٣١

ثُمَّ إِنَّكُمْ يعنى أنت و كفار مكة او الناس أجمعون يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (٣١) فتحتج عليهم و تقول يا ربّ انّ قومى اتّخذوا هذا القران مهجورا و انهم كذبونى و كنت على الحق فى التوحيد و كانوا على الباطل فى التشريك و اجتهدتّ فى الإرشاد و التبليغ و لجّوا فى العناد و التكذيب و يعتذرون بالأباطيل مثل قولهم و اللّه ربّنا ما كنّا مشركين و قولهم ما جاءنا من بشير و لا نذير و قولهم انّا اطعنا سادتنا و كبراءنا- ما وجدنا عليه آباءنا و يختصم الناس بعضهم مع بعض فاول ما يقضى فيه الدماء اخرج الشيخان فى الصحيحين عن ابن مسعود رض قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة الدماء

و اخرج الترمذي و حسنه و ابن ماجة و الطبراني و ابن مردوية عن ابن عباس قال سمعت النبي صلى اللّه عليه و سلم يقول يأتى المقتول متعلق رأسه بإحدى يديه متكيا قاتله باليد الاخرى و تشخب أوداجه دما حتى يأتى العرش فيقول المقتول لرب العلمين هذا قتلنى فيقول اللّه للقاتل تعست و يذهب به الى النار-

و اخرج الطبراني فى الأوسط عن ابن مسعود عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال يجئ المقتول أخذا قاتله و أوداجه تشخب دما فيقول رب سل هذا فلم قتلنى فيقول قتلته ليكون العزة لفلان قال هى للّه تبارك و تعالى و روى ابن ابى حاتم عن ابن مسعود فذكر انه يؤتى بالقاتل و المقتول فيوقفان بين يدى الرحمان فيقال له لم قتلته فان كان قتله للّه قال قتلته ليكون العزة للّه فيقال فانها للّه و ان كان قتله لخلقه من خلق اللّه يقول قتلته ليكون العزة لفلان فبقال فانها ليست له فيقتل يومئذ كل خلق اللّه قتله ظالم غير انه يذاق الموت عدة الأيام التي أذاقها الاخر فى الدنيا-

و اخرج احمد و الترمذي و الحاكم و صححه عن عبد اللّه بن الزبير عن أبيه لما نزلت انّك ميّت و انّهم ميّتون ثمّ انّكم يوم القيامة عند ربّكم تختصمون قال الزبير يا رسول اللّه أ يكرر علينا ما بيننا فى الدنيا مع خواص الذنوب قال نعم ليكررن عليكم ذلك حتى يصل الى كل ذى حق حقه- قال الزبير و اللّه ان الأمر لشديد-

و اخرج الطبراني بسند لا بأس به عن ابى أيوب رضى اللّه عنه ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال أول من يختصم يوم القيامة الرجل و المرأة و اللّه ما يتكلم لسانه و لكن يداها و رجلاها يشهدن عليها بما كانت تعيب لزوجها و تشهد يداه و رجلاه بما كان يوليها ثم يدعى الرجل و خدمه مثل ذلك ثم يدعى اهل الأسواق و ما يوجد ثمه دوانيق و لا قراريط و لكن حسنات هذا يدفع الى هذا الذي ظلم و سيئات هذا الذي ظلمه يوضع عليه ثم يؤتى بالجبارين فى مقامع من حديد فيقال أوردوهم الى النار-

و اخرج احمد بسند حسن عن عقبة بن عامر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أول خصمين يوم القيامة الجاران-

و اخرج البخاري عن ابى هريرة عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال من كان عنده مظلمة لاخيه فليحللّه منها فى الدنيا فانه ليس ثمه دينار و لا درهم ان كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته و ان لم يكن حسنات أخذ من سيئات صاحبه فتحمل عليه-

و اخرج مسلم و الترمذي عن ابى هريرة ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال أ تدرون من المفلس قالوا المفلس فينا من لا درهم له و لا متاع قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلوة و صيام و زكوة قد شتم هذا و قذف هذا و أكل مال هذا و سفك دم هذا و ضرب هذا فيقبض و يقتص هذا من حسناته و هذا من حسناته فان فنيت حسناته قبل ان يقتص ما عليه من الخطايا أخذ من خطاياهم فيطرح عليه ثم طرح فى النار-

قلت المراد بالحسنات التي يأخذها المظلوم من الظالم اجر حسناته ما سوى الايمان إذ المظالم و غيرها من السيئات ما عدا الكفر جزاؤه متناه على اصول اهل السنة و الجماعة فان مرتكب الكبيرة عندهم لا يخلد فى النار و الايمان جزاؤه الخلود فى الجنة و هو غير متناه فلا يأتى ما هو متناه على ما ليس بمتناه- فالحاصل انه إذا فنيت حسنات الظالم قبل ان يقتض ما عليه من الخطايا و بقي عنده الايمان المجرد أخذ من خطايا المظلومين ما عدا الكفر لكونه غير متناه الجزاء فلا يوازن ما هو متناه الجزاء فيطرح على الظالم ثم طرح فى النار ان لم يعف عنه حتى إذا انتهت عقوبة تلك الخطايا ادخل الجنة بايمانه و يخلد فيها و قال البيهقي مثل ما قلت

و اخرج مسلم عن ابى هريرة ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال لتردن الحقوق الى أهلها يوم القيامة حتى تعاد للشاة الجماء من الشاة القرناء- و فيه حتى للجاء من القرناء و للذرة من الذرة- و فى الباب أحاديث كثيرة لم اذكرها و روى البيهقي عن الزبير بن العوام قال لمّا نزلت على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ثمّ انّكم يوم القيامة عند ربّكم تختصمون

قلنا كيف نختصم و ديننا و كتابنا واحد حتى رايت بعضنا يضرب وجوه بعض بالسيف فعرفت انه نزلت فينا- و عن ابن عمر نحوه و عن ابى سعيد الخدري فى هذه الاية قال كنا نقول ربنا واحد و نبينا واحد و كتابنا واحد فما هذه الخصومة فلمّا كان يوم الصفين و شد بعضنا على بعض بالسيوف

قلنا نعم هو هذا- و عن ابراهيم قال لما نزلت ثمّ انّكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون قالوا كيف نختصم و نحن اخوان فلمّا قتل عثمان قالوا هذا خصومتنا- و مقتضى هذه الأقوال انهم كانوا يزعمون ان الاختصام فى الدماء لا يكون الا بين المؤمنين و الكافرين فلمّا ظهر البغي و الفساد بين المسلمين اتضح لهم انه يكون بين المؤمنين ايضا-.

﴿ ٣١