سُورَةُ الْمُؤْمِنِ مَكِّيَّةٌ وَهِيَ خَمْسٌ وَثَمَانُونَ آيَةً مكية و هى خمس و ثمانون اية ربّ يسّر و تمّم بالخير بِسْمِ اللّه الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ روى البغوي بسنده عن عبد اللّه بن مسعود رضى اللّه عنه انه قال ان مثل القران كمثل رجل انطلق يرتاد «١» لاهله منزلا فمر بأثر غيث فبينما هو يسير فيه و يتعجب منه إذ هبط على روضات دمثات فقال عجبت من الغيث الاول فهذا اعجب و أعجبه فقيل له ان مثل الغيث الاول مثل عظم القرآن و ان مثل هؤلاء الروضات الدمثات مثل ال حم فى القران- و قال البغوي قال ابن مسعود إذا وقعت فى ال حم وقعت فى روضات اتانق فيهن «اى استرحيهن- منه ره» و فى رواية إذا قرات ال حم وقعت فى روضات دمثات- و روى ايضا بسنده عن ابن عباس قال لكل شى ء لباب و لباب القران الحواميم و قال البغوي قال ابراهيم كل ال حم يسمين العرائس و اخرج الحاكم عن ابن مسعود موقوفا الحواميم ديباج «پارچه ابريشمى- منه ره» القران. (١) يرتاد اى يطلب مكانا لرعى المواشي و الرائد الذي يتقدم القوم يبصر لهم الكلاء و مساقط الغيث- منه رح. _________________________________ ١ حم (١) قد سبق الكلام فى الحروف المقطعات و قال البغوي قال السدى حم اسم اللّه الأعظم و روى عن عكرمة عنه قال الرحم ن حروف الرحمان مقطعة و قال سعيد بن جبير و عطاء الخراسانى الحاء افتتاح أسمائه حكيم حميد حى حيان و الميم افتتاح أسمائه ملك مجيد منان و قال الكسائي قضى ما هو كائن كانهما أشار الى ان معناه حمّ بضم الحاء و تشديد الميم قرا ابن كثير و قالون و حفص «و ابو جعفر و يعقوب- ابو محمد» و هشام بفتح الحاء فى الحواميم كلها و ورش و ابو عمر بين بين و الباقون بالامالة. ٢ تَنْزِيلُ الْكِتابِ خبر مبتدا محذوف اى هذا تنزيل الكتاب او مبتدا خبره مِنَ اللّه الْعَزِيزِ فى ملكه الْعَلِيمِ (٢) بخلقه لعل تخصيص الوصفين بالذكر لما فى القران من الاعجاز و الحكمة الدال على القدرة الكاملة و الحكمة البالغة. ٣ غافِرِ الذَّنْبِ وَ قابِلِ التَّوْبِ للمؤمنين مصدر تاب يتوب توبة و قيل التوب جمع توبة مثل دومة و دوم و حومة و حوم قال ابن عباس غافر الذّنب لمن قال لا اله الا اللّه قابل التّوب ممن قال لا اله الا اللّه محمد رسول اللّه صفتان للّه تعالى و الاضافة فيهما معنوية لانه لم يرد زمان مخصوص بل الاستمرار و توسيط الواو لافادة الجمع بين محو الذنب و قبول التوبة او تغائر الوصفين إذ ربما يتوهم الاتحاد او تغائر موقع الفعلين لان الغفر هو الستر فيكون الذنب باقيا و ذلك لمن لم يتب و التائب كمن لا ذنب «١» له- رواه ابن ماجة مرفوعا عن ابن مسعود و الحكيم عن أبيّ و ابن النجار عن على و ابن عساكر و البيهقي عن ابن عباس فهو دليل على جواز المغفرة لمن لم يتب شَدِيدِ الْعِقابِ لمن لم يقل لا اله الا اللّه ذِي الطَّوْلِ (١) عن يزيد بن الأصم ان رجلا كان ذا بأس و كان عمر يعد لبأسه و كان من اهل الشام و ان عمر فقده فسال عنه فقيل له تتابع فى هذا الشرب فدعا كاتبه فقال اكتب من عمر بن الخطاب الى فلان سلام عليكم فانى احمد إليك اللّه الذي لا اله الا هو غافر الذّنب و قابل التّوب شديد العقاب ذى الطّول لا اله الّا هو اليه المصير ثم دعا و امر من عنده فيدعو له ان يقبل اللّه عليه بقلبه و ان يتوب عليه- فلمّا أتت الرجل جعل يقرأها و يقول غافر الذّنب قد وعد فى اللّه ان يغفر لى و قابل التّوب شديد العقاب قد حذرنى عقابه ذى الطّول و الطول الخير الكثير اليه للصير فلم يزل يرددها على نفسه حتى بكى ثم نزع فاحسن النزع- فبلغ عمر امره فقال هكذا فاصنعوا إذا رايتم أخا لكم ذلّ ذلّة فسددوه و وفقوه و ادعوا اللّه له ان يتوب عليه و لا تكونوا أعوانا للشيطان عليه- و عن قتادة قال كان شاب بالمدينة صاحب عبادة و كان عمر محبّا له فانطلق الى مصرف فسد فجعل لا يمتنع من شر فقدم الى عمر بعض اهله فساله حتى ساله عن الشاب فقال لا تسئلنى عنه قال لم قال انه فسد و خلع فكتب اليه عمر الى فلان حم تنزيل الكتاب من اللّه العزيز العليم الاية فجعل يقرأها على نفسه فاقبل بخير- و عن ابى إسحاق السبيعي قال جاء رجل الى عمر فقال يا امير المؤمنين انى قتلت فهل لى من توبة فقرأ عليه حم تنزيل الكتاب من اللّه العزيز العليم غافر الذّنب و قابل التّوب و قال اعمل و لا تيئس ١٢ منه نور اللّه مرقده- [.....]. قال مجاهد اى ذى السعة و الغنى و قال قتادة ذى النعم و قيل ذى القدرة و قال الحسن ذى الفضل قيل غافر الذنب و ما بعدها ابدال ليست بصفات و اضافة الثلاثة منها لفظية لا تفيد التعريف فلا تصلح كونها صفات و على هذا ذى الطّول ايضا بدل لامتناع تقدم البدل على الصفة و قال صاحب الكشاف و البيضاوي هى كلها صفات كالاولين و الاضافة فيها حقيقية لما ذكرنا انه لم يرد زمان مخصوص و أريد بشديد العقاب مشددة فالاضافة فيه ايضا حقيقية إذ هو فى الأصل الشديد عقابه فحذف اللام للازدواج و الامن من اللبس فهو معرف باللام و جعله وحده بدلا مشوش للنظم و قال الزجاج شديد العقاب بدل ليس بصفة و به قال صاحب المبارك للقطع بكونه نكرة و حذف اللام لا يجوز و على هذا ذى الطّول ايضا بدل و ما قال البيضاوي اولى من حيث المعنى لان كلها توابع تدل على معان فى متبوعها أوردت للمدح و الترغيب و الترهيب و الحثّ على ما هو المقصود منه و المقصود بالنسبة انما هو اللّه لا غير. لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فيجب الإقبال الكلى على عبادته قال صاحب المدارك هذا صفة اخرى كذى الطّول و الظاهر انه استئناف إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (٣) فيجازى المطيع و العاصي. ٤ ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللّه اى فى دفع آيات اللّه بالتكذيب او اثبات التناقض او فى الآيات المتشابهات بتأويلات مخالفة للمحكمات او مخالفة لما تواتر عن النبي صلى اللّه عليه و سلم إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قوما يتمارون «اى يتجادلون- منه ره» فى القران فقال انما هلك من كان قبلكم بهذا ضربوا كتاب اللّه بعضه ببعض و انما نزل كتاب اللّه يصدق بعضه بعضا فلا تكذبوا بعضه ببعض فما علمتم فقولوه و ما جهلتم فوكلوه الى عالمه- رواه البغوي و رواه مسلم بلفظ ان عبد اللّه بن عمرو (يعنى جد عمرو بن شعيب) قال هجّرت الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يوما فسمع أصوات رجلين اختلفا فى اية فخرج علينا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يعرف فى وجهه الغضب فقال انما هلك من كان قبلكم باختلافهم فى الكتاب. و عن ابى هريرة عن النبي صلى اللّه عليه و سلم انه قال ان جدلا فى القران كفر- رواه البغوي و رواه البيهقي فى شعب الايمان و الطيالسي من حديث عبد اللّه ابن عمر و رواه ابو داود و الحاكم و صححه عن ابى هريرة مرفوعا بلفظ المراء فى القران كفر قال البيضاوي لما حقق اللّه سبحانه امر التنزيل سجل بالكفر على المجادلين فيه بالطعن و ادحاض الحق كقوله و جادلوا بالباطل ليدحضوا به الحقّ فاما الجدال «١» فيه لحل عقدة و استنباط حقائقه و قطع تشبث اهل الزيغ و قطع م طاعنهم فيه فمن أعظم الطاعات و لذلك قال عليه السلام ان جدالا فى القران كفر- بالتنكير مع انه ليس جدالا فيه على الحقيقة فَلا يَغْرُرْكَ يا محمد تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ (٤) يعنى إمهالهم و إقبالهم فى دنياهم و تقلبهم فى بلاد الشام و اليمن بالتجارات المربحة. (١) قال فى النهاية انما جاء هذا فى الجدال و المراء فى الآيات التي ذكر فيها القدر و نحوه من المعاني على مذهب اهل الكلام و اصحاب الأهواء و الآراء دون ما تضمنه من الاحكام و أبواب الحلال و الحرام فان ذلك قد جرى من الصحابة فمن بعدهم من العلماء و ذلك فيما يكون الغرض منه و الباعث عليه ظهور الحق ليتبع دون الغلبة و التعجيز ١٢ منه نور اللّه مرقده. اخرج ابن ابى حاتم عن السدىّ عن ابى مالك انه قال نزلت فى الحارث بن قيس السهمي يعنى انهم مواخذون عن قريب بكفرهم كالذين قبلهم كما قال. ٥ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَ الْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ اى الذين تحزبوا على الرسل و ناصبوهم بعد قوم نوح كعاد و ثمود يعنى كذبوا نوحا و غيره من الرسل هذه معللة بقوله فلا يغررك وَ هَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ منهم بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ قال ابن عباس اى ليقتلوه و يهلكوه و قيل لياسروه و العرب يسمى الأسير اخيذا وَ جادَلُوا بِالْباطِلِ اى بمثل قولهم ما أنتم الّا بشر مثلنا و لو لا انزل علينا الملائكة او نرى ربّنا و نحو ذلك لِيُدْحِضُوا اى ليزيلوا و يبطلوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ بالإهلاك جزاء لهمهم عطف على جادلوا فَكَيْفَ كانَ عِقابِ (٥) اى عقابى فانكم تمرون على ديارهم و ترون اثره و الاستفهام للتقرير و التعجيب. ٦ وَ كَذلِكَ اى وجوبا مثل وجوب إهلاكهم فى الدنيا حَقَّتْ اى وجبت فى الاخرة كَلِمَةُ رَبِّكَ او المعنى كما حقت كلمة العذاب على الأمم المكذبة السابقة كذلك حقت كلمة العذاب عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا من قومك أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ (٦) بدل من كلمت ربّك بدل الكل على قراءة كلمة ربّك و بدل البعض على قراءة كلمات او بدل الاشتمال على ارادة اللفظ او المعنى و قال الأخفش تقديره لانّهم و بانّهم اصحاب النّار-. ٧ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَ مَنْ حَوْلَهُ اى الطائفون به و هم الكروبيون و هم سادة الملائكة قال ابن عباس حملة العرش ما بين كعب أحدهم الى أسفل قدميه مسيرة خمس مائة عام و يروى ان أقدامهم فى تخوم الأرضين «اى حدودها و معالمها- منه ره» و الأرضون و السماوات الى حجزتهم و هم يقولون سبحان ذى العزة و الجبروت سبحان ذى الملك و الملكوت سبحان الحي الذي لا يموت سبوح قدوس رب الملائكة و الروح- و قال ميسرة بن عبد ربه أرجلهم فى ارض السفلى و رءوسهم تحت العرش و هم خشوع لا يرفعون طرفهم و هم أشد خوفا من اهل السماء السابعة و اهل السماء السابعة أشد خوفا من التي تليها و التي تليها أشد خوفا من التي تليها- و قال مجاهد بين الملائكة و العرش سبعون حجابا من نور و روى محمد بن المنكدر عن جابر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اذن لى ان أحدث عن ملك من حملة العرش ما بين شحمة اذنه الى عاتقه مسيرة سبع مائة عام- رواه ابو داود و الضياء بسند صحيح و روى جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال ان ما بين القائمة من قوائم العرش و القائمة الثانية خفقان الطير المسرع ثلاثين الف سنة و العرش يكسى كل يوم سبعون الف لون من النور لا يستطيع ان ينظر اليه خلق من خلق اللّه و الأشياء كلها فى العرش كحلقة فى فلاة- و قال مجاهد بين السماء السابعة و بين العرش سبعون الف حجاب حجاب من نور و حجاب من ظلمة و حجاب من نور و حجاب من ظلمة- و قال وهب بن منبه ان حول العرش سبعون الف صف من الملائكة صف خلف صف يطوفون بالعرش يقبل هولاء و يقبل هؤلاء فاذا استقبل بعضهم بعضا هلّل هؤلاء و كبر هولاء و من ورائهم سبعون الف صف قيام أيديهم الى أعناقهم قد وضعوها على عواتقهم فاذا سمعوا تكبير أولئك و تهليلهم رافعوا أصواتهم فقالوا سبحانك و بحمدك ما أعظمك و أجلك أنت اللّه لا اله غيرك أنت الأكبر الخلق كلهم راجعون إليك و من وراء هولاء مائة الف صف من الملائكة قد وضعوا اليمنى على اليسرى ليس منهم أحد الا و هو يسبح بتحميدة لا يسبحه الاخر ما بين جناحى أحدهم مسيرة ثلاث مائة عام و ما بين شحمة اذنه الى عاتقه اربع مائة عام و احتجب اللّه من الملائكة الذين حول العرش بسبعين حجابا من نار و سبعين حجابا من ظلمة و سبعين حجابا من نور و سبعين حجابا من در ابيض و سبعين حجابا من ياقوت احمر و سبعين حجابا من ياقوت اصفر و سبعين حجابا من زبرجد اخضر و سبعين حجابا من ثلج و سبعين حجابا من ماء و سبعين حجابا من برد و ما لا يعلمه الا اللّه تعالى قال و لكل واحد من جملة العرش و من حوله اربعة وجوه وجه ثور و وجه اسد و وجه نسر و وجه انسان و لكل واحد منهم اربعة اجنحة اما جناحان فعلى وجهه مخافة ان ينظر الى العرش فيصعق و اما جناحان فيهفو بهما كما يهفو هذا الطائر بجناحيه إذا حركه ليس لهم كلام الا التسبيح و التحميد و التكبير و التمجيد- يُسَبِّحُونَ اللّه اى يذكرونه بمجامع الثناء من صفات الجلال و الإكرام متلبسين بِحَمْدِ رَبِّهِمْ قال البيضاوي جعل التسبيح أصلا و الحمد حالا لان الحمد مقتضى حالهم دون التسبيح وَ يُؤْمِنُونَ بِهِ اى يصدقون بانه تعالى موجود واجب وجوده خالق للاشياء كلها أحد صمد لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفوا أحد اخبر اللّه تعالى عنهم بالايمان إظهارا لفضله و تعظيما لاهله و ايماء بان الملائكة فى العبودية و العجز و الايمان بالغيب كسائر الخلائق لا كما تزعم الكفار انهم بنات اللّه و ردّا على المجسمة عن شهر بن حوشب قال حملة العرش ثمانية اربعة منهم يقولون سبحانك اللّهم و بحمدك لك الحمد على حلمك بعد علمك و اربعة منهم يقولون سبحانك اللّهم و بحمدك لك الحمد على عفوك بعد قدرتك قال فكانهم يرون ذنوب بنى آدم وَ يَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فيه تنبيه على ان المشاركة فى الايمان يوجب النصح و الشفقة و ان تخالف الأجناس لانها أقوى المناسبات كما قال اللّه تعالى انّما المؤمنون اخوة رَبَّنا اى يقولون ربّنا و جملة يقولون مع ما فى حيزه حال من فاعل يستغفرون وَسِعْتَ كُلَّ شَيْ ءٍ رَحْمَةً وَ عِلْماً اى وسعت كل شى ء رحمتك و علمك فازيل عن أصله للاغراق فى وصفه بالرحمة و العلم و المبالغة فى عمومها و قدم الرحمة لانها المقصودة بالذات هاهنا فَاغْفِرْ الفاء للسببية فان سعة الرحمة سبب للمغفرة لِلَّذِينَ تابُوا اى رجعوا عن الكفر الى الإسلام وَ اتَّبَعُوا سَبِيلَكَ اى دينك الذي بعثت به رسلك وَ قِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (٧) اى احفظهم عنه تصريح بعد اشعار للتأكيد قال مطرف انصح عباد اللّه للمؤمنين الملائكة و اغش الخلق لهم الشياطين. ٨ رَبَّنا وَ أَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ اى «١» اقامة الَّتِي وَعَدْتَهُمْ إياها وَ مَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَ أَزْواجِهِمْ وَ ذُرِّيَّاتِهِمْ من صلح عطف على هم فى أدخلهم او لما وعدتهم يعنى وعدتهم و وعدت من صلح من ابائهم و لعل المراد بالصلاح هاهنا نفس الايمان فان المؤمن صالح لدخول الجنة و ان كان مرتكبا للكبائر بغفران اللّه تعالى فان اللّه يغفر الذنوب جميعا لمن يشاء و انما قلنا ذلك ليتحقق التغاير بين المعطوف و المعطوف عليه و لو كان المراد بالصلاح صلاح العقائد و الأعمال و الأخلاق جميعا كان من صلح داخلا فى الذين تابوا و اتبعوا سبيل اللّه و اللّه اعلم- قال البغوي قال سعيد بن جبير يدخل المؤمن الجنة فيقول اين ابى اين أمي اين ولدي اين زوجى فيقال انهم لم يعملوا مثل عملك فيقول انى كنت اعمل لى و لهم فيقال أدخلوهم الجنة و هذا موقوف فى حكم المرفوع و صريح فى ان المراد بالصلاح فى الاية نفس الايمان إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الذي يقدر على كل شى ء و لا يمتنع عنه ما أراد الْحَكِيمُ (٨) الذي لا يفعل الا ما يقتضيه الحكمة و من ذلك الوفاء بالوعد. (١) عن قتادة انه قال ان عمر بن الخطاب قال يا كعب ما عدن قال قصور من ذهب فى الجنة يسكنها النبيون و الصديقون دائمة العدل ١٢ منه رح. ٩ وَ قِهِمُ السَّيِّئاتِ اى العقوبات او جزاء الأعمال السيئة و هذا تعميم بعد تخصيص او مخصوص عن من صلح او المعنى و قهم السّيّئات اى عن الأعمال السيئة فى الدنيا وَ مَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ اى يوم الجزاء او فى الدنيا فَقَدْ رَحِمْتَهُ دليل على جزاء الشرط المحذوف أقيم مقامه تقديره و من تق السّيّئات يفلح إذ قد رحمته وَ ذلِكَ اى الرحمة او الوقاية او مجموعهما هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٩) فان قيل اىّ فائدة فى سوال الملائكة للمؤمنين بإدخال الجنة بعد ما وعدهم اللّه تعالى به و استحالة الخلف فى وعد اللّه و كذا فى سوال المؤمنين للنبى صلى اللّه عليه و سلم بقوله اللّهم ات محمد ان الوسيلة و الفضيلة و الدرجة الرفيعة و ابعثه مقاما محمودا الذي وعدته قلت الباعث على الدعاء حبهم إياهم لما القى اللّه تعالى فى قلوبهم و فائدته استجلاب مزيد رحمة اللّه للمدعو لهم و استجلاب رضوان اللّه و رحمته للداعين لاجل المحبوبين للّه تعالى و اللّه اعلم-. ١٠ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا الى آخره متصل بقوله ما يجادل فى آيات اللّه الّا الّذين كفروا و ما بينهما معترضات فى مدح الملائكة الموصوفين بالايمان المستغفرين للمؤمنين الذين هم اعداء الكافرين يُنادَوْنَ اى يناديهم خزنة النار يوم القيامة و هم فى النار و قد مقتوا أنفسهم الامّارات بالسوء حين عرض عليهم سيئاتهم و عاينوا جزاءها فيقال لهم لَمَقْتُ اللّه إياكم أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ (١٠) ظرف لفعل دل عليه المقت الاول لاله لانه مصدر و خبره اكبر من مقتكم فلا تعمل فى إذ تدعون لان المصدر إذا اخبر عنه لم يجز ان يتعلق شى ء يكون فى صلته لان الاخبار عنه يؤذن بتمامه و ما يتعلق به يؤذن بنقصانه و لا للمقت الثاني لانه عند حلول العذاب- او تعليل للحكم و زمان المقتين واحد. ١١ قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا موتتين اثْنَتَيْنِ او مرتين وَ أَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ اى خلقتنا أمواتا نطفا فى أصلاب الآباء ثم أحييتنا فى أرحام الأمهات فى الدنيا ثم أمتنا عند انقضاء الآجال ثم أحييتنا يوم القيامة كذا قال ابن عباس و قتادة و الضحاك و نظيره قوله تعالى كنتم أمواتا فاحياكم ثمّ يميتكم ثمّ يحييكم و قال السدىّ معناه امتّنا فى الدنيا ثم أحييتنا فى القبر للضوال ثم امتّنا فى القبر ثم أحييتنا يوم البعث و مبنى هذا القول الزعم بان الاماتة يقتضى الحيوة قبل الموت و هذا ليس الان الاماتة جعل الشي ء عديم الحيوة ابتداء او بالتصيّر كما قيل سبحان من صغر البيض و كبر الفيل و ان خص بالتصيّر فاختيار الفاعل أحد مفعوليه بأحد الوصفين تصيّر و صرف له عن الاخر و السؤال فى القبر لا يستدعى حيوة مثل حيوة الدنيا و لو استدعى ذلك لاستدعى عذاب القبر ايضا مثل ذلك و لزم انقطاع عذاب القبر عن الكفار إذا أميتوا فى القبر بعد السؤال و ليس كذلك فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا الفاء للسببية و لما كان سبب اعترافهم معاينتهم الحيوة الثانية بعد الموت الثانية جعل مجموع الموتتين و الحياتين سببا له فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ واحد او نوع من الخروج من النار سريع او بطى و رجوع الى الدنيا مِنْ سَبِيلٍ (١١) طريق فنسلكه استفهام و معناه التمني فينادون لا سبيل لكم الى الخروج فحذف هذه الجملة لما يدل عليه قوله. ١٢ ذلِكُمْ يعنى انتفاء سبيل للخروج و ما أنتم فيه من العذاب بِأَنَّهُ اى بسبب انه إِذا دُعِيَ اللّه وَحْدَهُ اى متوحدا و توحد وحده فحذف الفعل و أقيم مقامه فى الحالية كَفَرْتُمْ يعنى إذا قيل لا اله الا اللّه انكرتم و قلتم اجعل الالهة الها واحدا وَ إِنْ يُشْرَكْ بِهِ غيره تُؤْمِنُوا تصدقوا بالاشراك و إذا كان هذا سببا لدخولكم فى النار فَالْحُكْمُ للّه يعنى هذا الحكم للّه خاصة الذي هو المستحق للعبادة المنزه عن الشريك و هو قد حكم عليكم بالعذاب الشديد الدائم بسبب كفركم و لو كان له شريك مما عبدتموها أنجاكم من عذابه و كان لكم حينئذ سبيل الى الخروج الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (١٢) من ان يشرك و يسوى به غيره .. ١٣ هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ الدالة على التوحيد و سائر ما يجب ان يعلم وَ يُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً اى مطرا يكون سببا لرزقكم فيه و لمعذرتهم بالجهل بعد رؤية ما كان صالحا للاستدلال على التوحيد وَ ما يَتَذَكَّرُ بالآيات إِلَّا مَنْ يُنِيبُ (١٣) الى اللّه و يرجع عن التعصب و العناد و هذه الجملة مبتدئة خطاب للنبى صلى اللّه عليه و سلم بعد ما تم الجواب لاهل النار. ١٤ فَادْعُوا اللّه يعنى إذا سمعتم ما يؤل اليه امر المشركين فادعوا اللّه مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ اى الطاعة و العبادة من الشرك وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (١٤) يعنى و ان غاظ ذلك أعداءكم الكافرين. ١٥ رَفِيعُ الدَّرَجاتِ اى رفيع درجات كماله بحيث لا يظهر بجنبها كمال و قيل الرفيع هاهنا بمعنى رافع درجات أنبيائه و أوليائه فى مراتب القرب اليه و فى الجنة بعضها فوق بعض ذُو الْعَرْشِ خالقه و مالكه يُلْقِي الرُّوحَ اى ينزل الوحى سماه روحا لانه يحيى به القلوب كما يحيى الأبدان بالأرواح مِنْ أَمْرِهِ قال البغوي قال ابن عباس يعنى من فضله فمن للابتداء و قيل من قوله فمن للبيان عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ الثلاثة كلها اخبار لهو مترادفة لموصول دالة على توحيده و علو صمديته و تمهيد للنبوة او اخبار مبتدا محذوف اى هو لِيُنْذِرَ متعلق بيلقى و المستكن فيه للّه او للروح او لمن و هو اظهر و اقرب و يؤيده قراءة يعقوب «لا يدعى الحسن بالتاء- ابو محمد» بالتاء للخطاب اى لتنذر أنت يا محمد و حذف المفعول للدلالة على عموم دعوته و شمول إنذاره الثقلين يَوْمَ التَّلاقِ (١٥) اى يوم يلتقى فيه الخلائق كلها اهل السماوات و الأرض و قال مقاتل و قتادة يوم يلتقى فيه الخالق و الخلائق و قال ميمون بن مهران يلتقى فيه الظالم و المظلوم و الخصوم و قيل يلتقى العابدون و المعبودون و قيل المرء مع عمله- اخرج الحاكم و ابن جرير و ابن ابى حاتم و ابن ابى الدنيا فى كتاب الأهوال عن ابن عباس انه قرا يوم تشقّق السّماء بالغمام قال يجمع اللّه الخلق يوم القيامة فى صعيد واحد الجن و الانس و البهائم و السباع و الطير فتشقق السماء الدنيا فينزل أهلها و هم اكثر ممن فى الأرض من الجن و الانس الحديث بطوله ذكر فيها نزول اهل السماوات السبع بعضهم عقيب بعض و نزول اللّه تعالى و هو من المتشابهات و ذكرنا تأويلها فى سورة الفرقان فى تفسير قوله تعالى يَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ و فى سورة البقرة فى تفسير قوله تعالى ان يأتيهم اللّه فى ظلل من الغمام و الملائكة. ١٦ يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ ٥ اى خارجون من قبورهم او ظاهرون لا يسترهم شى ء من جبل او اكمة او بناء او ظاهرة نفوسهم لا يحجبهم غواشى الأبدان او ظاهرة أعمالهم و سرائرهم لا يَخْفى عَلَى اللّه مِنْهُمْ اى من أعيانهم و أعمالهم و أحوالهم شَيْ ءٌ تقرير لقوله يوم هم بارزون و ازاحة لنحو ما يتوهم فى الدنيا لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ حكاية لما يسئل عنه فى ذلك اليوم و ذلك بعد فناء الخلق قبل البعث و حينئذ لا يكون أحد يجيبه فيجيب نفسه و يقول للّه الْواحِدِ المتوحد فى جلال الذات و كمال الصفات المنزه عن الشريك فى الالوهية و فى شي ء من الممكنات الْقَهَّارِ (١٦) الذي قهر الخلق بالموت و بالتصرف فيها بما أراد. رواه يعنى كون السؤال و الجواب من اللّه بعد فناء الخلق قبل البعث ابو هريرة فى حديث طويل عن النبي صلى اللّه عليه و سلم رواه الطبراني فى المطولات و ابو يعلى فى مسنده و البيهقي فى البعث و غيرهم و اخرج ابن ابى داود فى البعث عن ابى سعيد عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال ينادى مناد بين الصيحة يا ايّها الناس أتاكم الساعة و مدّ بها صوته يسمعها الاحياء و الأموات و ينزل اللّه الى السماء الدنيا ثم ينادى مناد لمن الملك اليوم للّه الواحد القهار- و اخرج البيهقي عن انس دفعه فى قوله تعالى و نفخ فى الصّور الاية فكان ممّن استثنى اللّه ثلاثة جبرئيل و ميكائيل و ملك الموت فيقول اللّه (و هو اعلم) يا ملك الموت من بقي فيقول وجهك الباقي الكريم و عبدك جبرئيل و ميكائيل و ملك الموت فيقول توف نفس ميكائيل ثم يقول (و هو اعلم) يا ملك الموت من بقي فيقول بقي وجهك الباقي الكريم و عبدك جبرئيل و ملك الموت فيقول توف نفس جبرئيل ثم يقول (و هو اعلم) يا ملك الموت من بقي فيقول بقي وجهك الباقي الكريم و عبدك ملك الموت و هو ميت فيقول مت ثم ينادى انا بدأت الخلق ثم أعيده اين الجبارون المتكبرون ثم ينادى لمن الملك اليوم فلا يجيبه أحد فيقول هو للّه الواحد القهّار ثم ينفخ فيه اخرى فاذا هم قيام ينظرون- و سياق الاية يقتضى انه حكاية لما يسئل عنه فى ذلك اليوم بعد احياء الخلق يوم هم بارزون او حكاية لما دلّ عليه ظاهر الحال فى ذلك الوقت من زوال الأسباب و ارتفاع الوسائط و سلب الاضافة المجازى للملك و الحكم الى غيره تعالى و اما حقيقة الحال فناطقة بذلك دائما. ١٧ الْيَوْمَ يعنى حين يسلب الملك المجازى من غيره تعالى و يكون الملك خاصة له ظاهرا كما هوله خاصة دائما على الحقيقة تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ بنقص الثواب و زيادة العقاب بناء على الوعد و لان الحاكم حينئذ هو اللّه وحده و لا يتصور منه الظلم لان الظلم ما يفعله أحد فى غير ملكه بلا اذن ما لكه و كل ما يفعله اللّه يفعله فى ملكه إِنَّ اللّه سَرِيعُ الْحِسابِ (١٧) يحاسب الناس كلهم فى قدر نصف يوم من ايام الدنيا بناء على مشيته و الا فهو قادر على ان يحاسبهم دفعة فى ان واحد إذ لا يشغله شأن عن شأن-. ١٨ وَ أَنْذِرْهُمْ عطف على الاخبار السابقة بتقدير يقال لك انذرهم يَوْمَ الْآزِفَةِ اى القيامة سمّيت بها لازوافها اى قربها إذ كل ما هو ات قريب إِذِ الْقُلُوبُ إذ بدل من يوم الآزفة لَدَى الْحَناجِرِ فانها ترفع عن أماكنها من شدة الهول فتلتصق بحلوقهم فلا يعود حتى يترحوا و لا يخرج فيموتوا كاظِمِينَ مكروبين ممتلين خوفا و و حزنا و الكظم تردد الغيظ و الخوف و الحزن فى القلب حتى تطيق به- القلوب مبتدا و لدى الحناجر خبره و الكاظمين حال من القلوب محمول على أصحابها و انما جمع الكاظم جمع السلامة لانه وصف بالكظم الذي هو من افعال العقلاء ما لِلظَّالِمِينَ الكافرين و الضمائر ان كانت للكفار كان هذا وضع الظاهر موضع الضمير للدلالة على اختصاص ذلك بهم و انه لظلمهم مِنْ حَمِيمٍ اى قريب مشفق وَ لا شَفِيعٍ يُطاعُ (١٨) اى و لا شفيع مشفع لا مفهوم للوصف إذ لا شفيع لهم أصلا فما لهم من شافعين او له مفهوم على زعمهم ان لهم شفعاء اى لو شفعوا فرضا لا تقبل شفاعتهم. ١٩ يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ اى النظرة الخائنة كالنظرة الى من حرم النظر إليها و استراق النظر إليها او مصدر بمعنى الخيانة كالعافية بمعنى المعافاة يعنى يعلم خيانة الأعين الجملة خبر اخر لهو فى قوله هو الّذى يريكم آياته وَ ما تُخْفِي الصُّدُورُ (١٩) من الضمائر قيل يعنى ما يتفكر الرجل بقلبه فى جمال امراة اجنبية بعد ما ينظر إليها بشهوة مسارقة. ٢٠ وَ اللّه يَقْضِي بِالْحَقِّ لانه المالك على الإطلاق و الحكيم و العليم بما ظهر و ما بطن فلا يقضى الا بما يقتضيه علمه و حكمته و لا يقضى الا و هو حقه و الجملة عطف على يعلم وَ الَّذِينَ يَدْعُونَ قرا نافع و هشام بالتاء للخطاب على الالتفات او بإضمار قل و الباقون بالياء للغيبة مِنْ دُونِهِ من الأوثان و الشياطين و الملوك الجبابرة لا يَقْضُونَ بِشَيْ ءٍ لعدم قدرتهم على القضاء إِنَّ اللّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (٢٠) تقرير لعلمه بخائنة الأعين و قضائه بالحق و وعيد لهم على ما يقولون و يفعلون و تعريض بحال ما يدعون من دونه بانها لا تسمع و لا تبصر. ٢١ أَ وَ لَمْ يَسِيرُوا عطف على محذوف تقديره ا ينكرون وبال الكفر و لم يسيروا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ اى مال اليه امر الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ من الأمم المكذبة للرسل كعاد و ثمود كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً قدرة و تمكنا جئ بالفصل لمشابهة افعل من بالمعرفة فى امتناع دخول اللام عليه قرا ابن عامر أشدّ منكم على الالتفات وَ آثاراً فِي الْأَرْضِ من القلاع و المدائن الحصينة و قيل المعنى اكثر اثارا كقوله متقلدا سيفا و رمحا فَأَخَذَهُمُ اللّه بِذُنُوبِهِمْ فاهلكهم بالريح او الصيحة او نحو ذلك وَ ما كانَ لَهُمْ مِنَ اللّه مِنْ واقٍ (٢١) يمنع عنهم من العذاب حيث لم يلتجئوا اليه الجملة عطف او حال ٢٢ ذلك الاخذ. بِأَنَّهُمْ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ اى المعجزات او الاحكام الواضحات الصحّة و الصلاح فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللّه إِنَّهُ قَوِيٌّ قادر على كل ما يريد غاية القدرة شَدِيدُ الْعِقابِ (٢٢) اى شديد عقابه الجملة تعليل للاخذ القوى-. ٢٣ وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا اى المعجزات التسع وَ سُلْطانٍ مُبِينٍ (٢٣) حجة ظاهرة العطف لتغائر الوصفين او لافراد بعض المعجزات كالعصا تفخيما لشأنه و تخصيصا بعد تعميم. ٢٤ إِلى فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ قارُونَ فَقالُوا ساحِرٌ كَذَّابٌ (٢٤) يعنون موسى عليه السلام تسلية للنبى صلى اللّه عليه و سلم و بيان لعاقبة بعض من كان قبلهم من الذين كانوا أشد بطشا و اقرب زمانا. ٢٥ فَلَمَّا جاءَهُمْ موسى بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ اى أعيدوا عليهم القتل وَ اسْتَحْيُوا اى استبقوا نِساءَهُمْ كما كنتم فعلتم ذلك اولا كى يصدوا عن مظاهرة موسى عليه السلام وَ ما كَيْدُ الْكافِرِينَ وضع الظاهر موضع المضمر للتسجيل على كفرهم و لتعميم الحكم و الدلالة على العلة إِلَّا فِي ضَلالٍ (٢٥) اى فى ضياع فانهم أرادوا ابطال امر موسى فرد اللّه عليهم كيدهم و اهلكهم و جعل موسى و من تبعه ملوك الأرض. ٢٦ وَ قالَ فِرْعَوْنُ لقومه ذَرُونِي قرأ ابن كثير بفتح الياء و الباقون بإسكانها أَقْتُلْ مُوسى و قال البغوي انما قال هذا لانه كان فى خاصة قوم فرعون من يمنعه من قتل موسى خوفا من الهلاك كانوا يقولون انه ليس للذى تخافه بل هو ساحر و لو قتلته لظن الناس انك عجزت عن معارضته بالحجة قال البيضاوي فيه دليل على انه تيقن بنبوة موسى فخاف من قتله او ظن و انه لو حاوله لم يتيسر له و يؤيده قوله وَ لْيَدْعُ موسى رَبَّهُ الذي يزعم انه أرسله إلينا فيمنعه منا فانه تجلد و عدم مبالاة بدعائه و كان قوله ذرونى اقتل موسى تمويها على قومه و إيهاما بانهم هم الذين يكفونه عن قتله و ما كان يكفه الا ما استقر فى قلبه من هول امر العصا إِنِّي قرأ نافع و ابن كثير و «و ابو جعفر- ابو محمد» و ابو عمرو بفتح الياء و الباقون بإسكانها أَخافُ ان لم اقتله أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ اى يغير ما أنتم عليه من عبادة الأصنام لقوله تعالى و يذرك و الهتك أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ (٢٦) قرا يعقوب و اهل الكوفة او ان و الآخرون و ان و قرا اهل المدينة و البصرة «و حفص» يظهر بضم الياء و كسر الهاء من الافعال و الفساد بالنصب على المفعولية و الباقون بفتح الياء و الهاء من المجرد و رفع الفساد على الفاعلية و أراد بالفساد تبديل الدين و عبادة الأوثان او ما يفسد الدنيا من التجارب و التهارج .. ٢٧ وَ قالَ مُوسى لقومه لما توعده فرعون بالقتل إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَ رَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ (٢٧) صدر الكلام بانّ تأكيدا و اشعارا على ان السبب المؤكد فى دفع الشر هو العياذ باللّه و خص اسم الرب لان المطلوب هو الحفظ و التربية و إضافته اليه و إليهم لان حفظ موسى متضمن و متكفل لحفظهم أجمعين و حثا لهم على موافقته فى الاستعاذة لما فى تظاهر الأزواج من استجلاب الاجابة و لم يذكر فرعون و ذكر وصفا يعمه و غيره لتعميم الاستعاذة و رعاية الحق و الدلالة على الحامل له على الشر و جاز ان يكون هذا خطابا لفرعون و قومه و فى قوله ربّكم تنبيه على التوحيد و انكار على اشراكهم. ٢٨ وَ قالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ قال مقاتل و السدىّ كان قبطيا ابن عم فرعون و هو الذي حكى اللّه عنه فى سورة القصص و جاء رجل من اقصا المدينة يسعى قيل كان اسمه حبيب و قال قوم كان اسرائيليا و مجاز الاية و قال رجل مؤمن يكتم إيمانه من ال فرعون و كان اسمه جزئيل على ما روى عن ابن عباس و اكثر العلماء و قال ابن إسحاق كان اسمه خبول أَ تَقْتُلُونَ رَجُلًا اى تقصدون «١» قتله أَنْ يَقُولَ اى لان يقول او وقت ان يقول من غير رؤية و تأمل فى امره او مخافة ان يقول رَبِّيَ اللّه وحده و هو فى الدلالة على الحصر مثل صديقى زيد وَ قَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ المعجزات الكثيرة الشاهدة على صدقه مِنْ رَبِّكُمْ حيث لا يقدر على إتيان تلك المعجزات الا الذي خلقكم فانه قادر على كل شى ء دون غيره و أضاف الربّ إليهم اشعارا بانه من خلقكم و رباكم قادر على ان يأخذكم بالعذاب و الجملة حال من فاعل يقول ثم أخذ الرجل القائل بالاحتجاج من باب الاحتياط فقال وَ إِنْ يَكُ كاذِباً كما زعمتم فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ لا يتخطاه وبال كذبه حتى يحتاج فى دفعه الى قتله وَ إِنْ يَكُ صادِقاً كما يدل عليه المعجزات و الشواهد يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ اى فلا اقل ان يصيبكم بعضه و ذلك البعض يكفى لهلاككم ففيه مبالغة فى التحذير و اظهار الانصاف و عدم التعصب و لذلك قدم كونه كاذبا إِنَّ اللّه لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (٢٨) احتجاج ثالث ذو وجهين أحدهما انه لو كان مسرفا لما هداه اللّه الى البينات و لما (١) عن على انه قال ايها الناس أخبروني بأشجع الناس قالوا لا نعلم قال ابو بكر رايت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و أخذ قريش فهذا يجبئه (يجبئه: اى يجعله مثل الراكع- ١٢ منه رح) و هذا يتلتله (يتلتله: أي يحركه و يسوقه بعنف- ١٢ منه رح)، و هم يقولون أنت الذي جعلت الالهة الها واحدا قال فو اللّه ما دنا منا أحد الا ابو بكر يضرب هذا يجبئه و هذا يتلتله و هو يقول ويلكم أ تقتلون رجلا ان يقول ربّى اللّه ثم رفع على برده كانت عليه فبكى حتى ابتلت لحيته ثم قال أنشدكم مؤمن ال فرعون خير أم ابو بكر فسكت القوم فقال الا تجيبونى فو اللّه لساعة من ابى بكر خير من مؤمن ال فرعون ذاك رجل يكتم إيمانه و هذا رجل أعلن إيمانه- ١٢ منه نور اللّه مرقده ١٢-. عضده بالمعجزات و ثانيهما انه كان مسرفا كذابا خذله اللّه و أهلكه فلا حاجة لكم الى قتله و لعله أراد به المعنى الاول و خيّل إليهم الثاني ليلين شكيمتهم- «اى شدة نفسهم- منه ره» و تعريض به لفرعون بانه مسرف كذاب لا يهديه اللّه سبيل الصواب و النجاة عن عروة بن الزبير قال قلت لعبد اللّه بن عمرو بن العاص أخبرني باشد ما صنعه المشركون برسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال بينا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يصلى بفناء الكعبة إذا قبل عقبة بن ابى معيط فاخذ بمنكبي رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و لوى ثوبه فى عنقه فخنقه خنقا شديدا فاقبل ابو بكر «١» فاخذ بمنكبيه و دفع عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و قال أ تقتلون رجلا ان يقول ربّى اللّه و قد جاءكم بالبيّنات من ربّكم- رواه البخاري. (١) و عن عمرو بن العاص قال ما تنوول من رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من طاف بالبيت صخر فلقوه حين فرغ فاخذوا بمجامع ردائه و قالوا أنت الذي تنها ناعما كان يعبد آباؤنا فقال انا ذاك فقام ابو بكر فالتزمه من ردائه ثم قال أ تقتلون رجلا ان يقول ربّى اللّه و قد جاءكم بالبيّنات من ربّكم ان ى ك كاذبا فعليه كذبه و ان يك صادقا يصبكم بعض الّذى يعدكم انّ اللّه لا يهدى من هو مسرف كذّاب رافعا صوته بذلك و عيناه تسيحان حتى أرسلوه- و عن انس بن مالك قال قد ضربوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حتى غشى عليه فقام ابو بكر فجعل ينادى ويلكم ا تقتلون رجلا ان يقول ربّى اللّه قالوا من هذا قالوا هذا ابن ابى قحافة ١٢ منه رضى اللّه-. ٢٩ يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ غالبين عالين حال من كم فى لكم فِي الْأَرْضِ ارض مصر فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللّه إِنْ جاءَنا يعنى لكم الملك و الغلبة فى الأرض فلا تبطلوا ملككم و غلبتكم بالتعرض لعذاب اللّه بقتل نبيه فانه ان جاءنا لا يمنعنا منه أحد أدرج نفسه فى الضمير لانه كان منهم فى القرابة و ليريهم انه معهم و مساهمهم فيما ينصح لهم قالَ فِرْعَوْنُ ما أُرِيكُمْ من الرأى اى ما اشيركم و قال الضحاك ما أعلمكم إِلَّا ما أَرى اى ما أراه و اعلمه صوابا يعنى قتله وَ ما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ (٢٩) طريق الصواب-. ٣٠ وَ قالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ إِنِّي قرأ نافع و ابن كثير و ابو عمرو بفتح الياء و الباقون بإسكانها أَخافُ عَلَيْكُمْ فى تكذيبه و التعرض له مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ (٣٠) تقديره انّى أخاف عليكم عذابا مثل عذاب يوم الأحزاب اى ايام الأحزاب يعنى الأمم الماضية المكذبة للرسل و جمع الأحزاب مع التفسير الذي بعده اغنى عن جمع اليوم او المعنى عذاب يوم حزب من الأحزاب. ٣١ مِثْلَ جزاء دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَ عادٍ وَ ثَمُودَ وَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ كقوم لوط و نمرود الجبار اى مثل جزاء ما كان عادتهم من التكذيب و إيذاء الرسل و هذه الاية تدل على انه كان فى قوم فرعون علم بالأولين وَ مَا اللّه يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ (٣١) اللام زائدة لتقوية عمل المصدر و العباد مفعول لظلما يعنى لا يريد ان يظلم عبدا فيعاقبهم بغير ذنب او يترك الظالم منهم بغير انتقام او ينقص من اجر حسنة لاحد او يزيد فى عقوبة أحد. ٣٢ وَ بعد ما خوّفهم بعذاب الدنيا خوّفهم بعذاب الاخرة فقال يا قَوْمِ إِنِّي قرأ نافع و ابن كثير و ابو عمرو «و ابو جعفر- ابو محمد» بفتح الياء و الباقون بإسكانها أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ قرأ ابن كثير «و يعقوب- ابو محمد» التّنادى وصلا و وقفا بإثبات الياء و ورش «و ابن دردان- ابو محمد» وصلا فقط و اختلف فيهما عن قالون «و الحذف عنه أقوى ابو محمد» و الباقون بحذف الياء فى الحالين. ٣٣ يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ بدل من يوم التناد قال مجاهد يعنى فارّين غير معجزين قيل المراد منه يوم ينفخ فى الصور نفخة الفزع قبل نفخة الصعق لما روى ابن جرير فى المطولات و ابو يعلى فى مسنده و البيهقي فى البعث و عبد بن حميد و ابو الشيخ فى كتاب العظمة عن ابى هريرة عن النبي صلى اللّه عليه و سلم حديثا طويلا و ذكر فيه ثلاث نفخات قال فيأمر اللّه اسرافيل بالنفخة الاولى فيقول اللّه تعالى انفخ نفخة الفزع فينفخ فيفزع اهل السماوات و الأرض الا ما شاء اللّه فيأمره فيمدها فيطيلها و لا يفتر الى ان قال فتذهل المراضع عمّا أرضعت و تضع الحوامل و تشيب الولدان و تطير الشياطين هاربة من الفزع حتى تأتى الأقطار فتتلقتها الملائكة فتضرب وجوهها فترجع و تولى الناس مدبرين ينادى بعضهم بعضا و هو الذي يقول اللّه يوم التناد الحديث- و قيل المراد يوم القيامة إذا دعى كل أناس بامامهم اخرج ابو نعيم عن ابى حازم الأعرج رضى اللّه عنه انه قال (يخاطب نفسه) يا اعرج ينادى يوم القيامة يا اهل خطيّات كذا و كذا فتقوم معهم ثم ينادى يا اهل خطيّات اخرى فتقوم معهم فاراك يا اعرج تريد ان تقوم مع اهل خطيئة- و اخرج ابن ابى عاصم فى السنة عن ابن عمر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا كان يوم القيامة نادى مناد الا ليقم خصماء اللّه (و هم القدرية) و إذا ينادى اصحاب الجنة اصحاب النار و اصحاب النار اصحاب الجنة و ينادى اصحاب الأعراف كما حكى اللّه تعالى فى سورة الأعراف و إذا ينادى بالسعادة و الشقاوة الا ان فلان ابن فلان سعد سعادة لا يشقى بعدها ابدا الا ان فلان بن فلان شقى شقاوة لا يسعد بعدها ابدا- اخرج البزار و البيهقي عن انس عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال يؤتى بابن آدم يوم القيامة فيوقف بين كفتى الميزان و يوكّل به ملك فان ثقلت موازينه نادى الملك بصوت يسمع الخلائق سعد فلان سعادة لا يشقى بعدها ابدا و ان خفت موازينه نادى ملك بصوت يسمع الخلائق شقى فلان شقاوة لا يسعد بعدها ابدا- و إذا ينادى الا انى جعلت نسبا و جعلتم نسبا اخرج الطبراني فى الأوسط عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا كان يوم القيامة امر اللّه مناديا ينادى الا انى جعلت نسبا و جعلتم نسبا فجعلت أكرمكم أتقاكم فابيتم الا ان تقولوا فلان بن فلان خير من فلان بن فلان فاليوم ارفع نسبى و أضع نسبكم اين المتقون. و إذا ينادى حين يذبح الموت يا اهل الجنة خلود و لا موت و يا اهل النار خلود و لا موت- اخرج الشيخان فى الصحيحين عن ابن عمر قال قال النبي صلى اللّه عليه و سلم إذا صار اهل الجنة الى الجنة و اهل النار الى النار جئ بالموت حتى يجعل بين الجنة و النار ثم يذبح ثم ينادى منادى يا اهل الجنة لا موت و يا اهل النار لا موت فيزداد اهل الجنة فرحا الى فرحهم و اهل النار حزنا الى حزنهم- و عن ابى سعيد نحوه و عند الحاكم و ابن حبان عن ابى هريرة نحوه- و قرا ابن عباس و الضحاك يوم التّناد بتشديد الدال اى يوم التنافر و ذلك لانهم هربوا فندوا فى الأرض كما تند الإبل إذا شردت عن أربابها. اخرج ابن جرير و ابن المبارك عن الضحاك قال إذا كان يوم القيامة امر اللّه السماء الدنيا فتشققت باهلها فتكون الملائكة على حافتها حين يأمرهم الربّ فينزلون فيحيطون بالأرض و من عليها ثم الثالثة ثم الرابعة ثم الخامسة ثم السادسة ثم السابعة فصفوا صفّا دون صف ثم ينزل الملك الأعلى بجنبته اليسرى جهنم فاذا راها اهل الأرض ندّوا فلا يأتون قطرا من أقطار الأرض الا وجدوا سبعة صفوف من الملائكة فرجعوا الى المكان الذي كانوا فيه و ذلك قول اللّه تعالى انّى أخاف عليكم يوم التّناد يوم تولّون مدبرين ما لكم من اللّه من عاصم و ذلك قوله تعالى و جاء ربّك و الملك صفّا صفّا و جيئ يومئذ بجهنّم و قوله تعالى يا معشر الجنّ و الانس ان استطعتم ان تنفذوا من أقطار السّموات و الأرض فانفذوا و قوله تعالى و انشقّت السّماء فهى يومئذ واهية و الملك على أرجائها يعنى ما تشقق منها فبينما كذلك إذا سمعوا الصوت فاقبلوا الى الحساب و قيل معنى قوله تعالى يوم تولّون مدبرين يوم تولون منصرفين عن موقف الحساب الى النار ما لَكُمْ مِنَ اللّه مِنْ عاصِمٍ يعصمكم من عذابه يعنى غير اللّه لا يقدر على دفع عذاب اللّه قطعا و انما يدفع عذاب اللّه رحمته و لا يكون لهم من اللّه رحمة تعصمهم من عذابه وَ مَنْ يُضْلِلِ اللّه اى يضله عن طريق الجنة فَما لَهُ مِنْ هادٍ (٣٣) اليه. ٣٤ وَ لَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ بن يعقوب بن إسحاق بن ابراهيم عليه السلام على ان فرعونه فرعون موسى طال عمره او على نسبة احوال الآباء الى الأولاد يعنى جاء اباءكم يوسف و قيل المراد يوسف بن ابراهيم بن يوسف بن يعقوب عليهم السلام أرسل إليهم مِنْ قَبْلُ اى قبل موسى بِالْبَيِّناتِ اى بالمعجزات فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ قال ابن عباس من عبادة اللّه وحده مخلصا له الدين حَتَّى إِذا هَلَكَ اى مات يوسف عليه السلام قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللّه مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا اى أقمتم على كفركم و زعمتم ان اللّه لا يجدد عليكم الحجة كَذلِكَ اى اضلالا مثل ذلك الإضلال يُضِلُّ اللّه فى العصيان مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مشرك مُرْتابٌ (٣٤) اى شاك فيما يشهد به البينات لغلبة الوهم و الانهماك فى التقليد. ٣٥ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللّه بدل من الموصول الاول لانه بمعنى الجمع بِغَيْرِ سُلْطانٍ حجة واضحة بل اما بتقليد او شبهة داحضة أَتاهُمْ من عند اللّه كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللّه وَ عِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا فيه ضمير من و افراده نظرا الى لفظه و يجوز ان يكون الّذين مبتدا و خبره كبر على حذف مضاف تقديره و جدال الّذين يجادلون فى آيات اللّه كبر مقتا او الذين مبتدا و خبره بغير سلطان و فاعل كبر كَذلِكَ على ان كاف اسم بمعنى مثل اى كبر مقتا مثل ذلك الجدال فيكون قوله يَطْبَعُ اللّه استئنافا للدلالة على موجب جدالهم و جاز ان يكون المعنى كذلك مثل اضلالهم يطبع اللّه اى يختم بالضلال و يوثق عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (٣٥) بحيث لا يدخله نور الايمان قرا ابو عمرو و ابن ذكوان قلب بالتنوين على وصفه بالتكبر و التجبر لانه صنيعهما كقولهم رات عينى و سمعت اذنى او على حذف المضاف تقديره على قلب كل ذى قلب متكبر جبار و الباقون بالاضافة .. ٣٦ وَ قالَ فِرْعَوْنُ لوزيره هامان يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً اى بناء عاليا لا يخفى على الناظر و ان بعد و منه التصريح بمعنى الإظهار لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ (٣٦) اى الطرق. ٣٧ أَسْبابَ السَّماواتِ اى طرقها و ابوابها من سماء الى سماء و كل ما يؤدى الى شى ء فهو سبب له كالرشاء و الدلو للماء و اسباب الثاني بيان للاول و فى إيضاحها بعد ابهامها تفخيم لشانها و تشويق للسامع الى معرفتها فَأَطَّلِعَ قرأ حفص بالنصب على جواب لعل بالفاء و الباقون بالرفع عطفا على ابلغ إِلى إِلهِ مُوسى الظاهر انه امر بالبناء كبناء نمرود و ذكرناه فى سورة النمل و قال البيضاوي لعله أراد ان يبنى له رصدا فى موضع عال يرصد منه احوال الكواكب التي هى اسباب سماوية تدل على الحوادث الارضية فيرى هل فيها ما يدل على إرسال اللّه تعالى إياه- او ان يرى الناس فساد قول موسى بان اخباره من اله السماء يتوقف على اطلاعه و وصوله اليه و ذلك لا يتاتى الا بالصعود الى السماء و هو ممّا لا تقوى عليه الإنسان و ذلك لجهله باللّه و كيفية استنبائه وَ إِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً فى دعوى الرسالة وَ كَذلِكَ اى تزيينا مثل ذلك التزين يعنى تزيين بناء الصرح للاطلاع على رب السماوات زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ اى كل عمل سئ يأباه العقل السليم يعنى أفسد اللّه بصيرته فكان يرى كل عمل سئ حسنا وَ صُدَّ عَنِ السَّبِيلِ سبيل الرشاد قرا الكوفيون و يعقوب بضم الصاد على البناء للمفعول و الفاعل على الحقيقة هو اللّه سبحانه يضلّ من يشاء و يهدى من يشاء و الباقون بفتح الصاد يعنى صدّ فرعون الناس عن الهدى بامثال هذه الشبهات و التمويهات و يؤيده قوله تعالى وَ ما كَيْدُ فِرْعَوْنَ فى ابطال امر موسى إِلَّا فِي تَبابٍ (٣٧) اى فى خسار و ضياع-. ٣٨ وَ قالَ الَّذِي آمَنَ من ال فرعون يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ قرأ ابن كثير «و يعقوب- ابو محمد» اتّبعونى بإثبات الياء فى الحالين و قالون و ابو عمرو «و ابو جعفر- ابو محمد» وصلا فقط و الباقون بحذف الياء فى الحالين أَهْدِكُمْ اى أدلكم سَبِيلَ الرَّشادِ (٣٨) اى سبيلا يوصل سالكه الى المقصود و فيه تعريض الى ان ما عليه فرعون و قومه هو سبيل الغىّ. ٣٩ يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ يسير يتمتعون بها مدة يسيرة ثم ينقطع وَ إِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ (٣٩) التي لا تزول فعليكم بما ينفعكم فى الاخرة. ٤٠ مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وَ مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَ هُوَ مُؤْمِنٌ اى فى حال الايمان فان الايمان شرط لجزاء كل عمل صالح لان اللّه تعالى هو المالك للجزاء فلا بد للايمان به على ما يرتضيه حتى يجزى ما عمل لوجهه خالصا فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ (٤٠) بغير تقدير و موازنة للاعمال بل أضعافا مضاعفة فضلا منه و رحمة. ٤١ وَ يا قَوْمِ ما لِي قرأ الكوفيون و ابن ذكوان «و يعقوب- ابو محمد» بسكون الياء و الباقون بفتحها و المعنى ما لكم كما تقول ما لى أراكم حزينا يعنى أخبروني كيف حالكم على خلاف ما يقتضيه العقل و العرف أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ من النار بالايمان باللّه وحده وَ تَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (٤١) اى الى الشرك الذي يوجب النار كور نداءهم ايقاظا لهم عن سنة الغفلة و اهتماما بالمناولة و مبالغة فى توبيخهم على ما يقابلون به نصحه- لم يعطف النداء الثاني على الاول لانه بيان لما قبله و عطفه الثالث على الثاني او على الاول. ٤٢ تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللّه بدل من تدعوننى الاول او بيان منه تعليل و الدعاء يعدى بالى و باللام كالهداية وَ أُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ اى بربوبيته عِلْمٌ بل عندى دليل قاطع على امتناعه و لا بد للايمان من برهان على وجوده و ربوبيّته و لا يصح الاعتقاد الا عن ايقان وَ أَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الغالب القادر على الانتقام ممن كفر به الْغَفَّارِ (٤٢) لذنوب من شاء ممن أمن به فهو المستجمع لصفات الالوهية من كمال القدرة و العلم و الارادة .. ٤٣ لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَ لا فِي الْآخِرَةِ قيل لا فى لا جرم رد لما دعوه اليه من عبادة الأصنام و جرم فعل بمعنى حقّ و فاعله انّ مع جملتها اى حق عدم دعوة الهتكم الى عبادتها أصلا فى الدارين لانها جمادات لا دعوة لهم فى الدنيا الى العبادة و فى الاخرة تتبرّأ عن عابديها و ليس لها ما يقتضى الوهيتها او حق عدم دعوة مستجابة لها او عدم استجابة دعوة لها قال السدىّ لا يستجيب لاحد فى الدنيا و لا فى الاخرة- و قيل جرم فعل من الجرم بمعنى القطع و لا للنفى كما ان بدّا من لا بدّ فعل من التبديد بمعنى التفريق و المعنى لا قطع لبطلان دعوة الوهية الأصنام اى لا ينقطع فى وقت ما فيكون معناه استمرّ كما فى ما برح و ما زال و حاصل معناه حقّا و فى القاموس لا جرم اى لا بدّ او حقّا او لا محالة او هذا أصله ثم تحول الى القسم فلذلك يجاب عنه باللام يقال لا جرم لاتينك و قيل جرم بمعنى كسب و فاعله مستكن فيه الى كسب ذلك الدعاء اليه ان لا دعوه له بمعنى ما حصل من ذلك الا ظهور بطلان دعوته و لا على هذا ايضا لرد ما دعوه اليه وَ أَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللّه بعد الموت فيجازى كلّا بما يستحقه وَ أَنَّ الْمُسْرِفِينَ فى الضلالة الطغيان بالاشراك و سفك الدماء هُمْ أَصْحابُ النَّارِ (٤٣) ملازموها. ٤٤ فَسَتَذْكُرُونَ اى سيذكر بعضكم بعضا عند معائنة العذاب حين لا ينفعكم الذكر ما أَقُولُ لَكُمْ من النصيحة وَ أُفَوِّضُ أَمْرِي قرأ نافع و ابو عمرو «و ابو جعفر- ابو محمد» بفتح الياء و الباقون بإسكانها إِلَى اللّه ليعصمنى من كل سوء قال ذلك لما توعدوه إذا ظهر مخالفته لدينهم إِنَّ اللّه بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (٤٤) يعلم المحق من المبطل ثم خرج المؤمن من بينهم فطلبوه فلم يقدروا عليه و ذلك قوله عز و جل. ٤٥ فَوَقاهُ اللّه عطف على جمل محذوفة تقديره فاراد ال فرعون قتله ففرّ منهم فارسل فرعون جماعة ليأخذوه فوقيه اللّه سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا اى ما أرادوا به وَ حاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ اى بفرعون و قومه و استغنى بذكرهم عن ذكره للعلم بانه اولى بذلك سُوءُ الْعَذابِ (٤٥) اى الغرق فى الدنيا و النار فى الاخرة و قيل حاق بال فرعون يعنى بالذين أرسلوا لطلب المؤمن من ال فرعون سوء العذاب اى القتل فانه لمّا فرّ الى الجبل فاتبعه طائفة فوجدوه يصلى و الوحوش صفوف حوله فرجعوا رعبا فقتلهم فرعون-. ٤٦ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَ عَشِيًّا جملة مستأنفة او النّار خبر محذوف و يعرضون استئناف للبيان او النّار بدل من سوء العذاب و يعرضون حال منها او من الال- قال ابن مسعود أرواح ال فرعون فى أجواف طير سود يعرضون على النار كل يوم مرتين تغدو و تروح الى النار فيقال يا ال فرعون هذه مأواكم حتى تقوم الساعة- أخرجه عبد الرزاق و ابن ابى حاتم و قال مقاتل و السدىّ و الكلبي يعرض روح كل كافر على النار بكرة و عشيّا ما دامت الدنيا يعنى الى قيام الساعة- و يؤيده ما فى الصحيحين عن عبد اللّه بن عمران رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال ان أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغدوة و العشى ان كان من اهل الجنة فمن اهل الجنة و ان كان من اهل النار فمن اهل النار فيقال له هذا مقعدك حتى يبعثك اللّه الى يوم القيامة و فيه دليل على بقاء النفس و عذاب القبر و قد دلت الأحاديث عليه و انعقد عليه الإجماع وَ يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا قرأ ابن كثير و ابو عمرو و ابن عامر و ابو بكر بهمزة الوصل و ضم الخاء يعنى يقال لهم ادخلوا يا آلَ فِرْعَوْنَ و قرا الباقون بهمزة القطع و كسر الخاء من الإدخال اى يقال للملائكة ادخلوا ال فرعون أَشَدَّ الْعَذابِ (٤٦) قال ابن عباس يريد ألوان العذاب غير الذي كانوا يعذبون به منذ غرقوا يعنى فى عالم البرزخ. ٤٧ وَ إِذْ يَتَحاجُّونَ اى اهل النار فِي النَّارِ اى اذكر يا محمد لقومك وقت مخاصمتهم فى النار و جاز ان يكون الظرف عطفا على غدوّا فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا تفصيل للمحاجة إِنَّا كُنَّا لَكُمْ فى الدنيا تَبَعاً و التبع يكون واحدا و جمعا لتابع كخدم جمع خادم على قول البصريين و قيل معناه ذوى تبع بمعنى اتباع على الإضمار او التجوز و قال الكوفيون جمع لا واحد له و جمعه اتباع فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ (٤٧) بالدفع استفهام بمعنى الأمر و نصيبا مفعول لما دل عليه مغنون اوله بالتضمين او مصدر كشيئا فى قوله تعالى لن تغنى عنهم أموالهم و لا أولادهم من اللّه شيئا فيكون صلة لمغنون. ٤٨ قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا اى نحن و أنتم كُلٌّ اى كل واحد منا فِيها اى فى النار فكيف نغنى عنكم و لو قدرنا لاغنينا عن أنفسنا إِنَّ اللّه قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ (٤٨) بدخول اهل الجنّة الجنة و اهل النار النار و لا معقب لحكمه .. ٤٩ وَ قالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ حين اشتد عليهم العذاب لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ وضع جهنم موضع الضمير للتهويل ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً شيئا مِنَ الْعَذابِ (٤٩) ٥٠ قالُوا اى خزنة جهنم أَ وَ لَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ استفهام للانكار و التوبيخ على اضاعتهم اوقات الدعاء و اسباب الاجابة و عطف على محذوف تقديره اما علمتم فى الدنيا ما لحقكم فى الاخرة من العذاب و لم تك تأتيكم رسلكم بالبيّنات منذرين به قالُوا بَلى جاءتنا رسلنا مبشرين و منذرين قالُوا فَادْعُوا امر على سبيل الاستهزاء و معناه الاقناط وَ ما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ (٥٠) اى ضياع لايجاب هذا قول من اللّه و يحتمل ان يكومن كلام الخزنة و على هذا فهو حال او معترضة لمّا سبق قصة موسى و انتصاره و قومه على فرعون أعقبه ما استحقه الرسل و المؤمنون من النصر عموما فقال. ٥١ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَ الَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا قال الضحاك بالحجة و قال ابن عباس بالغلبة و القهر قال البيضاوي و لا ينتقض ذلك بما كان للكافرين من الغلبة أحيانا امتحانا إذ العبرة بالعواقب و غالب الأمر و قيل بالانتقام من الأعداء فى الدنيا وَ يَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ (٥١) يعنى يوم القيامة يقوم الحفظة من الملائكة يشهدون للرسل بالبلاغ و على الكفار بالتكذيب. ٥٢ يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ اى الكافرين بدل من يوم يقوم مَعْذِرَتُهُمْ لكونها باطلة قرا ابن كثير و ابو عمرو و ابن عامر «و ابو جعفر و يعقوب- ابو محمد» لا تنفع بالتاء الفوقانية لتأنيث الفاعل و الباقون بالياء لكون التأنيث غير حقيقى و للفصل وَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ اى البعد من الرحمة حال من الظالمين وَ لَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (٥٢) اى الدار السواى يعنى جهنم-. ٥٣ وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى متصل بقصة موسى و بين ذلك اعتراض يعنى اتينا موسى ما يهتدى به فى الدين اى التوراة و ذلك بعد إهلاك فرعون و قومه وَ أَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ (٥٣) اى التوراة بعد موسى. ٥٤ هُدىً وَ ذِكْرى اى للّهداية و التذكرة او هاديا و مذكّرا لِأُولِي الْأَلْبابِ (٥٤) اى لذوى العقول السليمة-. ٥٥ فَاصْبِرْ يا محمد على أذى المشركين إِنَّ وَعْدَ اللّه لك بالنصر حَقٌّ لا يحتمل الخلف و استشهد بحال موسى و فرعون وَ اسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ امر تعبدى ليزيدنه درجته و يصير سنة لما بعده وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ اى صلّ شاكرا لربك بِالْعَشِيِّ وَ الْإِبْكارِ (٥٥) قال الحسن يعنى صلوة العصر و صلوة الصبح و قال ابن عباس يعنى الصلوات الخمس. ٥٦ إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللّه اى ينكرون القران بِغَيْرِ سُلْطانٍ اى حجة أَتاهُمْ من اللّه تعالى إِنْ فِي صُدُورِهِمْ كنى بالصدر القلب لكونه موضعه اى ما فى قلوبهم إِلَّا كِبْرٌ قال ابن عباس اى ما يحملهم على تكذيبك الا ما فى صدورهم من الكبر و العظمة يعنى يتكبرون عليك و يتعظمون أنفسهم عن اتباعك ما هُمْ بِبالِغِيهِ قال مجاهد ما هم ببالغي مقتضى ذلك الكبر لان اللّه عزّ و جلّ يذلهم و قال ابن قتيبة ان فى صدورهم الا تكبر على محمد و طمع فى ان يغلبوه و ما هم ببالغي ذلك الكبر فَاسْتَعِذْ بِاللّه من شرهم إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (٥٦) لاقوالكم و أفعالكم تعليل للاستعاذة. ٥٧ لَخَلْقُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ فمن قدر على خلقها مع عظمها اوّلا من غير اصل قدر على خلق الناس ثانيا من اصل و هو ازاحة لاشكال ما يجادلون فيه مما نطق به القران من امر البعث وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٥٧) لانهم لا ينظرون و لا يتاملون لفرط غفلتهم و اتباع اهوائهم و تقليد ابائهم- و اخرج ابن ابى حاتم عن ابى العالية قال جاءت اليهود الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فذكروا الدجال فقالوا يكون منافى اخر الزمان فعظموا امره و قالوا يصنع كذا و كذا فانزل اللّه تعالى انّ الّذين يجادلون فى آيات اللّه بغير سلطان أتاهم ان فى صدورهم الّا كبر ما هم ببالغيه فاستعذ باللّه فامر نبيه ان يتعوذ من فتنة الدجال لخلق السّموت و الأرض اكبر من خلق النّاس قال اى من خلق الدجال- و اخرج عن كعب الأحبار قوله انّ الّذين يجادلون فى آيات اللّه بغير سلطان قال هم اليهود نزلت فيما ينتظرونه من امر الدجال عن عمران بن حصين قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول ما بين خلق آدم الى قيام الساعة امر اكبر من الدجال- رواه مسلم و عن عبد اللّه بن مسعود قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انه لا يخفى عليكم ان اللّه ليس باعور و ان مسيح الدجال اعور عين اليمنى كانّ عينه عنبة طافية. متفق عليه و عن انس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما من نبى الا قد انذر أمته الأعور الكذاب الا انه اعور و ان ربكم ليس باعور مكتوب بين عينيه ك ف ر- متفق عليه و عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الا أحدثكم حديثا عن الدجال ما حدث به نبى قومه انه اعور و انه يجئ معه مثل الجنة و النار فالتى يقول انها الجنة هى النار و انى أنذركم كما انذر به نوح قومه- متفق عليه و عن حذيفة عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال ان الدجال يخرج و ان معه ماء و نارا فاما الذي يراه الناس ماء فنار تحرق و اما الذي يراه الناس نارا فماء بارد عذب فمن أدرك ذلك منكم فليقع فى الذي يراه نارا فانه ماء بارد طيب- متفق عليه و زاد مسلم و ان الدجال ممسوح العين عليها ظفرة غليظة مكتوب بين عينيه كافر يقرؤه كل مؤمن كاتب و غير كاتب- و عنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الدجال اعور العين اليسرى جعد الشعر «يعنى درشت و ژوليده مو- منه ره» معه جنته و ناره فناره جنة و جنته نار رواه مسلم و عن النواس بن سمعان قال ذكر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الدجال فقال ان يخرج و انا فيكم فانا حجيجه دونكم و ان يخرج و لست فيكم فامرؤ حجيج نفسه و اللّه خليفتى على كل مسلم انه شابّ قطط عينه طافية «١» «شديد الجعودة- منه ره» كانى أشبهه بعبد العزى بن قطن فمن أدركه منكم فليقرا عليه فواتح سورة الكهف فانها جواركم من فتنته انه خارج خلة بين الشام و العراق فعاث يمينا «اى مفسد- منه ره» و عاث شمالا يا عباد اللّه فاثبتوا- قلنا يا رسول اللّه و ما لبثه فى الأرض قال أربعون يوما يوم كسنة و يوم كشهو و يوم كجمعة و سائر أيامه كايامكم قلنا فذلك اليوم الذي كسنة أ يكفينا فيه صلوة يوم قال لا اقدر و له قدره- الحديث بطوله رواه مسلم- و عن ابى سعيد الخدري قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يخرج الدجال فيتوجه قبله رجل من المؤمنين فيلقاه المسالح مسالح «٢» الدجال فيقولون له اين تعمد فيقول اعمد الى هذا الذي خرج قال فيقولون له او ما تؤمن بربنا فيقول ما بربنا خفاء فيقولون اقتلوه فيقول بعضهم لبعض ا ليس قد نهاكم ربكم ان تقتلوا أحدا دونه (١) طافية هى الحبة التي قد خرجت من حد أخواتها فارتفعت عليها و قيل أراد حبة الطافية على الماء- منه رح. (٢) مسالح جمع مسلح و هو القوم الذين يحفظون الثغور من العدو سموا مسلحة لانهم يكونون ذو سلاح- منه رح. فينطلقون به الى الدجال فاذا راه المؤمن قال يا ايها الناس هذا الدجال الذي ذكر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال فيأمر الدجال به فيشبح فيقول خذوه و شجوه فيوسع ظهره و بطنه ضربا قال فيقول اما تؤمن بي فيقول المسيح الكذاب قال فيؤمر به فيوشر بالميشار «اى يقطع منه ما يقطع به الخشب- منه ره» من مفرقه حتى يفرق بين رجليه قال ثم يمشى الدجال بين القطعتين ثم يقول له قم فيستوى قائما ثم يقول له أ تؤمن بي فيقول ما ازددت فيك الا بصيرة قال ثم يقول يا ايها الناس انه لا يفعل بعدي بأحد من الناس قال فيأخذه الدجال ليذبحه فيجعل ما بين رقبته الى ترقوته نحاسا فلا يستطيع اليه سبيلا قال فيأخذ بيديه و رجليه فيقذف به فيحسب الناس انما قذفه الى النار و انما القى الى الجنة فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين- رواه مسلم و عن انس عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال يتبع الدجال من يهود أصفهان سبعون الفا عليهم الطيالسة رواه مسلم و عن ابى سعيد الخدري قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يأتى الدجال و هو محرّم عليه ان يدخل نقاب المدينة فينزل بعض السباخ التي تلى المدينة فيخرج اليه رجل و هو خير الناس او من خيار الناس فيقول اشهد انّك الدجال الذي حدثنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فيقول الدجال ارايتم ان قتلت هذا ثم أحييته هل تشكون فى الأمر فيقولون لا فيقتله ثم يحييه فيقول و اللّه ما كنت فيك أشد بصيرة منى اليوم فيريد الدجال ان يقتله فلا يسلط عليه- متفق عليه و عن ابى بكرة عن النبي صلى اللّه عليه و سلم لا يدخل المدينة رعب المسيح الدجال لما يومئذ سبعة أبواب على كل باب ملكان- متفق عليه- و عن ابى بكر الصديق قال حدثنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال الدجال يخرج من ارض بالمشرق يقال له خراسان يتبعه أقوام كان وجوههم المجان المطرقة- «اى سيرها دومة منه ره» رواه الترمذي و عن اسماء بنت يزيد بن السكن قالت قال النبي صلى اللّه عليه و سلم يمكث الدجال فى الأرض أربعين سنة السنة كالشهر و الشهر كالجمعة و الجمعة كاليوم و اليوم كاضطرام السعفة فى النار- رواه البغوي فى شرح السنة و المعالم و عن ابى سعيد الخدري قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يتبع الدجال من أمتي (لعل المراد بالامة امة الدعوة) سبعون الفا عليهم التيجان- رواه البغوي فى شرح السنة و المعالم قال البغوي و يرويه ابو امامة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال و يتبع الدجال يومئذ سبعون الف يهودى كلهم ذو تاج و سيف محلى. و عن اسماء بنت يزيد الانصارية قالت كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى بيتي فذكر الدجال فقال ان بين يديه ثلاث سنين سنة تمسك السماء فيها ثلث قطرها و الأرض ثلث نباتها و الثانية تمسك السماء ثلثى قطرها و الأرض ثلثى نباتها و الثالثة تمسك السماء قطرها كله و الأرض نباتها كله فلا تبقى ذات ظلف و لا ذات ضرس من البهائم الا هلك و ان من أشد فتنته ان يأتى اعرابيّا فيقول ارايت ان أحييت لك إبلك الست تعلم انى ربك فيقول بلى فيمثل له الشياطين نحو ابله كاحسن ما يكون ضروعا و أعظمه اسنمة قال و يأتى الرجل قد مات اخوه و مات أبوه فيقول ارايت ان أحييت لك أباك و أخاك الست تعلم انى ربك فيقول بلى فيمثل له الشياطين نحو أبيه و نحو أخيه قالت ثم خرج رسول اللّه لحاجته ثم رجع و القوم فى اهتمام و غم ممّا حدثهم قالت فاخذ بلحمتى الباب فقال مهيم اسماء قلت يا رسول اللّه لقد خلعت أفئدتنا بذكر الدجال قال ان يخرج و انا حى فانا حجيجه و الا فان ربى خليفتى على كل مؤمن فقلت يا رسول اللّه انا لنعجن عجينا فما نخبزه حتى نجوع فكيف بالمؤمنين يومئذ قال تجزئهم ما يجزئ اهل السماء من التسبيح- رواه احمد و البغوي فى المعالم و عن المغيرة بن شعبة قال ما سال أحد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن الدجال اكثر مما سالته و انه قال لى ما يضرك قلت انهم يقولون ان معه جبل خبز و نهر ماء قال هو أهون على اللّه من ذلك متفق عليه- و لمّا قال اللّه سبحانه و لكنّ اكثر الناس لا يعلمون نبه على ان الجاهل كالاعمى و العالم كالبصير فقال. ٥٨ وَ ما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَ الْبَصِيرُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَ لَا الْمُسِي ءُ الجاهل و العالم و المحسن و المسي ء فلا بد ان يكون لهم محل يظهر فيه تفاوتهما و لا تفاوت لهما فى الدنيا فهو ما بعد الموت و البعث و زيادة لا فى المسي ء لان المقصود نفى مساواته للمحسن فيما له من الثواب و الكرامة- و العاطف الثاني عطف الموصول مع ما عطف عليه على الأعمى و البصير لتغائر الوصفين فى المقصود او الدلالة بالصراحة و التمثيل قَلِيلًا ما تَتَذَكَّرُونَ (٥٨) اى تذكرا قليلا او زمانا قليلا تتذكرون قرا الكوفيون بالتاء الفوقانية على تغليب المخاطب او الالتفات او امر الرسول بالمخاطبة و الباقون بالتحتانية لان أول الآيات و آخرها خبر عن قوم غيب و الضمير للناس او الكفار. ٥٩ إِنَّ السَّاعَةَ اى القيامة لَآتِيَةٌ حتى يظهر تفاوت المحسن و المسي ء لا رَيْبَ فِيها اى فى إتيانها بناء على استحالة خلف ما اخبر اللّه به وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (٥٩) بها و لا يصدقون وعد اللّه لغفلتهم و شقاوتهم و قصور نظرهم على المحسوسات-. ٦٠ وَ قالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي قرأ ابن كثير بفتح الياء و الباقون بإسكانها قيل معناه اعبدوني دون غيرى و لمّا عبر عن العبادة بالدعاء قال موضع اثيبكم أَسْتَجِبْ لَكُمْ و القرينة على ان المراد بالدعاء العبادة و بالاستجابة الاثابة قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ (٦٠) اى ذليلين قرا ابن كثير و ابو جعفر و ابو بكر «و رويس- ابو محمد بخلاف عنه ابو محمد» سيدخلون بضم الياء و فتح الخاء و الباقون بفتح الياء و ضم الخاء و الظاهر ان المراد بالدعاء و العبادة كليهما السؤال فان سوال كل ما يحتاج المرء اليه و عدم التوجه الى غيره تعالى فى شى ء من الأمور كمال العبودية و الافتقار و الاعتراف بصمديته تعالى عن انس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يسئل أحدكم ربه حاجاته كلها حتى يسئل شسع نعله إذا انقطع- رواه الترمذي و زاد فى رواية عن ثابت البناني مرسلا حتى يسئل الملح و حتى يسئل شسعه إذا انقطع- عن النعمان بن بشير قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان الدعاء هو العبادة ثم قرا ادعوني استجب لكم انّ الّذين يستكبرون عن عبادتى سيدخلون جهنّم داخرين- رواه احمد و ابو داود و الترمذي و النسائي و ابن ماجة فى مسانيدهم و قال الترمذي حديث حسن صحيح و رواه ابن ابى شيبة فى المصنف و الحاكم فى المستدرك فى صحيحه و ابن حران فى صحيحه عنه انه قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول على المنبر فذكر الحديث- أورد النبي صلى اللّه عليه و سلم ضمير الفصل و الخبر معرفا باللام و يقصد فى أمثال ذلك حصر المسند على المسند اليه كما فى قوله تعالى انّ اللّه هو الرّزّاق اى لا رازق سواه و قد يقصد قصر المسند اليه على المسند كما فى قوله الكرم هو التقوى و الحسب هو الايمان يعنى لا كرم الا التقوى و لا حسب الا الايمان و هاهنا يحتمل المعنيين و الحصر انما هو على سبيل المبالغة و لعل المراد هاهنا ان الدعاء و العبادة متحدان بالذات مختلفان بالاعتبار و المفهوم فان كل دعاء و سوال فهو عبادة و طاعة لان فى السؤال ذلّ و افتقار و العبودية فى اللغة اظهار التذلل و الافتقار و العبادة ابلغ منها لانها غاية التذلل و لذا لا يستحقه الا اللّه تعالى و قضى ربّك الّا تعبدوا الّا ايّاه و كل عبادة و طاعة فهو سوال حيث قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اكثر دعائى و دعاء الأنبياء قبلى بعرفات لا اله الا اللّه وحده لا شريك له له الملك و له الحمد و هو على كل شى ء قدير- رواه ابن ابى شيبة فى المصنف و قال اللّه تعالى و اخر دعويهم ان الحمد للّه ربّ العالمين قال الجزر كافى النهاية انما سمى التهليل و التحميد دعاء لانه بمنزلته فى استيجاب ثواب اللّه و جزائه كالحديث الاخر إذ اشغل عبدى ثناءه علىّ عن مسئلتى أعطيته أفضل ما اعطى السائلين- و روى الترمذي و مسلم من شغله القران و ذكرى عن مسئلتى أعطيته أفضل ما اعطى السائلين- و فى رواية من شغله القران و ذكرى عن مسئلتى- الحديث- اعلم ان الدعاء منه ما هو فريضة و هو قوله تعالى اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ فى الفاتحة فى الصلاة او سنة مؤكدة كالدعاء فى القعدة الاخيرة و مواقف الحج و غير ذلك و منه ما هو حرام او مكروه و هو قصر السؤال على لذات الدنيا و سوال ما هو معصية و سوال ما هو مستحيل او ما فى معناه قال اللّه تعالى فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ و قال اللّه تعالى وَ لا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللّه بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ و اما سوال كل امر يحتاج اليه العبد فى الدنيا و الاخرة و الاستعاذة من كل شر فمامور به مستحب بإجماع العلماء و ذهب طائفة من الزهاد الى انّ ترك الدعاء أفضل إسلاما للقضاء و قال طائفة ان دعا للمسلمين فحسن و ان خص نفسه فلا و الحجة لنا الكتاب و السنة و الإجماع عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ليس شى ء أكرم على اللّه من الدعاء- رواه الترمذي و قال حسن غريب و ابن ماجة و الحاكم و عن انس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الدعاء مخ العبادة- رواه الترمذي و عن ابن مسعود قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم سلوا اللّه من فضله فان اللّه يحب ان يسئل و أفضل العبادة انتظار الفرج- رواه الترمذي و قال هذا حديث غريب و عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من لم يسئل اللّه يغضب عليه- رواه الترمذي و ابن حبان و الحاكم و قال الترمذي حديث غريب و المراد من هذه الأحاديث انه من لم يسئل اللّه تعالى استكبارا غضب عليه حيث قال اللّه تعالى إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ و عن انس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا تعجزوا فى الدعاء فانه لن يهلك مع الدعاء أحد- رواه ابن حبان و الحاكم و عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الدعاء سلاح المؤمن و عماد الدين و نور السماوات و الأرض- رواه الحاكم فى المستدرك و عن ابن عمر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من فتح له منكم باب الدعاء فتحت له أبواب الرحمة و ما سئل اللّه شيئا احبّ اليه من ان يسئل العافية- رواه الترمذي و رواه الحاكم فى المستدرك فتحت له أبواب الجنة- فصل فيما وعد عن الاستجابة لمن يدعو اللّه منها هذا الحديث عن ابن عمر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من فتح له فلكم باب الدعاء فتحت له أبواب الاجابة- رواه ابن ابى شيبة و عن سلمان قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان ربكم حيى كريم يستحيى من عبده إذا رفع يديه اليه ان يردهما صفرا- رواه الترمذي و ابو داود و البيهقي فى الدعوات الكبير و عن ابى سعيد الخدري ان النبي صلى اللّه عليه و سلم قال ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها اثم و لا قطيعة رحم الا أعطاه اللّه إياه بها احدى ثلاث اما ان يعجل له دعوته و اما ان يدخرها له فى الاخرة و اما ان يصرف عنه من السوء مثلها قالوا إذا نكثر قال اللّه اكثر- رواه احمد و عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم او قطيعة رحم ما لم يستعجل قيل يا رسول ما الاستعجال قال يقول قد دعوت و قد دعوت فلم ار يستجاب لى فيستحسر عند ذلك و يدع الدعاء- رواه مسلم و عن ابن عمر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان الدعاء ينفع مما نزل و مما لم ينزل فعليكم عباد اللّه بالدعاء- رواه الترمذي و رواه احمد عن معاذ بن جبل و عن جابر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما من أحد يدعو بدعاء الا أتاه اللّه ما سال او كفّ عنه من السوء مثله ما لم يدع بإثم او قطيعة رحم- رواه الترمذي- (فصل) فيمن لا يرد دعوته عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن دعوة الوالد و دعوة المسافر و دعوة المظلوم رواه الترمذي و ابو داود و ابن ماجة و عنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ثلاثة لا يرد دعوتهم الصائم حين يفطر و الامام العادل و دعوة المظلوم برفعها اليه فوق الغمام و يفتح لها أبواب السماء و يقول الربّ و عزتى لا نصرنك و لو بعد حين- رواه الترمذي و عن ابى الدرداء قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم دعوة المرء المسلم لاخيه بظهر الغيب مستجابة عند رأسه ملك مؤكل كلّما دعا لاخيه بخير قال الملك المؤكل به أمين و لك بمثله- رواه مسلم و عن ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال خمس دعوات تستجاب لهن دعوة المظلوم حتى ينتصر و دعوة الحاج حتى يصدر و دعوة المريض حتى يبرأ و دعوة الأخ لاخيه بظهر الغيب ثم قال و اسرع الدعوات اجابة دعوة الأخ بظهر الغيب- رواه البيهقي فى دعوات الكبير و عن عبد اللّه بن عمر و قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان اسرع الدعاء اجابة دعوة غائب لغائب- رواه الترمذي و ابو داود- (فصل) فى شرائط الاستجابة للدعاء منها تجنب الحرام فى المأكل و المشرب و المكسوب عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان الرجل يطيل السفر اشعث اغبر يمد يديه الى السماء يا رب يا رب و مطعمه حرام و مشربه حرام و ملبسه حرام و غذى بالحرام فانى يستجاب لذلك- رواه مسلم و فيها حضور القلب عند الدعاء عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ادعو اللّه و أنتم موقنون بالاجابة و اعلموا ان اللّه لا يستجيب دعاء من قلب لاه- رواه الترمذي و قال هذا حديث غريب و منها الجد فى الدعاء عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا دعا أحدكم فلا يقل اللّهم اغفر لى ان شئت و لكن ليعزم و ليعظم الرغبة فان اللّه لا يتعاظمه شى ء أعطاه- رواه مسلم- (فصل) فى سنن الدعاء و آدابه عن فضالة بن عبيد قال بينما رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قاعد إذ دخل رجل فصلى فقال اللّهم اغفر لى و ارحمني فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عجلت ايها المصلى إذا صليت فقعدت فاحمد اللّه بما هو اهله و صل علىّ ثم ادعه قال ثم صلى رجل اخر بعد ذلك فحمد اللّه و صلى على النبي صلى اللّه عليه و سلم فقال له النبي صلى اللّه ايها المصلى ادع تجب- رواه الترمذي و روى ابو داود و النسائي نحوه و عن ابن مسعود قال كنت أصلي (و النبي صلى اللّه عليه و سلم و ابو بكر و عمر معه فلمّا جلست بدأت بالثناء على اللّه ثم الصلاة على النبي صلى اللّه عليه و سلم ثم دعوت لنفسى فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم سل تعطه- رواه الترمذي و عن عمر بن الخطاب قال ان الدعاء موقوف بين السماء و الأرض لا يصعد منه شى ء حتى تصلى على نبيك- رواه الترمذي و عن مالك بن يسار قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا سالتم اللّه فاسئلوه ببطون أكفكم و لا تسئلوه بظهورها- و فى رواية ابن عباس سلوا اللّه ببطون أكفكم و لا تسئلوه بظهورها فاذا فرغتم فامسحوا بها وجوهكم- رواه ابو داود و عن عمر قال كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا رفع يديه فى الدعاء لم يحطهما حتى يمسح بهما وجهه- رواه الترمذي و عن عائشة قالت كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يستحب الجوامع من الدعاء و يدع ما سوا ذلك- رواه ابو داود و عن انس قال كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يرفع يديه فى الدعاء حتى يرى بياض ابطيه- و عن السائب بن يزيد عن أبيه ان النبي صلى اللّه عليه و سلم كان إذا دعا رفع يديه مسح وجهه بيديه- رواه البيهقي فى الدعوات الكبير و عن عكرمة عن ابن عباس قال المسألة ان ترفع يديك حذو منكبيك او نحوهما- رواه ابو داود و عن ابن عمر انه يقول ان رفعكم ايديكم بدعة ما زاد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم على هذا يعنى الى الصدر. رواه احمد و عن ابى بن كعب قال كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا ذكر أحدا فدعاه بدأ بنفسه- رواه الترمذي و قال هذا حديث حسن غريب صحيح .. ٦١ اللّه الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ اى لتستريحوا فيه بالنوم وَ النَّهارَ مُبْصِراً اى يبصر فيه و اسناد الابصار اليه مجازى مبالغة و لذلك عدل به عن التعليل إِنَّ اللّه لَذُو فَضْلٍ عظيم عَلَى النَّاسِ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (٦١) لجهلهم بالمنعم و إغفالهم مواقع النعم و عظم الفضل و تكرير الناس لتخصيص الكفران بهم يعنى انهم هم الذين يكفرون و لا يشكرون كقوله انّ الإنسان لظلوم كفّار و جملة اللّه الّذى جعل لكم متصل بقوله هو الّذى يريكم آياته و اللّه مبتدا و الموصول خبره او خبر مبتدا محذوف و الموصول صفة له. ٦٢ ذلِكُمُ المخصوص بتلك الافعال المقتضية للالوهية و الربوبية مبتدا اللّه لا غيره رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَيْ ءٍ من الجواهر و الاعراض و افعال العباد لا إِلهَ اى لا تستحق العبادة أحد إِلَّا هُوَ إذ ليس أحد غيره موص وفا بشئ من الصفات المقتضية للالوهية المستوجبة للعبادة فَأَنَّى فكيف تُؤْفَكُونَ (٦٢) تصرفون من عبادته الى عبادة غيره الاربعة كلها اخبار مترادفة. ٦٣ كَذلِكَ اى كما افك كفار مكة يُؤْفَكُ الَّذِينَ كانُوا بِآياتِ «١» اللّه يَجْحَدُونَ (٦٣) (١) و فى الأصل. ٦٤ اللّه الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً اى مستقرا وَ السَّماءَ بِناءً سقفا فوقكم استدلال ثان بافعال اخر مختصة به تعالى وَ صَوَّرَكُمْ ايها الناس فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ يعنى خلقكم منتصب القامة بادى البشرة متناسب الأعضاء متهيّأ لمزاولة الصنائع و اكتساب الكمالات قال ابن عباس خلق ابن آدم قائما معتدلا يأكل و يتناول بيده و غيره يتناول بفيه وَ رَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ اى الاطعمة اللذيذة اللّه مبتدا و الموصول خبره او خبر مبتدا محذوف يعنى هو و الموصول صفة و الجملة مقررة للجملة السابقة ذلِكُمُ اللّه رَبُّكُمْ فَتَبارَكَ اللّه رَبُّ الْعالَمِينَ (٦٤) فان كل ما سواه مربوب مفتقر بالذات معترض للزوال. ٦٥ هُوَ الْحَيُّ المتفرد بالحياة الذاتية الذي يقتضى ذاته وجوده الوجوب و الوجود و ان كانا صفتى كمال لكنها ظلان من ظلال ذاته لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خبر ثان لهو اى لا يستحق العبادة الا من كان لهذا شأنه و لا شى ء كذلك الا هو فَادْعُوهُ اى فاعبدوه و اسئلوا منه حوائجكم الفاء للسببية فان ما ذكر من الصفات موجبات لعبادته مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ اى الطاعة من الشرك و الرياء الْحَمْدُ للّه رَبِّ الْعالَمِينَ (٦٥) قيل معناه قائلين ذلك و قال الفراء هو خبر و فيه إضمار الأمر مجازه فادعوه و قولوا الحمد للّه ربّ العلمين و روى عن مجاهد عن ابن عباس قال من قال لا اله الّا اللّه فليقل على اثره الحمد للّه ربّ العالمين فذلك قوله عز و جل فادعوه مخلصين له الدّين الحمد للّه ربّ العالمين و اللّه اعلم- اخرج جويبر عن ابن عباس ان الوليد بن المغيرة و شيبة بن ربيعة قالوا يا محمد ارجع عما تقول و عليك بدين ابائك و أجدادك فانزل اللّه تعالى. ٦٦ قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّه لَمَّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ مِنْ رَبِّي اى من الحجج و الآيات فانها مقويّة لادلة عقلية منهية عنها وَ أُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (٦٦) اى انقاد له و أخلص له دينى. ٦٧ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا اى أطفالا و التوحيد لارادة الجنس او على تاويل كل واحد منكم ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ اللام متعلق بمحذوف تقديره ثم يبقيكم لتبلغوا و كذا فى قوله ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً و يجوز عطفه على لتبلغوا قرا نافع و ابو عمر و حفص و هشام «و ابو جعفر و يعقوب و خلف ابو محمد» بضم الشين و الباقون بكسرها وَ مِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ اى قبل الشيخوخة او بلوغ الأشد وَ لِتَبْلُغُوا اى و يفعل ذلك لتبلغوا أَجَلًا مُسَمًّى اى وقتا معينا لا يجاوزونه يريد أجل الحيوة الى الموت وَ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٦٧) اى لتعقلوا ما فى ذلك من الحجج و العبر. ٦٨ هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَ يُمِيتُ فَإِذا قَضى «١» اى أراد أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٦٨) اى لا يحتاج فى تكوينه تجشم كلفة الفاء الاولى للدلالة على ان ذلك نتيجة ما سبق من حيث انه يقتضى قدرة ذاتية غير متوقفة على العدد و المواد .. (١) و فى الأصل و إذا قضى ١٢. ٦٩ أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللّه يعنى يقولون انها ليست من عند اللّه او يتولون خلاف سبيل الرسول و المؤمنين الاستفهام للانكار و انكار النفي اثبات و تقرير و فيه تعجيب أَنَّى يُصْرَفُونَ (٦٩) كيف صرفوا عن الحق استفهام للتوبيخ و تكرير ذم المجادلة للتاكيد او لتعدد المجادل او المجادل فيه روى عن محمد بن سيرين ان الاولى كانت فى المشركين و هذه الاية نزلت فى القدرية. ٧٠ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ وَ بِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا من الشرائع بدل من الّذين يجادلون فان كان المراد به القدرية مجوس هذه الامة فهم يكذبون ما تبت بالكتاب و السنة من كون اللّه سبحانه خالقا للاشياء كلها من الخير و الشر و الجواهر و الاعراض قادرا على كل شى ء يغفر لمن يشاء ما يشاء من الصغائر و الكبائر و يعذب من يشاء يفعل ما يشاء و يحكم ما يريد لا يجب عليه شى ء لا يسئل عمّا يفعل و هم يسئلون و ينكرون الصراط و الميزان و الشفاعة و غير ذلك- و جاز ان يكون الّذين كذّبوا مبتدا فيه معنى الشرط و خبره فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٧٠) ٧١ إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَ السَّلاسِلُ بالرفع عطف على الاغلال او مبتدا خبره يُسْحَبُونَ (٧١) اى يجرون. ٧٢ فِي الْحَمِيمِ و العائد محذوف اى يسحبون بها و هو على الاول حال و اخرج ابن ابى حاتم من طريق ابى الجوزاء عن ابن عباس انه قرا و السّلسل بالنصب على المفعولية و يسحبون بفتح الياء على البناء للفاعل قال و ذلك أشد عليهم و هم يسحبون السّلاسل ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (٧٢) اى يحرقون من شجر التّنور إذ املاه بالوقود و قال مقاتل وقد بهم النار و قال مجاهد يصيرون وقود النار و المراد تعذيبهم بانواع العذاب ينقلون من بعضها الى بعض تارة بالحميم و اخرى بالنار- اخرج الترمذي و صححه و النسائي و ابن ماجة و ابن ابى حاتم و ابن حبان و الحاكم و البيهقي عن ابن عباس رضى اللّه عنهما ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم تلا هذه الاية الى قوله يسجرون فقال لو ان رصاصة مثل هذه (و أشار الى جمجمة) أرسلت من السماء الى الأرض و هى مسيرة خمس مائة سنة لبلغت الأرض قبل الليل و لو انها أرسلت من رأس السلسلة لسارت أربعين خريفا الليل و النهار قبل ان يبلغ أصلها او قعرها-. ٧٣ ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (٧٣) ٧٤ مِنْ دُونِ اللّه يعنى الأصنام قالُوا ضَلُّوا اى غابوا عنّا فلا نراهم و ذلك قبل ان يقرن بهم التهم او المعنى ضاعوا عنا فلم نجد منهم ما كنا نتوقع منهم بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً قيل هذا انكار للاشراك مثل قولهم و اللّه ربّنا ما كنّا مشركين و قيل معناه لم نكن نّدعوا من قبل شيئا ينفعنا او يدفع عنا المكروه و قال الحسن بن الفضل اى لم نصنع من قبل شيئا اى ضاعت عبادتنا كما يقول من ضاع عمله ما كنت اعمل شيئا كَذلِكَ اى اضلالا مثل إضلال هؤلاء المشركين او مثل إضلال القدرية يُضِلُّ اللّه الْكافِرِينَ (٧٤) أجمعين حتى لا يهتدوا الى شى ء ينفعهم. ٧٥ ذلِكُمْ الإضلال بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ اى تبطرون و تتكبرون بِغَيْرِ الْحَقِّ و هو الشرك و الطغيان وَ بِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ (٧٥) اى تتوسعون فى الفرح و العدول الى الخطاب للمبالغة فى التوبيخ. ٧٦ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ السبعة المقسومة لكم خالِدِينَ مقدرين الخلود فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (٧٦) عن الحق جهنم و كان مقتضى النظم فبئس مدخل المتكبرين و لما كان الدخول المقيد بالخلود سبب الثواء عبر بالمثوى .. ٧٧ فَاصْبِرْ يا محمد على إيذاء المشركين إِنَّ وَعْدَ اللّه بنصرك و إهلاك الكافرين حَقٌّ كائن لا محالة فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ ان شرطية أدغمت فى ما الزائدة لتأكيد الشرطية و لذلك لحقت النون الفعل بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ من القتل و الأسر أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ قبل ان نريهم فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ (٧٧) يوم القيامة فنجازيهم على أعمالهم و هو جواب نتوفّينّك و جواب نرينّك محذوف مثل فذلك و جاز ان يكون هذا جوابا لهما بمعنى ان نعذبهم فى حياتك او لم نعذبهم فانا نعذبهم فى الاخرة أشد العذاب و يدل على شدته الاقتصار بذكر الرجوع فى هذا المعرض. ٧٨ وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا التنوين للتكثير و التعظيم مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ اخرج احمد و ابن راهويه فى مسنديهما و ابن حبان فى صحيحه و الحاكم فى المستدرك من حديث ابى لبابة ان النبي صلى اللّه عليه سئل عن عدد الأنبياء فقال مائة الف و اربعة و عشرون الفا فقيل فكم الرسل منهم قال ثلاث مائة و ثلاثة عشر جمّا غفيرا و اخرج ابن حبان من حديث ابى ذر نحوه و المذكور فى القران سبعة و عشرون وَ ما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ اى معجزة إِلَّا بِإِذْنِ اللّه اى بامره و إرادته ليس لهم اختيار فى إتيان بعضها و الاستبداد بإتيان المقترح بها فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللّه قضاؤه بين الأنبياء و الأمم قُضِيَ بِالْحَقِّ اى بنصر الأنبياء و المؤمنين و تعذيب الكفار وَ خَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ (٧٨) الكفار المعاندون باقتراح الآيات بغير ظهور الحق بالمعجزات .. ٧٩ اللّه الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْها وَ مِنْها تَأْكُلُونَ (٧٩) فان من جنسها ما يؤكل كالغنم و منها ما يؤكل و يركب و هو الإبل و البقر الجملة متصله بقوله هو الّذى يحيى و يميت. ٨٠ وَ لَكُمْ فِيها مَنافِعُ فى أصوافها و اوبارها و اشعارها و ألبانها و جلودها وَ لِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ بالمسافرة عليها عطف على قوله لتركبوا منها وَ عَلَيْها فى البر وَ عَلَى الْفُلْكِ فى البحر تُحْمَلُونَ (٨٠) و انما قال على الفلك و لم يقل فى الفلك مزاوجة و تغير النظم فى الاكل لانه فى حيز الضرورة إذ يقصد به التعيش و التلذذ و الركوب و المسافرة عليها قد يكون لاغراض دينية واجبة او مندوبة او للفرق بين العين ٨١ و المنفعة. يُرِيكُمْ آياتِهِ الدالة على وجوده و كمال قدرته و فرط رحمته أَيَ اية من اتِ اللّه تُنْكِرُونَ (٨١) استفهام للانكار على الإنكار فانها لكثرتها و لظهورها لا تقبل للانكار و هو ناصب اىّ .. ٨٢ أَ فَلَمْ يَسِيرُوا تقديره الم يخرجوا فلم يسيروا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَ أَشَدَّ قُوَّةً وَ آثاراً فِي الْأَرْضِ اى ما بقي منهم من القصور و المصانع و نحوها فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (٨٢) يعنى فلم ينفعهم ذلك ما الاولى نافية او استفهامية للانكار منصوبة باغنى و الثانية موصولة او مصدرية مرفوعة بها. ٨٣ فَلَمَّا جاءَتْهُمْ عطف على ما اغنى رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ بالمعجزات و الآيات الواضحات فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ و استحقروا علم الرسل و المراد بالعلم ما يزعمونه علما نافعا و هو فى الحقيقة اما جهل مركب كقول اليونانيين و غيرهم من الكفار فى الإلهيات و بعض الطبيعيات و الرياضيات و كقول كفار مكة لن نبعث و لن نعذب كذا قال مجاهد و كقول اليهود و النصارى لن يّدخل الجنّة الّا من كان هودا او نصرى و اما علم متعلق بامور الدنيا و معرفتهم بتدبيرها قال اللّه تعالى يعلمون ظاهرا من الحيوة الدّنيا و هم عن الاخرة هم غفلون فلمّا جاءتهم رسلهم معلوم الديانات و هى ابعد شى ء من علمهم لبنائها على الإجمال فى طلب الدنيا و ترك اتباع الشهوات لم يلتفتوا إليها و صغروها و استهزءوا بها و استهزءوا بهم و اعتقدوا ان علمهم انفع و اجلب للفوائد من علمهم ففرحوا به و اما علم بأشياء لا ينفعهم فى الاخرة كعلم الطبيعي و الرياضي و النجوم و السحر و الشعبدة لاهل اليونان و الهند و غيرهم- روى ان أفلاطون سأل عيسى بن مريم عليه السلام امتحانا لنبوته فقال ان كانت السماوات قسيّا و الحوادث سهاما و الإنسان هدفا و الرامي هو اللّه فاين المفر فاجاب عيسى عليه السلام ففرّوا الى اللّه فحينئذ أيقن أفلاطون بنبوته لكن قال انما الأنبياء لاجل الناقصين و نحن كاملون لا حاجة لنا الى الرسل و عن سقراط انه سمع موسى عليه السلام و قيل له لو هاجرت اليه فقال نحن قوم مهتدون لا حاجة لنا بمن يهدينا- و قيل معناه فرحوا اى ضحكوا استهزاء بما عندهم اى عند الأنبياء من العلم و يؤيده قوله تعالى وَ حاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٨٣) و قيل ضمير فرحوا راجع الى الرسل يعنى لمّا راى الأنبياء تمادى جهل الكفار و سوء عاقبتهم فرحوا بما أوتوا من اللّه العلم و شكروا اللّه تعالى عليه و حاق بالكافرين جزاء جهلهم و استهزائهم. ٨٤ فَلَمَّا رَأَوْا اى الكفار بَأْسَنا اى شدة عذابنا عند الموت قالُوا آمَنَّا بِاللّه وَحْدَهُ وَ كَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (٨٤) اى تبرأنا مما كنا نعبد من الأصنام. ٨٥ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ هذا اما من باب تنازع العاملين و اعمال أحدهما و الإضمار فى الثاني او يكون اسم يك ضمير الشان مستترا فيه او يكون يك تامة و ينفعهم بتقدير ان فاعل له فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا اى عذابنا لامتناع قبوله حينئذ و لذلك قال لم يك بمعنى لم يصح و لم يستقم سُنَّتَ اللّه منصوب على المصدرية من فعل محذوف للتأكيد اى سن اللّه ذلك سنة ماضية فى العباد ان الايمان عند نزول العذاب لا ينفع و ان العذاب نازل على مكذبى الرسل و قيل منصوب بنزع الخافض كسنة اللّه و قيل على الإغراء اى احذروا سنة اللّه الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَ خَسِرَ هُنالِكَ اى وقت رؤيتهم البأس الْكافِرُونَ (٨٥) بذهاب الدارين قال الزجاج الكافر خاسر فى كل وقت و لكن يتبين لهم خسرانهم إذا رأووا العذاب- |
﴿ ٠ ﴾