سُورَةُ الدُّخَانِ مَكِّيَّةٌ وَهِيَ تِسْعٌ وَخَمْسُونَ آيَةً مكّيّة و هى تسع و خمسون اية ربّ يسّر و تمّم بالخير بِسْمِ اللّه الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ _________________________________ ١ حم (١) ٢ وَ الْكِتابِ الْمُبِينِ (٢) المظهر للحلال و الحرام اى القران و الواو للعطف ان كان حم مقسما به و الا فللقسم و الجواب قوله. ٣ إِنَّا أَنْزَلْناهُ يعنى القران فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ لما فيها نزول القرآن السبب للمنافع الدينية و الدنيوية و فيها نزول الملائكة و الرحمة و اجابة الدعاء و هى ليلة القدر كذا قال قتادة و ابن زيد قالا انزل اللّه القران فى ليلة القدر من أم الكتاب الى السماء الدنيا ثم نزل به جبرئيل عليه السلام على النبي صلى اللّه عليه و سلم نجوما فى عشرين سنة- و ما قيل انها ليلة النصف من شعبان فليس بشئ لقوله تعالى شهر رمضان الّذى انزل فيه القران و قوله تعالى إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ و ما روى عن القاسم بن محمد عن أبيه او عمه عن جده عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انه قال ينزل اللّه جلّ ثناؤه ليلة النصف من شعبان الى السماء الدنيا فيغفر لكل نفس الا إنسانا فى قلبه شحناء او مشركا باللّه- رواه البغوي لا يدل على نزول القران فى تلك الليلة إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (٣) الناس عن عذاب اللّه فى القران جملة مستأنفة او بدل اشتمال من قوله انّا أنزلناه-. ٤ فِيها يُفْرَقُ اى يفعل او يقضى كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (٤) اى محكم او متلبس بالحكمة او اسناده مجازى يعنى حكيم صاحبه جملة مستأنفة او صفة ثانية لليلة و فيه تنبيه على ان كونها مفرق الأمور المحكمة يستدعى ان ينزل فيه القران الذي هو من عظمائها قال البغوي قال ابن عباس يكتب من أم الكتب فى ليلة القدر ما هو كائن فى السنة من الخير و الشر و الأرزاق و الآجال حتى الحجاج يحج فلان و يحج فلان و قال الحسن و مجاهد و قتادة يبرم فى ليلة القدر فى شهر رمضان كل أجل و عمل و خلق و رزق و ما يكون فى تلك السنة و قال عكرمة هى ليلة النصف من شعبان ببرم فيه امر السنة و ينسخ الاحياء من الأموات فلا يزاد فيهم و لا ينقص منهم أحد روى البغوي عن محمد بن الميسرة بن الأخفش ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال يقطع الآجال من شعبان الى شعبان حتى ان الرجل لينكح و يولد له و لقد اخرج اسمه فى الموتى- و روى ابو الضحى عن ابن عباس ان اللّه يقضى الا قضية فى ليلة النصف من شعبان و يسلمها الى أربابها فى ليلة القدر. ٥ أَمْراً مِنْ عِنْدِنا اى اعنى بهذا الأمر امرا حاصلا من عندنا على مقتضى حكمتنا و هو مزيد تفخيم الأمر و يجوز ان يكون حالا من كلّ امر او من الضمير المستكن فى حكيم و جاز ان يكون مفعولا به ليفرق بدلا من كل امر و جاز ان يكون المراد بالأمر طلب الفعل على سبيل الاستعلاء وقع مصدرا ليفرق او لفعله مضمرا من حيث ان الفرق به او حالا من احدى ضميرى أنزلناه يعنى أمرين او مأمورا به إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (٥) محمدا صلى اللّه عليه و سلم و من قبله من الرسل بدل اشتمال لقوله انّا كنّا منذرين اى انا أنزلنا القران لان من عادتنا الانذار و إرسال الرسل بالكتب الى العباد. ٦ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ مفعول له للارسال او لتفريق كل امر حكيم او مفعول به لمرسلين قال ابن عباس رأفة منى بخلقي و نقمة عليهم بما بعثنا عليهم من الرسل و وضع المظهر موضع الضمير للاشعار بان الرّبوبية اقتضت ذلك إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦) اى يسمع اقوال العباد و يعلم أحوالهم و هو و ما بعده تحقيق لربوبيته فانها لا تحق الا لمن له هذه الصفات. ٧ رَبِّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُما قرأ اهل الكوفة ربّ بالجر على انه بدل من قول ربّك و الباقون بالرفع على انه خبر اخر لان او صفة للسّميع العليم او خبر مبتدا محذوف اى هو إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (٧) شرط حذفت جزاؤه يعنى ان كنتم من اهل الإيقان فى العلوم او ان كنتم موقنين فى إقراركم إذا سئلتم من خلقها فقلتم اللّه علمتم ان الأمر كما قلنا او ان كنتم مريدين اليقين فايقنوا ذلك او ان كنتم موقنين بان اللّه رب السماوات و الأرض فايقنوا ان محمدا رسول اللّه. ٨ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ اى لا يستحق العبادة غيره إذ لا خالق سواه جملة مقررة لقوله رب السّموت و الأرض او خبر اخر لان يُحْيِي وَ يُمِيتُ كما تشاهدون خبر اخر لان او حال من هو رَبُّكُمْ وَ رَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (٨) خبر اخر لان او بدل من هو. ٩ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ من البعث او من القران إضراب من الإيقان يَلْعَبُونَ (٩) حال من الضمير فى الظرف اى يلهون بالقران و يستهزءون بك يا محمد فيه التفات من الخطاب الى الغيبة-. ١٠ فَارْتَقِبْ يا محمد الفاء للسببية يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ (١٠). ١١ يَغْشَى النَّاسَ يوم مفعول به لارتقب و اختلفوا فى هذا الدخان قال ابن عباس و ابن عمر و الحسن رضى اللّه عنهم انه من اشراط الساعة اخرج ابن جرير و الثعلبي و البغوي من حديث حذيفة يقول قال النبي صلى اللّه عليه و سلم أول الآيات الدخان و نزول عيسى بن مريم و نار تخرج من قعر عدن أبين تسوق الناس الى المحشر تقيل معهم إذا قالوا قال حذيفة يا رسول اللّه ما الدخان فتلا هذه الاية يوم تأتي السّماء بدخان مبين يملاها بين المشرق و المغرب يمكث أربعين يوما و ليلة فامّا المؤمن فيصيبه كهيئة الزكمة و اما الكافر كمنزلة السكران تخرج من منخره و اذنيه و دبره- و اخرج الطبراني بسند جيد عن ابى مالك الأشعري قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان ربكم أنذركم ثلاثا الدخان يأخذ المؤمن كالزكمة و يأخذ الكافر فينتفخ حتى يخرج من كل سمع فيه و الدابة و الثالث الدجال- له شواهد قوله هذا عَذابٌ أَلِيمٌ (١١) ١٢ رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ مقدر بالقول وقع حالا و قوله إِنَّا مُؤْمِنُونَ (١٢) وعد منهم بالايمان ان كشف عنهم العذاب تقديره يقول الكافرون من الناس هذا القول. ١٣ أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى اى من اين لهم التذكر و الاتعاظ بهذه الحالة الاستفهام للانكار و الجملة مستأنفة قول من اللّه تعالى فى جواب هل يتذكرون وَ قَدْ جاءَهُمْ يعنى و الحال انه قد جاء أمثالهم قبل ذلك رَسُولٌ عظيم الشأن ظاهر البرهان مُبِينٌ (١٣) يظهر لهم ما هو أعظم منها فى إيجاب الادكار من الآيات و المعجزات. ١٤ ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَ قالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (١٤) يعنى قال بعضهم هو معلّم علمه بشر و هو غلام أعجمي لبعض ثقيف و قال بعضهم هو مجنون. ١٥ إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ بقدر أربعين يوما جواب لقولهم ربّنا اكشف عنّا العذاب انّا مؤمنون قَلِيلًا اى كشفا قليلا او زمانا قليلا و هو ما بقي من أعمارهم او ما بقي من عمر الدنيا إِنَّكُمْ عائِدُونَ (١٥) الى الكفر تعليل لقلة زمان الكشف-. ١٦ يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُب ْرى الى يوم القيامة ظرف لما دلّ عليه قوله إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (١٦) لا لمنتقمون لان انّ يحجز عنه و أنكر ابن مسعود هذا التفسير روى البغوي عن ابى الضحى عن مسروق قال بينما رجل يحدث فى كندة فقال يجئ دخان يوم القيامة فيأخذ باسماع المنافقين و أبصارهم و يأخذ المؤمنين كهيئة الزكام ففزعنا فاتيت ابن مسعود و كان متكيا فغضب فجلس فقال من علم فليقل و من لم يعلم فليقل اللّه اعلم فان من العلم ان يقول لما لا يعلم اللّه اعلم- فان اللّه تعالى قال لنبيه صلى اللّه عليه و سلم قل ما اسئلكم عليه من اجر و ما انا من المتكلّفين و ان قريشا أبطئوا عن الإسلام فدعا عليهم النبي صلى اللّه عليه و سلم فقال اللّهم اعنى عليهم بسبع كسبع يوسف فاخذتهم سنة حتى اهلكوا فيها و أكلوا الميتة و العظام و يرى الرجل ما بين السماء و الأرض كهيئة الدخان فجاءه ابو سفيان فقال يا محمد جئت تأمر بصلة الرحم و ان قومك قد هلكوا فادع اللّه فقرأ فارتقب يوم تأتي السّماء بدخان مبين الى قوله انّا كاشفوا العذاب قليلا حتى استسقى لهم النبي صلى اللّه عليه و سلم ثم عادوا الى الكفر كما قال اللّه تعالى انّكم عائدون يوم نبطش البطشة الكبرى اى يوم بدر انّا منتقمون- و اخرج البغوي عن ابن مسعود قال خمس قد مضين اللزام و الروم و البطشة و القمر و الدخان- و روى البخاري فى الصحيح عن ابن مسعود قال ان قريشا لما استقصوا على النبي صلى اللّه عليه و سلم دعا عليهم بسنين كسنى يوسف فاصابهم قحط حتى أكلوا العظام فجعل الرجل ينظر الى السماء فيرى ما بينه و بينها كهيئة الدخان من الجهد فانزل اللّه فارتقب يوم تأتى السّماء بدخان مبين فاتى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقيل يا رسول اللّه استسق لمصر فانها قد هلكت فاستسقى فسقوا فنزلت انّا كاشفوا العذاب قليلا انّكم عائدون فلمّا أصابتهم الرفاهية عادوا الى ما كانوا فانزل اللّه يوم نبطش البطشة الكبرى انّا منتقمون يعنى يوم بدر. ١٧ وَ لَقَدْ فَتَنَّا اى امتحنّا و بلونا جواب قسم محذوف قَبْلَهُمْ اى قبل كفار مكة قَوْمَ فِرْعَوْنَ معه وَ جاءَهُمْ رَسُولٌ عظيم الشأن عطف او حال كَرِيمٌ (١٧) على اللّه او على المؤمنين او فى نفسه لشرف نسبه و فضل حسبه و هو موسى . ١٨ أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللّه ان مصدرية اى بان أدوا الىّ بنى إسرائيل و أرسلوهم معى و اطلقوهم و لا تعذبوهم او بان أدوا الىّ حق اللّه من الايمان و قبول الدعوة يا عباد اللّه و المراد بعباد اللّه فرعون و قومه- و جاز ان يكون ان مفسرة لان مجئ الرسول يكون برسالة و دعوة ففيه معنى القول او مخففة من الثقيلة إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ من اللّه أَمِينٌ (١٨) على وحيه او غير متهم لدلالة المعجزات على صدقى و الجملة تعليل لادوا. ١٩ وَ أَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللّه عطف على ادّوا اى لا ترفعوا علىّ بالامتهانة و ترك الطاعة و ان كالاولى فى وجوهها إِنِّي قرأ نافع و ابن كثير و ابو عمرو «ابو جعفر- ابو محمد» بفتح الياء و الباقون بإسكانها آتِيكُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (١٩) اى برهان بين على صدقى الجملة علة للنهى و لذكر الامين مع الأداء و تعلّي مع السلطان مناسبة بينة فلما قال ذلك توعدوه بالرجم فقال. ٢٠ وَ إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَ رَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ (٢٠) اى من ان ترجمونى قرا ورش «و يعقوب فى الجالين- ابو محمد» بالياء وصلا فقط و الباقون بحذفها فى الحالين قال قتادة ان تقتلونى بالرجم و قال ابن عباس تشتمونى و تقولوا ساحر و الظاهر هو الاول لان موسى عليه السلام لو استعاذ من؟؟؟ لما شتموه و قد قالوا هذا سحر مبين. ٢١ وَ إِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي قرأ ورش بفتح الياء و الباقون بإسكانها اى ان لم تصدقونى فَاعْتَزِلُونِ (٢١) قرا ورش بالياء «فصلا فقط و يعقوب فى الحالين- ابو محمد» و الباقون بحذفها اى فكونوا بمعزل منى لا علىّ و لا لى و لا تتعرّضوا لى بسوء. ٢٢ فَدَعا رَبَّهُ بعد ما كذبوه و لم يتركوه و آذوه أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ (٢٢) اى مشركون تعريض بالدعاء عليهم بذكر ما استوجبوه به و لذلك سمى دعاء .. ٢٣ فَأَسْرِ الفاء جزائية و الجملة مقدرة بالقول يعنى فاجاب اللّه و قال ان كان الأمر كذلك فاسر قرا نافع و ابن كثير «و ابو جعفر- ابو محمد» بوصل الهمزة من سرى يسرى و الباقون بهمزة القطع من الاسراء بِعِبادِي اى المؤمنين و هم بنو إسرائيل لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (٢٣) يتبعكم فرعون و قومه إذا علموا بخروجكم جملة مستأنفة. ٢٤ وَ اتْرُكِ الْبَحْرَ إذا خرجت عنه و أصحابك رَهْواً حال من البحر اى مفتوحا ذا فجوة واسعة او ساكنا على هيئته و لا تضربه بعصاك حتى يلتئم قال قتادة لمّا قطع موسى البحر عطف ليضرب البحر بعصاه حتى يلتئم و خاف ان يتبعه فرعون و جنوده فقيل له اترك البحر رهوا كما هو قيل رهوا مصدر بمعنى الفاعل إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ (٢٤) الجملة مستأنفة فى مقام التعليل. ٢٥ كَمْ تَرَكُوا اى تركوا كثيرا مِنْ جَنَّاتٍ وَ عُيُونٍ (٢٥) ٢٦ وَ زُرُوعٍ وَ مَقامٍ كَرِيمٍ (٢٦) اى محافل مزينة و منازل حسنة. ٢٧ وَ نَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ (٢٧) اى متنعمين جملة كم تركوا معترضة. ٢٨ كَذلِكَ قال الكلبي معناه كذلك افعل بمن عصانى و قيل معناه الأمر كذلك وَ أَوْرَثْناها عطف على المقدر تقديره سلبناها منهم و أورثناها قَوْماً آخَرِينَ (٢٨) اى بنى إسرائيل او عطف على تركوا. ٢٩ فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ عطف على مضمون الكلام السابق اى أهلكوا كفارا فما بكت و هذا مجاز عن عدم الاكتراث بهلاكهم و عدم الاعتداد بوجودهم كقولهم فى نقيض ذلك بكت عليهم السماء و كسفت عليهم الشمس و قيل هو على الحقيقة و ذلك بخلاف المؤمن إذا مات تبكى عليه السماء و الأرض روى الترمذي عن ابن عباس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما من عبد الا و له فى السماء بابان باب يصعد منه عمله و باب ينزل منه رزقه فاذا مات فقداه و بكيا عليه- و روى- ابن جرير و البيهقي فى شعب الايمان عن ابن عباس انه سئل عن قوله تعالى فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ قال نعم انه ليس أحد من الخلائق الا له باب فى السماء ينزل منه رزقه و يصعد فيه عمله فاذا مات المؤمن فاغلق بابه من السماء فقد بكى عليه و إذا فقده مصلاه من الأرض التي كان يصلى فيها و يذكر اللّه فيها بكى عليه. و اخرج البغوي و ابو يعلى و ابن ابى حاتم عن انس عن النبي صلى اللّه عليه و سلم نحوه و حديث ابن عباس رواه الترمذي و فى آخره و تلا فما بكت عليهم السّماء و الأرض- اخرج ابن جرير عن شريح بن عيينة الحضرمي قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما مات مؤمن غربة غابت عنه فيها مواكبه الا بكت عليه السماء و الأرض ثم قرا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فما بكت عليهم السّماء و الأرض ثم قال انهما لا يبكيان على كافر وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ (٢٩) ممهلين الى وقت اخر عطف على هلكوا-. ٣٠ وَ لَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ (٣٠) يعنى قتل الأبناء و استبقاء النساء و استعباد الرجال و استعمالهم فى الأعمال الشاقة. ٣١ مِنْ فِرْعَوْنَ بدل اشتمال من العذاب او جعله عذابا لافراطه فى التعذيب على المجاز او على حذف المضاف اى من عذاب فرعون فهو بدل الكل او حال من العذاب اى واقعا من جهتيه او خبر مبتدا محذوف اى هو إِنَّهُ كانَ عالِياً اى متكبرا مِنَ الْمُسْرِفِينَ (٣١) فى العتو و الشرارة و هو خبر ثان اى كان متكبرا مسرفا او حال من الضمير فى عاليا اى كان رفيع الطبقة من بينهم و الجملة معترضة او مستأنفة. ٣٢ وَ لَقَدِ اخْتَرْناهُمْ يعنى موسى و بنى إسرائيل عَلى عِلْمٍ حال اى عالمين بانهم أحقاء بذلك او اخترنا بنى إسرائيل على علم منّا بانهم يزيغون فى بعض الأحوال عَلَى الْعالَمِينَ (٣٢) اى على عالمى زمانهم. ٣٣ وَ آتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ كفلق البحر و تظليل الغمام و إنزال المن و السلوى ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ (٣٣) قال قتادة نعمة بينة و قال ابن زيد ابتلاؤهم بالرخاء و الشدة و قرا و نبلوكم بالشّرّ و الخير فتنة. ٣٤ إِنَّ هؤُلاءِ يعنى كفار قريش إذ الكلام فيهم و قصة فرعون و قومه مسوقة الدلالة على انهم مثلهم فى الإصرار على الضلالة و الانذار عن مثل ما حل بهم لَيَقُولُونَ (٣٤) ٣٥ إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى يعنى ما العاقبة و نهاية الأمر الا الموتة الاولى المزيلة للحيوة الدنيوية و لا قصد فيه الى اثبات موتة ثانية كما فى قولك حج زيد الحجة الاولى و مات و قيل لمّا قيل لهم انكم تموتون موتة تعقبها حيوة كما تقدمتكم موتة كذلك قالوا ان هى اى الموتة التي تعقبها الحيوة الا الموتة الاولى دون الثانية وَ ما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ (٣٥) اى مبعوثين بعد الموت. ٣٦ فَأْتُوا بِآبائِنا الذين ماتوا خطاب للنبى صلى اللّه عليه و سلم و المؤمنين جزاء شرط محذوف اى ان كان البعث بعد الموت ممكنا فاتوا بآبائنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣٦) فى انا نبعث بعد الموت شرط مستغن عن الجزاء بما مضى. ٣٧ أَ هُمْ خَيْرٌ فى القوة و الشوكة و الكثرة من قوم تبّع أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ خير منهم استفهام انكار و تقرير يعنى لستموا خيرا من قوم تبع و قوم تبع كانوا خيرا منهم. و تبع اسم رجل سمى تبع لكثرة اتباعه قيل كانت التبايعة رجالا كل واحد سمى تبعا لانه يتبع صاحبه- ذكر محمد بن إسحاق و غيره عن ابن عباس و غيره قالوا كان اخر التبايعة هو اسعد ابو كرب بن مليك ذكر البغوي قصته فى تفسير هذه الاية و ذكرت القصة فى تفسير سورة ق لانى قد سبق منى تفسير تلك السورة- ذم اللّه تعالى قومه و لم يذمه لانه قد اسلم و كذّبه قومه و قال محمد بن إسحاق فى المبتدا و ابن هشام فى التيحان ان بيت ابى أيوب الذي نزل فيه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مقدمة المدينة بناه تبع الاول اسمه تبان بن سعد و ذكرت قصته فى سورة الجمعة و اللّه اعلم وَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ من الأمم الكافرة كعاد و ثمود و نحوهم عطف على قوله قوم تبّع أَهْلَكْناهُمْ استئناف او حال بإضمار قد او خبر للموصول ان استؤنف به إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ (٣٧) اى مشركين تعليل و بيان للجامع المقتضى للاهلاك .. ٣٨ وَ ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما اى بين الجنسين لاعِبِينَ (٣٨) اى لاهين فاعلين فعلا عبثا باطلا و الجملة ما خلقنا السّماوات إلخ حال من مضمون الكلام السابق المتضمن لانكار البعث تقديره أنكروا البعث و الحال انه ما خلقنا السّماوات و الأرض و ما بينهما لاعبين بل خلقنا هما للاستدلال بهما على وجودنا و صفات كما لنا و الابتلاء. ٣٩ ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِّ اى لاظهار الحق من التوحيد و وجوب الطاعة لنثيب المطيع و نعذب العاصي هذه الجملة تأكيد و مقرر لما سبق وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٣٩) انها خلقت للاستدلال و الابتلاء لقلة نظرهم و انهماكهم فى الدنيا. ٤٠ إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ اى يوم القيامة الذي يفصل فيها الحق من الباطل و المحق من المبطل بالجزاء مِيقاتُهُمْ اى ميقات حشرهم و جزائهم أَجْمَعِينَ (٤٠) هذه الجملة مقررة لما سبق من ان خلقها للاستدلال و الابتلاء. ٤١ يَوْمَ لا يُغْنِي بدل من يوم الفصل او ظرف لما دلّ عليه الفصل لانه للفصل اى يوم لا ينفع مَوْلًى من قرابة او غيره عَنْ مَوْلًى اىّ مولى كان شَيْئاً من الإغناء بجلب منفعة او دفع مضرة وَ لا هُمْ يُنْصَرُونَ (٤١) اى يمنعون من العذاب و الضمير لمولى الاول باعتبار المعنى لانه عام. ٤٢ إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللّه بالعفو و قبول الشفاعة و هم المؤمنون فانه يشفع بعضهم لبعض و يؤذن لهم فى الشفاعة و محل المستثنى الرفع على البدل من المستتر فى ينصرون او النصب على الاستثناء إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الغالب الذي لا يستطيع واحد ان ينصر من أراد تعذيبه الرَّحِيمُ (٤٢) اخرج سعيد بن منصور عن ابى مالك قال ان أبا جهل كان يأتى بالتمر و الزبد فيقول تزقموا فهذا الزقوم الذي يعدكم به محمد فنزلت. ٤٣ إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (٤٣). ٤٤ طَعامُ الْأَثِيمِ (٤٤) اى كثير الإثم و هو الكافر هذه الجملة الى آخرها و ما بعدها و هو قوله انّ المتّقين الى آخرها بيان لما سبق من ذكر الفصل و الفرق بين المحق و المبطل. ٤٥ كَالْمُهْلِ خبر اخر لانّ و هو ما يذوب فى النار من المعدنيات و قيل دردى الزيت الأسود كذا فى القاموس يَغْلِي خبر اخر لان قرا ابن كثير «و رويش- ابو محمد» و حفص بالياء التحتية على ان الضمير للطعام او الزقوم لا للمهل إذ الجملة حال من أحدهما و الباقون بالتاء الفوقانية على ان الضمير للشجرة فِي الْبُطُونِ (٤٥) اى بطون الكفار. ٤٦ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (٤٦) اى غليانا مثل غليانه روى البغوي عن ابن عباس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ايها الناس اتقوا اللّه حق تقاته فلو ان قطرة من الزقوم قطرت على الأرض لامرت على اهل الدنيا معيشتهم فكيف بمن هو طعامه ليس له طعام غيره و اخرج الترمذي و صححه و النسائي و ابن ماجة و ابن ابى حاتم و ابن حبان و الحاكم و البيهقي نحوه و اخرج عبد اللّه بن احمد فى زوائد الزهد و ابو نعيم عن ابى عمرو الخولاني فى هذه الاية قال بلغنا ان ابن آدم لا تنهش منها نهشة الا نهشت منه مثلها. ٤٧ خُذُوهُ اى يقال للزبانية خذوه اى الأثيم و جملة يقال خبر اخر لان فَاعْتِلُوهُ قرأ اهل الكوفة و ابو جعفر و ابو عمرو بكسر التاء و الباقون بضمها و هما لغتان اى ادفعوه قهرا و العتل الاخذ بجامع الشي ء و جرّه بقهر إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ (٤٧) اى وسطه. ٤٨ ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ (٤٨) كان أصله صبّوا فوق رأسه الحميم فقيل صبّوا فوق رأسه عذابا هو الحميم للمبالغة أضيف العذاب الى الحميم للتخفيف و زيدت من للدلالة على ان المصبوب بعض هذا النوع. ٤٩ ذُقْ تقديره قائلين ذق هذا العذاب إِنَّكَ قرأ الكسائي بفتح الهمزة اى لانك و الباقون بكسرها على الابتداء أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (٤٩) فى زعمك قال البغوي قال مقاتل ان خازن النار يضرب على رأسه فينقب رأسه عن دماغه فيصبّ فيه ماء حميما قد انتهى حرّه ثم يقال ذق انّك أنت العزيز الكريم و ذلك ان أبا جهل كان يقول انا أعزّ اهل الوادي و أكرمهم و يقول هذا خزنة النار على طريق الاستخفاف و التوبيخ و اخرج الأموي فى مغازيه عن عكرمة قال لقى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أبا جهل فقال ان اللّه أمرني ان أقول لك اولى لك فاولى قال فنزع ثوبه من يده و قال ما يستطيع لى أنت و لا صاحبك من شى ء لقد علمت انى امنع اهل البطحاء و انا العزيز الكريم فقتله اللّه يوم بدر و اذله و عيره بكلمته و انزل ذق انّك أنت العزيز الكريم- و اخرج ابن جرير عن قتادة نحوه. ٥٠ إِنَّ هذا العذاب ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ (٥٠) اى تشكون و تمارون فيه .. ٥١ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ قرأ اهل المدينة و الشام بضم الميم على انه مصدر ميمى اى فى اقامة و الباقون بفتح الميم اى موضع اقامة أَمِينٍ (٥١) يأمن فيه صاحبه عن الآفات و الانتقال. ٥٢ جَنَّاتٍ وَ عُيُونٍ (٥٢) بدل من مقام جئ به للدلالة على نزاهته و اشتماله على ما يستلذ به من المآكل و المشارب. ٥٣ يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَ إِسْتَبْرَقٍ خبر ثان او حال من الضمير فى الجار و المجرور او استئناف السّندس مارق من الحرير و الإستبرق ما غلظ منه اخرج ابن ابى حاتم و ابن ابى الدنيا عن كعب قال لو ان ثوبا من ثياب الجنة لبس اليوم فى الدنيا لصعق من ينظر اليه و ما حملته أبصارهم- و اخرج الصابوني فى الماءتين عن عكرمة قال ان الرجل من اهل الجنة ليلبس الحلة فتكون فى ساعته سبعون لونا مُتَقابِلِينَ (٥٣) فى مجالسهم ليستأنس بعضهم ببعض. ٥٤ كَذلِكَ اى الأمر كذلك وَ زَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (٥٤) الجملة حال بتقدير قد او عطف على خبران اى الزمناهم و قرنّاهم بهن و لذلك عدى بالباء و ليس من عقد التزويج لانه لا يقال زوجته بامراة قال ابو عبيدة جعلناهم أزواجا بهن كما تزوج النعل بالنعل اى جعلناهم اثنين اثنين و الحور النساء النقيات البياض يحار فيهن الطرف من بياضهن و صفاء لونهن جمع حوراء و العين جمع العيناء و هى العظيم العينين- اخرج الطبراني عن ابى امامة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم خلق الحور العين من الزعفران- و اخرج البيهقي مثله عن انس مرفوعا و عن ابن عباس موقوفا و عن مجاهد كذلك و اخرج ابن المبارك عن زيد بن اسلم قال ان اللّه تبارك و تعالى لا يخلق الحور العين من تراب انما خلقهن من مسك و كافور و زعفران- و اخرج ابن ابى الدنيا عن انس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لو ان حورا بزقت فى بحر لعذب ذلك البحر من عذوبة ريقها- و اخرج ابن ابى الدنيا عن ابن عباس قال لو ان حورا أخرجت كفها بين السماء و الأرض لافتتن الخلائق بحسنها و لو أخرجت نصيفها لكان الشمس عند حسنه مثل الفتيلة فى الشمس لا ضوء لها و لو أخرجت وجهها لاضاء حسنها ما بين السماء و الأرض- و اخرج هناد عن حبان بن احيلة قال ان نساء اهل الدنيا إذا ادخلن الجنة فضلن على الحور العين بأعمالهم فى الدنيا .. ٥٥ يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ اشتهوها آمِنِينَ (٥٥) من نفادها و مضرتها الجملة حال اخر اخرج ابن ابى حاتم و ابن المنذر فى تفاسيرهما عن ابن عباس قال ما فى الدنيا تمرة حلوة و لا مرة الا و هى فى الجنة حتى الحنظل- و اخرج ابن ابى حاتم و ابن جرير و البيهقي عن ابن عباس قال ليس فى الدنيا مما فى الجنة الا الأسماء. ٥٦ لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ بل يحيون دائما حال اخر إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى الاستثناء منقطع او متصل و الضمير للاخرة و الموت أول أحوالها او الجنة و الميت يشارفها بالموت و يشاهدها عنده فكانه فيها- او الاستثناء للمبالغة فى تعميم النفي و امتناع الموت فكانّه قال لا يذوقون فيها الموت الا إذا أمكن ذوق الموت الاولى فى المستقبل كقوله تعالى و لا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النّساء الّا ما قد سلف وَ وَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (٥٦) الجملة حال من فاعل لا يذوقون بتقدير قد او عطف على اخبار ان. ٥٧ فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ مصدر لفعله المقدر اى فضلوا فضلا منه و اعطوا كل ذلك عطاء منه لا حقا على اللّه تعالى عن جابر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا يدخل أحدا منكم عمله الجنة و لا يجيره من النار و لا انا الا برحمة اللّه- رواه مسلم ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٥٧) لانه خلاص عن المكاره و فوز بالمطالب-. ٥٨ فَإِنَّما يَسَّرْناهُ اى القران بِلِسانِكَ حال من الضمير المنصوب اى منلبسا بلغتك لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٥٨) اى لكى يفهموا و يتذكروا الجملة متصلة بقوله انّا أنزلناه فى ليلة مّباركة و هو فذلكة للسورة. ٥٩ فَارْتَقِبْ جزاء شرط محذوف تقديره و ان لم يتذكروا- فارتقب اى فانتظر يا محمد ما يحل بهم إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ (٥٩) ما يحل بك او فانتظر نصرك انهم منتظرون قهرك بزعمهم- روى الترمذي بسند ضعيف عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من قرا حم الدخان فى ليلة أصبح يستغفر له سبعون الف ملك- و روى ايضا عنه بسند ضعيف قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من قرا حم الدخان فى ليلة الجمعة غفر له- و روى ابن الضرير عن الحسن مرسلا من قرا سورة الدخان فى ليلة غفر له ما تقدم من ذنبه- و روى الطبراني بسند ضعيف عن ابى امامة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من قرا حم الدخان فى ليلة جمعة او يوم جمعة بنى اللّه له بيتا فى الجنة |
﴿ ٠ ﴾