سُورَةُ فَاطِرٍ مَكِّيَّةٌ

وَهِيَ خَمْسٌ وَأَرْبَعُونَ آيَةً‏‏

مكّية و هى خمس و أربعون اية ربّ يسّر و تمّم بالخير

 بِسْمِ اللّه الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.

_________________________________

١

الْحَمْدُ للّه فاطِرِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ اى خالقهما و مبدعهما من غير مثال سبق من الفطرة بمعنى الشق العدم بإخراجها منه و الاضافة محضة لان فاطرا بمعنى الماضي فهو صفة للّه جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وسائط بين اللّه و أنبيائه و الصالحين من عباده يبلَّغون إليهم رسالاته بالوحى او الإلهام او الرؤيا الصالحة او بينه و بين خلقه يوصلون إليهم اثار صنعه. و اضافة جاعل الى الملائكة لفظية لان جاعلا قد عمل فى رسلا و لا يجوز اعماله فى المفعول الثاني الا ان يكون عاملا فى الاول لانه من ملحقات افعال القلوب لا يجوز اقتصارها على أحد المفعولين و المعنى يجعل الملائكة رسلا فى الحال او الاستقبال الى محمد صلى اللّه عليه و سلم و خواص أمته فقوله جاعل بدل من اللّه و ليس بصفة أُولِي أَجْنِحَةٍ بدل من رسلا مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ صفات لاجنحة قال قتادة و مقاتل بعضهم له جناحان و بعضهم له ثلاثة اجنحة و بعضهم له اربعة اجنحة و ليس هذا للحصر و لدفع توهم الحصر قال اللّه تعالى يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ فى الملائكة و غيرها ما يَشاءُ إِنَّ اللّه عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ (١) روى مسلم فى الصحيح عن ابن مسعود فى قوله تعالى لقد راى من ايت ربّه الكبرى قال راى جبرئيل فى صورته له ست مائة جناح- و رواه ابن حبان بلفظ رايت جبرئيل عند سدرة المنتهى له سبع مائة جناح ينشر من ريشه الدر و الياقوت- و الجملة مستأنفة للدلالة على ان تفاوتهم فى ذلك انما هو مقتضى مشيته تعالى و مودى حكمته لا امر يستدعيه ذواتهم و الاية متناولة لزيادات الصور و المعاني كملاحة الوجه و حسن الصوت و سماحة النفس و العقل و الفهم و غير ذلك فما قال ابن شهاب ان المراد به حسن الصوت و قال قتادة الملاحة فى العينين و قيل هو العقل و التميز كل ذلك على سبيل التمثيل ..

٢

ما يَفْتَحِ اللّه لِلنَّاسِ اى ما يعطى اطلق الفتح و هو الإطلاق و أراد به الإعطاء تجوزا إطلاقا للسبب على المسبب مِنْ رَحْمَةٍ نعمة دينية كالايمان و العلم و النبوة و توفيق الحسنات او دنيوية كالمطر و الرزق و الامن و الصحة و الجاه و المال و الولد فَلا مُمْسِكَ لَها اى لا أحد يحبسها و يمنع من اعطائها وَ ما يُمْسِكْ اى ما يمنعه فَلا مُرْسِلَ لَهُ و اختلاف الضميرين لان الموصول الاول فسر بالرحمة فروعى معناه و الثاني مطلق يتناولها و الغضب فروعى لفظه و فيه اشعار بان رحمة سبقت غضبه مِنْ بَعْدِهِ اى بعد إمساكه وَ هُوَ الْعَزِيزُ الغالب على ما يشاء لا يقدر أحد ان ينازعه الْحَكِيمُ (٢) لا يفعل الا بعلم و إتقان روى الشيخان فى الصحيحين عن المغيرة بن شعبة ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كان يقول دبر كل صلوة لا اله الّا اللّه وحده لا شريك له له الملك و له الحمد و هو على كل شى ء قدير لا مانع لما أعطيت و لا معطى لما منعت و لا ينفع ذا الجد منك الجد و لما بيّن اللّه سبحانه انه خالق لجميع الأشياء متصرف فيها على ما يشاء امر الناس بشكر انعامه فقال.

٣

يا أَيُّهَا النَّاسُ يا اهل مكة و دخل فى العموم غيرهم اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّه عَلَيْكُمْ حيث اسكنكم الحرم و منع منكم الغارات و جعل الأرض كمهد و رفع السماء بلا عمد و خلقكم و زاد فى الخلق ما شاء و فتح أبواب الرزق و لا ممسك له- ثم أنكر ان يكون لغيره فى ذلك مدخل حتى يستحق الإشراك به فقال هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللّه يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ المطر وَ الْأَرْضِ النبات من الاولى زائدة فان الاستفهام للانكار بمعنى النفي و خالق مبتدا و غير اللّه فاعله على قراءة الرفع او خالق مبتدا محذوف الخبر تقديره هل لّكم من خالق غير اللّه او خبره غير اللّه ايضا على قراءة الرفع او خبره يرزقكم و غير اللّه وصف له او بدل منه قرأه حمزة و الكسائي «و ابو جعفر و خلف ابو محمد» بالجر حملا على لفظه و الباقون بالرفع حملا على محله او خالق فاعل لفعل محذوف تقديره هل يرزقكم من خالق غير اللّه و يرزقكم فى محل الجر او الرفع صفة لخالق او فى محل النصب حال منه او تفسير لما أضمر او استئناف لا محل له من الاعراب لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٣) فمن اىّ وجه تصرفون من التوحيد الى الإشراك مع اعترافكم بانه الخالق و الرازق لا غير.

٤

وَ إِنْ يُكَذِّبُوكَ فى البعث و التوحيد و العقاب فقاس بمن قبلك من الرسل يعنى اصبر و لا تحزن حذف الجزاء و أقيم مقامه فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ اقامة السبب مقام المسبب و تنكير الرسل للتعظيم المقتضى لزيادة التسلية و الحث على الصبر يعنى كذبت رسل ذو عدد كثير و آيات واضحات و أعمار طوال و اصحاب حزم و عزم وَ إِلَى اللّه تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٤) فيجازيك على الصبر بالنصر و الثواب و إياهم على التكذيب فى الدارين بالعذاب- قرا حمزة «ابو محمد و ابن عامر» و الكسائي و خلف و يعقوب بفتح التاء و كسر الجيم على البناء للفاعل و الباقون بضم التاء و فتح الجيم على البناء للمفعول ..

٥

يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللّه بالبعث و الجزاء حَقٌّ كائن لا يحتمل الخلف فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا اى لا يلهيكم الاشتغال بزخارف الدنيا من طلب الاخرة و السعى لها وَ لا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللّه فى حلمه و امهاله الْغَرُورُ (٥) يعنى الشيطان بان ينسيكم عذاب الاخرة او يمنّيكم المغفرة مع الإصرار على المعصية فانها و ان أمكنت لكن ارتكاب الذنب بهذا الاحتمال يشبه تناول السم على احتمال الترياق او رفعه الطبيعة.

٦

إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ عداوة عامة قديمة حيث قال و «١» عزّتك لاغوينّهم أجمعين فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا يعنى استيقنوا بعداوته و كونوا على حذر من اتباع وسوسته فى مجامع أحوالكم و لا تطيعوه و أطيعوا اللّه على رغم انفه فان مقتضى المحبة ان يفعل ما يرضاه المحبوب و يرضيه منه و مقتضى العداوة ان يفعل ما لا يرضاه و يغيظه و الجملة تعليل للنهى السابق إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ اى اتباعه من الانس الى المعاصي و اتباع الهوى و الركون الى الدنيا

لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ (٦) متعلق بيدعو تقرير لعداوته و بيان لغرضه ثم بين حال موافقيه و مخالفيه فقال.

(١) و فى القرآن فبعزّتك.

٧

الَّذِينَ كَفَرُوا باللّه و اتبعوا الشيطان لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَ الَّذِينَ آمَنُوا باللّه وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ و خالفوا الشيطان لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ أَجْرٌ كَبِيرٌ (٧).

٨

أَ فَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ اى راى عمله السيئ حَسَناً معطوف على زين تقرير له يعنى من زين له قبح عمله يعنى خذله اللّه حتى غلب همه و هواه على عقله و اختل رأيه و وسوس له الشيطان فراى السيئ حسنا و الباطل حقّا كمن لم يزين له و هداه اللّه الى الحق و لم يجد الشيطان اليه سبيلا حتى عرف الحق من الباطل و استحسن الأعمال و استقبحها على ما هى عليه فحذف الجواب لدلالة قوله فَإِنَّ اللّه يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ الهمزة فى أ فمن زيّن للانكار و الفاء للعطف على المحذوف تقديره أ تطمع ان تهتدى كل رجل فيكون المخذول من اللّه و المهدى سواء لا تطمع ذلك فانّ اللّه يضلّ من يشآء و يهدى من يشاء فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ يعنى لا تهلك نفسك عَلَيْهِمْ اى على ضلالهم حَسَراتٍ منصوب على العلية اى للحسرات على غيّهم و ضلالهم و الحسرة شدّة الحزن على ما فات من الأمر و جمع الحسرات للدلالة على تضاعف اغتمامه على أحوالهم او كثرة مساوى أفعالهم المقتضية للتاسف و عليهم ليس صلة لها لان صلة المصدر لا تتقدمه بل صلة تذهب او بيان للمتحسر عليه و قيل تقدير الكلام ا تغتم بكفرهم فمن زيّن له سوء عمله فاضله اللّه تذهب نفسك عليهم حسرة يعنى لا تغتم فلا تذهب عليهم حسرات فقوله تعالى فلا تذهب تدل على الجواب المحذوف و قوله تعالى فانّ اللّه يضلّ من يشاء و يهدى من يشاء معترضة فى مقام التعليل قال الحسين «١» بن الفضل فيه تقديم و تأخير مجازه ا فمن زيّن له سوء عمله فراه حسنا فلا تذهب نفسك عليهم حسرات فانّ اللّه يضلّ من يشاء و يهدى من يشاء-

قال البغوي قال ابن عباس نزلت الاية فى ابى جهل و مشركى مكة

و اخرج جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال نزلت الاية حين قال النبي صلى اللّه عليه و سلم اللّهم أعزّ دينك بعمر بن الخطاب او بابى جهل بن هشام فهدى اللّه عمر و أضل أبا جهل ففيهما نزلت و قال سعيد بن جبير نزلت فى اصحاب الأهواء و البدع قال قتادة منهم الخوارج الذين يستحلون دماء المسلمين و أموالهم و اما اهل الكبائر فليسوا منهم فانهم لا يستحلون الكبائر بل يعتقدون الباطل باطلا و ان كانوا مرتكبين به إِنَّ اللّه عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ فيجازيهم عليه.

(١) و فى البغوي الحسن بن الفضل. مصحح.

٩

وَ اللّه الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ عطف على انّ وعد اللّه حقّ يعنى وعد اللّه بالبعث حق و اللّه أرسل الرياح و احيى الأرض بعد موتها كذلك نشوركم بالبعث قرا ابن كثير و «خلف- ابو محمد» و حمزة و الكسائي الرّيح على ارادة الجنس و الباقون بصيغة الجمع فَتُثِيرُ سَحاباً على حكاية الحال الماضية استحضارا لتلك الصورة البديعة الدالة على كمال الحكمة و لان المراد بيان إحداثها بهذه الخاصة و لذلك أسند إليها و يجوز ان يكون اختلاف الافعال للدلالة على استمرار الأمر فَسُقْناهُ فيه التفات من الغيبة الى التكلم لانه ادخل فى الاختصاص لما فيها من مزيد الصنع إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ قرأ نافع و حمزة و الكسائي و حفص و «ابو جعفر و خلف ابو محمد» بتشديد الياء و الباقون بالتخفيف فَأَحْيَيْنا بِهِ اى بالمطر النازل منه و ذكر السحاب كذكره او بالسحاب فانه سبب السبب الْأَرْضَ اى جعلناها مخضرة ذات نبات بَعْدَ مَوْتِها اى بعد اغبرارها و يبس نباتها أسند موت نباتها و حياتها إليها مجازا كَذلِكَ اى مثل احياء النبات بعد اليبس النُّشُورُ (٩) للاموات من القبور لاستوائهما فى المقدورية إذ ليس بينهما الا اختلاف المادة فى المقيس عليه و ذلك لا مدخل له فيها و قيل التمثيل فى كيفية الاحياء لما ورد فى حديث عبد اللّه بن عمرو عند مسلم فى كيفية البعث حيث قال ثم يرسل اللّه مطرا كانّه الطل فينبت منه أجساد الناس الحديث

و اخرج ابو الشيخ فى العظمة عن وهب قال البحر المسجور اوله فى علم اللّه و آخره فى ارادة اللّه فيه ماء ثخين شبه ماء الرجل يمطر اللّه منه على الخلق أربعين يوما بين الراجفة و الرادفة فينبتون نبات الجنّة فى حميل السيل و يجمع أرواح المؤمنين من الجنان و أرواح الكافرين من النار فيجعل فى الصور يأمر اللّه اسرافيل فينفخ فيه فيدخل كل روح فى جسده الحديث

و اخرج الشيخان عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما بين النفختين أربعون قالوا يا أبا هريرة أربعون يوما قال أبيت قالوا أربعون شهرا قال أبيت قالوا أربعون عامّا قال أبيت ثم ينزّل اللّه من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل و ليس من الإنسان شي ء الا يبلى الا عظما واحدا و هو عجب الذنب و منه يركّب الخلق يوم القيامة

و اخرج ابن المبارك عن سليمان قال يمطر الناس قبل البعث أربعين يوما ماء خاثرا- اخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس قال يسيل واد من اصل العرش من ماء فيما بين الصيحتين و مقدار ما بينهما أربعين عاما ينبت منه كل خلق بلى من انسان او طيرا و دابة و لو مرّ عليهم مارّ قد عرفهم قبل ذلك نعرفهم على وجه الأرض فينبتون ثم يرسل الأرواح فتزوج بالأجساد-.

١٠

مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَللّه الْعِزَّةُ جَمِيعاً اى فى الدنيا و الاخرة قال الفراء من كان يريد ان يعلم لمن العزّة فللّه العزّة جميعا و الظاهر ان معناه من كان يطلب لنفسه العزة فليطلبها من عند اللّه و ليتعزز بطاعة اللّه فان العزة كلها له ملكا و خلقا يؤتيها من يشاء و فيه رد على الكفار حيث طلبوا العزة بعبادة الأصنام قال اللّه تعالى و اتّخذوا من دون اللّه الهة لّيكونوا لهم عزّا كلّا و على المنافقين حيث طلبوا العزة من الكفار قال اللّه تعالى ا يبتغون عندهم العزّة فانّ العزّة للّه جميعا ......... ثم بين ان ما يطلب به العزة انما هو التوحيد و العمل الصالح فقال إِلَيْهِ اى الى اللّه يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ و هى سبحان اللّه و الحمد للّه و اللّه اكبر و لا إله إلّا اللّه و تبارك اللّه و نحو ذلك و صعودها مجاز عن قبوله ايّاها كذا روى عن قتادة او المراد بها صعود الكتبة بصحيفتها الى عرشه كما يدل عليه حديث ابن مسعود قال ما من عبد يقول خمس كلمات سبحان اللّه و الحمد للّه و لا اله الّا اللّه و اللّه اكبر و تبارك اللّه الا أخذهن ملك فجعلهن تحت جناحه ثم صعد بهن فلا يمر بهن على جمع من الملائكة الا استغفروا لقائلهن حتى يجئ بها وجه رب العالمين و مصداقه من كتاب اللّه عزّ و جلّ اليه يصعد الكلم الطيب. رواه البغوي و الحاكم و غيره و روى الثعلبي و ابن مردوية حديث ابى هريرة نحوه مرفوعا وَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ قال الكلبي و مقاتل الضمير المستكن فى يرفعه راجع الى الكلم و المنصوب الى العمل المعنى ان العمل لا يقبل الا ان يكون صادرا عن التوحيد و قال سفيان بن عيينة ان المستكن راجع الى اللّه عزّ و جلّ يعنى ان العمل الصالح اى ما كان خالصا لوجه اللّه لا يكون مشوبا برياء و سمعة يرفعه اللّه اى يقبله فان الإخلاص سبب لقبول الأقوال و الأعمال.

و الظاهر ان الضمير المستكن راجع الى العمل الصالح لقربه و المنصوب الى الكلم و هو مفرد ليس بجمع أريد به الجنس و لذا وصفه بالطيب او يقال تقديره اليه يصعد بعض الكلم الطيب و العمل الصالح يرفعه و ذلك البعض ما كان منه بالإخلاص و إرجاع الضمير هكذا قول ابن عباس و سعيد بن جبير و الحسن و عكرمة و اكثر المفسرين قال الحسن و قتادة الكلم الطيب ذكر اللّه و العمل الصالح أداء الفريضة فمن ذكر اللّه و لم يؤد الفريضة رد كلامه على عمله و ليس الايمان بالتمني و لا بالتجلى و لكن ما وقرنى القلوب و صدقه الأعمال فمن قال حسنا و عمل غير صالح رد اللّه عليه قوله و من قال حسنا و عمل صالحا يرفعه القول ذلك بان اللّه يقول اليه يصعد الكلم الطّيّب و العمل الصّالح يرفعه و جاء فى الحديث لا يقبل قولا الا بعمل و لا قولا و لا عملا الّا بنية-

قلت ليس المراد بهذه الاية ان الايمان بغير عمل لا يعتد به كيف و قد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من شهد ان لا اله الا اللّه وحده لا شريك له و ان محمدا عبده و رسوله و ان عيسى عبد اللّه و رسوله و ابن أمته و كلمته القاها الى مريم و روح منه و الجنة حقّ و النار حقّ ادخله اللّه الجنة على ما كان من عمل- رواه الشيخان فى الصحيحين عن عبادة بن الصامت بل المراد ان الكلم الطيب يصعد الى اللّه فان كان معه عمل يرفع شأن تلك الكلمة و يزيد فى ثوابها و معنى قوله صلى اللّه عليه و سلم لا يقبل اللّه قولا الا بعمل يعنى قول المنافق بلا عمل من القلب و الجوارح لا يعتد به و كذا القول المقرون بالعمل لا يعتد بهما الا بنية اى باعتقاد و اخلاص من القلب و قيل معنى الاية و العمل الصالح يرفع القائل اى درجته.

وَ الَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ صفة لمصدر محذوف لان الفعل لازم ليس بمتعد الى مفعول به اى يمكرون المكرات السيئات قال ابو العالية يعنى مكرات قريش للنبى صلى اللّه عليه و سلم فى دار الندوة كما مر فى سورة الأنفال فى قوله تعالى و إذ يمكر بك الّذين كفروا ليثبتوك او يقتلوك او يخرجوك و قال الكلبي معنى الاية الذين يعملون السيئات

و قال مجاهد و شهر بن حوشب هم اصحاب الرياء لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَ مَكْرُ أُولئِكَ هُوَ اى اللّه سبحانه يَبُورُ (١٠) اى يبطل حيث قال اللّه تعالى و يمكرون و يمكر اللّه و اللّه خير الماكرين او المعنى اللّه يبطل اعمال المرائين-.

١١

وَ اللّه خَلَقَكُمْ معطوف على و اللّه أرسل و هذا ايضا دليل على القدرة على البعث فان بدء الخلق ليس باهون من إعادته مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ يعنى أصلكم البعيد تراب حيث خلق آدم منه و أصلكم القريب نطفة ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً أصنافا ذكرانا و إناثا وَ ما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَ لا تَضَعُ إِلَّا متلبسا بِعِلْمِهِ حال يعنى الا معلوما له وَ ما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ يعنى ما يقدر عمر أحد وَ لا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ اى لا ينقضى من عمر أحد شى ء إِلَّا فِي كِتابٍ يعنى كل ذلك مكتوب فى اللوح او فى الصحائف الكرام الكاتبين قال سعيد بن جبير مكتوب فى أم الكتاب عمر فلان كذا سنة ثم يكتب أسفل من ذلك ذهب يوم ذهب يومان ذهب ثلاثة ايام حتى ينقطع عمره و قيل معناه لا يزاد فى عمر أحد و لا ينقص الا فى كتاب يعنى كتب فى اللوح المحفوظ ان عمر فلان كذا سنة ثم يزاد عمره ببعض الحسنات او ينقص ببعض السيئات كل ذلك مكتوب فى اللوح يؤيده قوله صلى اللّه عليه و سلم لا يرد القضاء الا الدعاء و لا يزيد فى العمر الا البرّ- رواه الترمذي عن سلمان الفارسي و قيل معناه لا يمد فى عمر من هو طويل العمر و لا ينقص عمر غيره من عمره اى عمر طويل العمر بان يعطى له عمر ناقص من عمره او لا ينقص عمر المنقوص عمره بجعله ناقصا و الضمير له و ان لم يدكر لدلالة مقابله عليه و للمعمر على التسامح اعتمادا على السامع كقولهم لا يثبت اللّه عبدا و لا يعاقبه الا بحق إِنَّ ذلِكَ اى كتابة الآجال و الأعمال عَلَى اللّه يَسِيرٌ (١١).

١٢

وَ ما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا يعنى أحدهما عَذْبٌ فُراتٌ اى شديد العذوبة و قيل هو ما يكسر العطش سائِغٌ سهل الانحدار شَرابُهُ جملة هذا عذب فرات مع ما عطف عليه صفة للبحرين على طريقة و لقد امر على اللئيم يسبنى وَ هذا مِلْحٌ أُجاجٌ شديد الملوحة و قيل هو ما يحرق بملوحته ضرب مثل المؤمن و الكافر و بيان لكمال قدرته تعالى حيث خلق من جنس و أخذ شيئان مختلفان فى الخواص وَ مِنْ كُلٍّ اى من كل واحد من البحرين تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا استطراد فى صفة البحرين و ما فيهما من النعم اولا على سبيل الاستطراد بل لتمام التمثيل و المعنى انه كما انهما و ان اشتركا فى بعض الفوائد لا يتساويان فيما هو المقصود بالذات من الماء كذلك المؤمن و الكافر و ان اشتركا فى بعض خواص الانسانية لا يتساويان فيما هو المقصود من خلق الإنسان و هو معرفة اللّه و عبادته حيث قال اللّه تعالى ما خلقت الجنّ و الانس الّا ليعبدون او لتفضيل الأجاج على الكافر بما يشارك العذب فى المنافع وَ تَسْتَخْرِجُونَ اى من الملح دون العذب حِلْيَةً يعنى اللؤلؤ و المرجان تَلْبَسُونَها قيل نسب اللؤلؤ الى البحرين لانه يكون فى بحر الأجاج عيون عذبة يمتزج بالملح فيكون اللؤلؤ من بين ذلك وَ تَرَى الْفُلْكَ عطف على و من كلّ تأكلون فِيهِ اى فى كل منهما مَواخِرَ جمع ماخرة على وزن فاعلة من المخر و هو الشق يعنى شاقات للماء تجريها مقبلات و مدبرات لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ اى من فضل اللّه بالتجارة فيهما و اللام متعلق بمواخر و يجوز ان يكون متعلقا بفعل دلّ عليه الافعال المذكورة يعنى جعل اللّه البحر هكذا لتبتغوا من فضله وَ لَعَلَّكُمْ اى و لكى تَشْكُرُونَ (١٢) اللّه على ذلك عطف على لتبتغوا لان حرف الترجي استعير لمعنى اللام و إيراد حرف الترجي باعتبار ما يقتضيه ظاهر الحال ..

١٣

يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ صيفا متصل بقوله و اللّه خلقكم من تراب و بما فى سياقه و جملة ما يستوى معترضة وَ يُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ شتاء حيث يقصر النهار و يمد الليل وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ كُلٌّ اى كل واحد منهما يَجْرِي فى السّماء لِأَجَلٍ مُسَمًّى هى مدة دوره او منتهاه او يوم القيامة حين ينقطع جريها و جملة كلّ يجري بيان للتسخير ذلِكُمُ مبتدا اى الذي فعل هذه الأشياء اللّه رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ اخبار مترادفة و كونه تعالى فاعلا لما ذكر موجب لثبوت تلك الاخبار و يحتمل ان يكون له الملك كلاما مبتدءا وَ الَّذِينَ تَدْعُونَ اى الذين تعبدونها من الأصنام و غيرها كائنة مِنْ دُونِهِ تعالى ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (١٣) من زائدة على المفعول به فضلا ان يملك شيئا اخر و هو لفافة رقيقة على النواة فمن لم يملك كيف يستحق العبادة.

١٤

إِنْ تَدْعُوهُمْ لقضاء حاجتكم لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ لانها جمادات الجملة الشرطية مع ما عطف عليه خبر ثان للموصول و لم يعطف للدلالة على استبداده لنفى الالوهية وَ لَوْ سَمِعُوا على سبيل الفرض او على تقدير كون بعضهم ذا شعور كابليس مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ لعدم قدرتهم على الإنفاع او لتبرئهم منكم و مما تدّعون لهم من الالوهية كعيسى و عزير و الملائكة وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ اى ينكرون باشراككم إياهم يقولون ما كنتم ايّانا تعبدون وَ لا يُنَبِّئُكَ اى لا يخبرك بحقيقة الأمر مخبر مِثْلُ خَبِيرٍ (١٤) اى عالم و هو اللّه سبحانه فانه هو الخبير بكل شى ء على ما هو عليه او المعنى و لا ينبّئك ايها المفتون بأسباب الغرور كما ينبئك اللّه الخبير بحقائق الأشياء ..

١٥

يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ المحتاجون إِلَى اللّه دائما فى الوجود و توابعه و فى البقاء و فى النجاة من النار و الاثابة بالجنة و غير ذلك و تعريف الفقراء نظرا الى افتقار سائر الخلائق بالاضافة الى فقرهم غير معتد به فانه حمل الامانة مع كونه ضعيفا ظلوما جهولا فهو أجوع من غيره وَ اللّه هُوَ الْغَنِيُّ اللام للعهد اى المعروف بالاستغناء على الإطلاق و الانعام العام على الموجودات الْحَمِيدُ (١٥) فى نفسه مستحق الحمد من جميع خلقه.

١٦

إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ الى العدم دليل على كونه غنيّا عنكم وَ يَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (١٦) بقوم آخرين بدلكم أطوع منكم او بعالم اخر غير ما تعرفونه.

١٧

وَ ما ذلِكَ عَلَى اللّه بِعَزِيزٍ (١٧) بمتعذر و لا متعسر.

١٨

وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ اى لا تحمل نفس آثمة وِزْرَ اى ثقل يعنى اثم نفس أُخْرى اما قوله تعالى و ليحملنّ اثقالهم و أثقالا مع اثقالهم ففى الضالّين المضلّين فانهم حملوا أثقال ضلالهم مع أثقال ضلال أنفسهم لانهم أضلّوهم فكل ذلك أوزارهم و ليس شى ء منها من أوزار غيرهم و اماما رواه مسلم عن ابى موسى يرفعه انه يجئ يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال يغفرها لهم و يضعها على اليهود و النصارى- و ما روى ايضا من وجه اخر بلفظ إذا كان يوم القيامة رفع اللّه الى كل مسلم يهوديا او نصرانيا فيقول هذا فداك من النار- و روى الطبراني و الحاكم و صححه ايضا عن ابى موسى نحو الرواية الاولى و ابن ماجة و الطبراني ايضا نحو الرواية الثانية

و اخرج ابن ماجة و البيهقي عن انس إذا كان يوم القيامة رفع الى كل رجل من المسلمين رجل من المشركين فيقال هذا فداك من النار فتأويل هذه الأحاديث عندى ان المراد بالذنوب التي توضع على الكفار انهم ارتكبوا بتلك السيئات قبل امة محمد صلى اللّه عليه و سلم و سنّوا سنة سيئة و اقتفى المتأخرون اثارهم فى ارتكاب السيئات فلما غفرت سيئات المؤمنين تفضلا من اللّه تعالى بقيت سيات الذين سنوا تلك السنة عليهم مضاعفة لاجل الارتكاب و لاجل إبداع السنة السيئة فالوضع كناية عن ابقاء ما لحق الكافر بما سنه من عمله السيئ الذي عمل بها فاقتفاه مسلم اللّه اعلم وَ إِنْ تَدْعُ نفس مُثْقَلَةٌ أثقلها أوزارها أحدا غيرها إِلى حِمْلِها اى ليتحمل بعض أوزارها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْ ءٌ اى لم تجب تحمل شى ء منه نفى اللّه سبحانه ان يحمل عنها غيرها ذنبه كما نفى ان يحمل عليها ذنب غيرها وَ لَوْ كانَ اى المدعو دلّ عليه قوله ان تدع ذا قُرْبى اى ذا قرابتها

قال البغوي قال ابن عباس يلقى الأب و الام ابنهما فيقول يا بنى احمل عنى بعض ذنوبى فيقول لا أستطيع حسبى عملى إِنَّما تُنْذِرُ قال الأخفش معناه انما تنفع بانذارك الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ غائبين عن عذابه او عن الناس فى خلواتهم او غائبا عنهم عذابه وَ أَقامُوا الصَّلاةَ يعنى الذين اجتنبوا المعاصي و أتوا بالواجبات خشية من عذاب اللّه هم المنتفعون بانذارك و اختلاف الفعلين للدلالة على استمرارهم على ذلك فى جميع الأزمنة وَ مَنْ تَزَكَّى اى تطهر من دنس المعاصي فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ إذ نفعه لها جملة معترضة مؤكدة لخشيتهم وَ إِلَى اللّه الْمَصِيرُ (١٨) فيجازيهم على تزكيته ..

١٩

وَ ما يَسْتَوِي الْأَعْمى عن الهدى اى الكافر او الجاهل وَ الْبَصِيرُ (١٩) اى المؤمن و العالم.

٢٠

وَ لَا الظُّلُماتُ اى الكفر وَ لَا النُّورُ (٢٠) اى الايمان.

٢١

وَ لَا الظِّلُّ اى الجنة و الثواب وَ لَا الْحَرُورُ (٢١) اى النار و العقاب.

٢٢

وَ ما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَ لَا الْأَمْواتُ تمثيل اخر للمومنين و الكافرين ابلغ من الاول و لذلك كرر الفعل و قيل مثل للجهال و العلماء إِنَّ اللّه يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ ان يهديه فيوفقه لفهم آياته و الاتعاظ بعظاته وَ ما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (٢٢) ترشيح لتمثيل المصرين على الكفر بالأموات و مبالغة فى الاقناط عنهم.

٢٣

إِنْ أَنْتَ يا محمد إِلَّا نَذِيرٌ (٢٣) تخوفهم بالنار و لا تقدر على هدايتهم.

٢٤

إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ حال من الضمير المرفوع او المنصوب او صفة لمصدر محذوف اى محقين او محقّا إرسالا متلبسا بالحق و يجوز ان يكون صلة لقوله بَشِيراً للمؤمنين بالوعد الحق وَ نَذِيراً للكافرين بالوعيد الحق وَ إِنْ مِنْ أُمَّةٍ من الأمم السالفة إِلَّا خَلا اى مضى فِيها نَذِيرٌ (٢٤) اى نبي او من ينوبه من العلماء و الاكتفاء بالنذير للعلم بان النذارة قرينة للبشارة قد قرن به من قبل او لان الانذار لهم فان دفع الضرر أهم من جلب النفع.

٢٥

وَ إِنْ يُكَذِّبُوكَ يا محمد فلا تغتم و اصبر على اذاهم كما صبر قبلك من الأنبياء فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ اى كفار الأمم الخالية قبل كفار مكة جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ حال من فاعل كذب بتقدير قد بِالْبَيِّناتِ المعجزات الواضحات الشاهدات على نبوتهم وَ بِالزُّبُرِ كصحف ابراهيم وَ بِالْكِتابِ الْمُنِيرِ (٢٥) كالتوراة و الإنجيل على ارادة التفصيل دون الجمع او المراد بها واحد و العطف لتفائر الوصفين يعنى فصبروا على تكذيبهم.

٢٦

ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (٢٦) اى إنكاري بالعقوبة اى هو واقع موقعه قرا ورش «و يعقوب و ابو محمد فى الحالين بإثبات الياء فى الوصل فقط و الباقون بحذفها وصلا و وقفا ..

٢٧

أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللّه أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا فيه التفات من الغيبة الى التكلم بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها أجناسها او أصنافها على ان كلا منها اصناف مختلفة او مختلفا هيئتها من الصفرة و الخضرة و الحمرة وَ مِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ اى ذو جدد اى خطط و طرائق جملة اسمية هى مع ما عطف عليه حال من فاعل أخرجنا على طريقة أتيتك و الشمس طالعة بِيضٌ وَ حُمْرٌ و صفر مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها بالشدة و الضعف وَ غَرابِيبُ سُودٌ (٣٧) اى صخور شديدة السواد عطف على بيض اى جدد بيض و حمر و سود غرابيب فغرابيب تأكيد لسود مضمر يفسره ما بعده لانه تأكيد و حق التأكيد ان يتبع المؤكد و هذا نظير قوله و المؤمن عاندات الطير و فى مثله مزيد تأكيد باعتبار الإضمار و الإظهار كذا

قال البيضاوي و قال الجلال المحلى يقال كثيرا اسود غربيب و قليلا غربيب و سود قلت لعل ذلك القليل عند ارادة مزيد التأكيد و جاز ان يكون عطفا على حدد كانّه قيل من الجبال ذو جدر مختلف ألوانها و منها غرابيب متحدة اللون.

٢٨

وَ مِنَ النَّاسِ عطف على مِنَ الْجِبالِ ... وَ الدَّوَابِّ وَ الْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ ذكّر الضمير لاجل من و قيل تقديره و من الناس و الدّواب و الانعام ما هو مختلف ألوانه كَذلِكَ صفة لمصدر محذوف اى اختلافا مثل اختلاف الثمار و الجبال.

و لمّا قال ا لم تر انّ اللّه انزل من السّماء الى آخره ذكر انواع المخلوقات المختلفة الأجناس و الأنواع الدالّة على صانعها و صفاته اتبعه بقوله إِنَّما يَخْشَى اللّه مِنْ عِبادِهِ- الْعُلَماءُ يعنى الذين تفكروا فى خلق اللّه و استدلوا به على ذاته و صفاته و أفعاله و آلائه بخلاف الجمال ككفار مكة و الذين تجاهلوا و لم يخلص علومهم الى قلوبهم و أنفسهم كاحبار اليهود و النصارى. قال الشيخ العارف الاجل شهاب الدين السهروردي فى هذه الاية تعريض الى انه من لا خشية له فهو ليس بعالم قلت فان معرفة الخشى بعظمته و جلاله و العلم بصفات كماله يستلزم الخشية و انتفاء اللازم يدل على انتفاء الملزوم

قال البغوي قال ابن عباس يريد انما يخافنى من خلقى من علم جبروتى و عزتى و سلطانى فكل من «الجبروت فعلوت من الجبر بمعنى القهر منه» كان اعلم باللّه و صفاته كان أخشى منه روى الشيخان فى الصحيحين عن عائشة قالت صنع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم شيئا فرخص فيه فتنزه عنه قوم فبلغ ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فخطب فحمد اللّه و اثنى عليه ثم قال ما بال أقوام يتنزّهون عن الشي ء اصنعه فو اللّه انى أعلمهم باللّه و أشدهم له خشية و روى الدارمي عن مكحول مرسلا قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فضل العالم على العابد كفضلى على أدناكم ثم تلا هذه الاية انّما يخشى اللّه من عباده العلماء و روى البخاري فى الصحيح عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و الذي نفسى بيده لو تعلمون ما اعلم لبكيتم كثيرا و لضحكتم قليلا- فكمال الخشية للانبياء ثم للاولياء و هم علماء الحقيقة ثم الأمثل فالامثل قال مسروق كفى بخشية اللّه علما و كفى بالاغترار جهلا قال الشعبي العالم من يخشى اللّه إِنَّ اللّه عَزِيزٌ غَفُورٌ (٢٨) تعليل لوجوب الخشية لدلالة على انه عزيز فى ملكه معاقب للمصرّ على طغيانه غفور للتائب من عصيانه ..

٢٩

إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللّه اى يداومون على قراءته و اتباع ما فيه حتى صارت عنوانا لهم و المراد بكتاب اللّه القران او جنس كتب اللّه فيكون ثناء على المصدقين من الأمم و القراء العلماء منهم بعد اقتصاص حال المكذبين وَ أَقامُوا الصَّلاةَ اى اداموها مع رعاية حقوقها وَ أَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَ عَلانِيَةً يعنى كيف ما اتفق من غير قصد إليهما و قيل السر فى النافلة و العلانية فى المفروضة يَرْجُونَ تِجارَةً اى يرجون تحصيل الثواب بالطاعة لَنْ تَبُورَ (٢٩) اى لن تكسر و لن تهلك بالخسران صفة للتجارة.

٣٠

لِيُوَفِّيَهُمْ اللّه متعلق بمعنى لن تبور يعنى يرجون تجارة نافعة ليوفيهم بانفاقها أُجُورَهُمْ اى أجور أعمالهم او متعلق بفعل محذوف دل عليه ما عد من أعمالهم يعنى فعلوا ذلك ليوفّيهم او يبرجون و اللام للعاقبة يعنى يرج ون تجارة لن تبور حتّى يوفّيهم اللّه أجورهم وَ يَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ على ما يقابل أعمالهم اخرج ابن ابى حاتم و ابو نعيم عن ابن مسعود قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يوفّيهم أجورهم يدخلهم الجنة و يزيدهم من فضله الشفاعة لمن وجب له النار ممن صنع إليهم المعروف فى الدنيا إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (٣٠) هذه الجملة فى مقام التعليل لما سبق و يرجون خبر ان و جاز ان يكون لهذا خبران بتقدير الرابط يعنى انه غفور لفرطاتهم شكور لطاعاتهم قال ابن عباس يغفر العظيم من ذنوبهم و يشكر القليل من أعمالهم اى يجازيهم عليه و على هذا يرجون حال من فاعل أنفقوا اخرج عبد الغنى ان هذه الاية نزلت فى حصين بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف.

٣١

وَ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ يعنى القران و من للبيان او الجنس او للتبعيض هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ اى احقه مصدقا لما تقدمه من الكتب السماوية حال مؤكدة لان حقيقته يستلزم موافقته إياها فى العقائد و اصول الاحكام و الاخبار إِنَّ اللّه بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (٣١) عالم بظواهر الأشياء و بواطنها فهو عالم بانك حقيق لان يوحى إليك هذا الكتاب المعجز الذي هو عياد على سائر الكتب ..

٣٢

ثُمَّ أَوْرَثْنَا منك ذلك الْكِتابَ و الإرث انتقال الشي ء من أحد الى غيره و قيل معنى أورثنا آخرنا و منه الميراث لانه اخر من سالف و معنى الاية أخرنا القران من الأمم الماضية و أعطينا الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا من للتبعيض متعلق باصطفينا او بيان للموصول ظرف مستقر حال من الضمير المنصوب المحذوف الراجع الى الموصول يعنى الّذين اصطفيناهم من عبادنا و اضافة العباد الى نفسه للتشريف و المراد بالموصول علماء امة محمد صلى اللّه عليه و سلم من الصحابة و من بعدهم او الامة بأسرها كذا قال ابن عباس فان اللّه اصطفاهم على سائر الأمم و جعلهم أمته وسطا ليكونوا شهداء على الناس و خصم بكرامة الانتماء الى سيد الأنبياء طوبى لنا معشر الإسلام ان لنا من العناية ركنا غير منهدم لمّا دعا اللّه داعينا لطاعته بأكرم الرسل كنا أكرم الأمم و قيل الجملة معطوفة على انّ الّذين يتلون و الّذى أوحينا اعتراض و عندى ان الجملة معطوفة على مضمون و الّذى أوحينا إليك و هو الحق يعنى أنزلنا إليك الكتاب الحق ثم اورثناه منك الذين اصطفيناهم من عبادنا فَمِنْهُمْ من هو ظالِمٌ لِنَفْسِهِ مقصر فى العمل قال اللّه تعالى فى حقهم و آخرون مرجون لامر اللّه امّا «١» يعذّبهم و امّا يتوب عليهم و قال اللّه تعالى يعبادى الّذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رّحمة اللّه إن اللّه يغفر الذّنوب جميعا انّه هو الغفور الرّحيم وَ مِنْهُمْ من هو مُقْتَصِدٌ يعمل على ظاهر الكتاب و لا يفوز الى حقيقته قال اللّه تعالى فيهم و آخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا و اخر سيّئا عسى اللّه ان يتوب عليهم انّ اللّه غفور رّحيم وَ مِنْهُمْ من هو سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللّه اى بإرادته فائز الى حقائق القران قال اللّه تعالى و السّابقون الاوّلون من المهاجرين «٢» و و الأنصار و الّذين اتّبعوهم بإحسان رضى اللّه عنهم و رضوا عنه و قال اللّه تعالى و السّبقون السّبقون أولئك المقرّبون و الصنفان الأولان هم اصحاب الميمنة و قيل المقتصد من يعمل بالقران فى غالب الأوقات و السابق من ضم الى العمل التعليم و الإرشاد.

(١) و فى الأصل امّا ان يعذّبهم و امّا ان يتوب عليهم [.....].

(٢) و عن صهيب سمعت يقول فى المهاجرين هم السابقون الشافعون المدلون على ربّهم و الذي نفس محمد بيده انهم ليأتون يوم القيامة و على عواتقهم السلاح فيقرعون باب الجنة فيقول لهم الخزنة من أنتم فيقولون نحن المهاجرون فيقول لهم الخزنة هل حوسبتم فيجثون على ركبهم و يرفعون أيديهم الى السماء فيقولون اى رب ا بهذا نحاسب و قد خرجنا و؟؟؟ الأهل و المال و الولد- فيمثل لهم اجنحة من ذهب مجوصة بالزبرجد و الياقوت فيطيرون فيدخلون الجنة فذلك قوله تعالى و قالوا الحمد للّه الّذى اذهب عنّا الحزن الى قوله و لا يمسّنا فيها لغوب- قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فهم بمنازلهم فى الجنة اعرف بمنازلهم فى الدنيا و عن عثمان بن عفان رضى اللّه عنه انه افرغ بهذه الاية ثم قال الا ان سابقنا اهل جهادنا الا و ان مقتصدنا اهل عضدنا و ظالمنا اهل بدونا- منه برد اللّه مضجعه ١٢ منه.

روى البغوي بسنده عن ابى عثمان النهدي قال سمعت عمر بن الخطاب رضى اللّه عنه و أ هذا فقال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم سابقنا سابق و مقتصدنا ناج ظالمنا مغفور له- قال ابو قلابة (من رواة الحديث)

فحدثت به يحيى بن معين فجعل يتعجب منه و رواه البغوي ايضا مرفوعا و أخرجه سعيد ابن منصور و البيهقي موقوفا على عمر و روى البغوي بسنده عن ابى ثابت ان رجلا دخل المسجد فقال اللّهم ارحم غربتى و انس وحشتي و سق الىّ جليسا صالحا فقال ابو الدرداء رضى اللّه عنه لان كنت صادقا لانا اسعد بك منك سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قرأ هذه الآية فقال اما السابق فيدخل الجنة بغير حساب و اما المقتصد فيحاسب حسابا يسيرا و اما الظالم لنفسه فيحبس فى المقام حتى يدخله الهم ثم يدخله الجنة ثم قرا هذه الاية الحمد للّه الّذى اذهب عنّا الحزن انّ ربّنا لغفور شكور- و رواه احمد و ابن جرير و الطبراني و الحاكم و البيهقي و فيه فاما الذين ظلموا فاولئك الذين يحبسون فى طول المحشر ثم هم الذين تلا فاهم اللّه برحمته لهم الذين يقولون الحمد للّه الّذى اذهب عنّا الحزن انّ ربّنا لغفور شكور قال البيهقي له ظرق عن ابى الدرداء قال و إذا كثرت طرق الحديث ظهر ان للحديث أصلا

قال البغوي و روى عن اسامة بن زيد فى هذه الاية قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كلهم من هذه الامة و كذا اخرج البيهقي عن اسامة

و اخرج مثل ذلك عن كعب و عطاء ان الأصناف الثلاثة فى الجنة-

و اخرج ابن ابى الدنيا و البيهقي عن ابن عباس فى الاية قال هم امة محمد صلى اللّه عليه و سلم ورثهم اللّه كل كتاب أنزله فظالمهم مغفور له و مقتصدهم يحاسب حسابا يسيرا و سابقهم يدخل الجنة بغير حساب

و اخرج احمد و الترمذي و حسنه و البيهقي عن ابى سعيد الخدري عن النبي صلى اللّه عليه و سلم فى هذه الاية قال هؤلاء كلهم بمنزلة واحدة و كلهم فى الجنة

و اخرج الفريابي عن البراء بن عازب فى قوله تعالى فمنهم ظالم لنفسه الآية قال اشهد على اللّه انه يدخلهم الجنة جميعا

و اخرج ابن ابى عاصم و الاصبهانى عن ابى موسى قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يبعث اللّه العباد يوم القيامة ثم يميّز العلماء فيقول يا معشر العلماء انى لم أضع علمى فيكم الا لعلمى بكم و لم أضع علمى فيكم لاعذبكم انطلقوا قد غفرت لكم

و اخرج الطبراني بسند رجاله ثقات عن ثعلبة بن الحكم قال قال رسول اللّه يقول اللّه تعالى للعلماء إذا قعد على كرسيه لفصل عباده انى لم اجعل علمى و حكمى الا و انا أريد ان اغفر لكم على ما كان منكم و لا أبالي.

و اخرج ابن عساكر عن ابى عمر الصنعاني (اسمه حفص بن ميسرة) قال إذا كان يوم القيامة عزلت العلماء فاذا فرغ اللّه تعالى من الحساب قال لم اجعل حكمتى فيكم الا بخير أريدكم اليوم ادخلوا الجنة بما منكم و قال عقبة بن صهبان سالت عن عائشة عن قوله تعالى أورثنا الكتب الّذين اصطفينا من عبادنا فقالت يا بنى كلهم فى الجنة اما السابق بالخيرات فمن مضى على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم شهد له رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بالجنة و اما المقتصد فمن اتبع اثره حتى لحق به و اما الظالم لنفسه فمثلى و مثلكم فجعلت نفسها معنا قلت و يمكن حمل هذه الأصناف الثلاثة على المصطفين الأخيار من هذه الامة اى الأولياء فمنهم ظالم لّنفسه و هو من يمنع نفسه عن حقوقه كما يمنعه عن حظوظه كاهل الرياضات و المجاهدات الشاقة رهبانية ابتدعوها و منهم مقتصد يمنع نفسه عن حظوظه و يعطيه حقوقه فيصوم و يفطر و يصلى و يرقد و ينكح و يأكل و يشرب ما أبيح له على ما هو السنة هم الذين قال عائشة فيهم من اتبع اثره حتى لحق به- و منهم سابق بالخيرات المستغرق فى كمالات النبوة و هم الصحابة رضى اللّه عنهم و الصديقون كما قالت عائشة و زعمت عائشة نفسها من الظالمين هضما و زعمت المخاطبين منهم لاجل رياضاتهم- و بالجملة فالاحاديث كلها تدل على ان الأصناف الثلاثة من المؤمنين او من العلماء فمن قال أريد بالظالم الكافر او المنافق فقوله مردود سئل ابو يوسف عن هذه الاية فقال كلهم مؤمنون و اما صفة الكفار فبعد هذا و هو قوله و الّذين كفروا لهم نار جهنّم و اما الطبقات الثلاث فمن الذين اصطفى من عباده لانه قال فمنهم و منهم و منهم و الكل راجع الى الذين اصطفى من عباده و هم اهل الايمان و عليه الجمهور- و قدم الظالم فى الذكر لكثرة الظالمين و قلة السابقين و توسط المقتصدين او لان الظلم بمعنى الميل الى الهوى مقتضى الجملة و الاقتصاد و السبق عارضان لكن الاقتصاد متوسط بين المنزلتين ذلِكَ التوريث او الاصطفاء هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (٣٢).

٣٣

جَنَّاتُ عَدْنٍ خير مبتدا محذوف اى هو او مبتدا خبره محذوف تقديره لهم جنات عدن و قوله يَدْخُلُونَها صفة لجنات او جنّات مبتدا و يدخلونها خبره قرا ابو عمر و بضم الياء و فتح الخاء على البناء للمفعول من الافعال و الباقون بفتح الياء و ضم الخاء من المجرد و الضمير المرفوع فى يدخلونها راجع الى الأصناف الثلاثة لما مرّ من الأحاديث يُحَلَّوْنَ فِيها حال مقدرة من فاعل يدخلونها او بدل اشتمال من يدخلون او مستأنفة او خبر بعد خبر لجنات عدن او صفة بعد صفة له مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَ لُؤْلُؤاً عطف على محل أساور وَ لِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ (٣٣) عطف على يحلون او على جنات عدن او حال من فاعل يحلون او معترضة عن ابى سعيد الخدري ان النبي صلى اللّه عليه و سلم تلا قوله تعالى جنّت عدن يدخلونها الاية فقال ان عليهم التيجان ان ادنى لؤلؤ منها ليضئ ما بين المشرق و المغرب رواه الترمذي و الحاكم و صححه و البيهقي قال القرطبي قال المفسرون ليس أحد من اهل الجنة الا و فى يده ثلاثة اسورة سوار من ذهب و سوار من فضة و سوار من لؤلؤ- و عن ابى هريرة ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال يبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء- متفق عليه و عن حذيفة قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول لا تلبسوا الحرير و لا الديباج و لا تشربوا فى آنية الذهب و الفضة و لا تأكلوا فى صحافها فانها لهم فى الدنيا و لكم فى الاخرة متفق عليه و عن عمر رضى اللّه عنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من لبس الحرير فى الدنيا لم يلبسه فى الاخرة- متفق عليه و روى الطيالسي بسند صحيح و ابن حبان و الحاكم عن ابى سعيد الخدري نحوه و فى آخره و ان دخل الجنة لم يلبسه

و اخرج ابن ابى حاتم و ابن ابى الدنيا عن كعب قال لو ان ثوبا من ثياب الجنة لبس اليوم فى الدنيا لصعق من ينظر اليه و ما حملته أبصارهم-.

٣٤

وَ قالُوا الْحَمْدُ للّه الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ اى يقولون ذلك كما دل عليه ما تقدم من الأحاديث و دل عليه قوله تعالى الّذى احلّنا دار المقامة و يقولون ذلك ايضا عند البعث من القبور لحديث ابن عمر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ليس على اهل لا اله الّا اللّه وحشة فى الموت و لا فى القبور و لا فى النشور كانى انظر إليهم عند الصيحة ينفضون رءوسهم من التراب يقولون الحمد للّه الّذى اذهب عنّا الحزن رواه الطبراني قال ابن عبّاس حزن النار و قال قتادة حزن الموت و قال مقاتل لانهم كانوا لا يدرون ما يفعل بهم و قال عكرمة خوف الذنوب و السيّئات و خوف رد الطاعات و قال الكلبي ما كان يحزنهم فى الدنيا من امر يوم القيامة و قال سعيد بن جبير همّ الخبز فى الدنيا و قيل همّ المعاش و المعاد و الحق ان المراد به جنس الحزن مطلقا إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ للذين ظلموا على أنفسهم شَكُورٌ (٣٤) للمقتصدين و السابقين.

٣٥

الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مصدر ميمى اى دار الاقامة مِنْ فَضْلِهِ اى من انعامه و تفضّله إذ لا واجب عليه شى ء اخرج البيهقي فى البعث و ابن ابى حاتم من طريق نقيع بن الحارث عن عبد اللّه بن ابى اوفى قال قال رجل يا رسول اللّه ان النوم مما يقر اللّه به أعيننا فى الدنيا فهل فى الجنة من نوم قال لا ان النوم شريك الموت و ليس فى الجنة موت قال فما راحتهم فاعظم ذلك صلى اللّه عليه و سلم و قال ليس فيها لغوب كل أمرهم راحة فنزلت لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ اى تعب وَ لا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ (٣٥) كلال و اعياء من التعب ذكر الثاني التابع للاول للتصريح بنفيه و مزيد التأكيد و جملة لا يمسّنا حال من مفعول احلّنا-.

٣٦

وَ الَّذِينَ كَفَرُوا عطف على ثمّ أورثنا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ اى لا يحكم عليهم بالموت فَيَمُوتُوا و يستريحوا منصوب بان مقدرة فى جواب النفي تقديره لا يكون عليهم قضاء بالموت فيموتوا روى الشيخان فى الصحيحين عن ابن عمر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا صار اهل الجنة الى الجنة و اهل النار الى النار جئ بالموت حتى يجعل بين الجنة و النار ثم يذبح ثم ينادى يا اهل الجنة لا موت و يا اهل النار لا موت فيزداد اهل الجنة فرحا الى فرحهم و يزداد اهل النار حزنا الى حزنهم-

و اخرج الشيخان عن ابى سعيد نحوه و فيه يجاء بالموت يوم القيامة كانه كبش أملح الحديث وَ لا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها طرفة عين بل كلّما نضجت جلودهم بدلوا بجلود غيرها ليذوقوا العذاب و كلّما خبث زيدوا سعيرا كَذلِكَ اى جزاء مثل ذلك الجزاء نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (٣٦) اى كافر باللّه تعالى فانه أشد كفرا ممّن كفر نعمة منعم غير اللّه تعالى قرا ابو عمرو يجزى بضم الياء المثناة من تحت و فتح الزاء و رفع كلّ على غير تسمية الفاعل و الباقون بالنون و فتحها و كسر الزاء و نصب كلّ على المفعولية.

٣٧

وَ هُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها اى فى النار عطف على لهم نار جهنّم او حال من الضمير المجرور فى لهم يعنى يستغيثون بشدة و عويل يفتعلون من الصراخ و هو الصياح استعمل فى الاستغاثة لجهد المغيث صوته يا رَبَّنا أَخْرِجْنا من النار نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ بدل من صالحا الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ جملة ربنا الى آخره مقول ليقولون محذوف بيان ليصطرخون و تقييد العمل الصالح بالوصف المذكور للتحسر على ما عملوه من غير صالح او الاعتراف به و الاشعار بان استخراجهم لتلا فيه و انهم كانوا يحسبونه صالحا و الان ظهر خلاف ذلك- يقول اللّه تعالى فى جوابهم أَ وَ لَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ الهمزة للانكار و الواو للعطف على محذوف تقديره ا لم نترككم فى دار التكليف و لم نعمّركم ما يتذكّر اى عمرا يتذكر فيه من تذكر من المؤمنين

قال البغوي قال قتادة و عطاء و الكلبي يعنى ثمانى عشرة سنة و قال الحسن أربعون سنة و قال ابن عباس ستون سنة و يروى ذلك عن على و هو العمر الذي اعذر اللّه الى ابن آدم لحديث ابى هريرة عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال اعذر اللّه الى امرئ اخر اجله حتى بلغ ستين سنة رواه البخاري و كذا اخرج البزار و احمد و عبد بن حميد عن ابى هريرة رضى اللّه عنه

و اخرج الطبراني و ابن جرير عن ابن عباس ان النبي صلى اللّه عليه و سلم قال إذا كان يوم القيامة قيل اين أبناء الستين و هو العمر الذي قال اللّه او لم نعمّركم ما يتذكّر فيه من تذكّر-

قلت الظّاهر ان ما يتذكر فيه من تذكر متناول لكل عمر يمكن للمكلف التفكر و التذكر فيه و لعل معنى الحديث سلب كل عذر لكل امرئ اخّر اجله حتى بلغ ستين سنة فانه لم يبق من عمره الطبيعي الأكثري شى ء لما رواه الترمذي عن ابى هريرة و ابو يعلى فى مسنده عن انس كلاهما عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال أعمار أمتي ما بين الستين الى السبعين و أقلهم من يجوز ذلك- و الا فبعد البلوغ ليس له عذر معقول فى ترك الصلاة و غيرها من الفرائض لا سيما الايمان باللّه و لو لا كان ما يتذكر متناولا لكل عمر يمكن فيه التفكر لما كان هذا القول جوابا لكل كافر بل لمن أدرك ستين سنة فما زاد و اللّه اعلم.

وَ جاءَكُمُ النَّذِيرُ فما اجبتموه و النذير محمد صلى اللّه عليه و سلم كذا اخرج ابن ابى حاتم عن السدّى و ابن ابى حاتم و ابن جرير عن زيد و هو قول اكثر المفسرين و قيل القرآن و المراد من تفسيرهم ان النذير محمد صلى اللّه عليه و سلم و القران لهذه الامة و غيرهما من الأنبياء و الكتب لغيرهم- و قيل العقل و هذا على رأى من قال ان مجرد العقل كاف لوجوب الايمان باللّه حتى يحكمون بكفر شاهق الجبل إذا بلغ عاقلا و لم يبلغه دعوة نبى و هذه الجملة معطوفة على مضمون ما سبق يعنى عمرناكم ما يتذكّر فيه من تذكّر و جاءكم النّذير و هذا العطف يقتضى ان النذير ليس المراد به العقل لان العطف يقتضى المغائرة و لا مغائرة بين مجئ العقل و عمر يصلح للتفكر الا فى المفهوم فان العقل ماخوذ فى ذلك العمر و عديم العقل لم يعمر ما يتذكّر فيه من تذكّر و قال عكرمة و سفيان بن عيينة و وكيع المراد بالنذير الشيب أخرجه عن عكرمة عبد بن حميد و ابن المنذر و أخرجه ابن مردوية و البيهقي فى سننه عن ابن عباس يقال الشيب بريد الموت

قال البغوي و فى الأثر ما من شعرة تبيض الا قالت لاختها استعدى فقد قرب الموت- و قيل النذير موت الأقارب و الاقران فَذُوقُوا العذاب فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (٣٧) يدفع عنهم العذاب ..

٣٨

إِنَّ اللّه عالِمُ غَيْبِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ فلا يخفى عليه أحوالهم جملة مستأنفة إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٣٨) تعليل له لانه إذا كان عالما بمضمرات الصدور و هى أخفى ما يكون كان اعلم بغيره.

٣٩

هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ يخلف بعضكم بعضا و على هذا خطاب لجميع الناس و قيل معناه لجعلكم امة خلفت من قبلها وراث فيمن قبلها ما ينبغى ان يعتبر به و قيل الخليفة بمعنى المستخلف يعنى جعلكم خلفاء فى ارض خليفة بعد خليفة و قد ملككم مقاليد التصرف فيها و سلطكم على ما فيها و خلائف جمع خليفة و الخلفاء جمع خليف فَمَنْ كَفَرَ منكم فَعَلَيْهِ وبال كُفْرُهُ وَ لا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتاً اى أشد غضبا و بغضنا وَ لا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَساراً (٣٩) فى الاخرة و التكرير للدلالة على ان اقتضاء الكفر لكل واحد من الامرين مستقل باقتضاء قبحه و وجوب التجنب عنه.

٤٠

قُلْ يا محمد لكفار مكة أَ رَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّه يعنى الأصنام أضاف الشركاء إليهم لانهم جعلوهم شركاء للّه او لانفسهم فيما يملكونه أَرُونِي تأكيد او بدل اشتمال من ارايتم لانه بمعنى أخبروني ما ذا خَلَقُوا مفعول ثان لرأيتم محمول على شركائكم مِنَ الْأَرْضِ اى من اجزاء الأرض ب يان لما كانّه قال أخبروني عن لهؤلاء الشركاء أخبروني اى جزء من الأرض استبدوا بخلقه أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ اى شركة مع اللّه فِي خلق السَّماواتِ فاستحقوا بذلك شركة فى الوهية ذاتية أم منقطعة بمعنى بل و الهمزة إضراب عن خلق بعض الأرض بالاستقلال و استفهام عن الشركة فى السّماوات ثم اضرب عنه و استفهم فقال أَمْ يعنى بل آتَيْناهُمْ قال مقاتل ء أعطينا كفار مكة كِتاباً ينطق على ما اتخذناهم شركاء فَهُمْ الفاء فى جواب شرط محذوف تقديره ان كان الأمر كذلك فهم يعنى كفار مكة كائنون عَلى بَيِّنَةٍ قرأ ابن كثير و ابو عمرو و حفص و «خلف ابو محمد» و حمزة على التوحيد و الباقون بيّنات على الجمع يعنى على حجج واضحات مِنْهُ اى من ذلك الكتاب بَلْ إضراب عن الترديد السابق و اثبات لما عدا ذلك كلها بقوله إِنْ يَعِدُ اى ما يعد الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلَّا غُرُوراً (٤٠) يعنى ليس عندهم علم على شركهم و كتاب ليستدل عليه به بل ما يعد الاسلاف الأخلاف الا غرورا باطلا ما يغرّهم الا بلا سند يشهد عليه يقولون هؤلاء شفعاؤنا عند اللّه ..

٤١

إِنَّ اللّه يُمْسِكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ أَنْ تَزُولا اى لئلا تزولا او كراهة ان تزولا او يمنعهما ان تزولا فان الممكن حال بقائه لا بد له من علة تحفظه كما لا بد له فى إيجاده من علة وَ لَئِنْ زالَتا بمقتضاء إمكانها ان لم يوجد من اللّه سبحانه افاضة الوجود اللام للقسم إِنْ أَمْسَكَهُما يعنى ما أمسكهما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ اى من بعد اللّه اى سواه او بعد الزوال و جملة انّ اللّه يمسك الى آخره سدّ مسدّ الجوابين يعنى لم يخلق شيئا أحد غيره و ليس لاحد شركة معه من الاولى زائدة و الثانية للابتداء إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً (٤١) فبحلمه أمهل الكفار و لم يستعجل فى عقوبتهم و بغفرانه غفر المسلمين و لو لا امهاله و غفرانه لم يمسك السماوات و الأرض فيسقط السماء عليهم و ينخسف بهم الأرض بذنوبهم- اخرج ابن ابى حاتم عن ابن ابى هلال انه بلغه ان قريشا كانت تقول لو ان اللّه بعث منا نبيّا ما كانت امة من الأمم أطوع لخالقها و لا اسمع لنبيها و لا أشد تمسكا بكتابها منا فانزل اللّه تعالى «١».

(١) و فى الأصل اقسموا بغير واو.

٤٢

وَ أَقْسَمُوا بِاللّه جَهْدَ أَيْمانِهِمْ منصوب على المصدرية من اقسموا لان الايمان بمعنى الاقسام يعنى اقسموا اقساما بليغة او من المحذوف تقديره اقسموا باللّه جهدوا جهد ايمانهم او حال من فاعل اقسموا يعنى جاهدين فى ايمانهم على طريقة مررت به وحده-

قال البغوي بلغ قريشا قبل مبعث النبي صلى اللّه عليه و سلم ان اهل الكتاب كذبوا رسلهم قالوا لعن اللّه اليهود و النصارى أتتهم رسلهم فكذبوهم فاقسموا لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ رسول من اللّه لَيَكُونُنَّ أَهْدى جواب قسم فى اللفظ و جواب شرط ايضا فى المعنى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ السالفة يعنى من كان من الأمم السالفة على هدى فنحن نكون اهدى منهم قالوا ذلك لما رأوا تكذيب اليهود و النصارى بعضهم بعضا قالت اليهود ليست النّصارى على شى ء و قالت النّصارى ليست اليهود على شى ء فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ من اللّه يعنى محمدا صلى اللّه عليه و سلم ما زادَهُمْ مجيئه إِلَّا نُفُوراً (٤٢) اى تباعدا من الحق و هذا اسناد مجازى.

٤٣

اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ عن الايمان بدل من نّفورا و مفعول له او حال وَ مَكْرَ السَّيِّئِ اى العمل القبيح قال الكلبي هو اجتماعهم على الشرك قلت هو إرادتهم بالنبي صلى اللّه عليه و سلم ان يثبتوه او يقتلوه او يخرجوه أصله و ان مكروا المكر السيئ فحذف الموصوف استغناء بوصفه ثم بدل ان مع الفعل بالمصدر ثم أضيف- قرا حمزة السّيّئ ساكنة الهمزة فى الوصل لتوالى الحركات تخفيفا كما سكن ابو عمرو الهمزة فى بارئكم و إذا وقف أبدلها ياء ساكنة ايضا و هى قراءة الأعمش و الباقون بخفض الهمزة و يجوز روعها و إسكانها فى الوقف وَ لا يَحِيقُ اى لا يحل الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ يعنى بمن مكر و قد حاق بهم يوم بدر فقتلوا قال ابن عباس لا يحيق عاقبة الشرك الا بمن أشرك يعنى و بال شركهم راجع إليهم فَهَلْ يَنْظُرُونَ اى ما ينتظرون إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ اى سنة اللّه فيهم يعنى استيصالهم ان أصروا على الكفر فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللّه تَبْدِيلًا يعنى سنة اللّه لا يتبدل و لا يتغير فلم يبق من اهل مكة الا من أمن منهم وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللّه تَحْوِيلًا (٤٣) بان ينقله من المكذبين الى غيرهم-.

٤٤

أَ وَ لَمْ يَسِيرُوا الاستفهام للانكار و الواو للعطف على محذوف تقديره الم يشاهدوا اثار الماضيين و لم يسيروا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا مجزوم بلم عطفا على يسيروا او منصوب بتقدير ان بعد النفي كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يعنى قد شاهدوا فى مسيرهم الى الشام و اليمن و العراق اثار الماضين وَ كانُوا حال بتقدير قد يعنى و الحال انه قد كان الذين قبلهم أَشَدَّ مِنْهُمْ اى من اهل مكة قُوَّةً و مع ذلك قد اهلكوا و لم يغنى عنهم قولهم شيئا فما لهم اى لاهل مكة لا يعتبرون بهم وَ ما كانَ اللّه لِيُعْجِزَهُ اى ليسبقه و يفوته مِنْ شَيْ ءٍ من زائدة و شى ء فى محل الرفع فاعل ليعجزه فِي السَّماواتِ وَ لا فِي الْأَرْضِ ظرف مستقر صفة لشئ او ظرف لغو متعلق بيعجزه إِنَّهُ كانَ عَلِيماً بالأشياء كلها و بما يستحقها قَدِيراً (٤٤) على كل شى ء بما يشاء- و لمّا سبق من ان كفرهم يقتضي استيصالهم كما هو سنة اللّه فى الذين من قبلهم و قد كانوا أشدّ منهم قوة ذكر سبب إمهالهم فقال.

٤٥

وَ لَوْ يُؤاخِذُ اللّه النَّاسَ فى الدنيا عاجلا بِما كَسَبُوا من المعاصي ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها اى ظهر الأرض مِنْ دَابَّةٍ نسمة تدب عليها بشوم معاصيهم او من دابة عاصية و هو الأظهر لقوله تعالى وَ لكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ اى يؤخر مواخذتهم إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى و هو ما بعد الموت او يوم القيامة فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللّه كانَ بِعِبادِهِ قال ابن عباس يريد به جميع العباد اهل طاعته و اهل معصيته بَصِيراً (٤٥) فيجازيهم على حسب أعمالهم.

﴿ ٠