سُورَةُ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَدَنِيَّةٌ وَهِيَ ثَمَانٍ وَثَلاَثُونَ آيَةً و هى سورة القتال و هى ثمان و ثلاثون اية ربّ يسّر و تمّم بالخير بِسْمِ اللّه الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ _________________________________ ١ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ صَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللّه اى منعوا الناس عن الدخول فى الإسلام إذ امتنعوا عن الدخول فيه و سلوك طريقه أَضَلَّ اللّه أَعْمالَهُمْ (١) اى جعلها ضائعة محبطة حيث لم يقصدوا بها وجه اللّه و لم يجعل لها ثوابا و انما يجزون بها فى الدنيا فضلا من اللّه و أراد بالأعمال ما كان منها حسنا فى الظاهر كاطعام الطعام و صلة الأرحام و فك الأسارى و حفظ الجوار و قال الضحاك أبطل كيدهم و مكرهم بالنبي صلى اللّه عليه و سلم و جعل الدبرة عليهم. ٢ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَ آمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ صلى اللّه عليه و سلم تخصيص للمنزل عليه مما يجب الايمان به تعظيما له و اشعارا بان الايمان لا يتم بدونه و انه الاضل منه و شامل لجميع الايمانيات و لذلك أكده بقوله وَ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ اعتراضا على طريقة الحصر و جاز ان يكون حالا قيل حقيقته كونه ناسخا لا ينسخ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ اى غفرها و سترها بالايمان و أعمالهم الصالحة وَ أَصْلَحَ بالَهُمْ (٢) اى حالهم فى الدنيا بالنصر على الأعداء و توفيق الطاعة و الحفظ عن المعاصي و تسلط الشيطان و فى الاخرة بالخلود فى النعيم و رضوان اللّه تعالى و قال ابن عباس يعنى عصمهم ايام حياتهم اخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس انه قال الّذين كفروا و صدّوا عن سبيل اللّه هم مشركوا مكة و الّذين أمنوا و عملوا الصّالحات هم الأنصار قلت و اللفظ عام. ٣ ذلِكَ اشارة الى ما مرّ من الإضلال و التكفير و الإصلاح مبتدا خبره بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ اى الشيطان وَ أَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ اى القران كَذلِكَ اى ضربا مثل ذلك الضرب يَضْرِبُ اللّه اى يبين لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ (٣) الضمير راجع الى الناس او الى المذكورين من الفريقين على معنى انه يضرب لاجل الناس حتى يعتبروا أمثال الفريقين جعل اللّه تعالى اتباع الباطل مثلا لعمل الكفار و الإضلال مثلا لخيبتهم و اتباع الحق مثلا للمؤمنين تكفيرا لسيئات مثلا لفوزهم .. ٤ فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا من اللقاء و هو الحرب فَضَرْبَ الرِّقابِ أصله فاضربوا الرقاب ضربا فحذف الفعل و أقيم المصدر مقامه مضافا الى المفعول للتأكيد و الاختصار عبر به عن القتل اشعارا بانه ينبغى ان يضرب الرقبة ما أمكن فانه مفض الى القتل غالبا دون غيره من الجراحات حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ اى أكثرتم قتلهم و اغلظتموهم من الثخين بمعنى الغليظ فَشُدُّوا الْوَثاقَ اى فامسكوا عنهم و اسروهم و شدوا وثاقهم و احفظوهم كيلا يفروا و الوثاق بالفتح و الكسر ما يوثق به فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَ إِمَّا فِداءً اى فاما تمنون عليهم بالإطلاق بعد الاسر و شد الوثاق منّا او يفدون فداء- قال البغوي اختلف العلماء فى حكم هذه الاية فقال قوم هى منسوخة بقوله تعالى اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم و قوله تعالى فامّا تثقفنّهم فى الحرب فشرّد بهم من خلفهم و الى هذا القول ذهب قتادة و الضحاك و السدىّ و ابن جريج و هو قول الأوزاعي و به قال ابو حنيفة رحمه اللّه فى رواية- قلت قوله تعالى فشرّد بهم من خلفهم لا يصلح ناسخا لهذه الاية و قوله تعالى اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم مخصوص بالبعض حيث جاز استرقاق الأسارى بالإجماع و استبقاؤهم ذمة لنا عند ابى حنيفة و مالك فبقى ظنى الدلالة فى الباقي فلا يصلح ناسخا لهذه الاية لكونها قطعية- و ذهب الآخرون الى انها محكمة و الامام بالخيار فى الرجال العاقلين من الكفار إذا وقعوا فى الاسر بين ان يقتلهم او يسترقهم او يمن عليهم فيطلقهم بلا عوض او يفاديهم بالمال او بأسارى المسلمين و اليه ذهب ابن عمرو به قال الحسن و عطاء و اكثر الصحابة و العلماء و هو قول الثوري و الشافعي و احمد و إسحاق و قال ابن عباس لما كثر المسلمون و اشتد سلطانهم انزل اللّه عزّ و جلّ فى الأسارى فامّا منّا بعد و امّا فداء و هذا هو الأصح و الاختيار لانه عمل به رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و الخلفاء بعده قلت فهذه الاية ناسخة لقوله تعالى ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَ اللّه يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَ اللّه عَزِيزٌ حَكِيمٌ فانها نزلت فى غزوة بدر سنة اثنين و قد منّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم على الأسرى بعد ذلك فى الحديبية سنة ست و غير ذلك- عن انس ان ثمانين رجالا من اهل مكة هبطوا على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من جبل التنعيم متسلحين يريدون غزوة النبي صلى اللّه عليه و سلم و أصحابه فاخذهم سلما فاستحياهم و فى رواية فاعتقهم فانزل اللّه تعالى و هو الّذى كفّ أيديهم عنكم و ايديكم عنهم ببطن مكّة من بعد ان أظفركم عليهم- رواه مسلم و قد ذكرنا مسائل احكام الأسارى و اختلاف العلماء و ما ورد فى الباب من الأحاديث فى سورة الأنفال فى تفسير قوله تعالى ما كان لنبىّ ان يكون له اسرى حتّى يثخن فى الأرض- حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ اى اهل الحرب اى المحاربين أَوْزارَها يعنى اثقالها و هى الاسلحة يعنى ينقطع الحرب و لم يبق الا مسلم او مسالم و قيل الأوزار الآثام و المعنى يضع اهل الحرب من المشركين اثامها بان يتوبوا من كفرهم و يؤمنوا باللّه و رسوله و قيل حتى تضع حربكم و قتالكم أوزار المشركين و قبائح أعمالهم بان يسلموا و المعنى اثخنوا المشركين بالقتل و الاسر حتى يدخل اهل الملل كلها فى الإسلام جعل اللّه سبحانه انقطاع الحرب غاية للضرب او الشد او المن او الفداء او للمجموع يعنى هذه الاحكام جارية حتى لا يكون حرب مع المشركين بزوال شوكتهم و ذلك عند نزول عيسى بن مريم عليه السلام عن عمران بن حصين قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا يزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناولهم حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال- رواه ابو داود و روى البغوي عن النبي صلى اللّه عليه و سلم بلفظ الجهاد ماض منذ بعثني اللّه الى ان يقاتل اخر أمتي الدجال ذلِكَ خبر مبتدا محذوف اى الأمر فيهم ذلك او مبتدا خبره محذوف اى ذلك ثابت او مفعول لفعل محذوف اى افعلوا بهم ذلك فهو تأكيد لما سبق وَ لَوْ يَشاءُ اللّه لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ اى لانتقم من الكفار بان يهلكهم من غير تعب منكم فى الجهاد وَ لكِنْ أمركم بالقتال لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ اى ليبلو المؤمنين بالكافرين بان يجاهدوهم فيستوجبوا الثواب و الكافرين بالمؤمنين بان يعاجلهم بالعقوبة بايديهم كى يرتدع بعضهم من الكفر و يستوجب بعضهم النار و الجملة بيان لحكمة شرعية القتال مع القدرة على استيصالهم بلا تجشم قتال من المؤمنين وَ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّه قرأ اهل البصرة و حفص قتلوا بضم القاف و كسر التاء على البناء للمفعول من المجرد و هم الشهداء و الباقون قاتلوا بالألف من المقاتلة و هم المجاهدون فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ (٤) خبر للمبتدا الموصول المتضمن لمعنى الشرط اى لا يبطل أعمالهم بارتكاب المعاصي بل يكفر سيئاتهم و يثيب على حسناتهم اخرج البزار و البيهقي و الاصفهانى فى الترغيب عن انس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الشهداء ثلاثة رجل خرج بنفسه و ماله محتسبا فى سبيل اللّه يريد ان يقاتل و يقتل بكثّر سواد المسلمين فان مات او قتل غفرت له ذنوبه كلها و أجير من عذاب القبر و يؤمن من الفزع الأكبر و يزوج من الحور العين و يحل حلة الكرامة و يوضع على رأسه تاج الوقار و الثاني رجل خرج بنفسه و ماله محتسبا يريدان يقتل و لا يقتل فان مات او قتل كانت ركبتيه مع ابراهيم خليل الرحمان بين يدى اللّه فى مقعد صدق عند مليك مقتدر و الثالث رجل خرج بنفسه و ماله محتسبا يريد ان يقتل و يقتل فان مات او قتل جاء يوم القيامة شاهرا سيفه واضعه على عاتقه و الناس جاثون على الركب يقولون الا افسحوا لنا فانا بذلنا دماءنا و أموالنا للّه حتى يأتوا منابر من نور تحت العرش فيجلسون عليها ينظرون كيف يقضى بين الناس لا يجدون غم الموت و لا يفتنون فى البرزخ و لا يفزعهم الصيحة و لا يهمهم الحساب و لا الميزان و لا الصراط و لا هم يسئلون شيئا الا اعطوا و لا يشفعون فى شى ء الا شفعوا و يعطون من الجنة ما احبّوا و يتبؤون من الجنة حيث احبّوا و اللّه اعلم. اخرج ابن ابى حاتم عن قتادة قال ذكر لنا انه نزلت هذه الاية الّذين قتلوا فى سبيل اللّه يوم أحد و قد نشب فيهم الجراحات و القتل و قد نادى المشركون بوعيد اعل هبل فنادى المسلمون اللّه أعلى و أجل فقال المشركون ان لنا العزى و لا عزى لكم فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قولوا اللّه مولانا و لا مولى لكم. ٥ سَيَهْدِيهِمْ فى الدنيا الى الرشك و فى الاخرة الى الدرجات العلى وَ يُصْلِحُ بالَهُمْ (٥) اى حالهم فى الدارين اما فى الدنيا فلمن لم يقتل ادرجوا فى القتلى تغليبا او لانهم لما خرجوا للقتال و رضوا بان يّقتلوا اعطوا ثوابهم فى الدارين و اما فى الاخرى فلمن قتل و لمن لم يقتل بان يكفر سيئاتهم و يقبل حسناتهم و يرضى خصمائهم- اخرج ابو نعيم فى الحلية عن سهل بن سعد و البزار و البيهقي فى شعب الايمان عن ابن عمر قالا قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ثلاثة يقضى اللّه تعالى عنهم يعنى ديونهم يوم القيامة رجل خاف العدو على بيضة المسلمين و ليس عنده قوة فادّ ان دينا فابتاع به سلاحا و تقوّى به فى سبيل اللّه فمات قبل ان يقضيه هذا يقضى اللّه عنه و رجل مات عنده اخوه المسلم فلم يجد ما يكفنه منه فاستقرض فاشترى به كفنا فمات و هو لا يقدر على قضائه فهذا يقضى اللّه عنه يوم القيامة و رجل خاف على نفسه العنت فتعفف بنكاح امراة فمات و لم يقض فان اللّه يقضى عنه يوم القيامة و اخرج الطبراني فى الأوسط بسند حسن قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا التق ى الخلائق يوم القيامة فادخل اهل الجنة الجنة و اهل النار النار نادى منادى يا اهل الجمع تتاركوا المظالم بينكم و ثوابكم على اللّه تعالى. ٦ وَ يُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ (٦) اى يبين لهم منازلهم فى الجنة حتى يهتدوا الى مساكنهم من غير استدلال كانهم سكانها منذ خلقوا فيكون المؤمن اهدى الى منزله و درجته و زوجته و خدمه منهم الى منزله و اهله فى الدنيا هذا قول اكثر المفسرين عن ابى هريرة قال كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول و الذي بعثني بالحق ما أنتم فى الدنيا باعرف بازواجكم و مساكنكم من اهل الجنة بأزواجهم و مساكنهم- رواه فى حديث طويل ابن جرير فى تفسيره و الطبراني و ابو يعلى و البيهقي فى البعث و غيرهم. ٧ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللّه اى تنصروا دينه و رسوله يَنْصُرْكُمْ على عدوكم وَ يُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ (٧) فى القيامة بحقوق الإسلام و المجاهدة مع الكفار-. ٨ وَ الَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ مصدر لفعل واجب إضماره سمعا اى فتعسوا تعسا و الجملة خبر للموصول او مفسر لناصبه قال ابن عباس معناه بعدا لهم و قال ابو العالية سقوطا لهم و قال الضحاك خيبة لهم و قال ابن زيد شتّا لهم قال الفراء نصب على المصدر على سبيل الدعاء و قيل معناه فى الدنيا العثرة و فى الاخرة التردي فى النار و يقال للعاثر إذا لم يريدوا قيامه تعسا و ضده لعا و فى القاموس التعس الهلاك و العثار و السقوط و الشر و البعد و الانحطاط وَ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ (٨) لانها كانت فى طاعة الشيطان عطف على ناصب تعسا. ٩ ذلِكَ التعس و الإضلال بِأَنَّهُمْ اى بسبب انهم كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللّه يعنى القران لما فيه من التوحيد و التكاليف المخالفة لما الفوه و اشتهته أنفسهم فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ (٩) كرره اشعارا بان ذلك من لوازم الكفر. ١٠ أَ فَلَمْ يَسِيرُوا يعنى اهل مكة فِي الْأَرْضِ الاستفهام للانكار و الفاء للعطف على محذوف تقديره ا لم يخرجوا فلم يسيروا فى الأرض فَيَنْظُرُوا جواب للنفى او معطوف عليه اى فلم ينظروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ من الأمم المكذبة للرسل دَمَّرَ اللّه اى استأصل عَلَيْهِمْ على أنفسهم و أهليهم و أولادهم و أموالهم جملة مستأنفة وَ لِلْكافِرِينَ يعنى اهل مكة وضع الظاهر موضع الضمير للتسجيل على كفرهم أَمْثالُها (١٠) اى أمثال تلك العاقبة او العقوبة او الهلكة لان التدمير يدل عليها. ١١ ذلِكَ النصر للمؤمنين و القهر على الكافرين بِأَنَّ اللّه مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا اى وليهم و ناصرهم فيؤيدهم و يوفقهم و يسدد أمرهم و يدفع عنهم خطرات الشيطان حيث قال اللّه تعالى انّ عبادى ليس لك عليهم سلطان وَ أَنَّ الْكافِرِينَ الذين قدر عليهم الكفر و سلطان الشيطان لا مَوْلى لَهُمْ (١١). ١٢ إِنَّ اللّه يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَ الَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ بمتاع الدنيا أياما قلائل وَ يَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ صفة لمصدر محذوف و ما مصدرية اى أكلا كأكل الْأَنْعامُ حريصين غافلين عن المنعم تاركين شكره غير خائفين عن العاقبة وَ النَّارُ مَثْوىً اى منزل و مقام لَهُمْ (١٢) الجملة حال من فاعل تأكلون. ١٣ وَ كَأَيِّنْ اى كثير مبتدا مِنْ قَرْيَةٍ اى اهل قرية حذف المضاف و اجرى على المضاف اليه احكام المضاف فقال هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً صفة لقرية روعى لفظ القرية و انث الضمير مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ اى اخرجك أهلها أسند الإخراج إليهم باعتبار التسبيب فان النبي صلى اللّه عليه و سلم انما خرج من مكة لاجل إيذاء أهلها اخرج ابو يعلى و ذكره البغوي عن ابن عباس رضى اللّه عنهما انه قال لمّا خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من مكة الى الغار التفت الى مكة و قال أنت أحب بلاد اللّه الى اللّه و أحب بلاد اللّه الىّ و لو ان المشركين لم يخرجونى لم اخرج منك فانزل اللّه تعالى هذه الاية أَهْلَكْناهُمْ خير مبتدا روعى فى الضمير فان المراد من القرية أهلها فَلا ناصِرَ لَهُمْ (١٣) حكاية حال ماضية اى فلم يكن لهم حينئذ ناصر. ١٤ أَ فَمَنْ كانَ الاستفهام للانكار و الفاء للعطف على محذوف تقديره ا يستوى المؤمن الذي اللّه مولاه و الكافر الذي لا مولى له أصلا فمن كان عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ اى على يقين مستند الى حجة من عند ربه اى الى القرآن او ما يعمه و الحجج العقلية كالنبى صلى اللّه عليه و سلم و المؤمنين كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ اى زين لهم الشيطان سُوءُ عَمَلِهِ من الشرك و المعاصي وَ اتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (١٤) فعبدوا الأوثان بلا شبهة لهم فضلا عن حجة .. ١٥ مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ الضمير الراجع الى الموصول محذوف اى وعد بها المتّقون- مثل الجنّة اى صفتها العجيبة مبتدا محذوف الخبر تقديره يتلى عليكم فيما بعد و قيل خبره كمن هو خالد فى النّار و تقدير الكلام أمثل اهل الجنّة كمثل من هو خالد فى النّار او أمثل الجنّة كمثل جزاء من هو خالد فى النّار فعرى عن حرف الإنكار و حذف ما حذف استغناء بجرى مثله تصوير المكابرة من يسوى بين المتمسك بالبينة و التابع للّهوى بمكابرة من يسوى بين الجنة و النار و قيل خبره فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ صفة لانهار غَيْرِ آسِنٍ الجملة ان لم يكن خبر المثل فهو اما استئناف لشرح المثل او حال من العائد المحذوف اى مثل الجنّة الّتى وعد بها المتّقون كائنة فيها انهار من ماء غير أسن قرا ابن كثير بالقصر و الباقون بالمد و هما لغتان اى غير متغير طعمه و لا ريحه كما يتغير مياه الدنيا بطول المكث وَ أَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ كما يتغير البان الدنيا الى الحموضة و غيرها وَ أَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ اى لذيذة تأنيث لذّ او مصدر نعت به بإضمار اى ذات لذة او تجوزا للمبالغة لِلشَّارِبِينَ لا يكون فيها كراهة ريح و لا غائلة سكر و خمار بخلاف خمر الدنيا فانها كريهة عند الشرب وَ أَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى لم يخالطه الشمع و لا فضلات النحل و غيرها. عن معاوية بن حيدة قال سمعت النبي صلى اللّه عليه و سلم يقول ان فى الجنة بحر الماء و بحر العسل و بحر اللبن و بحر الخمر ثم يشق الأنهار منها- رواه الترمذي و صححه و البيهقي و عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انهار الجنة يفجر من جبل مسك- رواه ابن حبان و الحاكم و البيهقي و الطبراني و ابن ابى حاتم و عن مسروق قال انهار الجنة تجرى من غير أخدود- رواه ابن المبارك و البيهقي و عن انس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لعلكم تظنون ان انهار الجنة أخدود فى الأرض لا و اللّه انها سابحة على وجه الأرض حافتاه خيام اللؤلؤ و طينها المسك الأزفر- و عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه سبحان و جيحان و الفرات و النيل كلها من انهار الجنة- رواه مسلم و عن عمرو بن عوف قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اربعة انهار الجنة النيل و الفرات و سيحان و جيحان و اربعة جبال من جبال الجنة أحد و الطور و لبنان و درقان ( «١») و عن كعب الأحبار قال نهر النيل هو نهر العسل و نهر دجلة نهر اللبن و نهر الفرات نهر الخمر فى الجنة و نهر سيحان نهر الماء فى الجنة- رواه البيهقي و ذكر البغوي قول كعب نهر دجلة نهر ماء اهل الجنة و نهر الفرات نهر لبنهم و نهر مصر نهر خمرهم و نهر سيحان نهر عسلهم و هذه الأنهار الاربعة تخرج من نهر الكوثر- وَ لَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ صنف عطف على فيها انهار عن ابن عباس قال ما فى الدنيا ثمرة حلوة و لا مرة الا و هى فى الجنة حتى الحنظل- رواه ابن ابى حاتم و ابن المنذر فى تفسيرهما و عن ابن عباس قال ليس فى الدنيا مما فى الجنة الا الأسماء رواه ابن جرير و ابن ابى حاتم و مسدد فى مسنده و هناد فى الزهد و البيهقي و عن ثوبان انه سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول لا ينزع رجل من اهل الجنة من ثمرها الا أعيد فى مكانها مثلها وَ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ فهو راض عنهم ابدا مع إحسانه إليهم بما ذكر بخلاف السيد للعبد فى الدنيا فانه قد يسخط عليه عطف على الصنف المحذوف او مبتدا خبره محذوف اى لهم مغفرة من ربهم كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ هذا على تقدير كون مثل الجنة مبتدا محذوف الخبر او كون خبره فيها انهار خبر لمبتدا محذوف تقديره أمن هو خالد فى تلك الجنة كمن هو خالد فى النّار او بدل من قوله كمن زيّن له و ما بينهما اعتراض لبيان ما يمتاز به من زيّن سوء عمله ممن هو على بيّنة من ربّه فى الاخرة تقريرا لانكار المساواة وَ سُقُوا ماءً حَمِيماً عطف على هو خالد نظرا الى لفظة من و جمع سقوا نظرا الى معناه فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ (١٥) لشدة الحر فخرجت من ادبارهم اخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال كان المؤمنون و المنافقون يجتمعون عند النبي صلى اللّه عليه و سلم فيستمع المؤمنون منه ما يقول و يعونه و يستمع المنافقون و لا يعونه فاذا خرجوا سالوا المؤمنين ما ذا قال آنفا فنزلت. (١) هكذا بياض فى الأصل ١٢. ١٦ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ عطف على و الّذين كفروا يتمتّعون و ما بينهما معترضات و هم المنافقون يستمعون قول النبي صلى اللّه عليه و سلم فلا يعونه و لا يفهمونه تهاونا به و تغافلا او لما لا يعتقدونه حقّا حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا افراد ضمير يستمع نظرا الى لفظة من و جمع ضمير خرجوا و قالوا نظرا الى المعنى لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ما ذا اى ما الذي قالَ محمد آنِفاً الساعة من قولهم انف الشي ء لما تقدم منه مستعار جارحة الانف و منه استأنف و ائتنف و هو ظرف بمعنى وقتا مؤتنفا او حال من الضمير فى قال قرا ابن كثير و هو غير ماخوذ- ابو محمد فى رواية بالقصر و الباقون بالمد و معناهما واحد قالوا ذلك استعلاما او استهزاء أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللّه عَلى قُلُوبِهِمْ فلذلك تهاونوا بكلام الرسول صلى اللّه عليه و سلم وَ اتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (١٦) و لذلك استهزءوا به. ١٧ وَ الَّذِينَ اهْتَدَوْا بكلام الرسول صلى اللّه عليه و سلم و هم المؤمنون زادَهُمْ اللّه بكل كلام من الرسول صلى اللّه عليه و سلم هُدىً علما و بصيرة و مشرح صدر وَ آتاهُمْ تَقْواهُمْ (١٧) اى وفقهم للعمل بما أمروا به او بين لهم ما يتقون به من النار قال سعيد بن جبير أتاهم ثواب تقواهم-. ١٨ فَهَلْ يَنْظُرُونَ اى ما ينتظرون يعنى كفار مكة إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً بدل اشتمال من الساعة و الاستفهام للانكار و المعنى ان الساعة اتية بغتة لا محالة فهم لا ينتظرون الا الساعة و الجملة الاستفهامية جزاء شرط محذوف تقديره ان لم يتوبوا و لم يتسارعوا فى الطاعة فلا ينتظرون للتوبة و الطاعة الا وقت إتيان الساعة و حينئذ لا ينفعهم التوبة و لا يستطيعون الطاعة عن ابى هريرة عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال ما ينتظر أحدكم الا غنى مطغيّا او فقرا منسيّا او مرضا مفسدا او هرما مفندا او موتا مجهّزا او الدجال و الدجال شر غائب منتظر او الساعة و السّاعة إذ هى و امرّ ( «١») فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها تعليل على إتيان الساعة اى اماراتها و علاماتها منها شق القمر قال اللّه تعالى اقتربت السّاعة و انشقّ القمر و منها الدخان و منها مبعث النبي صلى اللّه عليه و سلم روى مسلم و ابن ماجة عن سهل بن سعد قال رايت النبي صلى اللّه عليه و سلم قال بإصبعيه هكذا بالوسطى و التي تلى الإبهام بعثت انا و الساعة كهاتين- و روى احمد و ابن ماجة و الترمذي و صححة عن انس نحوه و عن انس قال لاحدثنّكم بحديث سمعته من رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا يحدثكم به أحد غيرى سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول ان اشراط الساعة ان يرفع العلم و يكثر الجهل و يكثر الزنى و يكثر شرب الخمر و يقل الرجال و تكثر النساء حتى يكون لخمسين امراة قيم واحد- و فى رواية يقل العلم و يظهر الجهل- متفق عليه و عن ابى هريرة قال بينما النبي صلى اللّه عليه و سلم يحدث إذ جاء أعرابي فقال متى الساعة قال إذا ضيعت الامانة فانتظر الساعة قال كيف اضاعتها قال إذا و سدّ الأمر الى غير اهله فانتظر الساعة- رواه البخاري و عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا اتخذ الفي ء دولا و الامانة مغنما و الزكوة مغرما و تعلم لغير الدين و أطاع الرجل امرأته و عق امه و ادنى صديقه و أقصى أباه و ظهرت الأصوات فى المساجد و ساد القوم فاسقهم و كان زعيم القوم أرذلهم و أكرم الرجل مخافة شره و ظهرت القينات و المعازف و شربت الخمور و لعن اخر هذه الامة أولها فارتقبوا عند ذلك ريحا حمراء و زلزلة و خسفا و مسخا و قذفا و آيات تتابع كنظام قطع سلكه فتتابع- رواه الترمذي و عن على رضى اللّه عنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذ فعل أمتي خمس عشرة خصلة حل بهم البلاء وعد هذه الخصال و لم يذكر و يعلم العلم لغير الدين و قال و برّ صديقه و جفا أباه و قال شرب الخمر و لبس الحرير- رواه الترمذي و هذه الجملة كالعلة لاتيانها بغتة فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ الساعة ذِكْراهُمْ (١٨) الفاء جزائية لشرط محذوف و المعنى ان تأتيهم الساعة بغتة فكيف يكون لهم ذكرهم اى وقت مجيئها كيف يتذكرون إذ حينئذ لا ينفعهم الذكر-. (١) هكذا بياض فى الأصل. ١٩ فَاعْلَمْ أَنَّهُ اى الشأن لا إِلهَ إِلَّا اللّه «١» الفاء للسببية اى إذا علمت سعادة المؤمنين و شقاوة الكافرين فاثبت أنت يا محمد على ما أنت عليه من العلم بالوحدانية و تكميل النفس بإصلاح أحوالها و افعالها النافع يوم القيامة وَ اسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ هضما لنفسك و إظهارا للتقصير فى العبادة بالنسبة الى جلال ربّك و عظمته و ليستن به أمتك و قد فعله صلى اللّه عليه و سلم حيث (١) عن ابى بكر الصديق عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال عليكم بلا اله الا اللّه و الاستغفار فاكثروا منها فان إبليس قال أهلكت الناس بالذنوب و اهلكونى بلا اله الا اللّه و الاستغفار فلمّا رايت ذلك أهلكتهم بالأهواء و هم يحسبون انهم مهتدون و عن يحيى بن طلحة بن عبيد اللّه ان عمر راى طلحة حزينا فقال له مالك قال انى سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول انى لاعلم كلمة لا يقولها عبد عند موته الا نفس اللّه عنه كريته و أشرق لونه و اتى ما يسره و ما منعنى ان اسئلهما عنها الا القدرة عليه حتى مات فقال عمر انى لاعلمها قال لا تعلم كلمة هى أعظم من كلمة امر بها؟؟؟ لا اله الا اللّه قال فهى و اللّه هى و عن عثمان بن عفان قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من مات و هو يعلم ان لا اله الا اللّه دخل الجنة منه نور اللّه مرقده- ١٢- [.....]. قال انه ليغان على قلبى و انى لاستغفر اللّه فى اليوم مائة مرة- رواه مسلم و احمد و ابو داود و النسائي من حديث الأغر المزني قلت لعل غين القلب كناية عمّا يرى الصوفي فى نفسه من ظلمات الإمكان بعدها يسند كمالاته الى جناب الرحمان قال المجدد للالف الثاني رضى اللّه عنه معرفة اللّه تعالى حرام على من لم ير نفسه شرّا من الكافر الفرنجى قيل عليه كيف يتصور ذلك مع ما يرى نفسه مؤمنا حقا لا اقل منه و يرى الكافر كافرا لا محالة و معرفة فضل الايمان على الكفر من ضروريات الدين- أجاب عنه بان كل ممكن موجود فهو لا يخلو عن ظلمة الإمكان و نور الوجود المستعار من الرحمان فالعارف باللّه يرى فى نفسه غالبا جانب العدم و الإمكان و ما فيه من الوجود و اتباعه من الكمالات يجده مستعارا من الملك المنان امتثالا لامره انّ اللّه يأمركم ان تؤدّوا الأمانات الى أهلها و يرى فى من سواه غالبا جانب الوجود المستفاد من الرحمان فلا جرم يرى نفسه شرّا من كل من سواه و هذه المعرفة لا يزاحم معرفة فضل الايمان على الكفر باختلاف الالحاظ و الحيثيات و سعة العلم و الإدراكات بخلاف الغافل يرى وجوده و كمالاته مستندا الى نفسه و ينادى انا خير منه و لا حول و لا قوة الا باللّه وَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ اى استغفر لذنوبهم بالدعاء لهم و التحريض على ما يستدعى لغفرانهم و فى إعادة الجار و حذف المضاف اشعار لفرط احتياجهم و كثرة ذنوبهم و انها جنس اخر قال البغوي هذا إكرام من اللّه تعالى لهذه الامة حيث امر نبيهم صلى اللّه عليه و سلم ان يستغفر لذنوبهم و هو الشفيع المجاب فيهم وَ اللّه يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَ مَثْواكُمْ (١٩) قال ابن عباس متقلّبكم مصرفكم و منتشركم فى أعمالكم فى الدنيا و مثويكم مصيركم فى الاخرة الى الجنة او النار و قال مقاتل و ابن جرير منصرفكم لاشتغالكم بالنهار و مثويكم ماويكم الى مضاجعكم بالليل و قال عكرمة متقلّبكم من أصلاب الآباء الى أرحام الأمهات و مثويكم مقامكم فى الأرض و قال ابن كيسان متقلّبكم من ظهر الى بطن و مثويكم مقامكم فى القبور و المع نى انه عالم بجميع أحوالكم فلا يخفى عليه شى ء منها فاحذروه و الخطاب للمؤمنين و غيرهم. ٢٠ وَ يَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا حرصا منهم على الجهاد لَوْ لا نُزِّلَتْ سُورَةٌ تأمرنا بالجهاد فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَ ذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ اى امر بالجهاد قيل معنى محكمة مبينة لا يحتمل وجها الا وجوب القتال و قال قتادة كل سورة ذكر فيها الجهاد فهى محكمة لان وجوب القتال نسخ ما كان قبل ذلك من الصلح و المهادنة و لا يرد عليه النسخ و هو ماض الى يوم القيامة و كل سورة ذكر فيها القتال كانت هى أشد القران على المنافقين رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ اى ضعف و جبن يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ جبنا و مخافة نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلى لَهُمْ (٢٠) اى خير لهم. ٢١ طاعَةٌ اى طاعة اللّه و رسوله فى الجهاد وَ قَوْلٌ مَعْرُوفٌ اى قول سمعنا و اطعنا فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ اى جد الأمر اى جد اصحاب الأمر على القتال فالاسناد اليه مجاز او المعنى لزم و فرض القتال فَلَوْ صَدَقُوا اللّه فيما زعموا من الحرص على الجهاد لَكانَ خَيْراً لَهُمْ (٢١) و جملة لو صدقوا جزاء شرط و قيل جزاء الشرط محذوف و هذه مستأنفة تقديره فاذا عزم الأمر لم يصدقوا اللّه و لو صدقوا اللّه لكان خيرا لّهم. ٢٢ فَهَلْ عَسَيْتُمْ فيه التفات من الغيبة الى الخطاب اى فهل يتوقع منكم ايها اصحاب الجبن إِنْ تَوَلَّيْتُمْ اى أعرضتم عن متابعة الرسول شرط مستغن عن الجزاء لوقوعه فى جملة تدل على الجزاء أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بالكفر و المعاصي لاجل مخالفة الرسول وَ تُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ (٢٢) اى تخالفوا اقرباءكم المؤمنين المجاهدين فى سبيل اللّه و ان مع جملته فاعل لعسيتم و الاستفهام للانكار يعنى لا تكونوا بحيث يتوقع منكم الفساد فى الأرض بالكفر و المعاصي و قطع الأرحام «١». (١) عن بريدة قال كنت جالسا عند عمر إذ سمع صائحا فقال يا يرفا انظر ما هذا الصوت فنظر ثم جاء فقال جارية من قريش تباع أمها فقال عمر ادع المهاجرين و الأنصار فلم يمكث الا ساعة حتى امتلأت الدار و الحجرة فحمد اللّه و اثنى عليه فقال اما بعد فهل تعلمون كان فيما جاء به محمد صلى اللّه عليه و سلم الفظيعة قالوا لا قال فلما قد أصبحت فيكم فاشبة ثم قرا فهل عسيتم ان تولّيتم ان تفسدوا فى الأرض و تقطّعوا أرحامكم ثم قال و اىّ فظيعة اقطع من ابتياع أم امرئ فيكم و قد أوسع اللّه لكم قالوا فاصنع ما بدا لك- فكتب فى الآفاق ان لا يبتاع أم حرفانها قطيعة رحم و انه لا يحل منه برد اللّه مضجعه- ١٢-. ٢٣ أُولئِكَ يعنى المفسدين فى الأرض و القاطعين الأرحام مبتدا خبره الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّه اى ابعدهم عن رحمته فَأَصَمَّهُمْ عن استماع الحق وَ أَعْمى أَبْصارَهُمْ (٢٣) عن ملاحظته هذه الجملة فى مقام التعليل للانكار فى قوله فهل عسيتم و قيل المراد بالّذين فى قلوبهم مرض المنافقون و المرض الشك و النفاق و قوله فاولى لهم اى فويل شديد لهم أفعل من الويل او من الولي بمعنى القرب او فعلى من ال و معناه الدعاء عليهم بان يليهم المكروه او يؤل اليه أمرهم- و طاعة و قول معروف مبتدا محذوف الخبر اى و طاعة و قول معروف خير لهم او حكاية عن قولهم اى يقولون طاعة اى أمرنا طاعة و قول معروف فلو صدقوا اللّه فيما قالوا ان أمرنا طاعة لكان خيرا لهم لكنهم كذبوا فهل عسيتم ان تولّيتم امر الناس يعنى تأمرتم عليهم ان تفسدوا فى الأرض بالظلم- نزلت فى بنى امية و بنى هاشم يدل عليه قراءة على بن ابى طالب ان تولّيتم بضم التاء و الواو على البناء للمفعول اى ان وليتم ولاة جائرة خرجتم معهم فى الفتنة و عاديتموهم أولئك الّذين لعنهم اللّه فاصمّهم و أعمى أبصارهم قال ابن الجوزي انه روى القاضي ابو يعلى فى كتابه المعتمد الأصول بسنده عن صالح بن احمد بن حنبل انه قال قلت لابى يا أبت يرعم بعض الناس انا نحب يزيد بن معاوية فقال احمد يا بنى هل يسوغ لمن يؤمن باللّه ان يحب يزيد و لم لا يلعن رجل لعنه اللّه فى كتابه قلت يا أبت اين لعن اللّه يزيد فى كتابه قال حيث قال فهل عسيتم ان تولّيتم ان تفسدوا فى الأرض و تقطّعوا أرحامكم أولئك الّذين لعنهم اللّه فاصمّهم و أعمى أبصارهم-. ٢٤ أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ اى لا يتصفحونه و ما فيه من المواعظ و الزواجر فيتضح لهم الحق و الاستفهام للانكار و التوبيخ و الفاء للعطف على محذوف تقديره أ يغفلون فلا يتدبّرون القران أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها (٢٤) أقفال القلوب استعارة بالكناية شبّه القلوب بالخزائن و اثبت لها ما يناسب الخزائن من الأقفال على وجه التخييل و أضاف الأقفال الى القلوب للدلة على انها أقفال مناسبة لها مختصة بها لا تجانس الأقفال المعهودة و هذا الكلام كناية عن عدم الاستعداد و نفى قابلية القلوب للاتعاظ بالكلية فلا يفهمون مواعظ القران و ان تدبروا فرضا. و تنكير قلوب لان المراد قلوب بعض منهم او للاشعار بانها لابهام أمرها فى القساوة او لفرط جهالتها كانها مبهم مكنوزة روى البغوي عن هشام بن عروة عن أبيه قال تلا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أ فلا يتدبّرون القرءان أم على قلوب اقفالها فقال شابّ من اهل اليمن بل على قلوب اقفالها حتى يكون اللّه يفتحها او يفرجها فما زال الشابّ فى نفس عمر حتى ولّى فاستعان «١» به .. (١) و عن سهل بن سعد قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أ فلا يتدبّرون القرءان أم على قلوب اقفالها فقال شابّ عند النبي صلى اللّه عليه و سلم بلى و اللّه عليها اقفالها حتى يكون اللّه هو يفكها فلمّا ولّى عمر سال عن ذلك الشابّ ليستعمله فقيل قد مات ١٢ منه برد اللّه مضجعه-. ٢٥ إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ اى على ما كانوا عليه من الكفر مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى قال عروة هم كفار اهل الكتاب كفروا بمحمد صلى اللّه عليه و سلم بعد ما عرفوه و وجدوا نعته فى التوراة و قال ابن عباس و الضحاك و السدىّ هم المنافقون الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ اى سهّل لهم اقتراف الكبائر من السؤال و هو الاسترخاء و قيل حملهم على الشهوات من السول و هو التمني وَ أَمْلى لَهُمْ (٢٥) قرا اهل البصرة بضم الالف و كسر اللام و فتح الياء «و يعقوب بإسكان الياء ابو محمد» على ما لم يسم فاعله من الماضي و قرا مجاهد بإسكان الياء على صيغة المضارع المتكلم من الافعال و روى هذه القراءة عن يعقوب و المعنى و انا املى لهم اى امهلهم و الواو للحال او الاستئناف و الباقون بفتح الالف اى املى الشيطان يعنى مدلهم فى الآمال و الأماني و جملة انّ الّذين ارتدّوا مستأنفة فى جواب ما سبب ذلك. ٢٦ ذلِكَ اى تسويل الشيطان و امهال اللّه سبحانه بِأَنَّهُمْ اى بسبب انّهم قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللّه اى قال اليهود الذين كفروا بالنبي صلى اللّه عليه و سلم بعد ما تبين لهم نعته من التوراة للمنافقين او قال المنافقون لهم او أحد الفريقين للمشركين سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ اى فى بعض أموركم او فى بعض ما تأمرون به كالقعود عن الجهاد او الموافقة لهم فى الخروج معهم ان اخرجوا او على التعاون على عداوة محمد صلى اللّه عليه و سلم وَ اللّه يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ (٢٦) حال من فاعل قالوا قرا اهل الكوفة غير ابى بكر بكسر الهمزة على المصدر و الباقون بفتحها على انه جمع السر و من أسرارهم قولهم لهذا الذي أفشاه. ٢٧ فَكَيْفَ الفاء للسببية و الاستفهام للتعجيب إِذا تَوَفَّتْهُمُ الظرف متعلق بفعل محذوف تقديره فكيف يحتالون إذا توفتهم الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ حال من الملائكة وُجُوهَهُمْ وَ أَدْبارَهُمْ (٢٧) بمقامع من حديد. ٢٨ ذلِكَ التوفى على هذا التوجه بِأَنَّهُمُ اى بسبب انّهم اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللّه قال ابن عباس بما كتموا من التوراة و كفروا بمحمد صلى اللّه عليه و سلم وَ كَرِهُوا رِضْوانَهُ اى ما يرضاه من الايمان و الجهاد و غيرهما من الطاعات فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ (٢٨) لذلك-. ٢٩ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ اى نفاق أم منقطعة بمعنى بل و الهمزة و الكلام متصل بقوله الشّيطان سوّل لهم او بقوله أم على قلوب اقفالها أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللّه أَضْغانَهُمْ (٢٩) اى لن يظهر اللّه لرسوله و المؤمنين أحقادهم عليهم أم منقطعة للاضراب عما سبق و الاستفهام للانكار على حسبانهم. ٣٠ وَ لَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ اى لأعلمناكهم و أعرفناكهم جملة معترضة او حال بتقدير و نحن لو نشاء لاريناكهم فَلَعَرَفْتَهُمْ باعلامنا بِسِيماهُمْ اى بعلاماتهم التي نسمهم بها و اللام لام الجواب كررت فى المعطوف قال البغوي قال انس فما خفى على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بعد نزول هذه الاية شى ء من المنافقين كان يعرفهم بسيمهم وَ لَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ جواب قسم محذوف و لحن القول ازالة الكلام عن جهته الى تعريض و تورية و المعنى انك تعرفهم فيما يعرضون من تهجين أمرك و امر المسلمين و الاستهزاء بهم و الذم بصورة المدح قال البغوي فكان بعد هذا لا يتكلم منافق عند النبي صلى اللّه عليه و سلم الا عرفه بقوله وَ اللّه يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ (٣٠) الحسنة من القبيحة فان حسن الأعمال و قبحها فيما سوى ما فيه قبح ذاتى كالكفر و الزنى يتعلق بالنيات و لا يعلمها الا اللّه فيجازيكم على حسب قصدكم و نيتكم. ٣١ وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بان نأمركم بالجهاد و جواب قسم محذوف حَتَّى نَعْلَمَ علما بعد الوجود كما كنا نعلم قبل الوجود بانه سيكون او المعنى حتى نميّز او المعنى حتى يعلم اولياؤنا الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَ الصَّابِرِينَ على مشاق الجهاد وَ نَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ (٣١) ما يخبر به عن أعمالكم فيظهر حسنها او قبحها او اخباركم عن ايمانكم و موالاتكم المؤمنين فى صدقها و كذبها قرا ابو بكر الافعال الثلاثة بالياء على الغيبة و الضمير راجع الى اللّه تعالى فيوافق قوله تعالى اللّه يعلم و الباقون بالنون على التكلم و نبلوا «١» بسكون الواو على تقدير و نحن نبلوا-. (١) وقع التسامح في العبارة هاهنا و الغرض انه قرا رويس و نبلوا بإسكان الواو و الباقون بالفتح- ابو محمد عفا اللّه عنه-. ٣٢ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ صَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللّه اى منعوا الناس عن الايمان و اتباع الرسول وَ شَاقُّوا الرَّسُولَ اى خالفوه مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى هم قريظة و النضير و المطعمون يوم بدر كانوا اثنا عشر رجلا من كفار مكة يطعمون عسكر الكفار فى يوم نوبته لَنْ يَضُرُّوا اللّه بكفرهم شَيْئاً من المضرة انما يضرون أنفسهم وَ سَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ (٣٢) فلا يجدون عليها ثوابا فى الاخرة او لا يترتب عليه منفعة فى الدنيا قال ابن عباس هم المطعمون يوم بدر نظيره قوله تعالى انّ الّذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدّوا عن سبيل اللّه فسينفقونها ثمّ تكون عليهم حسرة ثمّ يغلبون-. ٣٣ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّه وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ لا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ (٣٣) قال ابن عباس و عطاء لا تبطلوها بالشك و النفاق او العجب و قال الكلبي بالرياء و السمعة و قال الحسن بالمعاصي و الكبائر و اخرج ابن ابى حاتم و محمد بن نصر المروزي فى كتاب الصلاة عن ابى العالية قال كان اصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يرون انه لا يضرّ مع لا اله الا اللّه ذنب كما لا ينفع مع الشرك عمل فنزلت هذه الاية فخافوا ان يبطل العمل بالذنب و كذا ذكر البغوي عنه و قال مقاتل لا تمنّوا على رسول اللّه بإسلامكم فتبطل أعمالكم. (مسئلة) من شرع فى صلوة او صوم او حج او عمرة او غير ذلك تطوعا يجب عليه الإتمام و لا يجوز له الإفساد فى ظاهر الرواية عن ابى حنيفة الا بعذر كذا ذكر صاحب الهداية و القدورى و غيرهما- و هل الضيافة عذر لافطار الصوم تطوعا قيل نعم و قيل لا و قيل عذر قبل الزوال لا بعده الا إذا كان فى عدم الفطر عقوق الوالدين فان أفسد الصلاة او الصوم بعد الشروع تطوعا يجب عليه القضاء عند ابى حنيفة و عند مالك و فى رواية المنتقى عن ابى حنيفة يباح للمتطوع بالصوم الإفطار بغير عذر و يجب عليه القضاء و قال الشافعي و احمد يجب فى العمرة و الحج الإتمام و القضاء ان أفسد بخلاف الصلاة و الصوم و غيرهما من النوافل فانه يستحب عندهما الإتمام و له قطعهما و لا قضاء عليه- لنا هذه الاية فانها و ان كانت واردة فى النهى عن ابطال العمل بالشك و النفاق او بالمعاصي او بالرياء و السّمعة و العجب لكنها بصيغتها يعم الابطال قبل إتمامها بالإفساد لان القدر المودي قربة و عمل و كذا بعده بفعل ما يحبطه من الكبائر او الرياء و السمعة او العجب- و لنا ايضا الأحاديث منها حديث عروة عن عائشة قالت أهديت لحفصة شاة و نحن صائمتان فافطرتنى فلمّا دخل علينا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ذكرنا ذلك له فقال ابد لا مكانه- رواه احمد من طريق سفيان بن حسين عن عروة عن عائشة و الترمذي من طريق جعفر بن برقان عن عروة عنها بلفظ قالت كنت و حفصة صائمتين فعرض لنا طعام اشتهيناه فاكلنا منه فجاء رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فبدرتنى اليه حفصة فقالت يا رسول اللّه انا كنا صائمتين فعرض طعام اشتهيناه فاكلنا منه قال اقضيا يوما اخر مكانه- و كذا اخرج ابو داود و النسائي عن زميل عن عروة عنها و أعله البخاري بانه لا يعرف لزميل سماع من عروة و لا ليزيد سماع من زميل «١» و قال الترمذي روى هذا الحديث صالح بن ابى الأخضر و محمد بن على بن ابى حفصة عن الزهري عن عروة عن عائشة و روى مالك بن انس و معمر و عبيد اللّه بن عمرو و زياد بن سعد و غير واحد من الحفاظ عن الزهري عن عائشة مرسلا و لم يذكروا فيه عروة و هذا أصح لانه روى عن ابن جريج قال سالت الزهري احدّثك عروة عن عائشة قال لم اسمع من عروة فى هذا شيئا و لكن سمعنا فى خلافة سليمان بن عبد الملك من ناس عن بعض من سال عائشة عن هذا الحديث انتهى. (١) و فى الأصل و لا ليزيد سماع من عروة ١٢. قال ابن همام قول البخاري مبنى على اشتراط العلم بذلك و المختار الاكتفاء بالعلم بالمعاصرة و لو سلم إعلاله و أعلال الترمذي فهو قاصر على هذا الطريق فانما يلزم لو لم يكن له طريق اخر لكن رواه ابن حبان فى صحيحه عن جرير بن حازم عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة قالت أصبحت انا و حفصة صائمتين متطوعتين الحديث و رواه ابن ابى شيبة من طريق اخر غيرهما عن خصيف عن سعيد بن جبير ان عائشة و حفصة الحديث و رواه الطبراني فى معجمه من حديث خصيف عن عكرمة عن ابن عباس ان عائشة و حفصة كانتا صائمتين الحديث- و رواه البزار من طريق اخر عن الحماد بن وليد عن عبيد اللّه بن عمرو عن نافع عن ابن عمر قال أصبحت عائشة و حفصة صائمتين الحديث لكن الحماد بن الوليد ضعيف و اخرج الطبراني من غير الكل فى الأوسط حدثنا موسى بن هارون حدثنا محمد بن مهرن الجمال قال ذكره محمد بن ابى سلمة المكي عن محمد بن عمروية عن ابى سلمة عن ابى هريرة قال أهديت لعائشة و حفصة هدية و هما صائمتان فاكلتا منها فذكرتا ذلك لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال اقضيا يوما مكانه و لا تعودا قال ابن همام فثبت هذا الحديث ثبوتا لا مرد له و لو كان كل طريق من هذه الطرق ضعيفا لتعددها و كثرة مجيئها كيف و بعض طرقه مما يحتج به قلت و المرسل عندنا حجة و ما قال ابن الجوزي ان الأمر بالابدال يوما مكانه محمول على الاستحباب خروج عن مقتضاه بغير موجب بل هو محفوف مما يوجب مقتضاه و يؤكده و هو قوله تعالى لا تبطلوا أعمالكم فان قيل كيف يقال هذه الاية مؤكدة لهذا الحديث مع ان المخالفة ظاهرة فان الاية تدل على منع الإفطار بعد الشروع و لا دلالة فيها على وجوب القضاء و الحديث يدل على جواز الإفطار مع وجوب القضاء- قلنا دلالة الاية على منع الإفطار دلالة على وجوب القضاء فان منع الابطال عبارة عن وجوب الإتمام و وجوب الشي ء يقتضى وجوب قضائه بالمثل المعقول عند الفوات ان كان له مثل و ليس فى الحديث دلالة على جواز الإفطار بل على وجوب القضاء فقط و وجوب القضاء يترتب على وجوب الإتمام و حرقه الإفطار و قوله صلى اللّه عليه و سلم لا تعودا صريح فى حرمة الإفطار و هذا هو ظاهر الرواية عن ابى حنيفة رحمه اللّه. و فى الباب أحاديث اخر منها ما رواه الدار قطنى عن طلحة بن يحيى عن عمته عائشة عن عائشة أم المؤمنين قالت دخل علينا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال انى أريد الصوم و اه دى له حيس فقال انى أكل و أصوم يوما مكانه- قال الدار قطنى لم يزد هذا اللفظ عن ابن عيينة غير محمد بن عمرو ابو العباس الباهلي و لم يتابع على قوله و أصوم يوما مكانه و لعله شبه عليه قال الحافظ لكن رواه النسائي عن محمد بن منصور عن ابن عيينة و كذا رواه الشافعي عن ابن عيينة و ذكر ان ابن عيينة زادها قبل موته بسنة انتهى قال الحافظ ابن حجر ابن عيينة كان فى الاخر قد تغيّر و منها ما رواه الدار قطنى بسنده عن محمد بن ابى حميد عن ابراهيم بن عبيد قال صنع ابو سعيد الخدري طعاما فدعا النبي صلى اللّه عليه و سلم و أصحابه فقال رجل من القوم انى صائم فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم صنع لك أخوك أفطر و صم يوما مكانه- قال الدار قطنى هذا مرسل و قال ابن الجوزي محمد بن ابى حميد ليس بشئ و قال النسائي ليس بثقة و قال ابن حبان لا يحتج به و منها ما رواه الدار قطنى عن جابر بن عبد اللّه قال صنع رجل من اصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم طعاما فدعا النبي صلى اللّه عليه و سلم و أصحابه فلمّا اتى الطعام تنحى أحدهم فقال له النبي صلى اللّه عليه و سلم تكلف لك أخوك و صنع ثم تقول انى صائم كل و صم يوما مكانه- فيه عمر بن حليف قال ابن عدى كان متهما بوضع الحديث و كذا قال ابن حبان و منها ما رواه الدار قطنى من حديث ثوبان قال كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم صائما فى غير رمضان فاصابه غم أذاه فتقيا فقاء فدعا بوضوء فتوضا ثم أفطر فقلت يا رسول اللّه أ فريضة الوضوء من القي ء قال لو كان فريضة لوجدته فى القران قال ثم صام الغد فسمعته يقول هذا مكان إفطاري أمس- فيه عتبة بن السكن قال الدار قطنى متروك الحديث و منها ما رواه الدار قطنى بسنده عن محمد بن ابى حميد عن الضحاك بن حمزة عن منصور عن أم سلمة انها صامت يوما تطوعا فافطرت فامرها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان تقضى يوما مكانه- قال يحيى الضحاك ليس بشئ و قال ابو زرعة محمد بن حميد كذاب- احتج الشافعي و احمد بأحاديث الاول حديث جويرية ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم دخل عليها يوم الجمعة و هى صائمة فقال لها اصمت أمس قالت لا قال لا تصومينى غدا قالت لا قال فافطرى- رواه البخاري و روى احمد عن ابى عمر ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم دخل على جويرية فذكر الحديث نحوه الثاني حديث عائشة ان النبي صلى اللّه عليه و سلم كان يأتيها فيقول أصبح عندكم شى ء تطعمونيه فنقول لا ما أصبح عندنا شى ء فيقول انى صائم ثم جاءها بعد ذلك فقالت أهديت لنا هدية فخبأنا لك فقال ما هى قالت حيس قال قد أصبحت صائما فاكل- رواه مسلم و رواه الدار قطنى و البيهقي بلفظ انه دخل عليها فقال هل عندكم شى ء قلت لا قال فانى إذا صائم قالت و دخل علىّ يوما اخر فقال أ عندكم شى ء قلت نعم قال اذن أفطر و ان كنت قد فرضت الصوم- الثالث حديث أم سليم ان النبي صلى اللّه عليه و سلم كان يصبح الليل و هو يريد الصوم فيقول أ عندكم شى ء أتاكم شى ء قالت فنقول او لم تصبح صائما فيقول بلى و لكن لا بأس ان أفطر ما لم يكن نذرا او قضاء رمضان رواه الدار قطنى و فى سنده محمد بن عبيد اللّه العرزمي ضعيف الرابع حديث ابى جحيفة قال أخي النبي صلى اللّه عليه و سلم بين سلمان و ابى الدرداء فزار سلمان أبا الدرداء فراى أم الدرداء مبتذلة فقال لها ما شأنك قال أخوك ابو الدرداء ليس له حاجة فى الدنيا فجاء ابو الدرداء و صنع له طعاما فقال كل فقال انى صائم فقال ما انى أكل حتى تأكل فاكل فلما كان الليل ذهب ابو الدرداء يقوم قال نم فنام ثم ذهب يقوم قال نم فلما كان اخر الليل قال سلمان قم الان فصليا فقال له سلمان ان لربك عليك حقّا و لنفسك عليك حقّا و لاهلك عليك حقا فاعط كل ذى حق حقه فاتى النبي صلى اللّه عليه و سلم فذكر له ذلك فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم صدق سلمان- قلت هذه الأحاديث لا تدل الا على جواز الإفطار للصائم و اما على عدم وجوب القضاء فلا و حديث جويرية انما يدل على كراهة الافراد بصوم الجمعة كما ورد فى حديث ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا تصوم الجمعة الا و قبله يوم او بعده يوم- متفق عليه و فى لفظ نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان يفرد يوم الجمعة بصوم- رواه مسلم- و للشافعى أحاديث اخر منعاف منها حديث أم هانى و له طرق و ألفاظ منها ما رواه النسائي من حديث حماد بن سلمة عن سماك بن حرب عن هارون بن أم هانى عنها ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم شرب شرابا فناولها لنشرب فقالت انى صائمة لكن كرهت ان أرد سورك فقال ان كان قضاء من رمضان فاقضى يوما مكانه و ان كان تطوعا فان شئت تقضى و ان شئت فلا تقضى. و روى احمد و الترمذي و غيرهما من طرق عن سماك عن هارون عنها بلفظ كنت قاعدة عند رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فاتى بشراب فشرب منه ثم ناولنى فشربت منه فقلت أذنبت قال ما ذاك قلت كنت صائمة فافطرت قال أمن قضاء كنت تقضيه قلت لا قال فلا تضرك- و سماك بن حرب ليس بمعتمد عليه إذا انفرد كذا قال النسائي و قال البيهقي فى اسناده مقال و قال ابن القطان هارون مجهول لا يعرف قلت و هارون قيل ابن أم هانى و قيل ابن ابنه و قيل ابن بنته و لفظ احمد و الترمذي لا يدل على عدم وجوب القضاء و روى ابو داود و الدارمي و غيرهما من حديث جرير عن يزيد بن زياد عن عبد اللّه بن الحارث عن أم هانى قالت لما كان يوم الفتح فتح مكة جاءت فاطمة فجلست عن يسار رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و أم هانى عن يمينه قالت فجاءت وليدة باناء فيه شراب فناولته فشربت منه فقالت يا رسول اللّه قد أفطرت و كنت صائمة فقال لها أ كنت تقضين شيئا قالت لا قال لا يضرك ان كان تطوعا و رواه احمد ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن حجة عن أم هانى و هى جدته ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم دخل عليها يوم الفتح فاتى باناء فشرب ثم ناولنى فقلت انى صائمة فقال ان المتطوع امير نفسه فان شئت فصومى و ان شئت فافطرى- و رواه من حديث ابى داود الطيالسي ثنا شعبة عن جعدة عن ابى صالح عنها ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم دخل عليها فشرب ثم ناولها فشربت و قالت يا رسول اللّه انى كنت صائمة فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الصائم المتطوع امير نفسه ان شاء صام و ان شاء أفطر- قال الذهبي جعدة عن ابى صالح لا يعرف و قال البخاري فيه نظر و ذكر يوم الفتح علة اخرى للقدح فى الحديث إذ لا شك ان يوم الفتح كان فى رمضان فكيف يتصور قضاء رمضان فى رمضان و لا التطوع فيه. و اختار ابن همام رواية المنتقى عن ابى حنيفة فقال يجوز للمتطوع فى الصوم الإفطار بلا عذر لما احتج به الشافعي و يجب عليه القضاء بالإفساد لما احتج به ابو حنيفة جمعا بين الأحاديث و قال المراد بالابطال فى قوله تعالى لا تبطلوا أعمالكم إخراجها من ان يترتب عليه فائدة و جعلها كانها لم توجد أصلا و اما الابطال بقصد القضاء فلا دلالة للاية على منعه- قلت المصدر فى قوله تعالى لا تبطلوا منكر تحت النفي فيشتمل كل ابطال و من أفسد صلاته او صومه بعد الشروع فلا شك انه أبطل هذا العمل و اما القضاء فعمل اخر تدارك لهذا العمل فلا يجوز الابطال بلا عذر بهذه الاية و الأحاديث و ان دلت على جواز الإفطار لكن عند التعارض يجب تقديم الاية على أحاديث الآحاد لا سيما الاية محرمة و الأحاديث مبيحة للفطر فيجب تقديم المحرم على المبيح احتياطا و لنا ايضا القياس على الحج و العمرة النافلتين فانه لا يجوز إفسادهما و يجب فيهما القضاء بالإفساد اجماعا و اللّه اعلم .. ٣٤ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ صَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللّه ثُمَّ ماتُوا وَ هُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللّه لَهُمْ (٣٤) هذه الجملة متصلة بقوله انّ الّذين كفروا و صدّوا عن سبيل اللّه الاية فيما سبق قبل هذه الاية نزلت فى اصحاب القليب و حكمه عام فى كل من مات على كفره-. ٣٥ فَلا تَهِنُوا اى لا تضعفوا عن الجهاد وَ تَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ قرأ ابو بكر و حمزة بكسر السين و الباقون بفتحها و تدعوا مجزوم بتقدير لا اى لا تدعوا الكفار الى الصلح ابتداء او منصوب بتقدير ان فى جواب لا تهنوا نهى اللّه سبحانه عن طلب الصلح ابتداء لانه دليل الجبن و الضعف وَ أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ اى الغالبون القاهرون بنصر اللّه تعالى الموعود للمؤمنين الصالحين حال من فاعل تدعوا وَ اللّه مَعَكُمْ معية بلا كيف فان الايمان يقتضى حب اللّه و المرء مع من أحب و الواو للعطف فهو حال من فاعل تدعوا او للحال من فاعل اعلون و كذا قوله وَ لَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ (٣٥) اى لن ينقصكم شيئا من ثواب أعمالكم من وتره ينزه إذا نقص حقه قال ابن عباس و مقاتل و قتادة و الضحاك لن يظلمكم أعمالكم الصالحة اى لا يبطلها-. ٣٦ إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ اى باطل لا يترتب عليها فائدة معتدة بها ما لم يكن فيها ذكر اللّه قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الدنيا ملعونة و ملعون ما فيها الا ذكر اللّه وَ لَهْوٌ يشغلكم عمّا يفيدكم فى الحيوة الدائمة وَ إِنْ تُؤْمِنُوا باللّه و رسوله فى الدنيا وَ تَتَّقُوا عذاب اللّه بامتثال او امره و الانتهاء عن مناهيه يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ اى ثواب ايمانكم و تقواكم فى الاخرة فحينئذ تكون حياتكم الدنيا مزرعة الاخرة و لا يكون لعبا و لهوا وَ لا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ (٣٦) فانه غير محتاج الى شى ء انما يأمركم بالطاعة و الايمان ليثيبكم عليها الجنة نظيره قوله تعالى ما أريد منهم من رّزق و قيل معناه لا يسئلكم اللّه و رسوله أموالكم كلها فى الصدقات انما يسئلكم جزءا يسيرا و هو ربع العشر او اقل كشاة من مائة و عشرين شاة من نماء مال فطيبوا بها نفسا و الى هذا القول ذهب ابن عيينة و يدل عليه سياق الاية فهذه الجملة لدفع توهم نشا ممّا ذكر من ذم الحيوة الدنيا و مدح الايمان و التقوى فانه يوهم ان اللّه تعالى يأمر بصرف جميع متاع الدنيا فى سبيل اللّه و لدفع ذلك الوهم قال و لا يسئلكم أموالكم اى جميعها- ثم ذكر فى مقام تعليل عدم السؤال بالكل قوله. ٣٧ إِنْ يَسْئَلْكُمُوها اى جميعا فَيُحْفِكُمْ اى يجهدكم بطلب الكل و الإحفاء المبالغة و بلوغ الغاية فى الحديث احفوا الشوارب اى استأصلوها فى القطع عطف على الشرط تَبْخَلُوا بها فلا تعطوها جزاء للشرط وَ يُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ (٣٧) اى يظهر بغضكم و الضمير فى يخرج للّه تعالى و يؤيده القراءة بالنون او للبخل فانه سبب الاضغان قال قتادة علم اللّه ان فى مسئلة الأموال خروج الاضغان-. ٣٨ ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ ها حرف تنبيه و أنتم مبتدا و هؤلاء خبره او هؤلاء منادى بحذف حرف النداء و خبر المبتدا تُدْعَوْنَ او هؤلاء اسم موصول و تدعون صلته و الموصول مع الصلة خير لانتم لِتُنْفِقُوا ما فرض اللّه عليكم فِي سَبِيلِ اللّه و هو يعم نفقة الغزو و الزكوة و غيرهما فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ اى ناس يبخلون بما فرض اللّه عليهم من الزكوة و غيرها وَ مَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ فان نفع الانفاق و ضرر البخل انما يعودان اليه عن ابن مسعود قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أيكم مال وارثه أحب اليه من ماله قالوا يا رسول اللّه ما منّا أحد الا ماله أحب اليه من مال وارثه قال فان ماله ما قدم و مال وارثه ما اخر- رواه البخاري و النسائي و عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما من يوم يصبح العباد فيه الا ملكان ينزلان فيقول أحدهما اللّهم أعط منفقا خلفا و يقول الاخر اللّهم أعط ممسكا تلفا- متفق عليه و عن اسماء قالت قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انفقى و لا تحصى فيحصى اللّه عليك و لا توعى فيوعى اللّه عليك فارضحى ما استطعت- متفق عليه و عن ابى هريرة قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال اللّه تعالى أنفق يا ابن آدم أنفق عليك- متفق عليه وَ اللّه الْغَنِيُّ عن صدقاتكم و طاعاتكم وَ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ فانما أمركم بما أمركم لاحتياجكم فى الدنيا و الاخرة جملة و اللّه الغنىّ و أنتم الفقراء فى مقام التعليل للحصر فى قوله انّما يبخل عن نفسه وَ إِنْ تَتَوَلَّوْا اى ان تعرضوا ايها العرب عن طاعة اللّه و طاعة رسوله و الانفاق فى سبيله عطف على ان تؤمنوا يَسْتَبْدِلْ اى يقيم مقامكم قَوْماً غَيْرَكُمْ ليومنوا و يتقوا ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ (٣٨) بل يكونوا أطوع للّه منكم قال الكلبي هى كندة و النخع و قال الحسن هى العجم و قال عكرمة فارس و الرم عن ابى هريرة ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم تلا هذه الاية يستبدل قوما غيركم ثمّ لا يكونوا أمثالكم قالوا يا رسول اللّه من هؤلاء الذين ان تولينا استبدلوا بنا ثم لا يكونوا امثالنا فضرب على فخذ سلمان الفارسي ثم قال هذا و قومه و لو كان الدين عند الثريا لتناوله رجال من فارس «١»- رواه البغوي و رواه الترمذي و الحاكم و صححاه و ابن حبان- و الحمد للّه رب العالمين و صلى اللّه تعالى على خير خلقه محمد و اله و أصحابه أجمعين- (١) و فى الصحيحين عن ابى هريرة و الطبراني عن ابن مسعود عن النبي صلى اللّه عليه و سلم انه قال لو كان الايمان عند الثريا لتناوله رجال من فارس- و روى ابو نعيم فى الحلية عنه بلفظ لو كان العلم معلقا بالثريا لتناوله قوم من ابنا فارس. و رواه الشيرازي فى الألقاب من حديث قيس بن سعد بن عبادة عنه صلى اللّه عليه و سلم و زاد الطبراني فى حديث قيس لا تناله العرب لناله رجال (و فى لفظ ناس) عن أبناء فارس) قال الشيخ محمد بن يوسف الصالحي الشافعي قال الشيخ الشافعي يعنى جلال الدين السيوطي المراد بهذا الحديث ابو حنيفة و أصحابه رحمهم اللّه لا شك فيه لانه لم يبلغ من أبناء فارسى فى العلم مبلغه و لا مبلغ أصحابه و كان جد الامام ابى حنيفة منهم- و قد بلغ من أولاد ابى حنيفة من الدين رجال مبلغا رفيعا منهم ابو على شرف الدين القلندر الفاني فتى و القطب الجمال و القطب برهان الها نسوى و القطب عبد القدوس الكنكوهى رضى اللّه عنهم أجمعين ١٢ منه نور اللّه مرقده و برد اللّه مضجعه-. |
﴿ ٠ ﴾