سُورَةُ الْأَحْقَافِ مَكِّيَّةٌ

وَهِيَ خَمْسٌ وَثَلاَثُونَ آيَةً

مكّيّة و خمس و ثلاثون اية ربّ يسّر و تمّم بالخير

 بِسْمِ اللّه الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

_________________________________

١

حم (١)

٢

تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللّه الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (٢) مرّ تفسيره فى سورة الجاثية.

٣

ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما إِلَّا خلقا متلبّسا بِالْحَقِّ دليلا على وجود الصانع القديم الحكيم و على البعث للمجازاة على ما يقتضيه الحكمة و العدالة وَ أَجَلٍ مُسَمًّى اى بتقدير أجل مسمى ينتهى اليه السماوات و الأرض اى يوم القيامة وَ الَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا اى عن الانذار او عما انذروا به فى القران من عذاب يوم القيامة مُعْرِضُونَ (٣) لا يتفكرون فى جوازه عقلا و وجوبه سمعا بشهادة المعجزات و لا يستعدون لحلوله و يدعون من دون اللّه الهة بلا دليل.

٤

قُلْ لهم يا محمد أَ رَأَيْتُمْ الاستفهام للتقرير اى حمل المخاطب على الإقرار ما تَدْعُونَ اى ما تعبدونه مِنْ دُونِ اللّه أصناما أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا ما استفهامية فى محل النصب على انه مفعول لخلقوا او فى محل الرفع بمعنى اىّ شى ء الذي خلقوه مِنَ الْأَرْضِ بيان لما أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ أم منقطعة اى بل الهم مشاركة مع اللّه فِي خلق السَّماواتِ الموصول مع صلته مفعول أول لارايتم و جملة أروني الى آخرها مفعول ثان و المعنى أخبروني عن حال الهتكم بعد تأمل هل يتعقل انهم خلقوا شيئا من اجزاء العالم او يتصور منهم ان يكونوا شركاء للّه فى الخلق يعنى لا يتصور ذلك فكيف تحكمون باستحقاقها للعبادة و تخصيص الشرك بالسماوات احتراز عمّا يتوهم ان للوسائط شركة فى إيجاد الحوادث السفلية ائْتُونِي بِكِتابٍ من عند اللّه ناطق بالشرك مِنْ قَبْلِ هذا القران الناطق بالتوحيد أَوْ أَثارَةٍ اخرج احمد عن ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه و سلم او اثارة من علم قال الخط قال مجاهد و عكرمة اى رواية و قال قتادة خاصة و قال الكلبي بقية فى القاموس الأثر البقية من الشي ء مِنْ عِلْمٍ الأنبياء الأولين مستندا الى الوحى القطعي يدل على الشرك إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤) فى ان اللّه امر بعبادة الأوثان شرط مستغن عن الجزاء بما مضى يعنى لا دليل على استحقاقها العبادة عقلا و لا نقلا ..

٥

وَ مَنْ أَضَلُّ عطف على مقولة القول يعنى لا أحد أضل مِمَّنْ يَدْعُوا اى يعبد و يطلب حاجاته مِنْ دُونِ اللّه مَنْ لا يَسْتَج ِيبُ لَهُ إذا دعاه لو سمع دعاءهم فرضا ان يعلم سرائرهم و يراعى مصالحهم إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ اى ما دامت الدنيا وَ هُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ (٥) لانها اما جمادات لا يسمع و لا يعقل و اما عباد مسخرون مشتغلون بأحوالهم كعيسى و عزير و الملائكة.

٦

وَ إِذا حُشِرَ النَّاسُ يوم القيامة عطف على لا يستجيب كانُوا اى كانت المعبودون لَهُمْ أَعْداءً يضرونهم و لا ينفعونهم وَ كانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ (٦) مكذبين قائلين تبرّانا إليك ما كانوا ايّانا يعبدون يعنى ليسوا فى الدارين على منفعة إذ لا ينفعهم فى الدنيا و يضرهم فى الاخرة فلا أضل ممن عبدها و ترك عبادة اللّه السميع البصير الخبير القادر المجيب. و قيل الضمير فى قوله كانوا بعبادتهم كافرين للعابدين القائلين و اللّه ربّنا ما كنّا مشركين.

٧

وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ عطف على قوله و الّذين كفروا عمّا انذروا معرضون او على يدعوا فى ممّن يدعوا يعنى و من اضلّ ممن قال للحق هذا سحر مبين إذا تتلى عليه آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ اى لاجله و فى شأنه و المراد به الآيات و وضعه موضع ضميرها و وضع الّذين كفروا موضع ضمير المتلو عليهم للتسجيل عليها بالحق و ظهور الصدق و عليهم بالكفر و الانهماك فى الضلالة لَمَّا جاءَهُمْ اى فورا حين مجيئها إليهم من غير نظر و تأمل هذا القران سِحْرٌ مُبِينٌ (٧) ظاهر فى كونه سحرا.

٨

أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ محمد من قبل نفسه أم منقطعة استفهام للانكار و التعجيب و إضراب عن قولهم انه سحر الى قولهم انه مفترى قُلْ يا محمد إِنِ افْتَرَيْتُهُ فرضا لكى تتبعونى فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللّه شَيْئاً اى لا تقدرون ان تردوا عنى شيئا من عذاب اللّه فكيف اجترأ على اللّه و اعرض نفسى للعقاب من غير توقع نفع و لا دفع ضرر من قبلكم هُوَ أَعْلَمُ اى اللّه اعلم بِما تُفِيضُونَ اى تخوضون فِيهِ من تكذيب آياته و القول بانه سحر او مفترى كَفى بِهِ الباء زائدة و الضمير فى محل الرفع على الفاعلية شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ يعنى ان اللّه يشهد لى بالصدق و البلاغ بخلق المعجزات و عليكم بالكذب و الإنكار و هو وعيد بجزاء إفاضتهم وَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٨) وعد بالمغفرة و الرحمة لمن تاب و أمن و اشعار بحلمه عنهم و عدم استعجالهم بالتعذيب مع عظم جرمهم ..

٩

قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ اى بديعا مثل نصف و نصيف يعنى لست باول الرسل ادعى ما لم يدعه أحد قبلى بل قد بعث قبلى كثير من الرسل فلم تنكرون نبوتى بعد شهادة المعجزة- او لست اقدر على ما لم يقدر الرسل من قبلى و هو الإتيان بالمقترحات كلها وَ ما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَ لا بِكُمْ ما اما موصولة منصوبة او استفهامية مرفوعة و لا لتأكيد النفي المشتمل على ما يفعل بي و التقدير ما أدرى ما يفعل بي و لا ما يفعل بكم قيل معناه ما أدرى ما يفعل بي و لا بكم يوم القيامة فلما نزلت هذه الاية فرح المشركون و قالوا و اللات و العزى ما أمرنا و امر محمد عند اللّه الا واحد و ما له علينا مزية و فضل و لو لا انه ابتدع ما يقول من ذات نفسه لا خبره الذي بعثه بما يفعل به فانزل اللّه ليغفر لك اللّه ما تقدّم من ذنبك و ما تاخّر فقالت الصحابة هنيئا لك يا نبى اللّه قد علمنا ما يفعل بك و إذا ما يفعل بنا فانزل اللّه ليدخل المؤمنين و المؤمنات جنّات الاية و انزل و بشّر المؤمنين بانّ لهم من اللّه فضلا كبيرا فبين اللّه ما يفعل به ربهم

قال البغوي و هذا قول انس و قتادة و الحسن و عكرمد قالوا انما قال هذا قبل ان يخبره بغفران ذنبه عام الحديبية فنسخ ذلك و هذا القول عندى غير مرضى إذ لا يخلو سورة من القران غالبا (مكية كانت او مدينة) من الوعد للمؤمنين و الوعيد للكافرين و كان من أول ما يوحى الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان انذر عشيرتك الأقربين يعنى بعذاب اللّه ان لم يؤمنوا و فى هذه السورة و هذا كتاب مصدّق لسانا عربيّا لّينذر الّذين ظلموا و بشرى للمحسنين انّ الّذين قالوا ربّنا اللّه ثمّ استقاموا فلا خوف عليهم و لا هم يحزنون أولئك اصحاب الجنّة الاية و كيف يكون عاقبة المسلمين و المشركين غير معلوم له صلى اللّه عليه و سلم و غير مذكور فى الكتاب فانه يقتضى اعتراض الكافرين ما أمرنا و امر محمد عند اللّه الا واحد و ما نرى لك علينا من فضل فاىّ فائدة فى ترك دين الآباء و اتباع الرسل و نزول قوله تعالى لِيَغْفِرَ لَكَ اللّه ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ ما تَأَخَّرَ و قوله لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ بعد بضع عشر سنة تأخير للبيان عن وقت الحاجة و ذلك محال-

فان قيل روى البغوي بسنده عن خارجة بن يزيد قال كانت أم العلاء الانصارية تقول لما قدم المهاجرون اقترعت الأنصار على سكناهم فطار لنا عثمان بن مظعون رضى اللّه عنه فى السكنى فمرض فمرّضناه ثم انه توفّى فجاء رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فدخلت فقلت رحمة اللّه عليك أبا السائب شهادتى ان قد أكرمك اللّه فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم ما يدريك ان اللّه قد أكرمه قلت لا و اللّه لا أدرى فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم اما هو فقد أتاه اليقين من ربّه و انى لارجو له الخير و اللّه ما أدرى و انا رسول اللّه ما يفعل بي و لا بكم قالت فو اللّه لا ازكى بعد أحدا ابدا قالت ثم رايت لعثمان بعد فى النوم عينا تجرى فقصّصتها على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال ذاك عمله- و هذا الحديث يؤيد قول من قال معناه ما أدرى ما يفعل بي و لا بكم يوم القيامة و الا فما معنى لهذا الحديث

قلنا مقتضى هذا الحديث انه لا يجوز الحكم قطعا على شخص معين بالنجاة او بالهلاك لانه ادعاء علم الغيب و لا علم على البواطن و السرائر الا للّه سبحانه غير ان الرجل إذا كان ظاهر حاله خيرا يرجو له الخير و معنى قوله صلى اللّه عليه و سلم و اللّه ما أدرى و انا رسول اللّه ما يفعل بي و لا بكم انه قد علمنى اللّه علوم الأولين و الآخرين و مع ذلك ما أدرى تفصيلا ما يفعل بي و لا بكم فى جزاء كل عمل مخصوص فكيف دريت أنت فى حق رجل معين ان اللّه قد أكرمه- و قيل مثل هذا التأويل فى الاية ايضا قالوا معنى الاية ما أدرى ما يفعل بي و لا بكم فى الدارين إذ لا علم لى بالغيب و هذا لا يقتضيه سياق الاية بل سياق الاية ان الكفار كانوا يريدون من النبي صلى اللّه عليه و سلم ان يتبعهم فى الدين و يطمعونه- بجمع الأموال له و إنكاح الأزواج بلا سوق مهر و يؤذونه و يخوّفونه على ترك الاتباع فمقتضى سياق الاية ان النبي صلى اللّه عليه و سلم أخبرهم بانه لا يطمع منهم و لا يخافهم و يعلم انهم غير قادرين على ما أرادوا بل الخير و الشر كلاهما من اللّه تعالى يحكم ما يشاء و يفعل ما يريد فمعنى الاية ما أدرى ما يفعل بي و لا بكم من النصر و الخذلان و انا لا اتبعكم على شى ء من التقادير- إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ من القران لا اتركه ابدا

قال البيضاوي جواب عن اقتراح الكفار الاخبار عمّا لم يوح اليه من الغيوب او عن استعجال المسلمين ان يتخلصوا من أذى المشركين و به

قال البغوي قال جماعة قوله ما أدرى ما يفعل بي و لا بكم فى الدنيا و اما فى الاخرة فقد علم انه فى الجنة و من كذّبه فهو فى النار ثم اختلفوا فقال ابن عباس لمّا اشتد البلاء باصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم راى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فيما يرى النائم و هو بمكة ارض سباخ و نخل رفعت له يهاجر إليها فقال له أصحابه متى تهاجر إليها فسكت فانزل اللّه هذه الاية ما أدرى ما يفعل بي و لا بكم ءانزل فى مكانى او اخرج و إياكم الى الأرض التي رفعت لى- و قال بعضهم معنى ما أدرى ما يفعل بي و لا بكم اى الى ما ذا يصير امرى فى الدنيا اما ان اخرج كما أخرجت الأنبياء من قبلى منهم ابراهيم عليه السلام او اقتل كما قتل بعض الأنبياء من قبلى منهم يحيى عليه السلام و أنتم ايها المصدقون تخرجون معى او تتركون أم ماذا يفعل بكم و ما أدرى ما يفعل بكم ايها المكذبون اترمون بالحجارة كما رمى قوم لوط أم يخسف بكم كما خسف بقارون أم اىّ شى ء يفعل بكم مما فعل بالأمم المكذّبة ثم أخبره اللّه عزّ و جلّ ان يظهر دينه على الأديان كلها فقال هو الّذى أرسل رسوله بالهدى و دين الحقّ ليظهره على الدّين كلّه و قال فى أمته ما كان اللّه ليعذّبهم و أنت فيهم و ما كان اللّه معذّبهم و هم يستغفرون فاخبره ما يصنع به و بامته هذا قول السدىّ وَ ما أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ للكافرين من عذاب اللّه مُبِينٌ (٩) بين الانذار بالشواهد المبينة و المعجزات المصدقة يعنى لست مدعيّا لعلم الغيب و لا مسلطا عليكم أكرهكم على الايمان ..

١٠

قُلْ أَ رَأَيْتُمْ أخبروني ماذا حالكم إِنْ كانَ القران مِنْ عِنْدِ اللّه وَ كَفَرْتُمْ بِهِ حال بتقدير قد اى و قد كفرتم به ايها المشركون و يجوز ان يكون الواو للعطف على فعل الشرط و كذا الواو فى قوله وَ شَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ قال قتادة و الضحاك هو عبد اللّه بن سلام بن الحارث ابو يوسف من ولد يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن ابراهيم عليهم السلام روى البخاري و البيهقي عن انس و محمد بن إسحاق عن رجل من ال عبد اللّه بن سلام عنه و الامام احمد و يعقوب بن سفيان عن عبد اللّه بن سلام و البيهقي عن موسى بن عقبة و عن ابن شهاب قال عبد اللّه بن سلام لمّا سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و عرفت صفته و اسمه و هيئته و الذي كنا نتوقع له فكنت مسرّا لذلك صامتا عليه حتى قدم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم المدينة فلمّا قدم نزل معنا فى بنى عمرو بن عوف فاخبر رجل بقدومه و انا فى رأس نخلة اعمل فيها و عمتى خالدة بنت الحارث تحتى جالسة فلمّا سمعت بقدوم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كبّرت فقالت لو كنت سمعت بموسى بن عمران ما زدتّ قال قلت لها اى عمة هو و اللّه اخر موسى بن عمران و على دينه بعث بما بعث به قالت فذاك اذن قال ثم خرجت الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فلمّا ان رايت وجهه عرفت ان وجهه ليس بوجه كذّاب فكان أول ما سمع من النبي صلى اللّه عليه و سلم قوله يا ايها الناس أطعموا الطعام و أفشوا السلام و صلوا الأرحام و صلوا بالليل و الناس نيام تدخلوا الجنة بسلام. فقال يا محمد انى سائلك عن ثلاث خلال لا يعلمهن الا نبى ما أول اشراط الساعة و ما أول طعام اهل الجنة و ما ينزع الولد الى أبيه او الى امه «نزع الى أبيه فى الشبه اى ذهب عنه ره» و ما هذا السواد الذي فى القمر فقال أخبرني بهن جبرئيل آنفا قال جبرئيل قال نعم قال ذاك عدو اليهود من الملائكة اما أول اشراط الساعة فنار تخرج على الناس من المشرق الى المغرب و اما أول طعام يأكله اهل الجنة فزيادة كبد الحوت و إذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد و إذا سبق ماء المرأة نزعت و اما السواد الذي فى القمر فانهما كانا شمسين قال اللّه تبارك و تعالى و جعلنا اللّيل و النّهار ايتين فمحونا اية اللّيل فالسواد الذي رايت هو المحو فقال اشهد ان لا اله الا اللّه و انك محمد رسول اللّه ثم رجع الى اهل بيته فامرهم فاسلموا و كتم إسلامه- ثم خرج الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال ارى اليهود قد علمت انى سيدهم و ابن سيدهم و أعلمهم و ابن أعلمهم و انهم قوم بهت «١» و انهم ان يعلموا بإسلامي من قبل ان تسئلهم عنى بهتوني و يقولون فىّ ما ليس فىّ فاحب ان تدخلنى بعض بيوتك فادخله رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بعض بيوته و أرسل نبى اللّه صلى اللّه عليه و سلم الى اليهود فدخلوا عليه فقال يا معشر اليهود ويلكم اتقوا اللّه فو اللّه الذي لا اله الا هو انكم لتعلمون انى رسول اللّه و قد جئتكم بالحق فاسلموا فقالوا ما نعلمه فقال اىّ رجل فيكم عبد اللّه قالوا خيرنا و ابن خيرنا و سيدنا و ابن سيدنا و أعلمنا و ابن أعلمنا قال ارايتم ان اسلم قالوا أعاذه اللّه من ذلك قال لابن سلام اخرج عليهم فخرج فقال اشهد ان لا اله اللّه و اشهد ان محمدا رسول اللّه يا معشر اليهود اتقوا اللّه و اقبلوا ما جاءكم به فو اللّه انّكم لتعلمون انه لرسول اللّه حقّا تجدونه مكتوبا عندكم فى التوراة اسمه و صفته فانى اشهد انه رسول اللّه و أومن به و أصدقه و أعرفه قالوا كذبت أنت أشرنا و ابن أشرنا و انتقصوا قال هذا الذي كنت أخاف يا رسول اللّه ا لم أخبرك انهم قوم بهت اهل غدر و كذب و فجور فاظهر إسلامه و اسلام اهل بيته و أسلمت عمته ابنة الحارث فحسن إسلامها-

(١) بهت جمع بهوت كصبر و صبور مبالغة فى البهت و هو الكذب ثم سكن الهاء تخفيفا- منه رحمه اللّه.

و اخرج الطبراني بسند صحيح عن عوف بن الأشجعي قال انطلق النبي صلى اللّه عليه و سلم و انى معه حتى دخلنا كنيسة اليهود يوم عيدهم فكرهوا دخولنا عليهم فقال لهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يا معشر اليهود أروني اثنى عشر رجلا منكم يشهدون ان لا اله الا اللّه و ان محمدا رسول اللّه يحط اللّه عن كل يهودى تحت أديم السماء الغضب الذي عليه فسكتوا فما اجابه منهم أحد ثم انصرف فاذا رجل من خلفه فقال كما أنت يا محمد و اقبل فقال اىّ رجل تعلمونى منكم يا معشر اليهود قالوا و اللّه ما نعلم فينا رجلا كان اعلم بكتاب اللّه و لا افقه منك و لا من أبيك قبلك و لا من جدك قبل أبيك قال فانى اشهد باللّه انه لنبى اللّه الذي تجدونه فى التوراة قالوا كذبت ثم ردوا عليه و قالوا شرّا فانزل اللّه تعالى هذه الاية

و اخرج الشيخان عن سعيد بن ابى وقاص قال ما سمعت النبي صلى اللّه عليه و سلم يقول لاحد يمشى على وجه الأرض انه من اهل الجنة الا لعبد اللّه بن سلام و فيه نزلت هذه الاية و شهد شاهد من بنى اسراءيل- قال الراوي عن مالك (و هو عبد اللّه بن يوسف شيخ البخاري) لا أدرى قال مالك الاية اوفى الحديث-

و اخرج ابن جرير عن عبد اللّه بن سلام قال فيّ نزلت و شهد شاهد من بنى اسراءيل و على هذا التقدير الاية مدنية لان اسلام عبد اللّه بن سلام كان بالمدينة و لفظة مثل فى قوله تعالى عَلى مِثْلِهِ زائدة و الضمير للقران و المعنى شهد شاهد عليه اى على كونه يعنى القران من عند اللّه او المعنى و شهد شاهد على مثل ما قلت اى على كون القران من عند اللّه فَآمَنَ عبد اللّه بن سلام وَ اسْتَكْبَرْتُمْ عن الايمان يا معشر اليهود- و أنكر مسروق نزول الاية فى عبد اللّه بن سلام و قال و اللّه ما نزلت فيه لان ال حم نزلت بمكة و انما اسلم عبد اللّه بن سلام بالمدينة و نزلت الاية فى محاجة كانت من رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لقومه و معنى قوله شهد شاهد من بنى إسرائيل انه شهد موسى و شهادته ما فى التوراة خبر بعثة محمد صلى اللّه عليه و سلم على مثله اى مثل القران و هو ما فى التوراة من المعاني المصدقة للقران فامن موسى عليه السلام و استكبرتم عن الايمان يا معشر قريش و جواب الشرط و هو قوله ان كان من عند اللّه محذوف تقديره فمن أضل منكم او أ لستم ظالمين يدل عليه إِنَّ اللّه لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠) و هى جملة مستأنفة

فان قيل افعال الشرط اعنى كان من عند اللّه و كفرتم به و شهد شاهد من بنى إسرائيل فامن و استكبرتم كلها مجزوم و وقوعها فما وجه استعمال حرف ان فيها و هى تستعمل فى موضع الشك قلت ان الواو فى الجمل كلها للجمع و استعمل كلمة ان للتوبيخ و إيراد المجزوم موقع الشك للدلالة على انه لا يجوز عند العقل السليم الكفر مع كونه من عند اللّه و الاستكبار مع شهادة اهل العلم و إيمانه فهو نظير قوله ان كنتم قوما مسرفين و اللّه اعلم-.

١١

وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا عطف على قال الّذين كفروا للحقّ الاية لِلَّذِينَ آمَنُوا منهم اى فى حقهم لَوْ كانَ دين محمد صلى اللّه عليه و سلم خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ اخرج ابن جرير عن قتادة قال قال أناس من المشركين نحن أعزّ و نحن خير فلو كان خيرا ما سبقنا اليه فلان و فلان فنزلت هذه الاية

و اخرج ابن المنذر عن عون بن ابى شداد قال كانت لعمر بن الخطاب امة أسلمت قبله يقال لها زنين فكان عمر يضربها على إسلامها حتى تفتن و كان كفار قريش يقولون لو كان خيرا ما سبقتنا اليه رنين فانزل اللّه فى شأنها هذه الاية

و اخرج ابن سعد نحوه عن الضحاك و الحسن و

قال البغوي بناء على نزول الاية السابقة فى عبد اللّه بن سلام انه قال الذين كفروا من اليهود للذين أمنوا من اليهود لو كان دين محمد خيرا ما سبقونا اليه يعنى عبد اللّه بن سلام و أصحابه وَ إِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ اى بالقران كما اهتدى به اهل الايمان ظرف لمحذوف مثل ظهر عنادهم او ضلوا و هو معطوف على قوله قال الّذين كفروا و عطف على محذوف تعلق به الظرف قوله فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ (١١) الفاء للسببية فان هذا القول مسبب لظهور عنادهم و ضلالهم و هو كقولهم أساطير الاوّلين يعنى أكاذيب الأولين يعنى اختلق هذا اهل الزمان السابق ثم تلقاه م نهم محمد-.

١٢

وَ مِنْ قَبْلِهِ اى قبل القران و هو خبر لقوله كِتابُ مُوسى التوراة إِماماً يقتدى به حال من الضمير المستكن فى قبله وَ رَحْمَةً من اللّه على الناس ليفوزوا الى فلاح الدارين و الجملة معترضة وَ هذا كِتابٌ من اللّه تعالى مُصَدِّقٌ لكتاب موسى او لمحمد صلى اللّه عليه و سلم باعجازه صفة لكتاب لِساناً عَرَبِيًّا حال من ضمير كتاب فى مصدق او منه لتخصيصه بالصفة و عاملها معنى الاشارة و فائدتهما الاشعار بالدلالة على ان كونه مصدقا للتورته كما دل على انه حق دل على انه وحي و توقيف من اللّه او مفعول به لمصدق بحذف مضاف اى مصدق ذا لسان عربى و هو محمد صلى اللّه عليه و سلم لِيُنْذِرَ قرأ نافع و البزي «و ابو جعفر- ابو محمد» بخلاف عنه و ابن عامر و يعقوب بالتاء للخطاب اى لتنذر يا محمد و الباقون بالياء للغيبة اى لينذر الكتاب او اللّه او الرسول متعلق بمفهوم هذا كتاب اى انزل لتنذر الَّذِينَ ظَلَمُوا أنفسهم بالكفر وَ بُشْرى مصدر لفعل محذوف اى و ليبشر بشرى او مفعول له معطوف على محل لينذر و هذا لا يجوز الا على قراءة لينذر بصيغة الغائب و يكون الضمير للّه تعالى حتى يكون فاعله و فاعل الفعل المعلل به واحدا و هو انزل و جاز ان يكون خبر المبتدأ محذوفا اى هو و الجملة عطف على جملة قبلها لِلْمُحْسِنِينَ (١٢)

١٣

إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللّه ثُمَّ اسْتَقامُوا قد ذكرنا تفسير الاستقامة فى تفسير حم السجدة فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ بعد الموت عن لحوق مكروه وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ (١٣) على فوات محبوب و الفاء لتضمن الاسم معنى الشرط.

١٤

أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها حال من المستكن فى اصحاب و العامل فيه معنى الاشارة و الجملة فى مقام التعليل لنفى الخوف جَزاءً مصدر لفعل دلّ عليه الكلام اى جوزوا جزاء بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٤) من اكتساب الفضائل العلمية و العملية-.

١٥

وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسانَ اللام للعهد و المراد به ابو بكر الصديق رضى اللّه عنه روى عن ابن عباس ان الاية نزلت فى ابى بكر و هو المروي عن على رضى اللّه قال نزلت فى ابى بكر اسلم أبواه جميعا و لم يجتمع من المهاجرين أبواه فى الإسلام غيره و قال السدىّ و الضحاك نزلت فى سعد بن ابى وقاص و قد ذكرنا قصته فى تفسير سورة العنكبوت و قيل اللام للجنس و ان كان نازلا فى ابى بكر او سعد و ذلك لا يقتضيه سياق الاية كما سنشير اليه بِوالِدَيْهِ متعلق بمحذوف اى ان يحسن بوالديه و هما ابو قحافة عثمان بن عمر و أم الخير بنت الخير بن الصخر بن عمر إِحْساناً كذا قرا الكوفيون من الافعال فهو منصوب على المصدرية

و قرا الباقون حسنا من المجرد فهو بدل اشتمال لقوله بوالديه منصوب على محله حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً اى ذات كره فهو حال من فاعل حملته او حملا ذاكره فهو مصدر و هو المشقة قرا اهل الحجاز و هشام و ابو عمرو بفتح الكاف فى الموضعين و الباقون بضمها و هما لغتان و قيل المضموم اسم و المفتوح مصدر وَ وَضَعَتْهُ كُرْهاً جملتان معترضتان فى مقام التعليل للامر بالإحسان و فيه اشعار بمزية استحقاق الام فى الإحسان قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم صل امّك ثم أمك ثم أمك ثم أباك ثم أدناك فادناك- و قد مر الحديث فى سورة العنكبوت- وَ حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ و هو الفطام و المراد به الرضاع تسمية الملزوم باسم اللازم

و قرا يعقوب و فصله و هما بتقدير المضاف مبتدا بعده خبره اى مدة حمله و رضاعه ثَلاثُونَ شَهْراً معترضة اخرى لبيان شدة المشقة فى مدة طويلة يستدل بهذه الاية على ان اقل مدة الحمل ستة «١» أشهر لقوله تعالى و فصاله فى عامين فانه إذا ذهب منها

(١) عن قتادة عن ابى الحرب بن ابى الأسود الدؤلي قال رفعت الى عمر امراة ولدت بستة أشهر فسال عنها اصحاب النبي صلى اللّه عليه و سلم فقال على لا رجم عليها الا ترى انه تعالى يقول و حمله و فصاله ثلاثون شهرا و قال و فصاله فى عامين فكان الحمل منها ستة أشهر فتركها عمر ثم بلغنا انها ولدت اخر بستة أشهر و عن نافع بن جبير ان ابن عباس أخبره انى لصاحب المرأة التي اتى بها عمر وضعت لستة أشهر فانكر الناس ذلك قلت لعمر كيف تظلم قال كيف قلت اقرأ و حمله و فصاله ثلاثون شهرا و الوالدات يرضعن اولادهنّ حولين كاملين قلت كم الحول قال سنة قلت كم السنة قال اثنا عشر شهرا قلت و اربعة و عشرون شهرا حولان كاملان و يؤخر اللّه من الحمل ما شاء و يقدم فاستراح عمر الى قوله- و عن ابى عبيدة مولى عبد الرحمان بن عوف قال رفعت امراة الى عثمان ولدت لستة أشهر فقال عثمان قد رفعت الىّ امراة ما أراها الا جاءت بشر فقال ابن عباس إذا كملت الرضاعة كان الحمل ستة ١٤ شهر اقرأ و حمله و فصاله ثلاثون شهرا فدرأ عثمان عنها- منه نور اللّه مرقده-.

عامين بقي للحمل ستة أشهر و عليه اتفق الائمة فى أفل مدة الحمل و اختلفوا فى أكثرها فقال ابو حنيفة سنتان و عن مالك روايات اربع سنين و خمس سنين و سبع سنين و قال الشافعي اربع سنين و عن احمد روايتان المشهور كمذهب الشافعي و الاخرى كمذهب ابى حنيفة. وجه قول ابى حنيفة قول عائشة الولد لا يبقى فى بطن امه اكثر من سنتين و لو بقدر فلكة مغزل و فى رواية و لو بقدر ظل مغزل- قال و مثله لا يقال الا سمعا إذا المقدرات لا تدرك بالرأى قلت يحتمل ان يكون قولها على تقدير الصحة مبنيّا على التجربة فى جريان العادة كقول مالك و الشافعي قلت و الاستدلال بهذه الاية على اقل مدة الحمل مبنى على كون اللام فى الإنسان للجنس و ان كان للعهد فلا لانها حينئذ بيان لواقعة حال- و الاستدلال بهذه الاية على مذهب ابى حنيفة ان مدة الرضاع ثلاثون شهرا لا يجوز و قد مرّ الكلام فيه و فى غيرها من مسائل الرضاع فى سورة النساء فى تفسير قوله تعالى و امّهاتكم اللّاتى أرضعنكم روى عن عكرمة عن ابن عباس فى تفسير هذه الاية انه قال إذا حملت المرأة تسعة أشهر ارضعته أحد و عشرين شهرا و إذا حملت ستة أشهر ارضعته اربعة و عشرين شهرا و اللّه اعلم حَتَّى إِذا بَلَغَ متعلق بفعل محذوف معطوف على وضعته تقديره و ربّياه حتّى إذا بلغ أَشُدَّهُ وَ بَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً عطف على بلغ يعنى و بلغ كمال عقله كان ابو بكر صحب النبي صلى اللّه عليه و سلم و هو ابن ثمانى عشرة سنة و ذلك بلوغ الأشد و كان النبي صلى اللّه عليه و سلم حينئذ ابن عشرين سنة فى تجارته الى الشام فلمّا بلغ أربعين سنة أمن بالنبي صلى اللّه عليه و سلم و دعا ربه و قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي قرأ ورش و البزي بفتح الياء و الباقون بإسكانها و المعنى الهمنى و قيل معناه الكف اى اجعلنى بحيث أزع نفسى يعنى اكفه من الكفران أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَ عَلى والِدَيَّ الهداية للاسلام او ما يعمه و غيره وَ أَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ نكر صالحا للتعظيم او لانه أراد نوعا من الجنس يستجلب رضاء اللّه قال ابن عباس فاجابه اللّه تعالى فاعتق تسعة من المؤمنين يعذبون فى اللّه و لم يرد شيئا من الخير الا أعانه اللّه عليه و دعا ايضا وَ أَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي فاجابه اللّه فلم يكن له ولد الا أمنوا جميعا فاجتمع له اسلام أبويه و أولاده جميعا كذا قال ابن عباس و أدرك ابو قحافة صحبة النبي صلى اللّه عليه و سلم و ابنه ابو بكر و ابنه عبد الرحمان بن ابى بكر و ابن عبد الرحمان ابو عتيق و لم يكن ذلك لاحد من الصحابة إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ عن الكفر و عن كل ما لا يرضاه اللّه او يشغل عنه وَ إِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (١٥) المخلصين قوله حتّى إذا بلغ الى آخره دليل على ان اللام فى الإنسان للعهد فانه لو كان للجنس لا يستقيم ذلك لان تأخير النعمة القديمة الى بلوغ أربعين سنة لا يجوز فالاية حكاية عن الواقع فانه رضى اللّه عنه أمن و هو ابن أربعين سنة و المعتبر من الشكر ما كان بعد الايمان-

فان قيل المروي ان أباه أبا قحافة اسلم يوم الفتح و كان ابو بكر حينئذ ابن ستين سنة و كان نزول الاية قبل الهجرة لان السورة مكية و حين بلغ ابو بكر أربعين سنة كان ابو قحافة كافرا فكيف يوصى اللّه بالإحسان به و كيف يقول ابو بكر أنعمت علىّ و على والدىّ

قلنا قد روى ان أبا بكر اسلم و هو ابن ثمان و ثلاثين سنة و اسلم أبواه بعد ذلك بسنتين و كان ابو بكر حينئذ ابن أربعين سنة فلعل هذه الرواية هى الصحيحة و على تقدير نزول الاية بمكة و اسلام ابى قحافة بعد الفتح

قلنا الوصية بالإحسان للوالدين الكافرين ايضا جائزة قال اللّه تعالى فى سورة العنكبوت و وصّينا الإنسان بوالديه حسنا و ان جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما و المراد حينئذ بنعمتك أنعمت علىّ ما يعم نعمة الدين و الدنيا و اللّه اعلم قلت و على تقدير كون اللام للجنس يقال معنى الاية انه إذا بلغ الإنسان أشده يعنى بلغ مبلغ الرجال شكر اللّه تعالى على كمال جسده ثم إذا بلغ أربعين سنة شكر اللّه سبحانه على كمال عقله و اللّه اعلم ..

١٦

أُولئِكَ ان كان المراد بالإنسان الجنس فالاشارة الى عامة الموصوفين بالصفات المتقدمة ظاهر و ان كان المراد به ابو بكر او سعد فالمشار اليه هو و من كان مثله فى الصفات المذكورة فذكر حكم ابى بكر و سعد فى ضمن العموم على سبيل الكناية و هو ابلغ من الصريح فانه كدعوى الشي ء مع بينة و برهان الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا فان المباح حسن و لا يثاب عليها او هى من قبيل اضافة الصفة الى موصوفها يعنى نتقبل عنهم ما عملوا احسن مما عمله غيره وَ نَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ فلا نعاقبهم على شى ء منها قرا حمزة و الكسائي و حفص «خلف- ابو محمد» نتقبّل و نتجاوز بالنون على التكلم و التعظيم و احسن منصوبا على المفعولية و الباقون بالياء على الغيبة و البناء للمفعول و احسن مرفوعا على انه مسند اليه فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ خبر بعد خبر لاولئك او حال من الضمير المجرور فى عنهم و عن سيّئاتهم اى كاننين فى اعدادهم او مثابين او معدودين فيهم وَعْدَ الصِّدْقِ مصدر مؤكد لنفسه فان يتقبل و يتجاوز وعد اى وعدت وعد الصدق و اضافة الوعد الى الصدق من قبيل حاتم الجود الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ (١٦) فى الدنيا و الجملة مستانفة لبيان جزاء الإنسان المذكور ..

١٧

وَ الَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ إذا دعواه الى الايمان باللّه و الإقرار الموصول مبتدا خبره أولئك و الجملة مستأنفة اخرى لبيان حكم من خالف المذكورين أُفٍّ لَكُما و هى كلمة كراهية قرا نافع و حفص «و ابو جعفر- ابو محمد» بالتنوين و كسر الفاء

و قرا ابن كثير و ابن عامر «و يعقوب- ابو محمد» بفتح الفاء بغير تنوين و الباقون بكسر الفاء بغير تنوين أَ تَعِدانِنِي قرأ هشام بنون واحدة مشددة و الباقون بنونين مكسورتين

و قرا نافع و ابن كثير «ابو جعفر- ابو محمد» بفتح الياء و الباقون بإسكانها و الاستفهام للانكار و التوبيخ فى مقام التعليل للتأنيف أَنْ أُخْرَجَ من قبرى حيّا بعد الموت وَ قَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي الجملة حال من فاعل اخرج و هاهنا جملة محذوفة معطوفة على هذه الجملة تقديره و لم يخرج أحد منهم وَ هُما اى أبواه يَسْتَغِيثانِ اللّه اى يقولان الغياث باللّه منك او يسئلانه تعالى ان يغيثه بالتوفيق للايمان الجملة حال من والديه وَيْلَكَ مصدر لفعل محذوف اى هلكت هلاكات و الجملة مقدرة بالقول اى و يقولان له ويلك آمِنْ باللّه و بالبعث بعد الموت إِنَّ وَعْدَ اللّه بالبعث حَقٌّ هذه الجملة فى مقام التعليل للامر بالايمان فَيَقُولُ ذلك الولد الكافر لوالديه ما هذا الوعد إِلَّا أَساطِيرُ اى أكاذيب الْأَوَّلِينَ (١٧)

اخرج البخاري من طريق يوسف بن ماهك قال كان مروان على الحجاز استعمله معاوية فخطب فجعل يذكر يزيد بن معاوية لكى يبايع له بعد أبيه فقال له عبد الرحمان بن ابى بكر شيئا فقال خذوه فدخل بيت عائشة فلم يقدروا فقال مروان هذا الذي انزل اللّه فيه و الّذى قال لوالديه أفّ لّكما ا تعداننى فقالت عائشة من وراء الحجاب ما انزل اللّه فينا شيئا من القران الا ان انزل عذرى- و روى انه غضب عبد الرحمان بن ابى بكر بقول مروان و قال هذا سنة الهراقلة ان يرث الأبناء ملك الآباء-

و اخرج ابن ابى حاتم عن السدىّ و عن ابن عباس مثل قول مروان و قال نزلت فى عبد الرحمان بن ابى بكر قبل إسلامه ثم اسلم عبد الرحمان و حسن إسلامه- و

قال البغوي قال ابن عباس و السدىّ و مجاهد نزلت فى عبد اللّه و قيل فى عبد الرحمان بن ابى بكر كان أبواه يدعو انه الى الإسلام و هو يأبى و يقول أحيوا لى عبد اللّه بن جدعان و عامر بن كعب و مشائخ قريش حتى اسئلهم عما تقولون-

قلت و قول من قال انها نزلت فى عبد الرحمن بن ابى بكر انما نشا من قول مروان و قد سمعت ان قول مروان انما كان مبنيّا على العناد.

قال البغوي و أنكرت عائشة ان يكون هذا فى عبد الرحمان بن ابى بكر و قالت انما نزلت فى فلان سمت رجلا- و قال الحافظ ابن حجر و نفى عائشة أصح اسنادا و اولى بالقبول و

قال البغوي و الصحيح انها نزلت فى كافر عاق لوالديه المسلمين كذا قال الحسن و قتادة و قال الزجاج قول من قال نزلت فى عبد الرحمان بن ابى بكر قبل إسلامه يبطله قوله تعالى.

١٨

أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ اى وجب و ثبت عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ بانهم اهل النار فان عبد الرحمان كان من أفاضل المسلمين فِي أُمَمٍ اى مع امم كافرة قَدْ خَلَتْ اى مضت مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ بيان لامم و جملة قد خلت صفة لامم و فى امم متعلق بحقّ و هو صلة للموصول و الموصول خبر لاسم الاشارة و الجملة خبر لقوله و الّذى قال لوالديه إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ (١٨) تذييل ..

١٩

وَ لِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا اى من جزاء ما عملوا من الخير او من أجل ما عملوا

قال البغوي قال ابن عباس يريد من سبق الى الإسلام فهو أفضل ممن يخلف عنه و لو بساعة و قال مقاتل و لكل فضائل بأعمالهم فيوفيهم حزاء أعمالهم و قيل و لكل واحد من الفريقين المؤمنين و الكافرين درجات منازل و مراتب عند اللّه يوم القيامة بأعمالهم فيجازيهم عليها قال ابن زيد فى هذه الاية درجات اهل النار يذهب سفالا و درجات اهل الجنة يذهب علوّا وَ لِيُوَفِّيَهُمْ قرأ ابن كثير و ابو عمرو و هشام و عاصم «و يعقوب- ابو محمد» بالياء على الغيبة و الباقون بالنون على التكلم و التعظيم و هو معطوف على علة محذوفة لفعل محذوف تقديره فعلنا ذلك او فعل اللّه ذلك لحكم و مصالح و ليوفّيهم أَعْمالَهُمْ اى جزاء ما عملوا وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ (١٩) بنقص ثواب او زيادة عقاب حال من الضمير المنصوب-.

٢٠

وَ يَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ اى يعذبون بها أصله يعرض النار عليهم فقلب مبالغة كقولهم عرضت الناقة على الحوض أَذْهَبْتُمْ مقدر بالقول اى يقال لهم أذهبتم و هو ناصب اليوم قرا ابن كثير و ابن عامر و ابو جعفر و يعقوب ء أذهبتم بالاستفهام فقرأ ابن ذكوان و روح- ابو محمد بهمزتين محققتين بغير مد و ابن كثير و ابو جعفر و يعقوب «اى رويس» و هشام «ابو محمد بخلاف عنه ابو محمد» بهمزة و مد «اى همزة سهلة ابو محمد» و هشام أطول مدا على «و ابو جعفر- ابو محمد» أصله و ابن كثير «و رويس- ابو محمد» يسهل الثانية على أصله «اى بغير إدخال- ابو محمد» و الباقون بهمزة واحدة على الخبر

قال البغوي كلاهما فصيحتان لان العرب تستفهم للتوبيخ و تترك الاستفهام طَيِّباتِكُمْ و لذائذكم فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا باستيفاء ما كتب لكم حظّا منها فى الدنيا وَ اسْتَمْتَعْتُمْ بِها فما بقي لكم منها شى ء فَالْيَوْمَ الفاء للسببية عطف على استمتعتم تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ اى العذاب الذي فيه ذل و هوان بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَ بِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ (٢٠) اى بسبب الاستكبار الباطل و الفسوق عن طاعة اللّه.

قال البغوي وبّخ اللّه الكافرين بالتمتع فى الدنيا فاثر النبي صلى اللّه عليه و سلم و أصحابه الصالحون اجتناب اللذات ل الدنيا رجاء لثواب الاخرة روى الشيخان فى الصحيحين عن عمر رضى اللّه عنه قال دخلت على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فاذا هو مضطجع على رمال حصير ليس بينه و بينه فراش قد اثر الرمال بجنبه متكيا على وسادة من آدم حشوها ليف قلت يا رسول اللّه ادع اللّه فليوسع على أمتك فان فارس و الروم قد وسع عليهم و هم لا يعبدون اللّه فقال اوفى هذا أنت يا ابن الخطّاب أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم فى الحيوة الدنيا- و فى رواية أ ما ترضى ان تكون لهم الدنيا و لنا الاخرة- و فى الصحيحين عن عائشة ما شبع ال محمد من خبز الشعير يومين متتابعين حتى قبض رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم- و روى البخاري عن ابى سعيد المقبري عن ابى هريرة انه مر بقوم بين أيديهم شاة مصلية فدعوه فابى ان يأكل و قال خرج النبي صلى اللّه عليه و سلم من الدنيا و لم يشبع من خبز الشعير و روى عن عائشة قالت لقد كان يأتى علينا شهر ما توقد فيه نار و ما هو الا الماء و التمر غير ان جزى اللّه النساء من الأنصار خيرا ربما اهدين لنا شيئا من اللبن- و روى احمد و الترمذي و ابن ماجة عن ابن عباس قال كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يبيت الليالى المتتابعة طاويا و اهله لا يجدون عشاء و كان اكثر خبزهم خبز الشعير- و روى الترمذي عن انس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لقد اخفت فى اللّه و ما يخاف أحد و لقد أوذيت و ما يؤذى أحد و لقد أتت علىّ ثلاثين من بين ليلة و يوم و مالى و لبلال طعام يأكله ذو كبد الا شى ء يواريه إبط بلال- قال الترمذي و معنى الحديث حين خرج النبي صلى اللّه عليه و سلم هاربا من مكة و معه بلال انما كان مع بلال من الطعام ما تحمل تحت إبطه و روى البخاري عن ابى هريرة قال رايت سبعين من اصحاب الصفة ما منهم رجل عليه رداء اما إزار و اما كساء قد ربطوا فى أعناقهم فمنها ما يبلغ نصف الساقين و منها ما يبلغ الكعبين فيجمعه بيده كراهية ان ترى عورته و روى البخاري عن انس انه مشى الى النبي صلى اللّه عليه و سلم بخبز شعير و اهالة سبخة و لقد رهن النبي صلى اللّه عليه و سلم درعا بالمدينة عند يهودى و أخذ منه الشعير لاهله و لقد سمعته يقول ما امسى عند ال محمد صاع بر و لا صاع حب و ان عنده تسع نسوة و روى الترمذي عن ابى طلحة قال شكونا الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الجوع فرفعنا عن بطوننا عن حجر حجر فرفع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن بطنه عن حجرين و قال الترمذي هذا حديث غريب و روى مسلم عن عبد الرحمان قال جاء ثلاثة نفر الى عبد اللّه بن عمرو و انا عنده فقالوا يا أبا محمد و اللّه ما نقدر على شى ء لا نفقة و لا دابة و لا متاع فقال لهم ما شئتم ان شئتم رجعتم إلينا فاعطيناكم ما يسر اللّه لكم و ان شئتم ذكرنا أمركم للسلطان و ان شئتم صبرتم فانى سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول ان فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة الى الجنة بأربعين خريقا قالوا فانا نصبر لا نسئل شيئا- و روى احمد عن معاذ بن جبل ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لما بعث به الى اليمن قال إياك و التنعم فان عباد اللّه ليسوا بالمتنعمين- و روى البيهقي فى شعب الايمان عن على رضى اللّه عنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من رضى من اللّه باليسر من الرزق رضى اللّه عنه بالقليل من العمل- و روى البغوي عن عبد الرحمان بن عوف انه اتى بطعام و كان صائما فقال قتل مصعب بن عمير و هو خير منى فكفن فى بردة ان غطى رأسه بدت رجلاه و ان غطى رجلاه بدا رأسه قال واراه قال و قتل حمزة و هو خير منى ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط او قال أعطينا الدنيا و قد خشينا ان تكون حسناتنا عجلت لنا ثم جعل يبكى حتى ترك الطعام- و روى عن جابر بن عبد اللّه انه راى عمر بن الخطاب لحما معلقا فى يدىّ فقال ما هذا يا جابر قلت اشتهيت لحما فاشتريته فقال عمر فكلما اشتهيت يا جابر اشتريت اما تخاف هذه الاية أذهبتم طيّباتكم فى حياتكم الدّنيا- و قد روى القصة من حديث ابن عمر- و فى رواية من حديث جابر اما يجد أحدكم ان يطوى بطنه لجاره و ابن عمه- و روى رزين عن زيد بن اسلم قال استسقى يوما عمر فجئ بماء قد شيب بعسل فقال انه طيب لكنى اسمع اللّه عزّ و جلّ نفى على قومه شهواتهم فقال أذهبتم طيّباتكم فى حياتكم الدّنيا و استمتعتم بها فاخاف ان تكون حسناتنا عجلت «١» لنا فلم يشربه-.

(١) عن سالم بن عبد اللّه بن عمران عمر كان يقول ما نعنى بالذات العيش ان نأمر بصفار المغرى فتسمط و نأمر بلباب الحنطة فيخبز لنا و نأمر بالذبيب فينبذ لنا فى الاسفان حتى إذا صار مثل عين اليعقوب أكلنا هذا و شربنا هذا و لكنا نريد ان تستبقى طيباتنا لانا سمعنا اللّه يقول أذهبتم طيّباتكم فى حياتكم الدّنيا- و عن قتادة قال ذكر لنا ان عمر بن الخطاب كان يقول لو شئت كنت أطيبكم طعاما و الينكم لباسا و لكنى استبقى طيباتى و ذكر لنا ان عمر بن الخطاب لما قدم الشام صنع له طعام لم ير قبله مثله قال هذا فما لفقراء المسلمين الذين ماتوا و هم لا يشبعون من خبز الشعير قال خالد بن الوليد الجنة فاغرورقت عينا عمر فقال لان كان حظنا من هذا الخطام و ذهبوا بالجنة لقد بانوا بونا بعيدا- و عن حميد بن هلال قال كان حفص يكثر عشيان امير المؤمنين عمر رضى اللّه عنه و كان إذا قرب طعاما نفاه فقال له عمر مالك و لطعامنا فقال يا امير المؤمنين ان أهلي يصنعون لى طعاما هو ألين من طعامك فاختر طعامهم على طعامك فقال ثكلتك أمك اما ترانى لو شئت أمرت بشاة فتية سمينة فالقى عنها شعرها ثم أمرت بدقيق فتخل فى خرقة فجعل خبزا مرققا و أمرت بصاع من ذبيب فجعل فى سعن حتى يكون كدم الغزال فقال حفص انى أراك تعرف ليّن الطعام فقال عمر ثكلتك أمك و الذي نفسى بيده لو لا كراهية ان ينقص من حسناتى يوم القيامة لاشركتم فى لين الطعام- و عن الحسن قال قدم وفد اهل البصرة على عمر مع ابى موسى فكان له كل يوم خبز ملث فربما وافقناها مادوقه بلبن و ربما وافقناها القدائد اليابسة قد دقت ثم أعلى تهاور بما وافقناها باللحم الغريض و هو قليل قال و قال لنا عمر انى و اللّه لقد ارى تقديركم و كراهيتكم طعامى انا و اللّه لو شئت لكنت أطيبكم طعاما و ادقكم عيشا اما و اللّه ما أجهل عن كراكر و اسمنة و عن هلى و هياب سلابى و لكن وجدت اللّه عيّر قوما بامر حفاة فقال أذهبتم طيّباتكم فى حياتكم الدّنيا و استمعتم بها- ١٢ منه برد اللّه مضجعه-.

٢١

وَ اذْكُرْ أَخا عادٍ يعنى هود عليه السلام إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ عادا إذ مع ما أضيف اليه بدل اشتمال من أخا عاد اى اذكر وقت إنذاره بِالْأَحْقافِ اى فى الأحقاف قال ابن عباس الأحقاف بين عمان و مهرة و قال مقاتل منازل عاد كان باليمن فى حضرموت بموضع يقال لها مهرة تنسب إليها الإبل المهرية و كانوا اهل عهد سيارة فى الربيع فاذا هاج العود رجعوا الى منازلهم و كانوا من قبيلة ارم قال قتادة ذكر لنا ان عادا كانوا حيّا باليمن كانوا اهل رمل مشرفين على البحر بأرض يقال له يشجر و الأحقاف جمع حقف و هو المستطيل المعوج من الرمال قال ابن زيد هى ما استطال من الرمل كهيئة الجبل و لم يبلغ ان يكون جبلا و قال الكسائي هى ما استدار من الرمال وَ قَدْ خَلَتِ النُّذُرُ اى مضت الرسل جملة معترضة او حال من فاعل انذر يعنى و الحال انه انذر مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ اى قبل هود نوح و غيره وَ مِنْ خَلْفِهِ اى بعده صالح و ابراهيم و لوط و غيرهم مثل إنذار هود أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللّه ان مفسرة لانذر او مصدرية بتقدير الباء فان النهى عن الشي ء إنذار عن مضرته إِنِّي قرأ نافع و ابن كثير و ابو عمرو «و ابو جعفر- ابو محمد» بفتح الياء و الباقون بإسكانها أَخافُ عَلَيْكُمْ ان عبدتم غير اللّه عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٢١) اى عظيم بلاؤه.

٢٢

قالُوا أَ جِئْتَنا استفهام تقرير لِتَأْفِكَنا اى لتصرفنا عَنْ آلِهَتِنا اى عن عبادتها فَأْتِنا بِما تَعِدُنا من العذاب على الشرك إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٢) فى وعيدك شرط مستغن عن الجزاء بما مضى.

٢٣

قالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ لوقت عذابكم عِنْدَ اللّه اى يأتيكم فى وقت مقدر له من المستقبل و لا يستلزم عدم وقوع العذاب الان كونى كاذبا و لا مدخل لى فيه فاستعجلوا وَ أُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إليكم من التوحيد و الاحكام و الأحبار بنزول العذاب ان لم تؤمنوا وَ لكِنِّي قرأ نافع و ابو عمرو «و ابو جعفر- ابو محمد» و البزي بفتح الياء و الباقون بإسكانها أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (٢٣) لا تعلمون ان اللّه هو العليم القدير و الرسل انما بعثوا منذرين مبلغين لا معذبين و لا مقترحين ..

٢٤

فَلَمَّا رَأَوْهُ الضمير عائد الى ما تعدنا و هو العذاب او مبهم تفسيره عارِضاً اى على هيئة سحاب يعرض اى يبدو فى عرض السماء مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ و قد كانوا قد حبس عنهم المطر قبل ذلك سنتين (و قد مرّ قصتهم فى سورة الأعراف و غيرها) استبشروا بها و قالُوا هذا الذي نراه عارِضٌ سحاب عرض مُمْطِرُنا اى يأتينا بالمطر قال اللّه تعالى او قال هود ليس هذا سحابا ممطرا كما زعمتم بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ من العذاب رِيحٌ خبر مبتدا محذوف اى هى او بدل من الموصول فِيها عَذابٌ صفة لريح أَلِيمٌ (٢٤) صفة عذاب.

٢٥

تُدَمِّرُ اى تهلك كُلَّ شَيْ ءٍ مرت به من أنفسهم و أموالهم بِأَمْرِ رَبِّها اى رب الريح فجاءت الريح الشديد تحمل الفسطاط و تحمل الظعينة حتى ترى كانها جرادة و أول ما عرفوا انها عذاب إذا راوا ما كان خارجا من ديارهم من رجال عاد و أموالهم تطير بهم الريح بين السماء و الأرض فدخلوا بيوتهم و أغلقوا أبوابهم فجاءت الريح فغلقت أبوابهم و صرعتهم و امر اللّه الريح فامالت عليهم الرمال و كانوا تحت الرمل سبع ليال و ثمانية ايام ثم امر اللّه الريح فكشفت عنهم الرمال فاحتملتهم فرمت بهم فى البحر فَأَصْبَحُوا لا يُرى عطف على قال اللّه او قال هود المحذوف قرا عاصم و حمزة و يعقوب «و خلف- ابو محمد» بضم الياء للغيبة على البناء للمفعول إِلَّا مَساكِنُهُمْ بالضم عندهم على انه مفعول ما لم يسم فاعله و الباقون بالتاء للخطاب يعنى لا ترى يا محمد او يا مخاطب مطلقا و مساكنهم عندهم بالنصب على المفعولية كَذلِكَ اى جزاء مثل جزائهم نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (٢٥) روى ان هودا عليه السلام لما أحس بالريح اعتزل بالمؤمنين فى الخطير- عن عائشة قالت ما رايت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مستجمعا ضاحكا حتى ارى منه لهواته انما كان يتبسم و كان إذا راى غيما او ريحا عرف ذلك فى وجهه متفق عليه و فى رواية عند البغوي فقلت يا رسول اللّه ان الناس إذا راوا الغيم فرحوا رجاء ان يكون فيها المطر و إذا رايته عرف فى وجهك الكراهية فقال يا عائشة ما يؤمننى ان يكون فيه عذاب قد عذب قوم بالريح و قد راى قوم العذاب فقالوا هذا عارض مّمطرنا- و عنها قالت كان النبي صلى اللّه عليه و سلم إذا عصت الريح قال اللّهم انى أسئلك خيرها و خير ما فيها و خير ما أرسلت به و أعوذ بك من شرها و شر ما فيها و شر ما أرسلت به و إذا تخيلت السماء تغير لونه و خرج و دخل و اقبل و أدبر فاذا أمطرت سرى عنه فعرفت ذلك عائشة فسالته فقال لعله يا عائشة كما قال عاد فلمّا راوه عارضا مّستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض مّمطرنا- و فى رواية و يقول إذا را المطر رحمة- متفق عليه و فى رواية عند ابى داود و النسائي و ابن ماجة و الشافعي كان النبي صلى اللّه عليه و سلم إذا أبصرنا شيئا من السّماء ترك عمله و استقبله و قال انى أعوذ بك من شر ما فيه الحديث- و عن ابن عباس ما هبت الريح قط الا جثا النبي صلى اللّه عليه و سلم على ركبتيه و قال اللّهم اجعلها رحمة و لا تجعلها عذابا الحديث- رواه الشافعي و البيهقي ..

٢٦

وَ لَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ يعنى عادا فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ من القوة و المال ما موصولة او موصوفة و ان نافية و هى احسن هاهنا من ما لئلا يلزم التكرار لفظا اى فى الذي او فى شى ء مكّنّاكم فيه- او شرطية و الجواب محذوف و التقدير و لقد مكّنّاهم فى الّذى او فى شى ء ان مكّنّاكم فيه كان بغيكم اكثر او زائدة يعنى مكّنّاهم فيما مكّنّاكم فيه و الاول اظهر لقوله تعالى احسن أثاثا و كانوا اكثر منهم و أشدّ قوّة و اثارا وَ جَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً بمعنى اسماعا وَ أَبْصاراً وَ أَفْئِدَةً قلوبا ليعرفوا تلك النعم و يستدلوا بها على ما نحها و يواظبوا على شكرها فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَ لا أَبْصارُهُمْ وَ لا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْ ءٍ من زائدة يعنى لم ينفعهم شى ء منها شيئا من النفع إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللّه ظرف جرى مجرى التعليل من حيث ان الحكم مرتب على ما أضيف اليه فهو علة لما اغنى وَ حاقَ اى نزل بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٢٦) من العذاب.

٢٧

وَ لَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ يا اهل مكة مِنَ الْقُرى كحجر ثمود و ارض سدوم قرى قوم لوط و المراد أهلها وَ صَرَّفْنَا الْآياتِ اى كررنا الحجج و البينات لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢٧) اى لكى يرجعوا يعنى اهل مكة عن كفرهم تعليل للصرف و فيه التفات من الخطاب الى الغيبة.

٢٨

فَلَوْ لا نَصَرَهُمُ فهلا منعهم من عذاب اللّه الَّذِينَ اتَّخَذُوا اى الذين اتخذوهم مِنْ دُونِ اللّه قُرْباناً آلِهَةً اى الهة يتقربون بها الى اللّه حيث قالوا هؤلاء شفعاؤنا عند اللّه أول مفعولى اتّخذوا الراجع الى الموصول محذوف و ثانيهما قربانا و الهة بدل او عطف بيان او الهة مفعول ثان و قربانا حال او مفعول له على انه بمعنى التقرب او مفعول مطلق اى اتخاذ تقرب الى اللّه بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ اى غابوا عن نصرهم عند نزول العذاب و امتنع ان يستمدوا بهم امتناع الاستمداد بالضال وَ ذلِكَ اى اتخاذ الذين هذا شانهم إِفْكُهُمْ كذبهم و صرفهم عن الحق و قيل ذلك اشارة الى انتفاء نصرهم و هو مبتدا و إفكهم بحذف المضاف خبره و المعنى و ذلك اى انتفاء نصرهم اثر إفكهم اى افترائهم و الجملة معترضة لبيان سبب المشار اليه وَ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٢٨) اى افتراؤهم انها الهة اخرج ابن ابى شيبة عن ابن مسعود قال ان الجن هبطوا على النبي صلى اللّه عليه و سلم و هو يقرأ القرآن ببطن نخلة فلما سمعوه قالوا انصتوا قالوا صه و كانوا تسعة أحدهم رذبعة فانزل اللّه.

٢٩

وَ إِذْ صَرَفْنا اى أهلنا إِلَيْكَ هذه الجملة الى آخرها معترضة لتسلّية النبي صلى اللّه عليه و سلم نَفَراً و هى جماعة دون العشرة و جمعه انفار مِنَ الْجِنِّ قال ابن عباس كانوا سبعة من جن نصيبين فيجعلهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم رسلا الى قومهم و قال الآخرون كانوا تسعة

قال البغوي روى عاصم عن زر بن حبيش ان رذبعة من التسعة الذين استمعوا القران يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ حال من نفر فَلَمَّا حَضَرُوهُ اى القران او الرسول قالُوا أَنْصِتُوا قال بعضهم لبعض اسكتوا نسمعه فَلَمَّا قُضِيَ اى أتم و فرغ من قراءته وَلَّوْا انصرفوا إِلى قَوْمِهِمْ من الجن مُنْذِرِينَ (٢٩) مخوّفين داعين بامر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و قد ذكرنا القصة بوجوهها فى سورة الجن لما سبق منى تفسيرها.

٣٠

قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى قال عطاء كان دينهم اليهودية قلت لعل معنى قولهم انزل من بعد موسى ناسخا للتورية بخلاف الإنجيل و الزبور فانهما لم يكونا ناسخين لكثير من احكام التورية حيث قال اللّه تعالى فى عيسى عليه السلام و يعلّمه الكتاب و الحكمة و التّورية و الإنجيل و قال حكاية عنه و لاحلّ لكم بعض الّذى حرّم عليكم مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ من التورية و الإنجيل و غيرهما من الكتب السماوية حال من فاعل انزل او صفة ثانية لكتابا و كذا قوله يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ من العقائد وَ إِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (٣٠) من الشرائع.

٣١

يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللّه محمدا صلى اللّه عليه و سلم الى الإسلام وَ آمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ ما كان حقا للّه بخلاف المظالم فانها لا يغفر بالايمان وَ يُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (٣١) فاستجاب لهم من قومهم نحو سبعين رجلا من الجن فرجعوا الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فوافقوه فى البطحاء فقرأ عليهم القران فامرهم و نهاهم و فيه دليل على انه صلى اللّه عليه و سلم كان مبعوثا الى الجن و الانس جميعا و قد ذكرنا اختلاف العلماء فى حكم مؤمن الجن فى سورة الجن.

٣٢

وَ مَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللّه فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ اى لا يعجز اللّه فيفوته إذا أراد اللّه تعذيبه وَ لَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ يمنعونه من عذاب اللّه هذه الجملة حال من فاعل ليس بمعجز و الجملة الشرطية اعنى من لا يجب داعى اللّه إلخ معترضة أُولئِكَ اى الذين لم يجيبوا داعى اللّه فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٣٢) فان الهداية منحصرة فى اتباع الرسول.

٣٣

أَ وَ لَمْ يَرَوْا الاستفهام للانكار و الواو للعطف على محذوف تقديره أ ينكرون هؤلاء الكفار عن البعث بعد الموت و لم يروا اى لم يعتقدوا أَنَّ اللّه الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ لَمْ يَعْيَ اى لم يتعب و لم يعجز بِخَلْقِهِنَّ فان قدرته ذاتية لا ينقص و لا ينقطع بالإيجاد ابد الآبدين بِقادِرٍ الباء زائدة و اسم الفاعل فى محل النصب على انه مفعول ثان و وجه دخول الباء على خبر انّ المفتوحة انّ انّ مع جملتها قائم مقام مفعولى يروا و النفي فى افعال القلوب يتوجه الى المفعول الثاني. هذا قراءة الجمهور و فى قراءة ابن مسعود قادرا بغير الباء

و قرا يعقوب يقدر بصيغة الفعل المضارع عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ (٣٣)

٣٤

وَ يَوْمَ يُع ْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ منصوب بقول مضمر تقديره يقال لهم أَ لَيْسَ هذا اشارة الى العذاب بالنار الذي ينكرونها فى الدنيا بِالْحَقِّ قالُوا اى الكفار فى الجواب بَلى وَ رَبِّنا يقسمون باللّه و يعترفون به حين لا ينفعهم الإقرار قالَ اى يقول اللّه تعالى حينئذ فَذُوقُوا الْعَذابَ الفاء للسببية فان كونها حقّا مع انكارهم إياها فى الدنيا سبب للذوق بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٤)- اى بسبب كفركم فى الدنيا و معنى الأمر هو الاهانة و التوبيخ و جملة و يوم يعرض إلخ متصلة بقوله و يوم يعرض الّذين كفروا على النّار أذهبتم طيّباتكم و ما بينهما معترضات ..

٣٥

فَاصْبِرْ يا محمد على أذى الكفار الفاء للسببية يعنى إذا علمت انهم يذوقون عذاب النار فاصبر و لا تهتم للانتقام كَما صَبَرَ اى صبرا مثل صبر أُولُوا الْعَزْمِ اى اولى الصبر و الثبات و الجد مِنَ الرُّسُلِ قبلك فانك من جملتهم و اختلفوا فيهم قال ابن زيد كل رسول كان صاحب عزم فان اللّه لم يبعث نبيّا الا كان ذا عزم و حزم و رأى و كمال عقل و من للتبيين- و قال بعضهم الأنبياء كلهم أولوا عزم الا يونس بن متى لعجلة كانت منه الا ترى انه قيل للنبى صلى اللّه عليه و سلم و لا تكن كصاحب الحوت و قيل الا يونس و الا آدم لقوله تعالى و لم نجد له عزما و قال قوم هم نجباء الرسل المذكورون فى سورة الانعام و هم ثمانية عشر ابراهيم و إسحاق و يعقوب و نوح و داود و سليمان و أيوب و يوسف و موسى و هارون و زكريا و يحيى و عيسى و الياس و إسماعيل و اليسع.

و يونس و لوطا قال اللّه تعالى بعد ذكرهم أولئك الّذين هدى اللّه فبهديهم اقتده و قال الكلبي هم الذين أمروا بالجهاد و أظهروا المكاشفة مع اعداء اللّه و قيل هم ستة نوح و هود و صالح و لوط و شعيب و موسى و هم المذكورون على النسق فى سورة الأعراف و الشعراء و قال مقاتل هم ستة نوح صبر على أذى قومه و ابراهيم صبر على النار و إسحاق صبر على الذبح و يعقوب صبر على فقد ولده و ذهاب بصره و يوسف صبر فى البئر و السجن و أيوب صبر على الضرّ و قال ابن عباس و قتادة هم نوح و ابراهيم و موسى و عيسى اصحاب الشرائع مع محمد صلى اللّه عليه و سلم و عليهم أجمعين خمسة قال الشيخ محى السنة البغوي ذكرهم اللّه على التخصيص فى قوله و إذ أخذنا من النّبيّين ميثاقهم و منك و من نوح و ابراهيم و موسى و عيسى بن مريم و فى قوله تعالى شرع لكم من الدّين ما وصّى به نوحا و الّذى أوحينا إليك و ما وصّينا به ابراهيم و موسى و عيسى و قال الشيخ احمد المجدد للالف الثاني رضى اللّه عنه هم ستة آدم و نوح و ابراهيم و موسى و عيسى و سيد الرسل محمد صلى اللّه عليه و عليهم أجمعين و سلم اما الخمسة فلما ذكر من تخصيصهم للميثاق و كونهم اصحاب الشرائع و من جاء خلفهم ايّد شرائعهم و اما آدم فلا جرم يكون هو صاحب شريعة جديدة لكونه مقدما على غيره.

روى البغوي عن مسروق قال قالت لى عائشة قال لى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يا عائشة ان الدنيا لا ينبغى لمحمد و لا لال محمد يا عائشة ان اللّه لم يرض من اولى العزم الا الصبر على مكروهها و الصبر على محبوبها و لم يرض الا ان كلفنى ما كلفهم و قال فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرّسل و انى و اللّه ما بدلى من طاعته و انى و اللّه لاصبرنّ كما صبروا و اجهدنّ كما جهدوا و لا قوة الا باللّه ( «١») عن ابن مسعود قال كانى انظر الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يحكى نبيّا من الأنبياء ضربه قومه فادموه و هو يمسح الدم عن وجهه و يقول اللّهم اغفر لقومى فانهم لا يعلمون- متفق عليه وَ لا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ اى لا تدع على كفار قريش بنزول العذاب عليهم فانه نازل بهم فى وقته لا محالة- كانه ضجر و ضاق قلبه بكثرة مخالفات قومه فاحب ان ينزل العذاب بمن ابى منهم فامر بالصبر و ترك الاستعجال ثم اخبر عن قرب العذاب فقال كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ من العذاب فى الاخرة لَمْ يَلْبَثُوا فى الدنيا زمانا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ استقصروا من هوله مدة لبثهم فى الدنيا حتى يحسبونها ساعة و لان ما مضى و ان كان طويلا فهو إذا انقضى صار كان لم يكن و جملة كانّهم واقع موقع التعليل لعدم الاستعجال فى تعذيب الكفار ثم قال بَلاغٌ اى هذا الذي وعظتم به او هذه السورة او هذا القران و ما فيه من البيان بلاغ من اللّه إليكم اى كفاية او تبليغ الرسول و تنكير البلاغ للتعظيم و التفخيم و قيل بلاغ مبتدا خبره لهم و ما بينهما اعتراض اى لهم وقت يبلغون اليه كانهم إذا بلغوه رأسا و راوا ما فيه استقصروا مدة عمرهم فَهَلْ يُهْلَكُ الاستفهام للانكار اى لا يهلك بالعذاب أحد

إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ (٣٥) الخارجون عن الاتعاظ او الطاعة قال الزجاج تأويله لا يهلك مع رحمة اللّه و فضله الّا القوم الفاسقون- و لهذا قال قوم ما فى الرجاء لرحمة اللّه اية أقوى من هذه الاية- الحمد للّه رب العلمين و صلى اللّه تعالى على خير خلقه محمد و اله و أصحابه أجمعين

(١) هنا بياض فى الأصل ١٢.

﴿ ٠