو الظالم المكاير للحق. ٥٠ وَ قالُوا عطف على قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا و ما بينهما معترضات لَوْ لا هلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ كما انزل على الأنبياء من قبل مثل ناقة صالح و عصا موسى و مائدة عيسى قرا نافع و ابن عامر و البصريان و حفص آيات على الجمع و الباقون اية على التوحيد قُلْ يا محمّد ص إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللّه اى فى قدرته مربوطا بإرادته لست أملكها فاتيكم بما تقرحون وَ إِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ ليس من شأنى الا الانذار و ابانة بما أعطيت من الآيات. ٥١ أَ وَ لَمْ يَكْفِهِمْ الهمزة للانكار و التوبيخ و الواو للحال من فاعل فعل مقدر تقديره أ تطلبون منك اية و الحال انه لم يكفهم اية قوية مغنية عما اقترحوه أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ و أنت امّىّ الْكِتابَ المعجز الجامع لانواع العلوم الشريفة مطابقا لما قبله من الكتب يُتْلى عَلَيْهِمْ يدوم تلاوته عليهم متحدين به لم يقترن بزمان و هى تخبرنا عن المعاد و عن عاد و عن ارم دامت لدنيا ففاقت كل معجزة من النبيّين إذ جاءت و لم تدم إِنَّ فِي ذلِكَ الكتاب الّذى هو اية مستمرة مبينة لَرَحْمَةً لنعمة عظيمة وَ ذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ اى تذكرة لمن همه الايمان دون التعنت هذه الاية تعليل للتوبيخ- و اخرج ابن جرير و ابن ابى حاتم و الدارمي فى مسنده و ابو داود فى المراسيل من طريق عمرو بن دينار عن يحيى بن جعدة مرسلا قال جاء ناس من المسلمين بكتف كتب فيها بعض ما سمعوه من اليهود فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم كفى بقوم ضلالة ان يرغبوا عما جاء به نبيهم الى ما جاء به غيره الى غيرهم فنزلت أَ وَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ. روى ان كعب بن الأشرف قال يا محمد من يشهد بانك رسول اللّه فنزلت. ٥٢ قُلْ كَفى بِاللّه بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ لا يخفى عليه شى ء الجملة صفة لشهيدا او تعليل لكفى وَ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ قال ابن عباس يعنى بغير اللّه و قال مقاتل يعنى الذين عبدوا الشيطان وَ كَفَرُوا بِاللّه أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ فى تجارتهم حيث اختاره الباطل على الحق و اشتروا النار بالجنة هذه الجملة معطوفة على كفى. ٥٣ وَ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ عطف على قالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ نزلت الاية حين قال النضر بن الحارث فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ ... وَ لَوْ لا أَجَلٌ مُسَمًّى قال ابن عباس يعنى ما وعدتك ان لا أعذب قومك و لا استأصلهم و أؤخر عذابهم الى يوم القيامة كما قال بل الساعة موعدهم و السّاعة أدهى و امرّ و قال الضحاك مدة أعمارهم لانهم إذا ماتوا صاروا الى العذاب و قيل يوم بدر لَجاءَهُمُ الْعَذابُ عاجلا وَ لَيَأْتِيَنَّهُمْ العذاب و قيل الاجل بَغْتَةً فجاة فى الدنيا كوقعة بدر او فى الاخرة عند نزول الموت بهم وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ بإتيانه. ٥٤ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ إعادة تأكيدا وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ عطف على لياتينّهم بغتة يعنى سيحيط بهم يوم يأتيهم العذاب. او هى الان كالمحيطة لاحاطة الكفر و المعاصي التي يوجبها لهم و اللام للعهد على وضع الظاهر موضع الضمير للدلالة على موجب الإحاطة او للجنس فيكون استدلالا بحكم الجنس على حكمهم. ٥٥ يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ ظرف لمحيطة او لمقدر مثل كان كيت و كيت مِنْ فَوْقِهِمْ وَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ اى من جميع جوانبهم وَ يَقُولُ قرأ نافع و الكوفيون بالياء يعنى و يقول اللّه او بعض ملائكته بامره و الباقون بالنون على التكلم ذُوقُوا ما كُنْتُمْ اى جزاء ما كنتم تَعْمَلُونَ ٥٦ يا عِبادِيَ قرأ ابو عمرو «و يعقوب و خلف- ابو محمد» و حمزة و الكسائي بحذف الياء فى الوصل و فتحها الباقون فى الوصل و أثبتوها ساكنه فى الوقف الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي قرا ابن عامر بفتح الياء و الباقون بإسكانها بإسكانها واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ ايّاى منصوب بفعل مضمر يفسره الشرطية الواقعة بعدها و الفاء جزاء شرط محذوف تقديره ان لم تستطيعوا ان تعبدونى فى الأرض التي كنتم فيها فاعبدونى فى ارض غيرها فحذف الشرط و عوض من حذفه تقديم المفعول حتى صار الضمير المتصل منفصلا و أفاد تقديمه معنى الاختصاص و صار فاياى اعبدوا ثم أضمر الفعل الناصب و فسره بقوله فاعبدونى ليفيد التأكيد كانّه قال فاعبدونى فاعبدونى قال مقاتل و الكلبي نزلت فى ضعفاء المسلمين بمكة يقول ان كنتم بمكة فى ضيق من اظهار الايمان فاخرجوا الى ارض غيرها يمكن لكم فيها اظهار الايمان كالمدينة ف إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ و قال مجاهد إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فهاجروا و جاهدوا فيها و قال سعيد بن جبير إذا عمل فى ارض بالمعاصي فاخرجوا منها ف إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ و قال عطاء إذا أمرتم بالمعاصي فاهربوا ف إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ و كذلك يجب على كل من كان فى بلده يعمل فيها بالمعاصي و لا يمكنه تغيير ذلك ان يهاجر الى حيث يتهيا له العبادة و قيل نزلت فى قوم تخلفوا عن الهجرة بمكة و قالوا نخشى من الجوع ان هاجرنا فانزل اللّه هذه الاية لم يعذرهم بترك الخروج قال مطرف بن عبد اللّه إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ اى رزقى لكم واسع فاخرجوا قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من فرّ بدينه من ارض الى ارض و لو شبرا استوجب الجنة و كان رفيق ابراهيم و محمد صلى اللّه عليهما و سلم رواه الثعلبي من حديث الحسن مرسلا. ٥٧ كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ اى واجد حرارته و كربه لا محالة كما يجد الذائق طعم المذوق فلا تقيموا دار الشر اى خوفا من الموت بل لا بد لكم من الاستعداد لها بعبادة اللّه ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ فنجازيكم بأعمالكم فهاجروا فى سبيل اللّه نجازيكم عليه قرا ابو بكر باليا على الغيبة و الباقون بالتاء على الخطاب ففيه الالتفات من الغيبة الى الخطاب. ٥٨ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ قرأ حمزة و الكسائي لنثوينّهم بالتاء المثلثة ساكنة و تخفيف الواو و بالياء من غير همزة يقال ثوى الرجل و أثويته إذا أنزلته منزلا و الباقون بالباء الموحدة و فتحها و تشديد الواو و همزة بعدها اى لننزلهم مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً أعالي قال صاحب البحر المواج لنبوّئنّهم بالباء الموحدة فعل متعد الى مفعول واحد و مجرده لازم و غرفا منصوب بنزع الخافض ليس مفعولا ثانيا له الا على تضمينه معنى لننزلن تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ المخصوص بالمدح محذوف دل عليه ما قبله تقديره عرف الجنة او أجرهم. ٥٩ الَّذِينَ صَبَرُوا على ذية المشركين و الهجرة للذين الى غير ذلك من المحن و الشاق لاجل مرضاة اللّه وَ عَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ يعتمدون على ان يرزقهم من حيث لم يحتسبوا- قال البغوي عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال للمؤمنين الذين كانوا بمكة و قنا اذاهم المشركون هاجروا الى المدينة فقالوا كيف نخرج الى المدينة و ليس لنا بها دار و لا مال فمن يطعمنا و يسقينا فنزلت. ٦٠ وَ كَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ محتاجة الى الغذاء من البهائم و الطيور لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا معها و لا تدخر لغد قال سفيان بن على بن أرقم ليس شى ء من خلق اللّه يدخر الا الإنسان و الفارة و النمل اللّه يَرْزُقُها وَ إِيَّاكُمْ حيثما كنتم يعنى انها مع ضعفها و عدم ادخار أرزاقها و إياكم مع قوتكم و اجتهادكم سواء فى انه لا يرزقها و إياكم الا اللّه تعيشون كما تعيشون و تموتون كما تموتون فاجتهادكم عبث فلا تخافوا على معاشكم بالهجرة وَ هُوَ السَّمِيعُ لاقوالكم سمع قولكم لا نجد ما ننفق بالمدينة الْعَلِيمُ بما فى قلوبكم من ضعف اليقين اخرج عبد بن حميد و ابن ابى حاتم و البيهقي و ابن عساكر بسند ضعيف و كذا ذكر البغوي عن ابن عمر قال دخلت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حائطا من حوائط الأنصار فجعل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يلتقط الرطب بيده و يأكل فقال يا ابن عمر كل فقلت لا أشتهيها يا رسول اللّه قال لكنى أشتهيها و هذه صبح رابعة منذ لم اطعم طعاما و لم أجده فقلت انا للّه المستعان قال يا ابن عمر لو سالت ربى لاعطانى مثل ملك كسرى و قيصر أضعافا مضاعفة و لكن أجوع يوما و أشبع يوما فكيف بك يا ابن عمر رض إذا عمرت و بقيت فى قوم يحيئون رزق سنة و يضعف اليقين قال فو اللّه ما برحنا و لارمنا حتى نزلت وَ كَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ الاية. عن انس قال ان النبي صلى اللّه عليه و سلم كان لا يدخر شيئا لغد. رواه الترمذي و صححه و عن عمر بن الخطاب قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول لو انكم تتوكلون على اللّه حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغذ و خماصا و تروح بطانا- رواه الترمذي و ابن ماجة و عن ابن مسعود- قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ليس من شى ء يقربكم من الجنة و يباعدكم من النار الا قد أمرتكم به و ليس من شى يقربكم من النار و يباعدكم من الجنة الا قد نهيتكم عنه و ان روح القدس نعت فى روعى ان نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها الا فاتقوا اللّه و اجملوا فى الطلب و لا يحملنكم استبطاء الرزق ان تطلبوا بمعاصي اللّه فانه لا يدرك ما عند اللّه الا بطاعته- رواه البغوي فى شرح السنة و ذكره فى المعالم-. ٦١ وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ يعنى اهل مكة شرط فى جواب قسم محذوف مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ جملة استفهامية واقعة بتأويل المفرد فى محل النصب على المصدرية لقوله سالتهم تقديره سالتهم هذا السؤال لَيَقُولُنَّ اللّه فاعل لفعل محذوف تقديره ليقولنّ خلقهن اللّه و قوله ليقولن جواب للقسم لفظا و جزاء للشرط بمعنى يعنى و اللّه لا يقولن الا هذا الجواب لما تقرر فى العقول من انتهاء الممكنات الى واحد واجب لذاته فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ يعنى فكيف يصرفون عن توحيدهم بعد إقرارهم بذلك. ٦٢ اللّه يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَ يَقْدِرُ لَهُ يحتمل ان يكون الموسع له و المضيق عليه واحدا على التعاقب فى الزمان و ان يكون على وضع الضمير موضع من يشاء اى و يقدر لمن يشاء منهم لان من يشاء منهم غير معين و كان الضمير مبهما مثله إِنَّ اللّه بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيمٌ (٦٢) يعلم مصالح كل شى ء و مفاسده قال اللّه تعالى ان من عبادى المؤمنين لمن يسئلنى الباب من العبادة فاكفه عنه لا يدخله عجب فيفسده ذلك و ان من عبادى المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه الا الغناء و لو أفقرته لافسده ذلك و ان من عبادى المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه الا الفقر و لو أغنيته لافسده ذلك و ان من عبادى المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه الا الصحة و لو أسقمته لافسده ذلك و ان من عبادى المؤمنين لا يصلح إيمانه الا السقم و لو اصححته لافسده ذلك انى أدبر امر عبادى بعلمي فى قلوبهم انى عليم خبير- رواه البغوي فى حديث طويل عن انس و سنذكره فى سورة الشورى إنشاء اللّه تعالى. ٦٣ وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ يعنى اهل مكة عطف على لان سالتهم و الكلام فيه مثل ما مرّ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللّه يعنى اهل مكة معترفون بان موجد الأشياء كلها بسائطها و مركباتها أصولها و فروعها هو اللّه لا غير و مع ذلك يشركون به فى العبادة بعض مخلوقاته الذي لا يقدر على شى قُلِ الْحَمْدُ للّه على ما عصمك عن مثل هذه الضلالة او على تصديقك و اظهار حجتك بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ «١» قبح صنيعهم و تناقض أقوالهم حيث يقرون بانه المبدأ لكل ما عداه و مع ذلك يشركون به اخس الموجودات و أعجزها. (١) و فى الأصل لا يعلمون-. ٦٤ وَ ما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا اشارة تحقير إِلَّا لَهْوٌ و هو ما يشغله عما يغنيه فان اشتغال المرء بالدنيا يشغله عما يفيده فى الحيوة المؤبدة وَ لَعِبٌ اى عبث سميت بها لانها فانية و ما يفعل المرء فى الحيوة الدنيا من الطاعات فهى ليست من الدنيا بل هى من امور الاخرة لظهور ثمرتها فيها وَ إِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ اى دار الحيوان يعنى ليس فيها الا الحيوة لامتناع طريان الموت عليها او جعلت ذاتها حيوة للمبالغة و الحيوان مصدر بمعنى الحيوة أصله حييان قلبت الياء الثانية واو او هو ابلغ من الحيوة لما فى بناء فعلان من الدلالة من الحركة و الاضطراب اللازم للحيوة و لذلك اختير عنها هاهنا لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ فناء الدنيا و بقاء الاخرة لم يؤثروا الدنيا على الاخرة. ٦٥ فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ و خافوا الغرق متصل بما دل عليه شرح حالهم اى هم على ما وضعوا من الشرك و العناد إذا ركبوا فى الفلك دَعَوُا اللّه مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ اى يدعون كائنين فى صورة من أخلص دينه من المؤمنين حيث لا يذكرون الا اللّه و لا يدعون سواه لعلمهم بانه لا يكشف الضر الا اللّه فَلَمَّا نَجَّاهُمْ اللّه إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ اى فاحبؤا المعاودة الى الشرك عطف على الشرطية السابقة- قال عكرمة كان اهل الجاهلية إذا ركبوا البحر حملوا معهم الأصنام فاذا اشتدت بهم الريح ألقوها فى البحر و قالوا يا رب يا رب و على قوله مخلصين له الدين على الحقيقة يعنى كانوا عند الشدائد يخلصون الدين للّه و يتركون الشرك و عند النجاة يعودون الى الشرك. ٦٦ لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ هذا لام الأمر و معناه التهديد و الوعيد كقوله تعالى اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ اى ليجحدوا نعمة اللّه فى انجائه إياهم و قيل هى لام كى اى يشركون ليكونوا كافرين بشركهم نعمة الانجاء او المعنى لا فائدة لهم فى الإشراك الا الكفر و التمتع بما يستمتعون به فى العاجلة من غير نصيب فى الاخرة على خلاف عادة المؤمنين المخلصين فانهم يشكرون نعمة اللّه إذا أنجاهم و يجعلون نعمة النجاة ذريعة الى ازدياد الطاعة وَ لِيَتَمَتَّعُوا قرأ ابن كثير «و خلف- ابو محمد» و حمزة و الكسائي و قالون عن نافع بسكون اللام فهو لام الأمر على قراءتهم و الباقون بكسر اللام نسقا على قوله ليكفروا و حينئذ يحتمل لام الأمر و لام كى فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ عاقبة ذلك حين يعاقبون. ٦٧ أَ وَ لَمْ يَرَوْا الاستفهام للانكار و الواو للعطف على محذوف تقديره الم ينظروا و لم يروا اهل مكة أَنَّا جَعَلْنا مكة حَرَماً مصونا عن النهيب و التعدي آمِناً اهله عن القتل و السبي وَ يُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ عطف على جملة محذوفة مفهومة عما سبق تقديره انّا جعلنا مكّة حرما آمنا لا يغار و لا يتعرض أهلها وَ يُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ- و قد كان العرب يختلسون الناس قتلا و سبيا و لا يتعرضون اهل مكة أَ فَبِالْباطِلِ الهمزة للانكار و الفاء للتفريع على مضمون ما سبق يعنى أنعم اللّه على اهل مكة هذه النعمة و هم بعد هذه النعمة الظاهرة و غيرها مما لا يقدر عليه الا اللّه سبحانه بالباطل يعنى بالأصنام او بالشيطان و جاز ان يكون المراد بالباطل كل شى ء سوى اللّه لقوله صلى اللّه عليه و سلم الا ان احسن القول قول لبيد الا كلّ شى ء ما خلا اللّه باطل يُؤْمِنُونَ وَ بِنِعْمَةِ اللّه يَكْفُرُونَ حيث أشركوا به غيره و تقديمه للاهتمام او الاختصاص على طريق المبالغة و قيل المراد بنعمة اللّه محمد صلى اللّه عليه و سلم و القران. ٦٨ وَ مَنْ أَظْلَمُ يعنى لاحد اظلم مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللّه كَذِباً بان زعم ان له شريكا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ اى الرسول و القران لَمَّا جاءَهُ فى كمّا تشفيه لهم بانهم لم يتوقفوا و لم يتاملوا حين مجئ الرسول بل سارعوا الى التكذيب أول ما سمعوا أَ لَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ استفهام تقرير للثواء يعنى الا يستوحبون الثواء اى القرار فى جهنم و قد افتروا على اللّه و كذّبوا بالحق مثل هذا التكذيب او تقرير لاجترائهم يعنى الم يعلموا ان فى جهنم مثوى للكافرين حتى اجترءوا هذه الجراءة. ٦٩ وَ الَّذِينَ جاهَدُوا الجهاد بذل الوسع و الطاقة و المراد الذين بذلوا وسعهم بطاقتهم فى محاربة الكفار و مخالفة النفس و الهوى فِينا اى فى ابتغاء مرضاتنا و نصرة ديننا و امتثال او أمرنا و الانتهاء عن مناهينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا اى سبل السير إلينا و الوصول الى جنابنا وصولا بلا كيف او لنرينهم سبل الخير و نوفّقهم سلوكها قال اللّه تعالى وَ الَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً و عن ابى الدرداء انه قال معناه و الذين جاهدوا فيما علموا لنهدينهم الى ما لم يعلموا. و عن عطاء و الّذين جاهدوا فى رضائنا لنهدينّهم سبل ثوابنا و عن الجنيد الَّذِينَ جاهَدُوا فى التوبة لنهدينهم سبل الإخلاص و قال سفيان بن عيينة إذا اختلف الناس فانظروا الى ما عليه اهل الثغور فان اللّه قال وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا و قال الحسن أفضل الجهاد مخالفة الهوى و قال الفضيل بن عياض وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فى طلب العلم لنهدينهم سبل العمل به. و قال سهيل بن عبد اللّه و الّذين جاهدوا فى اقامة السنة لنهدينهم سبل الجنة و قال ابن عباس رض و الّذين جاهدوا فى طاعتنا لنهدينّهم سبل ثوابنا و فى الحديث من عمل بما علم ورثه اللّه علم ما لم يعلم قوله لنهدينهم سبلنا جواب قسم محذوف و الجملة القسمية خبر للموصول و الموصول المبتدا مع خبره عطف على الّذين أمنوا و عملوا الصّلحت وَ إِنَّ اللّه لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ بالنصر و الاعانة فى الدنيا و الثواب و المغفرة فى العقبى و قالت الصوفية ان اللّه لمع المحسنين معية غير متكيفة يدركها بصائر اهل البصائر- هذه الجملة عطف على و الّذين جاهدوا و جاز ان يكون حالا من فاعل لنهدينّهم و العائد وضع الظاهر موضع الضمير تقديره و انّا لمع المحسنين و التصريح باسمه تعالى لمزيد التأكيد و اللّه اعلم |
﴿ ٠ ﴾