سُورَةُ الزُّخْرُفِ مَكِّيَّةٌ وَهِيَ تِسْعٌ وَثَمَانُونَ آيَةً مكّيّة و هى تسع و ثمانون اية ربّ يسّر و تمّم بالخير بِسْمِ اللّه الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ _________________________________ ١ حم (١) ٢ وَ الْكِتابِ الْمُبِينِ (٢) اى القران الذي هو مبين اى مظهر باعجازه طريق الهدى من الضلالة فانه يقتضى الايمان به و الايمان به يوجب العلم بما يحتاج اليه الناس من الشرائع المثمرة للفلاح فى الدنيا و الاخرة- الواو للقسم او للعطف ان كان حم مقسما به و جواب القسم. ٣ إِنَّا جَعَلْناهُ اى ذلك الكتاب قُرْآناً عَرَبِيًّا اقسم بالقران على انه جعله قرانا عربيا و هو من البدائع لتناسب المقسم به و المقسم عليه كقول ابى تمام و ثناك انها اعريض و لعل اقسام اللّه تعالى بالأشياء استشهاد بما فيها من الدلالة عليه لَعَلَّكُمْ اى لكى تَعْقِلُونَ (٣) اى صيرناها مقروّا بلغتكم لتفهموا معانيه و الا فالقرءان من صفاته تعالى غير مخلوق. ٤ وَ إِنَّهُ اى القرءان عطف على انا فِي أُمِّ الْكِتابِ اى اللوح المحفوظ فانه اصل كل كتاب لقوله تعالى بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ قال ابن عباس أول ما خلق اللّه القلم فامره ان يكتب بما يريد ان يخلق فالكتاب عنده ثم قرا و انّه فى امّ الكتاب لَدَيْنا اى عندنا عندية و قربا غير متكيف و لا مكانى قيل تقديره محفوظا لدينا من التغير لَعَلِيٌّ رفيع شأنه من ان يدركه أحد او رفيع شأنه فى الكتب السماوية لكونه معجزا من بينها قال المجدد للالف الثاني رضى اللّه عنه القرآن فى سائر الكتب السماوية بمنزلة المركز من الدائرة يرى كذلك بنظر الكشف فالمركز اصل و إجمال للدائرة بل هو أفضل و أوسع من تمام الدائرة و انما يظهر بنظر الكشف اخصر لكونه ارفع و ابعد من الناظر كما ان القمر يظهر للناظر مركزا لدائرة الهالة مع كونه أوسع منها حَكِيمٌ (٤) ذو حكمة بالغة او محكم لا ينسخه غيره و هما خبران لان و فى امّ الكتاب متعلق بعلىّ و اللام لا يمنعه او ظرف مستقر حال منه و لدينا بدل منه او حال من امّ الكتاب او من المستكن فى قوله فى أم الكتاب-. ٥ أَ فَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً الهمزة للانكار و الفاء للعطف على محذوف تقديره أنهاكم فنضرب عنكم الذّكر اى القران يقال ضربت عنه و أضربت عنه إذا تركت و أمسكت عنه و صفحا مصدر من غير لفظه يقال صفحت عنه إذا أعرضت عنه و الترك و الابعاد اعراض او مفعول له او حال بمعنى صافحين و أصله ان توفى الشي ء صفحة عنقك و الإنكار راجع الى الإهمال و ترك الذكر و هو انكار لا يكون الأمر على خلاف ما ذكر من إنزال الكتاب على لغتهم ليفهموه و يمكن ان يكون العطف على جملة انه فى أم الكتاب لعلى حكيم و الإنكار راجع الى معنى الفاء اى بعد كون القران كذلك نضرب عنكم الذكر أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ (٥) قرا نافع و حمزة و الكسائي «و ابو جعفر و خلف ابو محمد» إن بكسر الهمزة على ان الجملة الشرطية مخرجة للحق مخرج المشكوك استجهالا لهم و اشعارا بان الإسراف امر لا يجوّز العقل إتيانه فكانّه محال مفروض و الجزاء محذوف دل عليه ما قبله و المعنى ء إن كنتم قوما مسرفين نهملكم فنضرب عنكم الذّكر صفحا و قرا الباقون بفتح الهمزة تقديره لان كنتم مسرفين و هو فى الحقيقة علة مقتضية لترك الاعراض جعلها علة للاعراض و أورد عليها همزة الإنكار و المعنى أ فنترك عنكم الوحى و نمسك من إنزال القران فلا نأمركم و لا تنهاكم من أجل اسرافكم فى الكفر قال البغوي قال قتادة و اللّه لو كان هذا القران رفع حين رده أوائل لهذه الامة لهلكوا و لكن اللّه عاد عليهم لعائدته و رحمته فكرره عليهم عشرين سنة او ما شاء و قال مجاهد و السدىّ معناه أ فنعرض عنكم و نترككم فلا نعاقبكم بكفركم .. ٦ وَ كَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ (٦) يعنى أرسلنا فيهم كثيرا من الأنبياء. ٧ وَ ما يَأْتِيهِمْ اى و ما كان يأتيهم على حكاية الحال الماضية عطف او حال مِنْ نَبِيٍّ من زائدة و نبى فى محل الرفع إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٧) المستثنى المفرغ منصوب على الحال من المفعول اى الا كائنين على صفة الاستهزاء او على انه صفة لمصدر محذوف اى ما يأتيهم من نبىّ اتيانا الا اتيانا كانوا به يستهزءون او على الظرف اى ما يأتيهم نبىّ فى زمان الّا كانوا فيه يستهزءون به كاستهزاء قومك بك تسلّية لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم. ٨ فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ اى من المسرفين يعنى اهل مكة فيه التفات من الخطاب الى الغيبة أشدّ حال من مفعول أهلكنا المحذوف ............. تقديره فاهلكنا الأولين حال كونهم أشد من مشركى مكة بَطْشاً اى قوة تميز نسبة أشد او مفعول مطلق لاهلكنا من غير لفظه وَ مَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ (٨) اى سبق فى القران قصتهم العجيبة فى إهلاكهم التي حقها ان يسير مسير المثل- و فيه وعد للرسول صلى اللّه عليه و سلم و وعيد للمستهزئين بمثل ما جرى على الأولين-. ٩ وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ اى كفار مكة جواب قسم محذوف مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (٩) لعله لازم لقولهم او ما دل عليه اجمالا أقيم مقامه تقريرا لالزام الحجة عليهم فانهم قالوا اللّه كما حكى عنهم فى مواضع اخر و هو الذي من صفته ما ذكر من الصفات و يجوز ان يكون هذا مقولهم و ما بعده استئناف. ١٠ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً اى فراشا كالمهد للصبى وَ جَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا يسلكونها لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٠) اى لكى تهتدوا الى مقاصدكم او الى حكمة الصانع بالنظر فى ذلك. ١١ وَ الَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ اى بمقدار ينفع و لا يضر فَأَنْشَرْنا التفات من الغيبة الى التكلم اى حيينا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ اى إخراجا و إنشاء مثل ذلك الإنشاء اى إنشاء الأرض بالمطر تُخْرَجُونَ (١١) تنشرون من قبوركم احياء اى كذلك تخرجون جملة معترضة روى الشيخان فى الصحيحين عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما بين النفختين أربعون قالوا يا أبا هريرة أربعون يوما قال أبيت قالوا أربعون شهرا قال أبيت قالوا أربعون عامّا قال أبيت ثم ينزل اللّه من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل و ليس من الإنسان شى ء تبلى الا عظما واحدا و هو عجب الذنب و منه يركب الخلق- و اخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس و ابن جرير عن سعيد بن جبير قال يسيل واد من اصل العرش فتنبت منه كل دابة على وجه الأرض ثم يطير الأرواح فيؤمر ان يدخل الأجساد فهو قوله تعالى يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ- و اخرج احمد و ابو يعلى عن انس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يبعث الناس يوم القيامة و السماء طش عليهم .. ١٢ وَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ اى اصناف الخلائق كُلَّها وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَ الْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ (١٢) اى ما تركبونه على تغليب المتعدى بنفسه على المتعدى بغيره إذ يقال ركبت الدابة و ركبت فى السفينة او المخلوق للركوب على المصنوع له او الغالب على النادر و لذلك قال. ١٣ لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ اى ظه ور ما تركبون و جمعه للمعنى ثُمَّ تَذْكُرُوا بقلوبكم نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ بتمليك المركب فى البر و البحر و تسخيرها وَ تَقُولُوا بألسنتكم حامدين على النعمة سُبْحانَ اى اسبح سبحان الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَ ما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (١٣) مطيقين من اقرن الشي ء إذا اطاقه و أصله وجده قرينه إذ الصعب لا يكون قرينا للضعيف جملة و ما كنّا له مقرنين حال من هذا او من ضمير لنا. ١٤ وَ إِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ (١٤) اى راجعون وجه اتصاله بما سبق ان الركوب للنقل و النقلة العظمى هو الانقلاب الى اللّه او لانه مخطر فينبغى ان لا يغفل عنه و يستعد للقاء اللّه هذه الجملة حال اخر روى ابو داود و الترمذي و النسائي و البغوي عن على بن ابى طالب رضى اللّه عنه انه لمّا وضع رجله فى الركاب قال بسم اللّه فلمّا استوى قال الحمد اللّه ثم قال سبحان اللّه الذي سخّر لنا هذا و ما كنّا له مقرنين و انّا الى ربّنا لمنقلبون ثم حمد اللّه ثلاثا و كبر ثلاثا ثم قال لا اله الا أنت ظلمت نفسى فاغفر لى ذنوبى فانه لا يغفر الذنوب الا أنت. ثم ضحك فقيل له ما يضحكك يا امير المؤمنين قال رايت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فعل مثل ما فعلت و قال مثل ما قلت ثم ضحك فقلنا ما يضحكك يا نبى اللّه قال عجبت لعبد إذا قال لا اله الا اللّه ظلمت نفسى فاغفر لى انه لا يغفر الذنوب الا أنت قوله الّذى جعل لكم الأرض مع ما عطف عليه من الموصولات و مع صلاتها صفات للعزيز العليم و على تقدير الاستئناف اخبار لمبتدا محذوف او مفعول لاعنى-. ١٥ وَ جَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً اى وصفوه بان له جزءا معطوف على قوله و لئن سالتهم وجه اتصاله به ان بين الكلامين تناقض فانهم بعد ما اعترفوا انه خالق السماوات و الأرض وصفوه بان له جزءا و ما يتجزى يستحيل ان يكون واجبا و يستحيل ان يكون خالقا و المراد به قولهم الملائكة بنات اللّه إذ لا شك ان الولد ما يخلق من نطفة الوالد و النطفة جزء منه و لذلك سمى الولد جزء او بضعة قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فاطمة بضعة منى فمن أغضبها أغضبني- رواه البخاري عن المسور بن مخرمة و عند احمد و الحاكم بلفظ فاطمة بضعة منى يغضبنى ما يغضبها و يبسطنى ما يبسطها و ان الأنساب تنقطع يوم القيامة غير نسبى و صهرى إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ اى جهول مُبِينٌ (١٥) ظاهر الكفران و مفرط الجهل حيث لم يعرف ما ينبغى ان يسب الى اللّه سبحانه و ما لا ينبغى-. ١٦ أَمِ اتَّخَذَ اللّه سبحانه مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَ أَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ (١٦) عطف على يخلق او حال من فاعله و الجملة مستأنفة مقدرة بالقول تقديره قل لهم أم اتّخذ ممّا يخلق بنت و اصفيكم بالبنين و من ثم جاز الخطاب و اصفيكم و الا فهو واقع بين كلامين مسندين الى الغيب اعنى و جعلوا له من عباده جزءا و إذا بشر أحدهم و أم منقطعة بمعنى الهمزة للتوبيخ و الإنكار و التعجب و بل للاضراب عن قولهم ان للّه ولدا يعنى انهم لم يقنعوا على ان جعلوا للّه جزءا حتى جعلوا له من مخلوقاته اجزاء خسيسة مما اختير لهم و ابغض الأشياء إليهم بحيث إذا بشر أحدهم بها اشتد غمهم كما قال. ١٧ وَ إِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلًا اى بالجنس الذي جعل له مثلا إذ الولد لا بد ان يماثل الوالد او المراد بالمثل الوصف و الحال و المعنى إذا بشر أحد بالوصف الذي جعل للرحمان وصفا اى كونه اما أنثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا شديد السواد من غاية الكآبة وَ هُوَ كَظِيمٌ (١٧) مملو قلبه من الكرب الجملة الشرطية بتقدير المبتدا حال من ضميرهم فى المقدر تقديره و قل لهم أم اتّخذ ممّا يخلق بنات و أصفكم بالبنين و هم إذا بشّر أحدهم بالأنثى ظلّ وجهه مسودّا وّ هو كظيم. ١٨ أَ وَ مَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ قرأ حفص و حمزة و الكسائي «خلف- ابو» بضم الياء و فتح النون و تشديد الشين اى يربّى و الباقون بفتح الياء و سكون النون و تخفيف الشين اى ينبت و يكبر فى الحلية يعنى النساء فان حسنهن منحصر فى الصورة فيتزين بالحلية ليزددن حسنهن بخلاف الرجال فان حسنهم غالبا بالمعاني و الأوصاف و ذلك غير محتاج الى الحلية و فيه إشمام بان النشا فى الزينة من المعائب فعلى الرجال ان يجتنبوا من ذلك و يتزينون بلباس التقوى وَ هُوَ فِي الْخِصامِ اى فى المحاجة باللسان و بالسنان غَيْرُ مُبِينٍ (١٨) اى غير مظهر حجتهن لنقصان عقلهن و ضعف أبدانهن و قلوبهن قال قتادة ما يتكلم امراة تريد ان تتكلم بحجتها الا تكلمت بالحجة عليها من يّنشؤا منصوب معطوف على بنات و الهمزة كررت لتأكيد الإنكار و التوبيخ و التعجيب و المغائرة انما هى لاختلاف الصفات و المعنى أم اتخذ من مخلوقاته بنات مبغوضات مكروهات موجبات لسواد الوجه ناشيات فى الحلية ضعيفات قلبا و قالبا و عقلا و جاز ان يكون مرفوعا مبتدا محذوف الخبر معطوف على مبتدا محذوف تقديره أمن كان شأنه ما ذكر و من ينشّؤا فى الحلية و من هو فى الخصام غير مبين ولد اللّه سبحانه-. ١٩ وَ جَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً قرأ نافع و ابن كثير «و ابن عامر و ابو جعفر و يعقوب ابو محمد» عند بالنون ساكنة و فتح الدال على الظرف و الباقون بالباء المفتوحة و الالف و ضم الدال على انه جمع عبد و الجملة عطف على قوله و جعلوا له من عباده جزءا يعنى انهم وصفوا اللّه سبحانه بما لا يليق به تعالى من انه له ولد من خلقه و ذلك تحقير لشأنه تعالى و وصفوا الملائكة الذين هم خيار عباد اللّه و مقربوه قربا غير متكيف بكونهم إناثا و ذلك تحقير لشانهم أَ شَهِدُوا خَلْقَهُمْ قرأ اهل المدينة ء أشهدوا بهمزتين الاولى للانكار و تعليل التشنيع المذكور و الثانية همزة الافعال مضمومة مسهلة و سكون الشين على ما لم يسم فاعله و قالون «و ابو جعفر بلا خلاف ابو محمد عنه» من رواية ابى نشيط بخلاف عنه يدخل بين الهمزتين الفا و الباقون بهمزة واحدة مفتوحة للاستفهام و فتح الشين و المعنى على القراءة الاولى ء أحضروا خلقهم و على الثانية احضروا خلقهم حين خلقوا إناثا سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ على الملائكة انهم بنات اللّه وَ يُسْئَلُونَ (١٩) عنها يوم القيامة توبيخا اخرج ابن المنذر عن قتادة قال قال ناس من المنافقين ان اللّه صاهر الجن فخرجت بينهم الملائكة فنزلت فيهم و جعلوا الملئكة الّذين هم عبد الرّحمن إناثا و قال البغوي قال الكلبي و مقاتل لمّا قال اهل مكة هذا القول سالهم النبي صلى اللّه عليه و سلم ما يدريكم انهم بنات اللّه قالوا سمعنا من ابائنا و نحن نعلم انهم لم يكذبوا فقال اللّه تعالى ستكتب شهادتهم و يسئلون عنها فى الاخرة-. ٢٠ وَ قالُوا عطف على قوله و جعلوا الملائكة لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ان لا نعبد الملائكة ما عَبَدْناهُمْ يعنون الملائكة قاله قتادة و مقاتل و الكلبي و قال مجاهد يعنون الأوثان استدلوا بنفي مشية عدم العبادة على امتناع النهى او على حسنها و ذلك باطل لان المشية يرجح بعض الممكنات على بعض مامورا كان او منهيّا حسنا كان او قبيحا و لذلك جهلهم فقال ما لَهُمْ بِذلِكَ اى بما يدعون من انها بنات اللّه او انها راض بعبادتها مِنْ عِلْمٍ مستند الى حس او عقل موجب للعلم إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (٢٠) تأكيد لما سبق اى يقولون قولا باطلا بالظن و التخمين- ابدأ اللّه سبحانه وجوه فساد زعمهم و حكى تنئبهتهم المزيفة ثم نفى ان يكون لهم بها علم من طريق الحس او العقل ثم اضرب عنه الى انكار ان يكون لهم سند من جهة النقل فقال. ٢١ أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً أم متصلة معادلة بقوله اشهدوا خلقهم يعنى اشهدوا وقت خلقهم أم علموا بكتاب سماوى اتيناهم مِنْ قَبْلِهِ اى من قبل القران او قبل ادعائهم ينطق على صحة ما قالوه فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (٢١) اى بذلك الكتاب. ٢٢ بَلْ قالُوا عطف على قول أم اتيناهم يعنى ما شهدوا خلقهم و ما اتيناهم كتابا بل يتفوهون هذا القول تقليدا حيث قالوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ على دين و ملة سميت امة لانها يؤم كالرحلة للمرحول اليه و قال مجاهد على امام وَ إِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ (٢٢) يعنى لا حجة لهم عقلية و لا نقلية و انما جنحوا فيه الى تقليد ابائهم الجهلة و سموا ذلك التقليد اهتداء. ٢٣ وَ كَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ استثناء مفرغ صفة لقرية اى الا فى قرية قال مُتْرَفُوها اى منعموها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَ إِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ (٢٣) تسلية لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بان التقليد فى نحو ذلك ضلال قديم و ان مقدّميهم ايضا لم يكن لهم علم مستند الى شى ء من اسباب العلم و فى تخصيص المترفين اشعار بان التنعم سبب للبطالة و الصرف عن النظر الصحيح الى التقليد. ٢٤ قل قرا حفص «و ابن عامر- ابو محمد» قالَ بصيغة الماضي على انه خبر عما قاله النذير و الباقون بصيغة الأمر حكاية لامر ماض اوحى من قبل الى النذير او خطاب لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و يؤيد الاول سياق الكلام حيث قال فانتقمنا منهم بلفظ الماضي أَ وَ لَوْ جِئْتُكُمْ قرأ ابو جعفر جئناكم على الجمع و الباقون جئتكم على الافراد و الهمزة لاستفهام الإنكار و الواو للحال تقديره أ تتبعون اباءكم و لو جئتكم بِأَهْدى اى بدين و طريقة اهدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ قالُوا اى قال الكافرون فى جواب المنذرين إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ اى بما أرسلت به أنت و من قبلك كافِرُونَ (٢٤) و ان كان ذلك اهدى إقناطا للنذير من ان ينظروا او يتفكروا فيه. ٢٥ فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ بالاستيصال فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (٢٥) و كذلك ننتقم ممن كذبك فلا تهتم بتكذيبهم-. ٢٦ وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ وَ قَوْمِهِ إِنَّنِي بَراءٌ اى برئ مصدر وضع موضع النعت مبالغة و لذا لا يثنى و لا يجمع مِمَّا تَعْبُدُونَ (٢٦) اى من عبادتكم او من معبودكم يعنى اذكر وقت قوله ليروا كيف تبرأ عن التقليد و تمسك بالبرهان او ليقلدوه ان لم يكن لهم بد من التقليد فانهم يعترفون به اشرف ابائهم. ٢٧ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي اى خلقنى استثناء منقطع او متصل على ان يعم اولى العلم و غيرهم فانهم كانوا يعبدون الأوثان او صفة على ان ما موصوفة اى انّنى براء من الهة تعبدونها غير الذي خلقنى فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (٢٧) اى سيثبتنى على الهداية او يرشدنى فوق ما أرشدني اليه. ٢٨ وَ جَعَلَها اى جعل ابراهيم هذه الكلمة اى كلمة التوحيد المفهومة من قوله انّنى براء الى سيهدين كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ اى ذريته قال قتادة لا يزال فى ذريته من يعبد اللّه وحده و قال القرطبي جعل اللّه تعالى وصية ابراهيم باقية فى نسله و ذريته و قال ابن زيد يعنى قوله أسلمت لربّ العالمين و قرا هو سمّيكم المسلمين لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢٨) اى اذكر قول ابراهيم لعل اهل مكة يرجعوا الى دين ابراهيم و وصيته. ٢٩ بَلْ مَتَّعْتُ إضراب عن قوله لعلّهم يرجعون هؤُلاءِ يعنى كفار مكة المعاصرين للنبى صلى اللّه عليه و سلم وَ آباءَهُمْ الذين ماتوا على الشرك يعنى لم أعاجلهم بالعقوبة على كفرهم حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُّ اى القران و قال الضحاك الإسلام وَ رَسُولٌ مُبِينٌ (٢٩) اى ظاهر الرسالة بالمعجزات او مظهر التوحيد بالحجج و الآيات او مظهر احكام اللّه سبحانه. ٣٠ وَ لَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ اى القران قالُوا هذا اى القران سِحْرٌ سموه سحرا لعجزهم عن معارضته وَ إِنَّا بِهِ كافِرُونَ (٣٠) اخرج ابن جرير من طريق الضحاك عن ابن عباس قال لما بعث اللّه محمدا صلى اللّه عليه و سلم أنكرت العرب ذلك و قالوا اللّه أعظم من ان يكون رسوله بشرا فانزل اللّه تعالى أَ كانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ و انزل وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا فلمّا كررت الاية عليهم قالوا و ان كان بشرا فغير محمد كان أحق بالرسالة. ٣١ وَ حينئذ قالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ اى من احدى القريتين مكة و الطائف عَظِيمٍ (٣١) بالجاه و المال فان الرسالة من اللّه منصب عظيم لا يليق الا لعظيم و لم يعلموا انها رتبة روحانية يستدعى عظم النفس بالتجلى بالفضائل و الكمالات القدسية و كمال الاستعداد للتجليات الذاتية و الصفاتية لا التزخرف بالزخارف الدنيوية- و اخرج ابن المنذر عن قتادة قال قال الوليد بن المغيرة لو كان ما يقول محمد حقّا انزل علىّ هذا القران و ابن مسعود الثقفي فنزلت هذه الاية- و قال البغوي قال مجاهد يعنون عتبة بن ربيعة من مكة و عبد ياليل بالطائف و قيل الوليد من مكة و من الطائف حبيب بن عمرو بن عمير الثقفي و يرى هذا عن ابن عباس قال اللّه تعالى ردّا عليهم. ٣٢ أَ هُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ يعنى النبوة استفهام انكار فيه تجهيل و توبيخ و تعجيب من تحكمهم نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ اى ما به عيشهم من الأرزاق فِي الْحَياةِ الدُّنْيا تعليل للتجهيل و التوبيخ وَ رَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ تميز عن النسبة يعنى رفعنا درجات بعضهم فوق بعضهم بالمال و الجاه فجعلنا بعضهم غنيا و بعضهم فقيرا و بعضهم مالكا و بعضهم مملوكا لِيَتَّخِذَ متعلق برفعنا بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا مسخّرا فى العمل له و الياء للنسبة قال قتادة و الضحاك اى يملك بعضهم بما لهم بعضا بالعبودية و الملك و لا يقدر أحدهم ان يزيد فى معيشته و ينقص ما فى معيشة غيره و لا ان يعترض على اللّه فيما فعل من القبض وَ رَحْمَتُ رَبِّكَ يعنى النبوة و ما يتبعها خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (٣٢) من حطام الدنيا فاذا لم يقدر أحدهم ان يختار لنفسه الرفعة فى الدنيا فانّى لهم ان يجعلوا النبوة التي هى أعلى مراتب الانسانية حيث شاءوا و العظيم عند اللّه من رزق النبوة لا من رزق متاع الدنيا و الجملة عطف او حال- و لمّا كانت العظمة عند الكفار بكثرة حطام الدنيا بين اللّه سبحانه كون الدنيا عند اللّه حقيرا مبغوضا بقوله. ٣٣ وَ لَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ كلهم أُمَّةً واحِدَةً يعنى كفارا لحبهم الدنيا العاجلة و غفلتهم عن الاخرى الاجلة ان مع صلته مبتدا و خبره محذوف اى حاصل و جواب لو لا قوله لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ بدل اشتمال من قوله لمن يّكفروا علة كقولك وهبت له ثوبا لقميصه سُقُفاً قرأ ابن كثير و ابو جعفر «و ابو عمرو- ابو محمد» بفتح السين و سكون القاف على الواحد بارادة الجنس و الباقون بضم السين و القاف على الجمع للسّقف مثل رهن و رهن قال ابو عبيدة و لا ثالث لهما و قيل هو جمع سقيف و قيل جمع سقوف جمع الجمع مِنْ فِضَّةٍ وَ مَعارِجَ اى مصاعد و درج من فضة لم يذكر الصفة هاهنا اكتفاء بذكرها فى المعطوف عليه اعنى سقفا عَلَيْها يَظْهَرُونَ (٣٣) اى يعلون السطوح. ٣٤ وَ لِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً وَ سُرُراً جمع سرير اى و جعلنا لهم سررا من فضة عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ (٣٤). ٣٥ وَ زُخْرُفاً اى زينة عطف على سقف او ذهبا كما فى قوله تعالى او يكون لك بيت من زخرف فهو معطوف على محل من فضة- و ذلك اى تخصيص الدنيا بالكفار لكونها مبغوضة عند اللّه و الكافر مبغوضا فيعطى المبغوض للمبغوض وَ إِنْ كُلُّ ذلِكَ المذكورات من سقف الفضة و معارجها و ابوابها و سررها و زخرفها لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا قرأ عاصم و حمزة و هشام «و ابن جماز- ابو محمد» بخلاف عنه لمّا مشددة فان نافية و لمّا بمعنى الا و المعنى و ما ذلك الا متاع الحيوة الدنيا لا بقاء لها و لا اعتداد لها عند اللّه و الباقون بتخفيف لما فان مخففة من الثقيلة و اللام فارقة و ما زائدة وَ الْآخِرَةُ اى الدار الاخرة متحققة عِنْدَ رَبِّكَ اى فى علمه و قضائه لِلْمُتَّقِينَ (٣٥) من الشرك و المعاصي فيه دلالة على ان العظيم هو العظيم فى الاخرة لا فى الدنيا و اشعار بما لاجله لم تجعل زخارف الدنيا كلها للمؤمنين و جعل بعضها لاعداء اللّه و ذلك انها مبغوضة للّه تعالى حريّة ان تجعل كلها للكافرين لو لا مخافة اجتماع الناس على الكفر و لو كانت حسنة مرضية للّه تعالى لم يعط الكافر منها شيئا- عن سهل بن سعد قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لو كانت الدنيا تزن عند اللّه جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء و فى رواية قطرة من ماء رواه الترمذي و الضياء و عن المستور بن شداد أحد بنى فهر قال كنت و فى الركب الذين وقفوا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم على السخلة الميتة فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ا ترون هذه هانت على أهلها حتى ألقوها فقالوا من هوانها ألقوها قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فالدينا أهون على اللّه من هذه على أهلها- رواه البغوي و اخرج ابو نعيم عن داود بن هلال الضبي قال مكتوب فى صحف ابراهيم عليه السلام يا دنيا ما اهونك على الأبرار الذين تزينت لهم انى قد قدمت فى قلوبهم بغضك و الصدود عنك ما خلقت أهون علىّ منك كل شأنك صغير و الى الفنا تصير قضيت عليك يوم خلقتك ان لا تدومى لاحد و لا يدوم لك أحد و ان بخل بك صاحبك و شح عليك طوبى للابرار الذين اطلعونى عن قلوبهم على الرضاء و اطلعونى من ضميرهم على الصدق و الاستقامة طوبى لهم ما عندى من الجزاء إذا وفدوا الىّ من قبورهم يسعى امامهم و الملائكة حافّون بهم حتى ابلغ بهم الى ما يرجون من رحمتى- و عن جابر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الدنيا ملعونة و ملعون ما فيها الا ما كان من اللّه عزّ و جلّ- رواه الصياء و روى ابن ماجة عن ابى هريرة و الطبراني فى الأوسط بسند صحيح عن ابن مسعود مرفوعا نحوه بلفظ الا ذكر اللّه و ما والاه او عالما او متعلما- و البزار عن ابن مسعود نحوه بلفظ الا امرا بمعروف او نهيا عن منكر او ذكر اللّه- و الطبراني فى الكبير بسند صحيح عن ابى الدرداء مرفوعا نحوه بلفظ الا ما ابتغى به وجه اللّه عزّ و جلّ- و عن عائشة قالت قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الدنيا دار من لا دار له و مال من لا مال له و لها يجمع من لا عقل له- رواه احمد و البيهقي بسند صحيح و رواه البيهقي عن ابن مسعود موقوفا و عن ابن عمر و قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الدنيا سجن المؤمن و سنته فاذا فارق الدنيا فارق السجن و السنة- رواه احمد و الطبراني و الحاكم فى المستدرك و ابو نعيم فى الحلية و عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الدنيا سجن المؤمن و جنة الكافر- رواه احمد و مسلم فى الصحيح و الترمذي و روى البيهقي و الحاكم عن سلمان و البزار عن ابن عمر يعنى ان المؤمن و ان كان فى نعيم فالدنيا بالنسبة الى ما أعد له فى الاخرة من الثواب سجن و سنة و الكافر و ان كان فى ضر و بلاء فالدنيا بالنسبة الى ما أعد له فى الاخرة من العذاب جنة و اللّه اعلم- فان قيل روى صاحب مسند الفردوس عن ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال الدنيا حرام على اهل الاخرة و الاخرة حرام على اهل الدنيا و الدنيا و الاخرة حرام على اهل اللّه- ما معنى ذلك قلت و معناه عندى و اللّه اعلم ان حب الدنيا حرام على اهل الاخرة يعنى على المؤمنين لا الانتفاع بمتاع الدنيا حيث قال اللّه تعالى قل من حرّم زينة اللّه الّتى اخرج لعباده و الطّيّبات من الرّزق قل هى للّذين أمنوا فى الحيوة الدّنيا خالصة يوم القيمة فمن ارتكب بحب الدنيا أضر بآخرته قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من أحب دنياه أضر بآخرته و من أحب آخرته أضر بدنياه فاثروا ما يبقى على ما يفنى- رواه احمد و الحاكم فى المستدرك بسند صحيح عن ابى موسى و الاخرة يعنى حظوظ الاخرة حرام على اهل الدنيا يعنى من همه الدنيا لا غير يعنى الكفار و فيهم قال اللّه تعالى فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ و الدنيا و الآخرة يعنى حبهما حرام على اهل اللّه و هم الذين امتلأ قلوبهم من حب اللّه تعالى لا تلتفت قلوبهم الى شى ء من الدنيا و الاخرة غير اللّه سبحانه روى ان رابعة البصرية أخذت فى احدى يديها ظرفا من ماء و فى الاخرى قطعة من نار فقيل لها اين تريدين قالت أريد ان أطفأ نار جهنم و احرق الجنة كيلا يعبد الناس اللّه تعالى طمعا فى الجنة و لا خوفا من النار بل خالصا لوجهه تعالى- قال المجدد للالف الثاني رضى اللّه عنه و كان هذا مبنيّا على السكر منها بل لا بد للمؤمن ان يطمع فى الجنة لا لنفسها بل لكونها محلا لرحمة اللّه تعالى و يتعوذ من النار لكونها محلا بسخط اللّه تعالى و غصته نعوذ باللّه منها- فان قيل التمتع بحطام الدنيا ما لم يكن محرما لحق اللّه تعالى و لا الحق العبد جائز لما ذكرنا و طلب المعاش جائز بل فريضة حيث قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم طلب الحلال فريضة بعد الفريضة- رواه الطبراني و البيهقي عن ابن مسعود فما معنى الدنيا و حبها- قلت معنى حب الدنيا ايثارها على الاخرة و الانهماك فى اكتسابها و لذاتها بحيث يغفل عن اكتساب الثواب و اجتناب العذاب و الحرص على جمع المال و طول الأمل و زعم الأغنياء خيرا من الفقراء و تعظيم الأغنياء فوق تعظيم الفقراء لاجل غناه لا لدفع مضرة او مكافاة احسان او لغير ذلك من غرض مشروع او ان يريد علوّا فى الأرض او فسادا- و اما طلب المعاش و كسب الأموال (من رجال لا تلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر اللّه و اقام الصّلوة و إيتاء الزّكوة يخافون يوما تتقلّب فيه القلوب و الابصار) للانفاق على نفسه حتى يتقوى على عبادة ربه و على عياله أداء لحقوقهم و للانفاق فى سبيل اللّه فليس بمكروه بل منها ما هو واجب و منها ما هو مستحب و منها ما هو مباح قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أيما رجل كسب مالا من حلال فاطعم نفسه او كساها فمن دونه من خلق اللّه كان له به زكوة- رواه ابن حبان فى صحيحه من حديث ابى سعيد و لكن المسنون الإجمال فى طلب الدنيا قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اجملوا فى طلب الدنيا فان كلّا ميسر لما خلق له- رواه ابن ماجة و الحاكم-. ٣٦ وَ مَنْ «١» يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ اى من يعرض عن القران و يتعامى عنه لفرط اشتغاله باللذات و انهماكه فى الشهوات يقال عشوت الى فلان عشوا إذا قصدته مهتديا و عشوت عنه إذا أعرضت عنه كما يقال عدلت الى فلان و عدلت عنه اى ملت اليه و عنه و رغبت فيه و رغبت عنه قال الخليل بن احمد اصل العشو النظر ببصر ضعيف نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً قرأ يعقوب يقيّض بالياء التحتانية على صيغة الغائب و الضمير فيه راجع الى الرحمان و الباقون بالنون على التكلم و التعظيم اى نصبته له شيطانا و نضمه اليه و نسلط عليه فَهُوَ اى الشيطان لَهُ قَرِينٌ (٣٦) لا يفارقه و يزين له السيئات و يخيل اليه انه على الهدى. (١) عن محمد بن عثمان المخزومي ان قريشا قالت قيضوا لكل رجل من اصحاب محمد صلى اللّه عليه و سلم رجلا يأخذه- فقيضوا لابى بكر طلحة بن عبيد اللّه فاتاه و هو فى القوم فقال ابو بكر الى ما تدعونى قال أدعوك الى عبادة اللات و العزى قال ابو بكر ما اللات قال ربنا قال ما العزى قال بنات فقال ابو بكر فمن أمهم فسكت طلحة و لم يجبه فقال طلحة لاصحابه أجيبوا الرجل فسكت القوم فقال طلحة قم يا أبا بكر اشهد ان لا اله الا اللّه و ان محمدا رسول اللّه فانزل و من يعش عن ذكر الرّحمن نقيّض له شيطانا الاية ١٢-. ٣٧ وَ إِنَّهُمْ اى الشياطين لَيَصُدُّونَهُمْ اى يمنعونهم جمع الضمير نظرا الى معنى من الموصولة و هم العاشين عَنِ السَّبِيلِ اى سبيل الهدى جملة معترضة وَ يَحْسَبُونَ اى العاشون أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (٣٧) اى على الهداية الجملة حال من الضمير المنصوب من ليصدونهم. ٣٨ حَتَّى إِذا جاءَنا غاية لحسبانهم قرا اهل العراق غير ابى بكر جاءنا على الافراد يعنى إذا جاء العاشى و الباقون جاءانا على التثنية يعنى إذا جاء العاشى و شيطانه و قد جعلا فى سلسلة واحدة قالَ اى العاشى لشيطانه يا للتنبيه او المنادى محذوف تقديره يا قرين لَيْتَ بَيْنِي وَ بَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ اى بعد المشرق من المغرب فغلّب المشرق و ثنى و أضيف البعد إليهما او المراد مشرق الصيف و مشرق الشتاء فَبِئْسَ الْقَرِينُ (٣٨) أنت لى قال ابو سعيد الخدري رضى اللّه عنه إذا بعث الكافر زوج بقرينه من الشيطان فلا يفارقه حتى يصير الى النار- قال اللّه تعالى. ٣٩ وَ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ اى فى الاخرة إِذْ ظَلَمْتُمْ إذ تبين لكم انكم أشركتم و ظلمتم أنفسكم فى الدنيا و إذ بدل من اليوم أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ (٣٩) لان حقكم ان تشتركوا أنتم و قرناؤكم فى العذاب كما كنتم مشتركين فى موجبه و يجوز ان يسند الفعل اليه يعنى لن ينفعكم كونكم مشتركين فى العذاب كما ينفع الواقعين فى امر صعب معاونتهم فى تحمل إعيائه و تقسمهم بمكائده شدائده لان لكل واحد منكم و من شياطينكم الحظ الاوفى و الأوفر من العذاب و جاز ان يكون جملة و لن يّنفعكم حالا من فاعل قال يليتنى و يكون فيها التفاتا من الغيبة الى الخطاب-. ٤٠ أَ فَأَنْتَ يا محمد تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَ مَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٤٠) عطف على العمى باعتبار تغائر الوصفين و الاستفهام للانكار و التعجب و الفاء للعطف على محذوف تقديره ءانت تريد ان تهديهم فانت تسمع الصّمّ يعنى لست تقدر على هداية هؤلاء الكفار بعد تمرنهم على الكفر و استغراقهم فى الضلال بحيث صار ظلمة الكفر عليهم غشاوة على أعينهم و وقرا فى آذانهم كانهم لا يسمعون كلامك و لا يبصرون طريقا تهديهم اليه. ٤١ فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ ان شرطية اتصلت بما الزائدة المؤكدة بمنزلة لام القسم فى استجلاب النون المؤكدة و المعنى فان نقبضك قبل تعذيبهم فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (٤١) بعدك فى الدنيا و فى الاخرة علة لجزاء محذوف أقيم مقامه يعنى لا تحزن فانّ منهم منتقمون. ٤٢ أَوْ نُرِيَنَّكَ فى الدنيا الَّذِي وَعَدْناهُمْ من العذاب فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ (٤٢) نحو ما ذكر يعنى لا تعجب فانا على تعذيبهم مقتدرون لا يفوتوننا نعذبهم متى شئنا و المراد به مشركوا مكة انتقم اللّه منهم يوم بدر و هذا قول اكثر المفسرين و قال الحسن و قتادة عنى به اهل الإسلام من امة محمد صلى اللّه عليه و سلم و قد كان بعد النبي صلى اللّه عليه و سلم نقمة شديدة فاكرم اللّه نبيه صلى اللّه عليه و سلم و ذهب به و لم يره فى أمته الا الذي يقر عينه و أبقى النقمة بعده و روى ان النبي صلى اللّه عليه و سلم ارى ما يصيب أمته بعده فما رئى ضاحكا منبسطا حتى قبضه اللّه- قلت لعل ذلك مقتل حسين عليه السلام و ما فعل بعد ذلك بنوا امية و عن عبد الرحمان بن مسعود العبدى قال قرا على بن ابى طالب هذه الاية فقال قد ذهب نبيه و بقيت نقمته فى عدوه. ٤٣ فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ من الوحى المتلو و غير المتلو فاحفظه و اعمل به الفاء للسببية و الجملة متصلة بقوله انّا جعلناه قرءانا عربيّا و بينهما معترضات إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤٣) لا عوج له هذه الجملة فى مقام التعليل للامر بالاستمساك .. ٤٤ وَ إِنَّهُ اى القران لَذِكْرٌ لَكَ اى شرف لك وَ لِقَوْمِكَ قريش «١» الجملة حال من فاعل استمسك قال البغوي روى الضحاك عن ابن عباس رضى اللّه عنهما ان النبي صلى اللّه عليه و سلم كان إذا سئل لمن هذا الأمر بعدك لم يجب بشئ حتى نزلت هذه الاية و كان بعد ذلك إذا سئل لمن هذا الأمر بعدك قال لقريش- و كذا روى عن على (١) و عن عدى بن حاتم قال كنت قاعدا عند رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال الا ان اللّه علم ما فى قلبى من حبى لقومى فشرف فيهم فقال و انّه لذكر لك و لقومك و سوف تسئلون فجعل الذكر و الشرف لقومى فى كتابه ثم قال و انذر عشيرتك الأقربين و اخفض جناحك لمن اتّبعك من المؤمنين فالحمد للّه الذي جعل الصديق من قومى و الشهيد من قومى و الائمة من قومى- ان اللّه قلّب العباد ظهرا و بطنا فكان خير العرب قريشا و هى الشجر المباركة التي قال اللّه فى كتابه و مثل كلمة طيّبة كشجرة طيبة يعنى قريشا أصلها ثابت و فرعها فى السّماء يقول أصلها محرم و فرعها فى السماء اى الشرف الذي شرفهم اللّه بالإسلام الذي هداهم له و جعلهم اهله ثم انزل فيهم سورة من كتابه بمكة لايلاف قريش الى آخرها قال عدى بن حاتم ما رايت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ذكر عند قريش بخير قط الا سره حتى يتبين ذلك السرور للناس كلهم فى وجهه و كان كثيرا ما يتلو هذه الاية و انّه لذكر لك و لقومك و سوف تسئلون ١٢ منه برد اللّه تربته. رضى اللّه عنه و عن ابن عمر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا يزال هذا الأمر فى قريش ما بقي اثنان و عن معاوية قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول ان هذا الأمر فى قريش لا يعاديهم أحد الا كبه اللّه على وجهه ما أقاموا الدين. و قال مجاهد القوم هم العرب و القران لهم شرف إذ نزل بلغتهم ثم يختص بذلك الشرف الأخص فالاخص عن العرب حتى يكون الأكثر لقريش و لبنى هاشم و قيل ذلك شرف لك بما اعطاك من الحكمة و لقومك المؤمنين بما هداهم اللّه وَ سَوْفَ تُسْئَلُونَ (٤٤) يوم القيامة عن القران و عما يلزمكم من القيام بحقه جملة معترضة. ٤٥ وَ سْئَلْ عطف على فاستمسك مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَ جَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (٤٥) قال البغوي اختلف العلماء فى هذا المسئولين قال عطاء عن ابن عباس رضى اللّه عنها انه لمّا اسرى بالنبي صلى اللّه عليه و سلم بعث اللّه له آدم و ولده من المرسلين فاذّن جبرئيل ثم اقام و قال يا محمد تقدم فصل بهم فلمّا فرغ من الصلاة قال جبرئيل سل يا محمد من أرسلنا قبلك من رّسلنا الاية فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا اسئل قد اكتفيت- و هذا قول الزهري و سعيد بن جبير و ابن زيد قالوا جمع له الرسل ليلة اسرى به ان يسئلهم فلم يشك و لم يسئل و قال اكثر المفسرين معناه و اسئل امم من أرسلنا من قبلك و علماء دينهم يعنى مومنى اهل الكتاب و هذا قول ابن عباس فى سائر الروايات و مجاهد و قتادة و الضحاك و السدىّ و الحسن و المقاتلين و يدل عليه قراءة ابن مسعود و أبيّ بن كعب و سئل الّذين أرسلنا إليهم قتلك من رّسلنا و معنى الأمر بالسؤال التقرير لمشركى قريش انه لم يأت رسول و لا كتاب بعباده غير اللّه عزّ و جلّ-. ٤٦ وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَ مَلَائِهِ فَقالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٦) يريد باقتصاصه تسلية الرسول صلى اللّه عليه و سلم و مناقضة قولهم لولا نزّل على رجل من القريتين عظيم و الاستشهاد بدعوة موسى الى التوحيد. ٤٧ فَلَمَّا جاءَهُمْ بِآياتِنا الدالة على رسالته منها العصا و اليد البيضا إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ (٤٧) استهزاء بها أول ما راوها بلا تأمل فيها لمّا ظرف مضاف الى جملة بعدها متعلقة بمعنى المفاجاة الذي هو عامل فى إذا يعنى لما جاءهم بايتنا فوجى وقت كونهم يضحكون و جملة فوجى عطف على قوله فقال انّى رسول ربّ العالمين. ٤٨ وَ ما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ من آيات العذاب كالستين و الطوفان و الجراد و القمل و الضفادع و الدم و الطمس فانها كانت آيات على صدق موسى عليه السلام إِلَّا هِيَ اى الا اية هى أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها اى من قرينة التي كانت قبلها و جملة ما نريهم حال من ضمير منها و الأظهر ان يقال ان كل واحدة منها كانت بالغة أقصى درجات الاعجاز بحيث يحسب الناظر الى كل واحدة منها انها اكبر من غيرها و المراد وصف الكل بالكبر كقولك رايت رجالا كل واحد منهم أفضل من غيره و كقول الشاعر- من تلق منهم فقد لاقيت سيدهم مثل النجوم التي يسرى بها الساري- او يقال بان كل واحد منها مختصة بنوع من الاعجاز مفضلة على غيرها بذلك الاعتبار وَ أَخَذْناهُمْ يعنى ال فرعون بِالْعَذابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٤٨) اى لكى يرجعوا عن كفرهم و جملة و أخذناهم عطف على و لقد أرسلنا. ٤٩ وَ قالُوا يعنى قال فرعون و قومه لموسى يا أَيُّهَا السَّاحِرُ قرأ ابن عامر بضم الهاء فى ايّه وصلا و الباقون بفتحها على الأصل و قرا ابو عمر و الكسائي «و يعقوب- ابو محمد» بالألف وقفا على الأصل و الباقون ايّه بغير الف- اطمعوا موسى عليه السلام فى ايمانهم و علقوا الاهتداء بهدايته على دعائه و كشف الضرّ عنهم و مع ذلك لم يسموه نبيّا و سموه ساحرا كما كانوا يسمونه قبل ذلك و ذلك من شدة شكيمتهم على الكفر و فرط حماقتهم قال الزجاج دعوه بذلك الاسم لما تقدم له عندهم من التسمية و قيل انما قالوا هذا تعظيما و توقيرا له لان السحر كان عندهم علما عظيما و صفة ممدوحة كانّهم قالوا يا ايها العالم الكامل الحاذق و هذا عندى غير سديد لانهم اتهموه بالسحر أول مرة حين أنكروا نبوته و قالوا انّ هذا لسحر مبين قال موسى أ تقولون للحقّ لمّا جاءكم اسحر هذا و لا يفلح السّاحرون و قيل معناه يا ايها الذي غلبنا بسحره ادْعُ لَنا رَبَّكَ ان يكشف عنا العذاب بِما عَهِدَ عِنْدَكَ متعلق بادع اى بما اخبرتنا عن عهده إليك بكشف العذاب إذا دعوته إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ (٤٩) ان كشف عنا العذاب هذه جملة مستأنفة فدعا موسى عليه السلام بكشف العذاب عنهم فكشف اللّه عنهم العذاب قال اللّه تعالى. ٥٠ فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ بدعاء موسى عليه السلام إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ (٥٠) فاجئوا نقض عهدهم بالايمان و أصروا على كفرهم حين كشفنا عنهم العذاب .. ٥١ وَ نادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ فى مجمعهم و فيما بينهم بعد كشف العذاب عنهم مخافة ان يؤمن بعضهم قالَ يا قَوْمِ أَ لَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَ هذِهِ الْأَنْهارُ اى انهار النيل و معظمها اربعة نهر الملك و نهر طولو ن و نهر دمياط و نهر تنيس عطف على ملك مصر تَجْرِي مِنْ تَحْتِي قرأ نافع و ابو عمرو البزي «و ابو جعفر- ابو محمد» بفتح الياء و الباقون بإسكانها يعنى من تحت قصورى او تحت امرى او بين يدى فى البساتين حال و جاز ان يكون هذه مبتدا و الأنهار صفة له و تجرى خبره و الجملة حال أَ فَلا تُبْصِرُونَ (٥١) ذلك. ٥٢ أَمْ أَنَا خَيْرٌ بهذه المملكة و البسطة مِنْ هذَا يعنى موسى عليه السلام الَّذِي هُوَ مَهِينٌ ضعيف حقير لا يستعد للرياسة من المهانة و هى القلة وَ لا يَكادُ يُبِينُ (٥٢) يفصح كلامه للثغة التي كانت فى لسانه عليه السلام بعد ما زالت معظمها بدعائه عليه السلام حين قال و احلل عقدة من لّسانى يفقهو قولى و أم منقطعة و معنى الهمزة فيها للتقرير إذ قدم من اسباب فضيلته و قال البغوي أم بمعنى بل على قول اكثر المفسرين و قال الفراء الوقف على قوله أم و فيه إضمار تقديره أ فلا تبصرون أم تبصرون و بعده كلام مبتدا فَأَم على هذا متصلة و قيل أم متصلة على اقامة المسبب مقام السبب فان قوله انا خير معناه تعلمون انا خير و العلم بكونه خيرا مسبب للتبصر فكانّه قال أ فلا تبصرون أم تبصرون فتعلمون انى خير. ٥٣ فَلَوْ لا أُلْقِيَ عَلَيْهِ اى على موسى أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ الفاء للسببية فانّ طعن فرعون فى موسى عليه السلام بالحقارة كان سببا لتنديهم على فوات العز و الجاه قرا حفص و يعقوب اسورة جمع سوار و الباقون اساورة جمع الجمع قيل أصله اساوير عوض التاء من الياء و قد قرئ به- قال مجاهد كانوا إذا سوّدوا رجلا سوروه بسوار و طوقوه بطوق من ذهب يكون ذلك دلالة لسيادته فقال فرعون فهلّا القى رب موسى على موسى اسورة من ذهب ان كان سيدا يجب علينا طاعة أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (٥٣) متتابعين يتابع بعضهم بعضا يشهدون له بصدقه و يعينونه على امره-. ٥٤ فَاسْتَخَفَّ اى فرعون عطف على نادى قَوْمَهُ القبط اى وجدهم جهالا و قيل حملهم على الخفة و الجهل يقال استخف رأيه إذا حمله على الجهل و ازاله عن الصواب و قيل اى طلب منهم الخفة فى مطاوعته فَأَطاعُوهُ فيما أمرهم به من نقض العهد مع موسى عليه السلام إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (٥٤) فلذلك أطاعوا ذلك الفاسق. ٥٥ فَلَمَّا آسَفُونا اى أغضبونا بالإفراط فى العناد و العصيان يقال أسف فلان إذا اشتد غضبه الظرف متعلق بقوله انْتَقَمْنا مِنْهُمْ و هو معطوف على أطاعوه و عطف عليه قوله فَأَغْرَقْناهُمْ فى بحر النيل أَجْمَعِينَ (٥٥) ٥٦ فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً قرأ حمزة و الكسائي بضم السين و اللام قال الفراء هو جمع سليف كرغف و رغيف من سلف يسلف بضم اللام فيهما اى تقدم او جمع سالف كصبر جمع صابر او جمع سلف كخشب و الباقون بفتحهما مصدر نعت به او جمع سالف كخدم جمع خادم يعنى جعلناهم متقدمين ليتعظ بهم الآخرون وَ مَثَلًا عبرة و عظة لِلْآخِرِينَ (٥٦) و قيل سلفا لكفار هذه الامة الى النار و مثلا لمن بقي بعدهم و قيل مثلا للاخرين اى قصة عجيبة يسير مسير الأمثال لهم فيقال مثلكم مثل قوم فرعون و اللّه اعلم- اخرج احمد بسند صحيح و الطبراني عن ابن عباس ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال لقريش انه ليس أحد يعبد من دون اللّه فيه خير فقالوا الست تزعم ان عيسى كان نبيّا و عبدا صالحا و قد عبد من دون اللّه فانزل اللّه تعالى. ٥٧ وَ لَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا اى ضربه قريش مثلا و اخرج ابن مردوية و الضياء فى المختار عن ابن عباس قال جاء عبد اللّه بن الزبعرى الى النبي صلى اللّه عليه فقال يا محمد انك تزعم ان اللّه قد انزل إليك انّكم و ما تعبدون من دون اللّه حصب جهنّم أنتم لها واردون قال نعم قال قد عبدت الشمس و القمر و الملائكة و عزير فكل هؤلاء فى النار مع الهتنا فنزلت انّ الّذين سبقت لهم منّا الحسنى أولئك عنها مبعدون و نزلت و لمّا ضرب ابن مريم مثلا الى قوله خصمون إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (٥٧) قرا اهل المدينة و الشام و الكسائي «و خلف- ابو محمد» يصدّون بضم الصاد اى يعرضون عنه و يكون لازما و متعديا اى يعرضون عنه و يمتنعون او يمنعون الناس عنه و الباقون بكسر الصاد و قيل معناه مثل معنى مضموم العين قال الكسائي هما لغتان مثل يعرشون بضم الراء و كسرها اى يصيحون كذا قال سعيد بن المسيب و قال الضحاك يتعجبون و قال قتادة يجزعون و قال القرطبي يضجرون- قال قتادة لمّا ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدّون يقولون ما يريد منا محمد الا ان نعبده و نتخذه الها كما عبدت النصارى عيسى. ٥٨ وَ قالُوا أَ آلِهَتُنا قرأ الكوفيون «و روح ابو محمد» بتحقيق الهمزتين و الف بعدهما و الباقون بتسهيل الثانية و بعدهما الف و لم يدخل أحدهم الفا بين المحققة و المسهلة خَيْرٌ أَمْ هُوَ يعنون محمدا صلى اللّه عليه و سلم فنعبده و نطيعه و نترك الهتنا و قال ابن زيد و السدىّ أم هو يعنون عيسى عليه السلام قالوا يزعم محمد ان كل من عبد من دون اللّه فى النار نرضى ان يكون الهتنا مع عيسى و عزير و الملائكة فى النار ما ضَرَبُوهُ هذا المثل لَكَ إِلَّا جَدَلًا اى للجدل و الخصومة بالباطل لا للتميز بين الحق و الباطل لانهم قد علموا ان محمدا صلى اللّه عليه و سلم لا يريد عبادة نفسه او قد علموا ان قوله ما تعبدون من دون اللّه حصب جهنّم المراد منه الأصنام فان ما لغير ذوى العقول بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (٥٨) شداد الخصومة حراص على اللجاج اعتادوا بالخصومة عن ابى امامة رضى اللّه عنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه الا أوتوا الجدل ثم قرا ما ضربوه لك الّا جدلا بل هم قوم خصمون- رواه البغوي و كذا روى احمد و الترمذي و ابن ماجة و الحاكم فى المستدرك-. ٥٩ إِنْ هُوَ اى عيسى إِلَّا عَبْدٌ للّه ليس ابنه أَنْعَمْنا عَلَيْهِ بالنبوة و الزلفى وَ جَعَلْناهُ مَثَلًا اى امرا عجيبا كالمثل السائر و اية و عبرة يعرفون به قدرة اللّه على ما يشاء حيث خلقه من غير اب لِبَنِي إِسْرائِيلَ (٥٩) ٦٠ وَ لَوْ نَشاءُ الى آخره جملة معترضة لبيان قدرة اللّه تعالى لَجَعَلْنا مِنْكُمْ اى لخلقنا منكم اى من الانس او المعنى لاهلكناكم و جعلنا بدلكم مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (٦٠) اى يخلفونكم فى الأرض يعمرون الأرض و يعبدوننى و يطيعونى و قيل يخلف بعضهم بعضا يعنى ان حال عيسى و ان كان عجيبا فنحن قادرون بما هو اعجب منه و ان الملائكة مثلكم من حيث انها ذوات ممكنة يحتمل خلقها توليدا كما جاز خلقها ابداعا فمن اين لها استحقاق الالوهية و الانتساب الى اللّه تعالى. ٦١ وَ إِنَّهُ يعنى عيسى عليه السلام لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ اى نزوله من اشراط الساعة يعلم به قربها قرا ابن عباس و ابو هريرة و قتادة و انّه لعلم السّاعة بفتح العين و اللام اى امارة و علامة- عن ابى هريرة رضى اللّه عنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم و إمامكم منكم- رواه الشيخان فى الصحيحين و عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال اطلع النبي صلى اللّه عليه و سلم و نحن نتذاكر فقال ما تذكرون قالوا نذكر الساعة قال انها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات فذكر الدخان و الدجال و الدابة و طلوع الشمس من مغربها و نزول عيسى ابن مريم و يأجوج و مأجوج و ثلاثة خسوف خسف بالمشرق و خسف بالمغرب و خسف بجزيرة العرب و اخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس الى محشرهم- و فى رواية و فى العاشرة و ريح تلقى الناس فى البحر- رواه مسلم و عن النواس بن سمعان قال ذكر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الدجال فذكر حديثا طويلا فى قصته الى ان قال إذ بعث اللّه المسيح ابن مريم فينزل عند المنارة بيضاء شرقى دمشق بين مهرودتين واضعا كتفه على اجنحة ملكين إذا طأطأ رأسه قطر و إذا رفعه تحدر منه مثل جمان كاللؤلؤ الحديث- رواه مسلم و عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و الذي نفسى بيده ليوشكن ان ينزل فيكم عيسى بن مريم حكما عدلا فيكسر الصليب و يقتل الخنزير و يضع الجزية و يفيض المال حتّى لا يقبل أحد حتى يكون السجدة الواحد خيرا من الدنيا و ما فيها رواه الشيخان فى الصحيحين و أخرجه مسلم من حديثه ايضا لينزلنّ ابن مريم حكما عدلا فليكسرنّ الصليب و ليقتلنّ الخنزير و ليضعنّ الجزية و ترك القلاص فلا يسعى عليها و ليذهبنّ التباغض و ليدعنّ الى المال فلا يقبله أحد- و روى مسلم من حديث جابر فيقول أميركم تعال صل لنا فيقول ان بعضكم على بعض أمراء مكرمة لهذه الامة و ذكر البغوي فيأتى بيت المقدس و الناس فى صلوة العصر فيتاخر الامام فيقدمه عيسى و يصلى على شريعة محمد صلى اللّه عليه و سلم و يقتل الخنزير و يكسر الصليب و يخرب البيع و الكنائس و يقتل النصارى الا من أمن به- و قال الحسن و جماعة الضمير راجع الى القران يعنى ان القران لعلم للساعة يعلّم بقيامها و يخبركم باحوالها و أهوالها فَلا تَمْتَرُنَّ بِها الفاء للسببية يعنى لما كان عيسى سببا للعلم بقيام الساعة اى فلا تشكنّ فيها قال ابن عباس لا تكذبوا بها وَ اتَّبِعُونِ قرأ ابو عمرو «و كذا ابو جعفر و يعقوب فى الحالين- ابو محمد» بالياء وصلا فقط و الباقون بحذفها وصلا و وقفا يعنى اتبعوا هداى او شرعى او رسولى و قيل هو قول الرسول صلى اللّه عليه و سلم امر ان يقوله تقديره و قل اتبعونى هذا الذي أدعوكم اليه صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦١) لا يضل سالكه تعليل لقوله اتبعونى. ٦٢ وَ لا يَصُدَّنَّكُمُ اى لا يمنعكم الشَّيْطانُ عن متابعتى الجملة معطوفة على قوله اتّبعون إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٦٢) ظاهر عداوته حيث أخرجكم عن الجنة و عرضكم على البلية و يصدكم عن اتباع الحق و الوصول الى الجنة-. ٦٣ وَ لَمَّا جاءَ عِيسى بِالْبَيِّناتِ اى بالمعجزات او بايات الإنجيل او بالشرائع الواضحات قالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ اى بالعلوم الحقة الباء بمعنى مع او للتعدية وَ لِأُبَيِّنَ لَكُمْ متعلق بمحذوف تقديره و جئتكم لا بين لكم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ و ذلك ان اليهود صاروا بعد موسى عليه السلام احدى و سبعين فرقة باختلاف الأهواء فلمّا جاء عيسى عليه السلام صدهم عن العقائد الباطلة و هداهم الى الحق و الصواب عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم افترقت اليهود على احدى و سبعين فرقة و تفرقت النصارى على اثنين و سبعين فرقة و تفترق أمتي على ثلاث و سبعين فرقة- رواه أبوا داود و الترمذي و النسائي و ابن ماجة بسند صحيح قال الزجاج الذي جاء به عيسى فى الإنجيل انما هو بعض الذي اختلفوا فيه و بين لهم فى غير الإنجيل ما احتاجوا اليه فَاتَّقُوا اللّه الفاء للسببية فان مجئ عيسى بالحكمة سبب للتقوى وَ أَطِيعُونِ (٦٣) فيما ابلّغه عنه. ٦٤ إِنَّ اللّه هُوَ رَبِّي وَ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ دون غيره بيان لما أمرهم بالطاعة فيه و هو اعتقاد التوحيد و التعبد بالشرائع هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦٤) اشارة الى مجموع الامرين و هذا تتمة كلام عيسى او استئناف من اللّه تعالى يدل على المقتضى للطاعة فى ذلك. ٦٥ فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ الفرق المتحزبة عطف على قال قد جئتكم مِنْ بَيْنِهِمْ اى بين قوم عيسى كما مرّ فى الحديث انهم تفرقوا الى اثنين و سبعين فرقة او من بين النصارى و اليهود فَوَيْلٌ اى هلاك عظيم لِلَّذِينَ ظَلَمُوا أنفسهم باتباع الهوى و رفض ما نطق به الكتاب و السنة من المتحزبين مِنْ عَذابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ (٦٥) اى من نار جهنم الفاء للسببية فان اختلافهم سبب للويل و الهلاك عن عبد اللّه بن عمر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ليأتين على أمتي كما اتى على بنى إسرائيل حذو النعل بالنعل حتى ان من كان منهم من اتى امه علانية لكان من أمتي من يصنع ذلك و ان بنى إسرائيل تفرقت على ثنتين و سبعين ملة و تفترق أمتي على ثلاث و سبعين ملة كلهم فى النار إلا ملة واحدة قالوا من هى يا رسول اللّه قال ما انا عليه و أصحابي رواه الترمذي و فى رواية احمد و ابى داود عن معاوية ثنتان و سبعون فى النار و واحدة فى الجنة و هى الجماعة. ٦٦ هَلْ يَنْظُرُونَ يعنى قريشا او الذين ظلموا يعنى لا ينتظرون شيئا إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بدل من الساعة اى إتيانها يعنى انها اتية لا محالة فكانّهم ينتظرون إتيانها بَغْتَةً فجاءة وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ (٦٦) اى غافلون عنها لاشتغالهم بالدنيا و انكارهم لها و الجملة حال من فاعل ينظرون او مفعول تأتيهم. ٦٧ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا المتحابين الْمُتَّقِينَ (٦٧) روى البغوي عن على رضى اللّه عنه قال فى هذه الاية خليلان مؤمنان و خليلان كافران فمات أحد المؤمنين فقال يا رب ان فلانا كان يأمرنى بطاعتك و طاعة رسولك و يأمرنى بالخير و ينهانى عن الشر و يخبرنى انى ملاقيك يا رب فلا تضله بعدي و اهده كما هديتنى و أكرمه كما أكرمتني فاذا مات خليله المؤمن جمع بينهما فيقول ليمنن أحدكما على صاحبه فيقول نعم الأخ و نعم الخليل و نعم الصاحب قال و يموت أحد الكافرين فيقول يا رب ان فلانا كان ينهانى عن طاعتك و طاعة رسولك و يأمرنى بالشر و ينهانى عن الخير و يخبرنى انى غير ملاقيك فيقول بئس الأخ و بئس الخليل و بئس الصاحب- عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان اللّه يقول يوم القيامة اين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم فى ظلى يوم لا ظل الا ظلى- رواه مسلم و عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لو ان عبدين تحابا فى اللّه عزّ و جلّ واحد فى المشرق و اخر فى المغرب لجمع اللّه بينهما يوم القيامة يقول هذا الذي كنت تحبه فىّ. رواه البيهقي فى شعب الايمان و اللّه اعلم .. ٦٨ يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَ لا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (٦٨) هذه الجملة بتقدير القول مستأنفة اخرى تقديره يقول اللّه للمتحابين المتقين يومئذ يا عباد لا خوف عليكم اليوم و لا أنتم تحزنون روى البخاري عن المعتمر بن سليمان عن أبيه قال سمعت ان الناس حين يبعثون ليس منهم أحد الا فزع فنادى مناديا عباد لا خوف عليكم اليوم و لا أنتم تحزنون فيرجوا الناس فيتبعها. ٦٩ الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا صفة للمنادى وَ كانُوا مُسْلِمِينَ (٦٩) حال من فاعل أمنوا اى الذين أمنوا مخلصين غير ان هذه العبارة أكد فيئس الناس كلهم منها غير المسلمين. ٧٠ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَ أَزْواجُكُمْ اى نساؤكم المؤمنات تُحْبَرُونَ (٧٠) اى تسرون سرورا يظهر حباره اى اثره على وجوهكم او تزيّنون من الحبر و هو حسن الهيئة او تكرمون إكراما بليغا و الحبرة فيما وصف يحمل- و هذه الجملة ايضا خطاب للمنادى أنتم مبتدا و أزواجكم معطوف عليه و تحبرون خبره و جاز ان يكون أنتم تأكيدا ............... .. للضمير المستتر فى ادخلوا و أزواجكم معطوف على الضمير المستتر و جملة تحبرون حال منه. ٧١ يُطافُ عَلَيْهِمْ اى يطوف عليهم ولدان مخلّدون بِصِحافٍ جمع صحفة و هى القصاع الواسعة مِنْ ذَهَبٍ وَ أَكْوابٍ جمع كوب و هو اناء مستدير مدور الرأس لا عرى به الجملة مستأنفة اخرى و فيه التفات من الخطاب الى الغيبة وَ فِيها اى فى الجنة عطف على يطاف ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ قرأ اهل المدينة و الشام و حفص هكذا و كذا هو فى مصاحفهم و الباقون تشتهى بحذف ضمير المفعول وَ تَلَذُّ الْأَعْيُنُ اى لكل واحد منهم ما تشتهيه نفسه فالصوفى الذي مشتهاه الوصل العريان بلا كيف و دوام رؤية اللّه سبحانه فله ذلك و اما غيره فله من نعماء الجنة ما يشتهيه روى البغوي عن عبد الرحمان بن سابط قال قال رجل يا رسول اللّه أ فى الجنة خيل فانى أحب الخيل فقال ان يدخلك اللّه الجنة فلا تشاء تركب فرسا من ياقوتة حمراء فتطير فى اىّ جنة شئت و لا فعلت قال أعرابي يا رسول اللّه أ فى الجنة ابل فانى أحب الإبل فقال يا أعرابي ان يدخلك اللّه الجنة أصبت فيها ما اشتهت نفسك و لذت عينك- و روى الترمذي و البيهقي عن بردة نحوه و اخرج الطبراني و البيهقي بسند جيد عن عبد الرحمان بن ساعدة و الترمذي عن ابى أيوب الفصل الاول اعنى ذكر الخيل وَ أَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ (٧١) فيه التفات من الغيبة الى الخطاب. ٧٢ وَ تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٧٢) الجنة خبر للمبتدا و الموصول صفة لها او الجنة صفة للمبتدا و الموصول خبره و الجملة حال من فاعل ادخلوا اخرج ابن ابى حاتم عن اب ى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كل من اهل النار يرى به منزلته من الجنة حسرة فيقول لو انّ اللّه هدانى لكنت من المتّقين و كل من اهل الجنة يرى منزلته من النار فيقول و ما كنّا لنهتدى لو لا ان هدانا اللّه يقول شكرا- قال و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما من أحد الا و له منزل فى الجنة و منزل فى النار و المؤمن يرث الكافر منزله من الجنة فذلك قوله تعالى وَ تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. ٧٣ لَكُمْ فِيها فاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْها تَأْكُلُونَ (٧٣) الجملة الظرفية حال اخرج البزار و الطبراني عن ثوبان قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول لا ينزع رجل من اهل الجنة من ثمرها الا أعيد فى مكانها مثلها- اخرج البزار عن ابى موسى الأشعري عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال ان اللّه تبارك و تعالى لمّا اخرج آدم من الجنة زوّده من ثمار الجنة و علمه صفة كل شى ء فثماركم لهذه من ثمار الجنة غير ان هذه تتغير و تلك لا تتغير- و اخرج ابن ابى الدنيا عن ابن مسعود انه كان بالشام فذكروا الجنة فقال ان العنقود من عنا قيدها من هاهنا الى صنعاء و اخرج ابن ابى الدنيا عن ابن عباس قال ان الثمرة من ثمار الجنة طولها اثنى عشر ذراعا ليس لها عجم-. ٧٤ إِنَّ الْمُجْرِمِينَ اى الكاملين فى الاجرام و هم الكافرون لانهم جعلوا قسيما للمؤمنين فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ (٧٣) هذه الجملة و ما بعده مستأنفتان. ٧٥ لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ اى لا يخفف عنهم من فترت عنه الحمى إذا سكنت قليلا وَ هُمْ فِيهِ اى فى العذاب مُبْلِسُونَ (٧٥) اى آيسون من النجاة. ٧٦ وَ ما ظَلَمْناهُمْ وَ لكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (٧٦) ٧٧ وَ نادَوْا عطف على خبران يا مالِكُ اسم لخازن النار لِيَقْضِ عَلَيْنا اى ليمتنا رَبُّكَ فنستريح قالَ اللّه تعالى او قال مالك بعد الف سنة إِنَّكُمْ ماكِثُونَ (٧٧) مقيمون فى العذاب لاخلاص لكم بموت و لا غيره اخرج ابن جرير و ابن ابى حاتم و ابن ابى الدنيا و البيهقي عن ابن عباس فى هذه الاية قال يمكث عنهم الف سنة ثم يجيبهم انّكم مكثون و اخرج هناد و الطبراني و ابن ابى حاتم و الحاكم و صححه و البيهقي و عبد اللّه بن احمد فى زوائد الزهد عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص قال ان اهل النار ينادون مالكا يا ملك ليقض علينا ربّك فيذرهم أربعين عاما لا يجيبهم ثم يرد عليهم انّكم ماكثون ثم ينادون ربهم ربّنا غلبت علينا شقوتنا و كنّا قوما ضالّين ربّنا أخرجنا منها فان عدنا فانّا ظلمون فيذرهم مثل الدنيا مرتين لا يجيبهم ثم يجيبهم اخسئوا فيها و لا تكلّمون قال فما يتكلم القوم بعدها بكلمة و ما هو الا الزفير و الشهيق- و اخرج سعيد بن منصور و البيهقي عن محمد بن كعب انه قال لاهل النار خمس دعوات يجيبهم اللّه فى اربعة فاذا كانت الخامسة لم يتكلموا بعدها ابدا يقولون ربّنا امتّنا اثنتين و أحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل الى خروج من سبيل فيجيبهم ذلكم بانّه إذا دعى اللّه وحده كفرتم و ان يّشرك به تؤمنوا فالحكم للّه العلىّ الكبير- ثم يقولون ربّنا أبصرنا و سمعنا فارجعنا نعمل صالحا انّا موقنون فيجيبهم اللّه فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا انّا نسيناكم و ذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون- ثم يقولون ربّنا اخّرنا الى أجل قريب نجب دعوتك و نتّبع الرّسل فيجيبهم او لم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال- ثم يقولون ربّنا أخرجنا نعمل صالحا غير الّذى كنّا نعمل فيجيبهم اللّه او لم نعمّركم ما يتّذكّر فيه من تذكّر و جاءكم النّذير فذوقوا فما للظّالمين من نّصير ثم يقولون ربّنا غلبت علينا شقوتنا و كنّا قوما ضالّين فيجيبهم اللّه اخسئوا فيها و لا تكلّمون فلا يتكلمون بعدها-. ٧٨ لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ بالإرسال و الانزال و هذا تتمة الجواب ان كان فى قال ضمير اللّه و الا فجواب عنه فكانّه تعالى تولّى جوابهم بعد جواب الملائكة وَ لكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ (٧٨) لما فى اتباعه خلاف النفس. ٧٩ أَمْ أَبْرَمُوا أم منقطعة بمعنى الهمزة للانكار و الاضراب عن كراهة الحق و الترقي فيه يعنى بل أحكموا أَمْراً مكرا برسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم او امرا فى تكذيب الحق ورده و لم تقتصروا على كراهيته فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (٧٩) محكمون امرا فى مجازاتهم- اخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي قال بينا ثلاثة بين الكعبة و أستارها قرشيان و ثقفى او ثقفيان و قرشى فقال واحد منهم ترون اللّه يسمع كلامنا فقال الاخر إذا جهرتم سمع و إذا أسررتم لم يسمع فنزلت. ٨٠ أَمْ يَحْسَبُونَ أم منقطعة للانكار و الاضراب يعنى بل أ يحسبون أَنَّا لا نَسْمَعُ سرّهم اى حديث نفسهم بذلك وَ نَجْواهُمْ اى تناجيهم بَلى نسمعها وَ رُسُلُنا اى الملائكة الحفظة ايضا لَدَيْهِمْ ملازمون يَكْتُبُونَ (٨٠) ذلك. ٨١ قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ قرأ حمزة و الكسائي بضم الواو و سكون الدال فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ (٨١) منكم فان النبي اعلم باللّه و بما يصح له و بما لا يصح و اولى بتعظيم ما يوجب تعظيمه و من يعظم الوالد يعظم ولده قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فاطمة بضعة منى يريبنى ما أرابها- و فى رواية فمن أغضبها أغضبني- رواه البخاري عن مسور و لا يلزم من ذلك جواز البنوة للّه سبحانه و عبادته له إذ المحال قد يستلزم المحال بل المراد نفيهما على ابلغ الوجوه كقوله تعالى لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللّه لَفَسَدَتا غير ان لو مشعرة بانتفاء الطرفين و ان لا يشعر به و لا بنقيضه فانها لمجرد الشرط- و المقصود ان إنكاره صلى اللّه عليه و سلم للولد ليس لعناد بل لو كان لكان اولى الناس بالاعتراف به كذا قال السدىّ و قيل معناه ان كان للّه ولد فى زعمكم فانا أول العابدين للّه الموحدين له من اهل مكة يعنى لست قائلا كما زعمتم- و قيل العابدين بمعنى الآنفين اى الجاهدين المنكرين لما زعمتم و قيل معناه انا أول من غضب للرحمان ان يقال له ولد فى القاموس عبد بالتحريك الغضب و الحرب الشديد و الندامة و ملامة النفس و الحرص و الإنكار عبد كفرح فى الكل و المناسب فى المقام الغضب و الإنكار قال البغوي و روى عن ابن عباس ان كان بمعنى ما كان للرّحمن ولد فانا اوّل العابدين الشاهدين بذلك يعنى ان نافية ليست بشرطية. ٨٢ سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (٨٢) من كونه ذا ولد فان هذه الأجسام لطول بقائها براء عما يتصف به سائر الأجسام من توليد المثل فما ظنك بمبدعهما و خالقهما. ٨٣ فَذَرْهُمْ يا محمد يَخُوضُوا فى باطلهم مجزوم فى جواب الأمر وَ يَلْعَبُوا فى دنياهم حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٨٣) فيه العذاب يعنى يوم القيامة و هو دليل على ان قولهم جهل و اتباع هوى و انهم مطبوع على قلوبهم يعذبون فى الاخرة-. ٨٤ وَ هُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَ فِي الْأَرْضِ إِلهٌ قال قتادة يعنى يعبد فى السماء و الأرض لا اله غيره اى لا مستحق لان يعبد فيهما غيره و الظرف متعلق به لانه بمعنى المعبود او متضمن لمعناه كقولك هو حاتم فى البلد وَ هُوَ الْحَكِيمُ فى تدبير خلقه الْعَلِيمُ (٨٤) بمصالحهم هذا بمنزلة الدليل على استحقاقه العبادة و هذه جملة معترضة مؤكدة لما سبق و كذا ما عطف عليه. ٨٥ وَ تَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُما من كائنات الجو وَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ اى العلم بوقت قيامها وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٥) للجزاء قرا ابن كثير و حمزة و الكسائي «و رويس و خلف- ابو محمد» بالياء التحتية على الغيبة و الباقون بالتاء على الخطاب. ٨٦ وَ لا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ اى يدعونه الكفار و هم الأصنام مِنْ دُونِهِ اى دون اللّه الشَّفاعَةَ كما زعموا انهم شفعاء عند اللّه إِلَّا مَنْ شَهِدَ منهم بِالْحَقِّ اى يقول لا اله الا اللّه استثناء منقطع و جاز ان يكون متصلا و المراد بهم الملائكة فانهم كانوا يعبدون الملائكة ايضا و يقولون انها بنات اللّه وَ هُمْ يَعْلَمُونَ (٨٦) اى يعتقدون بقلوبهم ما يشهد به ألسنتهم. ٨٧ وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ اى الكفار العابدين لغير اللّه مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللّه لتعذر اسناد الخلق الى الجمادات فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (٨٧) يعنى إذا اعترفوا بان اللّه خالقهم لا غير فاين يصرفون عن عبادته الى غيره. ٨٨ وَ قِيلِهِ قرأ عاصم و حمزة بالجر و كسر الهاء عطفا على الساعة يعنى عنده علم الساعة و علم قوله و الباقون بالنصب و ضم الهاء عطفا على سرّهم او على محل الساعة او بإضمار فعله يعنى قال محمد صلى اللّه عليه و سلم شاكيا الى ربه قيله يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ يعنى كفار مكة قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ (٨٨) ٨٩ فَاصْفَحْ عَنْهُمْ اى فاعرض عن دعوتهم آيسا عن ايمانهم وَ قُلْ سَلامٌ يعنى بيننا و بينكم متاركة تسلمون منا و نسلم منكم فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٨٩) جزاء عقائدهم و أقوالهم و أعمالهم تسلّية لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قرأ اهل المدينة و الشام بالتاء على الخطاب و الباقون بالياء على الغيبة قال مقاتل نسختها اية السيف |
﴿ ٠ ﴾