سُورَةُ الزُّمَرِ مَكِّيَّةٌ وَهِيَ خَمْسٌ وَسَبْعُونَ آيَةً مكيّة الا قوله تعالى قل يا عبادى الّذين أسرفوا الاية و هى خمس و سبعون اية و قيل اثنان و سبعون «١» ربّ يسّر و تمّم بالخير بِسْمِ اللّه الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. (١) هذا عند اهل الحجاز و البصرة ١٢. _________________________________ ١ تَنْزِيلُ الْكِتابِ خبر مبتدا محذوف اى هذا او مبتدا خبره مِنَ اللّه الْعَزِيزِ فى ملكه الْحَكِيمِ (١) فى صنعه و هو على الاول صلة التنزيل او خبر ثان او حال عمل فيها معنى الاشارة او التنزيل و الظاهر ان الكتاب على الاول السورة و على الثاني القران. ٢ إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ اى متلبسا بالحق او بسبب اثبات الحق و إظهاره و تفصيله و ليس هذا تكرارا لان الاول كالعنوان للكتاب و الثاني لبيان ما فيه فَاعْبُدِ اللّه مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (٢) مخلصا له الدين من الشرك و الرياء و تقديم و الخبر لتأكيد الاختصاص المستفاد من اللام كما صرح به مؤكدا و أجراه مجرى العلوم المقرر لكثرة حججه و ظهور براهينه فقال. ٣ أَلا للّه الدِّينُ الْخالِصُ جملة معترضة للتنبيه اى انا هو الذي وجب اختصاصه بان يخلص له الطاعة فانه المنفرد بصفات الالوهية و الاطلاع على الاسرار و الضمائر وَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا يعنى الكفرة الذين اتخذوا مِنْ دُونِهِ اى من دون اللّه أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ اى قالوا ما نعبدهم إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللّه كذلك قرا ابن مسعود و ابن عباس و حينئذ قالوا المقدر بدل من الصلة او حال بتقدير قد من فاعل اتخذوا و قوله زُلْفى مصدر بمعنى قربى قال البغوي اسم أقيم مقام المصدر كانه قال ليقرّبونا الى اللّه تقريبا او حال و الموصول مبتدا خبره إِنَّ اللّه يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ و بين المسلمين فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ من امر الدين بإدخال المحق الجنة و المبطل النار و الضمير للكفرة و مقابليهم و جاز ان يكون خبر الموصول جملة قالوا ما نعبدهم و جملة انّ اللّه يحكم بينهم مستأنفة و جاز ان يكون المراد بالموصول المعبودون بالباطل على حذف الراجع يعنى الّذين اتّخذوهم من دونه اولياء من الملائكة و عيسى و الأصنام انّ اللّه يحكم بينهم و جملة ما نعبدهم بتقدير القول حال او بدل للصلة و لا يحتمل كونه خبرا اخرج جويبر عن ابن عباس فى هذه الاية قال أنزلت فى ثلاثة احياء عامر و كنانة و بنى سلمة كانوا يعبدون الأوثان و يقولون الملائكة بناته فقالوا ما نعبدهم الّا ليقرّبونا الى اللّه زلفى و قال البغوي انهم كانوا إذا قيل لهم من ربكم و من خلقكم و من خلق السّماوات و الأرض قالوا للّه فيقال لهم ما معنى عبادتكم الأوثان قالوا ليقرّبونا الى اللّه زلفى إِنَّ اللّه لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ بنسبة الولد الى اللّه و بقوله الأصنام تشفع عند اللّه كَفَّارٌ (٣) لانعام اللّه حيث يشرك به غيره يعنى ان اللّه لم يرد و لا يريد ان يهديهم و لو شاء لهداهم فلم يكذبوا و لم يكفروا جملة معترضة .. ٤ لَوْ أَرادَ اللّه أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً كما زعموا لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ العائد الى الموصول ضمير منصوب محذوف و الموصول مع الصلة مفعول لاصطفى و ممّا يخلق حال منه و العائد الى الموصول فيه ايضا ضمير منصوب يعنى لو أراد اللّه اتخاذ الولد لاصطفى ما يشاءه مما خلق إذ لا موجود الا و هو مخلوقه لقيام الادلة على امتناع وجود واجبين و وجوب استناد ما عدا الواجب اليه و من البين ان المخلوق لا يماثل الخالق فيقول مقام الولد له فهذا الكلام فى قوة ان يقال لو أراد اللّه ان يتّخذ ولدا لا يتصور ذلك فحذف الجزاء و أقيم دليله مقامه و جاز ان يكون العائد الى الموصول فى ممّا يخلق الضمير المرفوع و المعنى لو أراد اللّه ان يتّخذ ولدا لاصطفى ولدا بقدر على خلق الأشياء و ذا محال لانه يستلزم تعدد الالهة فهو دليل على امتناع ارادة اللّه ان يتخذ ولدا ثم قرر ذلك بقوله سُبْحانَهُ ان يكون له ولد هُوَ اللّه الْواحِدُ يعنى ان الالوهية التي تتبع الوجوب مستلزم للتوحد فى ذاته و صفاته و تنافى المماثلة و المشاركة فانى يكون له ولد و الولد لا يكون الا من جنس الوالد ناشيا من بعض اجزائه الْقَهَّارُ (٤) القهارية المطلقة ينافى المشاركة و قبول الزوال المحوج الى الولد ثم استدل على ذلك بقوله. ٥ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِالْحَقِّ اى متلبسا بالحق غير عابث بل ليكون دليلا على الصانع يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَ يُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ يغشى كل واحد منهما الاخر كانه يلف عليه لف اللباس باللابس او يغيبه به كما يغيب الملفوف باللفاف او يجعله كارا عليه كرورا متتابعا مثل اكوار العمامة و الحاصل انه يخلق كل واحد منهما عقيب الاخر قال الحسن و الكلبي ينقص من الليل و يزيد فى النهار و ينقص من النهار و يزيد فى الليل وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي فى الفلك لِأَجَلٍ مُسَمًّى اى ليوم القيامة أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الغالب القادر على كل شى ء الْغَفَّارُ (٥) حيث لم يعاجل فى العقوبة و لم يسلب ما فى هذه الصنائع من الرحمة و المنفعة-. ٦ خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ يعنى آدم عليه السلام خلقها من غير اب و أم ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها استدلال اخر بما أوجده فى العالم السفلى و ثمّ للعطف على محذوف هو صفة نفس اعنى خلقها او على معنى واحدة اى من نفس وحّدت ثم جعل منها زوجها فشفعها بها او على خلقكم و العطف بثم لتفاوت ما بين الآيتين فان الاول عادة مستمرة دون الثانية و قيل معنى قوله خلقكم من نفس انه أخرجكم من ظهره كل ذرية ذراها حين أخذ الميثاق ثم خلق منها حواء زوجها وَ أَنْزَلَ لَكُمْ اى قضى و قسّم لكم فان قضاياه و قسمه يوصف بالنزول من السماء لما كتب فى اللوح او المعنى أحدث لكم بأسباب نازلة من السماء كاشعة الكواكب و الأمطار و قيل معناه خلق فى الجنة مع آدم عليه السلام ثم انزل منها لكم مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ ذكر و أنثى من الإبل و و البقر و الضأن و المعز حال من الانعام يَخْلُقُكُمْ جملة مبينة لما سبق اى يخلق الانس و الانعام فيه تغليب لذوى العقول على غيرهم فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاما ثم يكسى لحما ثم ينفخ فيه الروح فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ ظلمة البطن و الرحم و المشيمة او الصلب و الرحم و البطن ذلِكُمُ اى الذي فعل هذه الافعال مبتدا خبره اللّه رَبُّكُمْ خبر ثان لَهُ الْمُلْكُ خبر ثالث لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خبر رابع اى لا يستحق العبادة أحد غيره لعدم اشتراك أحد فى الخلق فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (٦) الفاء للسببية و الاستفهام للاستبعاد و التعجب يعنى كيف تصرفون عن طريق الحق بعد هذا البيان الشافي و عن عبادته الى عبادة غيره-. ٧ إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللّه غَنِيٌّ عَنْكُمْ و عن ايمانكم شرط حذف جزاؤه و أقيم دليله مقامه تقديره ان تكفروا يعود وبال كفركم إليكم لا الى اللّه تعالى فانّ اللّه غنىّ عنكم و عن ايمانكم و انما أنتم تحتاجون اليه لتضرركم بالكفر و انتفاعكم بالايمان وَ لا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ عطف على الشرطية يعنى الكفر مبغوض غير مرضى له تعالى و ان كان بإرادته حيث قال من يرد اللّه ان يّهديه يشرح صدره للاسلام و من يرد ان يضلّه يجعل صدره ضيّقا حرجا و هو قول السلف و عليه اجماع اهل السنة و الجماعة خلافا للمعتزلة و ذكر البغوي انه قال ابن عباس و السدىّ معناه لا يرضى لعباده المؤمنين الكفر و هم الذين قال اللّه تعالى فيهم انّ عبادى ليس لك عليهم سلطان و هذا القول مبنى على ان يكون الرضاء بمعنى الارادة مجازا و الا فالحق انه لا يستلزم الارادة و لا يرادفه فان إرادته يتعلق بالخير و الشر كله ما شاء اللّه كان و ما لم يشأ لم يكن و يستحيل تخلف المراد عن إرادته قال اللّه تعالى انّما قولنا لشئ إذا أردناه ان نقول له كن فيكون وَ إِنْ تَشْكُرُوا اى تؤمنوا بربكم و تطيعوه يَرْضَهُ لَكُمْ قيل فى تفسيره يثيبكم به و هذا حاصل المعنى فان الرضاء يستلزم الاثابة أصله يرضاه سقط الالف بالجزم فقرأ نافع و عاصم و حمزة و هشام «و يعقوب و ابن وردان بخلاف عنه ابو محمد» باختلاس حركة هاء الضمير ابقاء على ما كان لان ما قبله ساكن تقديرا و ابو عمر و ابن كثير و ابن ذكوان و الكسائي «اى الدوري بخلاف منه- ابو محمد» « (و خلف و ابو جعفر بخلاف عنه-» بإشباع الحركة لانها صارت بحذف الالف موصولة بمتحرّك و هى رواية ابى حمدان و غيره عن اليزيدي و فى رواية عن ابى عمرو بإسكان الهاء و به قرا يعقوب وَ لا تَزِرُ نفس وازِرَةٌ وِزْرَ نفس أُخْرى اى لا تحمله فيه اشارة الى ان وبال كفركم لا يتجاوز عنكم الى غيركم فلا يتضرر به النبي صلى اللّه عليه و سلم فدعوته إياكم الى الايمان ليس الا لاجل ان ينفعكم ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ بالمجازاة إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٧) فيجازى على أعمالكم على حسب نياتكم-. ٨ وَ إِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الكافر ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً اى راجعا إِلَيْهِ مستغيثا ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ اى أعطاه او جعله ذا حشم و اتباع و الخول الحشم و الاتباع قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى العبيد إخوانكم و خولكم جعل اللّه تحت ايديكم او تعهده كما فى الحديث كان عليه السلام يتخولنا اى يتعهدنا بالموعظة من قولهم فلان خائل مال و هو الذي يصلحه و يقوم به كذا فى النهاية و القاموس نِعْمَةً مِنْهُ اما مفعول ثان لخوّله ان كان بمعنى أعطاه او مفعول له نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ اى الضرّ الذي كان يدعوا اللّه الى إزالته او نسى ربه الذي كان يتضرع اليه و ما حينئذ بمعنى من كما فى قوله تعالى و ما خلق الذّكر و الأنثى مِنْ قَبْلُ النعمة وَ جَعَلَ للّه أَنْداداً اى شركاء لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ اى دين الإسلام قرا ابن كثير و ابو عمرو و رويس بفتح الياء و الباقون بضمها و الضلال و الإضلال لمّا ترتب على ذلك شبّه بالعلة الغائية كما فى قوله تعالى فالتقطه ال فرعون ليكون لهم عدوّا و حزنا قُلْ يا محمد لهذا الكافر تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا فى الدنيا الى أجلك امر تهديد و فيه اقناط للكافرين من التمتع فى الاخرة و لذلك عللّه على سبيل الاستيناف بقوله إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ (٨) قيل نزلت فى عيينة بن ربيعة و قال مقاتل نزلت فى ابى حذيفة بن المغيرة المخزومي-. ٩ أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ اى قائم بوظائف الطاعات قال ابن عمر القنوت قراءة القرآن و طول القيام قرا ابن كثير و نافع و حمزة بتخفيف الميم فالتقديرا من هو قانت للّه كمن جعل له أندادا و قرا الباقون بتشديد الميم فام حينئذ منقطعة و المعنى امّن هو قانت كمن جعل له أندادا او متصلة بمحذوف تقديره امّن جعل للّه أندادا و لم يشكر نعمته خير أم من هو قانت آناءَ اللَّيْلِ ساعاته ساجِداً وَ قائِماً فى الصلاة حالان من الضمير فى قانت يَحْذَرُ الْآخِرَةَ اى يخاف عذاب الاخرة استقصارا لنفسه فى العمل وَ يَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ غير معتمد على عمله يعنى يجمع بين الخوف و الرجاء و لا يجاوز فى الخوف حده حتى يكون أنسا فانّه لا ييئس من روح اللّه الّا القوم الكافرون و لا فى الرجاء حده حتى يكون أمنا فانه لا يأمن من «١» مكر اللّه الّا القوم الخاسرون. و الجملتان واقعتان موقع الحال او الاستئناف للتعليل قال البغوي قال ابن عباس فى رواية الضحاك نزلت هذه الاية فى ابى بكر الصديق و اخرج ابن ابى سعيد من طريق الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس انه قال نزلت فى عمار بن ياسر و اخرج جويبر عن ابن عباس انه قال نزلت فى ابن مسعود و عمار بن ياسر و سالم مولى ابى حذيفة و اخرج جويبر عن عكرمة قال نزلت فى عمار بن ياسر و قال البغوي قال الضحاك نزلت فى ابى بكر و عمر رضى اللّه عنهما و عن ابن عمر انها نزلت فى عثمان و كذا اخرج ابن ابى حاتم عنه و عن الكلبي انها نزلت فى ابن مسعود و عمار و سلمان و وجه الجمع بين الأقوال انها نزلت فى جميعهم قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ اللّه تعالى متصفا بصفات الجلال و الجمال فيحذر عذابه و يرجو رحمته فيعمل فى طاعته و يتقى عن معاصيه وَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ذلك و الاستفهام للانكار اى لا يستوون فهذه الجملة تقرير للاول على سبيل التعليل و قيل تقرير له على سبيل التشبيه يعنى كما لا يستوى العالم و الجاهل كذلك لا يستوى المطيع و العاصي و قيل نفى لاستواء الفريقين باعتبار القوة العلمية بعد نفيهما باعتبار القوة العملية على وجه الأبلغ لمزيد الفضل قيل الّذين يعلمون عمار و الذين لم يعلموا ابو حذيفة المخزومي إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (٩) بامثال هذه البيانات .. (١) و فى القران فلا يأمن مكر اللّه إلخ. ١٠ قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا اى أمنوا و أحسنوا العمل يعنى أتوه بالخشوع و الخضوع كما قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الإحسان ان تعبد ربك كانك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك فِي هذِهِ الدُّنْيا متعلق بقوله أحسنوا حَسَنَةٌ فى الاخرة يعنى الجنة مبتدا خبره للذين أحسنوا و الجملة تعليل بقوله اتقوا ربكم و قيل فى الدنيا ظرف مستقر حال من حسنة و هو فاعل للظرف المستقر اعنى قوله للّذين أحسنوا قال السدىّ فى هذه الدّنيا حسنة الصحة و العافية و هذا القول ليس بسديد فان الصحة و العافية كما يعطى المؤمن يعطى الكافر ايضا بل قد ينعكس الأمر. وَ أَرْضُ اللّه واسِعَةٌ فلا عذر للمقصرين فى الطاعة لمزاحمة الكفار ففيه كناية عن طلب الهجرة من البلد الذي يتعسر فيه الإحسان و من ثم قال ابن عباس فى تفسيره ارتحلوا من مكة و عن مجاهد انه قال فى هذه الاية قال اللّه تعالى ارضى واسعة فهاجروا و اعتزلوا و قال سعيد بن جبير يعنى من امر بالمعاصي فليهرب و الجملة اما معطوفة على قوله للّذين أحسنوا فى هذه الدّنيا حسنة و اما على قوله اتّقوا ربّكم لكونها بمعنى هاجروا إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ (١) قيل يعنى الذين صبروا على دينهم فلم يتركوه للاذى من الكفار او صبروا على مفارقة الأوطان و المعارف قيل نزلت الاية فى جعفر بن ابى طالب و أصحابه مهاجرى الحبشة حيث لم يتركوا دينهم فاذا اشتد فيهم البلاء صبروا و هاجروا و اللفظ عام يعمهم و كل من صبر على البلاء و على مشقة الطاعة و حبس النفس عن المعصية- قال البغوي قال على رضى اللّه عنه كل مطيع يكال له كيلا و يؤزن له وزنا الا الصابرون فانهم يحثى عليهم حثيا- و روى الاصبهانى عن انس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم تنصب الموازين و يؤتى باهل الصلاة فيوفون أجورهم بالموازين و يؤتى باهل الصدقة فيوفون أجورهم بالموازين و يؤتى باهل الحج فيوفون أجورهم بالموازين و يؤتى باهل البلاء فلا تنصب لهم ميزان و لا ينشر لهم ديوان و يصبّ عليهم الاجر صبّا بغير حساب حتى يتمنى اهل العافية انهم كانوا فى الدنيا تقرض أجسادهم بالمقاريض مما يذهب به اهل البلاء و ذلك قوله تعالى انّما يوفّى الصّابرون أجرهم بغير حساب. و ذكر البغوي نحوه و اخرج الطبراني و ابو يعلى بسند لا بأس به عن ابن عباس قال يؤتى بالشهيد يوم القيامة فينصب للحساب ثم يؤتى بالمصدق فينصب للحساب ثم يؤتى باهل البلاء فلا ينصب لهم ميزان و لا ينشر لهم ديوان فيصب لهم الاجر صبّا حتى ان اهل العافية ليتمنون بالموقف ان أجسادهم قرضت بالمقاريض من حيث ثواب اللّه لهم. و اخرج الترمذي و ابن ابى الدنيا عن جابر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يودّ اهل العافية يوم القيامة حين يعطى اهل البلاء الثواب لو ان جلودهم قرضت بالمقاريض- قلت لعل المراد باهل البلاء اهل العشق باللّه بدليل ان الشهيد لم يعد من اهل البلاء مع ان أشد بلاء الدنيا القتل و هو قد صبر على بذل نفسه فى سبيل اللّه .. ١١ قُلْ إِنِّي قرأ نافع «ابو جعفر- ابو محمد» بفتح الياء و الباقون بإسكانها أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللّه مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (١١) اى موحد اله. ١٢ وَ أُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (١٢) اى أمرت بالإخلاص لاجل ان أكون مقدمهم فى الدنيا و الاخرة لان قصب السبق انما هو بالإخلاص او لكونى أول من اسلم من قريش و من دان بدينهم و العطف لمغائرة الثاني الاول بتقيده بالعلة و للاشعار بان العبادة المقرونة بالإخلاص و ان اقتضت لذاتها كونها مأمورا بها فهى ايضا مقتضية لما يلزمه من السبق فى الدين و جاز ان يكون اللام زائدة كما فى أردت لان افعل فيكون امرا بالتقدم فى الإسلام و البدء بنفسه فى الدعاء اليه بعد الأمر به فانه بعث داعيا للنّاس الى الإسلام و ذلك يقتضى كونه أول المسلمين فان دعوة غيره فرع اتصافه بنفسه و فيه امالة لغيره الى الإسلام يعنى انى لا أدعوكم الا الى ما هو خير إذ لو لم يكن خيرا لما اخترته لنفسى و قد اخترته اولا. ١٣ قُلْ إِنِّي قرأ نافع و ابو عمرو «و ابو جعفر ابو محمد» و ابن كثير بفتح الياء و الباقون بإسكانها أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي بترك الإخلاص و الميل الى ما أنتم عليه من الشرك و سوء الأعمال عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٣) فيه تحذير للمخاطبين عن العصيان كما فى الاية السابقة و امالة الى الإسلام قال البغوي هذه الاية نزلت حين دعى الى دين ابائه. ١٤ قُلِ اللّه أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي (١٤) امر بالأخبار عن إخلاصه فى العبادة بعد الأمر بالأخبار عن كونه مأمورا بالعبادة و الإخلاص خائفا على المخالفة من العقاب قطعا لاطماعهم و لذلك رتب عليه قوله .. ١٥ فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ تهديدا و خذلانا لهم و هذا جواب شرط محذوف تقديره ان لم توافقونى فى العبادة للّه خالصا فاعبدوا ما شئتم فسترون ما يترتب عليه من العذاب و الخسران قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بالضلال وَ أَهْلِيهِمْ يعنى اتباعهم من الأزواج و الأولاد و الخدم بالإضلال يَوْمَ الْقِيامَةِ حين أوردهم النار ظرف لخسروا من خسر التاجر إذا غبن فى تجارته فانهم بالضلال و الإضلال بدلوا نصيبهم من الجنة بنصيبهم من النار و هو لازم و جاء هاهنا متعديّا قال البغوي قال ابن عباس و ذلك (يعنى خسران الأهل) ان اللّه جعل لكل انسان منزلا فى الجنة و أهلا فمن عمل بطاعة اللّه كان ذلك المنزل و الأهل له و من عمل بمعصية كان ذلك المنزل و الأهل لغيره ممن عمل بالطاعة قلت فعلى هذا معنى خسر اهله انه فوّت اهله و قيل خسران الأهل ان كانوا من اهل النار فبالاضلال و ان كانوا من اهل الجنة فلذهابه عنهم ذهابا لا رجوع بعده أَلا ذلِكَ اى خسران يوم القيامة هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ (١٥) دون غير ذلك من اصناف الخسران فان خسران الدنيا سهل و يتبدل و فيه مبالغة فى خسرانهم لما فيه من الاستئناف و التصدير بالا و توسيط ضمير الفصل و تعريف الخسران و وصفه بالمبين ثم شرح الخسران بقوله. ١٦ لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ أطباق سرادقات من النار و دخانها وَ مِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ فرش و مهاد من النار الى ان ينتهى الى القعر- سمّى السافلة ظللا لكونها ظللا لمن تحتهم ذلِكَ العذاب هو الذي يُخَوِّفُ اللّه بِهِ عِبادَهُ ليجتنبوا ما يوقعهم فيه يا عِبادِ فَاتَّقُونِ (١٦) اى اتقونى و لا تتعرضوا لما يوجب سخطى و عذابى-. ١٧ وَ الَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ البالغ فى الطغيان فعلوت منه بتقديم اللام على العين بنى للمبالغة فى المصدر كالرحموت ثم وصف به للمبالغة فى النعت و لذلك اختص بالشيطان و فسره البغوي بالأوثان لان تأنيث الضمير فى قوله أَنْ يَعْبُدُوها و هو بدل اشتمال من الطاغوت يدل على ان المراد به الأوثان وَ أَنابُوا اى اقبلوا بشراشرهم إِلَى اللّه عمّا سواه لَهُمُ الْبُشْرى بالثواب على السنة الرسل فى الدنيا و على السنة الملائكة عند حضور الموت يعنى هم استحقوا ان يبشروا و لذلك فرع قوله فَبَشِّرْ يا محمد عِبادِ (١٧) قرا ابو شعيب بياء مفتوحة و صلا ساكنة وقفا و ابو حمدون و غيره عن اليزيدي مفتوحة فى الوصل محذوفة فى الوقف و هو قياس قول ابى عمرو حيث يتبع الرسم فى الوقف و الباقون يحذفونها فى الحالين. «و وقف يعقوب بالياء- ابو محمد» اخرج جويبر بسنده عن جابر بن عبد اللّه قال لمّا نزلت لها سبعة أبواب الاية اتى رجل من الأنصار النبي صلى اللّه عليه و سلم فقال يا رسول اللّه ان لى سبعة مماليك و انى قد اعتقت لكل باب منها مملوكا فنزلت فبشّر عبادى. ١٨ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ يعنى يستمعون القران و غيره فيتبعون القران و يستمعون كلام الرسول و كلام الكفار فيتبعون كلام الرسول كان حق الكلام فبشرهم فوضع الظاهر اعنى عبادى الّذين يستمعون ألح موضعه للدلالة على ان مبدا اجتنابهم من الطاغوت انهم نقادون للاقوال يميزون بين الخبيث و الطيب و القبيح و الحسن و بين الحسن و الأحسن قال عطاء عن ابن عباس أمن ابو بكر رضى اللّه عنه بالنبي صلى اللّه عليه و سلم فجاءه عثمان و عبد الرحمن بن عوف و طلحة بن عبيد اللّه و الزبير بن العوام و سعد بن ابى وقاص و سعيد بن زيد فسالوه فاخبرهم بايمانه فامنوا فنزلت فيهم هذه الاية و الأحسن حينئذ بمعنى الحسن إذ لا حسن فى اقوال الكفار قال ابن زيد نزلت الآيتان فى ثلاثة نفر كانوا من الجاهلية يقولون لا اله الا اللّه زيد بن عمرو بن نفيل او سعيد بن زيد و ابى ذر الغفاري و سلمان الفارسي و الأحسن قول لا اله الا الل ّه و قال السدىّ يتبعون احسن ما يؤمرون به فيعملون به قيل هو ان اللّه ذكر فى القران الانتصار من الظالم و العفو و العفو احسن الامرين و ذكر العزائم و الرخص و العزائم احسن أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللّه وَ أُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ (١٨) اى ذوى العقول السليمة عن معارضة الأوهام و العادات و فى ذلك دلالة على ان الهداية تحصل بخلق اللّه تعالى و قبول النفس لها-. ١٩ أَ فَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ فى علم اللّه القديم كذا قال ابن عباس كَلِمَةُ الْعَذابِ يعنى خلقت هؤلاء للنار و لا أبالي أَ فَأَنْتَ يا محمد تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (١٩) يعنى لا تقدر عليه قال ابن عباس يريد أبا لهب و ولده الجملة الشرطية معطوفة على جملة محذوفة دل عليه الكلام تقديره ء أنت مالك أمرهم فمن حقّ عليه كلمة العذاب فانت تنقذه من النّار كرّرت الهمزة فى الجزاء لتأكيد الإنكار و الاستبعاد و وضع من فى النّار موضع الضمير لذلك و للدلالة على أن من حكم عليه بالعذاب كالواقع فيه لامتناع الخلف فيه و ان اجتهاد الرسول صلى اللّه عليه و سلم فى دعائهم الى الايمان سعى فى إنقاذهم من النار و يجوز ان يكون أ فأنت تنقذ جملة مستأنفة للدلالة على ذلك و الاشعار بالجزاء المحذوف تقديره أ فمن حقّ عليه كلمة العذاب تهديه أ فأنت تنقذ من فى النّار فان من حقّ عليه كلمة العذاب كانه فى النار حالا- ثم استدرك لدفع توهم كون سعيه صلى اللّه عليه و سلم غير مفيد مطلقا بقوله. ٢٠ لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ يعنى لكن الذين حق لهم كلمة الرحمة و سبق فى علم اللّه انهم يتقون ربهم فى إيراده بصيغة الماضي ايضا اشعار بان من حكم بانهم يتقون فهم كالذين وقع منهم التقوى لَهُمْ غُرَفٌ منازل رفيعة فى الجنة مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ منازل ارفع من الاولى مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا اى من تحت كل من الفوقانية و التحتانية الْأَنْهارُ وَعْدَ اللّه اى وعدهم اللّه تلك الغرف وعدا مصدر مؤكد لنفسه لان قوله لهم غرف فى معنى الوعد لا يُخْلِفُ اللّه الْمِيعادَ (٢٠) لان الخلف نقص و هو على اللّه محال عن ابى سعيد الخدري رضى اللّه عنه عن النبي صلى اللّه عليه و سلم ان اهل الجنة يتراءون اهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر فى الأفق من المشرق و المغرب لتفاضل ما بينهم قالوا يا رسول اللّه تلك منازل الأنبياء لا يبلغهم غيرهم قال بلى و الذي نفسى بيده رجال أمنوا باللّه و رسوله و صدقوا المرسلين- و قد ذكرنا الأحاديث الواردة فى الباب فى تفسير سورة الفرقان فى تفسير قوله تعالى أولئك يجزون الغرفة بما صبروا-. ٢١ أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللّه أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً مطرا الاستفهام للانكار و انكار النفي اثبات و انّ مع جملتها قائم مقام المفعولين لِأ لم تر فَسَلَكَهُ فادخله يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ الظرف متعلق بسلكه على طريقة قوله تعالى كذلك سلكناه فى قلوب المجرمين و ينابيع حال من الضمير المنصوب قال الشعبي كل ماء فى الأرض فمن السماء و جاز ان يكون ينابيع مفعولا ثانيا لسلكه على التوسع على طريقة أدخلته بيتا فى الدار و الينبوع جاء للمنبع و النابع فعلى الاول للنابع و على الثاني للمنبع ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ اى اخرج بالماء زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ اصنافه من بر و شعير و غيرهما او كيفياته من خضرة و حمرة و غيرهما ثُمَّ يَهِيجُ اى ييبس فَتَراهُ بعد خضرته و نضرته مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً فتاتا منكسرا إِنَّ فِي ذلِكَ الأحداث و التغير لَذِكْرى اى لتذكيرا على وجود الصانع القديم القادر الحكيم الذي دبّره و سوّاه على انه مثل الحيوة الدنيا فلا ينبغى ان يغتر بها لِأُولِي الْأَلْبابِ (٢١) إذ لا يتذكر بها غيره و من لم يتذكر فليس من اولى الألباب بل كالانعام بل أضل منها .. ٢٢ أَ فَمَنْ شَرَحَ اللّه صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ يعنى أفاض فى قلبه نورا أدرك به الحق حقا و الباطل باطلا فاذعن بكل ما جاء به النبي صلى اللّه عليه و سلم بلا ارتياب عبّر عن تلك الحالة بشرح الصدر لان الصدر محل القلب و الروح القابل للاسلام فاذا كان قلبه قابلا لاحكام الإسلام صار كظرف انشرح و تفسح حتى حال فيه المظروف فَهُوَ اى ذلك الشخص عَلى نُورٍ اى بصيرة مِنْ رَبِّهِ الهمزة للانكار و الفاء للعطف على ما فهم مما سبق من قوله تعالى أ فمن حقّ عليه كلمة العذاب أ فأنت تنقذ من فى النّار لكن الّذين اتّقوا ربّهم فانه يفهم منه الفرق بين المؤمن و الكافر و الموصول مبتدا و خبره محذوف يدل عليه ما بعده و الإنكار راجع الى مضمون الفاء كانه قال لما ثبت الفرق بين المؤمن و الكافر فليس من شرح اللّه صدره للاسلام و ترتب عليه كونه على نور من ربه فامن و اهتدى كمن طبع اللّه على قلبه فقسى عن ابن مسعود قال تلا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أ فمن شرح اللّه صدره للاسلام فهو على نور من ربّه قلنا يا رسول اللّه كيف انشرح صدره قال إذا دخل النور القلب انشرح صدره و انفسح قلنا يا رسول اللّه فما علامة ذلك قال الانابة الى دار الخلود و التجافي عن دار الغرور و التأهب للموت قبل نزوله. رواه البغوي و الحاكم و البيهقي فى شعب الايمان فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ الفاء للسببية مِنْ ذِكْرِ اللّه متعلق بالقاسية و المعنى من أجل ذكر اللّه اى إذا ذكر اللّه عندهم او تليت عليهم آياته اشتدت قساوتهم و هو ابلغ من ان يكون عن مكان من لان القاسية من أجل الشي ء أشد تأبيا من القبول من القاسي عنه بسبب اخر و للمبالغة فى وصف أولئك بالقبول و هؤلاء بالامتناع ذكر شرح الصدر و أسنده الى اللّه و قابله بقساوة القلب و أسنده الى القلب فهذه الاية فى معنى قوله تعالى و الّذين فى قلوبهم مرض فزادتهم رجسا الى رجسهم و ماتوا و هم كافرون و قيل بحذف المضاف تقديره من ترك ذكر اللّه أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٢) قال مالك بن دينار ما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب و ما غضب اللّه على قوم إلا نزع منهم الرحمة- روى الحاكم و غيره عن سعد بن ابى وقاص قال انزل على النبي صلى اللّه عليه و سلم القران فتلا عليهم زمانا فقالوا يا رسول اللّه لو حدثتنا و اخرج ابن جرير عن عون بن عبد اللّه ان اصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ملوا ملة فقالوا لو حدثتنا فنزلت. ٢٣ اللّه نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ تقرير لقوله انّا أنزلنا إليك الكتاب و ما بينهما معترضات و فى الابتداء باسم اللّه و بناء نزّل عليه تأكيد للاسناد اليه و تفخيم للمنزل و استشهاد على حسنه كِتاباً بدل من احسن الحديث او حال منه مُتَشابِهاً صفة لكتابا يعنى يشبه بعضه بعضا فى صحة المعنى و الدلالة على المنافع العامة و الحسن المعجز و يصدق بعضه بعضا مَثانِيَ صفة اخرى جمع مثناة اسم الظرف فانه ثنى فيه ذكر الوعد و الوعيد و الأمر و النهى و الاخبار و الاحكام وصف به الكتاب باعتبار تفاصيله فهو كقولك القران سور و آيات و الإنسان عروق و عظام و لحم و اعصاب او جعل تميزا من متشابها كقولك رايت رجلا جسيما حسنا شمائل او جمع مثنية اسم الفاعل فان آياته تثنى على اللّه لصفاته الكمال تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ خوفا لما فيه من الوعيد الجملة صفة ثالثة لكتابا ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَ قُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللّه اى لذكر اللّه بالرحمة و عموم المغفرة- و الإطلاق للاشعار بأن اصل امره الرحمة و ان رحمته سبقت غضبه و التعدية بالى لتضمين معنى السكون و الاطمينان و ذكر القلوب لتقدم الخشية التي هى من عوارضها يعنى إذا ذكر عذاب اللّه فى آيات الوعيد من القران يخاف قلوب المؤمنين و تقشعر جلودهم و الاقشعرار انقباض و تغير فى جلد الإنسان عند الخوف و إذا ذكر اللّه بالرحمة فى آيات الوعد من القران تلين جلودهم و تسكن قلوبهم- لمّا وصف اللّه القران بكونه مثانى؟؟؟ فيه ذكر الوعيد و الوعد وصفه بما يتاثر به المؤمنون عند الوعيد و الوعد فكان تقدير الكلام يخاف منه قلوب الذين يخشون ربهم و تقشعر جلودهم ثم تلين جلودهم و تطمئن قلوبهم الى ذكر اللّه عن العباس رضى اللّه عنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا اقشعر جلد العبد من خشية اللّه تحاتت عنه ذنوبه «اى تساقطت- نهايه منه ره» كما يتحاتت عن الشجر اليابسة ورقها- رواه الطبراني بسند ضعيف و رواه البغوي و فى رواية للبغوى إذا اقشعر جلد العبد من خشية اللّه حرمه اللّه على النار- فان قيل بعض اهل العشق من الصوفية الكرام يغشى عليه عند استماع القران فهل هو من الأحوال الحميدة او القبيحة و قد شنع عليهم الامام محى السنة البغوي رحمة اللّه عليه فى تفسيره فقال قال قتادة هذا يعنى ما ذكر من اقشعرار الجلد من خشية اللّه نعت اولياء اللّه نعتهم اللّه بان تقشعر جلودهم و تطمئن قلوبهم بذكر اللّه و لم ينعتهم بذهاب عقولهم و الغشيان عليهم انما ذلك فى اهل البدع و هو من الشيطان أخبرنا عن عبد اللّه بن الزبير قال قلت لجدتى اسماء بنت ابى بكر كيف كان اصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يفعلون إذا قرئ عليهم القران قالت كانوا كما نعتهم اللّه عز و جل تدمع عيونهم و تقشعر جلودهم قال فقلت لها ان نأسا إذا قرئ عليهم القران خرّ أحدهم مغشيّا عليه فقالت أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم- و روى البغوي ان ابن عمر مرّ على رجل (من اهل العراق) ساقط فقال ابن عمر ما بال هذا قالوا انه إذا قرئى عليه القران و سمع ذكر اللّه سقط فقال ابن عمر انا لنخشى اللّه و ما نسقط و قال ابن عمر ان الشيطان يدخل فى جوف أحدهم ما كان هكذا صنيع اصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم- قلت وجه طريان هذه الحالة كثرة نزول البركات و التجليات مع ضيق حوصلة الصوفي و ضعف استعداده و انما لم توجد هذه الحالة فى الصحابة رضى اللّه عنهم مع وفور بركاتهم لاجل سعة حواصلهم و قوة استعداداتهم ببركة صحبة النبي صلى اللّه عليه و سلم و اما غير الصحابة من الصوفية فعدم طريان تلك الحالة عليهم اما لقلة نزول البركات و اما لسعة الحوصلة و العجب من الامام الهمام محى السنة البغوي رحمه اللّه كيف أنكر على اصحاب تلك الحالة و شنع عليهم و نسى قوله تعالى حتّى إذا فزّع عن قلوبهم قالوا ما ذا قال ربّكم قالوا الحقّ و هو العلىّ الكبير و قد روى هو فى تفسير تلك الاية عن النواس بن سمعان رضى اللّه عنه إذا أراد اللّه بالأمر تكلم بالوحى أخذت السماوات منه رجفة او قال رعدة شديدة خوفا من اللّه فاذا سمع ذلك اهل السماوات صعقو او خرّوا للّه سجدا فيكون أول من يرفع رأسه جبرئيل الحديث- و روى البخاري عن ابى هريرة عن النبي صلى اللّه عليه و سلم نحوه بلفظ إذا قضى اللّه الأمر فى السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كانه سلسلة على صفوان فاذا فزّع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربّكم قالوا الحقّ الحديث- و قوله تعالى فلمّا تجلّى ربّه للجبل جعله دكّا و خرّ موسى صعقا. و قول ابن عمر ان الشيطان يدخل فى جوف أحدهم و كذا استعاذة اسماء محمول على انهما زعما غشى ذلك الرجل تكلفا و مكرا و لذا نسباه الى الشيطان و انما كان انكار تلك الحالة منهما لعدم طريان الحالة عليهما و على أمثالهما بناء على وسعة الحوصلة و قوة الاستعداد- و يدل على ما قلت انه ذكر عند ابن سيرين الذين يصرعون إذا قرئ عليهم القران فقال بيننا و بينهم ان يقعد أحدهم على ظهر بنية باسطا رجليه ثم يقرا عليهم القران من اوله الى آخره فان رمى بنفسه فهو صادق حيث علّق صدقه على رمى نفسه من ظهر بنية مرتفعة فعلم منه انه حمل صرعه على الكذب و التكلف- اعلم ان البشر أقوى استعدادا و أوسع حوصلة من الملائكة كما يشهد عليه قوله تعالى انّى جاعل فى الأرض خليفة الى قوله انّى أعلم ما لا تعلمون- و قوله تعالى انّا عرضنا الامانة على السّموات و الأرض الاية و لاجل ذلك يأتى حالة الغشي على الملائكة كلّما سمعوا الوحى دون البشر و اما البشر فاذا تمّ نزوله لا يتغير حاله الا نادرا و إذا تم عروجه و قصر نزوله يتغير غالبا و اعلم ان الصوفي متى كان فى السكر يتغير حاله غالبا عند ذكر المحبوب فى الشعر و التغني و لذلك يستحبون السماع لكن تغير الحال عند سماع القران اشرف منه حالا لان عند استماع القران و تلاوته تتنزل البركات الاصلية المتعلقة بالتجليات الذاتية و الصفات الحقيقية و لا سبيل إليها لاكثر الصوفية المحتبسين فى مقام و لاجل ذلك تراهم يتغير حالهم عند السماع ما لا يتغير عند تلاوة القران و اما الذين صعدوا ذروة الأفق الأعلى ثم دنى رب العزة و تدلّى فكان قاب قوسين أفادني لا يتغير أحوالهم الا كما كان يتغير حال اصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم رضى اللّه عنهم تدمع عيونهم و تقشعرّ جلودهم ثم تلين جلودهم و تطمئن قلوبهم الى ذكر اللّه ذلِكَ الخوف و الرجاء او احسن الحديث هُدَى اللّه يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ هدايته وَ مَنْ يُضْلِلِ اللّه اى يخذله فَما لَهُ مِنْ هادٍ (٦٣) يخرجه من الضلالة-. ٢٤ أَ فَمَنْ يَتَّقِي الاستفهام للانكار و الفاء للعطف على محذوف تقديره أ يستوي الفريقان فمن يتّقى بِوَجْهِهِ اى يجعله وقاية لنفسه و معناه ان الإنسان إذ القى مخوفا من المخاوف استقبله بيديه يتّقى بهما وجهه لانه أعزّ أعضائه و الكافر حين يلقى فى النار تكون يداه مغلولتين الى عنقه فلا يستطيع ان يتّقى الا بوجهه- قال مجاهد يجر على وجهه فى النار منكوسا فاول شى ء منه تمسه النار وجهه و قال مقاتل هو ان الكافر يرمى فى النار مغلولة يده الى عنقه و فى عنقه صخرة مثل جبل عظيم من الكبريت فيشتعل النار فى الحجر و هو معلق فى عنقه و يده سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ كمن هو أمن من العذاب فحذف الخبر كما حذف فى نظائره وَ قِيلَ لِلظَّالِمِينَ اى لهم وضع الظاهر موضع الضمير تسجيلا عليهم بالظلم و اشعارا بموجب ما يقال و هو ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (٢٤) اى و باله و جملة و قيل للظّالمين حال بتقدير قد من فاعل يتقون و جاز ان يكون معطوفا على مفهوم ما سبق اعنى عذب. ٢٥ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ اى قبل كفار مكة كذبوا الرسل فى إتيان العذاب فَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (٢٥) اى من الجهة التي لا يخطر ببالهم إتيان الشرّ منها. ٢٦ فَأَذاقَهُمُ اللّه الْخِزْيَ اى الذلّ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا كالمسخ و الخسف و القتل و تسليط الريح و الصيحة و الرمي بالحجارة و الغرق و غير ذلك وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ المعدّ لهم أَكْبَرُ من عذاب الدنيا لشدته و دوامه لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٢٦) اى لو كان اهل مكة من اهل العلم و النظر لاعتبروا بمن قبلهم او المعنى لو كان المكذّبون يعلمون و بال التكذيب ما كذبوا .. ٢٧ وَ لَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ اى لاجل انتفاعهم و تبصرهم فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ يحتاج اليه الناظر فى امر دينه لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٧) يتعظون به. ٢٨ قُرْآناً عَرَبِيًّا منصوب على المدح او الحال من هذا ان قلنا ان المجرور مفعول به او بتقدير فى تنزيل هذا القران حتى يكون مفعولا لتنزيل المقدر و الاعتماد فيها على الصفة كقوله جاءنى زيد رجلا صالحا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لا اختلال فيه بوجه ما فهو ابلغ من المستقيم و اختص بالمعاني قال ابن عباس غير مختلف و قال مجاهد غير ذى لبس يعنى لا ريب فيه و قال السدى غير مخلوق و يروى ذلك عن مالك بن انس قال البغوي و حكى عن سفيان بن عيينة عن سبعين من التابعين ان القران ليس بخالق و لا مخلوق يعنون انه صفة من صفات اللّه تعالى ليس عين ذاته تعالى فيكون خالقا و لا غيره منفكا عنه فيكون حادثا مخلوقا و هذا يدل على ان الكلام اللفظي قديم صفة من صفات اللّه تعالى إذ الكلام النفسي الذي يدل عليه الكلام اللفظي لا يوصف بكونه عربيّا و اما تعاقب حروف الكلام اللفظي الدال على حدوثه فانما لضيق المحل و حدوثه و اما الكلام القائم بذاته فتوهم التعاقب فيه قياس للغائب على الشاهد كما يتوهم النافون للرؤية اشتراط الجهة و المسافة و غير ذلك فى رؤية البصر ليس كمثله شى ء فى ذاته و لا فى اتصافه بصفاته و لا فى شى ء من صفاته و له المثل الأعلى و هو العزيز الحكيم لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (٢٨) الكفر و المعاصي علة اخرى مرتبة على الاولى او بدل او بيان للاولى .. ٢٩ ضَرَبَ اللّه مَثَلًا للمشرك و الموحد رَجُلًا بدل من مثل بتقدير المضاف اى مثل رجل فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ اى مختلفون صفة لشركاء و هو فاعل للظرف المستقر او مبتدا خبره الظرف و الجملة صفة لرجلا يعنى مثل المشرك على زعمه حيث يدعى الهة متعددة مثل عبد مشترك فى جماعة مختلفين يتجاذبونه و يتعاورونه فى مهامهم المختلفة فهو فى تحير و توزع قلب وَ رَجُلًا سَلَماً اى خالصا و مسلما لِرَجُلٍ لا منازع له فيه قرا ابن كثير و ابو عمرو «و يعقوب- ابو محمد» سالما على وزن فاعلا و الباقون من غير الف على وزن حسن يعنى مثل المؤمن الموحد مثل عبد لواحد لا شريك فيه و ليس لغيره اليه سبيل هَلْ يَسْتَوِيانِ اى ذانك العبدان مَثَلًا اى صفة و حالا و نصبه على التميز و لذلك وحده و الاستفهام للانكار و التقرير يعنى حمل المخاطب على الإقرار بانهما لا يستويان حالا فان الموحد حسن حالا من المشرك و جملة هل يستويان تقديره قال اللّه هل يستويان مثلا بيان لمقصود قوله ضرب اللّه مثلا الْحَمْدُ للّه يعنى الحمد كله للّه لا يشاركه فيه على الحقيقة أحد غيره لانه المنعم بالذات و المالك على الإطلاق بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٢٩) ذلك فيشركون به غيره من فرط جهلهم و قيل تقدير الكلام قل الحمد للّه على نعمة التوحيد و الاختصاص بالمولى الواحد الحميد و بل حينئذ ليست للاضراب بل هى ابتدائية حكاية عن حال الجاهلين .. ٣٠ إِنَّكَ مَيِّتٌ اى ستموت ابرز بلفظ الصفة المشبهة الدالّة على الثبوت حالا لكونه متيقن الوقوع وَ إِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (٣٠) اى كفار مكة او جميع الناس بصدد الموت فلا شماتة بالموت قال المحلى نزلت لمّا استبطؤا موت النبي صلى اللّه عليه و سلم قال الفراء و الكسائي الميّت بالتشديد من لم يمت و سيموت و الميت بالتخفيف من فارقه الروح و لذلك لم يخفف هاهنا. ٣١ ثُمَّ إِنَّكُمْ يعنى أنت و كفار مكة او الناس أجمعون يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (٣١) فتحتج عليهم و تقول يا ربّ انّ قومى اتّخذوا هذا القران مهجورا و انهم كذبونى و كنت على الحق فى التوحيد و كانوا على الباطل فى التشريك و اجتهدتّ فى الإرشاد و التبليغ و لجّوا فى العناد و التكذيب و يعتذرون بالأباطيل مثل قولهم و اللّه ربّنا ما كنّا مشركين و قولهم ما جاءنا من بشير و لا نذير و قولهم انّا اطعنا سادتنا و كبراءنا- ما وجدنا عليه آباءنا و يختصم الناس بعضهم مع بعض فاول ما يقضى فيه الدماء اخرج الشيخان فى الصحيحين عن ابن مسعود رض قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة الدماء و اخرج الترمذي و حسنه و ابن ماجة و الطبراني و ابن مردوية عن ابن عباس قال سمعت النبي صلى اللّه عليه و سلم يقول يأتى المقتول متعلق رأسه بإحدى يديه متكيا قاتله باليد الاخرى و تشخب أوداجه دما حتى يأتى العرش فيقول المقتول لرب العلمين هذا قتلنى فيقول اللّه للقاتل تعست و يذهب به الى النار- و اخرج الطبراني فى الأوسط عن ابن مسعود عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال يجئ المقتول أخذا قاتله و أوداجه تشخب دما فيقول رب سل هذا فلم قتلنى فيقول قتلته ليكون العزة لفلان قال هى للّه تبارك و تعالى و روى ابن ابى حاتم عن ابن مسعود فذكر انه يؤتى بالقاتل و المقتول فيوقفان بين يدى الرحمان فيقال له لم قتلته فان كان قتله للّه قال قتلته ليكون العزة للّه فيقال فانها للّه و ان كان قتله لخلقه من خلق اللّه يقول قتلته ليكون العزة لفلان فبقال فانها ليست له فيقتل يومئذ كل خلق اللّه قتله ظالم غير انه يذاق الموت عدة الأيام التي أذاقها الاخر فى الدنيا- و اخرج احمد و الترمذي و الحاكم و صححه عن عبد اللّه بن الزبير عن أبيه لما نزلت انّك ميّت و انّهم ميّتون ثمّ انّكم يوم القيامة عند ربّكم تختصمون قال الزبير يا رسول اللّه أ يكرر علينا ما بيننا فى الدنيا مع خواص الذنوب قال نعم ليكررن عليكم ذلك حتى يصل الى كل ذى حق حقه- قال الزبير و اللّه ان الأمر لشديد- و اخرج الطبراني بسند لا بأس به عن ابى أيوب رضى اللّه عنه ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال أول من يختصم يوم القيامة الرجل و المرأة و اللّه ما يتكلم لسانه و لكن يداها و رجلاها يشهدن عليها بما كانت تعيب لزوجها و تشهد يداه و رجلاه بما كان يوليها ثم يدعى الرجل و خدمه مثل ذلك ثم يدعى اهل الأسواق و ما يوجد ثمه دوانيق و لا قراريط و لكن حسنات هذا يدفع الى هذا الذي ظلم و سيئات هذا الذي ظلمه يوضع عليه ثم يؤتى بالجبارين فى مقامع من حديد فيقال أوردوهم الى النار- و اخرج احمد بسند حسن عن عقبة بن عامر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أول خصمين يوم القيامة الجاران- و اخرج البخاري عن ابى هريرة عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال من كان عنده مظلمة لاخيه فليحللّه منها فى الدنيا فانه ليس ثمه دينار و لا درهم ان كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته و ان لم يكن حسنات أخذ من سيئات صاحبه فتحمل عليه- و اخرج مسلم و الترمذي عن ابى هريرة ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال أ تدرون من المفلس قالوا المفلس فينا من لا درهم له و لا متاع قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلوة و صيام و زكوة قد شتم هذا و قذف هذا و أكل مال هذا و سفك دم هذا و ضرب هذا فيقبض و يقتص هذا من حسناته و هذا من حسناته فان فنيت حسناته قبل ان يقتص ما عليه من الخطايا أخذ من خطاياهم فيطرح عليه ثم طرح فى النار- قلت المراد بالحسنات التي يأخذها المظلوم من الظالم اجر حسناته ما سوى الايمان إذ المظالم و غيرها من السيئات ما عدا الكفر جزاؤه متناه على اصول اهل السنة و الجماعة فان مرتكب الكبيرة عندهم لا يخلد فى النار و الايمان جزاؤه الخلود فى الجنة و هو غير متناه فلا يأتى ما هو متناه على ما ليس بمتناه- فالحاصل انه إذا فنيت حسنات الظالم قبل ان يقتض ما عليه من الخطايا و بقي عنده الايمان المجرد أخذ من خطايا المظلومين ما عدا الكفر لكونه غير متناه الجزاء فلا يوازن ما هو متناه الجزاء فيطرح على الظالم ثم طرح فى النار ان لم يعف عنه حتى إذا انتهت عقوبة تلك الخطايا ادخل الجنة بايمانه و يخلد فيها و قال البيهقي مثل ما قلت و اخرج مسلم عن ابى هريرة ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال لتردن الحقوق الى أهلها يوم القيامة حتى تعاد للشاة الجماء من الشاة القرناء- و فيه حتى للجاء من القرناء و للذرة من الذرة- و فى الباب أحاديث كثيرة لم اذكرها و روى البيهقي عن الزبير بن العوام قال لمّا نزلت على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ثمّ انّكم يوم القيامة عند ربّكم تختصمون قلنا كيف نختصم و ديننا و كتابنا واحد حتى رايت بعضنا يضرب وجوه بعض بالسيف فعرفت انه نزلت فينا- و عن ابن عمر نحوه و عن ابى سعيد الخدري فى هذه الاية قال كنا نقول ربنا واحد و نبينا واحد و كتابنا واحد فما هذه الخصومة فلمّا كان يوم الصفين و شد بعضنا على بعض بالسيوف قلنا نعم هو هذا- و عن ابراهيم قال لما نزلت ثمّ انّكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون قالوا كيف نختصم و نحن اخوان فلمّا قتل عثمان قالوا هذا خصومتنا- و مقتضى هذه الأقوال انهم كانوا يزعمون ان الاختصام فى الدماء لا يكون الا بين المؤمنين و الكافرين فلمّا ظهر البغي و الفساد بين المسلمين اتضح لهم انه يكون بين المؤمنين ايضا-. ٣٢ فَمَنْ أَظْلَمُ الفاء للسببية فان اختصام الكفار مع النبي صلى اللّه عليه و سلم سبب لكونهم اظلم الناس و الاستفهام للانكار يعنى لا أحد اظلم مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللّه فزعم ان له ولدا و شريكا- وَ كَذَّبَ بِالصِّدْقِ اى بما جاء به النبي صلى اللّه عليه و سلم من القران و غيره إِذْ جاءَهُ من غير توقف و تفكر فى امره بل مع الشواهد و الادلة القاطعة على صدقه أَ لَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً اى منزلا و مقاما لِلْكافِرِينَ (٣٢) استفهام للتقرير فقوله تعالى انّك ميّت و انّهم ميّتون مع ما يتلوه تسلّية للنبى صلى اللّه عليه و سلم على تكذيب القوم حتى لا تهتم فى الانتقام منهم فان جهنم يكفيهم مجازاة لاعمالهم. ٣٣ وَ الَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَ صَدَّقَ بِهِ أراد به الجنس ليتناول الرسل و المؤمنين يدل عليه قوله تعالى أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (٣٣) بصيغة الجمع و يؤيده قراءة ابن مسعود و الّذين جاءوا بالصّدق و صدّقوا به قال ابن عباس يعنى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم جاء بلا اله الا اللّه و صدّق به ايضا اى بلّغه الى الخلق و على هذا جمعية الخبر بناء على ان المراد هو و من تبعه كما فى قوله تعالى و لقد اتينا موسى الكتب لعلّهم يهتدون و قال السدى الّذى جاء بالصّدق جبرئيل و صدّق به محمد صلى اللّه عليه و سلم تلقاه بالقبول و قال الكلبي و ابو العالية الّذى جاء بالصّدق رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و صدّق به ابو بكر الصديق رضى اللّه عنه و كذا ذكر الزجاج قول على رضى اللّه عنه و كذا روى عن ابى هريرة و قال قتادة و مقاتل الّذى جاء بالصّدق رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و صدّق به المؤمنون و قال عطاء و الّذى جاء بالصّدق الأنبياء و صدّق به الاتباع- قال صاحب المدارك و البيضاوي و الوجه فى العربية ان يكون جاء و صدّق لفاعل واحد لان التغاير يستدعى إضمار الذي و ذا غير جائز او إضمار الفاعل من غير تقدم ذكر و ذا بعيد- قلت و كيف يحكم بعدم جواز حذف الموصول و قد روى عن علماء التفسير من الكلبي و ابى العالية و قتادة و مقاتل ما ذكرنا و ورد فى شعر حسان بن ثابت رضى اللّه عنه ا من يهجو رسول اللّه منهم و يمدحه و ينصره سواء فان التقدير ا من يهجو و من يمدحه سواء و قال صاحب البحر المواج يمكن ان يقال انه من باب اللف و النشر الإجمالي على طريقة قالوا لن يّدخل الجنّة الّا من كان هودا او نصرى او يقال تقديره و الفريق الّذى جاء بالصّدق و صدّق به و هو شامل للنبى صلى اللّه عليه و سلم و ابى بكر و ضمير جاء بالصدق راجع الى الموصول نظرا الى النبي صلى اللّه عليه و سلم و ضمير صدق به راجع اليه نظر الى ابى بكر. ٣٤ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ فى الجنة ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ (٣٤) على إحسانهم. ٣٥ لِيُكَفِّرَ اللّه عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا يسترها عليهم بالمغفرة خص الأسوأ بالذكر للمبالغة فانه إذا كفّر الا سوا فغيره اولى فيه رد لمذهب المعتزلة حيث يدل على عفو كبيرة و الاشعار بانهم لاستعظامهم الذنوب يحسبون كل سيئة عملوها أسوأ الذنوب و يقال افعل هاهنا للتفضيل مطلقا لا على ما أضيف اليه وَ يَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ اى يعطيهم ثوابهم اى ثواب أعمالهم بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (٣٥) يعنى يعد لهم محاسن أعمالهم بأحسنها فى زيادة الاجر و عظمه لفرط إخلاصهم او يقال احسن هاهنا ايضا للزيادة المطلقة قال مقاتل يجزيهم بمحاسن أعمالهم و لا يجزيهم بالمساوي .. ٣٦ أَ لَيْسَ اللّه بِكافٍ استفهام للنفى مبالغة فى الإثبات يعنى اللّه كاف عَبْدَهُ محمدا صلى اللّه عليه و سلم و قرا ابو جعفر و حمزة و الكسائي «و خلف- ابو محمد» عباده يعنى أنبياءه او محمدا صلى اللّه عليه و سلم و أصحابه وَ يُخَوِّفُونَكَ عطف على معنى ا ليس اللّه بكاف تقديره اللّه كاف عبده و يخوّفونك و جاز ان يكون حالا بتقدير و هم يخوّفونك بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ قال البغوي و ذلك انهم خوّفوا النبي صلى اللّه عليه و سلم معرة الأوثان و قالوا لتكفنّ عن شتم الهتنا او ليصيبنّك منهم خبل او جنون و كذا اخرج عبد الرزاق وَ مَنْ يُضْلِلِ اللّه حتى غفل عن كفاية اللّه له و خوفه بما لا يضر و لا ينفع فَما لَهُ مِنْ هادٍ (٣٦) يهديهم الى الرشاد. ٣٧ وَ مَنْ يَهْدِ اللّه فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ إذ لا راد لفضله أَ لَيْسَ اللّه بِعَزِيزٍ الاستفهام للانكار يعنى اللّه غالب ينفع ذِي انْتِقامٍ (٣٧) منتقم من أعدائه. ٣٨ وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ يعنى كفار مكة مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللّه لوضوح البرهان على تفرده بالخالقية و بداهة عدم صلاح الأوثان لها و كان اهل مكة يعترفون بذلك قُلْ يا محمد بعد اعترافهم لذلك أَ فَرَأَيْتُمْ يعنى أخبروني بعد ما اعترفتم بان خالق العالم هو اللّه لا غير ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّه إِنْ أَرادَنِيَ قرأ حمزة بسكون الياء و الباقون بفتحها اللّه بِضُرٍّ اى بشدة و بلاء هَلْ هُنَّ يعنى اوثانكم كاشِفاتُ ضُرِّهِ عنى أَوْ ان أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ عنى قرا ابو عمرو «و يعقوب ابو محمد» كاشفات ممسكات بالتنوين فيهما و نصب ضرّه و رحمته على المفعولية و الباقون بالاضافة استفهام انكار يعنى يلزمهم باعترافهم السابق انكار كون الأصنام قادرة على كشف ضر او إمساك رحمة قال مقاتل فسالهم النبي صلى اللّه عليه و سلم عن ذلك فسكتوا فقال اللّه تعالى لرسوله قُلْ حَسْبِيَ اللّه يكفينى فى إصابة الخير و دفع الضرّ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (٣٨) اى المؤمنون لعلمهم بانه نافع و لا ضارّ الا هو عبّر المؤمنين بالمتوكلين لان شأنهم التوكل على اللّه. ٣٩ قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ اى على حالكم اسم للمكان استعير هنا للحال كما ان حيث و هنا اسمان للزمان و قد يستعار أحدهما للمكان إِنِّي عامِلٌ اى على مكانتى فحذف للاختصار و المبالغة فى الوعيد و الاشعار بان حاله صلى اللّه عليه و سلم لا يقف على حد بل اللّه سبحانه يزيده على مر الدهور قوة و نصرة و لذلك توعدهم بكونه منصورا عليهم فى الدارين فقال فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣٩) ٤٠ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ فان خزى أعدائه دليل على غلبته و قد أخزاهم يوم بدر وَ يَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ (٤٠) دائم و هو عذاب النار. ٤١ إِنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ لِلنَّاسِ لان يهتدوا به الى مصالحهم فى المعاش و المعاد بِالْحَقِّ اى متلبسا به هذه الجملة متصلة بقوله و لقد ضربنا للنّاس فى هذا القران و ما بينهما معترضات فَمَنِ اهْتَدى بالكتاب فَلِنَفْسِهِ ينتفع نفسه به وَ مَنْ ضَلَّ طريق مصالح فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها لا يتجاوز عنها و بال ضلاله وَ ما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (٤١) اى ما وكلت عليهم لتجبرهم على الاهتداء به انما أمرت بالبلاغ و قد بلّغت فلا يضرك ضلالهم-. ٤٢ اللّه يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَ الَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها اى يقبضها عن الأبدان اما بان يقطع تعلقها عنها بالكلية فلا يمكن لها التصرف فيها ظاهرا و لا باطنا و ذلك حين موتها و نزعها عنها و اما بان يقبضها ظاهرا بعض القبض بان يسلب عنها الحس و الحركة الارادية و ذلك بان يجعله اللّه تعالى متوجها الى مطالعة عالم المثال عاطلا عن عالم الشهادة ليستريح و ذلك فى المنام فالتوفى بالمعنى الاول حقيقة و بالثاني مجاز فيحمل الكلام هاهنا اما على عموم المجاز و هو القبض مطلقا اما ظاهرا فقط او ظاهرا و باطنا و اما على تقدير الفعل كانه قال و الّتى لم تمت يقبضها فى منامها اى يقبض حسها و حركتها و ما قيل ان للانسان نفسا و روحا فعند النوم لخرج النفس و يبقى الروح أريد بالنفس قوتها التي بها العقل و التميز يعنى يسلب عنه تلك القوة و يبقى الروح التي بها الحيوة و التنفس قال البغوي عن على كرم اللّه وجهه قال يخرج الروح عند نومه و يبقى شعاعه فى الجسد فبذلك يرى الرؤيا «١» فاذا انتبه من النوم عاد الروح الى جسده بأسرع من لحظة- ان صح هذا الأثر فالمعنى عندى ان الروح يتوجه الى مطالعة عالم المثال خارج البدن فى عالم الملكوت و ذلك خروجه عند نومه و يبقى شعاعه يعنى تعلقه بالجسد كما كان فبذلك اى بخروجه يرى الرؤيا فاذا انتبه من النوم عاد الروح اى توجه الى جسده بأسرع من لحظة فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ و لا يردها الى البدن حتى ينفخ نفخة البعث قرا حمزة و الكسائي قضى بضم القاف و كسر الضاد على البناء للمفعول و الموت بالرفع و الباقون على البناء للفاعل مسندا الى المستكن الراجع الى اللّه و الموت بالنصب على المفعولية وَ يُرْسِلُ الْأُخْرى اى النفس النائمة الى الافاقة و الاحساس إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى اى الوقت المضروب لموته فى الصحيحين عن البراء بن عازب قال كان النبي صلى اللّه عليه و سلم إذا أخذ مضجعه من الليل وضع يده تحت خده ثم يقول اللّهم بك أموت و احيى و إذا استيقظ قال الحمد للّه الذي أحيانا بعد ما أماتنا و اليه النشور- عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذ أوى أحدكم الى فراشه فلينفض فراشه بداخلة إزاره فانه لا يدرى ما خلفه عليه ثم يقول باسمك ربى وضعت جنبى و بك ارفعه ان أمسكت نفسى فارحمها و ان أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين- و فى رواية ثم ليضطجع على (١) عن سليم بن عامر ان عمر بن الخطاب قال العجب من رويا الرجل انه يبيت فيرى الشي ء و لم يخطر على بال فيكون روياه كالاخذ باليد و يرى الرجل رؤيا فلا يكون روياه شيئا فقال على رضى اللّه عنه أ فلا أخبرك بذلك يا امير المؤمنين ان اللّه يقول اللّه يتوفّى الأنفس حين موتها و الّتى لم تمت فى منامها فيمسك الّتى قضى عليها الموت و يرسل الاخرى الى أجل مسمّى فاللّه يتوفى الأنفس كلها فما رأت و هى عنده فى السماء فهى الرؤيا الصادقة و ما رات إذا أرسلت الى أجسادها تلقتها الشياطين فى الهوى فكذبتها و أخبرتها بالأباطيل فكذبت فيها فعجب عمر من قوله- ١٢ منه رحمه اللّه-. شقه الايمن ثم ليقل و فى رواية فلينفضه بصنفة ثوبه ثلاث مرات و ان أمسكت نفسى فاغفر لها إِنَّ فِي ذلِكَ التوفى و الإمساك و الإرسال لَآياتٍ اى دلالات على كمال قدرته و حكمته و شمول رحمته لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٤٢) فى كيفية تعلقها بالأبدان و توفيها عنها بالكلية عند الموت و إمساكها باقية لا تفنى بفنائها و ما يعتريها من السعادة و الشقاوة و الحكمة فى توفيها عن ظواهرها و إرسالها حينا بعد حين الى توفى اجالها فيعلمون ان القادر على ذلك قادر على البعث- و هذه الاية فى مقام التعليل لقوله و على اللّه فليتوكّل المتوكّلون .. ٤٣ أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللّه شُفَعاءَ أم ابتدائية بمعنى الهمزة للانكار او متصلة معطوفة على جملة محذوفة تقديره ا جعلوا للّه شركاء أم اتّخذوا من دونه شفعاء او منقطعة بمعنى بل للاضراب عن مضمون قوله تعالى إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ و الهمزة للانكار قُلْ يا محمد أَ وَ لَوْ كانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَ لا يَعْقِلُونَ (٤٣) الهمزة للانكار و التقدير ا يشفعون لكم و لو كانوا على هذه الصفة التي تشاهدونهم عليها جمادات لا تعقل و لا تقدر- و لما كان هاهنا مظنة ان يقولوا انا نعبد اشخاصا مقربين للّه تعالى و تلك الأصنام تماثيلهم قال اللّه تعالى ردا لهذا القول و تعليلا لقوله لا يملكون. ٤٤ قُلْ للّه الشَّفاعَةُ جَمِيعاً ثم قرر ذلك بقوله لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ لا يملك أحد ان يتكلم فى امر الا باذنه و رضائه فهو مالك الشفاعة كلها ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٤٤) يوم القيامة فيكون له الملك ايضا حينئذ. ٤٥ وَ إِذا ذُكِرَ اللّه وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ اى نفرت و انقبضت قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَ إِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ يعنى الأوثان إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (٤٥) اى يعرجون قال البغوي قال مجاهد و مقاتل و ذلك حين قرا النبي صلى اللّه عليه و سلم سورة و النجم و القى الشيطان فى أمنيته تلك الغرانيق العلى و ان شفاعتهن لترتجى ففرح به الكفار- و كذا اخرج ابن المنذر عن مجاهد- قال البيضاوي لقد بالغ فى الامرين حتى بلغ الغاية فان الاستبشار ان يمتلى قلبه سرورا حتى ينبسط له بشرة وجهه و الاشميزاز ان يمتلى غمّا و غضبا حتى ينقبض أديم وجهه و العامل فى إذا معنى المفاجاة. ٤٦ قُلِ اللّهمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ عالِمَ الْغَيْبِ وَ الشَّهادَةِ امر اللّه سبحانه رسوله بالالتجاء الى اللّه بالدعاء لمّا تحير فى أمرهم و عجز فى عنادهم و شدة شكيمتهم فانه القادر على الأشياء كلها العالم بالأحوال جميعها ما غاب عنّا و ما شاهدناه أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فتنصر المحق و تخذل المبطل فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٤٦) عن ابى سلمة قال سالت عائشة بما كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يفتح الصلاة من الليل قالت كان يقول اللّهم رب جبرئيل و ميكائيل و اسرافيل فاطر السّموات و الأرض عالم الغيب و الشّهادة أنت تحكم بين عبادك فى ما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك انك تهدى من تشاء الى صراط مستقيم-. ٤٧ وَ لَوْ ثبت أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَ مِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ و عيد شديد و اقناط بليغ لهم من الخلاص وَ بَدا لَهُمْ مِنَ اللّه ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (٤٧) فى مراتب التعذيب فيه مبالغة بليغة فى مقابلة قوله تعالى للمؤمنين فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرّة أعين- قال مقاتل ظهر لهم حين بعثوا ما لم يحتسبوا فى الدنيا انه نازل بهم فى الاخرة و جاز ان يكون المعنى انهم يحتسبون ان الأوثان يشفع لهم او لا يكون لهم بعث و نشور او يكونوا فى الاخرة حسن حالا من المؤمنين فيظهر خلاف ذلك و قال السدى ظنوا انها حسنات فبدت لهم انها سيئات يعنى كانوا يزعمون التقرب الى اللّه بعبادة الأوثان فلمّا عوقبوا عليها بدا لهم من اللّه ما لم يكونوا يحتسبون. ٤٨ وَ بَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا اى بدا مساوى أعمالهم من الشرك و الظلم الى اولياء اللّه حين يعرض عليهم صحائفهم وَ حاقَ اى أحاط بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٤٨) ما موصولة و المراد به العذاب او مصدرية و المعنى حاق بهم جزاء استهزائهم .. ٤٩ فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الكافر و قيل اخبار عن الجنس بما يغلب فيه ضُرٌّ شدة دَعانا معطوف على قوله و إذا ذكر اللّه وحده بالفاء لبيان تناقضهم و تعكيسهم فى السبب يعنى يشمازّون عند ذكر اللّه وحده و يستبشرون عند ذكر الأصنام فاذا مسهم ضر دعوا من اشمأزّوا بذكره دون من استبشروا به و ما بينهما اعتراض مؤكد لانكار ذلك ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ أعطيناه نِعْمَةً مِنَّا تفضلا فان التخويل مختص به قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ منى بوجوه كسبه او بانى أعطيته لمالى من استحقاقه او من اللّه بي و استيجابى و الضمير لما ان جعلت موصولة و الا فلنعمة و التذكير لان المراد شى ء منها بَلْ هِيَ اى النعمة فِتْنَةٌ امتحان من اللّه أ يشكر أم يكفر او استدراج لهم ليكون سببا لتعذيبهم و قيل بل الكلمة التي قالها فتنة له موجب للتعذيب وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٤٩) ذلك قال البيضاوي هذا دليل على ان المراد بالإنسان الجنس قلت و ان كان المراد بالإنسان الكافر فالمراد بأكثرهم كلهم او يقال ان بعضهم كانوا يعتقدون انهم على الباطل كاحبار اليهود و ما كانوا ليؤمنوا تعنتا و عنادا. ٥٠ قَدْ قالَهَا اى تلك الكلمة الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قال مقاتل يعنى قارون حيث قال انّما أوتيته على علم عندى و صيغة الجمع بناء على شموله لمن رضى بقوله فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (٥٠) من الكنوز ما انّ مفاتحه لتنوا بالعصبة اولى القوّة. ٥١ فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا اى جزاءها سمى جزاء السيئة سيئة نظرا للمقابلة وَ الَّذِينَ ظَلَمُوا اى كفروا مِنْ هؤُلاءِ اى من كفار مكة سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا كما أصاب أولئك فاصابهم بان قحطوا سبع سنين و قتل ببدر صناديدهم و ادخلوا النار الا من تاب و أمن منهم وَ ما هُمْ بِمُعْجِزِينَ (٥١) اى فائتين. ٥٢ أَ وَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللّه يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ امتحانا وَ يَقْدِرُ لمن يشاء ابتلاء الاستفهام للانكار و العطف على محذوف تقديره أ يقولون هذا القول يعنى انّما أوتيته على علم و لم يعلموا ان توسعة الرزق و تضيقه من اللّه تعالى قد يوسع الرزق لمن لا يعلم وجوه الكسب و ليس له استحقاق الكرامة أصلا و قد يضيقه على عكس ذلك إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٥٢) بان الحوادث كلها من اللّه تعالى و الأسباب انما هى على مجرى العادة فى الظاهر. روى الشيخان فى الصحيحين ان ناسا من اهل الشرك قتلوا فاكثروا و زنوا فاكثروا ثم أتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقالوا ان الذي تقول و تدعونا اليه لحسن لو تخبرنا انّ لما عملنا كفارة فنزلت ما فى سورة الفرقان و الّذين لا يدعون مع اللّه الها اخر الى قوله غفورا رحيما و نزلت. ٥٣ قُلْ يا عِبادِيَ الاية قرا ابو عمرو و حمزة و الكسائي «و يعقوب و خلف- ابو محمد» بسكون الياء و حذفها وصلا لاجتماع الساكنين و الباقون بفتحها «١» و اخرج ابن ابى حاتم بسند صحيح عن ابن عباس انها نزلت فى مشركى مكة كذا ذكر البغوي قول عطاء عن ابن عباس و كذا اخرج الطبراني عن ابن عباس بسند ضعيف انه بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الى وحشي قاتل حمزة يدعوه الى الإسلام فارسل اليه كيف تدعونى الى دينك و أنت تزعم انه من قتل او أشرك او زنى يلق أثاما يّضاعف له العذاب يوم القيامة و انا قد فعلت ذلك كله فانزل اللّه تعالى الّا من تاب و أمن و عمل عملا صالحا فقال وحشي هذا شرط شديد لعلى لا اقدر على ذلك فهل غير ذلك فانزل اللّه تعالى انّ اللّه لا يغفر ان يّشرك به فيغفر ما دون ذلك لمن يشاء فقال وحشي أراني بعد فى شبهة فلا أدرى يغفرلى أم لا فانزل اللّه هذه الاية- زاد البغوي فقال المسلمون هذا له خاصة أم للمسلمين عامة قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بل للمسلمين عامة- و اخرج الحاكم عن ابن عمر قال كنا نقول ما للمفتتن توبة إذا ترك دينه بعد إسلامه و معرفته فلمّا قدم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم المدينة انزل فيهم قل يعبادى الّذين أسرفوا الاية- و ذكر البغوي انه روى عن ابن عمر انه قال نزلت هذه الاية فى عيّاش بن ربيعة و الوليد بن الوليد و نفر من المسلمين كانوا قد اسلموا ثم فتنوا و عذبوا فافتتنوا فكنا نقول لا يقبل اللّه من هؤلاء صرفا و لا عدلا ابدا قوم اسلموا ثم تركوا دينهم لعذاب عذبوا فيه فانزل اللّه تعالى هذه الآيات فكتبها عمر بيده ثم بعث بها الى عيّاش بن ربيعة و الوليد بن الوليد و أولئك النفر فاسلموا و هاجروا الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ اى افرطوا بالجناية عليها بالكفر و المعاصي قال البغوي روى عن ابن عمر انه أراد بالإسراف الكبائر لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّه اى لا تيئسوا من مغفرته و تفضله إذا أمنتم و تبتم عن الشرك و هذا القيد ثابت بالإجماع و بقوله تعالى انّ اللّه لا يغفر ان يّشرك به و بالروايات الواردة فى سبب نزول الاية فالمعنى لا تتركوا الايمان اياسا من رحمة اللّه بناء على ما اسرفتم من قبل إِنَّ اللّه يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً (١) و فى الأصل بحذفها و لا شك انه سباق قلم. صغيرها و كبيرها إذا تبتم عن الشرك و أمنتم باللّه وحده فان الإسلام يهدم ما كان قبله- رواه مسلم عن عمرو بن العاص عن النبي صلى اللّه عليه و سلم و مورد هذه الاية و ان كان خاصا فانها نزلت فى من ارتكب الكبائر فى حالة الشرك ثم اسلم لكن لفظها عام يدل على ان العبد إذا أمن (كما يدل عليه إضافته تعالى العبد الى نفسه بناء على عرف القرآن و ان كان ارتكب الكبائر بعد الإسلام) ليرجو ان يغفر اللّه له ان شاء و ان لم يتب كما يدل عليه قوله تعالى انّ اللّه لا يغفر ان يّشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء و التعليل فى هذه الاية بقوله إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٥٣) بصيغة المبالغة و إفادة الحصر و الوعد بالرحمة بعد المغفرة و تقديم ما يستدعى عموم المغفرة مما فى عبادى من الدلالة على الزلة و الاختصاص المقتضيين للترحم و تخصيص ضرر الإسراف بانفسهم و النهى عن القنوط مطلقا عن الرحمة فضلا عن المغفرة و إطلاقها و تعليله بان اللّه يغفر الذنوب جميعا و وضع اسم اللّه موضع الضمير للدلالة على انه المستغنى و المنعم على الإطلاق و التأكيد بالجمع و الأحاديث الواردة فى هذا الباب و اجماع الامة- روى مقاتل بن حبان عن نافع عن ابن عمر قال كنا معشر اصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم نرى او نقول ليس شى ء من حسناتنا الا و هى مقبولة حتى نزلت يايّها الّذين أمنوا أطيعوا اللّه و أطيعوا الرّسول و لا تبطلوا أعمالكم قلنا ما هذا الذي نبطل اعمالنا فقلنا الكبائر و الفواحش- قال فكنا إذا راينا من أصاب شيئا منها قلنا قد هلك فنزلت هذه الاية قل يا عبادى الّذين أسرفوا- فكففنا عن القولين فكنا إذا راينا أحدا أصاب منها شيئا خفنا عليه و ان لم يصب منها شيئا رجونا له- و روى عن ابن مسعود انه دخل المسجد قاصّ يقصّ و هو يذكر النار و الاغلال فقام على رأسه فقال يا مذكّر لم نقنط الناس ثم قرا قل يا عبادى الّذين أسرفوا عمل أنفسهم لا تقنطوا من رّحمة اللّه الاية- و عن اسماء بنت زيد قالت سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقرأ يا عبادى الّذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رّحمة اللّه انّ اللّه يغفر الذّنوب جميعا و لا يبالى- رواه احمد و الترمذي و قال هذا حديث حسن غريب و فى شرح السنة يقول بدل يقرا و عن ابى سعيد الخدري عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال كان فى بنى إسرائيل رجل قتل تسعا و تسعين إنسانا ثم خرج فاتى راهبا فساله فقال ليس لك توبة قال فقتله و جعل يسئل فقال له رجل ايت قرية كذا و كذا فادركه الموت فناء بصدره نحوها فاختصمت فيه ملائكة الرحمة و ملائكة العذاب فاوحى اللّه الى هذه ان تقربى و اوصى الى هذه ان تباعدى فقال قيسوا ما بينهما فوجدوا الى هذه اقرب بشبر فغفر له- متفق عليه و روى مسلم بن الحجاج هذا الحديث و فيه فدلّ على راهب فاتى فقال انه قتل تسعا و تسعين نفسا فهل لى توبة فقال لا فقتله و كمل به مائة ثم سال اعلم اهل الأرض فدل على رجل عالم فقال انه قتل مائة نفسا فهل له توبة فقال نعم و من يحول بينه و بين التوبة انطلق الى ارض كذا و كذا فان بها أناسا يعبدون اللّه فاعبد اللّه معهم فلا ترجع الى أرضك فانها ارض سوء فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت فاختصمت فيه ملائكة الرحمة و ملائكة العذاب فاتاهم ملك فى صورة فجعلوه حكما فقال قيسوا بين الأرضين فالى أيتهما ادنى فهو له فقاسوا فوجدوه ادنى الى الأرض التي أراد فقبضته ملائكة الرحمة و عن ابى هريرة عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال كان رجل لم يعمل خيرا قط فاوصى لاهله إذا مات فحرقوه ثم ذروا نصفه فى البر و نصفه فى البحر فو اللّه لان قدر اللّه عليه ليعذبنه عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين قال فلمّا مات فعلوا ما أمرهم فامر اللّه البحر فجمع ما فيه و امر البر فجمع ما فيه ثم قال له لم فعلت هذا قال من خشيتك يا ربّ و أنت اعلم فغفر له- متفق عليه- و روى البغوي عن ضمضم بن حوش قال دخلت مسجد المدينة فنادانى شيخ فقال يا يمانى (تعال و لا أعرفه) فقال لا تقولن لرجل و اللّه لا يغفر اللّه لك و لا يدخلك الجنة فقلت من أنت يرحمك اللّه قال ابو هريرة قال فقلت و ان هذه الكلمة يقولها أحدنا لبعض لاهله إذا غضب او لزوجته او لخادمه قال فانى سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول ان رجلين كانا فى بنى إسرائيل متحابين أحدهما مجتهد فى العبادة و الاخر كان مذنبا فجعل يقول له اقصر عما أنت فيه قال فيقول خلّنى و ربى قال حتى وجده يوما على ذنب استعظمه فقال اقصر فقال خلنى و ربى أ بعثت علىّ رقيبا فقال و اللّه لا يغفر اللّه لك ابدا و لا يدخلك اللّه الجنة ابدا قال فبعث اللّه إليهما ملكا فقبض أرواحهما فاجتمعا عنده قال للمذنب ادخل الجنة برحمتي و قال للاخر ا تستطيع ان تحظر على عبادى رحمتى فقال لا يا رب فقال اذهبوا به الى النار قال ابو هريرة و الذي نفسى بيده لتكلم بكلمة أوبقت دنياه و آخرته و روى احمد عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان رجلين كانا فى بنى إسرائيل متحابين ذكر الحديث الى آخره بعينه و عن ثوبان قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا أحب ان لى الدنيا و ما فيها بهذه الاية يا عبادى الّذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رّحمة اللّه الاية- رواه احمد بسند حسن و ابن جرير و الطبراني فى الأوسط و البيهقي فى شعب الايمان و فيه فقال رجل يا رسول اللّه و من أشرك فنكس ساعة ثم قال الا و من أشرك ثلاث مرات و عن جندب ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حدّث ان رجلا قال و اللّه لا يغفر اللّه لفلان و ان اللّه قال من الذي يتالى علىّ «اى يقسم منه ره» انى لا اغفر لفلان فانى قد غفرت لفلان و احبطتّ عملك- او كما قال رواه مسلم و عن ابن عباس فى قوله تعالى الّا اللّمم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان تغفر اللّهم تغفر جمّا و اىّ عبد لك لا الما- رواه الترمذي و قال هذا حديث حسن صحيح غريب. و فى حديث قدسى طويل عن ابى ذر عن النبي صلى اللّه عليه و سلم افعل ما أريد عطائى كلام و عذابى كلام انما امرى لشئ إذا أردته ان أقول له كن فيكون- رواه احمد و الترمذي و ابن ماجة و عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان اللّه عزّ و جلّ ليرفع الدرجة للعبد الصالح فى الجنة فيقول يا رب انّى لى هذا فيقول باستغفار ولدك لك- رواه احمد و عن ابن عباس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الميّت فى القبر كالغريق المتغوث ينتظر دعوة يلحقه من اب او أم او أخ او صديق فاذا ألحقته كان أحب اليه من الدنيا و ما فيها و ان اللّه ليدخل على اهل القبور من دعاء اهل الأرض أمثال الجبال و ان هدية الاحياء الى الأموات الاستغفار لهم- رواه البيهقي فى شعب الايمان و عن ابى ذر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان اللّه ليغفر لعبده ما لم يقع الحجاب قالوا يا رسول اللّه و ما الحجاب قال ان تموت النفس و هى مشركة رواه احمد و البيهقي فى كتاب البعث و النشور و عنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من لقى اللّه لا يعدل به شيئا فى الدنيا ثم كان عليه مثل جبال ذنوب غفر اللّه له- رواه البيهقي فى كتاب البعث و النشور و عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان للّه مائة رحمة انزل منها رحمة واحدة بين الجن و الانس و البهائم و الهوام فبها يتعاطفون و بها يتراحمون و بها يعطف الوحش على ولدها و اخر اللّه تسعة و تسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القي امة- متفق عليه و روى مسلم عن سلمان نحوه و فى آخره فاذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة- و عن عمر بن الخطاب قال قدم على النبي صلى اللّه عليه و سلم سبى فاذا امراة من السبي قد تحلب ثديها تسعى إذا وجدت صبيّا فى السبي أخذته فالصقته ببطنها و ارضعته فقال لنا النبي صلى اللّه عليه و سلم أ ترون هذه طارحة ولدها فى النار فقلنا لا و هى تقدر على ان لا تطرحه فقال اللّه ارحم بعباده من هذه بولدها- متفق عليه و عن ابى الدرداء انه سمع النبي صلى اللّه عليه و سلم يقص على المنبر و هو يقول و لمن خاف مقام ربّه جنّتان قلت و ان زنى و ان سرق يا رسول اللّه فقال الثانية و لمن خاف مقام ربّه جنّتان فقلت الثانية و ان زنى و ان سرق يا رسول اللّه فقال الثالثة و لمن خاف مقام ربّه جنّتان فقلت الثالثة و ان زنى و ان سرق يا رسول اللّه قال و ان رغم انف ابى الدرداء- رواه احمد- و عن عامر الرام قال بينا نحن عنده (يعنى النبي صلى اللّه عليه و سلم) إذ اقبل رجل عليه كساء و فى يده شى ء قد التف عليه فقال يا رسول اللّه مررت بغيضة شجر فسمعت فيها أصوات فراخ طائر فاخذتهن فوضعتهن فى كسائى فجاءت امهن فاستدارت على رأسى فكشفت لها عنهن فوقعت عليهن فلففتهن بكسائى فهن أولاء معى قال ضعهن فوضعتهن و أبت امهن الا لزومهن فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أ تعجبون لرحم أم الافراخ فراخها فو الذي بعثني بالحق للّه ارحم بعباده من أم الا فراخ بفراخها ارجع بهن فضعهن من حيث اخذتهن و امهن معهن فرجع بهن- رواه ابو داود و عن عبد اللّه بن عمر قال كنا مع النبي صلى اللّه عليه و سلم فى بعض غزواته فمرّ بقوم فقال من القوم قالوا نحن المسلمون و امراة تخضب بقدرها و معها ابن لها فاذا ارتفع و هج تنحت به فاتت النبي صلى اللّه عليه و سلم فقالت أنت رسول اللّه قال نعم قالت بابى أنت و أمي ا ليس اللّه ارحم الراحمين قال بلى قالت أ ليس اللّه ارحم بعباده من الام بولدها قال بلى قالت ان الام لا تلقى ولدها فى النار فاكب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يبكى ثم رفع رأسه إليها فقال ان اللّه لا يعذب من عباده الا المارد المتمرد «الشديد العالي- منه ره» الذي يتمرد على اللّه و الى ان يقول لا اله الا اللّه- رواه ابن ماجة و عن ابى ذر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما من عبد قال لا اله الا اللّه ثم مات على ذلك الا دخل الجنة قلت و ان زنى و ان سرق قال و ان زنى و ان سرق قلت و ان رنى و ان سرق قال و ان زنى و ان سرق قلت و ان زنى و ان سرق قال و ان رنى و ان سرق على رغم انف ابى ذر متفق عليه و فى الباب أحاديث كثيرة تدل على ان مال المؤمن الى الجنة لا كما قالت المعتزلة ان مرتكب الكبيرة ان لم يتب يخلد فى النار- و اما استدلال المرجئة بهذه الأحاديث على ان المعاصي صغائر كانت او كبائر لا يضر مع الايمان كما ان الطاعة لا ينفع مع الكفر فباطل مستلزم لانكار الآيات و الأحاديث الواردة فى المناهي و كون الصغائر و الكبائر مفضية الى التعذيب و السخط من اللّه تعالى الا ان يتداركه المغفرة فالمذهب الحق ما قال اهل السنة و الجماعة رضى اللّه عنهم ان الطاعة لا تنفع مع الكفر لان الطاعة لا يكون طاعة الا إذا كانت خالصة للّه تعالى و الا فهى معصية و الايمان شرط للطاعة كالوضوء للصلوة و اما المعصية فهى و ان كانت فى نفسها مقتضية للتعذيب لكنها فى مشية اللّه تعالى ان شاء غفر له و ان شاء عذبه فان غفر له غفر له اما بالتوبة و اما بشفاعة من النبي صلى اللّه عليه و سلم او من أحد من اتباعه و اما بمحض فضل من اللّه تعالى و ان عذبه لا يكون تعذيبه مؤبدا ان كان المرء مؤمنا لان اللّه تعالى وعد بالثواب على كل حسنة قال اللّه تعالى و من يعمل مثقال ذرّة خيرا يره و الايمان رأس الحسنات و الخلف فى الوعد محال و محل الثواب الجنة لا محالة لكن المؤمن يرى ذنبه كانه قاعد تحت جبل و الفاجر يرى ذنوبه كذباب مرّ على انفه فقال به هكذا بيده فذبه عنه. رواه البخاري عن النبي صلى اللّه عليه و سلم-. ٥٤ وَ أَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ اى ارجعوا اليه بالتوبة من الشرك وَ أَسْلِمُوا اى انقادوا له من قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ فى القبر او بعد البعث فحينئذ لا ينفع الايمان منكم كما يدل عليه قوله ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (٥٤) عطف على جملة مستأنفة و تقديره تعذبون ثم لا تنصرون. ٥٥ وَ اتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ يعنى القران فانه احسن من كل كلام او المراد به العزائم دون الرخص مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً وَ أَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (٥٥) بمجيئه. ٥٦ أَنْ تَقُولَ اى كراهة ان تقول او لئلا تقول نَفْسٌ تنكير نفس لان القائل به بعض الأنفس او للتكثير و هو منصوب على العلية لقوله أنيبوا و قال المبرد تقديره بادروا و احذروا ان تقول نفس يا حَسْرَتى الحسرة الاغتمام و أصله يا حسرتى انقلبت الياء الفا فى الاستغاثة و ربما الحقوا به ياء المتكلم بعد الف الاستغاثة كذلك قرا ابو جعفر يا حسرتاى «بخلاف عن ابن وردان- ابو محمد» عَلى ما فَرَّطْتُ ما مصدرية اى على تفريطى و تقصيرى فِي جَنْبِ اللّه قال الحسن اى قصرت فى طاعة اللّه و قال مجاهد فى امر اللّه و قال سعيد بن جبير فى حق اللّه و قيل فى ذات اللّه على تقدير مضاف اى فى طاعته او فى قربه و قيل معناه قصرت فى الجانب الذي يردّنى الى رضاء اللّه وَ إِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (٥٦) ان مخففة من الثقيلة و اسمه ضمير الشأن و اللام فارقة و الجملة فى محل النصب على الحال كانّه قال و انا كنت ساخرا مستهزءا بدين اللّه و كتابه و رسوله و المؤمنين. ٥٧ أَوْ تَقُولَ لَوْ ثبت أَنَّ اللّه هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (٥٧) من الشرك و المعاصي. ٥٨ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ عيانا لَوْ للتمنى أَنَّ لِي كَرَّةً اى رجعة الى الدنيا فَأَكُونَ منصوب بعد الفاء فى جواب التمني مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٥٨) معناه اتمنى كون بي رجعة الى الدنيا فكونى من المحسنين فى العقيدة و الأعمال و العطف باو للدلالة على انه لا يخلو عن مثل هذه الأقوال تحيرا او تعللا بما لا طائل تحته .. ٥٩ بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي فَكَذَّبْتَ بِها وَ اسْتَكْبَرْتَ وَ كُنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ (٥١) و من اللّه عليه لما تضمنه قوله لو انّ اللّه هدانى لكنت من المتّقين فان معناه لم يهدنى اللّه فان كان المراد بها اراءة الطريق فالمعنى بلى قد هديتك حيث أرسلت إليك رسولى و جاءتك كتابى فكذبت بها و كان قوله لو انّ اللّه هدانى إنكارا لتبليغ الرسل كما جاء فى الحديث يدعى نوح يوم القيامة فيقال له هل بلّغت فيقول نعم فيدعى أمته فيقال لهم هل بلّغكم فيقولون لا ما جاءنا من بشير و لا نذير و قد ذكرنا الحديث فى تفسير قوله تعالى وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ و قوله تعالى فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَ لَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ و ان كان المراد بها خلق الهداية و الإيصال الى المطلوب فقولهم مبنى على التشبث بالجبر و انكار قدرتهم على كسب الايمان و الطاعة فمعنى الاية بلى قد خلقت فيك القدرة التي يترتب عليها العذاب و الثواب فكذّبت باختيارك لما جاءتك آياتي و هذا لا ينافى تأثير قدرت اللّه فى افعال العباد كما هو مذهب اهل السنة و الجماعة فان قيل فما وجه الفصل بين الرد و المردود قلنا وجه ذلك ان تقديم هذه الاية مفرق القرائن و تأخير المردود يخل بالنظم المطابق للوجود لانه يتحسر بالتفريط ثم يتعلل بفقد الهداية ثم يتمنى الرجعة و تذكير الخطاب نظرا الى المعنى. ٦٠ وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللّه بان وصفوه بما لا يجوز كاتخاذ الولد وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ الجملة حال من مفعول ترى لانه من رؤية البصر أَ لَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ (٦٠) عن الايمان و الجملة تقرير لكونهم يرون ذلك. ٦١ وَ يُنَجِّي اللّه من جهنّم الَّذِينَ اتَّقَوْا من الشرك بِمَفازَتِهِمْ قرأ حمزة و الكسائي و ابو بكر «و خلفه ابو محمد» بمفازاتهم بالألف على الجمع و الباقون بغير الف على الافراد اى بفلاحهم و تفسيرها بالنجاة تخصيص باهم اقسامه و بالسعادة و العمل الصالح اطلاق للمسبب على السبب و الباء للسببية صلة لينجى او لقوله لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦١) حال او استئناف لبيان المفازة-. ٦٢ اللّه خالِقُ كُلِّ شَيْ ءٍ من الخير و الشر و الايمان و الكفر هذه الجملة متصلة بقوله اللّه يتوفّى الأنفس و ما بينهما معترضات وَ هُوَ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ وَكِيلٌ (٦٢) اى الأشياء كلها موكولة اليه و هو القائم بحفظها الجملة عطف او حال. ٦٣ لَهُ مَقالِيدُ جمع قلاد او مقليد كمفتاح و مفاتيح او منديل و مناديل السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ يعنى لمفاتيح خزائن السماوات و الأرض بيده ملكوتها لا يتمكن من التصرف فيها غيره قال قتادة و مقاتل مفاتيح السماوات و الأرض بالرزق و الرحمة و قال الكلبي خزائن المطر و خزائن النبات و عن عثمان رضى اللّه عنه انه سال النبي صلى اللّه عليه و سلم عن المقاليد قال تفسيرها لا اله الا هو و اللّه اكبر و سبحان اللّه و بحمده و استغفر اللّه و لا حول و لا قوة الا باللّه هو الاول و الاخر و الظاهر و الباطن بيده الخير يحيى و يميت و هو على كل شى ء قدير «١»- أخرجه ابو يعلى فى مسنده و ابن ابى حاتم فى تفسيره و العقيلي فى الضعفاء و الطبراني فى الدعاء و البيهقي فى الأسماء و الصفات من حديث ابن عمر و ذكره ابن الجوزي فى الموضوعات- قلت لعل المعنى ان صفات اللّه تعالى المذكورة فى هذه الكلمات تفسير للمقاليد يعنى من كان متصفا بتلك الصفات فهو مالك خزائن السماوات و الأرض بيده ملكوتها و التصرف و من يعتقد بها و يذكرها يتاهل ان يفتتح له الخزائن اما عاجلا او أجلا وَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللّه اى بالقران و بكلمات تمجيده و توحيده او بدلائل قدرته و استبداده بامر السماوات و الأرض أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٦٣) حصر الخسار بهم لان غيرهم ذو حظ من الرحمة و الثواب فإن فات عنهم شى ء من حظوظ الدنيا فهم مستبدلوها بما لا عين رات و لا اذن سمعت من الحظوظ فى الاخرة و اما الكفار فان كان لهم نصيب من خزائن الرزق و المطر فى الدنيا فلا نصيب لهم فى الشكر فلا نصيب لهم فى خزائن الرحمة و الحظوظ العاجلة تنقلب عليهم وبالا و استدراجا و جاز ان يكون هذه الاية متصلة بقوله و ينجّى اللّه الّذين اتّقوا و ما بينهما اعتراض للدلالة على انه مهيمن على العباد مطلع على أفعالهم مجاز عليها و تغير النظم للاشعار بان العمدة فى فلاح المؤمنين فضل اللّه و فى خسران الكافرين كفرهم بايات اللّه و التصريح بالوعد و التعريض بالوعيد قضية المكر و اللّه اعلم- اخرج الطبراني و ابن ابى حاتم عن ابن عباس ان قريشا دعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الى ان يعطوه مالا فيكون اغنى رجل بمكة و يزوجوه ما أراد من النساء فقالوا هذا لك يا محمد و كفّ عن شتم الهتنا و لا تذكرها بسؤ فان لم تفعل فاعبد الهتنا سنة و نعبد إلهك سنة قال حتى انظر ما يأتينى من ربى فانزل اللّه تعالى قل يا ايّها الكافرون الى اخر السورة و انزل. (١) و روى قصة سوال عثمان عن المقاليد من حديث ابى هريرة نحوه و من حديث ابن عباس نحوه و زاد فيه من قالها إذا أصبح عشر مرات و إذا امسى أعطاه اللّه ست خصال اما او لهن فيحرس من إبليس و جنوده و اما الثانية فيعطى قنطارا فى الجنة و اما الثالثة فيزوج من حور العين و اما الرابعة فيغفر له ذنوبه و اما الخامسة فيكون مع ابراهيم عليه السلام و اما السادسة فيحضره اثنا عشر ملكا عند موته فيبشرونه بالحق و يزفونه من قبره الى الموقف فاذا أصابه شى ء من أهاويل يوم القيامة قالوا لا تخف انك من الآمنين ثم يحاسبه اللّه حسابا يسيرا ثم يؤمر به الى الجنة يزفونه الى الجنة من موقفه كما يزف العروس حتى يدخلونه الجنة بإذن اللّه و الناس فى شدة الحساب ١٢ منه نور اللّه ضريحه ١٢. ٦٤ قُلْ يا محمد أَ فَغَيْرَ اللّه تَأْمُرُونِّي قرأ نافع و ابن كثير «و ابو جعفر- ابو محمد» بفتح الياء و الباقون بإسكانها أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ (٦٤) و اخرج البيهقي فى الدلائل عن الحسن البصري قال قال المشركون للنبى صلى اللّه عليه و سلم تضلل آباءك و أجدادك يا محمد فانزل اللّه هذه الاية الى قوله من الشّاكرين و قال البغوي قال مقاتل ان كفار مكة دعوه الى دين ابائه فنزلت قرا اهل الشام بنونين خفيفتين و اهل المدينة بنون واحدة خفيفة على الحذف فانها تحذف كثيرا و الباقون بنون واحدة مشددة على الإدغام و الهمزة للانكار و الفاء للعطف على محذوف و غير مفعول لاعبد قدم عليه لانه محل الإنكار و تأمرونى جملة معترضة تقديره ء أكفر فغير اللّه اعبد تأمرونى بذلك و جاز ان ينتصب غير بما دلّ عليه تأمروني اعبد لانه بمعنى تعبّدونى من التفعيل على ان أصله تأمرونني ان اعبد غير اللّه فحذف ان و رفع الفعل كقوله احضر الوعى و يؤيده قراءة اعبد بالنصب فالتقدير الم يتضح عليكم التوحيد بعد تلك الدلائل فتعبّدوننى غير اللّه حيث تأمرونني ان اعبد غير اللّه. ٦٥ وَ لَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَ إِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (٦٥) كلام على سبيل الفرض و المراد به اقناط الكفرة و الاشعار على حكم الامة. و بهذه الاية نحكم بان الردة محبط لثواب جميع الحسنات كما ان الإسلام يهدم ما كان قبله من السيئات فان اسلم بعد الردة فى وقت صلوة صلاها فعليه أداؤه ثانيا و كذا يجب الحج ثانيا على من حج ثم ارتد ثم اسلم كذا قال الامام ابن الهمام و قال البيضاوي اطلاق الإحباط يحتمل أن يكون من خصائصهم لان شركهم أقبح و أن يكون على التقييد بالموت كما صرح به فى قوله تعالى و من يرتدد منكم عن دينه فيمت و هو كافر فاولئك حبطت أعمالهم و هذا القول باطل لان القول بكونها من خصائص الأنبياء شنيع جدا تكاد السّماوات يتفطّرن من هذا القول إذ الكلام انما هو على سبيل الفرض المحال و انما المراد به الاشعار على حكم غيرهم و قوله من يرتد دمنكم عن دينه فيمت و هو كافر فاولئك حبطت أعمالهم لا يدل على نفى الحبط إذا لم يوجد الموت على الكفر بل المطلق عندنا يبقى على إطلاقه لا ضرورة فى حمله على المقيد و اللّه اعلم-. ٦٦ بَلِ اللّه فَاعْبُدْ رد لما أمروه به و اللّه منصوب باعبد و الفاء اما زائدة و اما بتقدير امّا و تقديم المعمول لقصد الحصر و بل للعطف على محذوف دل عليه قوله لان أشركت إلخ تقديره لا تعبد غير اللّه بل اللّه اعبد او بل امّا اللّه فاعبد وَ كُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٦٦) انعامه عليك و فيه اشارة الى موجب الاختصاص اخرج الترمذي عن ابن مسعود قال مرّ يهودىّ بالنبي صلى اللّه عليه و سلم فقال كيف تقول يا أبا القاسم إذا وضع اللّه السماوات على ذه و الأرضين على ذه و الماء على ذه و الجبال على ذه فانزل اللّه تعالى ٦٧ وَ ما قَدَرُوا اللّه حَقَّ قَدْرِهِ يعنى ما عرف الناس عظمة اللّه سبحانه حق عظمته حيث جعلوا له شركاء و وصفوه بما لا يليق به و لم يعبدوه حق عبادته و لم يشكروه حق شكره و أنكروا البعث بعد الموت. وَ الْأَرْضُ جَمِيعاً يعنى الأرضين السبع بجميع أبعاضها البادية و الغارية قَبْضَتُهُ القبضة المرة من القبض أطلقت على المقدار المقبوض بالكف تسمية المفعول بالمصدر او بتقدير ذات قبضته يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ السَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ هذه الاية من المتشابهات المصروفة عن الظاهر لا يعلم تأويله الا اللّه و الغرض منه التنبيه على عظمته و كمال قدرته و حقارة الافعال العظام التي يتخير فيها الأوهام بالاضافة على قدرته و على ان تخريب العالم أهون شى ء عليه- و قال علماء البيان هذا الكلام وارد على طريقة التمثيل و التخيل من غير اعتبار القبضة و اليمن حقيقة و لا مجازا كقولهم شابّت لمة الليل- و وجه نزول الاية بعد قول اليهودي تصديق ما حكاه اليهودي عن التورية فان كتب اللّه تعالى مصدقة بعضها لبعض- و فى الصحيحين حديث ابن مسعود بلفظ جاء حبر من اليهود الى النبي صلى اللّه عليه و سلم فقال يا محمد ان اللّه يمسك السماوات يوم القيامة على إصبع و الأرضين على إصبع و الجبال و الشجر على إصبع و الماء و الثرى على إصبع و سائر الخلق على إصبع ثم يهزهن فيقول انا الملك انا اللّه فضحك النبي صلى اللّه عليه و سلم تعجّبا ممّا قال الحبر تصديقا له ثم قرا و ما قدروا اللّه حقّ قدره الاية- لعل وجه التطبيق بين رواية الترمذي و رواية الصحيحين ان الاية نزلت حينئذ فقرأها النبي صلى اللّه عليه و سلم كما نزلت على اليهودي و فى الصحيحين عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقبض اللّه الأرض يوم القيامة و يطوى السماء بيمينه ثم يقول انا الملك اين ملوك الأرض- و روى مسلم عن عبد اللّه بن عمر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يطوى اللّه السماوات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يقول اين الجبارون اين المتكبرون ثم يطوى الأر ضين بشماله- و فى رواية يأخذهن بيده الاخرى ثم يقول انا الملك اين الجبارون اين المتكبرون- و اخرج ابو الشيخ عن ابن عمر عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال إذا كان يوم القيامة جمع اللّه السماوات و الأرضين السبع فى قبضة ثم يقول انا اللّه انا الرحمان انا الملك انا القدوس انا المؤمن انا المهيمن انا العزيز انا الجبار انا المتكبر انا الذي بدأت الدنيا و لم تك شيئا انا الذي أعيدها اين الملوك اين الجبابرة- قال القاضي عياض القبض و الطى و الاخذ كلها بمعنى الجمع فان السماوات مبسوطة و الأرض مدحوة ممدودة ثم رجع ذلك الى معنى الرفع و الازالة و التبديل و قال القرطبي المراد بالطي الاذهاب و الافناء و اخرج ابن ابى حاتم عن الحسن قال عدّت اليهود فنظروا فى خلق السماوات و الأرض و الملائكة فلمّا فرغوا أخذوا يقدرونه فانزل اللّه تعالى و ما قدروا اللّه حق قدره و اخرج عن سعيد بن جبير قال قال تكلمت اليهود فى صفة الرب فقالوا بما لم يعلموا و لم يروا فانزل اللّه تعالى و ما قدروا اللّه الاية و اخرج ابن المنذر عن الربيع بن انس قال لمّا نزلت وسع كرسيّه السّموت و الأرض قالوا يا رسول اللّه هذا الكرسي هكذا فكيف العرش فانزل اللّه تعالى و ما قدروا اللّه حقّ قدره و الأرض جميعا قبضته يوم القيمة و السّموت مطويّت بيمينه سُبْحانَهُ وَ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٦٧) ما ابعد أعلا من هذه قدرته عن اشراكهم او ما يضاف اليه من الشركاء-. ٦٨ وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ يعنى النفخة الاولى فَصَعِقَ اى مات مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللّه قد ذكرنا المراد بالمستثنى فى هذه الاية فى سورة النمل فى تفسير قوله تعالى و نفخ فى الصّور ففزع من فى السّموت و من فى الأرض الّا من شاء اللّه قال الحسن الّا من شاء اللّه يعنى اللّه وحده ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى اى نفخة اخرى يحتمل النصب و الرفع فَإِذا هُمْ قِيامٌ قائمون من قبورهم يَنْظُرُونَ (٦٨) يقلّبون أبصارهم فى الجوانب كالمبهوت او ينتظرون ما يفعل بهم و بين النفختين أربعون يوما و قد ذكرنا ما ورد فيه من الأحاديث فى سورة النازعات. ٦٩ وَ أَشْرَقَتِ الْأَرْضُ يعنى ارض عرصات القيامة عطف على نفخ فيه اخرى بِنُورِ رَبِّها بنور خالقها قال البغوي و ذلك حين يتجلّى الربّ لفصل القضاء بين خلقه فما يتضارون فى نوره كما لا يتضارون بالشمس فى اليوم الصحو و قال الحسن و السدىّ اى بعدل ربها قيل سماه نورا لانه يزين البقاع و يظهر الحقوق كما سمى الظلم ظلمة قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الظلم ظلمات يوم القيامة- متفق عليه من حديث ابن عمرو وُضِعَ الْكِتابُ اى صحائف الأعمال فى أيدي العمال و اكتفى باسم الجنس عن الجمع اخرج البيهقي عن انس عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال الكتب كلها تحت العرش فاذا كان الموقف بعث اللّه تعالى ريحا فتطيرها بالايمان و الشمائل أول خط فيها اقرأ كتبك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا- و اخرج ابو نعيم عن ابن مسعود موقوفا و الديلمي عن ابى هريرة مرفوعا عنوان كتاب المؤمن يوم القيامة حسن ثناء الناس وَ جِي ءَ بِالنَّبِيِّينَ قال السيوطي قال العلماء يكون الحساب بمشهد من النبيين و غيرهم و اخرج ابن المبارك عن سعيد بن المسيّب قال و ليس من يوم الا و يعرض على النبي صلى اللّه عليه و سلم أمته غدوة و عشية فيعرفهم بسيماهم و أعمالهم فلذلك يشهد عليهم وَ الشُّهَداءِ قال ابن عباس الذين يشهدون للرسل على تبليغ الرسالة و هم امة محمد صلى اللّه عليه و سلم و قال عطاء يعنى الحفظة يدل عليه قوله تعالى و جاءت كلّ نفس «١» معها سائق و شهيد وَ قُضِيَ بَيْنَهُمْ اى بين العباد بِالْحَقِّ اى بالعدل وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ (٦٩) اى لا يزاد فى سيئاتهم و لا ينقص من حسناتهم. (١) و فى الأصل و جاءت كلّ امّة إلخ ١٢-. ٧٠ وَ وُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ اى جزاوه وَ هُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ (٧٠) قال عطاء يعنى انه تعالى عالم بأفعالهم لا يحتاج الى كاتب و شاهد انما الكتاب و الشهود جريا على العادة و إلزاما للكفرة- ثم فصل اللّه التوفية و قال. ٧١ وَ سِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً اى أفواجا متفرقة بعضها على عقب بعض على تفاوت أقدامهم فى الضلالة قال ابو عبيدة و الأخفش زمرا اى جماعات فى فرقة واحدتها زمرة و اشتقاقها من الزمر و هو الصوت إذ الجماعة لا تخلو عنه او من قولهم شاة زمرة اى قليلة الشعر و رجل زمر قليل المروة و هى الجمع القليل حَتَّى إِذا جاؤُها ليدخلوها فُتِحَتْ قرأ الكوفيون بالتخفيف و الباقون بالتشديد على التكثير اى فتحّت ابوابها السبعة كلها و كانت مغلقة قبل ذلك وَ قالَ لَهُمْ خَزَنَتُها تقريعا و توبيخا أَ لَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ اى من جنسكم يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ وَ يُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا اى وقتكم هذا اى وقت دخولكم النار قال البيضاوي فيه دليل على انه لا تكليف قبل الشرع من حيث انهم عللوا توبيخهم بإتيان الرسل و إنذار الكتب قلت هذه الاية لا تدل على عدم التعديب على الإشراك باللّه عند عدم الرسل بل على كمال التوبيخ بعد تمام الحجج فان العقل و ان لم يكن مستقلا فى درك الشرائع لكن الدلائل المنصوبة على الوحدانية كاف لحكم العقل بالتوحيد فاذا أرسل اللّه سبحانه الرسل و انزل الكتب و أوضح الطريق لم يبق العذر بوجه من الوجوه و اللّه اعلم قالُوا بَلى وَ لكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ اى كلمة اللّه بالعذاب و حكمه فى الأزل انهم من الأشقياء عَلَى الْكافِرِينَ (٧١) وضع المظهر موضع الضمير للدلالة على اختصاص ذلك الحكم بالكفر. ٧٢ قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أبهم القائل لتهويل ما يقال لهم فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (٧٢) اللام للجنس و المخصوص بالذم محذوف لما سبق ذكره يعنى جهنم و الفاء للسببية فان الكلام السابق سبب للذم و فيه اشعار بان مثواهم الجهنم لتكبرهم عن الحق و ذا لا ينافى كون دخولهم فيها لما حقت عليهم كلمة العذاب فان تكبرهم و سائر مقابحهم مسببة عنه عن عمر بن الخطاب رضى اللّه عنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى حديث طويل ان اللّه إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل اهل الجنة حتى يموت على عمل من اعمال الجنة فيدخل به الجنة و إذا خلق العبد للنار استعمله بعمل اهل النار حتى يموت على عمل من اعمال اهل النار فيدخل به النار- رواه مالك و ابو داود و الترمذي-. ٧٣ وَ سِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ اسراعا بهم الى دار الكرامة و قيل سيق مراكبهم إذ لا يذهب بهم الا راكبين زُمَراً على تفاوت مراتبهم فى الشرف و علو الطبقة حَتَّى إِذا جاؤُها وَ فُتِحَتْ قرأ الكوفيون بالتخفيف و الباقون بالتشديد على التكثير أَبْوابُها حال يعنى و قد فتحت ابوابها قبل مجيئهم تعظيما لهم كيلا ينتظروا وَ قالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ اى لا يعتريكم مكروه ابدا طِبْتُمْ اى طهرتم من دنس المعاصي و هذا اما لعدم ارتكابهم المعاصي او لطهارتهم عنها بالمغفرة او بالعقوبة قال قتادة إذا قطعوا النار حبسوا على قنطرة بين الجنة و النار فيقتص بعضهم من بعض حتى إذا هذبوا و طيبوا دخلوا الجنة و قال لهم رضوان و أصحابه سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين- و عن على رضى اللّه عنه قال سيقوا الى الجنة و إذا انتهوا إليها وجدوا عند بابها شجرة تخرج من تحت ساقها عينان فيغتسل المؤمن من إحداهما فيطهر ظاهره و يشرب من الاخرى فيطهر باطنه و تلقته الملائكة على أبواب «١» الجنة يقولون سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين- و قال الزجاج معناه كنتم طيبين فى الدنيا عن خبائث الشرك و المعاصي و قال ابن عباس معناه طاب لكم المقام فَادْخُلُوها الفاء للدلالة على ان طيبهم سبب لدخولهم و خلودهم هذا على التأويلات المتقدمة و اما على قول ابن عباس فطيب مقامهم سبب لدخولهم يعنى لمّا كانت الجنة مقاما طيّبا استأهل ان تكون محلا لهم خالِدِينَ (٧٣) اى مقدرين الخلود-. (١) عن ابى هريرة ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال من أنفق بزوجين من ماله فى سبيل اللّه دعى من أبواب الجنة و للجنة أبواب فمن كان من اهل الصلاة دعى من باب الصلاة و من كان من اهل الصيام دعى من باب الريان و من كان من اهل الصدقة دعى من باب الصدقة و من كان من اهل الجهاد دعى من باب الجهاد فقال ابو بكر يا رسول اللّه فهل يدعى أحد منها كلها قال نعم و أرجو ان تكون منهم ١٢ منه نور اللّه ضريحه. ٧٤ وَ قالُوا عطف على محذوف و هو جواب إذا حذف للدلالة على ان لهم مع الدخول من الكرامة ما لا يسعه المقال تقديره حتّى إذا جاءوها و فتحت ابوابها و قال لهم خزنتها كذا دخلوها و وجدوا فيها ما لا عين رات و لا اذن سمعت و لا خطر ببال أحد و لا يسعه المقال و قالوا شكرا لما أنعم عليهم الْحَمْدُ للّه الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ بدخول الجنة و بما أخفى لهم من قرّة أعين وَ أَوْرَثَنَا الْأَرْضَ اى ارض الجنة و ايراثها تحليهم إياها نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ اى يتبوا كل منا فى اىّ مقام أراد من جنته الواسعة و إذا أراد زيارة الأنبياء و اصحاب الدرجات العلى تيسر لهم ذلك اخرج الطبراني و ابو نعيم و الضياء و حسنه عن عائشة قالت جاء رجل الى النبي صلى اللّه عليه و سلم فقال يا رسول اللّه انك لاحبّ الىّ من نفسى و من أهلي و ولدي و انى لاكون فى البيت فاذكرك و لا اصبر حتى اتيك فانظر إليك فاذا ذكرت موتى و موتك عرفت انك إذا دخلت وقفت مع النبيين و انى ان دخلت خشيت ان لا أراك فلم يرد عليه شيئا حتى نزل جبرئيل بقوله تعالى و من يطع اللّه و الرّسول «٢» فاولئك الّذين أنعم اللّه عليهم من النّبيين و الصّدّيقين و الشّهداء و الصّالحين و حسن أولئك رفيقا فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (٧٣) الجنة .. (٢) و فى الأصل و رسوله إلخ ١٢-. ٧٥ وَ تَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ محدقين محيطين حال مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ قيل هذا تسبيح تلذّذ لا تسبيح تعبّد لان التكليف ساقط حينئذ و جملة يسبحون حال من فاعل حافين وَ قُضِيَ بَيْنَهُمْ اى بين الخلائق بِالْحَقِّ بالعدل بإدخال المؤمنين الجنة و الكافرين النار و قيل بين الملائكة بإقامتهم فى منازلهم على حسب تفاضلهم وَ قِيلَ الْحَمْدُ للّه رَبِّ الْعالَمِينَ (٧٥) يعنى يقول ذلك اهل الجنة شكرا حين ثم وعد اللّه لهم و قيل يقول ذلك الملائكة شكرا للّه على إدخال اولياء اللّه الجنة و اعداء اللّه النار عن عائشة رضى اللّه عنها قالت كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقرأ كل ليلة بنى إسرائيل و الزمر- رواه الترمذي و النسائي و الحاكم |
﴿ ٠ ﴾