٣٠

فَأَقِمْ الفاء للسببية يعنى لما ثبت وحدانيته تعالى و ظهر ان المشركين انما اتبعوا أهواءهم جاهلين فاقم أنت وَجْهَكَ اى أخلص بوجهك لِلدِّينِ اى للاسلام حَنِيفاً مائلا اليه مستقيما عليه غير ملتفت عنه الى غيره فِطْرَتَ اللّه منصوب على الإغراء اى الزموا فطرة اللّه اى خلقته و المراد به دينه يعنى الإسلام كذا قال ابن عباس رض و جماعة من المفسرين فالاية خطاب للنبى صلى اللّه عليه و سلم و لامته بتبعيته فالاية بمنزلة التأكيد او التفسير لما قبله سماه فطرة لكونه لازما لكل مخلوق كما يدل عليه قوله الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها خلقهم مستعدين لها متمكنين على إدراكها و قيل المراد به العهد المأخوذ من آدم و ذريته بقوله أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى قالوا كل مولود فى العالم مولود على ذلك الإقرار و هو الحنيفة التي وقعت الخلفة عليها و قد مرّ ما ورد فى هذا الباب فى تفسير هذه الاية فى سورة الأعراف عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما من مولود الا يولد على الفطرة فابواه يهود انه او ينصرانه او يمحبسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاع هل تحسون فيها من جدعاء ثم قرا فِطْرَتَ اللّه الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللّه متفق عليه يعنى كل مولود يولد فى مبدا الخلقة على الجبلة السليمة و الطبع المهيا لقبول الحق فلو ترك عليها لاستمر على لزومها لان هذا الدين مركوز فى العقول السليمة حسنه و انما يعدل عنه من يعدل لافة من الآفات كتقليد الآباء قوله تعالى لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللّه الظرف المستقر خبر اللّه و الجملة الخبرية معناه النهى يعنى لا تبدلوا دين اللّه قال مجاهد و ابراهيم النخعي الزموا فطرة اللّه و اتبعوه و لا تبدلوا التوحيد بالشرك- و قيل فطرة اللّه منصوب على المصدرية لفعل دل عليه ما بعده يعنى فطر اللّه الناس فطرة التي فطرهم عليها حكى عن عبد اللّه بن مبارك قال معنى الحديث كل مولود يولد على الفطرة اى على خلقته التي جبل عليها فى علم اللّه من السعادة او الشقاوة و كل منهم صائر فى العاقبة الى ما فطر اللّه عليها و عامل فى الدنيا بالعمل المشاكل لها و على هذا معنى قوله تعالى لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللّه يعنى ما جبل عليه الإنسان من السعادة و الشقاوة لا يتبدل فلا يكون الشقي سعيدا و لا السعيد شقيّا عن ابن مسعود قال حدثنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و هو الصادق المصدوق ان خلق أحدكم يجمع فى بطن امه أربعين يوما نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث اللّه اليه ملكا بأربع كلمات فيكتب عمله و اجله و رزقه و شقى او سعيد ثم ينفخ فيه الروح فو الذي لا اله غيره ان أحدكم ليعمل بعمل اهل الجنة حتى ما يكون بينه و بينها الا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل اهل النار فيدخلها و ان أحدكم ليعمل بعمل اهل النار حتى ما يكون بينه و بينها الاذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل اهل الجنة فيدخلها. متفق عليه و عن ابى الدرداء قال بينما نحن عند رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم نتذاكر ما يكون إذ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذ سمعتم بجبل زال عن مكانه فصدقوه و إذا سمعتم برجل تغير عن خلقه فلا تصدقوه فانه يصير الى ما جبل عليه.

رواه احمد و المعنى على هذا التأويل ان اللّه فطر كلّا على فطرة لا يتبدل و قد فطرك و من معك سعداء فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ كانه تعليل و تشجيع على الإخلاص و جاز ان يكون فطرة اللّه على هذا التأويل منصوبا بتقدير ملتزمين فطرة اللّه التي فطركم عليها فوضع الظاهر يعنى لفظ الناس موضع الضمير اشعارا بان الناس كلهم مغطورون على فطرة غير تاركوها فانتم اقيموا وجوهكم للدين قال عكرمة و مجاهد يعنى لا تبدلوا خلق اللّه و المراد منه تحريم اخصاء البهائم ذلِكَ اشارة الى الدين المأمور بالإقامة او الفطرة على التأويل الاول الدِّينُ الْقَيِّمُ المستقيم الذي لا اعوجاج فيه وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ يعنى كفار مكة لا يَعْلَمُونَ استقامة لعدم تدبرهم.

﴿ ٣٠