سُورَةُ يٰسۤ مَكِّيَّةٌ

وَهِيَ ثَلاَثٌ وَثَمَانُونَ آيَةً‏‏

و تسمى معمة اخرج ابن مردوية و الخطيب و البيهقي عن ابى بكر «١» الصدّيق عن النبي صلى اللّه عليه و سلم انّه قال يس تدعى معمة تعم صاحبها خير الدارين و تسمّى الدافعة لانها تدفع عن صاحبها كل سوء و تسمّى القاضية لانها تقضى كلّ حاجة مكّيّة و هى ثلاث و ثمانون اية ربّ يسّر و تمّم بالخير

 بِسْمِ اللّه الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.

(١) و فى رواية عن ابى بكر رضى اللّه عنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم سورة يس تدعى فى التوراة المعمة تعم صاحبها بخير الدنيا و الآخرة و تكائد عنه بلوى الدنيا و الاخرة و تدفع عنه اطاويل الاخرة و تدعى الدافعة و القاضية تدفع عن صاحبها كل سؤ و تقضى له كل حاجة من قرأها عدلت عشرين حجة و من سمعها عدلت الف دينار فى سبيل اللّه و من كتبها ثم شربها ادخلت جوفه الف دواء و الف نور و الف يقين و الف بر و الف رحمة و نزعت عنه كل غل و داء- و عن ابى بكر الصديق قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من زار قبر والديه او أحدهما فى كل جمعة فقرا عندهما يس غفر اللّه تعالى له بعدد كل حرف منهما» منه نور اللّه تربته.

_________________________________

١

يس (١) اخرج ابو نعيم فى الدلائل عن ابن عباس قال كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقرأ فى المسجد فيجهر بالقراءة حتى تاذى به ناس من قريش حتى قاموا ليأخذوه فاذا أيديهم مجموعة الى أعناقهم و إذا هم عمى لا يبصرون فجاءوا الى النبي صلى اللّه عليه و سلم فقالوا ننشدك باللّه و الرحم يا محمد. و لم يكن بطن من بطون قريش الا و للنبى صلى اللّه عليه و سلم فيهم قرابة فدعا النبي صلى اللّه عليه و سلم حتى ذهب ذلك عنهم فنزلت يس الى قوله أم لم تنذرهم لا يؤمنون فلم يؤمن من ذلك النفر أحد- قرا حمزة و ابو بكر «و الكسائي و خلف و روح- ابو محمد» بامالة فتح الياء و الباقون باخلاصها و ورش و ابو بكر و ابن عامر و الكسائي يدغمون نون الهجاء فى الواو و يبقون الغنة و كذلك فى ن و القلم غير ان عامة اهل الأداء من البصريين يأخذون فى مذهب ورش هناك بالبيان و الباقون بإظهار النون فى السورتين- و يس كسائر المقطعات فى المعنى و الاعراب و قيل معناه يا انسان بلغة طى يعنى به محمدا صلى اللّه عليه و سلم على ان أصله يا انيسين فاقتصر على شطره لكثرة النداء كما قيل من اللّه فى ايمن اللّه كذا روى عن ابن عباس و هو قول الحسن و سعيد بن جبير و جماعة و قال ابو العالية يا رجل و قال ابو بكر الوراق يا سيد البشر و روى عن ابن عباس انه قسم.

٢

وَ الْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (٢) اى المحكم بعجيب النظم و بديع المعاني الواو للقسم او العطف ان جعل يس مقسما به.

٣

إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (٣) جواب قسم

فان قيل الغرض من الاخبار اما إفادة الحكم للمخاطب او إفادة لازم الحكم يعنى إفادة ان المتكلم عالم به و هاهنا لا يتصور شى ء منهما فاىّ فائدة فى الاخبار

قلنا الغرض هاهنا اعلام الكفار ورد انكارهم و إصرارهم حيث قالوا لست مرسلا.

٤

عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤) متعلق بالمرسلين اى لمن الذين أرسلوا على صراط مستقيم و هو التوحيد و الاستقامة فى الأمور او ظرف مستقر خبر ثان لان أو حال من المستكن فى الجار و المجرور و فائدته المدح و وصف الشرع بالاستقامة صريحا و ان دلّ عليه لمن المرسلين التزاما-.

٥

تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (٥) قرا حفص و ابن عامر و حمزة و الكسائي «و خلف- ابو محمد» بنصب تنزيل بإضمار اعنى بيان للصراط او بإضمار فعله تقديره نزّل يعنى القران تنزيل العزيز فى ملكه الرّحيم بخلقه حيث نزل الكتاب و أرسل الرسول فحذف الفعل و أضيف المصدر الى الفاعل

و قرا الباقون بالرفع على انه خبر مبتدا محذوف اى القران.

٦

لِتُنْذِرَ قَوْماً متعلق بتنزيل او بمعنى قوله لمن المرسلين ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ ما نافية و الجملة صفة لقوم اى لتنذر قوما لم ينذر آباؤهم حيث لم يبعث بمكة نبى بعد إسماعيل عليه السلام فهم أشد احتياجا الى الرسالة من غيرهم فَهُمْ غافِلُونَ (٦) اى لم ينذروا فبقوا غافلين و قيل ما موصولة او موصوفة و المعنى لتنذر قوما بالذي او بشئ انذر به آباؤهم الا بعدون فيكون مفعولا ثانيا لتنذر او مصدرية يعنى لتنذر قوما إنذار ابائهم اى مثل إنذارهم و على هذه الوجوه قوله فهم غافلون متعلق بقوله انّك لمن المرسلين اى أرسلناك إليهم لتنذرهم فانهم غافلون.

٧

لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ يعنى قوله تعالى لاملانّ جهنّم من الجنّة و النّاس أجمعين فَهُمْ اى ذلك الأكثر لا يُؤْمِنُونَ (٧) اخرج ابن جرير عن عكرمة قال ابو جهل لان رايت محمدا لافعلن و لافعلن فنزلت.

٨

إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا الى قوله لا يبصرون فكانوا يقولون هذا محمد فيقول اين هو اين هولا يبصره و

قال البغوي نزلت فى ابى جهل و صاحبه المخزوميين و ذلك ان أبا جهل كان قد حلف لان راى محمدا يصلى ليرضخن رأسه فراه و هو يصلى و معه حجر ليدمغه فلمّا رفعه انثنت يده الى عنقه و لزق الحجر بيده فلمّا عاد الى أصحابه و أخبرهم بما راى سقط قال رجل من بنى مخزوم انا اقتله بهذا الحجر فاتاه و هو يصلى ليرميه بالحجر فاعمى اللّه بصره فجعل يسمع صوته و لا يراه فرجع الى أصحابه فلم يرهم حتى نادوه فقالوا له ما صنعت فقال ما رايته و لقد سمعت صوته و حال بينى و بينه شى ء كهيئة الفحل يخطر بذنبه و لو دنوت منه لاكلنى فانزل اللّه تعالى انّا جعلنا فى أعناقهم أغلالا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ اى الاغلال و أصله الى أذقانهم فلا يخليهم يطاطئون و

قال البغوي هى كناية عن الأيدي و ان لم يجر لها ذكر لان الغل يجمع اليد الى العنق معناه انّا جعلنا فى أيديهم و أعناقهم أغلالا فهى الى الأذقان فَهُمْ مُقْمَحُونَ (٨) الفاء للسببية فان الاغلال سبب للاقحام يعنى هم رافعون رءوسهم غاضون أبصارهم لا يستطيعون النظر الى شى ء

و اخرج البيهقي فى الدلائل من طريق السدّى الصغير عن الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس ان ناسا من بنى مخزوم تواصوا بالنبي صلى اللّه عليه و سلم ليقتلوه منهم ابو جهل و الوليد بن المغيرة فبينا النبي صلى اللّه عليه و سلم قائم يصلّى يسمعون قراءته أرسلوا اليه الوليد ليقتله فانطلق حتى اتى المكان الذي يصلى فيه فجعل يسمع قرائة و لا يراه فانصرف إليهم فاعلمهم فاتوه فلما انتهوا الى المكان الذي هو يصلى فيه سمعوا قرائة فيذهبون الى الصوت فاذا الصوت من خلفهم فيذهبون اليه فيسمعونه ايضا من خلفهم فانصرفوا و لم يجدوا اليه سبيلا فذلك قوله تعالى.

٩

وَ جَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَ مِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا قرا حمزة و الكسائي و حفص «و خلف- ابو محمد» بفتح السين و الباقون بفتحها و هما لغتان فَأَغْشَيْناهُمْ اى فاعميناهم من التغشية و هى التغطية فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (٩) الفاء للسببية قال اهل المعاني هذا على طريق التمثيل و لم يكن هناك غل و لا سد أراد اللّه سبحانه انا منعناهم عن الايمان بموانع فجعل الاغلال و السد مثلا لذلك فهو تقرير لتصميمهم على الكفر و الطبع على قلوبهم بحيث لا يغنى عنهم الآيات و النذر مثلهم بالذين غلّت أعناقهم فهى الى الأذقان فهم مقمحون و بالذين جعل بينهم السد و بين ما يريدون رؤيته فى انهم لا يلتفتون الى الحق و لا يعطفون أعناقهم نحوه و لا يطاطئون رءوسهم له و لو طاطئوا رءوسهم فرضا يمنعهم السد عن الابصار فهم لا يبصرون سبيل الهدى او أراد انا منعناهم عن إيذاء الرسول بحفظنا إياه و جاز ان يكون جعلنا بمعنى نجعل أورد صيغة الماضي لتحقق الوقوع يعنى نجعل فى جهنم فى أعناقهم أغلالا و نجعل بين أيديهم سدّا و ذلك بجعلهم اللّه تعالى فى توابيت من نار.

١٠

وَ سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (١٠) سبق تفسيره فى سورة البقرة-.

١١

إِنَّما تُنْذِرُ انذارا يترتب عليه الفائدة مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ اى القرآن بالتأمل فيه و العمل به وَ خَشِيَ الرَّحْمنَ اى خاف عقابه او المعنى انما ينفع إنذارك لمن كان صالحا لاتباع الذكر و الخشية مستعدا لذلك لم يقل و خشى القهار المنتقم للدلالة على ان الخشية مع ملاحظة صفة الرحمة كمال الخشية و عين الايمان و ان الايمان بين الخوف و الرجاء بِالْغَيْبِ حال من فاعل خشى يعنى غائبا عن عذابه قبل ان يعاينه او غائبا عن الناس فى خلوته فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ لذنوبهم وَ أَجْرٍ كَرِيمٍ (١١) حسن و هو الجنة.

١٢

إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى عند البعث او المراد انا نعطى العلم و الهداية بعد الجهل و الضلال وَ نَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَ آثارَهُمْ الحسنة كعلم علموه و حبس وقفوه و سنة حسنة سنوه و السيئة كاشاعة باطل و تأسيس ظلم و تائيد كفر و بدعة ابتدعوها قال النبي صلى اللّه عليه و سلم من سن فى الإسلام سنة حسنة يعمل بها من بعده فله أجرها و مثل اجر من عمل بها من غير ان ينقص من أجورهم شى ء و من سن فى الإسلام سنة سيئة بعمل بها من بعده فان له وزرها و وزر من عمل بها من غير ان ينقص من أوزارهم شي ء رواه مسلم عن حديث جرير و قال قوم معنى اثارهم فى قوله نكتب ما قدّموا و اثارهم خطوهم الى المساجد عن ابى موسى الأشعري قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أعظم الناس اجرا فى الصلاة ابعدهم فابعدهم ممشى و الذي ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الامام أعظم اجرا من الذي يصلى ثم ينام متفق عليه و عن جابر رضى اللّه عنه قال خلت البقاع حول المسجد فاراد بنو سلمة ان ينتقلوا قرب المسجد فبلغ ذلك النبي صلى اللّه عليه و سلم فقال لهم انكم تريدون ان تنتقلوا قرب المسجد قالوا نعم يا رسول اللّه قد أردنا ذلك فقال يا بنى سلمة دياركم تكتب اثاركم دياركم تكتب اثاركم- رواه مسلم و روى البغوي عن انس نحوه

و اخرج الترمذي و حسنه و الحاكم و صححه عن ابى سعيد الخدري نحوه وَ كُلَّ شَيْ ءٍ منصوب بفعل مضر يفسره أَحْصَيْناهُ يعنى كتبناه فِي إِمامٍ مُبِينٍ (١٢) اى فى اللوح المحفوظ ..

١٣

وَ اضْرِبْ لَهُمْ اى مثّل لكفار مكة من قولهم هذه الأشياء على ضرب واحد اى مثال واحد و هو يتعدى الى مفعولين لتضمنه معنى الجعل كانه قيل و اجعل لهم مَثَلًا مفعول أول أَصْحابَ الْقَرْيَةِ مفعول ثان بحذف المضاف تقديره اجعل مثلهم اصحاب القرية و هى انطاكية أخرجه الفريابي عن ابن عباس و ابن ابى حاتم عن بريدة و عبد بن حميد و ابن جرير و ابن المنذر عن عكرمة يعنى قل حال اهل مكة مثل حال اهل انطاكية إِذْ جاءَهَا اى تلك القرية بدل اشتمال من اصحاب القرية الْمُرْسَلُونَ (١٣) يعنى رسل عيسى عليه السلام

قال البغوي قال العلماء بأخبار القدماء بعث عيسى عليه السلام رسولين من الحواريين الى مدينة انطاكية فلما قربا من المدينة فاتيا شيخا يرعى غنمات له و هو حبيب صاحب عيسى عليه السلام فلمّا سلما عليه قال الشيخ لهما من أنتما فقالا رسول اللّه يدعوكم من عبادة الأصنام الى عبادة الرحمان فقال معكما اية قال نعم نشفى المريض و نبرئ الأكمه و الأبرص بإذن اللّه فقال الشيخ ان لى ابنا مريضا منذ سنتين قالا فانطلق بنا نطلع حاله فاتى بهما الى منزله فسحا ابنه فقام فى الوقت بإذن اللّه صحيحا ففشى الخبر فى المدينة و شفى اللّه على أيديهما كثيرا من المرضى و كان لهم ملك قال وهب اسمه انطفس و كان من ملوك الروم يعبد الأصنام قالوا فانتهى الخبر اليه فدعاهما فقال من أنتما قالا رسولا عيسى قال و فيم جئتما قالا ندعوك من عبادة من لا يسمع و لا يبصر الى عبادة من يسمع و يبصر قال و لكما اله دون الهتنا قالا نعم من أوجدك و الهتك قال قوما حتى انظر فى أمركما فتبعهما الناس فاخذوهما و ضربوهما فى السوق قال وهب بعث عيسى هذين الرجلين الى انطاكية فاتياها فلم يصلا الى ملكها و طال مدة مقامهما فخرج الملك ذات يوم فكبرا و ذكرا اللّه فغضب الملك فامر بهما فحبسهما و جلد كل واحد منهما مائتى جلدة- قالوا فلمّا كذّب الرسولان و ضربا بعث عيسى رأس الحواريين شمعون الصفا على اثرهما لينصرهما فدخل شمعون البلد متنكرا فجعل يعاشر حاشية الملك حتى انسوا به فرفعوا خبره الى الملك فدعاه و رضى عشرته و انس به و أكرمه.

ثم قال له ذات يوم ايها الملك بلغني انك حبست رجلين فى السجن و ضربتهما حين دعواك الى غير دينك فهل كلمتهما و سمعت قولهما فقال الملك حال الغضب بينى و بين ذلك قال فان راى الملك دعاهما حتى نطلع ما عندهما فدعاهما الملك فقال لهما شمعون من أرسلكما الى هاهنا قالا اللّه الذي خلق كل شى ء و ليس له شريك فقال لهما شمعون صفاه و أوجزا فقالا لا يفعل ما يشاء و يحكم ما يريد قال شمعون و ما آيتكما قالا ما تتمنّاه فامر الملك حتى جئ بغلام مطموس العينين و موضع عينيه كالجبهة فما زال يدعوان ربهما حتى انشق موضع البصر فاخذا بندقتين من الطين فوضعاهما فى حدقتيه فصارتا مقلتين يبصر بهما فتعجب الملك فقال شمعون للملك ان أنت سالت إلهك حتى يصنع صنعا مثل هذا فيكون لك الشرف فقال الملك ليس لى عنك من سران الهنا الذي نعبده لا يسمع و لا يبصر و لا يضر و لا ينفع- و كان شمعون إذا دخل الملك على الأصنام يدخل و يصلى كثيرا و يتضرع حتى ظنوا انه على ملتهم فقال الملك للرسولين ان قدر إلهكم الذي تعبد انه على احياء ميت أمنا به قالا الهنا قادر على كل شى ء فقال الملك ان هاهنا ميتا مات منذ سبعة ايام ابن لدهقان و انا أخرته فلم ادفنه حتى يرجع أبوه و كان غائبا فجاء و أبا لميت و قد تغيروا روح فجعلا يدعوان ربهما علانية و جعل شمعون يدعو ربه سرّا فقام الميت و قال انى قدّمت منذ سبعة ايام و وجدت مشركا فادخلت فى سبعة اودية من النار و انا أحذركم مما أنتم فيه فامنوا باللّه ثم قال فتحت أبواب السماء فنظرت فرايت شابّا حسن الوجه يشفع لهؤلاء الثلاثة قال الملك و من الثلاثة قال شمعون و هذان و أشار الى صاحبيه فتعجب الملك فلمّا علم شمعون ان قوله اثر بالملك أخبره بالحال فامن الملك و أمن قوم و كفر آخرون- و قيل ان ابنة الملك كانت توفيت و دفنت فقال شمعون للملك أطلب هذين الرجلين ان يحييا ابنتك فطلب منهما الملك ذلك مقاما و صليا و دعوا و شمعون معهما قرا بسر فاحيا اللّه المرأة و انشق القبر عنها فخرجت و قالت اعلموا انهما صادقان و لا أظنكم تسلمون ثم طلبت من الرسولين ان يرداها الى مكانها فذرا ترابا على رأسها و عادت الى قبرها كما كانت و قال ابن إسحاق عن كعب و وهب بل كفر الملك و اجمع هو وقوعه على قتل الرسل فبلغ ذلك حبيبا و هو على باب المدينة الأقصى فجاء يسعى إليهم يذكرهم و يدعوهم الى طاعة المرسلين فذلك قوله عزّ و جلّ.

١٤

إِذْ أَرْسَلْنا بدل من إذ السابقة إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ قال وهب اسمهما يحيى و يونس فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا قرأ أبو بكر بالتخفيف و الباقون بالتشديد و معناهما واحد اى فقوينا بِثالِثٍ اى برسول ثالث و هو شمعون كذا اخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير ترك ذكر المفعول به لان المقصود ذكر المعزز به و ما لطف فيه من التدبير حتى عز الحق و زهق الباطل و إذا كان الكلام لغرض يجعل سياقه له و يرفض ما سواه-

و اخرج عبد الرزاق و عبد بن حميد و ابن جرير و ابن المنذر و ابن ابى حاتم عن قتادة قال بلغني ان عيسى بعث الى اهل القرية رجلين من الحواريين و قال كعب الرسولان صادق و صدوق و الثالث شلوم و انما أضاف اللّه الإرسال الى نفسه لان عيسى بعتهم بامره عزّ و جلّ فَقالُوا كلهم لاهل انطاكية إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (١٤)

١٥

قالُوا اى اهل انطاكية ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا لا مزية لكم علينا يقتضى اختصاصكم بالرسالة من اللّه وَ ما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْ ءٍ من وحي إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (١٥) فى دعوى الرسالة.

١٦

قالُوا اى الرسل رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (١٦) استشهدوا بعلم اللّه و هو يجرى مجرى القسم و لذلك من قال اللّه يعلم انى فعلت كذا و هو كاذب كان غموسا و زادوا اللام المؤكدة لانه جواب عن انكارهم دون الاول.

١٧

وَ ما عَلَيْنا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (١٧) الظاهر البين بالآيات الشاهدة لصحته كابراء الأكمه و الأبرص و احياء الموتى يعنون ان انكاركم لا يضرنا بعد ما كان علينا من أداء التبليغ و انما هو يعود عليكم بالمضرة.

١٨

و لمّا حبس اللّه عنهم المطر بتكذيبهم الرسل قالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ يعنون ان ما نزل بنا انما هو بشومكم و ذلك لاستغرابهم ما ادعوه و استقباحهم له و تنفرهم عنه فان عادة الجهال ان يتمنّوا كل شى ء مالت اليه طباعهم و تشاموا ما كرهوه.

لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا عما تقولون لَنَرْجُمَنَّكُمْ بالحجارة و نقتلنّكم وَ لَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ (١٨).

١٩

قالُوا طائِرُكُمْ اى سبب شومكم مَعَكُمْ و هو كفركم و قال ابن عباس حظكم من الخير و الشر معكم لا ينفك عنكم أَ إِنْ ذُكِّرْتُمْ و عظّم به و جواب الشرط محذوف و الاستفهام للانكار يعنى أ إن وعظتم تطيرتم بنا و توعدتمونا بالرجم لا ينبغى ذلك بل كان ينبغى الاتعاظ و الامتنان- قرا ابو جعفر بفتح الهمزة الثانية و ذكرتم بالتخفيف تقديره أ تطيرتم و توعدتم لان ذكرتم بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (١٩) اى قوم عادتكم الإسراف فى العصيان و منها التشاوم برسل اللّه و الواجب التبرك بهم.

٢٠

وَ جاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى و هو حبيب النجار أخرجه عبد الرزاق و ابن ابى حاتم عن قتادة و قال السدىّ كان قصارا و قال وهب كان حبيب رجلا يعمل الحرير و كان سقيما و قد اسرغ فيه الجذام و كان منزله عند أقصى باب من أبواب المدينة و كان مؤمنا ذا صدقة يجمع كسبه إذا امسى فقسم نصفين فيطعم نصفا على عياله و يتصدق نصفه فلمّا بلغه ان قومه قصدوا قتل الرسل جاءهم و قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (٢٠)

٢١

اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً على تبلغ الرسالة الجملة تأكيد للاول او بدل يشتمل فائدة زائدة.

وَ هُمْ مُهْتَدُونَ (٢١) الى خير الدارين.

٢٢

وَ ما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي ما استفهامية مبتدا و الظرف خبر له و لا اعبد حال من ضمير المتكلم و الجملة معطوفة على قوله يا قوم اتّبعوا المرسلين و فيه التفات من الغيبة الى التكلم و فيه تلطف فى الإرشاد بايراده فى معرض المناصحة لنفسه و إمحاض النصح حيث أراد لهم ما أراد لنفسه و المراد تقريعهم على تركهم عبادة خالقهم الى عبادة غيره و لذلك قال وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٢) مبالغة فى التهديد ثم عاد الى السياق الاول فقال.

٢٣

أَ أَتَّخِذُ الاية

و اخرج ابن المنذر و ابن ابى حاتم عن قتادة قال كان حبيب فى الغار يعبد اللّه فلما بلغه خبر الرسل أتاهم يعنى قومه فاظهر دينه و قال يا قوم اتّبعوا المرسلين اتّبعوا من لا يسئلكم اجرا و هم مهتدون فلما قال ذلك قالوا له و أنت مخالف لديننا و متابع دين هؤلاء الرسل فقال و ما لى لا اعبد الّذى فطرنى اى خلقنى و اليه ترجعون- قرا حمزة و يعقوب «و خلف- ابو محمد» ما لى بسكون الياء و الباقون بفتحها قيل أضاف الفطرة الى نفسه و الرجوع إليهم لان الفطرة اثر النعمة و كان عليه إظهاره و فى الرجوع معنى الزجر فكان أليق بهم قيل انه لمّا قال اتّبعوا المرسلين أخذوه فرفعوه الى الملك فقال له الملك أ فأنت تتبعهم فقال و ما لى لا اعبد الّذى فطرنى يعنى اىّ شى ء لى إذا لم اعبد خالقى و اليه ترجعون عند البعث فيجازيكم ءاتّخذ استفهام انكار اى لا اتخذ مِنْ دُونِهِ اى دون الذي فطرنى آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي اى لا تنفعنى شَفاعَتُهُمْ التي تزعمونها شَيْئاً من الإغناء وَ لا يُنْقِذُونِ (٢٣) قرا ورش «و يعقوب فى الحالين- ابو محمد» بإثبات الياء فى الوصل و الباقون بالحذف فى الحالين اى لا ينقذونى من عذاب اللّه ان عذبنى و فى نفى الإغناء عن الشفاعة فى دفع الضرر و الانقاذ من العذاب مبالغة فى نفى النفع عن شفاعتهم مطلقا فان قبول الشفاعة لدفع الضرّ اقرب من قبولها لنيل الرحمة و الجملة الشرطية صفة لالهة.

٢٤

إِنِّي قرأ نافع و ابو عمرو بفتح الياء و الباقون بإسكانها إِذاً اى إذا اتخذ ما لا ينفع و لا يضر بوجه ما الهة من دون من فطرنى و هو يقدر على النفع و الضر لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٤) ظاهر لا يخفى على من له ادنى تميز كونه ضلالا- و الجملة تعليل للانكار على اتخاذ الالهة.

٢٥

إِنِّي قرأ نافع «و أبو عمرو و أبو جعفر و أبو محمد» و ابن كثير بفتح الياء و الباقون بإسكانها آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ الذي خلقكم ايها القوم او ايها الملك فَاسْمَعُونِ (٢٥) اى فاسمعوا إيماني فعلى هذا هذه الاية من تتمة النصح فان القوم إذا قيل لهم اتّبعوا المرسلين كانّهم قالوا هل امنت أنت بهم فقال انى امنت بربّكم فاسمعوا إيماني و لو لم يكن هذا خيرا ما استأثرت به لنفسه و أضاف الرب الى المخاطبين و لم يقل امنت بربي ليكون ادعى لهم الى الايمان.

قال البغوي فلمّا قال ذلك وثب القوم وثبة رجل واحد فقتلوه «١» قال ابن مسعود وطئوه بأرجلهم حتى خرج قصبه من دبره و قال السدىّ كانوا يرمونه بالحجارة و هو يقول اللّهم اهد قومى حتى قطعوه و قتلوه و قال الحسن خرقوا خرقا فى حلقه فعلقوه من سور المدينة و قبره بانطاكية فادخله اللّه الجنة و هو حى فيها يرزق يعنى حيوة الشهداء و قيل الخطاب للرسل فانه لمّا راى انه يقتل استشهد الرسل على إيمانه قبل ان يموت و التقدير فقال للرسل انّى امنت.

(١) روى انه قدم عروة بن مسعود الثقفي على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فاسلم ثم استاذن ليرجع الى قومه فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انهم قاتلوك قال لو وجدوني نائما ما ايقفونى فرجع إليهم فدعاهم الى الإسلام فعصوه و اسمعوه من الأذى فلمّا طلع الفجر قام على غرفة فاذّن بالصلوة و تشهد فرماه رجل من ثقيف بسهم فقتله فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حين بلغه قتله مثل عروة مثل صاحب يس دعا قومه الى اللّه فقتلوه» منه نور اللّه؟؟؟.

٢٦

قِيلَ يعنى قال اللّه تعالى لحبيب النجار رضى اللّه عنه لمّا استشهد إكراما و اذنا فى دخول الجنة كسائر الشهداء ادْخُلِ الْجَنَّةَ و قيل قال اللّه تعالى ذلك له قبل موته يعنى ادخل قبرك الذي هو روضة من رياض الجنة و انما لم يقل و قيل له لان الغرض بيان المقول دون المقول له فانه معلوم و الكلام فيه و الجملة مستانفة فى حيز الجواب عن السؤال عن حاله عند لقاء ربه بعد تصلبه فى نصر دينه و اللّه اعلم و لما افضى حبيب الى الجنة قالَ يا رب لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (٢٦)

٢٧

بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَ جَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (٢٧) ما موصولة او مصدرية و الباء متعلق بيعلمون اى يعلمون بالذي غفر لى ربى به او بغفران ربى إياي او استفهامية و الباء متعلق بغفر اى باىّ شى ء غفر لى يريد به الايمان و المصابرة على إيذاء الكافرين.

و انما تمنى علم قومه بحاله ليحملهم على اكتساب الايمان و الطاعة على دأب الصالحين فى كظم الغيظ و الترحم على الأعداء او ليعلموا انهم كانوا على خطأ عظيم فى امره و انه كان على حق.

قال البغوي فلما قتل حبيب غضب اللّه عليهم و عجل لهم النقمة فامر جبرئيل فصاح بهم صيحة واحدة فماتوا عن آخرهم و ذلك قوله تعالى.

٢٨

وَ ما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ اى قوم حبيب مِنْ بَعْدِهِ من زائدة اى بعد إهلاكه مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ من الاولى زائدة لتأكيد النفي و الثانية للابتداء يعنى ما أنزلنا لاهلاكهم جندا من الملائكة كما أرسلنا يوم بدر و الخندق بل كفينا أمرهم بصيحة ملك و فيه استحقار لإهلاكهم و ايماء بتعظيم الرسول عليه السلام وَ ما كُنَّا مُنْزِلِينَ (٢٨) ما نافية اى ما كان شأننا فى إهلاك قوم إنزال جند فان الأمر أيسر من ذلك و انما أنزلنا الأجناد لنصرك بشارة و إكراما لك و تسكينا لقلبك قال اللّه تعالى و ما جعله اللّه إلّا بشرى و لتطمئنّ به قلوبكم و ما النّصر الّا من عند اللّه- و قيل موصولة معطوفة على جند يعنى ما أنزلنا على قومه ما كنّا منزلين على من قبلهم من حجارة او ريح او امطار شديدة.

٢٩

إِنْ كانَتْ اى ما كانت الاخذة او العقوبة إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً صاح بها جبرئيل قرا الجمهور بالنصب على انه خبر كان و ابو جعفر بالرفع جعل الكون تامة بمعنى الوقوع-

قال البغوي قال المفسرون أخذ جبرئيل بعضاوتي باب المدينة ثم صاح صيحة واحدة فَإِذا هُمْ خامِدُونَ (٢٩) اى ميتون شبّهوا بالنار لان الحيوة يتعلق بالحرارة الغريزية فاذا خمدت الحرارة الغريزية مات و جملة ما أنزلنا عطف على قوله و جاء من اقصا المدينة رجل «١» يسعى و جملة ما كنّا منزلين معترضة و جملة ان كانت الّا صيحة تعليل و الفاء للسببية يعنى فاجئت الصيحة وقت خمودهم.

(١) و فى الأصل من اقصا المدينة يسعى.

٣٠

يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ الظرف صفة للحسرة و جعلت الحسرة منادى تنبيها للمخاطبين على وجوب الحسرة عليهم و تنكيرها للتعظيم كانّه قيل يا حسرة اى حسرة تعالى فهذه من الأحوال التي من حقها ان تحضرى فيها و هى ما دل عليه ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٣٠) استثناء مفرغ حال من الضمير المنصوب او من رسول او منهما و الاستثناء يعنى الشرط و الجزاء يعنى كلما يأتيهم رسول يستهزءون به و الجملة تعليل للحسرة فان المستهزئين بالناصحين المخلصين المنوط بنصحهم خير الدارين أحقاء ان يتحسروا و ان يتحسر عليهم المتحسرون و يتلهف على حالهم الملائكة و المؤمنون من الثقلين و يجوز ان يكون تحسرا من اللّه عليهم على سبيل الاستعارة لتعظيم جنايتهم على أنفسهم و يؤيده قراءة يا بحسرتا- و قيل المنادى محذوف و حسرة منصوب بفعل مقدر تقديره يايها المخاطبون تحسروا حسرة على العباد- و الحسرة شدة الحزن و الندامة

قال البغوي فيه قولان أحدهما يقول اللّه يا حسرة و ندامة و كابة على العباد يوم القيامة لما لم يومنوا بالرسل و الاخر انه من قول الهالكين قال ابو العالية لما عاينوا العذاب قالوا يا حسرة على العباد و اللام فى العباد للعهد و المراد بهم اهل انطاكية او كل من لم يؤمن بالرسل و استهزأ بهم فهو تعريض لاهل مكة.

٣١

أَ لَمْ يَرَوْا ا لم يعلموا و هو معلق عن قوله كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ لان كم لا يعمل فيما قبلها و ان كانت خبرية لان أصلها الاستفهام فهو يستدعى صدر الكلام و الضمير فى لم يروا لاهل مكة أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ (٣١) بدل اشتمال من كم على المعنى اى الم يروا كثرة إهلاكنا من قبلهم الم يروا انهم غير راجعين إليهم- و لمّا كان فى قوله انّهم إليهم لا يرجعون إيهاما الى ان الموتى لا يرجع ابدا ندفع ذلك الوهم قال.

٣٢

وَ إِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ (٣٢) يوم القيامة قرا عاصم و حمزة «ابو محمد و ابن جمار» لما بالتشديد هاهنا و فى الزخرف و الطارق و أخفها ابن عامر الا فى الزخرف فى رواية ابن ذكوان و وافق ابو جعفر فى الطارق و الباقون بالتخفيف فمن فرأ بالتشديد فان نافية و لمّا بمعنى الا و من قرا بالتخفيف فان مخففة من الثقيلة و اللام هى الفارقة و ما مزيدة للتأكيد و جميع فعيل بمعنى مفعول و لدينا ظرف له او لمحضرون ..

٣٣

وَ آيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ قرأ نافع «و ابو جعفر- ابو محمد» بالتشديد أَحْيَيْناها بالمطر خير للارض و الجملة خير اية او صفة للارض إذ لم يرد بها معينة فهو كقوله و لقد امرّ على اللئيم يسبنى و الأرض مبتدا خبرها اية او خبر لكونها نكرة و الاية مبتدا و الجملة معطوفة على قوله و ان كلّ لّما- و جاز ان يكون أحييناها استئنافا لبيان كونها اية وَ أَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا جنس الحب كالحنطة و الشعير و نحو ذلك فَمِنْهُ اى من الحب يَأْكُلُونَ (٣٣) قدم الصلة للدلالة على ان الحب معظم ما يؤكل و يعاش به.

٣٤

وَ جَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ بساتين مِنْ نَخِيلٍ وَ أَعْنابٍ اى من انواع النخيل و العنب و لذلك جمعهما دون الحب فان الدال على الجنس مشعر بالاختلاف و لا كذلك و ذكر النخيل دون التمر ليطابق الحب و الأعناب لاختصاص النخيل بمزيد النفع و اثار الصنع وَ فَجَّرْنا فِيها فى الأرض مِنَ الْعُيُونِ اى شيئا من العيون فحذف الموصوف و أقيمت الصفة مقامه عند الأخفش من زائدة.

٣٥

لِيَأْكُلُوا متعلق بفجّرنا مِنْ ثَمَرِهِ اى ثمر ما ذكر و هو الجنات و قيل الضمير للّه على طريقة الالتفات و الاضافة اليه لإن الثمر بخلقه قرا حمزة و الكسائي «و خلف ابو محمد» ثمره بضمتين و هو لغة فيه او جمع ثمار وَ ما عَمِلَتْهُ قرأ حمزة و الكسائي و ابو بكر «و خلف- ابو محمد» عملت بغير هاء أيديهم عطف على ثمره و ما موصولة و المراد ما يتخذ منه كالعصير و الدبس و نحوهما و قيل ما نافية و المراد ان الثمر بخلق اللّه تعالى لا بفعلهم و يؤيد الاول قراءة الكوفيين بلا هاء فان حذفه من الصلة احسن عن غيرها أَ فَلا يَشْكُرُونَ (٣٥) الهمزة للانكار و الفاء للعطف على محذوف تقديره أ ينكرون انعام اللّه فلا يشكرون و حيث كان إنكارا على ترك فهو امر بالشكر.

٣٦

سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ اى الأنواع و الأصناف كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ من النبات و الشجر وَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ اى الذكر و الأنثى وَ مِمَّا لا يَعْلَمُونَ (٣٦) اى ما خلق اللّه فى البحر و البر و لم يطلع عليها أحدا-.

٣٧

وَ آيَةٌ لَهُمُ على قدرتنا اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ اى ننزع و نكشط و ذلك ان الأصل هى الظلمة و النهار داخل عليها بطلوع الشمس فاذا غربت فكانّه سلخ النهار من الليل و ظهرت الظلمة فانسلخ هاهنا مستعار من سلخ الجلد- و الكلام فى إعرابه مثل ما سبق فى قوله تعالى اية لّهم الأرض الميتة فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ (٣٧) عطف على نسلخ منه النّهار فغاصوا وقت كونهم داخلين فى الظلمة يعنى يذهب بالنهار و يجئ بالليل.

٣٨

وَ الشَّمْسُ عطف على الليل تَجْرِي فى فلكها مثل جرى الحوت فى الماء صفة للشمس بناء على تنكيره او مبتدا و خبر و الجملة معترضة لبيان سبب وجود الليل و النهار

لِمُسْتَقَرٍّ لَها مصدر ميمى او ظرف يعنى تجرى لاستقرار لها على نهج مخصوص او لموضع استقرارها و هى منتهى دورها تشبهت بالمسافر إذا قطع مسيره او مستقرها كبد السماء قبيل الزوال فان حركتها توجد ابطا بحيث يظن ان لها هناك وقفة او مستقرها نهاية ارتفاعها فى السماء فى الصيف و نهاية هبوطها فى الشتاء او لمنتهى مقدر بكل يوم من المشارق و المغارب فان لها فى دورها ثلث مائة و خمسا و ستين مشرقا و مغربا تطلع كل يوم من مطلع و تغرب فى مغرب ثم لا تعود إليهما الى العام القابل او لمنقطع جريها عند خراب الدنيا و هذه التأويلات كلها مبنية على انها فى ظاهر الحال لا تستقر فى وقت من الأوقات و يدل عليه قراءة ابن مسعود ما رواه البغوي عن عمر بن دينار عن ابن عباس انه قرا و الشّمس تجرى لا مستقرّ لها لكن ورد فى الحديث الصحيح عن النبي صلى اللّه عليه و سلم انه قال مستقرها تحت العرش- رواه البخاري فى الصحيح و روى البغوي عن ابى ذر عن النبي صلى اللّه عليه و سلم انه قال حين غربت الشمس أ تدري اين تذهب هذه قلت اللّه و رسوله اعلم قال فانها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها و يوشك ان تسجد و لا تقبل منها و تستأذن فلا يؤذن لها و يقال لها ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها فذلك قوله تعالى و الشّمس تجرى لمستقرّ لّها قال مستقرها تحت العرش- متفق عليه و معنى الحديث و اللّه اعلم ان الشمس بعد غروبها قبل طلوعها تسجد تحت العرش فيؤذن لها فى الطلوع من جانب المشرق فتطلع و يوشك ان لا يؤذن لها بالطلوع من المشرق بل يؤذن لها بالطلوع من المغرب فحينئذ تطلع من مغربها و هى اية من آيات الساعة- لا يقال ان مقدار الليل من وقت غروبها الى طلوعها يتفاوت بتفاوت الأقاليم حتى ان تحت القطب الشمالي من وراء بلغار إذا كانت الشمس عند رأس السرطان يكون الليل بحيث لا يكون هناك وقت العشاء بل بعد غروب الشمس إذا غاب الشفق من جانب طلع الصبح من جانب فاىّ وقت يتصور فيه الشمس ذاهبة تحت العرش ساجدة قلت ليس المراد ان الشمس تدوم ساجدة من وقت غروبها الى وقت طلوعها فجاز ان يكون وقت من الأوقات يكون ظلمة الليل شاملة لجميع الأقاليم و ذلك عند منصفها و حينئذ يذهب الملائكة الموكلون على الشمس بها الى تحت العرش فتخر هناك ساجدة ثم يؤذن لها بالطلوع و اختلاف مقدار الليل باختلاف الأقاليم انما يتعلق باختلاف مبدء الليل و منتهاه و اللّه اعلم و القول بان الحديث من المتشابهات او ان المراد بالسجود هو الانقياد او نحو ذلك يأباه سياق الحديث ذلِكَ الجري على هذا التقدير المتضمن للحكمة التي يكل الفطن عن إحصائها تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الغالب بقدرته على كل مقدور الْعَلِيمِ (٣٨) المحيط علمه بكل معلوم ..

٣٩

وَ الْقَمَرَ قَدَّرْناهُ اى قدرنا مسيره مَنازِلَ او قدرنا سيره فى منازله قرا ابن كثير و نافع و ابو عمرو «و روع- ابو محمد» و القمر بالرفع على انه معطوف على الشمس يعنى اية لهم الليل و اية لهم الشمس و اية لهم القمر و الجملة الواقعة بعدها كالجملة الواقعة بعد الشمس

و قرا الباقون بالنصب بإضمار فعل فسره بقوله قدّرناه منازل- و هى ثمانية و عشرون منزلا- ينزل كل ليلة فى واحدة منها لا يتخطئه و لا يتقاصر عنه فاذا كان فى اخر منازله دقّ و استقوس حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ اى الشمراخ المعوج فعلون من الانعراج بمعنى الاعوجاج الْقَدِيمِ (٣) العتيق قيل ما مر عليه حول فصاعدا ثم يكون القمر تحت شعاع الشمس فى المحاق.

٤٠

لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها اى يصح لها و يتيسر أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ

قال البيضاوي اى فى سرعة سيره و هذا مبنى على ما قالت الفلاسفة ان القمر اسرع سيرا من الشمس فان دورها يتم فى شهر و دور الشمس يتم فى سنة و عندى الأمر بالعكس كما سنبين ان شاء اللّه تعالى فالاولى ان لا يقيد السير بالسرعة بل يقال الشمس لا تدرك القمر فى سيره المخصوص حتى يتحد سيدهما فان ذلك يخل بتكون النباتات و تعيش الحيوانات او فى اثاره و منافعه او مكانه بالنزول الى محله او سلطانه فتطمس نوره قلت و جاز ان يكون المراد بالشمس النهار و بالقمر الليل و هذا يستقيم المقابلة يعنى لا ينبغى للنهار ان يدرك الليل اى يسبقها وَ لَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ اى هما يتعاقبان بحساب معلوم لا يجئ أحدهما قبل وقته كذا تستفاد من كلام البغوي وَ كُلٌّ التنوين عوض المضاف اليه اى كل واحد منهما و

قال البيضاوي تقديره كلهم و الضمير للشموس و الأقمار فان اختلاف الأحوال يوجب تعددا ما فى الذات و لو بالاعتبار او الى الكواكب فان ذكرهما مشعر بها فِي فَلَكٍ واحد من الافلاك و هى السماء الدنيا بدليل قوله تعالى انّا زيّنّا السّماء الدّنيا بمصابيح يَسْبَحُونَ (٤٠) كما يسبح السمك فى الماء.

و هذا صريح فى ان الشمس و القمر و الكواكب سائرة فى الفلك بقسر قاسر من الملائكة او بالارادة لا انها مرتكزة فى السماء كالمسامير لا تتحرك الا بتحرك السماء حركة وضعية كما يقول به الفلاسفة بناء على ان السباحة يستلزم الخرق و الالتيام و زعموا انه محال فاستدلوا بتعدد الحركات للكواكب على تعدد السماوات على حسب تعدد الحركات فقالوا السماوات تسعة كلها منطبقة بعضها على بعض مثل قشور البصل و قالوا السماء التاسع الذي هو حاد للجميع يتحرك من المشرق الى المغرب على منطقة و قطبين بحيث يتم دائرة سيره فى كل يوم و ليلة مرة تقريبا و سائر .... السماوات تسير بسيره قسرا و لكل منها حركة بالطبع من المغرب الى المشرق على منطقة اخرى و قطبين آخرين و يحصل التقاطع بين الاقطاب الاربعة قطبى فلك الثوابت و قطبى فلك الافلاك و الشمس يلازم لمنطقة فلك الثوابت و ينقسم منطقة فلك الثوابت الى اثنى عشر حصة يسمون كل حصة منها برجا و يسمون ذلك الفلك فلك البروج قالوا ذلك لمّا راوا ان الكوكب لا يتم دائرة سيرها فى يوم و ليلة- و لما راوا ان الكواكب كلها غير السبعة التي يسمونها سيارات لا يختلف نسبة بعضها مع بعض قط و ان سيرها ينقص من الدائرة فى اليوم و الليلة قليلا غاية القلة جدا حكموا بان كلها مرتكزة فى فلك واحد و هى السماء الثامنة فلك البروج و ان سيرها كان لا سير و لذا سموها ثوابت و فلكها فلك الثوابت و لمّا راوا السبعة ينقص سيرها فى اليوم و الليلة من الدائرة نقصانا ظاهرا بحيث يرون القمر يسير فى ثلاثين يوما او تسعة و عشرين دائرة و الشمس تسير فى ثلاث مائة و خمس و ستين يوما ثلاث مائة و أربعا و ستين دائرة و هكذا ان أفلاكها سبعة كلها سائرة من المغرب الى المشرق و لاجل ذلك يرى سيرها فى اليوم و الليلة ناقصة من الدائرة و كلما راوا نقصان سيرها من الدائرة أزيد حكموا بكون سيرها اسرع فقالوا فلك القمر اسرع سيرا فان سيرها الى المشرق بقطع الدائرة فى شهر و فلك الشمس يقطع فى سنة ثلاث مائة و خمس و ستين يوما و هكذا حكموا فى سائر السيارات- و لمّا راوا خمسا من الكواكب العطارد و الزهرة و المشترى و المريخ و الزحل تارة سيرها أزيد من دائرة و تارة انقص من دائرة و تارة سيرها دائرة تامة لا زائد و لا ناقص سموها خمسة متحيرة و اثبتوا لها تدويرات سير أعلاها يخالف سيرا سفلها كل ذلك بيّن فى علم الهيئة و لمّا دلّت النصوص القطعية على ان عدد السماوات سبع لا مزيد عليها بحيث يكفر جاحدها و على جواز الخرق و الالتيام على الافلاك بحيث يكفر جاحدها ايضا بل على وقوعها حيث قال اللّه تعالى إذ السّماء انشقّت إذا السّماء انفطرت و انشقّ القمر و نحو ذلك- و دل ت الأحاديث الصحيحة على ان السّماوات غير منطبقة ببعضها على بعضها بل بين كل منها مسافة بعيدة بحيث يفسق جاحدها روى احمد و الترمذي عن ابى هريرة مرفوعا حديثا طويلا و ذكر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بعد ما بين الأرض و السّماء و بين كل سماءين خمس مائة سنة و روى الترمذي و ابو داود عن العباس بن عبد المطلب مرفوعا حديثا طويلا ذكر فيه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بعد ما بين الأرض و السماء و بين كل سمائين اما واحدة و اما اثنتان او ثلاث و سبعون سنة و لعل اختلاف ذلك باعتبار اختلاف سير السائرين سرعة و بطئا وجب القول ببطلان علم الهيئة و بان من اعتقدها يخاف عليه الكفر بالكتاب و السنة و إذا ظهر جواز الخرق و الالتيام فى السماوات لا مانع من ان يقال ان الكواكب كلها فى السماء الدنيا كما ينطق به قوله تعالى و زيّنّا السّماء الدّنيا بمصابيح و ان كلا منها فى فلك يسبحون و ان سير أكثرها على مقدار واحد قريبا من الدائرة التامة و سير سبعة فيها على مقادير مختلفة على حسب ما يرى و لا مانع من القول بان الخمسة تارة يسير زائدا و تارة ناقصا على حسب ارادة اللّه تعالى و هى الخنس الجواري الكنس و اللّه اعلم بحقيقة الحال.

٤١

وَ آيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ قرأ اهل المدينة و الشام و يعقوب ذرّيّاتهم بالجمع و كسر التاء و الباقون ذرّيّتهم على الافراد بفتح التاء فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (٤١) اى المملو الظاهر ان المراد بالذرية أولادهم الذين يتبعونهم الى تجاراتهم او صبيانهم و نساؤهم الذين يستصحبونهم فان الذرية يطلق عليهن لانهن توارعها ورد فى الحديث انه صلى اللّه عليه و سلم راى امراة مقتولة فقال ما كانت هذه تقاتل الحق خالدا فقل له لا تقتل ذرية و لا عسيفا- «العسيف الأجير او العبد منه ره» و المراد بالذرية فى هذا الحديث النساء لاجل الامرأة المقتولة و فى حديث عمر حجوا بالذرية لا تأكلوا أرزاقها و تذروا ارباقها «١» فى أعناقها اى حجوا بالنساء كذا فى النهاية و المراد بالفلك السفائن الصغار و الكبار و تخصيص الذرية بالذكر لان استقرارهم فى السفن أشق و تماسكهم فيها اعجب و

قال البغوي المراد به سفينة نوح عليه السلام و المراد بالذرية الآباء و اسم الذرية يقع على الآباء كما يقع على الأولاد و

قال البيضاوي على تقدير ان يراد بالفلك سفينة نوح عليه السلام معنى الاية ان اللّه تعالى حمل آباءهم و حملهم و ذريتهم فى أصلابهم و تخصيص الذرية بالذكر لانها بلغ فى الامتنان و ادخل فى التعجب مع الإيجاز.

(١)؟؟؟ أريد فريضة حج كه مثل ارباق است يعنى قلادها كه در گردن آنهاست يعنى واجب است منه رحمه اللّه.

٤٢

وَ خَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ اى مثل الفلك مطلقا او مثل فلك نوح ما يَرْكَبُونَ (٤٢) من الإبل فانها سفائن البر او من الفلك و السفن و الرواق على هيئة سفينة نوح.

٤٣

وَ إِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ مع اتخاذ السفائن فَلا صَرِيخَ لَهُمْ جزاء لشرط محذوف تقديره و ان نغرقهم فلا صريخ اى لا مغيث لهم يحرسهم عن الغرق او فلا استغاثة كقولهم أتاهم الصريخ وَ لا هُمْ يُنْقَذُونَ (٤٣) عطف على لا صريخ لهم اى لا ينجون من الغرق قال ابن عباس و لا أحد ينقذهم من عذابى.

٤٤

إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَ مَتاعاً استثناء مفرغ منصوب على العلية اى لا ينقذون لشئ الا لرحمة منا و لتمتيع إِلى حِينٍ (٤٤) اى زمان قدّر لاجالهم ..

٤٥

وَ إِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَ ما خَلْفَكُمْ قال ابن عباس ما بين ايديكم يعنى الاخرة فاعملوا لها و ما خلفكم يعنى الدنيا فاحذروها و لا تغتروا و قيل ما بين ايديكم يعنى وقائع اللّه فيما قبلكم من الأمم و ما خلفكم عذاب الاخرة و هو قول قتادة و قيل المراد به نوازل السماء و نوائب الأرض كقوله تعالى او لم يروا الى ما بين أيديهم و ما خلفهم من السّماء و الأرض و قيل المراد به عذاب الدنيا و عذاب الاخرة و قيل عكسه و قيل ما تقدم من الذنوب و ما تأخر

لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٤٥) اى لتكونوا راجين رحمة اللّه و جواب إذا محذوف تقديره إذا قيل لهم اتقوا اعرضوا بقرينة قوله تعالى.

٤٦

وَ ما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ من الاولى زائدة لتأكيد النفي و الثانية للتبعيض إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (٤٦) استثناء مفرغ مثل قوله الّا كانوا به يستهزءون هذه الاية فى مقام التعليل لما سبق يعنى إذا قيل لهم اتّقوا اعرضوا لانهم اعتادوه و تمرنوه و الجملة الشرطية اعنى قوله و إذا قيل لهم مع ما عطف عليه اعنى و ما تأتيهم من اية عطف على قوله و ما يأتيهم من رّسول.

٤٧

وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ عطف على الشرطية السابقة يعنى كان المؤمنون يقولون لكفار مكة أَنْفِقُوا على المساكين مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّه من الأموال قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا فيه وضع المظهر موضع الضمير للتسجيل عليهم بكفرهم لِلَّذِينَ آمَنُوا أَ نُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللّه أَطْعَمَهُ يعنى ان اللّه لم يرزقهم مع قدرته عليه فنحن نوافق مشية اللّه فلا نطعمهم (قيل قاله مشركوا قريش حين استطعمهم فقراء المؤمنين أخرجه ابن ابى حاتم عن الحسن و عبد بن حميد و ابن المنذر عن إسماعيل بن خالد) و هذا قول باطل فان اللّه تعالى اغنى بعض الخلق و أفقر بعضهم ابتلاء فمنع الدنيا من الفقير لا بخلا و امر الغنىّ بالإنفاق لا حاجة الى ما لهم و لكن ليبلو الغنى بالفقير فيما فرض له فى مال الغنى و لا اعتراض لاحد على مشية اللّه و حكمه فى خلقه و لا يدرك العقول كل حكمة فى أفعاله إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٤٧) حيث أمرتمونا ما يخالف مشية اللّه و يجوز ان يكون جوابا لهم من اللّه تعالى او حكاية لجواب المؤمنين لهم ..

٤٨

وَ يَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ اى القيامة و البعث عطف على الشرطية السابقة استفهام استبطاء إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٨) فى الاخبار بإتيانه جواب الشرط محذوف يعنى فانبئونا عن وقت إتيانه خطاب للرسول صلى اللّه عليه و سلم و للمؤمنين.

٤٩

ما يَنْظُرُونَ حال من فاعل يقولون يعنى يقولون ذلك فى حال ما ينتظرون إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً استثناء مفرغ منصوب على المفعولية قال ابن عباس يريد به النفخة الاولى

فان قيل ان الكفار لم يكونوا يعتقدون النفخة فكيف ينتظرونها

قلنا هذه الاية كناية عن عدم تركهم المعاصي ابدا حتى يموتون او تأتيهم السّاعة بغتة و هم لا يشعرون فانهم لمّا لم ينتهوا عمّا نهوا عنه قبل ذلك فكانّهم ينتظرون لاجل ترك المعاصي صيحة الصعق تَأْخُذُهُمْ صفة لصيحة واحدة و الضمير راجع الى الناس المفهوم مما سبق و كذا كل ضمير بعده وَ هُمْ يَخِصِّمُونَ (٤٩) حال من الضمير المنصوب فى تأخذهم اى يختصمون فى امور الدنيا من متاجرهم و معاملاتهم لا يخطر ببالهم شى ء من إتيانها- أصله يختصمون فسكنت التاء و أدغمت ثم كسرت الخاء لالتقاء الساكنين على قراءة عاصم و ابن ذكوان و الكسائي «و يعقوب و خلف- ابو محمد»

و قرا ابن كثير و ورش و هشام و يعقوب «لا بل هو مع عاصم و من معه ابو محمد» بفتح الخاء بنقل حركت التاء الى الخاء و الإدغام

و قرا قالون و ابو عمرو باختلاس فتحة الخاء و تشديد الصاد

و قرا قالون ايضا و ابو جعفر بإسكان الخاء «مع تشديد الصاد- ابو محمد» كانهما جوّزا التقاء الساكنين إذا كان الثاني مدغما. اخرج الشيخان فى الصحيحين عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لتقومنّ «قرأ حمزة بإسكان الخاء و تخفيف الصاد- ابو محمد» الساعة و قد نشر الرجلان ثوبا بينهما فلا يتبايعانه و لا يطويانه و لتقومنّ الساعة و قد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه و لتقومنّ الساعة و قد رفع أكلته الى فيه فلا يطعمها

و اخرج الفريابي عنه فى هذه الاية قال تقوم الساعة و الناس فى أسواقهم يتبايعون و يذرعون الثياب و يحلبون اللقاح و فى حوائجهم.

٥٠

فَلا يَسْتَطِيعُونَ عطف على تأخذهم و رابط الموصوف محذوف تقديره فلا يستطيعون بعدها و الفاء للسببية تَوْصِيَةً وَ لا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (٥١)

و اخرج عبد اللّه بن احمد فى زوائد الزهد عن الزبير بن العوام قال ان الساعة تقوم و الرجل يذرع الثوب و الرجل يحلب الناقة ثم قرا فلا يستطيعون توصية و لا الى أهلهم يرجعون يعنى لا يقدرون على ان يوصوا فى شى ء من أمورهم و لا ان يرجعوا الى أهلهم فيروا حالهم بل يموتون حيث يسمعون الصيحة-.

٥١

وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ اى ينفخ ذكر صيغة الماضي لتيقن وقوعه عطف على مضمون فلا يستطيعون يعنى يموتون من ساعتهم و ينفخ فى الصور مرة ثانية و بين النفختين أربعون سنة كذا روى ابن ابى حاتم عن ابن عباس و فى الصحيحين عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما بين النفختين أربعون قالوا يا أبا هريرة أربعون يوما قال أبيت قالوا أربعون شهرا قال أبيت قالوا أربعون عاما قال أبيت الحديث. و روى ابن ابى داود عن ابى هريرة حديثا مرفوعا و فيه بين النفختين أربعون عاما فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ جمع جدث و هو القبر إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (٥١) اى يخرجون و النسل فى الأصل الانفصال عن الشي ء يقال نسل الوبر من البعير و منه يقال للولد النسل لانفصاله عن والده و قيل معناه يسرعون فى القاموس الماشي ينسل بضم العين و كسره نسلا و نسيلا و نسلانا يسرع.

٥٢

قالُوا يعنى يقول الكفار حين يبعثهم أورد لفظ الماضي لتيقن وقوعه يا وَيْلَنا؟؟؟ دون الويل يعنى يا ويل احضر فان هذا أوانك او يقال ان المنادى محذوف تقديره يا ايها المخاطب ويلنا و هو مصدر لا فعل له من لفظه منصوب بفعل مقدر فى معناه قال فى القاموس معناه حلول الشر و قال بعض المحققين لم يرد فى اللغة ان ويلا وضع لهذا المعنى بل هو اسم لواد فى جهنم لما روى احمد و الترمذي و ابن جرير و ابن ابى حاتم و ابن حبان و الحاكم و صححه و البيهقي و ابن ابى الدنيا و هناد عن ابى سعيد الخدري عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انه قال ويل واد فى جهنم يهوى به الكافر أربعين خريفا قبل ان يبلغ قعره- و روى سعيد بن منصور و ابن المنذر و البيهقي عن ابن مسعود قال الويل واد فى جهنم يسيل من صديد اهل النار جعل للمكذبين-

و اخرج ابن جرير عن عثمان بن عفان عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الويل جبل فى النار-

و اخرج البزار بسند ضعيف عن سعد بن ابى وقاص قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان فى النار حجرا يقال له ويل يصعد عليه العرفاء و ينزلون مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا سكت حفص هاهنا سكتة لطيفة و الوقف عليها عند غيره احسن قال ابن عباس و قتادة انما يقولون هذا لان اللّه يرفع العذاب عنهم بين النفختين فيوقدون فاذا بعثوا بعد النفخة الاخرة عاينوا القيامة و دعوا بالويل و قول ابن عباس هذا دفع لما قالت المعتزلة ان هذه الاية تدل على نفى عذاب القبر فانها تدل على انهم كانوا كالنيام و قال اهل المعاني ان الكفار إذا عاينوا جهنم بانواع عذابها صارت عذاب القبر فى جنبها كالنوم فقالوا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَ صَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (٥٢) مبتدا و خبر و ما مصدرية بمعنى المفعول او موصولة و الرابط محذوف يعنى هذا ما وعد به الرّحمن و صدق فيه المرسلون و جاز ان يكون صدق المرسلون جملة مستأنفة معطوفة على جملة فهذا اقرار منهم حين لا ينفعهم الإقرار و قيل هذا قول الملائكة جوابا لهم

و قال مجاهد هذا قول المؤمنين فى جوابهم و انما عدل عن سنن الجواب تذكيرا لكفرهم و تقريعا لهم عليه و تنبيها بان الذي يهمهم هو السؤال عن البعث دون الباعث كانّهم قالوا بعثكم الرحمان الذي وعدكم بالبعث و أرسل إليكم الرسل فصدقوكم و ليس الأمر كما تظنون انه بعث النائم فيهكم السؤال عن الباعث بل هو البعث الأكبر ذو الأهوال و جاز ان يكون هذا صفة لمرقدنا و ما وعد خبر محذوف او مبتدا خبره محذوف يعنى ما وعد الرّحمان حق و صدق المرسلون و على هذا التأويل لا يلايم السكتة او الوقف على مرقدنا.

٥٣

إِنْ كانَتْ اى ما كانت الفعلة فى بعثهم إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً هى النفخة الاخيرة فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ اى مجموعون لَدَيْنا مُحْضَرُونَ (٥٣) خبر بعد خبر و فى ذلك تهوين لامر البعث و الحشر و استغنائهما عن الأسباب التي ينوطان بها فيما يشاهدونه.

٥٤

فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَ لا تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٥٤) حكاية لما يقال لهم تصويرا للموعود و تمكينا له فى النفوس و كذا قوله-.

٥٥

إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ قرأ ابن كثير و نافع و ابو عمرو بسكون الغين و الباقون بضمها و هما لغتان مثل السّحت و السّحت- و اختلفوا فى معنى الشغل قال ابن عباس فى افتضاض الابكار و قال وكيع بن الجراح فى السّماع و قال الكلبي فى شغل عن اهل النار و عمّا هم فيه لا يهمهم أمرهم و لا يذكرونهم و قال الحسن شغلوا بما فى الجنة من النعيم عمّا فيه اهل النار من العذاب و قال ابن كيسان فى زيارة بعضهم بعضا و فى ضيافة اللّه تعالى و الاولى ان يقال فى شغل ما يشتهونه؟؟؟

العلية الذين لا مقصود لهم الا اللّه تعالى شغلهم الانهماك و الاستغراق فى التجليات الذاتية على حسب مدارجهم و غيرهم كان شغلهم بالسماع و الرياح و الاكل و الشرب و الجماع على حسب شهواتهم و رغباتهم- اخرج ابو نعيم عن شيخ طريقتنا ابى يزيد البسطامي انه قال ان للّه خواصا من عباده لو حجبهم فى الجنة عن رؤيته لاستغاثوا كما يستغيث اهل النار بالخروج من النار- و فى تنكير شغل و إبهامه تعظيم لما هم فيه من البهجة و التلذذ و تنبيه على انه أعلى ممّا يحيط به الافهام و يعرب عن كنهه الكلام فاكِهُونَ (٥٥) خبر بعد خبر لان قرا ابو جعفر فكهون بغير الف حيث كان و وافق حفص فى المطففين و فيه مبالغة و الباقون بألف و هما لغتان مثل الحاذر و الحذر يعنى ناعمون متلذذون فى النعمة من الفكاهة

و قال مجاهد و الضحاك معجبون بما هم فيه و عن ابن عباس قال هم فرحون.

٥٦

هُمْ وَ أَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ قرأ حمزة و الكسائي «و خلف- ابو محمد» ظلل بغير الف جمع ظلّة و الباقون ظلال بالألف و كسر الظاء جمع ظلّ و هو موضع الذي لا يقع عليه الشمس كشعاب او ظلة و هو ما يسترك عن الشمس كقباب عَلَى الْأَرائِكِ يعنى السرر فى الحجال واحدتها اريكة

قال البغوي قال ثعلب لا يكون اريكة حتى يكون عليها حجلة

و اخرج البيهقي عن ابن عباس قال لا يكون اريكة حتى يكون السرير فى الحجلة فان كان السرير بغير حجلة لا يكون اريكة و ان كان حجلة بغير سرير لا يكون اريكة فاذا اجتمعا كانت اريكة

و اخرج البيهقي عن مجاهد قال الأرائك من لؤلؤ و ياقوت الجار و المجرور متعلق بقوله مُتَّكِؤُنَ (٥٦) هم مبتدا خبره فى ظلل و على الأرائك جملة مستأنفة او خبر ثان او الخبر متّكؤن و الجار ان صلة له او هم تأكيد للضمير فى شغل او فاكهون و على الأرائك متّكؤن خبر آخر لانّ- و أزواجهم عطف على هم للمشاركة فى الاحكام او فى ظلال حال من المعطوف و المعطوف عليه-.

٥٧

لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ وَ لَهُمْ ما يَدَّعُونَ (٥٧) اى ما يطلبون لانفسهم يفتعنون من الدّعاء او يتمنون من قولهم ادّع علىّ ما شئت بمعنى منّه علىّ او ما يدّعون في الدنيا من الجنة و درجاتها و ما موصولة او موصوفة مبتدا و خبرها لهم.

٥٨

سَلامٌ بدل منها و يجوز ان يكون خبرا لهم او اخبر المحذوف اى هم سلام او مبتدا محذوف الخبر اى لهم سلام قَوْلًا يعنى يقول اللّه قولا او يقال لهم قولا كائنا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (٥٨) و المعنى ان اللّه يسلّم عليهم بواسطة الملائكة او بغير واسطة تعظيما لهم و ذلك مطلوبهم و مقناهم و يحتمل نصبه على الاختصاص اخرج ابن ماجة و ابن ابى الدنيا و الدار قطنى و الآجري عن جابر قال قال النبي صلى اللّه عليه و سلم بينا اهل الجنة فى نعيمهم إذ سطع عليهم نور فرفعوا رءوسهم فاذ الرب تبارك و تعالى قد اشرف عليهم من فوقهم فقال السلام عليكم يا اهل الجنة و ذلك قوله تعالى سلام قولا من ربّ رّحيم فقال فينظر إليهم و ينظرون اليه فلا يلتفتون الى شى ء من النعيم ما داموا ينظرون اليه حتى يحجب عنهم و يبقى نوره و بركته فى ديارهم قال السيوطي اشرافه سبحانه و اطلاعه منزه عن المكان و الحلول

قال البغوي يسلم عليهم الملائكة من ربهم و قال مقاتل يدخل الملائكة على الجنة من كل باب سلام عليكم يا اهل الجنة من ربكم الرحيم يعطيهم السلامة اسلموا السلامة الابدية-.

٥٩

وَ امْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (٥٩) قال مقاتل و السديّ و الزجاج يعنى اعتزلوا من الصالحين يعنى يساق المؤمنون الى الجنة و المجرمون الى النار عطف على مضمون ما سبق. و قال الضحاك ان لكل كافر فى النار بيتا يدخل ذلك البيت و يردم بابه بالنار فيكون فيه ابد الآبدين لا يرى و لا يرى- اخرج ابن جرير و ابن ابى حاتم و ابن ابى الدنيا و البيهقي عن مسعود قال إذا القى فى النار من هو مخلد فيها جعلوا فى توابيت من حديد فيها مسامير من حديد ثم جعلت تلك التوابيت فى توابيت من حديد ثم قذفوا فى أسفل الجحيم فما يرى أحدهم انه يعذب غيره-

و اخرج ابو نعيم و البيهقي عن سويد بن عفلة نحوه.

٦٠

أَ لَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ الم آمركم على لسان المرسلين استفهام للانكار و انكار النفي اثبات يعنى قد عهدتّ إليكم و الجملة فى مقام التعليل لتميزهم من المؤمنين يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ اى لا تطيعوه فى معصية اللّه ان مفسرة للعهد فانه فى معنى القول إِنَّهُ اى الشيطان ل َكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٦٠) ظاهر العداوة تعليل للمنع عن طاعته فيما يحملهم عليه.

٦١

وَ أَنِ اعْبُدُونِي عطف على او لا تعبدوا هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦١) اشارة الى ما عهد إليهم او الى عبادته تعالى و الجملة استيناف لبيان المقتضى للعهد بشقيه او بالشق الأخير و التنكير للمبالغة و التعظيم او للتبعيض فان التوحيد سلوك بعض الطريق المستقيم.

٦٢

وَ لَقَدْ أَضَلَّ الشيطان مِنْكُمْ جِبِلًّا قرأ أهل المدينة و عاصم بكسر الجيم و الباء و تشديد اللام و يعقوب بضم الجيم و الباء و تشديد اللام و ابن عامر و ابو عمرو بضم الجيم و سكون الباء «و تخفيف الباء ابو محمد» و الباقون بضم الجيم و الباء بغير تشديد و كلها لغات و معناها الخلق و الجماعة اى خلقا كَثِيراً جواب قسم محذوف رجوع الى بيان معادات الشيطان و ظهور عداوته و وضوح إضلاله لمن له ادنى عقل فانه انما يأمر بالفحشاء و المنكر و ترك عبادة الخالق الرازق الضارّ النافع الى عبادة من لا يضر و لا ينفع و ترك اتباع النبي الناصح المؤيد بالمعجزات الى اتباع هوى النفس أَ فَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (٦٢) عداوته مع وضوحها الاستفهام للتوبيخ و جملة و لقد أضل معترضة للتوبيخ و يقال لهم لما دنوا من النار.

٦٣

هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (٦٣)

٦٤

اصْلَوْهَا ادخلوها و ذوقوا حرها الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٦٤) اى بكفركم فى الدنيا.

٦٥

الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَ تُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَ تَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٦٥) جملة فيها التفات من الخطاب الى الغيبة اخرج مسلم عن انس قال كنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فضحك فقال هل تدرون فيما اضحك

قلنا اللّه و رسوله اعلم قال من مخاطبة العبد ربه يقول يا رب الم تجرنى من الظلم فيقول بلى فيقول فانى لا أجيز على نفسى الا بشاهد منى فيقول كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا و بالكرام الكاتبين شهودا فيختم على فيه و يقال لاركانه انطقى فينطق بأعماله ثم يخلّى بينه و بين الكلام فيقول بعدا لكنّ و سحقا فعنكنّ اناصل «أجادل منه».

و اخرج مسلم عن ابى هريرة قال قالوا يا رسول اللّه هل نرى ربّنا يوم القيامة قال هل تضارّون فى روية الشمس فى الظهيرة ليست فى سحابة قالوا لا قال فهل تضارون فى رؤية القمر ليلة البدر ليست فى سحابة قالوا لا قال فو الذي نفسى بيده لا تضارّون فى رؤية ربكم الا كما تضارّون فى رؤية اجرهما فياتى العبد فيقول اى فلان الم أكرمك ا لم اسودك «اى جعلتك سيدا- منه ره» ا لم أزوجك الم أسخر لك الخيل و الإبل و أتركك تتراس «اى تكون راسا على قومك- منه ره» و تربغ «١» قال بلى يا رب فيقول أ ظننت انك ملاقى فيقول لا فيقول انى أنساك كما نسيتنى ثم يلقى الثاني فيقول له مثل ذلك و يقول هو مثل ذلك ثم يلقى الثالث

(١) اى تأخذ اربع مما يحصل لهم من الغانم و الكب و كان ذلك عادة الأمر او فى الجاهلية. منه رحمه اللّه.

فيقول له مثل ذلك فيقول امنت بك و بكتابك و برسولك و صلّيت و صمت و تصدقت و يثنى ما استطاع فيقال أ فنبعث عليك شاهدا فيتفكر فى نفسه من ذا الذي يشهد على فيختم على فيه و يقول لفخذه انطقى فتنطق فخذه و لحمه و عظمه بعمله ما كا ذلك قال و ذلك المنافق و ذلك بعذر عن نفسه و ذلك الذي سخط اللّه عليه-

و اخرج احمد بسند جيد و الطبراني عن عقبة بن عامر مرفوعا ان أول عظم من الإنسان يتكلم يوم يختم على الأفواه فخذه من الرجر الشمال- و في حديث معاوية بن حيدة عند احمد و النسائي و الحاكم و البيهقي قال تجيئون يوم القيامة على أفواهكم الغلام فاول ما يتكلم من الآدمي فخذه و كفه

و اخرج ابن جرير و ابن الى حاتم عن ابى موسى الأشعري قال يدعى المؤمن للحساب يوم القيامة فيعرض عليه ربه عمله فيما بينه و بينه فيعترف فيقول اى رب عملت عملت فيغفر اللّه ذنوبه و ليستره فيها قال فما على الأرض حليقة يرى من تلك الذنوب شيئا و تبدو حسناته و الناس كلهم يرونها و يدعى الكافر و المنافق للحساب فيعرض عليه ربه عمله فيحجده و يقول اى ربّ و عزتك كتب علىّ هذا الملك ما لم اعمل فيقول له عملت كذا فى يوم كذا فى مكان كذا فيقول لا و عزتك فاذا فعل ذلك ختم على فيه- قال ابو موسى فانى احسب أول ما ينطق منه فخذه اليمنى ثم تلا اليوم نختم على أفواههم الاية- اخرج ابو يعلى و الحاكم و صححه عن ابى سعيد الخدري عن النبي صلى اللّه عليه و سلم انه قال إذا كان يوم القيامة غير الكافر بعمله فجحد و خاصم فيقال هؤلاء جيرانك يشهدون عليك فيقول كذبوا فيقال أهلك و عشيرتك فيقول كذبوا فيقال احلفوا فيحلفون ثم يصمتهم اللّه تعالى و يشهد عليهم ألسنتهم فيدخلهم النار.

٦٦

وَ لَوْ نَشاءُ يعنى و لو شئنا طمس أعينهم لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ اى أذهبنا أعينهم الظاهرة بحيث لا يبدو لها جفن و لا شق و هو معنى الطمس فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ عطف على طمسنا اى الى الطريق اعتادوا سلوكهم و انتصابه بنزع الخافض او بتضمين الاستباق معنى الابتداء او جعل المسبوق اليه مسبوقا على الاتساع او على الظرفية فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (٦٦) الفاء للسببية و الاستفهام للانكار يعنى فكيف يبصرون الطريق حينئذ اى لا يبصرون بسبب الطمس

قال البغوي هذا قول الحسن و السدّى و قال ابن عباس و قتادة و مقاتل و عطاء و لو نشآء لفقانا أعين ضلالتهم فاعميناهم عن غيّهم و حولنا أبصارهم من الضلالة الى الهدى ابصر و ارشدهم يعنى لم نشأ ذلك فانى يبصرون رشدهم.

٦٧

وَ لَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ قرأ ابو بكر مكاناتهم بصيغة الجمع و الباقون بالإفراد يعنى و لو شئنا لجعلناهم قردة و خنازير فى منازلهم و قيل يعنى لو شئنا لجعلناهم حجارة و هم قعود فى منازلهم لا أرواح لهم فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا اى ذهابا وَ لا يَرْجِعُونَ (٦٧) اى و لا رجوعا وضع الفعل موضعه للفواصل- و قيل و لا يرجعون عن تكذيبهم الى التصديق و معنى هذه الاية و الاية السابقة على تأويل الحسن انهم لكفرهم و نقضهم العهد أحقاء ان يفعل بهم ذلك لكنا لم نفعل لشمول الرحمة لهم فى الدنيا و اقتضاء الحكمة إمهالهم-.

٦٨

وَ مَنْ نُعَمِّرْهُ اى من نطل عمره نُنَكِّسْهُ قرأ عاصم و حمزة بضم النون الاولى و فتح الثانية و كسر الكاف و التشديد من التنكيس و الباقون بفتح النون الاولى و سكون الثانية و ضم الكاف مخففا من المجرد و التنكيس ابلغ و النكس أشهر و معناه نقلبه فِي الْخَلْقِ يعنى كان فى بدو الأمر لا يزال يتزايد قوة و نجعله فى الاخر بحيث لا يزال يتزايد ضعفا حتى يموت أَ فَلا يَعْقِلُونَ (٦٨) عطف على مضمون الشرطية السابقة و الاستفهام للانكار يعنى ينبغى ان يعقلوا و يعلموا ان من قدر على ذلك قدر على الطمس و المسخ فانه مشتمل عليهما و زيادة غير انه على تدرج قرا نافع «ابو جعفر و يعقوب و ابو محمد» و ابن ذكوان بالتاء على الخطاب لجرى الخطاب قبله فى قوله الم اعهد إليكم و الباقون بالياء على الغيبة جريا على قوله لو نشآء لمسخناهم-

قال البغوي قال الكلبي ان كفار مكة قالوا ان محمدا شاعر و ما تقوله شعر فانزل اللّه تعالى.

٦٩

وَ ما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ عطف على قوله انّك لمن المرسلين و فيه التفات من الخطاب الى الغيبة يعنى ما علّمناه الشّعر بتعليم القرآن فانه غير مقفى و لا موزون و ليس معناه مثل معنى الاشعار من التخيلات المرغبة و المنفرة و الأقوال الكاذبة

وَ ما يَنْبَغِي لَهُ اى ما يصح له ان يضيع وقته الشريف فى إنشاء الشعر و رعاية الوزن و القافية- و اما ما روى الشيخان فى الصحيحين من حديث البراء بن عازب قوله صلى اللّه عليه و سلم انا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب و من حديث جندب بن ابى سفيان هل أنت الا إصبع دميت- و فى سبيل اللّه ما لقيت- فاتفاقى من غير تكلف و تصنع وقعت لغير قصد منه الى ذلك و مثله لا يعد شاعرا و قد يقع مثله كثيرا فى تضاعيف المنثورات على ان الخليل ما عدّ المسطور من الرجز شعرا هذا و قد روى انه صلى اللّه عليه و سلم حرك الباءين من كذب و عبد المطلب و كسر التاء من دميت بلا إشباع و سكن التاء من لقيت و

قال البغوي ما كان يتزين له بيت شعر حتى إذا تمثل بيت شعر جرى على لسانه منكسرا «١» روى البغوي عن الحسن ان النبي صلى اللّه عليه و سلم كان يتمثل بهذا البيت كفى بالإسلام و الشيب للمرء ناهيا فقال ابو بكر يا نبى اللّه قال الشاعر كفى الشيب و الإسلام بالمرء ناهيا فاعاد كالاول فقال ابو بكر اشهد انك رسول اللّه يقول اللّه عزّ و جلّ و ما علّمناه الشّعر و ما ينبغى له- و روى عن المقدام بن شريح عن أبيه قال قلت لعائشة رضى اللّه عنها كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يتمثل شيئا من الشعر قالت كان يتمثل من شعر عبد اللّه بن رواحة قالت و ربما قال و يأتيك الاخبار من لم تزودى.و قال معمر عن قتادة بلغني ان عائشة سئلت هل كان النبي صلى اللّه عليه و سلم يتمثل بشئ من الشعر قالت كان الشعر ابغض الحديث اليه قالت و لم يتمثل بشئ من الشعر الا ببيت أخي بنى قيس بن طرف تبدى لك الأيام ما كنت جاهلا و يأتيك بالأخبار من لم تزودى فجعل يقول و يأتيك من لم تزود بالأخبار قال ابو بكر ليس هكذا يا رسول اللّه فقال انى لست بشاعر و ما ينبغى لي- و قيل الضمير للقرآن اى و ما يصح للقرآن ان يكون شعرا إِنْ هُوَ اى القرآن إِلَّا ذِكْرٌ عظة و ارشاد من اللّه تعالى وَ قُرْآنٌ مُبِينٌ (٦٩) للفرائض و الحدود و الاحكام و اخبار الغيب من الماضي و المستقبل التي لا يمكن إتيانها من الشاعر بل من أحد من البشر.

(١) و عن عبد الرحمان بن ابى الزناد ان النبي صلى اللّه عليه و سلم قال للعباس بن مرداس ارايت قولك أصبح نهيى و نهب العبيد بين الاقراع و عيينه فقال ابو بكر بابى أنت و أمي يا رسول اللّه ما أنت بشاعر و لا راويه و لا ينبغى لك انما قال بين عيينة و الأقرع- منه رحمه اللّه-.

٧٠

لِيُنْذِرَ قرأ نافع و ابن عامر و يعقوب «و ابو جعفر- ابو محمد» بالتاء للخطاب اى لتنذر يا محمد بالقران و كذلك فى الأحقاف و وافق ابن كثير فى الأحقاف و الباقون بالياء للغيبة متعلق بمضمون ما سبق يعنى أنزلنا القران و أرسلنا محمدا لينذر القران او الرسول مَنْ كانَ حَيًّا اى مؤمنا فانه حى القلب يعقل الأشياء على ما هى عليه و ايضا الحيوة الابدية بالايمان و تخصيص الابدية لانه هو المنتفع به دون الكافر فانه كالميت لا ينتفع به و لا يدرك الحسن من القبيح يحسب عبادة الأحجار و اتباع الشيطان حسنا و عبادة الخالق و اتباع الرسول الناصح المؤيد بالمعجزات قبيحا فيكون فى الاخرة بحيث لا يموت و لا يحيى و للاشعار بانهم أموات فى الحقيقة جعلهم فى مقابلة من كان حيّا و قال وَ يَحِقَّ الْقَوْلُ عطف على لينذر اى ليجب كلمة العذاب عَلَى الْكافِرِينَ (٧٠).

٧١

أَ وَ لَمْ يَرَوْا الهمزة لاستفهام الإنكار و الواو للعطف على محذوف تقديره ا ينكرون البعث او ا ينكرون خلق اللّه و لم يروا يعنى قد راو و أقروا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ اى تولينا احداثه دون غيرنا لانتفاعهم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا اسناد العمل الى الأيدي استعارة تفيد مبالغة فى الاختصاص و التفرد بالأحداث أَنْعاماً خصها بالذكر لما فيها من بدائع الفطرة و كثرة المنافع فَهُمْ لَها مالِكُونَ (٧١) متملكون بتمليكنا إياهم او متمكنون من ضبطها و التصرف فيها بتسخيرنا إياها لهم.

٧٢

وَ ذَلَّلْناها اى سخرناها لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ اى مركوبهم يعنى الإبل وَ مِنْها يَأْكُلُونَ (٧٢) اى ما يأكلون لحمه.

٧٣

وَ لَهُمْ فِيها مَنافِعُ من الجلود و الاصواف و الأدبار و النسق له و استعمالها فى الحرث و غير ذلك وَ مَشارِبُ من ألبانها جمع مشربة بمعنى الموضع او المصدر أَ فَلا يَشْكُرُونَ (٧٣) الهمزة للانكار و الفاء للعطف على محذوف تقديره ا ينكرون فلا يشكرون لابل يعترفونه و يكفرون كما يدل عليه قوله.

٧٤

وَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللّه آلِهَةً أشركوها به فى العبادة بعد ما راوا منه تلك القدرة الباهرة و النعم المتظاهرة و علموا انه المتفرد بها- عطف على مضمون خلقنا لهم يعنى أنعمنا عليهم و هم اتخذوا الهة غيرنا روى البيهقي و الحكيم عن ابى الدرداء انه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال اللّه عزّ و جلّ انى و الجن و الانس فى نبأ عظيم اخلق و يعبد غيرى و ارزق و يشكر غيرى لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (٧٤) حال من فاعل اتخذوا يعنى راجين ان ينصروهم فيما يهمّهم من الأمور- و الأمر بالعكس لانها.

٧٥

لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ اى ان يمنعوهم من العذاب وَ هُمْ اى الكفار لَهُمْ اى لالهتهم جُنْدٌ مُحْضَرُونَ (٧٥) معدون لحفظهم و الذب عنهم فى الدنيا و هى لا يسوق إليهم خيرا و لا يدفنون عنهم شرّا و قيل معناه يؤتى يوم القيامة بكل معبود من دون اللّه و معه أشياعه الذين عبدوهم كانهم جند محضرون فى النار- الجملة حال من فاعل لا يستطيعون.

٧٦

فَلا يَحْزُنْكَ الفاء للسببية يعنى إذا سمعت الوعيد للكافرين فلا يحزنك قَوْلُهُمْ فى اللّه بالإلحاد و فيك بالتكذيب و التهجين إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ من عداوتك و العقائد الباطلة وَ ما يُعْلِنُونَ (٧٦) من الأعمال و الأقوال الشنيعة فيجازيهم عليه و كفى ذلك ان تتلى به و جملة انا نعلم تعليل للنهى على الاستئناف- اخرج الحاكم و صححه عن ابن عباس قال جاء العاص بن وائل الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بعظم حامل محتة فقال يا محمد أ يبعث هذا بعد ما ارى قال نعم يبعث اللّه هذا يميتك ثم يحييك ثم يدخلك نار جهنم فنزلت.

٧٧

أَ وَ لَمْ يَرَ الْإِنْسانُ يعنى العاص ابن وائل أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ الى اخر السورة

و اخرج ابن ابى حاتم من طرق عن مجاهد و عكرمة و عروة بن الزبير و السدىّ و البيهقىّ فى شعب الايمان عن ابى مالك و كذا ذكر البغوي انها نزلت فى ابى بن خلف الجمحي خاصم النبي صلى اللّه عليه و سلم فى انكار البعث و أتاه بعظم قد بلى ففتته بيده و قال ا ترى يحيى اللّه هذا بعد مادم فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم نعم و يبعثك فيدخلك النار فانزل اللّه تعالى هذه الاية الهمزة للانكار و الواو للعطف على محذوف تقديره أ ينكر الإنسان قدرتنا على الاعادة و لم ير يعنى قد علم انّا خلقناه من نطفة فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ الفاء للعطف و إذا للمفاجاة يعنى خلقناه من نطفة ففاجا وقت خصامه مُبِينٌ (٧٧) ظاهر انه مجادل بالباطل لا يريد تحقيق الحق لظهوره حيث يعلم و يعترف ببدو خلقه و ينكر ما هو أهون منه و هو الاعادة و فيه تسلّية ثانية بتهوين ما يقول له بالنسبة الى انكارهم الحشر و فيه تقبيح بليغ حيث اتى الكفر فى مقابلة النعمة التي لا مزيد عليه و هى خلقه من اخس شى ء و امهنه شريفا مكرما و قيل معنى فاذا هو خصيم مبين فاذا هو بعد ما كان ماء مهينا مميّز منطيق قادر على الخصام معرب عمّا فى نفسه و قيل فهو على مهانة أصله و دناءة اوله يتصدى مخاصمة ربه و ينكر قدرته على احياء الميت و جملة او لم ير الإنسان الى آخره بدل من قوله او لم يروا انّا خلقنا لهم ممّا عملت أيدينا.

٧٨

وَ ضَرَبَ لَنا مَثَلًا امرا عجيبا و هو نفى القدرة على احياء الموتى و تشبيهه بخلقه موصوفا بالعجز عمّا عجزوا عنه وَ نَسِيَ خَلْقَهُ اى خلقنا إياه من منى و هو اغرب من احياء العظم قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ (٧٨) حال من العظام استئناف بيان للمثل و الرميم ما بلى من العظام فعيل بمعنى فاعل من رم الشي ء صار اسما بالغلبة فلذلك لم يؤنث او بمعنى مفعول من رممته-

قال البيضاوي فيه دليل على ان العظم ذو حيوة فيؤثر فيه الموت كسائر الأعضاء يعنى بذلك ان عظم الميتة نجس و به قال الشافعي و كذا ذكر ابن الجوزي مذهب احمد فى التحقيق و ذكر صاحب رحمة الامة ان الصحيح من مذهب احمد طهارة السنّ و الريش و العظم احتج القائلون بنجاسة عظم الميتة بهذه الاية و بقوله صلى اللّه عليه و سلم لا ينتفع من الميتة بشئ- رواه ابو بكر الشامي بإسناده عن ابى الزبير عن جابر قال صاحب المغني و صاحب تنقيح التحقيق اسناده حسن و رواه ابن وهب فى مسنده عن زمعة بن صالح عن ابى الزبير عن جابر و لفظه لا تنتفعوا من الميتة بشئ و لا تنتفعوا بالميت قال صاحب التنقيح زمعة فيه كلام و للحديث علة ذكرها ابن معور و غيره قال صاحب الهداية شعر الميتة و عظمها لا حيوة فيهما يعنى فلا يحلهما الموت فلا يشتملهما الحديث الوارد فى النهى عن الانتفاع بالميتة و يرد على هذا القول هذه الاية فانها تدل على كون الحيوة فى العظم فالاولى ان يقال ان المنجس انما هو الدم المسفوح و لادم فى العظم و العصب و الشعر و ان كانت فيها حيوة و لهذا موت ما لا دم له سائلا من الحيوانات فى الماء لا يفسده عن سلمان قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كل طعام او شراب وقعت فيه دابة ليس لها دم فماتت فيه فهو حلال أكله و شربه و وضوؤه. رواه الدار قطنى قال الدار قطنى لم يروه غير بقية عن سعيد بن سعيد الزبيدي و هو ضعيف و قال ابن عدى سعيد مجهول و عن ابى هريرة ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال إذا وقع الذباب فى اناء أحدكم فليغمسه كله ثم ليطرحه فان فى أحد جناحيه شفاء و فى الاخر داء- رواه البخاري و الحجة لنا حديث ابن عباس قال مر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بشاة ميتة فقال الا استمتعتم بجلدها فقالوا يا رسول اللّه انها ميتة قال انما حرم أكلها- متفق عليه و روى الدار قطنى عن ابن عباس انه قال انما حرم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من الميتة لحمها و اما الجلد و الشعر و الصوف فلا بأس به- و فيه عبد الجبار بن مسلم قال الدار قطنى ضعيف لكن ذكره ابن حبان فى الثقات قال ابن همام لا ينزل الحديث عن الحسن و العجب من ابن الجوزي انه احتج بهذا الحديث على طهارة صوف الميتة و شعرها و لم يحتج بها على طهارة العظم و احتج على نجاسة العظم بحديث لا تنتفعوا من الميتة بشئ و لم يحتج بها على نجاسة الصوف و الشعر و الحق ان المراد بقوله صلى اللّه عليه و سلم لا تنتفعوا من الميتة بشئ لا تنتفعوا من الميّت مما يؤكل لتنجسه باختلاط الدم المسفوح و اما العظم و الشعر و الصوف مما لا يختلط بالدم فلا بأس به و لا بأس بالجلد بعد الدباغ و ازالة الرطوبة و فى الباب أحاديث اخر منها ما روى الدار قطنى عن ابن عباس قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الا كل شى ء من الميتة حلال الا ما أكل منها فاما الجلد و الشعر و الصوف و العظم فكل هذا حلال لانه لا يزكّى- و فيه ابو بكر الهذلي قال الدار قطنى متروك و قال غندر كذاب و قال يحيى و على ليس بشئ و روى الدار قطنى عن أم سلمة قالت سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول لا بأس بمسك الميتة إذا دبغ و لا بأس بصوفها و شعرها و قرونها إذا غسل بالماء- قال الدار قطنى لم يأت به غير يوسف بن السفر و هو متروك يكذب و قال ابو ذرعة و النسائي هو متروك و قال دحيم ليس بشئ و قال ابن حبان لا يحل الاحتجاج به بحال و روى ابن الجوزي من طريق ابى يعلى عن حميد الشامي عن سليمان عن ثوبان ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اشترى لفاطمة قلادة من عصب و سوارين من عاج- قال ابن الجوزي الحديث لا يصح حميد و سليمان مجهولان قال احمد لا اعرف حميدا و قال يحيى بن معين لا اعرف سليمان- و ايضا المراد بالعاج الزبل قال ابن قتيبة ليس العاج هاهنا الذي يعرفه العامة و يخرطه من العظم و الناب ذلك ميتة منهى عنه فكيف يتخذ لها منه سوارا انما العاج الزبل قال ذلك الأصمعي قال ابن همام قول الأصمعي ليس العاج الذي يعرفه العامة. يوهم انه ليس من اللغة و ليس كذلك قال فى المحكم العاج أنياب الفيلة و لا يسمى غير الناب عاجا و قال الجوهري العاج عظم الفيل الواحد عاجة فتاويل الأصمعي انما هو لاعتقاده نجاسة عظم الفيل قال و يظهر من القاموس ان العاج مشترك فى الزبل و عظم الفيل و كذا يظهر من النهاية للجزرى و الزبل جلد السّلحفاة البحرية او البرية او عظام ظهر دابة بحرية يتخذ منها الا سورة و الا مغاط كذا فى القاموس-

و اخرج البيهقي عن بقية عن عمرو بن خالد عن قتادة عن انس انه صلى اللّه عليه و سلم كان يمتشط بمشط من عاج قال البيهقي و رواية بقية عن شيوخه المجهولين ضعيفة قال ابن همام فهذه عدة أحاديث لو كانت ضعيفة حسن المتن فكيف و منها ما لا ينزل عن الحسن و له الشاهد الاول من الصحيحين و اللّه اعلم ..

٧٩

قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ فان قدرته كما كان لامتناع التغير فيه و المادة على حالها فى القابلية اللازمة لذاتها جملة مستأنفة و قوله وَ هُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ اى مخلوق عَلِيمٌ (٧٩) حال من فاعل يحيى اى يعلم تفاصيل المخلوقات و كيفية خلقها فيعلم اجزاء الاشخاص المتغيبة المتبددة أصولها و فصولها و مواقعها و طرق تميزها و ضم بعضها الى بعض على النمط السابق و إعادة الاعراض و القوى التي كانت فيها او احداث مثلها.

٨٠

الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً بدل من الّذى أنشأها او خبر مبتدا محذوف اى هو او منصوب على المدح بتقدير اعنى قال ابن عباس شجرتان يقال لاحداهما المرخ و للاخرى العفار فمن قطع منهما غصنين مثل السواكين و هما خضروان يقطر منهما الماء فيسحق المرخ على العفار يخرج منها النار يقول العرب فى كل شجر نار و؟؟؟ المرخ و العفار و قال العلماء فى كل شجر نار الا العناب فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (٨٠) اى ففاجئتم وقت ايقادكم و لا تشكون فى انها نار خرجت منه فمن قدر على احداث النار من الشجر الأخضر مع ما فيه من المائية المضادة لها بكيفيته كان اقدر على إعادة العضاضة فيما كان عضا فيبس و بلى ثم ذكر ما هو أعظم من خلق الإنسان فقال.

٨١

أَ وَ لَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ الاستفهام للانكار و العطف على محذوف تقديره اخلق السماوات و الأرض كما تعترفون به و ليس الذي خلقهما مع كبر جرمهما و عظم شأنهما بِقادِرٍ قرأ يعقوب «اى رويس ابو محمد» يقدر على صيغة المضارع عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ فى الصغر و الحقارة بالاضافة إليهما او مثلهم فى اصول الذات و صفاتها و هو المعاد بَلى جواب من اللّه لتقرير ما بعد النفي اى هو قادر على ان يخلق مثلهم وَ هُوَ الْخَلَّاقُ يخلق خلقا بعد خلق الْعَلِيمُ (٨١) بجميع الممكنات عطف على مضمون بلى.

٨٢

إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً ان يوجد أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٨٢) اى فهو يكون نصبه ابن عامر و الكسائي عطفا على يقول-

قال البيضاوي هو تمثيل لتأثير قدرته فى مراده تعالى بامر المطاع للمطيع فى حصول المأمور من غير امتناع و توقف و افتقار الى مزاولة عمل و استعمال فمعز الدولة قطعا لمادة الشبهة و هو قياس قدرة اللّه تعالى على قدرة الخلق ..

٨٣

فَسُبْحانَ مصدر فعل محذوف و الفاء للسببية يعنى إذا علمتم انه تعالى خلق الإنسان من نطفة و هو قادر على ان يحيى العظام و انه إذا أراد شيئا انما يقول له كن فيكون فسبحوا سبحان الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ اى الملك بمعنى القدرة زيدت الواو و التاء للمبالغة كُلِّ شَيْ ءٍ اى تنزيه له عما ضربوا و تعجيب عمّا قالوا فيه معللا بكونه مالكا للملك كله قادرا على كل شى ء وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٣) عطف على قوله بيده و فيه وعد للمقرين و وعيد للمنكرين.

عن معقل بن يسار قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اقرءوا على موتاكم يس- رواه احمد و ابو داود و ابن ماجة و ابن حبان و الحاكم و فى لفظ يس قلب القران لا يقرأها رجل يريد اللّه و الدار الاخرة الا غفر له اقرءوها على موتاكم- و ذكره الجزري فى الحصن الحصين بلفظ يس لا يقرأها رجل يريد اللّه و الدار الاخرة الا غفر له اقرءوها على موتاكم.

و عن انس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان لكل شى ء قلبا و قلب القران يس من قرا يس «١» كتب اللّه له بقراءتها قراءة القران عشر مرات- سنده ضعيف رواه الترمذي

(١) و عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من قرا يس كل ليلة غفر له- رواه البيهقي بسند ضعيف و عن ابن مسعود قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من قرا يس فى ليلة أصبح مغفورا له- رواه ابو نعيم فى الحلية بسند ضعيف و عن ابى سعيد الخدري قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من قرا يس مرة فكانّما قرا القران مرتين- رواه البيهقي بسند ضعيف و عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من قرا يس مرة فكانّما قرا القران عشر مرات- رواه البيهقي بسند ضعيف و عن معقل بن يسار قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من قرا يس ابتغاء وجه اللّه غفر له ما تقدم من ذنبه فاقرءوها عند موتاكم- رواه البيهقي بسند ضعيف

و اخرج الطبراني من حديث انس من دوام على قراءة يس كل ليلة ثم مات مات شهيدا-

و اخرج الدارمي و الطبراني من حديث ابى هريرة من قرا يس ابتغاء وجه اللّه غفر له-

اخرج الديلمي و ابو الشيخ بن حبان فى فضائله من حديث ابى ذر ما من ميت يموت فيقرا عنده يس الا هوّن اللّه عليه-

و اخرج المحاملي فى اماليه من حديث عبد اللّه بن الزبير من جعل يس امام حاجته قضيت له- و له شاهد مرسل عند الدارمي و فى المستدرك عن ابى جعفر محمد بن على قال من وجد فى قلبه قسوة فليكتب يس فى جام من زعفران ثم يشربه-

و اخرج ابن الضريس عن سعيد بن جبير انه قرا على رجل مجنون سورة يس فبرئ-

و اخرج ايضا عن يحيى بن ابى كثير قال من قرا يس حين أصبح لم يزل فى فرح حتى يمسى و من قرأها إذا امسى لم يزل فى فرح حتى يصبح اخبر به من جرّب ذلك. منه قدس اللّه سره

﴿ ٠