سُورَةُ الشُّورَى مَكِّيَّةٌ

وَهِيَ ثَلاَثٌ وَخَمْسُونَ آيَةً

مكيّة و هى ثلاث و خمسون اية ربّ يسّر و تمّم بالخير

 بِسْمِ اللّه الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.

_________________________________

١

حم (١)

٢

عسق (٢)

قال البغوي سئل الحسن بن الفضل لم قطع حم عسق و لم يقطع كهيعص فقال لانها سورة من سور اوائلها حم فجرت مجرى نظائرها و لان حم مبتدا و عسق خبره و لانهما عدا ايتين و أخواتها مثل كهيعص و المص عدت اية واحدة و قيل اهل التأويل لم يختلفوا فى كهيعص و أخواتها انها حروف للتهجى لا غير و اختلفوا فى حم و أخرجها بعضهم من حيز الحروف و جعلها فعلا معناه حمّ اى قضى ما هو كائن و روى عكرمة عن ابن عباس انه قال ح حلمه م مجده ع علمه س سناؤه ق قدرته اقسم اللّه بها و قال شهر بن حوشب و عطاء بن ابى رباح ح حرف يعز فيها الذليل و يزل فيها العزيز من فرس م ملك يتحول من قوم الى قوم اخر ع عدو لقريش يقصدهم س سي ء بكور فيهم ق قدرة اللّه النافذة فى خلقه و روى عن ابن عباس انه قال ليس من نبى صاحب كتاب الا و قد أوحيت اليه حم عسق حيث قال اللّه تعالى.

٣

كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَ إِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللّه الْعَزِيزُ الغالب لقهره الْحَكِيمُ (٣) المصيب فى حكمه اى مثل ما فى هذه السورة من المعاني او ايحاء مثل ايحائها اوحى اللّه إليك و الى الرسل من قبلك ذكر بلفظ المضارع على حكاية الحال الماضية للدلالة على استمرار الوحى و ان ايحاء مثله عادته تعالى- قرا الجمهور يوحى بكسر الحاء على المضارع المبنى للفاعل و اللّه فاعله

و قرا ابن كثير بفتح الحاء على البناء للمفعول على ان كذلك مرفوع على الابتداء اى مثل ذلك و يوحى خبره المسند الى ضميره او كذلك منصوب على المصدر و يوحى مسند الى إليك و اللّه مرفوع على انه فاعل لفعل محذوف دل عليه السؤال المقدر يعنى من يوحى اليه فقال اللّه كما فى قول الشاعر ليبك يزيد ضارع لخصومة- على البناء للمفعول و العزيز الحكيم صفتان له مقررتان لعلو شأن الموحى به او اللّه مبتدا و العزيز و ما بعد اخبار او العزيز الحكيم صفتان و كذا قوله.

٤

لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ صفة بتقدير الذي او حال وَ هُوَ الْعَلِيُّ على خلقه الْعَظِيمُ (٣) حال اخر او تذييل و هو على الوجوه الاخر جملتان مستأنفتان مقررتان لعزته و حكمته-.

٥

تَكادُ قرأ نافع و الكسائي بالياء التحتانية لان الفاعل مؤنث غير حقيقى و الباقون بالتاء الفوقانية لتأنيث السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ اى يتشققن من عظمة اللّه تعالى و علو شأنه يدل عليه ذكره بعد قوله العلىّ العظيم و قيل يتفطرن من قول المشركين اتخذ اللّه ولدا نظيره فى سورة مريم لقد جئتم شيئا ادّا تكاد السّموت يتفطّرن و قيل يتشققن من كثرة الملائكة قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أطت «١» السماء و حقها ان تاط و الذي نفس محمد بيده ما فيها موضع شبر الا فيه جبهة ملك ساجد يسبح اللّه بحمده- رواه ابن مردوية عن انس و رواه البغوي بلفظ ما فيها موضع قدم الا و عليه ملك قائم او راكع او ساجد- قرا البصريان و ابو بكر ينفطرن من الانفطار مِنْ فَوْقِهِنَّ اى يبتدئ الانفطار من جهتهن الفوقانية و تخصيصها على الاول لانه أعظم الآيات و ادلها على علو شأنه و على الثاني ليدل على ان الانفطار من تحتهن بالطريق الاولى و على الثالث لازدحام الملائكة على الفوق و قيل الضمير للارض فان المراد بها الجنس و هذا على الثاني وَ الْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ اى ينزهون عما يقول الظالمون من نسبة الولد و كل ما لا يليق بشأنه خضوعا لما يرون من عظمة اللّه سبحانه ملابسين بِحَمْدِ رَبِّهِمْ أداء لشكر نعمائه وَ يَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ من المؤمنين أداء لحق المشاركة فى الايمان و الجملة حال أَلا إِنَّ اللّه هُوَ الْغَفُورُ لاوليائه الرَّحِيمُ (٥) بهم.

(١) الأطيط صوت الاقتاب و أطيط الإبل أصواتها و حنينها اى ان كثرة ما فيها من الملائكة قد أثقلها حتى أطت. ١٢ نهايه منه رحمه اللّه.

٦

وَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ شركاء و أندادا اللّه حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ رقيب على أحوالهم و أعمالهم يحصى عليهم فيجازيهم بها وَ ما أَنْتَ عَلَيْهِمْ يا محمد بِوَكِيلٍ (٦) بموكل بهم تحصل المطلوب منهم او موكول إليك أمرهم.

٧

وَ كَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ الاشارة الى مصدر يوحى و قوله قُرْآناً عَرَبِيًّا منصوب على المفعولية او هو اشارة الى معنى الاية المتقدمة فانه مكرر فى القران فى مواضع فيكون الكاف مفعولا به و قوله قرءانا عربيّا حالا منه لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى اى أهلها و هى مكة فان اكثر قرى العرب خرجت منها وَ مَنْ حَوْلَها اى العرب لينصروه فى إعلاء كلمة اللّه او قرى الأرض كلها مشرقها و مغربها و جنوبها و شمالها قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فضلت على الأنبياء بخمس بعثت الى الناس كافة و ذخرت شفاعتى لامتى و نصرت بالرعب شهرا امامى و شهرا خلفى و جعلت لى الأرض مسجدا و طهورا و أحلت لى الغنائم و لم يحل لاحد قبلى رواه الطبراني بسند صحيح عن السائب بن يزيد و روى مسلم فى الصحيح و الترمذي عن ابى هريرة قوله صلى اللّه عليه و سلم فضلت على الأنبياء بست أعطيت جوامع الكلم و نصرت بالرعب و أحلت لى الغنائم و جعلت لى الأرض طهورا و مسجدا و أرسلت الى الخلق كافة و ختم بي النبيون وَ تُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ اى لتنذرهم بيوم القيامة التي يجمع فيه الأولون و الآخرون حذف ثانى مفعولى تنذر الاول و أول مفعولى الثاني للتهويل و التعميم لا رَيْبَ فِيهِ اعتراض لا محل له من الاعراب فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَ فَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (٧) تقديره فريق منهم فى الجنّة و فريق منهم فى السّعير و ضمير منهم للمجموعين لدلالة الجمع عليه و الجملتان منصوبتان على الحال منهم اى و ينذرهم يوم يجمعون كائنين متفرقين فى دارى الثواب و العقاب او مستأنفتان عن عبد اللّه بن عمرو قال خرج علينا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ذات يوم قابض على كفيه و معه كتابان قال أ تدرون ما هذان الكتابان

قلنا لا يا رسول اللّه فقال للذى فى يده اليمنى هذا كتاب من رب العالمين بأسماء اهل الجنة و اسماء ابائهم و عشائرهم و عدتهم قبل ان يستقروا فى الأصلاب و قبل ان يستقروا نطفا فى الأرحام إذ هم فى الطينة منجدلون «اى ملقون على الجدالة و هى الأرض منه ره» فليس بزائد منهم و لا ناقص منهم إجمال من اللّه عليهم الى يوم القيامة ثم قال للذى فى يساره هذا كتاب من رب العالمين بأسماء اهل النار و اسماء ابائهم و عشائرهم و عدتهم قبل ان يستقروا فى الأصلاب و قبل ان يستقروا نطفا فى الأرحام إذ هم فى الطينة منجدلون فليس بزائد فيهم و لا نافض منهم إجمال من اللّه عليهم الى يوم القيامة- فقال عبد اللّه بن عمرو ففيم العمل إذا فقال اعملوا و سددوا و قاربوا فان صاحب الجنة يختم له بعمل اهل الجنة و ان عمل اىّ عمل و ان صاحب النار يختم له بعمل اهل النار و ان عمل اىّ عمل ثم قال فريق فى الجنّة و فريق فى السعير عدل من اللّه عزّ و جل- رواه البغوي و كذا روى الترمذي-.

٨

وَ لَوْ شاءَ اللّه لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً عطف على مضمون فريق فى الجنّة اى الامة اى يفترقون فريقين قال ابن عباس على دين واحد و قال مقاتل على دين الإسلام لقوله تعالى و لو شاء اللّه لجمعهم على الهدى وَ لكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ بالهداية الى دين الإسلام وَ الظَّالِمُونَ الكافرون ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَ لا نَصِيرٍ (٨) اى لا يدخلهم فى رحمته فلا يكون لهم ولى يدفع عنهم العذاب و لا نصير يمنعهم من النار و لعل تغير المقابلة للمبالغة فى الوعيد إذ الكلام فى الانذار.

٩

أَمِ اتَّخَذُوا عطف على و الظّالمون الاية أم منقطعة بمعنى بل للاضراب و الهمزة للانكار يعنى الكافرون لم يتخذوا اللّه وليّا و نصيرا بل ء اتخذوا مِنْ دُونِهِ كالاصنام و الشياطين أَوْلِياءَ لا ينبغى ذلك او المعنى ليس المتخذون اولياء فَاللّه هُوَ الْوَلِيُّ جواب شرط محذوف مثل ان أرادوا اولياء فاللّه هو الولي يعنى هو الحقيق بان يتخذ وليا وَ هُوَ يُحْيِ الْمَوْتى ليجزى كل نفس ما عملت وَ هُوَ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ (٩) هذه الجملة فى مقام التعليل لقوله هو الولي و قال ابن عباس فاللّه وليك و ولى من تبعك اى ناصرك و إياهم و الفاء حينئذ لمجرد العطف لا لجزاء الشرط.

١٠

وَ مَا اخْتَلَفْتُمْ ايها الناس فِيهِ مِنْ شَيْ ءٍ من امر الدين فَحُكْمُهُ مفوض إِلَى اللّه يحكم يوم القيامة بينهم فيميز المحق من المبطل و قيل ما اختلفتم فيه من تأويل متشابه فارجعوا فيه الى المحكم من اللّه ذلِكُمُ الذي يحكم بينكم اللّه اى قل لهم يا محمد ذلكم اللّه رَبِّي بدل من اللّه او عطف بيان عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ فى رد كيد الأعداء و فى الأمور كلها وَ إِلَيْهِ أُنِيبُ (١٠) اى ارجع فى المعضلات.

١١

فاطِرُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ مبدعهما خبر اخر لذلكم او خبر مبتدا محذوف او مبتدا خبره ما بعده جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ من جنسكم أَزْواجاً نساء وَ مِنَ الْأَنْعامِ اى جعل للانعام من الانعام أَزْواجاً او جعل لكم من الانعام أصنافا او ذكورا و إناثا جملة جعل على التقدير الأولين حال بتقدير قد يَذْرَؤُكُمْ اى يكثركم من الذرء و هو البث الضمير للمخاطبين و الانعام تغليبا فِيهِ اى فى هذا التدبير و هو جعل الناس و الانعام أزواجا ليكون بينهم توالد و قيل فيه اى فى الرحم و قيل فى البطن و قيل فى بمعنى الباء اى يذرؤكم به قيل معناه يكثركم بالتزويج لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ ءٌ المثل زائد و المعنى ليس هو كشئ فادخل المثل للتأكيد كقوله فان أمنوا بمثل ما أمنتم به و قيل الكاف زائدة و معناه ليس مثله شى ء يزاوجه و يناسبه قال ابن عباس ليس له نظير و قيل هذا من باب الكناية نظيره قولهم مثلك لا يفعل كذا على قصد المبالغة فى نفيه عنه فانه إذا نفى عمّن يناسبه و يسدّ مسده كان نفيه عنه بالطريق الاولى و إذا كان كناية فلا يقتضى ان يكون له مثل فان فى الكناية لا يشترط تحقق المعنى الحقيقي كما يقال فلان طويل النجاد و ان لم يكن له نجاد أصلا و نظيره قوله تعالى بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ كناية عن كونه جوادا مع استحالة الجارحة و قيل معنى مثله صفته اى ليس كصفته صفة شى ء وَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١١) لكل ما يسمع و يبصر و كل سميع و بصير فسمعه و بصره مستعار منه تعالى كانه ذكرهما لئلا يتوهم انه لا صفة له كما انه لا مثل له.

١٢

لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ اى خزائن الرزق فى السماوات و الأرض قال الكلبي المطر و النبات يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَ يَقْدِرُ اى يوسع و يضيق على وفق مشيته ابتلاء و امتحانا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيمٌ (١٢) فيفعل على ما ينبغى ..

١٣

شَرَعَ لَكُمْ يا امة محمد صلى اللّه عليه و سلم مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ يا محمد وَ ما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى وَ عِيسى يعنى ان دين الإسلام الذي شرع اللّه لامة محمد صلى اللّه عليه و سلم ليس امرا مبتدعا بل هو دين الأنبياء كلهم فان الحق لا يكون الا واحدا و ماذا بعد الحقّ الّا الضّلال و ما أنكر من اهل الكتاب الا تعنتا و عنادا عن ابن مسعود قال خطّ لنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم خطا ثم قال هذا سبيل اللّه ثم خط خطوطا عن يمينه و شماله و قال هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو اليه

و قرا و انّ هذا صراطى مستقيما فاتّبعوه الاية- رواه احمد و النسائي و الدارمي و ذلك الدين هو الايمان باللّه وحده و بصفاته و بانبيائه و كتبه و ملائكته و البعث بعد الموت و بكل ما جاء به الانبيا و الإتيان بما امر اللّه به و الانتهاء عما نهى عنه- و هذا امر جامع للشرائع متفق عليها و النسخ فى بعض الاحكام العملية لا يستلزم اختلاف الأديان الا ترى ان النسخ قد يكون فى دين نبى واحد فان النبي صلى اللّه عليه و سلم صلى الى بيت المقدس ستة عشر شهرا ثم صلى الى الكعبة فكما ان هذا لا يقتضى اختلاف الأديان فكذلك الاختلاف فى الفروع فى شرائع الأنبياء لا يقتضى اختلاف الدين فان مال الكل الإتيان بما امر اللّه به و الانتهاء عما نهى عنه أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ ان مفسرة لاوحينا و وصّينا فان فيها معنى القول او مصدرية و المصدر منصوب بدل من ما وصّى مفعول شرع او مرفوع خبر مبتدا محذوف اى هو يعنى خذوا ما أتاكم الرّسول بلا زيغ و انحراف وَ لا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ باتباع الآراء الأهواء او بالتعصب و العناد فان افتراق امة محمد صلى اللّه عليه و سلم الى ثلاث و سبعين فرقة انما نشأ باتباع الآراء و الأهواء و هو المراد بما ذكرنا من حديث رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انه خط خطا و قال هذا سبيل اللّه و خطوطا و قال هذه سبل على كل منها شيطان و ترك اليهود و النصارى الايمان بمحمد صلى اللّه عليه و سلم انما نشأ من العناد و التعصب و عن على رضى اللّه عنه قال لا تتفرقوا فالجماعة رحمة و الفرقة عذاب- و عن ابى ذر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من فارق الجماعة شبرا فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه- رواه احمد و ابو داود و عن ابن عباس رضى اللّه عنهما قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يد اللّه على الجماعة- رواه الترمذي بسند حسن و عن معاذ بن جبل قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان الشيطان ذئب الإنسان كذئب الغنم يأخذ الشاذّة «متفرقة منه ره» و القاصية «دور رفته منه ره» و الناحية «يسكو رونده منه ره» و إياكم و الشعاب و عليكم بالجماعة و العامة رواه احمد كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ من الدين القويم الناطق بالتوحيد و ترك الأصنام اللّه يَجْتَبِي اى يصطفى إِلَيْهِ اى الى دينه او الى ما تدعوهم اليه او الى نفسه مَنْ يَشاءُ سواء وجد من المجتبى سعى و ارادة اولا وَ يَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (١٣) اى يقبل اليه قالت الصوفية من يجتبيه و يجذبه الى نفسه من غير اختياره فهو مراد اللّه و هم الأنبياء و الصديقون و من أناب الى اللّه فهداه اللّه فهو المريد و هم اولياء اللّه الصالحون من عباده-.

١٤

وَ ما تَفَرَّقُوا عطف على شرع قال ابن عباس يعنى اهل الكتاب إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ من الكتب السّماوية السابقة بان دين الأنبياء كلهم واحد و ان الذي اوحى الى محمد صلى اللّه عليه و سلم هو الذي جاء به ابراهيم و موسى و عيسى بَغْياً بَيْنَهُمْ قال عطاء بغيا بينهم على محمد صلى اللّه عليه و سلم يعنى تكبرا و استطالة قال فى القاموس بغى عليه يبغى بغيا علا و ظلم و عدل و استطال وَ لَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ فى تأخير العذاب إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى الى دار الجزاء لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ اى بين من أمن و من كفر فى الدنيا باستيصال المبطلين و استيلاء المحقين وَ إِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ يعنى اليهود و النصارى مِنْ بَعْدِهِمْ اى بعد أنبيائهم و قيل بعد الأمم الخالية و قيل المراد مشركى مكة الّذين أورثوا الكتاب اى القرءان من بعدهم اى بعد اهل الكتاب لَفِي شَكٍّ مِنْهُ اى من كتابهم لا يعلمونه كما هو و لا يؤمنون به حق الايمان او من القران مُرِيبٍ (١٤) مقلق او مدخل فى الريبة.

١٥

فَلِذلِكَ اى للتفرق من اهل الكتاب فَادْعُ الفاء فى جواب اما المحذوف تقديره اما أنت فادع الناس الى اقامة الدين و عدم التفرق و اتباع ما أوتيت وَ اسْتَقِمْ أنت عليه كَما أُمِرْتَ وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ الزائغة وَ قُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللّه مِنْ كِتابٍ اى بجميع الكتب المنزلة لا كما قالت اليهود و النصارى نؤمن ببعض و نكفر ببعض و يريدون ان يتّخذوا بين ذلك سبيلا وَ أُمِرْتُ بالعدل لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ فى تبليغ الشرائع و الحكم بين المتخاصمين الاول اشارة الى كمال القوة النظرية و هذا اشارة الى كمال القوة العملية اللّه رَبُّنا وَ رَبُّكُمْ خالق الكل و متولى أمورهم لَنا أَعْمالُنا وَ لَكُمْ أَعْمالُكُمْ كل يجزى على حسب عمله لا حُجَّةَ اى لا خصومة بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمُ لان أعمالكم لا يضرّنا و اعمالنا لا يضرّكم انما ندعوكم الى الإسلام نصحا لّكم فلا وجه للخصومة و العداوة كان نزول هذه الاية فى مكة قبل الأمر بالقتال و المعادات فنسختها اية القتال و قوله تعالى يا ايّها الّذين أمنوا لا تتّخذوا عدوّى و عدوّكم اولياء الى قوله بدا بيننا و بينكم العداوة و البغضاء ابدا حتّى تؤمنوا باللّه وحده اللّه يَجْمَعُ بَيْنَنا يوم القيامة فيحكم بيننا وَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (١٥) اخرج ابن المنذر عن عكرمة قال لما نزلت إذا جاء نصر اللّه و الفتح و رايت النّاس يدخلون فى دين اللّه أفواجا قال المشركون بمكة لمن كان بين أظهرهم من المؤمنين قد دخل الناس فى دين اللّه أفواجا فاخرجوا من بين أظهرنا فعلى كم تقيمون بين أظهرنا فنزلت.

١٦

وَ الَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللّه اى فى دينه

و اخرج عبد الرزاق انه قال قتادة هم اليهود و النصارى قالوا كتابنا قبل كتابكم و نبينا قبل نبيكم فنحن خير منكم فهذه خصومتهم مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ اى بعد ما استجاب الناس دعوته فاسلموا و دخلوا فى دينه لظهور معجزته و حسن دعوته حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ اى خصومتهم باطلة زائلة او المعنى ما يزعمونه حجة فهو فى الحقيقة شبهة باطلة وَ عَلَيْهِمْ غَضَبٌ من اللّه لمعاندتهم وَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (١٦) على كفرهم.

١٧

اللّه الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ اى جنس الكتب بِالْحَقِّ اى متلبسا به بعيدا من الباطل و بما يحق به انزاله من العقائد الحقة و الاحكام وَ الْمِيزانَ قال قتادة و مجاهد و مقاتل بالعدل سمى العدل ميزانا لان الميزان فمعز الدولة الانصاف و التسوية و قال ابن عباس امر اللّه تعالى بالإيفاء و نهى عن البخس و قيل المراد به الشرع فانه توازن به الحقوق و تسوى بين الناس وَ ما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (١٧) قال الكسائي اى قريب إتيانها فاتبع الكتاب و اعمل بالشرع و واظب على العدل قبل ان نفاجئك الساعة يؤزن حينئذ أعمالك و يوفى جزاؤك و قيل تذكير القريب كانه بمعنى ذات قرب او لان الساعة بمعنى البعث و جملة لعلّ السّاعة قريب سدّ مسد المفعولين ليدريك و لعل علق الفعل عن العمل قال مقاتل ذكر النبي صلى اللّه عليه و سلم الساعة و عنده قوم من المشركين فقالوا تكذيبا متى الساعة فانزل اللّه تعالى.

١٨

يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها استهزاء و ظنّا انها غير اتية وَ الَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها اى خائفون منها لاحتمال العذاب وَ يَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ الكائن لا محالة أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ اى يجادلون فيها و يشكون فى إتيانها فى القاموس المرية بالكسر و الضم الشك و الجدل و ماراه مماراة شك و اصل ذلك من مرنت الناقة إذا مسحت ضرعها بشدة للحلب لان كلّا من المتجادلين يستخرج ما عند صاحبه بكلام فيه شدة لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (١٨) عن الحق فان البعث أشبه الغائبات بالمحسوسات فمن لم يهتد الى تجويزه مع كمال قدرة اللّه بعد دلالة الكتاب و السنة عليه و شهادة العقل على دار الجزاء فهو ابعد من الاهتداء الى ما وراء.

١٩

اللّه لَطِيفٌ بِعِبادِهِ قال ابن عباس حفىّ بهم قال عكرمة بارّ بهم قال السدىّ رفيق و قال مقاتل لطيف بالبر و الفاجر حيث لم يهلكهم جزاء لمعاصيهم و قيل لطيف فى إيصال المنافع و صرف البلاء من وجه بلطف إدراكه قيل لطيف بالغوامض علمه و عظيم عن الجرائم حلمه و ينشر المناقب و يستر العيوب و يعطى العبد فوق الكفاية و يكلفه بالطاعة دون الطاقة يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ ما يشاء فيختص كلّا من عباده بنوع من البر على ما اقتضته حكمته و كل من يرزق من مؤمن و كافر و ذى روح فهو ممن يشاء اللّه ان يرزقه- قال جعفر بن محمد عليهما السلام اللطيف فى الرزق من وجهين أحدهما انه جعل رزقك من الطيبات و الثاني انه لم يدفعه إليك بمرة واحدة وَ هُوَ الْقَوِيُّ الباهر قدرته الْعَزِيزُ (١٩) المنيع الذي لا يغلب و الجملة حال او تذييل.

٢٠

مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ الحرث فى الأصل إلقاء البذر فى الأرض و يقال للزرع الحاصل منه و فى القاموس الحرث الكسب و جمع المال و الزرع و المراد هاهنا ثواب الاخرة شبهه بالزرع من انه ثمرة للعمل فى الدنيا و لذلك قيل الدنيا مزرعة الاخرة او شبهه بالكسب اى ما حصل منه فانه يحصل بما يكسب فى الدنيا نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ اى فى كسبه و زرعه فنعطيه بالواحد عشرا الى سبع مائة كمثل حبّة أنبتت سبع سنابل فى كلّ سنبلة مائة حبّة وَ مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا اى يريد بعمله نصيبا من الدنيا نُؤْتِهِ مِنْها شيئا على ما قسمنا له وَ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (٢٠) عطف على نؤته عن عمر بن الخطاب قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انما الأعمال بالنيات و انما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته الى اللّه و رسوله فهجرته الى اللّه و رسوله و من كانت هجرته الى دنيا يصيبها او امراة يتزوجها فهجرته الى ما هاجر اليه- متفق عليه و عن أبيّ بن كعب قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بشر هذه الامة بالسّناء و الرفعة و النصرة و التمكين فى الأرض فمن عمل منهم عمل الاخرة للدنيا لم يكن له فى الاخرة نصيب- رواه البغوي-.

٢١

أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ أم منقطعة بمعنى بل و الهمزة للانكار يعنى بل الهم ما زعموا شركاء للّه سبحانه خصص الشركاء بهم لانهم اتخذوها شركاء شَرَعُوا اى تلك الشركاء لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللّه قال ابن عباس شرعوا دينا غير دين الإسلام يعنى الشرك و انكار البعث و العمل للدنيا و الجملة متصلة بقوله شرع لكم من الدّين و قيل أم متصلة معادلة لجملة محذوفة مصدرة بالهمزة تقديرها أ يقبلون ما شرع اللّه أم يقبلون ما شرع لهم شركاؤهم و لو لا كَلِمَةُ الْفَصْلِ اى القضاء السابق بتأخير الجزاء الى يوم القيامة كما قال بل السّاعة موعدهم لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ اى بين الكافرين و المؤمنين و فرغ من تعذيب من كذّبك فى الدنيا و الجملة معترضة وَ إِنَّ الظَّالِمِينَ اى المشركين لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢١) فى الاخرة وضع المظهر موضع المضمر لبيان استحقاقهم و التقدير انّهم لهم عذاب اليم لما كانوا ينكرونه.

٢٢

تَرَى الظَّالِمِينَ اى المشركين يوم القيامة مُشْفِقِينَ خائفين مفعول ثان لترى او حال مِمَّا كَسَبُوا اى من جزاء ما كسبوا من الشرك و المعاصي وَ هُوَ اى جزاء ما كسبوا واقِعٌ بِهِمْ لا محالة اشفقوا او لم يشفقوا حال مقدرة وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ اى أطيب بقاعها و أنزهها لَهُمْ ما يَشاؤُنَ اى ما يشتهونه ثابت لهم عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ الذي ذكرت من نعيم الجنة هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (٢٢) الذي يصغر دونه ما لهم فى الدنيا.

٢٣

ذلِكَ الثواب الَّذِي يُبَشِّرُ قرأ ابن كثير و ابو عمرو و حمزة و الكسائي يبشر بالتخفيف من البشرة و الباقون من التفعيل اللّه به عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ قُلْ يا محمد لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ اى على ما أتعاطاه من التبليغ و البشارة أَجْراً اى نفعا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى حال من المودة اى الا ان تودونى لقرابتى منكم و الجملة معترضة روى البخاري فى الصحيح بسند عن عبد الملك بن ميسرة قال سمعت طاءوسا انه قال سئل ابن عباس عن المودة فى القربى فقال سعيد بن جبير القربى ال محمد فقال ابن عباس عجلت ان النبي صلى اللّه عليه و سلم لم يكن بطن من قريش الا كان له فيهم قرابة فقال الا ان تصلوا بينى و بينكم من القرابة

قال البغوي و كذلك روى الشعبي عن ابن عباس قال المودة فى القربى يعنى ان تحفظوني قرابتى و تودونى و تصلحوا رحمى- و اليه ذهب مجاهد و عكرمة و مقاتل و السدى و الضحاك قال عكرمة لا اسئلكم على ما أدعوكم اجرا الا ان تحفظوني و قرابتى بينى و بينكم و ليس كما يقول الكذابون-

قال البغوي قال قوم هذه الاية منسوخة و انما نزلت بمكة و كان المشركون يؤذون رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فانزل اللّه هذه الاية فامرهم بمودة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و صلة رحمه فلمّا هاجر الى المدينة و اواه الأنصار و نصروه أحب اللّه ان يلحقه بإخوانه من الأنبياء عليهم السلام حيث قالوا و ما اسئلكم عليه من اجر ان اجرى الّا على ربّ العالمين فانزل اللّه قل لا اسئلكم عليه اجرا فهى منسوخة بهذه الاية و بقوله قل لا اسئلكم عليه من اجر و ما انا من المتكلّفين و غيرها من الآيات و الى هذا ذهب الضحاك بن مزاحم و الحسين بن الفضل

قال البغوي و هذا قول غير مرضى لان مودة النبي صلى اللّه عليه و سلم و كف الأذى عنه و كذا مودة أقاربه من فرائض الدين قلت لا شك ان مودة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و أقاربه فريضة محكمة لا يحتمل النسخ لحديث انس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب اليه من والده و ولده و النّاس أجمعين- و عنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الايمان من كان اللّه و رسوله أحب اليه مما سواهما و من أحب عبدا لا يحبه الا للّه و من يكره ان يعود فى الكفر بعد ان أنقذه اللّه منه كما يكره ان يلقى فى النار- روى الحديثين الشيخان فى الصحيحين و على ذلك انعقد الإجماع- لكن يمكن ان يقال ان المنسوخ انما هو ما امر اللّه تعالى رسوله بسوال الاجر و روى ابن نجيح عن مجاهد عن ابن عباس فى معنى الاية الا ان تودوا اللّه و تتقربوا اليه بطاعته- و هذا قول الحسن قال هو القربى الى اللّه يقول الا التقرب الى اللّه و التودد اليه بالطاعة و العمل الصالح- و قال بعضهم معناه الا ان تودوا قرابتى و عترتى و تحفظوني فيهم و هو قول سعيد بن جبير و عمرو بن شعيب اخرج ابن ابى حاتم و الطبراني و ابن مردوية عن ابن عباس قيل يا رسول اللّه من قرابتك هؤلاء قال على و فاطمة و ابناهما- و استدل الروافض بهذه الاية مع هذا الحديث على حصر الخلافة فى على و بطلان خلافة الخلفاء الثلاثة المرضيين رضى اللّه عنهم أجمعين وجه احتجاجهم انهم قالوا وجب حب علىّ بهذه الاية مع هذا الحديث وحب غير على ليس بواجب و وجوب المحبة يستلزم وجوب الطاعة فهو الامام لا غير- و قولهم هذا باطل بوجوه (أحدها) ان هذا الحديث غير صحيح فى اسناده حسين الأشعري شيعى غليط و هذه الاية مكية و لم يكن لفاطمة حينئذ ولد (و ثانيها) انا نسلم ان حب على و فاطمة و ابناهما واجب لكن لا نسلم ان حب غيرهم ليس بواجب كيف و قد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حب ابى بكر و عمر ايمان و بغضهما كفر- رواه ابن عدى عن انس و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حب ابى بكر و عمر من الايمان و بغضهما كفر و حب الأنصار من الايمان و بغضهم كفر و حب العرب من الايمان و بغضهم كفر و من سب أصحابي فعليه لعنة اللّه و من حفظنى فيهم فانا احفظه يوم القيامة- رواه ابن عساكر عن جابر و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حب الأنصار اية الايمان و بغض الأنصار اية النفاق- رواه النسائي عن انس و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حب قريش ايمان و بغضهم كفر و حب العرب ايمان و بغضهم كفر و من أحب العرب فقد أحبني و من ابغض العرب فقد ابغضنى- رواه الطبراني فى الأوسط عن انس و قولهم ان من وجب محبته يكون اماما مفروض الطاعة باطل- و قيل هذه الاية لوجوب محبته من حرم عليهم الصدقة و هم بنوا هاشم و بنوا المطلب الذين لم يتفرقوا فى الجاهلية و لا فى الإسلام و قيل هم ال على و عقيل و جعفر و عباس و فيهم قوله صلى اللّه عليه و سلم انى تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه و اهل بيتي أذكركم اللّه فى اهل بيتي عن زيد بن أرقم قال قام رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فينا خطيبا بماء يدعى خما بين مكة و المدينة فحمد اللّه و اثنى عليه و وعظ و ذكر ثم قال اما بعد الا يا ايها الناس انما انا بشر يوشك ان يأتينى رسول ربى فأجيب و انا تارك فيكم الثقلين أولهما كتاب اللّه فيه الهدى و النور فخذوا بكتاب اللّه و استمسكوا به فحث على كتاب اللّه و رغب فيه ثم قال و اهل بيتي أذكركم اللّه فى اهل بيتي أذكركم اللّه فى اهل بيتي

قال البغوي قيل لزيد بن أرقم من اهل بيته قال هم ال على و ال عقيل و ال عباس-

فان قيل كيف امر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بسوال مودته او مودة أقربائه اجرا على تبليغ الرسالة مع ان التبليغ كان عليه فريضة و لا يجوز طلب الاجرة على أداء الفريضة بل على العبادة النافلة ايضا لما ذكرنا فى تفسير قوله تعالى من كان يريد حرث الدّنيا نؤته منها و ما له فى الاخرة من نصيب قوله صلى اللّه عليه و سلم من عمل منهم عمل الاخرة للدنيا لم يكن له للاخرة نصيب-

قلنا اطلاق الاجر على ما امر النبي صلى اللّه عليه و سلم بسواله على التبليغ انّما هو على المجاز و المشاكلة فان الاجر للسائل على الحقيقة ليس الا ما يكون نافعا له مسئولا لانتفاعه به و هاهنا ليس كذلك بل انما سال النبي صلى اللّه عليه و سلم أمته مودته و مودة أقربائه و امره اللّه سبحانه ان يسئل ذلك لكى ينتفع الناس بمحبته فان محبة النبي صلى اللّه عليه و سلم مثمرة لمحبة اللّه تعالى و قربه و ولايته و موجبة لكمال الايمان و من هاهنا أقول ان الاولى ان يقال فى تأويل الاية لا اسئلكم اجرا الا ان تودوا اقربائى و اهل بيتي و عترتى و ذلك لانه صلى اللّه عليه و سلم كان خاتم النبيين لا نبى بعده و انما انتصب للدعوة الى اللّه بعده صلى اللّه عليه و سلم علماء أمته من اهل الظاهر و الباطن و لذلك امر اللّه تعالى نبيه صلى اللّه عليه و سلم ان يأمر أمته بمودة اهل بيته لان عليّا رضى اللّه عنه و الائمة من أولاده كانوا اقطابا لكمالات الولاية و من أجل ذلك قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انا مدينة العلم و على بابها- رواه البزار و الطبراني عن جابر و له شواهد من حديث ابن عمر و ابن عباس و علىّ و أخيه و صححه الحاكم و من أجل ذلك ترى كثيرا من سلاسل المشائخ تنتهى الى ائمة اهل البيت و مضى كثير من الأولياء فى السادات العظام منهم غوث الثقلين محى الدين عبد القادر الجيلي الحسنى الحسيني و بهاء الدين النقشبندي و السيد السند مودود الچشتى و سيد معين الدين الچشتى و ابو الحسن الشاذلى و غيرهم و من أجل ذلك قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انى تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه و عترتى.

و قال اكثر علماء التفسير الاستثناء منقطع و الاجر مستعمل فى معناه الحقيقي فالمعنى لا اسئلكم اجرا قط و لكنى أذكركم المودة فى القربى و أذكركم قرابتى منكم كما ورد فى حديث زيد بن أرقم أذكركم اللّه فى بيتي و مما يدل على ان سوال صلى اللّه عليه و سلم مودة نفسه و أقربائه كان لينتفع بها أمته قوله تعالى وَ مَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً اى من يكتسب حسنة و المراد بها حب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و اله و نوابه و الا فلا مناسبة لهذه الجملة بما سبق لكن اللفظ عام يعم كل حسنة نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً و ذلك ان حب ال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم (و هم مشائخ الطريقة) مثمر للمزيد فى حب النبي صلى اللّه عليه و سلم و حبه صلى اللّه عليه و سلم مثمر للمزيد فى حب اللّه تعالى و من هاهنا قالت الصوفية يحصل للصوفى اولا الفناء فى الشيخ ثم الفناء فى الرسول ثم الفناء فى اللّه تعالى- و الفناء عبارة عن شدة الحب بحيث يذهل نفسه عند ذكر المحبوب حتى لا يرى من نفسه و لا من غيره عنها و لا اثرا ما عدا المحبوب و قيل هذه الاية نزلت فى ابى بكر الصديق و مودته للنبى صلى اللّه عليه و سلم- روى البخاري فى الصحيح عن ابى بكر الصديق رضى اللّه عنه انه قال ارقبوا محمدا فى اهل بيته إِنَّ اللّه غَفُورٌ يغفر ذنوب من يحب رسوله و أولياءه لعل هو المراد بقوله تعالى ليغفر لك اللّه ما تقدّم من ذنبك و ما تأخر اى من ذنب أوليائك و أحبائك شَكُورٌ (٢٣) على طاعته و محبته-.

٢٤

أَمْ يَقُولُونَ أم منقطعة و الجملة متصلة بقوله قل لا اسئلكم عليه اجرا و معنى الهمزة الإنكار و التوبيخ و بل للاضراب عن أداء الاجر يعنى انهم لا يؤدون اجر الرسالة بل أ يقولون يعنى كفار مكة افْتَرى محمد عَلَى اللّه كَذِباً بدعوى النبوة او القران فَإِنْ يَشَإِ اللّه يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ جملة معترضة أوردت استبعادا للافتراء عن مثله بالاشعار على انه لا يجترى عليه الا من كان مختوما على قلبه جاهلا بربّه فامّا من كان ذا بصيرة معرفة بربه فلا و كانه قال ان يشا اللّه حد لانك يختم على قلبك لتجترى بالافتراء عليه

و قال مجاهد يربط على قلبك بالصبر حتى لا يشق عليك إذا هم و قولهم انك مفتر- و قال قتادة يعنى طبع على قلبك فينسيّك القران و ما أتاك فاخبرهم انه لو افترى على اللّه لفعل به ما اخبر فى هذه الاية وَ يَمْحُ اللّه الْباطِلَ وَ يُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ استيناف لنفى الافتراء عما يقوله بانه لو كان مفتر لمحاه إذ من عادته تعالى محو الباطل و اثبات الحق بوحيه او بقضائه او بوعده بمحق باطلهم و اثبات حقه بالقران او بقضائه الذي لا مرد له قال الكسائي فيه تقديم و تأخير مجازه و اللّه يمحو الباطل و هو فى محل الرفع و ليس بمجزوم عطفا على يختم لان المحو غير معلق بالشرط بل هو وعد مطلق و انما حذفت الواو فى الخط باتباع اللفظ كما حذفت فى قوله تعالى و يدع الإنسان و سندع الزّبانية- و قد فعل ذلك فمحى باطلهم و أعلى كلمة الإسلام بما انزل من آياته إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٢٤)

قال البغوي قال ابن عباس و كذا اخرج عنه الطبراني بسند ضعيف انه قال لما نزل قل لا اسئلكم عليه اجرا الّا المودّة فى القربى وقع فى قلوب قوم منها شى ء و قالوا هذا يريد ان يحثنا على أقاربه من بعده فنزل جبرئيل فاخبره انهم اتهموه و انزل اللّه هذه الاية فقال القوم يا رسول اللّه فانا نشهد انك صادق فنزل.

٢٥

وَ هُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ قال ابن عباس يريد أولياءه و اهل طاعته يقال قبلت منه الشي ء إذا أخذته و جعلته مبدأ قبول و قبلت عنه اى عزلته عنه قيل التوبة ترك المعاصي نية و فعلا و الإقبال على الطاعة نية و فعلا و قال سهل بن عبد اللّه التوبة الانتقال من الأحوال المذمومة الى الأحوال المحمودة و ذكر البيضاوي عن على كرم اللّه وجهه هى اسم يقع على ستة معان على الماضي من الذنوب الندامة و لتضيع الفرائض ال عادة و رد المظالم و اذابة النفس فى الطاعة كما اذبتها فى المعصية و اذاقتها مرارة الطاعة كما اذاقتها حلوة المعصية و البكاء بدل ضحك ضحكت و روى البغوي فى شرح السنة عن ابن مسعود موقوفا الندم توبة و التائب من الذنب كمن لا ذنب له- (فصل) عن حارث بن سويد قال دخلت على عبد اللّه أعوده فقال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول للّه افرح بتوبة عبده من رجل (أظنه قال) فى برية مهلكة معه راحلته عليها طعامه و شرابه فنزل فنام فاستيقظ و قد هلكت راحلته فطاف عليها حتى أدركه العطش قال ارجع الى حيث كانت راحلتى فاموت عليه فرجع فاغفى فاستيقظ فاذ هى عنده عليها طعامه و شرابه- رواه البغوي ( «١») و روى مسلم عن انس بن مالك قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اللّه أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب اليه من أحدكم كان راحلته بأرض فلاة فانقلبت و عليها طعامه و شرابه فأيس منها فاتى شجرة فاضطجع فى ظلها قد يئس من راحلته فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده فاخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح اللّهم أنت عبدى و انا ربك اخطأ من شدة الفرح- و روى مسلم عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان العبد إذا اعترف ثم تاب تاب اللّه عليه- متفق عليه و روى مسلم ايضا عنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من تاب قبل ان تطلع الشمس من مغربها تاب اللّه عليه- و روى ابن ماجة و البيهقي عن ابن مسعود قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم التائب من الذنب كمن لا ذنب له- وَ يَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ صغيرها و كبيرها بالتوبة و بلا توبة لمن شاء روى الشيخان فى الصحيحين عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال رجل (لم يعمل خيرا قط) لاهله إذا مات فحرقوه ثم إذ روا نصفه فى البر و نصفه فى البحر فو اللّه لئن قدر اللّه عليه .......... ليعذبنه عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين فلما مات فعلوا ما أمرهم فامر اللّه البحر فجمع ما فيه و امر البر فجمع ما فيه ثم قال له لم فعلت هذا قال من خشيتك يا رب و أنت اعلم فغفر له- و روى احمد عن ابى الدرداء انه سمع النبي صلى اللّه عليه و سلم يقول على المنبر و لمن خاف مقام ربه جنّتان قال قلت و ان زنى و ان سرق يا رسول اللّه فقال الثانية و لمن خاف مقام ربّه جنّتان فقلت الثانية و ان زنى و ان سرق يا رسول اللّه فقال الثالثة و لمن خاف مقام ربّه جنّتان فقلت الثالثة و ان زنى و ان سرق يا رسول اللّه قال و ان رغم انف ابى الدرداء وَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ (٢٥) قرا حمزة و الكسائي و حفص بالتاء الفوقانية «و خلف و رويس بخلاف عنه- ابو محمد» قالوا هو خطاب للمشركين و الباقون بالياء التحتانية لانه بين خبرين عن قوم غيب قبله عن عباده و بعده و يزيدهم من فضله.

(١) هكذا بياض فى الأصل ١٢.

٢٦

وَ يَسْتَجِيبُ عطف على يقبل الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ اى يستجيب اللّه دعاءهم إذا دعوا فحذف اللام كما حذف فى و إذا كالوهم و قال عطاء عن ابن عباس معناه و يثبت الذين أمنوا

قال البيضاوي معنى الاستجابة الاثابة على الطاعة فانها كدعاء و طلب و منه قوله صلى اللّه عليه و سلم أفضل الدعاء الحمد للّه أخرجه الترمذي و النسائي و ابن ماجة و ابن حبّان من حديث جابر و اللّه اعلم روى عن ابراهيم بن أدهم انه قيل له ما بالنا ندعو فلا نجاب قال لانه تعالى دعاكم فلم تجيبوه وَ يَزِيدُهُمْ اى يعطيهم زائدا على ما سالوه او استحقوه مِنْ فَضْلِهِ قال ابو صالح عن ابن عباس يشفعهم فى إخوانهم و يزيدهم من فضله فى اخوان إخوانهم وَ الْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (٢٦) فى مقابله ما للمؤمنين من الثواب و الفضل و الجملة معطوفة على قوله و هو الّذى يقبل التّوبة-.

٢٧

وَ لَوْ بَسَطَ اللّه الرِّزْقَ لِعِبادِهِ

قال البغوي قال خباب بن الأرت فينا نزلت هذه الاية و ذلك انا نظرنا الى بنى قريظة و النضير و بنى قينقاع فتمنّيناها فانزل اللّه عز و جل و لو بسط اللّه الرّزق لعباده لَبَغَوْا اى لتكبروا و أفسدوا فِي الْأَرْضِ بطرا او لبغى بعضهم على بعض استيلاء و استعلاء و قال ابن عباس بغيهم طلبهم منزلة بعد منزلة و مركبا بعد مركب و ملبسا بعد ملبس و اصل البغي التجاوز عن الاقتصاد فيما يتجزى كمية و كيفية وَ لكِنْ يُنَزِّلُ أرزاقهم بِقَدَرٍ يقتضيه حكمته ما يَشاءُ الموصول مفعول لينزل و بقدر حال منه مقدم عليه إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (٢٧) يعلم خفايا حالهم و ما يؤل اليه أمرهم اخرج الحاكم و صححه عن على رضى اللّه عنه قال نزلت هذه الاية فى اصحاب الصفة و ذلك انهم قالوا لو ان لنا فتمنووا الغنى

و اخرج الطبراني عن عمرو بن حريث مثله روى البغوي بسنده عن انس بن مالك عن النبي صلى اللّه عليه و سلم عن جبرئيل عن اللّه تعالى قال يقول اللّه عزّ و جلّ من أهان لى وليّا فقد بارزني بالمحاربة و انى لا غضب لاوليائى كما يغضب الليث الحرد و ما «القطع- منه ره» تقرّب الىّ عبدى المؤمن بمثل أداء ما افترضت عليه و ما زال عبدى المؤمن يتقرّب الىّ بالنوافل حتى أحبه فاذا أحببته كنت له سمعا و بصرا و يدا و مؤيدا ان دعانى أجبته و ان سالنى أعطيته و ما ترددتّ فى شى ء انا فاعله ترددى فى قبض روح عبدى المؤمن يكره الموت و انا اكره مساءته و لا بد له منه و ان من عبادى المؤمنين لمن يسئلنى الباب من العبادة فاكفه عنه لا يدخله عجب فيفسده ذلك و ان من عبادى المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه الا الغنى و لو أفقرته لافسده ذلك و ان من عبادى المؤمنين لا يصلح إيمانه الا الفقر و لو أغنيته لافسده ذلك و ان من عبادى المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه الا الصحة و لو أسقمته لافسده ذلك و ان من عبادى المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه الا السقم و لو اصححته لافسده ذلك انى أدبر امر عبادى بعلمي فى قلوبهم انى عليم خبير ( «١»).

(١) هكذا بياض فى الأصل.

٢٨

وَ هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عطف على قوله و هو الّذى يقبل التّوبة و ما ذكر من الشرطية معترضة قرا نافع و ابن عامر و عاصم «و ابو جعفر- ابو محمد» بالتشديد من التفعيل و الباقون بالتخفيف من الافعال الْغَيْثَ اى المطر النافع الذي يغيثهم من الجدب «القحط- منه ره» مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا اى ايئس الناس من نزوله وَ يَنْشُرُ رَحْمَتَهُ اى مطره او رزقه فى السهل و الجبل من النبات و الحيوان وَ هُوَ الْوَلِيُّ الذي يتولى عباده بإحسانه و ينشر الْحَمِيدُ (٢٨) المستحق للحمد فى نفسه و على إحسانه.

٢٩

وَ مِنْ آياتِهِ اى من دلائل وجوده و وحدته و قدرته و صفات كماله خَلْقُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ فانها بذواتها و صفاتها تدل على وجود صانع قادر حكيم وَ ما بَثَّ فِيهِما عطف على السماوات او على الخلق مِنْ دابَّةٍ من حىّ على اطلاق اسم المسبب للسبب فحينئذ يشتمل الملائكة و الجن و الشياطين و الانس و سائر الحيوانات او المراد مما يدب على الأر ض و ما يكون فى أحد الشيئين يصدق انه فيهما فى الجملة وَ هُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ (٢٩) فيجمعهم يوم القيامة-.

٣٠

وَ ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ اى بسبب معاصيكم و ما شرطية او موصولة متضمنة لمعنى الشرط و كذلك جئ بالفاء فى خبره على قراءة الجمهور

و قرا نافع و ابن عامر «و ابو جعفر- ابو محمد» بما كسبته بغير الفاء و كذا هو فى مصاحف المدينة و الشام لم يذكر الفاء استغناء بما فى الباء من معنى السببية وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ (٣٠) عطف على الجملة الاسمية او معترضة قال الحسن لما نزلت هذه الاية قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و الذي نفسى بيده ما من خدش عود و لا عثرة قدم و لا اختلاج عرق الا بذنب و ما يعفو اللّه عنه اكثر- و عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و صب المؤمن كفارة لخطاياه- «الوصب المرض و التعب منه ره» رواه الحاكم فى المستدرك و البيهقي و روى البغوي بسنده عن على رضى اللّه عنه قال الا أخبركم بأفضل اية من كتاب اللّه عزّ و جلّ حدثنا بها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت ايديكم و يعفوا عن كثير و سافسرها لك يا على ما أصابكم من مرض او عقوبة او بلاء فى الدنيا فبما كسبت ايديكم و اللّه عزّ و جلّ أكرم من ان يثنى عليهم العقوبة فى الاخرة و ما عفا اللّه عنه فى الدنيا فاللّه احكم ان يعود بعد عفوه- رواه احمد و غيره

قال البيضاوي الاية مخصوصة بالمجرمين فان ما أصاب غيرهم فلا سباب اخر منها تعريضه للاجر العظيم بالصبر عليه

قال البغوي قال عكرمة ما من نكبة أصاب عبدا فما فوقها الا بذنب لم يكن اللّه ليغفر له الا بها او درجة لم يكن اللّه ليبلغه الا بها.

٣١

وَ ما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ فائتين ما قضى عليكم من المصائب حال من مفعول أصابكم او عطف على جملة ما أصابكم و عطف على هذا قوله وَ ما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللّه مِنْ وَلِيٍّ يحرسكم منها وَ لا نَصِيرٍ (٣١) يدفعها عنكم ..

٣٢

وَ مِنْ آياتِهِ الْجَوارِ قرأ ابن كثير «و يعقوب- ابو محمد» الجواري بالياء وصلا و وقفا و نافع و ابو عمرو «ابو جعفر- ابو محمد» وصلا فقط و الباقون بحذفها فى الحالين فِي الْبَحْرِ السفن الجارية فيه كَالْأَعْلامِ (٣٢) اى كالجبال صفة للجوار و كذا الجملة الشرطية التالية على طريقة و لقد امرّ على اللّيم يسبّنى.

٣٣

إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ التي تجرى بها فَيَظْلَلْنَ اى يبقين بعد سكونها رَواكِدَ اى ثوابت عَلى ظَهْرِهِ اى ظهر البحر لا تجرى إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٣٣) جملة معترضة اى آيات لكل مؤمن لأن من صفة المؤمن الصبر فى الشدة و الشكر فى الرخاء قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الايمان نصفان فنصف فى الصبر و نصف فى الشكر- رواه البيهقي فى شعب الايمان عن انس.

٣٤

أَوْ يُوبِقْهُنَّ عطف على فيظللن اى او ان يشأ يسكن الرّيح فيوبقهنّ بدوام السكون اى يهلك أهلهن باغراقها و قيل عطف على يسكن الرّيح و التقدير او يرسلها عاصفة فيوبقهنّ بِما كَسَبُوا اى بسبب ما كسب أهلها من المعاصي وَ يَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (٣٤) اى و ينج ناسا على العفو منهم جملة معترضة او معطوفة على ما سبق و التقدير ان يشأ يسكن الرّيح فيظللن رواكد او يرسلها عاصفة فيوبقهنّ او طيبة فيعف عن كثير و انما حذف ما حذف اقتصارا على المقصود.

٣٥

وَ يَعْلَمَ قرأ نافع و ابن عامر «و ابو جعفر» بالرفع على الاستئناف و الباقون بالنصب عطفا على علة مقدرة لاسكان الريح و الايباق اى ان يشأ يسكن الرّيح لينتقم من اهل السفينة و ليعلم الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا بالتكذيب و الابطال و قيل هو معطوف على الجزاء و نصب نصب الواقع جوابا للاشياء الستة بتقدير ان عطف المصدر على المصدر يعنى ان يشا اللّه تعالى اسكان الريح و إهلاك قوم و إنجاء قوم و علم من يجادل فى آياتنا بانه ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (٣٥) من العذاب الجملة سدّت مسد المفعولين ليعلم معلق عنها يعلم بحرف النفي اى يعلم الذين يكذبون بالقران و لم يعتبروا بايات الرحمان إذا صاروا الى اللّه بعد البعث ان لا مهرب لهم من العذاب او يعلموا حين يحيط بهم الرياح فى البحر ان لا مهرب لهم من الغرق-.

٣٦

فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فى الدنيا فَمَتاعُ الْحَياةِ اى فهو متاع الحيوة الدُّنْيا اى تمتعون به مدة حياتكم القريبة الفانية ليس منها رادا للمعاد فاجملوا فى طلبها و اقتصروا على ما يكفيكم عمّا يلهيكم وَ ما عِنْدَ اللّه من الثواب فى دار الجزاء خَيْرٌ منها كمّا و كيفا و خالص منفعة بلا شوب مشقة وَ أَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٣٦) روى عن على رضى اللّه عنه انه تصدّق ابو بكر بما له كله فلامه جمع فنزلت هذه الاية- ما الاولى موصولة تضمنت معنى الشرط من حيث ان إيتاء ما أوتوا سبب للتمتع بها فى الحيوة الدنيا فجاءت الفاء فى جوابها بخلاف الثانية. و فى الاية بيان ان المؤمن و الكافر يستويان فى ان الدنيا متاع لهما يتمتعان بها فاذا صاروا الى الاخرة كان ما عند اللّه خيرا للمؤمنين.

٣٧

وَ الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ عطف على قوله للّذين أمنوا قرا حمزة و الكسائي «و خلف- ابو محمد» كبير الإثم على الواحد هاهنا و فى سورة النجم و الباقون كبائر بالجمع وَ الْفَواحِشَ هى الكبائر و قال السدىّ هى الزنى و قال مقاتل ما يوجب الحد و قد ذكرنا الكبائر فى سورة النساء وَ إِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (٤٨) عطف على يجتنبون و الظرف متعلق بيغفرون و بناء يغفرون على ضميرهم خبرا للدلالة على انهم أحقاء بالمغفرة حال الغضب و الجملة معطوفة على الصلة و الموصول اما مجرور عطفا على الّذين أمنوا او منصوب على المدح او مرفوع.

٣٨

وَ الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ اى أجابوه الى ما دعاهم اليه من طاعته وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ أَمْرُهُمْ شُورى مصدر كالفتيا بمعنى التشاور اى يتشاورون بَيْنَهُمْ فيما يبدو لهم و لا يعجلون و لا شك ان المؤمن إذا استشار مؤمنا يشيره بما هو خير له فى الدارين يأمره بالمعروف و ينهاه عن المنكر قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم المستشار مؤتمن- رواه مسلم عن ابى هريرة و الترمذي عن أم سلمة و ابن ماجة عن ابن مسعود و روى الطبراني فى الأوسط بسند حسن عن على رضى اللّه عنه المستشار مؤتمن فاذا استشير فليشر بما هو صانع لنفسه- و روى الطبراني فى الكبير بسند حسن عن سمرة بن جندب المستشار مؤتمن ان شاء أشار و ان شاء لم يشر وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣٨) فى سبيل الخير عطف او حال ..

٣٩

وَ الَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ اى الظلم و العدوان هُمْ يَنْتَصِرُونَ (٣٩) اى ينتقمون ممن ظلمهم من غير ان يعتدوا قال ابن زيد جعل اللّه المؤمنين صنفين صنفا يعفون عن ظالميهم و صنفا ينتقمون منهم و هم الذين ذكروا فى هذه الاية قال ابراهيم فى هذه الاية انهم كانوا يكرهون ان يستذلوا فاذا قدروا عفوا قال عطاءهم المؤمنون الذين اخرجوا من مكة بغيا عليهم يعنى من غير حقّ الّا ان يّقولوا ربّنا اللّه ثم مكنّهم اللّه فى الأرض حتى انتصروا ممن ظلمهم- و

قال البيضاوي وصفهم بسائر أمهات الفضائل منها كراهة التذلل و هو لا يخالف وصفهم بالغفران فانه ينبئ عن عجز المغفور و الانتصار عن مقاومة الخصم و الحلم عن العاجز محمود و عن المتغلب مذموم لانه اجراء و إغراء على البغي-

قلت الباغي ان كان ظالما متعديا على حق اللّه تعالى و على عامة المؤمنين فالاولى بل الواجب هناك الانتقام و سدّ باب الفتنة- و ان كان متعديا على نفس أحد فالانتصار «١» و الانتقام من غير اعتداء له منه جائز لكن العفو و الإصلاح و دفع السيئة بالحسنة أفضل و اللّه اعلم- و لمّا ذكر اللّه سبحانه جواز الانتصار منعهم عن التعدي فيه فقال.

(١) عن ابن عون قال كنت اسئل عن الانتصار و عن قوله تعالى و لمن انتصر بعد ظلمه فاولئك ما عليهم من سبيل فحدثنى على بن زيد بن ضرعان عن أم محمد امراة أبيه قال ابن عون (و زعموا انها كانت تدخل على أم المؤمنين عائشة) قالت قالت عائشة أم المؤمنين دخل علىّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و عندنا زينب بنت جحش فجعل يصنع بيده شيئا فقلت بيده حتى فطنته لها فامسك و أقبلت زينب تقحم لعائشة فنهاها فابت ان تنتهى فقال لعائشة سبيها فسبتها فانطلقت زينب الى على فقالت ان عائشة وقعت بكم و فعلت فجاءت فاطمة فقال لها انها حبة أبيك و رب الكعبة فانصرفت فقالت لهم الى قلت و كذا و كذا فقال لى كذا و كذا قالت و جاء على الى النبي صلى اللّه عليه و سلم فكلمه فى ذلك- أخرجه ابو داود منه برد اللّه مضجعه.

٤٠

وَ جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها جملة معترضة سمى الجزاء سيئة لتشابهما فى الصورة او لانه تسوء بمن تنزل به او لانه أسوأ من العفو قال مقاتل يعنى القصاص فى الجراحات و الدماء

و قال مجاهد و السدىّ هو جواب القبيح إذا قال أخزاك اللّه فيقول أخزاك اللّه و إذا شتم أحد شتمه بمثلها من غير ان يعتدى- و قال سفيان بن عيينة قلت لسفيان الثوري ما قوله عزّ و جلّ و جزؤا سيّئة سيّئة مثلها ان كان يشتمك رجل تشتمه او يفعل بك فتفعل به فلم أجد عنده شيئا فسالت هشام بن حجيرة عن هذه الاية فقال الجارح إذا جرح يقتص منه و ليس هو ان يشتمك فتشتمه «٢» و يؤبد قول هشام قوله صلى اللّه عليه و سلم المستبّان شيطانان يتهاتران و يتكاذبان- رواه احمد و البخاري فى الأدب بسند

(٢) عن ابى هريرة ان رجلا شتم أبا بكر و النبي صلى اللّه عليه و سلم جالس فجعل النبي صلى اللّه عليه و سلم يتعجب و يتبسم فلما اكثر رد عليه بعض قوله فغضب النبي صلى اللّه عليه و سلم و قام فلحقه ابو بكر فقال يا رسول اللّه كان يشتمنى و أنت جالس فلمّا رددت بعض قوله غضبت و قمت قال انه كان معك ملك يرد عنك فلمّا رددتّ عليه بعض قوله وقع الشيطان فلم أكن لاقعد مع الشيطان ثم قال يا أبا بكر ثلاث هن حق ما من عبد ظلم مظلمة فيغفر عنها اللّه الا أعزّه اللّه بها نصرة و ما فتح رجل باب عطية يريد بها سلبه الا زاده اللّه كثرة و ما فتح رجل باب مسئلة يريد بها كثرة الا زاد اللّه بها قلة- رواه احمد منه نور اللّه ضريحه ١٢.

صحيح عن عياض بن حمار و قوله صلى اللّه عليه و سلم لا يكون اللعّانون شهداء و لا شفعاء يوم القيامة- رواه مسلم و ابو داود عن ابى الدرداء لكن قوله صلى اللّه عليه و سلم المستبّان ما قالا فعلى المبادي منهما حتى يعتدى المظلوم- رواه احمد و مسلم و ابو داود عن ابى هريرة يدل على كون البادي اظلم و المجيب له نوع رخصة فَمَنْ عَفا عن ظلم صاحبه وَ أَصْلَحَ بينه و بين ظالمه فَأَجْرُهُ عَلَى اللّه اى ان اللّه يأجره لا محالة

قال البغوي قال الحسن إذا كان يوم القيامة نادى مناد من كان اجره على اللّه فليقم فلا يقوم الا من عفا ثم قرا هذه الاية إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (٤٠) المبتدين بالسبّ و المتجاوزين على المثل فى الانتقام و قال ابن عباس الذين يبدون بالظلم ..

٤١

وَ لَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ المصدر مضاف الى المفعول اى بعد ظلم الظالم إياه فَأُولئِكَ اى المنتصرين ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (٤١) بالمعاتبة و المؤاخذة.

٤٢

إِنَّمَا السَّبِيلُ بالعقاب فى الاخرة و المعاتبة و المؤاخذة فى الدنيا عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ يبدونهم بالإضرار و يؤذونهم فى أنفسهم او أموالهم او اعراضهم بغير حق وَ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ فى القاموس بغى يبغى بغيا علا و ظلم و عدا عن الحق و استطال أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٤٢)

٤٣

وَ لَمَنْ صَبَرَ عطف على من انتصر و بينهما اعتراض اى من صبر على ظلم من ظلم عليه وَ غَفَرَ الظالم و لم ينتصر مبتدا حذف خبره اى فهو أفضل الناس و أقيم علته مقامه و هى قوله إِنَّ ذلِكَ الصبر و الغفران لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (٤٣) اى من معزوماته بمعنى المطلوبات شرعا قال مقاتل يعنى من الأمور التي امر اللّه بها و قال الزجاج الصابر يؤتى بصبره الثواب فالرغبة فى الثواب أتم عزم.

٤٤

وَ مَنْ يُضْلِلِ اللّه فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ اى ناصر يتولاه اى يلى هدايته و يمنعه من عذاب اللّه مِنْ بَعْدِهِ اى بعد خذلان اللّه إياه جملة معترضة وَ تَرَى الظَّالِمِينَ ايها المخاطب لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ اى حين يرون العذاب ذكر بلفظ الماضي تحقيقا يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (٤٤) الجملة قائم مقام المفعولين لترى اى تراهم قائلين هذا القول استفهام لفظا و معناه السؤال يسئلون الرجعة الى الدنيا-.

٤٥

وَ تَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها اى على النار يدل عليها العذاب خاشِعِينَ اى خائفين متذللين متقاصرين مِنَ الذُّلِّ اى مما يلحقهم من التذلل يَنْظُرُونَ حال بعد حال من فاعل يعرضون مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ اى يبتدئ نظرهم الى النار من تحريك لاجفانهم ضعيف كالصبور ينظر الى السيف بمسارقة النظر خوفا و ذلة فى نفسه و قيل من بمعنى الباء وَ قالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَ أَهْلِيهِمْ يعنى من تبعهم فى الكفر بالتعريض للعذاب المخلد و قيل المراد بالأهل الحور فانهم خسروهن بعدم وصولهم إليهن المعدة لهم فى الجنة لو أمنوا يَوْمَ الْقِيامَةِ ظرف للخسران و القول فى الدنيا او للقول اى يقولون إذا راوهم على تلك الحال أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ (٤٥) دائم تمام كلامهم او تصديق من اللّه بهم.

٤٦

وَ ما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ يَنْصُرُونَهُمْ اى يدفعون العذاب عنهم مِنْ دُونِ اللّه حال من اولياء وَ مَنْ يُضْلِلِ اللّه فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ (٤٦) الى الوصول الى الحق فى الدنيا و الى الجنة فى العقبى قد انسدّ عليه طرق الخبر كلها-.

٤٧

اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ اى أجيبوا داعى اللّه محمدا صلى اللّه عليه و سلم مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللّه اى لا يرده اللّه بعد ما حكم به و من صلة لمرد و قيل صلة يأتى اى من قبل ان ياتي يوم من اللّه لا يمكن رده و ذلك يوم الموت او يوم القيامة ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ مفر يلحئون اليه يَوْمَئِذٍ وَ ما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (٤٧) اى انكار لما اقترفتموه لانه مدون فى صحائف أعمالكم و يشهد عليه السنتكم و جوارحكم او ما لكم من منكر بغير ما بكم.

٤٨

فَإِنْ أَعْرَضُوا عن إجابتك يا محمد فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً حذف جزاء الشرط و أقيم تعليله مقامه تقديره فلا تحزن لان ما أرسلناك عليهم رقيبا مؤاخذا على اعراضهم إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ و قد بلّغت تعليل لقوله ما أرسلناك عليهم حفيظا وَ إِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ أراد به الجنس مِنَّا رَحْمَةً اى نعمة فى الدنيا قال ابن عباس يعنى الغناء و الصحة فَرِحَ بِها وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ من القحط او الفقر او المرض بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ اى بسبب معاصيهم التي قدموه و عبر بالأيدي لان اكثر الافعال بها فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ (٤٨) بليغ الكفران لما تقدم من نعم اللّه عليه ينسى و يجحد باقل شى ء من الشدة جميع ما أسلف عليه من النعم و يذكر البليّة و يعظّمها و لا يتامل فى سببها- و هذا الحكم و ان اختص بالمجرمين جاز اسناده الى الجنس لغلبتهم و اندراجهم فيه و تصدير الشرطية الاولى بإذا و الثانية بان لان اذاقة النعمة محققة من حيث انها عادة اللّه تعالى يقتضيه رحمته الذاتية بخلاف إصابة البليّة و أقيم علة الجزاء مقامه و وضع الظاهر موضع الضمير فى الثانية للدلالة على ان هذا الجنس موسوم بكفران النعمة.

٤٩

للّه مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ فله التصرف فيها كيف يشاء من انعام و انتقام الجملة متصلة بقوله و من آياته الجوار يَخْلُقُ ما يَشاءُ تعليل لما سبق و قوله يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً الاية قيل بيان للخلق يعنى يهب لبعض الناس أنثى لا يكون له ولد ذكر قيل من يمن المرأة تبكيرها بالأنثى قبل الذكر لان اللّه تعالى بدا بالإناث وَ يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ (٤٩) فلا يكون له أنثى.

٥٠

أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَ إِناثاً فيجمع له بينهما فيولد له الذكور و الإناث وَ يَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً فلا يولد له و قيل الجملة بدل من يخلق بدل البعض إِنَّهُ عَلِيمٌ بما يخلق قَدِيرٌ (٥٠) على ما يشاء فيفعل بحكمته و اختياره.

قال البغوي قالت اليهود للنبى صلى اللّه عليه و سلم الا تكلم اللّه و تنظر اليه ان كنت نبيّا كما كلمه موسى و نظر اليه فقال لم تنظر موسى الى اللّه عزّ و جلّ فانزل اللّه تعالى.

٥١

وَ ما كانَ لِبَشَرٍ اى ما صح له أَنْ يُكَلِّمَهُ اللّه إِلَّا وَحْياً وحيا و ما عطف عليه منصوب على المصدرية لأن من وراء حجاب صفة كلام محذوف و الإرسال نوع من الكلام و هو ما كان بتوسط الرسول و جاز ان يكون منصوبا على الحال و يكون المصدر بمعنى المفعول تقديره الا موحى او مستمعا من وراء حجاب او مرسلا و الوحى فى اللغة الاشارة السريعة و المراد هاهنا كلاما خفيا غير مركب من حروف مقطعة متعاقبة يلقيه تعالى فى قلب النبي صلى اللّه عليه و س لم فى المنام او اليقظة و يعبر عنه بالإلهام و هو تعم المشافهة به كما روى فى حديث المعراج و ما وعد به فى حديث الرؤية فى الاخرة و المهتف به كما اتفق لموسى على طوى و الطور لكن قوله أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ يخصه بالأول فالاية دليل على جواز الرؤية لا على امتناعها قلت لكن ما ذكر البغوي فى شأن نزول الاية يدل على نفى النظر الى اللّه عند الوحى فى الدنيا فالمراد بالوحى هاهنا إلقاء كلام بسيط فى القلب و بقوله من وراء حجاب كلام مسموع بلا توسط الملك بغير معائنة كما اتفق لموسى فى طوى و الطور كذا

قال البغوي أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا اما جبرئيل او غيره من الملائكة فَيُوحِيَ ذلك الرسول الى المرسل اليه بِإِذْنِهِ اى بإذن اللّه ما يَشاءُ قرأ الجمهور يرسل فيوحى بالنصب عطفا على وحيا بتقدير ان المصدرية

و قرا نافع بضم اللام و سكون الياء رفعا على الاستئناف فتكلم اللّه حينئذ ينحصر فيما كان بلا واسطة الملك و يقابله إرساله الملك بكلامه الى الأنبياء عن عائشة رضى اللّه عنها قالت ان الحارث بن هشام سال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال يا رسول اللّه كيف يأتيك الوحى فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس و هو أشد علىّ فيفصم عنى و قد وعيت عنه ما قال و أحيانا يتمثل لى الملك رجلا فيكلمنى فاعى ما يقول- قالت عائشة و لقد رايته ينزل عليه الوحى فى اليوم الشديد البرد فيفصم عنه و ان جبينه لينفصد عرقا- متفق عليه و عن عبادة بن الصامت قال كان النبي صلى اللّه عليه و سلم إذا نزل عليه الوحى كرب لذلك و تربد وجهه رواه مسلم و عن ابن عباس قال اقام رسول بمكة خمس عشر سنة يسمع الصوت و يرى الضوء سبع سنين و لا يرى شيئا و ثمان سنين يوحى اليه و اقام بالمدينة عشرا و توفى و هو ابن خمس و ستين سنة- متفق عليه و عن عائشة قالت أول ما بدئ به رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من الوحى الرؤيا الصادقة فى النوم الحديث- متفق عليه إِنَّهُ عَلِيٌّ عن صفات المخلوقين حَكِيمٌ (٥١) يفعل ما يقتضيه حكمته فتكلم تارة بغير وسط و تارة بوسط-.

٥٢

وَ كَذلِكَ اى ايحاء كايحائنا الى سائر الرسل او كما وصفنا لك أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً اى كتابا و هو القران كذا قال الكلبي و مالك بن دينار و قال السدىّ سماه روحا لان القلوب يحيى به كما يحيى الأبدان بالأرواح و قال الربيع الروح جبرئيل و المعنى أرسلنا إليك جبرئيل و ما قال ابن عباس انه النبوة و قال الحسن الرحمة فالمراد به ايضا القران فانه اثر النبوة و الرحمة مِنْ أَمْرِنا الذي نوحيه إليك ظرف مستقر لروح اى روحا كائنا من أمرنا ما كُنْتَ تَدْرِي قبل الوحى حال من كاف إليك مَا الْكِتابُ سدّ مسد المفعولين لتدرى و حرف الاستفهام علقه عن العمل وَ لَا الْإِيمانُ يعنى شرائعه و معاملة التي لا طريق اليه غير السمع فقال محمد بن إسحاق المراد بالايمان فى هذه المقام الصلاة كما فى قوله تعالى ما كان اللّه ليضيع ايمانكم و هذا التفسير مبنى على ان اهل العلم اتفقوا على ان الأنبياء عليهم السلام كانوا ملهمين من اللّه تعالى بالايمان بالصانع المتوحد بصفات الكمال المنزه عن النقص و الزوال. و ما قيل ان النبي صلى اللّه عليه و سلم كان قبل الوحى يعبد اللّه على دين ابراهيم فشئ لا يصاعده العقل و النقل فانه صلى اللّه عليه و سلم كان اميّا لم يقرأ الكتاب و لم يكن دين ابراهيم شائعا فى قريش كانوا يعبدون الحجارة غير انه صلى اللّه عليه و سلم يرغب الى الخلوة قلت و يمكن ان يقال انه صلى اللّه عليه و سلم كان مؤمنا كاملا محققا بحقيقة الايمان لكن لم يدر انّ هذه الحالة ايمان و اللّه اعلم.

وَ لكِنْ جَعَلْناهُ قال ابن عباس يعنى الايمان و قال السدىّ يعنى القران نُوراً لظلمة الجهل نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا اى نوصل به الى العقيدة الحقة فى الدنيا و الى الجنة و الى مراتب القرب فى الاخرة وَ إِنَّكَ يا محمد لَتَهْدِي الناس كافة إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٢) و هو الإسلام الموصل الى الجنان و المراد بالهداية هاهنا اراءة الطريق.

٥٣

صِراطِ اللّه بدل من الاول الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ ملكا و خلقا أَلا إِلَى اللّه تَصِيرُ الْأُمُورُ (٥٣) اى امور الخلائق كلها فى الاخرة بارتفاع الوسائط و التعلقات و فيه وعد للمطيعين و وعيد للمجرمين و اللّه اعلم

﴿ ٠