سُورَةُ الْفَتْحِ مَدَنِيَّةٌ

‏ وَهِيَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ آيَةً

مدنيّة و هى تسع و عشرون اية و اربع ركوعات

بِسْمِ اللّه الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

 ربّ يسّر و تمّم بالخير روى احمد و البخاري و الترمذي و النسائي و ابن حبان و ابن مردوية عن عمر بن الخطاب رضى اللّه عنه قال كنا مع رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه و اله و سلم فى بعض أسفاره فسألته عن شى ء ثلث مرات فلم يرد علىّ فقلت ثكلتك أمك يا عمر نزرت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ثلث مرات كل ذلك لا يجيبك قال عمر فحركت بعيري حتى تقدمت امام الناس و خشيت ان يكون نزل فى القران فما لبثت ان سمعت صارخا يصرخ بي فجئت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فسلمت عليه فقال لقد أنزلت علىّ الليلة سورة هى أحب الىّ مما طلعت عليه الشمس ثم قرأ

_________________________________

١

إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً

و اخرج الحاكم و غيره من المسور بن مخرمة و مروان بن الحكم قال نزلت سورة الفتح فى شان الحديبية بين مكة و المدينة من أولها الى آخرها و اختلفوا فى هذا الفتح روى عن ابى جعفر الرازي عن قتادة عن انس انه فتح مكة فهى عدة بالفتح جى ء بلفظ الماضي لانها فى تحققها بمنزل الكائنة ففيه معجزة و الصحيح انه صلح الحديبية رواه احمد و ابن سعد و ابى داود و الحاكم و صححه و ابن المنذر و ابن مردوية و البيهقي فى الدلائل عن مجمع بن حارثية الأنصاري قال شهدنا الحديبية مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فلما انصرفنا عنها الى كراع الغميم فاذا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عند كراع الغميم فاجتمع الناس اليه فقرأ عليهم

إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً فقال رجل من اصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم او فتح هو قال و الذي نفسى بيده انه لفتح مبين و سنذكر قول ابى بكر الصديق ما كان فتح فى الإسلام أعظم من صلح الحديبية و كذا ذكر البغوي عن البراء و وجه تسميته فتحا اما انه مقدمة الفتح و اما ان معنى الفتح فتح المنغلق و ذلك ما يصلح مع المشركين بالحديبية و قيل الفتح بمعنى القضاء اى قضينا لك ان تدخل مكة من قابل قال الشعبي فتح الحديبية فيه غفر اللّه له ما تقدم من ذنبه و ما تأخر و أطعموا نخلة خيبر و بلغ الهدى محله و ظهرت الروم اى من عام قابل على فارس و خرج المؤمنون لظهور اهل الكتب على المجوس.

قال الزهري لم يكن فتح أعظم من صلح الحديبية و ذلك ان المشركين اختلطوا بالمسلمين فسمعوا كلامهم فتمكن الإسلام فى قلوبهم و اسلم فى ثلث سنين خلق كثير و كثر بهم سواد الإسلام قال الضحاك فتحا مبينا بغير قتال و كان الصلح من الفتح و

قال البيضاوي سماه فتحا لانه كان بعد ظهوره على المشركين حتى سالوا الصلح و تسبب بفتح مكة و فرغ به رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لسائر العرب فقرأهم و فتح مواضع و ادخل فى الإسلام خلقا عظيما.

٢

لِيَغْفِرَ لَكَ اللّه علة غائية للفتح من حيث انه مسبب عن جهاد الكفار و السعى فى فغز ازاحة الشرك و إعلاء الدين و تكميل النفوس الناقصة قهرا ليصير ذلك بالتدريج اختيار او تخليص الضعفة عن أيدي الظلمة و قيل اللام لام كى اى لكى يجتمع لك مع المغفرة تمام النعمة و الفتح و قال حسين بن الفضل اللام متعلق بقوله تعالى فى سورة محمد صلى اللّه عليه و سلم وَ اسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ كما قيل كذلك فى تعلق لِإِيلافِ قُرَيْشٍ بقوله تعالى فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ فى سورة الفيل و هذا بعيد جدا و قيل اللام متعلق بمحذوف تقديره فاشكر ليغفر لك اللّه او فاستغفر ليغفر لك اللّه كذا قال محمد ابن جرير حيث قال هو راجع الى قوله تعالى إِذا جاءَ نَصْرُ اللّه وَ الْفَتْحُ اى قوله و استغفره ليغفر لك اللّه

ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ ما تَأَخَّرَ اى جميع ما فرط منك قديما فى الجاهلية قبل الرسالة و حديثا بعد الرسالة اى نزول السورة مما يصح ان يعاتب عليه و هذا لا يستلزم ارتكاب المعصية قال حسنات الأبرار سيات المقربين و قال سفيان الثوري ما تقدم يعنى ما عملت فى الجاهلية و ما تأخر كل شى ء لم يعمله يذكر مثل ذلك على طريق التأكيد كما يقال اعطى لمن راه و من لم يره و ضرب من لقيه و من لم يلقه و قال عطاء الخراسانى ما تقدم من ذنبك يعنى ذنب أبويك آدم و حواء ببركتك و ما تأخر ذنوب أمتك بدعوتك وَ يُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وعد بإتمام النعمة و إكمال الدين و اظهار كلمة الإسلام و هدم منار الجاهلية بحيث يحجوا و يعتمروا مطمئنين لا يخالطهم أحد من المشركين الذي ذكر إنجازها فى سورة المائدة بقوله تعالى الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي و تمام النعمة هذه مسبب للفتح فتح مكة و صلح الحديبية- وَ يَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً فى تبليغ الرسالة و اقامة مراسم الملك و النبوة و الرياسة قيل معنى يهديك يهدى بك و قيل معنى يهديك يثبتك عليه او المعنى ليجتمع لك مع الفتح تمام النعمة بالمغفرة و الهداية الى كمال الدين بحيث لا يجوز نسخه بعد ذلك-.

٣

وَ يَنْصُرَكَ اللّه

فان قيل ينصرك اللّه معطوف على يغفر و هو مترتب على الفتح اما لكونه مسببا عن جهاد الكفار و بذل السعى- و اما لكونه سببا للشكر و الاستغفار المقدرين فلا بد ان يكون النصر ايضا مترتبا على الفتح و ليس كذلك بل هو سبب للفتح سابق عليه

قلنا ان كان المراد بالفتح صلح الحديبية فالصلح امتثالا لامر اللّه تعالى سبب للنصر الذي هو سبب للفتح و ان كان المراد منه فتح مكة فالآية وعد بالفتح و الوعد سبب للنصر السابق على الفتح كما لا يخفى- نَصْراً عَزِيزاً يعنى معزا يعزبه المنصور فوصفه بوصفه مبالغة او المعنى نصرا فيه عز و منيعة روى الشيخان فى الصحيحين و الترمذي و الحاكم عن انس قال قال نزلت على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انّا فتحنا لك فتحا مبينا الى اخر الاية مرجعه من الحديبية و أصحابه فخالطوا الحزن و الكآبة- فقال عليه السلام نزلت علىّ اية هى احبّ الىّ من الدنيا فلما تلى نبى اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال رجل من القوم هنيئا مريا رسول اللّه قد بين اللّه لك ماذا يفعل بنا فنزلت.

٤

هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ الى قوله فوزا عظيما و المراد بالسكينة الثبات و الطمأنينة على امتثال امر اللّه تعالى من صلح الحديبية فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ حتى شيبتوا حيث تعلق النفوس و تدحض الاقدام حين جعل الذين كفروا فى قلوبهم الحمية حمية الجاهلية لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ متعلق بانزل- قال الضحاك يقينا مع يقينهم يعنى برسوخ العقيدة و اطمينان النفس عليها و قال الكلبي هذا فى امر الحديبية حين صدق اللّه رسوله الرؤيا بالحق قال ابن عباس بعث اللّه رسوله بشهادة ان لا اله الا اللّه فلما صدقوه زادهم الصلاة ثم الزكوة ثم الصوم ثم الحج ثم الجهاد ثم أكمل لهم دينهم فكلما أمروا بشى ء فصدقوه ازدادوا تصديقا الى تصديقهم وَ للّه جُنُودُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ يعنى ليس الأمر بالصلح بالحديبية لضعف بالمسلمين بل لما يقتضيه علمه تعالى و حكمته وَ كانَ اللّه عَلِيماً حَكِيماً

٥

لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها قوله تعالى ليدخل مع ما عطف عليه من قوله تعالى وَ يُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ متعلق بقوله تعالى لِيَزْدادُوا او بدل اشتمال من قوله ليزدادوا او معطوف عليه بحذف العاطف متعلق بقوله تعالى أَنْزَلَ او بدل اشتمال من قوله تعالى لِيَغْفِرَ لَكَ اللّه متعلق بقوله تعالى فَتَحْنا و جملة هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ معترضة بينهما.

وَ كانَ ذلِكَ الإدخال و التكفير عِنْدَ اللّه فَوْزاً عَظِيماً لانه منتهى ما يطلب من جلب نفع او دفع ضرر و عِنْدَ اللّه حال من الفوز و الجملة معترضة.

٦

وَ يُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَ الْمُنافِقاتِ عطف على يدخل داخل فى علة إنزال السكينة من حيث ان المنافقين و الكفار غاظوا المؤمنين و طعنوا فى دينهم حين امتثلوا امر اللّه سبحانه فى الصلح و غير ذلك و ظنوا ظن السوء و كان ذلك سببا لتعذيبهم و ان كان قوله ليدخل متعلقا بفتحنا فالامر ظاهر- وَ الْمُشْرِكِينَ وَ الْمُشْرِكاتِ الظَّانِّينَ بِاللّه ظَنَّ السَّوْءِ يعنى ظانين ان اللّه لا ينصر رسوله و المؤمنين و لا يرجع النبي عليه السلام الى المدينة سالما او ان له تعالى شريكا فالمفعولان محذوفان و قوله ظن السوء اى ظن الأمر السوء منصوب على المصدرية و السوء عبارة عن رداة الشي ء و فساده يقال فعل سوءاى مسخوط فاسد عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ جملة دعائية يعنى يجعل اللّه عليهم دائرة الهلاك و العذاب لا يتخطاهم او دائرة ما يظنون و يتربصون بالمؤمنين

و قرا ابن كثير و ابو عمرو السوء بالضم و هما لغتان غير ان المفتوح غلب فى ان يضاف اليه ما يراد ذمه و المضموم جرى مجرى الشر و كلاهما فى الأصل مصدران- وَ غَضِبَ اللّه عَلَيْهِمْ وَ لَعَنَهُمْ وَ أَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ عطف لما استحقوه فى الاخرة على ما استوجبوه فى الدنيا وَ ساءَتْ مَصِيراً جهنم.

٧

وَ للّه جُنُودُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ فيدفع كيد من عادى بنبيه و المؤمنين بما شاء منه وَ كانَ اللّه عَزِيزاً غالبا فلا يرد بأسه عن الكافرين حَكِيماً فيما دبّر.

٨

إِنَّا أَرْسَلْناكَ يا محمد شاهِداً على أمتك حال مقدرة وَ مُبَشِّراً للمطيعين بالجنة وَ نَذِيراً للعصاة بالنار.

٩

لِتُؤْمِنُوا قرأ ابن كثير و ابو عمرو بالياء على الغيبة و كذا لافعال الثلاثة المعطوفة عليه و الضمير عائدة الى الناس أجمعين

و قرا الباقون الافعال الاربعة بالتاء على الخطاب للنبى صلى اللّه عليه و سلم و الامة و الخطاب بالجمع بعد الخطاب بالإفراد شبه بالالتفات بِاللّه وَ رَسُولِهِ وَ تُعَزِّرُوهُ اى تعووه وَ تُوَقِّرُوهُ اى تعظموه وَ تُسَبِّحُوهُ اى تنزهوه عما لا يليق بشانه او اتصلوا له و الضمائر المنصوبة راجعة الى اللّه سبحانه و معنى تقووه دينه و رسوله قلت و جاز ان يكون معناه ان تنسبوا القوة اليه دون غيره و تقولوا لا حول و لا قوّة الا باللّه و

قال البغوي ضمير تعزروه و توقروه راجعان الى رسوله و ضمير تسبحوا الى اللّه تعالى و استبعده الزمخشري لكونه مستلزما لانتشار الضمائر

قلنا لا بأس به عند قيام القرينة و عدم اللبس بُكْرَةً وَ أَصِيلًا منصوبان على الظرفية لتسبحوه يعنى تصلوا غدوا و عشيا او تنزهوه دائما-.

١٠

إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ يا محمد بالحديبية على ان لا يفروا بل يقاتلوا حتى يظفروا او يموتوا إِنَّما يُبايِعُونَ اللّه لانه هو المقصود ببيعة النبي صلى اللّه عليه و سلم يَدُ اللّه فَوْقَ أَيْدِيهِمْ حال او استيناف على سبيل الاستعارة التخييلية تيمما بمعنى المشاكلة فانه إذا كان اللّه مبايعا و اشتهر المبايعة بصفقة اليد و قد كانوا يأخذون بيد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و يبايعونه فتخيل اليد لتاكيد المشاكلة فى المبايعة و قال ابن عباس يد اللّه بالوفا لما وعدهم بالخير فوق أيديهم قلت يد اللّه على تاويل ابن عباس صفة من صفات اللّه تعالى لا يدرك كيفها و لا يجوز تخييلها بالجارحة و قال الكلبي نعمة اللّه عليهم فى الهداية فوق ما صنعوا من البيعة فصله غزوة الحديبية و بيعة الرضوان و سبب ذلك على ما رواه عبد بن حميد و ابن جرير عن مجاهد و قتادة و البيهقي عن مجاهد ايضا و ابن جرير عن ابن يزيد و محمد بن عمرو عن شيوخه قالوا راى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انه دخل مكة هو و أصحابه امنين محلقين رؤسهم و مقصرين و انه دخل البيت و أخذ مفتاحه و عرف مع المعرفين و كان ذلك الرؤيا بالمدينة قبل خروجه الى الحديبية كذا

قال البغوي و محمد بن يوسف الصنابحى فى سبيل الرشاد و فى بعض الروايات عن مجاهد انه راى النبي صلى اللّه عليه و سلم و هو بالحديبية و الصحيح هو الاول قال ابن سعد و محمد بن عمرو غيرهما استنفر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم العرب و من حوله من اهل البوادي من الاعراب ليخرجوا معه و هو يخشى من قريش ان يعرضوا له بحرب او يصدوه عن البيت فابطأ عليه كثير من الاعراب و روى احمد و البخاري و عبد بن حميد و ابو داود و النسائي و غيرهم عن الزهري و ابن اسحق عن الزهري عن عروة عن مسور بن مخرمة و مروان بن الحكم ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم دخل بيته فاغتسل و لبس ثوبين من نسج صحا و ركب ناقة القصوى من عند بابه و يخرج بام سلمة معه و أم منيع اسماء بنت عمرو و أم عمارة الاشهلية و خرج معه المهاجرون و الأنصار و من لحق به من العرب لا يشكون بالفتح للرويا المذكور و ليس معهم سلاح الا السيوف فى القرب و ساق الهدى فسار رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يوم الاثنين لهلال ذى القعدة يعنى سنة ست حتى نزل ذالحليفة فصلى الظهر ثم دعا بالبدن و هى سبعون فجللت ثم أشعر منها عدة و هن موجهات الى القبلة فى الشق الايمن ثم امر ناجيئة بن جندب فاشعر ما بقي و قلدهن نعلا نعلا و أشعر المسلمون بدنهم و قلدوها و كان معهم مائتا فرس و بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بشير بن سفيان عينا له و قدم عباد بن بشير طليعة فى عشرين فارسا و يقال جعل أميرهم سعد بن زيد الأشهلي ثم صلى ركعتين و ركب من باب المسجد بذي الحليفة فلما انبعث راحلة مستقبلة القبلة احرم بالعمرة ليامن الناس حربه و ليعلم الناس انه انما خرج زائرا بهذا البيت.

و لبى لبيك إلخ و احرم غالب أصحابه و أم المؤمنين أم سلمة بإحرامه و منهم من لم يحرم الا بالجحفة و سلك طريق البيداء و مر فيما بين مكة و المدينة بالاعراب من بنى بكر و مزينة و جهينة فاستنفرهم فتشاغلوا باموالهم و قالوا فيما بينهم يريد محمد يغزوا بنا الى قوم معد من الكراع و السلاح و انما محمد و أصحابه أكلة جزور لن يرجع محمد و أصحابه من سفرهم هذا ابدا- قوم لا سلاح معهم و لا عدد ثم قدم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ناجية بن جندب مع فتيان من اسلم و معهم هدايا المسلمين و وقع فى تلك المسير ما صاد قتادة حمار الوحش و كان غير محرم و ما اهدى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حمارا وحشيا و هو بالأبواء و قد مر حديثه فى سورة المائدة و لما بلغ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الجحفة امر بشجرة فقم ما تحتها فخطب الناس- فقال انى كائن لكم فرطا و قد تركت فيكم ما ان أخذتم به لن تضلوا كتاب اللّه و سنة نبيه و لما بلغ المشركين خروج رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اجتمعوا و تشاوروا يريد محمد ان يدخلها علينا فى جنوده معتمرا فتستمع العرب انه دخل علينا عنوة و بيننا و بينه من الحرب ما بيننا و اللّه لا كان هذا ثم قدموا خالد بن الوليد على ما بنى فارس الى كراع الغميم و استنفر من الأحابيش و أجلبت ثقيف معهم و خرجوا الى بلدج و ضرب بها القباب و الابنية و معهم النساء و الصبيان فعسكروا هنا و اجمعوا على منع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من دخول مكة و محاربته و وضعوا لعيون على الجبال و هم عشرا نفس يوحى بعضهم الى بعض بالصوت فعل محمد كذا و كذا حتى ينتهى الى قريش بلدح و رجع بشر بن سفيان الذي بعثه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عينا له من مكة فلقى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بغدير الا شطاط وراء عسفان فقال يا رسول اللّه هذا قريش سمعوا بمسيرك فخرجوا معهم عوذ المطافيل قد لبسوا جلد النحور و قد نزلوا بذي طوى يعاهدون اللّه لا يدخلها عليهم ابدا- و هذا خالد بن الوليد فى خيلهم قدموها الى كراع الغميم فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يا ويح قريش لقد أكلتهم الحرب ماذا عليهم لو خلوا بينى و بين سائر العرب فان هم أصابوني كان ذلك الذي أرادوا و ان أظهرني اللّه تعالى عليهم دخلوا وافرين و ان لم يفعلوا قاتلوا و فيهم قوة فما تظن قريش فو اللّه لازال اجاهدهم على الذي بعثني اللّه به حتى يظهره اللّه او تنفرد هذه السالفة ثم قام رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى المسلمين فحمد اللّه و اثنى عليه بما هو اهله ثم قال اما بعد يا معشر المسلمين أشيروا علىّ أ ترون ان أميل على ذرارى هؤلاء الذين عانوهم فنصيبهم فان تعدوا قعدوا موتورين و ان أبونا- تكن عنقا قد قطعه اللّه يعنى أهلك اللّه جماعة منهم أم ترون انا نوم البيت فمن صدنا عنه قاتلناه فقال ابو بكر يا رسول اللّه خرجت عامدا لهذا البيت لا تريد قتال أحد و لا حربا فتوجه له فمن صدنا عنه قاتلناه و وافقه على ذلك أسيد بن حضير و روى ابن ابى شيبة ان المقداد بن الأسود قال بعد كلام ابى بكر و اللّه يا رسول اللّه لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لنبيه اذهب أَنْتَ وَ رَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ و لكن اذهب أنت و ربك فقاتلا انا معكم مقاتلون فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فسيروا على اسم اللّه دونا خالد بن الوليد فى خيله حتى نظر الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و أصحابه فصف خيله فيما بين رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و بين القبلة فامر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عباد بن بشر فتقدم فى خيله فقام بإزائه فصف أصحابه و حانت صلوة الظهر فاذن بلال و اقام فصلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بأصحابه فقال خالد بن الوليد قد كانوا على غرة لو حملنا عليهم أصبنا منهم و لكن يأتي الساعة صلوة الاخرى هى أحب إليهم من أنفسهم و أبنائهم فنزل جبرئيل عليه السلام بين الظهر و العصر بقوله تعالى وَ إِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ الآية فحانت صلوة العصر فصلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم صلوة الخوف و قد مر شرحها فى سورة النساء روى البزار بسند رجاله ثقات عن ابى سعيد الخدري و محمد بن عمر عن شيوخه قالوا لما امسى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال اسلكوا ذات اليمين بين ظهور الحمض فان خالد بن وليد فى الغميم فى خيل بقريش طليعة كره رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان يلقاه و كان بهم رحيما قال أيكم يعرف ثنية ذات الحنظل فقال بريدة بن الحصيب انا و روى مسلم عن جابر و ابو نعيم عن ابى سعيد قال ابو سعيد خرجنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عام الحديبية حتى إذا كنا بعسفان سرنا فى اخر الليل حتى أقبلنا على عقبه ذات الحنظل قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مثل هذه الثنية الليلة كمثل باب الذي قال اللّه تعالى لبنى إسرائيل ادخلوا الباب سجّدا يغفر لكم خطاياكم لا يجوز هذه الثنية الليلة أحد الا غفر له قالوا يا رسول اللّه نخشى ان ترى قريش نيراننا فقال لن يروكم فلما أصبحنا صلى بنا صلوة الصبح ثم قال و الذي نفسى بيده لقد غفر الراكب أجمعين الا رديلبا واحدا على جمل احمر فاذا هو رجل من بنى ضمرة قال جابر

قلنا له تعالى نستغفر لك رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال و اللّه لان أجد ضالتى أحب الىّ من ان يستغفر لى صاحبكم فبينا هو فى حيال سراوع إذ زلقت به بغله فتردى فمات فما علم حتى أكلته السباع قال مسور بن مخرمة و مروان فلما دنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من الحديبية وقعت يد راحلة فقال الناس حل حل فابت ان تبعث و الحت فقال المسلمون خلأت القصوى فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما خلأت القصوى و ما ذاك لها بعادة و لكن حبسها حابس الفيل عن مكة ثم قال و الذي نفس محمد بيده لا يسالون قريش اليوم خطة فيها تعظيم حرمات اللّه تعالى الا أعطيهم إياهم ثم زجرها فوثبت قال فعدل عنهم حتى نزل أقصى الحديبية على ثمد من ثماد الحديبية ظنون قليل الماء يتربضه الناس تريضا فلم يلبث الناس حتى نزحوه و شكى الناس الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قلة الماء فانتزع سهما من كنانته فامر به فغرز فى الثمد بالرواء حتى صدروا بعطن قال المسور فانهم ليقترفون بانيتهم جلوسا على شفير البير و الذي نزل بالسهم ناحية بن جندب سايق بدن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال محمد بن عمر حدثنى الهيثم عن عطاء بن ابى مروان عن أبيه قال حدثنى اربعة عشر رجلا من اسلم من اصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انه ناجية بن عجم و كان ناجية يقول دعانى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حتى شكى اليه قلة الماء فاخرج سهما من كنانته و دفعه اليه و دعا بدلو من ماء البير فجئته به فتوضأ فمضمض فاه ثم مج فى الدلو و الناس فى حر شديد و انما هى بير واحدة قد سبق المشركون الى بلدح فغلبوا على مياهيه فقال انزل الدلو فصبها فى البير و اثرها بالسهم ففعلت فوالذى بعثه بالحق ماكدت اخرج حتى تغمدنى و فارت كما تفور القدر حتى طمث و استوت بشفيرها يغترفون من جانبها و روى احمد و البخاري و غيرهما عن البراء و مسلم عن سلمة بن اكوع و ابو نعيم عن ابن عباس و البيهقي عن عروة نحوها قصة صب الدلو و ليس فيه ذكر السهم و روى البخاري عن جابر و مسلم عن سلمة بن الأكوع قال عطش الناس يوم الحديبية و رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بين يديه ركوة قالوا يا رسول اللّه ليس عندنا ماء نتوضأ به و لا نشرب الا فى ركوتك فافرغنا فى قدح وضع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يديه فى القدح فجعل الماء يفور بين أصابعه كامثال العيون فشربنا و توضأنا قيل لجابركم كنتم يومئذ فقال لو كنا مائة الف كفانا كنا خمس عشر مائة و لما اطمأن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بالحديبية جاء بديل بن ورقاء و اسلم بعد ذلك فى دجال من خزاعة منهم عمرو بن سالم و حراس بن امية و خارجة بن كوز و يزيد بن امية و كانت عيبة نصح رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بتمامه منهم المسلم و منهم الوادع لا يخفون عنه بتمامه شيئا فلما قدموا سلموا عليه فقال بديل بن ورقا جئناك من عند قومك كعب بن لوى و عامر بن لوى قد استنفروا لك الا حابيش و من أطاعوهم قد نزلوا اعداد مياه الحديبية معهم العوذ المطافي ل النساء و الصبيان يقسمون باللّه لا يخلون بينك و بين البيت فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انا ما جئنا لقتال أحد انما جئنا لنطوف بهذا البيت فمن صدنا عنه قاتلنا و ان قريشا قد اضرب بهم الحرب نهكتهم فان شاؤا ما ددناهم مدة يأمنون فيها و يخلون فيما بيننا و بين الناس و الناس اكثر منهم فان أصابوني فذلك الذي أرادوا و ان ظهر امرى على الناس كانوا بين ان يدخلوا فيما يدخل فيه الناس او يقاتلوا و قد جموا و ان هم ابو فو اللّه لاجهدن على امرى هذا حتى تنفرد سالفتى او لينفذنّ اللّه امره قال بديل سابلغهم ما تقول فاتى قريشا و قال انا قد جئنا من عند محمد نخبركم عنه قال عكرمة بن ابى جهل و الحكم بن العاص و أسلما بعد ذلك مالنا حاجة ان تخبرنا عنه و لكن اخبروه عنا انه لا يدخلها عامه هذا ابدا حتى لا يبقى رجل و أشار عليهم عروة بن مسعود السقفي بعد ذلك بان يسمعوا كلام بديل فان أعجبهم قبلوه و الا تركوه فقال صفوان بن امية و الحارث بن هشام و أسلما بعد ذلك هات ما سمعته فحدثه بما قال النبي صلى اللّه عليه و سلم- فقال عروة بن مسعود السقفي اى قوم أ لستم بالولد قالوا بلى قال الست بالولد قالوا بلى- و كان عروة لسبعة بيت عبد الشمس القرشية قال فهل تنهمونى قالوا لا- قال أ لستم تعلمون انى استنفرت اهل عكاظ فلما يلجوا على جئتكم باهلى و ولدي و من أطاعني قالوا بلى قال فان هذا الرجل قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها و دعونى انّه فاتاه فجعل النبي صلى اللّه عليه و سلم يكلم نحوا من قوله لبديل فقال عروة يا محمد ارايت ان استأصلت قومك فهل سمعت بأحد من العرب اجتاح أصله قبلك و ان يكن الاخرى فانى و اللّه لارى وجوها او باشا من الناس و فى رواية اشوايا من الناس خليقا ان يغروا و يدعوك فقال له ابو بكر الصديق امصص بظر اللات أ نحن نفر منه و ندعه قال من ذا قالوا ابو بكر فقال اما و الذي نفسى بيده لو لا يد كانت لك عندى لم أخبرك به لاجبتك و كان عروة قد استعان فى حمل دية فاعانه الرجل بفريضتين و الثلث و أعانه ابو بكر بعشر فرائض فكان هذا يد ابى بكر عند عروة قال فجعل عروة يكلم النبي صلى اللّه عليه و سلم فلما كلمه أخذ بلحيته و المغيرة بن شعبة قائم على راس النبي صلى اللّه عليه و سلم و معه السيف و عليه المغفر كلما أهوى عروة يده الى لحية النبي صلى اللّه عليه و سلم ضرب يده بنصل السيف و قال اخر يدك عن لحية رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فانه لا ينبغى لمشرك ان يمسه فرفع عروة راسه فقال من هذا قالوا المغيرة بن شعبة فقال يا غدر و اللّه ما غسلت عنك عذرتك بعكاظ الا أمس لقد اورثتنا العداوة من ثقيف الى اخر الدهر- و كان مغيرة صحبت قوما فى الجاهلية فقتلهم و أخذ أموالهم ثم جاء فاسلم فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم اما الإسلام فاقبل و اما المال فلست منه فى شى ء ثم ان عروة جعل يرمق اصحاب النبي صلى اللّه عليه و سلم بعينيه فو اللّه ما تنخم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم نخامة الأرفع فى كف رجل منهم فدلك بها وجهه و جلده و إذا امر ابتدروا امره و إذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه و إذا تكلم اخفضوا أصواتهم عنده و ما يحادون النظر اليه تعظيما له فرجع عروة الى أصحابه فقال اى القوم و اللّه لقد وفدت على الملوك وفدت على قيصر و كسرى و النجاشي و اللّه ان رايت ملكا قط تعظم أصحابه ما يعظم اصحاب محمد محمدا- و اللّه ما تنخم نخامة الا وقعت فى كف رجل منهم يدلك بها وجهه و جلده و إذا أمرهم ابتدروا امره و إذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه و إذا تكلم اخفضوا أصواتهم عنده و ما يحادون النظر اليه تعظيما له و انه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها فقالت قريش لا- و لكن ترده عامنا هذا و يرجع الى قابل فقال ما أراكم الا ستصيبكم قارعة فانصرف هو و من تبعه الى الطائف فقام الحليس بن علقمة و كان يومئذ سيد الأحابيش فاتى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فلما راى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال هذا من قوم يعظمون الهدى و يتألهون فابعثوا بالهدى فى وجهه حتى يراها فلما راى الهدايا يسيل عليها من عرض الوادي فى قلايدها قد أكل اوبارها من طول الحبس رجع الى قريش و لم يصل الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إعظاما لما راى فقال يا معشر قريش انى قد رايت مالا يحل صد الهدى فى قلا يده قد أكل او تارة من طول الحبس عن محله فقالوا اجلس فانما أنت رجل أعرابي لا علم لك فغضب الحليس عند ذلك و قال يا معشر قريش و اللّه ما على هذا حالفناكم و لا على هذا عافذناكم ان تصدوا عن بيت اللّه من جاء معظما و الذي نفس الحليس بيده لتخلن بين محمد و بين ما جاء له او ليفرن الأحابيش نفرة رجل واحد- فقالوا له مه كف عنايا حليس حتى ناخذ لانفسنا ما نرضى به فقام رجل منهم يقال له مكرز بن حفص دعونى آته فقالوا آته فلما اشرف عليهم قال النبي صلى اللّه عليه و سلم هذا مكرز و هو رجل غادر او فاجر فلما انتهى الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كلمه بنحو ما كلم بديلا و عروة فرجع الى أصحابه فاخبرهم بما رد عليه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال محمد بن إسحاق و محمد بن عمر و غيرهما بعث النبي صلى اللّه عليه و سلم الى قريش خراش بن امية على جمل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقال له الثعلب ليبلغ عنه اشرافهم بما جاء لهم فعقر عكرمة بن ابى جهل الجمل و أراد و اقتله فمنعه الأحابيش فخلوا سبيله حتى اتى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فاخبر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بما لقى- روى البيهقي عن عروة قال لما نزل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الحديبية فزعت قريش لنزوله فاحب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان يبعث رجلا من أصحابه فدعا عمر بن الخطاب ليبعثه إليهم فقال يا رسول اللّه انى أخاف قريشا على نفسى قد عرفت قريش عداوتى لها و ليس بها من بنى عدى من يمنعنى و لكنى ادلك على رجل أعز بمكة منى و امنع عثمان بن عفان فدعا عثمن فقال اذهب الى قريش و أخبرهم انا لم نات لقتال و انما جئنا عمارا و ادعهم الى الإسلام و امره ان يأتي رجالا بمكة مؤمنين و نساء مؤمنات فيدخلهم و يبشرهم بالفتح و يخبر ان اللّه يظهر دينه بمكة حتى لا يستخفى فيها بالايمان فانطلق عثمان الى قريش يمر عليهم ببلدح فقالوا اين تريد قال بعثني رسول اللّه تعالى عليه و اله و سلم إليكم لادعوكم الى الإسلام و الى اللّه جل ثناؤه و تدخلوا فى الدين كافة فان اللّه مظهر دينه و معز نبيّه و اخرى تكفون الذي يلى هذا الأمر غيركم فان ظفر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فذلك ما أردتم و ان ظفر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كنتم بالخيار بين ان تدخلوا فيما دخل فيه الناس او تقاتلوا و أنتم وافرون جامون ان الحرب و نهكتكم و أذهبت الأماثل و اخر ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يخبر انه لم يأت لقتال أحد انما جاء معتمرا معه الهدى عليه القلائد ينحره و ينصرف- فقالوا قد سمعنا ما تقول و لا كان هذا ابدا فارجع الى صاحبك فاخبره انه لا يصل إلينا و لقيه ابان بن سعيد و اسلم بعد ذلك فرحب به ابان و اجاره و قال لا تقصر عن حاجتك ثم نزل عن فرس كان عليه فحمل عثمان على السرج و ردف ورائه و قال اقبل و أدبر لا تخاف أحد او بنو سعيد اعزة بالحرم فدخل به مكة فاتى عثمان اشراف قريش رجلا رجلا فجعلوا يردون عليه ان محمدا لا يدخلها علينا ابدا و دخل على قوم مؤمنين من رجال و نساء مستضعفين بمكة فقال ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول قد أظلكم حتى لا يستخفى بمكة بالايمان ففرحوا بذلك و قال اقرأ على رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه و اله و سلم منا السلام- و لما فرغ عثمان من رسالة قالوا له ان شئت ان تطوف بالبيت فطف فقال ما كنت لافعل حتى يطوف رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و اقام عثمن بمكة ثلثا يدعو قريشا و قال المسلمون و هم بالحديبية خلص عثمن من بيننا الى البيت فطاف به فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لو مكث كذا و كذا سنة ما طاف حتى أطوف و كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم امر أصحابه بالحراسة بالليل فكانوا ثلثة يتناوبون الحراسة أوس بن فوبى و عباد بن بشر و محمد بن مسلمة فكان محمد بن مسلمة على حرس رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ليلة من الليالى و عثمان بمكة قد كانت قريش بعثت ليلا خمسين رجلا عليهم مكرز بن حفص و امروهم ان يطوفوا بالنبي صلى اللّه عليه و سلم رجاء ان يصيبوا منهم عزة فاخذهم محمد بن مسلمة فجاء بهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و ظهر قول النبي صلى اللّه عليه و سلم انه رجل غادر و كان رجال من المسلمين قد دخلوا مكة بإذن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و هم كرز بن جابر الفهري و عبد اللّه بن سهيل بن عمرو بن عبد الشمس و عبد اللّه بن حذافة السهمي و ابو الروم بن عمير بن عمرو و عمير بن وهب الحجمى و حاطب بن ابى بلتعة و عبد اللّه بن امية دخلوا مكة فى أمان عثمان و قيل سرا فعلم بهم فاخذوا و بلغ قريشا حبس أصحابهم الذين امسكهم محمد بن مسلمة فجاء جمع من قريش الى النبي صلى اللّه عليه و سلم و أصحابه حتى تراموا بالنبل و الحجارة و اسر المسلمون ايضا اثنى عشر فارسا و قتل من المسلمين ابن زنيم و قد اطلع الثنية من الحديبية فرماه المشركون فقتلوه و بلغ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان عثمان و من معه قتلوا دعا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الناس الى البيعة روى ابن جرير و ابن ابى حاتم من سلمة ابن الأكوع و البيهقي عن عروة و ابن اسحق عن الزهري و محمد بن عمر عن شيوخه قال سلمة بينا نحن قايلون إذ نادى منادى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ايها الناس البيعة البيعة نزل روح القدس فاخرجوا على اسم اللّه- فى صحيح المسلم عن سلمة قال بايعته أول الناس ثم بايع و بايع حتى إذا كان فى وسط قال بايع يا سلمة قلت بايعتك قال و ايضا فبايعته ثم بايع حتى إذا كان اخرج الناس- قال أ لا تبايعني يا سلمة قلت يا رسول اللّه بايعتك فى أول الناس و فى وسط الناس قال و ايضا فبايعته الثالثة و فى صحيح البخاري عنه قيل على اى شى ء كنتم تبايعونه قال على الموت و فى صحيح مسلم عن جابر قال بايعنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و عمر أخذ بيده تحت شجرة مثمرة فبايعنا غير جد بن قيس الأنصاري اختفى تحت بطن بعيره و روى الطبراني عن ابن عمر و البيهقي عن الشعبي و ابن مندة عن زيد بن حبيش قالوا لما دعا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الناس الى البيعة كان أول من انتهى اليه ابو سنان الأسدي فقال ابسط بيدك أبايعك فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم فبايعنى على ما فى نفسك زاد ابن عمر قال و ما فى نفسى قال اضرب بسيفى بين يديك حتى يظهر اللّه او اقتل فبايعه و بايعه الناس على بيعة ابى سنان روى البيهقي عن انس و ابن إسحاق عن ابن عمر قال لما امر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بيعة الرضوان كان عثمان رسول رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الى اهل مكة فبايع الناس فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان عثمان فى حاجتك و حاجة رسولك فضرب بإحدى يديه على الاخرى فقال هذا يد عثمان و كانت يد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لعثمان خيرا من أيديهم لانفسهم و بعث قريش سهيل بن عمرو و حويطب بن العزى و أسلما و مكرز بن حفص الى النبي صلى اللّه عليه و سلم فقال سهيل ان الذي كان من حبس أصحابك و ما كان من قتال من قاتلك لم يكن من راى ذى راينا كنا له كارهين حتى بلغنا و لم نعلم به و كان من سفهائنا فابعث إلينا باصحابنا الذين أسرت أول مرة و الذين أسرت اخر مرة و الذي ذكر من قتل عثمن و من معه ظهر انه كان باطلا- فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انى غير مرسلهم حتى ترسلوا أصحابي فقالوا أنصفتنا فبعث سهيل و من معه الى قريش بالشتيهم بن عبد مناف التيمي فبعثوا من كان عندهم و هم عثمان و العشرة معه و أرسل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أصحابهم الذين اسرهم المسلمون و فى الصحيحين عن سهيل بن حنيف و عند البخاري و اصحاب السنن عن مروان بن الحكم ان عثمن لما قدم من مكة هو و معه رجع سهيل بن عمرو حويطب و مكرز الى قريش فاخبروهم بما راوا من سرعة اصحاب النبي صلى اللّه عليه و سلم الى البيعة و تشميرهم الى الحرب اشتد عليهم فقال اهل الرأي منهم ليس خير من ان تصالح محمدا على ان ينصرف عنا عامة هذا و لا يخلص من البيت حتى يسمع من يسمع بمسيرة من العرب انا قد صددناه و يرجع قابلا فيقم ثلثا ينحر هديه و ينصرف فاجمعوا على ذلك و قالوا لسهيل ايت محمدا فصالحه و ليكن فى صلحك ان لا يدخل عامة هذا فو اللّه لا تحدث العرب انه دخل علينا عنوة فاتى سهيل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال عليه السلام أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا و فى لفظ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم سهل أمركم و جلس رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم متربعا و قام عباد بن بشر و سلمة و اسلم و هما مقنعان فى الحديد فبرك سهيل على ركبتيه فكلم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و أطال الكلام و تراجعا و ارتفعت الأصوات و انخفضت و قال عباد بن بشر لسهيل اخفض من صوتك عند رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فجرى القول حتى وقع الصلح فقال سهيل هات اكتب بيننا و بينك كتابا فدعا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عليّا كرم اللّه وجهه كما فى حديث البراء عن البخاري و الحاكم عن عبد اللّه بن مغفل انه قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اكتب بسم اللّه الرحمن الرحيم فقال السهيل اما الرحمن الرحيم فو اللّه لا أدرى ما هو و لكن اكتب باسمك اللّهم كما كنت تكتب فقال المسلمون و اللّه لا تكتبها فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم اكتب باسمك اللّهم ثم قال هذا ما قاضى عليه محمد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال سهيل و اللّه لو كنا نعلم إنك رسول اللّه ما صددناك عن البيت و لا قاتلناك اكتب محمد بن عبد اللّه فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لعلى رض امحه فقال على رض ما انا بالذي أمحاه و ذكر محمد بن عمران أسيد بن حضير و سعيد بن عبادة أخذ بيد على رض ان لا يكتب الا محمد رسول اللّه و الا فالسيف بيننا و بينهم و ارتفعت الأصوات فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم أرنيه فاراه إياه فمحاه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بيده و قال اكتب محمد بن عبد اللّه و وقع فى بعض طرق حديث البراء ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أخذ الكتاب و ليس يحسن يكتب فكتب هذا ما قاضى محمد بن عبد اللّه و سهيل بن عمرو و أصلحا على وضع الحرب عن الناس عشر سنين يا من فيه الناس و يكف بعضهم عن بعض فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لسهيل على ان تخلوا بيننا و بين البيت فنطوف فقال سهيل لا و اللّه و لكن لك من العام المقبل فكتب فقال سهيل على ان لا يأتيك منا أحد بغير اذن وليه و ان كان على دينك الا ردته إلينا- فقال المسلمون سبحان اللّه أ يكتب هذا كيف يرد الى المشركين و قد جاء مسلما فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم نعم انه من ذهب منا إليهم فابعده اللّه و من جاء منهم إلينا فيجعل اللّه فرجا قال البراء صالح على ثلثة أشياء على انه من أتاه من المشركين رده إليهم و من أتاهم من المسلمين لم يردوه اليه و على ان يدخلها من قابل و يقيم بها ثلثة ايام و لا يدخلها الا يجلبان السلاح و السيف و القوس و نحوه وقع الصلح على ان بينهم و بين رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عيبة مكفوفة و انه لا إسلال و لا أغلال و انه من أحب دخل فى عقد محمد و من أحب دخل فى عقد قريش فتواثبت خزاعة و قال نحن فى عقد محمد و عهده و تواثبت بنو بكر و قالوا نحن فى عقد قريش و عهدهم و لما تقرر الصلح و لم يبق الا الكتاب وثب عمر بن الخطاب رض الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال يا رسول اللّه الست بنى اللّه حقا قال بلى قال السنا على الحق و هم على الباطل قال بلى قال أ ليس قتلانا فى الجنة و قتلاهم فى النار قال بلى قال على م تعطنى الدنية فى ديننا و نرجع و لم يحكم اللّه بيننا و بينهم فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انى عبد اللّه و رسوله و لست أعصيه و لن يضيعنى و هو ناصرى قال او ليس كنت تحدثنا انا ناتى البيت فنطوف حقا قال بلى فاخبرتك انك ناتيه العام قال لا قال فانك اتيه و مطوف به فذهب عمر الى ابى بكر متغيضا و لم يصبر فقال يا ابو بكر أ ليس هذا نبى اللّه حقا قال بلى قال السنا على الحق و هم على الباطل قال بلى قال أ ليس قتلانا فى الجنة و قتلاهم فى النار قال بلى قال فعلى م تعطنى الدنية فى ديننا و نرجع و لم يحكم اللّه بيننا و بينهم قال ايها الرجل انه رسول اللّه و ليس يعصى ربه و هو ناصره فاستمسك بعزره حتى تموت فو اللّه انه لعلى الحق و فى لفظ فانه رسول اللّه فقال عمرو انا اشهد انه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال او ليس كان يحدثنا انه سياتى البيت و يطوف به قال بلى ا فاخبرك انك تأتيه العام قال لا قال فانك اتيه و تطوف به فلقى عمر من هذه الشروط امرا عظيما و قال كما فى الصحيح و اللّه ما شككت منذ أسلمت الا يومئذ و جعل يردد على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الكلام فقال ابو عبيدة بن الجراح الا تسمع يا ابن الخطاب تقول بالقول نعوذ باللّه من الشيطان قال عمر فجعلت أتعوذ باللّه من الشيطان- روى ابن اسحق و ابن عمر و الأسلمي قال عمر فمازلت أتصدق و أصوم و أعتق من الذي صنعت يومئذ و روى احمد و النسائي و الحاكم فى حديث عبد اللّه بن مغفل ذكر نحو ما تقدم قال فبينا نحن كذلك إذ خرج علينا ثلثون شابا عليهم السلاح فثاروا الى وجوهنا فدعا عليهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فاخذ اللّه باسماعهم و لفظ الحاكم بأبصارهم فقمنا إليهم فاخذناهم فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم هل جئتم فى عهد أحد و هل جعل لكم أحد أمانا فقالوا لا فخلى سبيلهم فانزل اللّه تعالى و هو الذي كف أيديهم عنكم و روى احمد و مسلم و ابن ابى شيبة عن انس هبط على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ثمانون رجلا من اهل مكة فى السلاح من قبل جبل التنعيم يريدون غرة من رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فدعا عليهم فاخذوا فعفا عنهم و فى حديث الزهري عن مروان و مسور و روى مسلم و احمد و عبد بن حميد عن سلمة بن الأكوع قال لما سمعت قتل ابن زنيم اخترطت سيفى على اربعة رقود من المشركين فاخذت سلاحهم و جئت بهم اسوقهم الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و هو الذي كف أيديهم عنكم الاية فبينما الناس- كذلك إذا ابو جندل بن سهيل ابن عمر يرسف فى قيوده قد خرج من أسفل حتى رمى نفسه بين اظهر المسلمين و كان أبوه سهيل قد أوثقه فى الحديد و سجنه فقام اليه المسلمون يرحبونه و يهنونه فلما راى ابو سهيل قام اليه فضرب وجهه بغصن شوك و أخذ بتلبيبه ثم قال يا محمد هذا أول ما اقاضيك عليه ان ترده فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انا لم نقض الكتاب بعد قال فو اللّه إذا لا أصالحك على شى ء ابدا قال فاجزه بي قال ما انا بمجيزه قال بلى فافعل قال ما انا بفاعل فقال مكرز و حويطب قد اجزناه لك فاخذاه و دخلا فسطاطا و اجاراه و كف عنه أبوه- فقال ابو جندل معاشر المسلمين أرد الى المشركين و قد جئت مسلما الا ترون ما قد لقيت و كان قد عذب عذابا شديدا فرفع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم صوته أبا جندل اصبر و احتسب فان اللّه تعالى جاعل لك بمن معك من المستضعفين فرجا و مخرجا انا قد عقدنا مع القوم صلحا و أعطيناهم و أعطونا على ذلك عهدا و انا لا نقدر فمشى عمر بن الخطاب الى جنب ابى جندل فقال له اصبر و احتسب فانما هم المشركون و انما دم أحدهم دم كلب و جعل عمر يدنى قائم السيف منه قال عمر رجوت ان يأخذ السيف فيضرب به أباه قال فضمن الرجل بابيه و قد كان اصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فرحوا و هم لا يشكون فى الفتح لرويا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فلما راو ما رأو من الصلح و الرجوع دخل الناس من ذلك عظيم حتى كادوا يهلكون فزادهم امر ابى جندل و نفذت القضية شهد على الصلح رجال من المسلمين و رجال من المشركين و ابو بكر و عمر و عبد الرحمن بن عوف و عبد اللّه بن سهيل بن عمرو و سعد بن ابى وقاص و محمود بن سلمة و على بن ابى طالب كرم اللّه وجهه و مكرز بن حفص و هو مشرك فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قوموا فانحروا ثم احلقوه فو اللّه ما قام رجل منهم حتى قال ذلك ثلث مرات فاشتد ذلك عليه فدخل على أم سلمة فقال هلك المسلمون امرتهم ان ينحروا و يحلقوا فلم يفعلوا فقالت يا رسول اللّه لا تلمهم فانهم قد دخلهم امر عظيم مما ادخلت على نفسك من المشقة فى امر الصلح و رجوعهم بغير فتح يا نبى اللّه اخرج و لا تكلم أحدا كلمة حتى تنجر بدنك و تدعوا بحالقك فيحلقك فخرج فلم يكلم أحدا حتى نحو بدنه رافعا صوته بسم اللّه اللّه اكبر و دعا حالقه فحلقه فلما راوا ذلك قاموا فنحروا فجعل بعضهم يحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا قال ابن عمر و ابن عباس حلق رجال يوم الحديبية و قصر آخرون فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يرحم اللّه المحلقين قالوا و المقصرين قال يرحم اللّه المحلقين قالوا يا رسول اللّه و المقصرين قال و المقصرون قالوا يا رسول اللّه ما بال المحلقين ظاهرت لهم الترحم قال لانهم لم يشكوا قال ابن عمرو ذلك انه تربص قوم و قالوا لعلنا نطوف بالبيت و اقام رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بالحديبية تسعة عشر يوما و يقال عشرين ليلة ذكره محمد بن عمرو فى ايام المقام بالحديبية قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لكعب بن عجرة لارى الهوام تتساقط على وجهه و هم محصورون قبل الصلح ا يؤذيك هوام راسك قال نعم و امره بالحلق و الفدية من صيام او صدقة او نسك و نزل حينئذ قوله تعالى وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ للّه فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ الاية من سورة البقرة و قد ذكر هناك مسائل للاحصار و الحلق بعذر و ما يتعلق به روى مسلم عن سلمة بن الأكوع و البيهقي عن ابن عباس و البزاز و الطبراني و البيهقي عن ابى حبيش و محمد بن عمرو عن شيوخه انه لما انصرف رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من الحديبية نزل بمر الظهران ثم نزل بعسفان فارملوا من الزاد فشكى الناس الجوع و قالوا ننحر يا رسول اللّه الحمر فاذن لهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال عمر يا رسول اللّه لا تفعل فان يكن فى الناس بقية ظهر كان أمثل كيف بنا إذا نحن لقينا العدو غدا جياعا رجالا لكن ان رايت تدعو الناس ببقايا أزوادهم ثم تدعوا فيها بالبركة فان اللّه سيبلغنا بدعوتك فدعا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ببقايا أزوادهم و بسط نطعا و كان أعلاهم من جاء بصاع من تمر فاجتمع زاد القوم على النطع قال مسلمة فتطاولت لاحرزكم محرزته كر نفسه عزة و نحن اربعة عشر مائة فقام رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فدعا بما شاء اللّه تعالى ان يدعوا فاكلوا حتى شبعوا ثم حشوا أوعيتهم و بقي مثله فضحك رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حتى بدت لواجذه و قال اشهد ان لا اله الا اللّه و انى رسول اللّه و اللّه لا يلقى اللّه تعالى عبد مؤمن بهما الا حجب من النار قال الزهري فى حديثه ثم جاء نسوة مؤمنات فانزل اللّه تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ حتى بلغ بِعِصَمِ الْكَوافِرِ- فطلق عمر يومئذ امرأتين كانتا له فى الشرك فتزوج إحداهما معاوية بن ابى سفيان و الاخرى صفوان بن امية قال فنهاهم ان يردوا النساء و امر برد الصداق روى احمد و البخاري و ابو داود و النسائي عن المسور بن مخرمة و البيهقي عن الزهري ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لما قدم المدينة من الحديبية أتاه ابو بصير عتبة بن أسيد حاربة الثقفي حليف بنى زهرة مسلما قد خلت من قومه فكتب الاحبس بن شريف الثقفي و أزهر بن عبد عوف الزهري الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كتابا بعثهما و بعثا خنيسا بن جابر من بنى عامر ابن لوى يذكر ان الصلح الذي بينهم و ان يردا إليهم أبا بصير فقدم العامري و معه مولى له يقال له كوثر بعد ابى بصير بثلاثة ايام فامر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أبا بصير ان يرجع معهما و قال يا أبا بصير انا قد أعطينا هؤلاء القوم ما قد علمت و لا يصلح فى ديننا الغدر ان اللّه جاعل لك و لمن معك من المسلمين فرجا و مخرجا به حتى بلغا ذا الحليفه فصلى ابو بصير فى مسجدها ركعتين صلوة المسافر و معه زاد له من تمر يحمله يأكل و دعا العامري و صاحبه لياكلا معه فنزلوا يأكلون التمر و على العامري سيفه و تحادثا و لفظ عروة فسل العامري سيفه ثم هذه فقال لاضربن بسيفى هذا فى الأوس و الخزرج يوما الى الليل فقال ابو بصير أ صارم سيفك هذا قال نعم قال ناولنى انظر اليه ان شئت فناوله إياه فلما قبض عليه ضربه به حتى يرد و خرج كوثر هاربا حتى اتى المدينة فدخل المسجد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مالك قال قتل و اللّه صاحبى و أفلت منه و لم أكد و انى مقتول فاستغاث برسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فامته و اقبل ابو بصير فاناخ بعير العامري و دخل متوحشا بسيفه فقال يا رسول قد وفيت ذمتك وادي اللّه عنك و قد أسلمتني بيد العدو و قد امتنعت بديني من ان افتن فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ويل امه مسعر حرب لو كان له أحد و قدم بسلب العامري لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ليخمسه فقال انى إذا خمسة راونى لم أوف لهم بالذي عاهدتهم عليه و لكن شانك بسلب صاحبك و اذهب حيث شئت و فى الصحيح ان أبا بصير لما سمع قول رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ويل امه مسعر حرب لو كان له أحد عرف انه سيرده فخرج ابو بصير و معه خمسة كانوا قدموا معه مسلمين من مكة حين قدمه على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فلم يكن طلبهم أحد حتى قدموا سيف البحر فاقام بسيف البحر بين العيص و ذى المروة من ارض جنته على طريق عيرات قريش و بلغ المسلمين الذين قد حبسوا بمكة خبر ابى بصير فتسللوا اليه قال محمد بن عمرو كان عمر بن الخطاب هو كتب إليهم يقول رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لابى بصير ويل امه مسعر حرب لو كان له رجال و أخبرهم انه بالساحل و انفلت ابو جندل بن سهيل الذي رده عليه السلام الى المشركين بالحديبية فخرج هو و سبعون راكبا ممن اسلموا فلحقوا بابى بصير فلما قدم ابو جندل على ابى بصير سلم له الأمر لكونه قرشيا و كان ابو جندل يؤمهم و اجتمع الى ابى جندل حين سمع بقدومه ناس من بنى غفار و اسلم و جهينة و طوائف من الناس حتى بلغوا ثلاثمائة مقاتل كما عند البيهقي عن ابن شهاب لا تمر بهم عير لقريش الا أخذوها و قتلوا من فيها و ضيقوا على قريش فلا يظفرون بأحد منهم الا قتلوه فارسل قريش أبا سفيان الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان يبعث الى ابى بصير و من معه و قالوا من خرج منا إليك فامسكه فهو لك حلال من غير حرج أنت فيه فكتب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الى ابى بصير و ابى جندل يأمرهما ان يقدما عليه و يأمر من معهما فمن اتبعهما من المسلمين ان يرجعوا الى بلادهم و أهليهم فلا يتعرضوا الأحد مر بهم من قريش و عيراتها فقدم كتاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم على ابى بصير و هو يموت فجعل يقرأه و مات و هو فى يده فدفنه ابو جندل فى مكانه و جعل قبره مسجدا و قدم ابو جندل على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و معه ناس من أصحابه و رجع سائرهم الى أهليهم فلما كان من أمرهم على الذين كانوا اشاروا على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان يمنع أبا جندل من أبيه بعد القضية ان طاعة اللّه و رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم خير لهم فيما أحبوا و فيما كرهوا لما دخل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عام القضية قال هذا الذي وعدتكم و لما كان يوم الفتح أخذ المفتاح و قال لعمر بن الخطاب هذا الذي قلت لكم- و لما كان فى حجة الوداع وقف بعرفة فقال اى عمر هذا الذي قلت لكم قال اى رسول اللّه ما كان فتح أعظم من صلح الحديبية و كان ابو بكر يقول ما كان فتح فى الإسلام أعظم من صلح الحديبية و لكن الناس قصر رائهم عما كان بين رسول اللّه و بين ربه و العباد يعجلون و اللّه لا يعجل بعجلة العباد حتى تبلغ الأمور ما أراد و القد رايت سهيل بن عمرو فى حجة الوداع قائما عند المنحر يقرب لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بدنه و رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ينحرها بيده و دعا الحلاق فحلق راسه و انظر الى سهيل يلتقطه من شعره يضعه على عينه و اذكر امتناعه ان يقر يوم الحديبية بان يكتب بسم اللّه الرحمن الرحيم فحمد اللّه سبحانه ان هداه للاسلام فَمَنْ نَكَثَ اى نقض البيعة فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ اى لا يعود ضرر نكثه الا عليه وَ مَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللّه اى ثبت على البيعة قرا حفص بضم الهاء تعظيما للجلالة و الباقون بالكسر فَسَيُؤْتِيهِ قرأ نافع و ابن كثير و ابن عامر بالنون على التكلم و الباقون بالياء على الغيبة و الضمير عايد الى اللّه أَجْراً عَظِيماً يعنى الجنة و رضوان اللّه تعالى و رويته.

١١

سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ ابن عباس و مجاهد يعنى الاعراب بنى غفار و مزينه و جهنية و النخع و اسلم و هم الذين أبطئوا من الخروج مع النبي صلى اللّه عليه و سلم حين استنفرهم إذا أراد المسير الى مكة عام الحديبية خوفا من قتال قريش زعما منهم قلة عدد المسلمين و ضعفهم فى عقيدتهم كما مر فى القضية رجع النبي صلى اللّه عليه و سلم سالما اعتذروا من التخلف و و قالوا شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَ أَهْلُونا يعنى لم يكن لنا من يقوم باشغالهم فَاسْتَغْفِرْ لَنا اللّه تعالى على التخلف فيه معجزة فان اللّه تعالى اخبر نبيه صلى اللّه عليه و سلم بما يقول له المخلفون بعد ذلك ثم كذبهم اللّه فى اعتذارهم فقال يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ من الاعتذار و الاستغفار يعنى انهم لا يبالون استغفر لهم النبي صلى اللّه عليه و سلم او لم يستغفر الجملة بدل من قوله تعالى سيقول إلخ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللّه شَيْئاً يعنى لاحد يمنعكم من مشية اللّه تعالى و قضائه فيكم إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا قرأ حمزة و الكسائي بضم الضاد و الباقون بالفتح يعنى ما يضركم كقتل او هزيمة او هلاك فى المال او الأهل او عذاب فى الاخرة على تخلفكم أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً اى ضد ذلك به تعرض بالرد بَلْ كانَ اللّه بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً يعنى ليس الأمر كما قلتم فى الاعتذار بل اللّه يعلم ان قصدكم فى التخلف انما هو اظهار الموافقة لاهل مكة خوفا منهم.

١٢

بَلْ ظَنَنْتُمْ ايها المخلفون أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَ الْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً يعنى يستاصلهم مشركو مكة فلا يرجعون إضراب ثان عطف على مضمون الاضراب الاول يعنى بل أظهرتم موافقه اهل مكة بل ظننتم ان لن ينقلبوا وَ زُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ زينه الشيطان بخلق اللّه تعالى وَ ظَنَنْتُمْ ان محمدا و أصحابه أكلة راس فلا يرجعون او غير ذلك مما يظنون باللّه و رسوله صلى اللّه عليه و سلم من الأمور الباطلة ظَنَّ السَّوْءِ منصوب على المصدرية وَ كُنْتُمْ قَوْماً بُوراً هلكى عند اللّه لفساد عقيدتكم و سوء ظنكم باللّه و رسوله.

١٣

وَ مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللّه وَ رَسُولِهِ فيه تعريض الى انهم غير مؤمنين باللّه و رسوله فان الايمان ينافى تلك الظنون و التخلف عن الرسول صلى اللّه عليه و سلم و جزاء الشرط محذوف و ما بعده تعليل أقيم مقامه اى لا يضرنا- فَإِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيراً وضع المظهر موضع المضمر إيذانا بان من لم يجمع بين الايمان باللّه و رسوله فهو كافر مستوجب للسعير بكفره و تنكير سعير للتهويل-.

١٤

وَ للّه مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ لا يجب عليه شى ء وَ كانَ اللّه غَفُوراً رَحِيماً يعنى ان الغفران و الرحمة صفات ذاتية له تعالى و التعذيب داخل تحت قضائه بالعرض.

١٥

سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ المذكورون إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ فى القتال حتى نصيب من المغانم يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللّه جملة يريدون بدل اشتمال من سيقولون قرا حمزة و الكسائي كلم اللّه على انه جمع كلمة قيل المراد بالمغانم خيبر خاصة قال محمد بن عمر و امر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أصحابه بالخروج يعنى الى خيبر فجدوا فى ذلك من حوله فمن شهد الحديبية يغزون معه و جاء المخلفون عنه فى غزوة الحديبية ليخرجوا معه رجاء الغنيمة فقال عليه السلام لا يخرجوا معى الا راغبين فى الجهاد و اما الغنيمة فلا- و الظاهر ان معنى الاية سيقولون المخلفون الذين تخلفوا من الجهاد فى غزوة الحديبية حين ظنوا بالمسلمين ضعفا و قلة إذا يرون بالمسلمين قوة و انطلقتم الى المغانم لتاخذوها فى زعمهم غالبا سيقولون ذرونا نتبعكم يريدون ان يبدلوا كلام اللّه يعنى امر اللّه لنبيه ان لا يسير معه أحد منهم كما فى قوله تعالى فاستاذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معى ابدا و لن تقاتلوا معى عدوا انكم رضيتم بالقعود أول مرة كذا قال ابن ريد و قتادة قلت لعل المخلفون لما رأوا من المؤمنين شدة رغبتهم فى الجهاد و سمعوا بيعة الرضوان و ان اللّه الفر؟؟؟ المؤمنين على المشركين فى بطن مكة حتى رضى المشركون على الصلح و اطمأن المسلمون من اهل مكة و فرغوا الجهاد عامة العرب ندموا على التخلف و ظنوا بغلبة المسلمين و أخذهم الغنائم قالوا ذلك حين عزم النبي صلى اللّه عليه و سلم لجهاد اهل خيبر مع ان اهل خيبر كانوا أشد بأسا من اهل مكة حيث كان فيها عشر آلاف مقاتل و انما حبس اللّه رسوله و المؤمنين من اهل مكة ترحما بقريش كما حبس عنهم الفيل لما علم بعلمه القديم ان أكثرهم يؤمنون و يخرج منهم بسمات مومنات و لئلا يصيب المؤمنين معرة بغير علم من ان يطئوا رجالا مومنين و نساء مؤمنات كانوا بمكة لم يعلموهم قُلْ يا محمد لَنْ تَتَّبِعُونا جملة مستانفة اخبار من اللّه تعالى بعدم اتباعهم بعد عزمهم طمعا فى الغنائم و لا يبدل القول لديه و فى معجزة اخبار بالغيب مرتين مرة بالقول و مرة بعدم الاتباع و قيل هذا نفى و معناه النهى- كَذلِكُمْ يعنى قولا مثل ما قلت لكم ايها المخلفون من الاخبار و النهى قالَ اللّه تعالى مِنْ قَبْلُ هذا بوحي غير متلوان غنائم خيبر لاهل الحديبية خاصة لا نصيب لغيرهم فيها او انهم لن يخرجوا معك ابدا و لا يصاحبهم فى غزوة ابدا و ليس المراد منه قوله تعالى فَاسْتَأْذَنُوكَ لانها نزلت بعد ذلك سنة تسع فى غزوة تبوك فَسَيَقُولُونَ اى المخلفون عطف على سيقولون بَلْ تَحْسُدُونَنا عطف على محذوف يعنى لم يقل اللّه كذلك بل تحسدوننا يقولون ذلك حسدا ان يشرككم فى الغنائم بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ عطف على سيقولون يعنى ليس الأمر كما زعمت المخلفون بل كانوا لا يعلمون من اللّه تعالى ما لهم و ما عليهم فى الدين إِلَّا قَلِيلًا يعنى الا تفقها قليلا من امور الدنيا و

قال البغوي معناه الا قليل منهم و هو من صدق اللّه و رسوله قلت و على هذا كان المختار عند النحويين الرفع على البدلية لان الكلام غير موجب.

١٦

قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ كرر ذكرهم بهذا الاسم مبالغة فى الذم و اشعار بكمال شناعة التخلف سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ قال كعب هم الروم يعنى فى غزوة تبوك قلت و هذا القول يابى عنه توصيف قوم بقوله يقاتلونهم او يسلمون فان غزوة تبوك مال امره الى القتال فان النبي صلى اللّه عليه و سلم سار الى تبوك و اقام هناك بضعة عشر يوما فلم يتحرك هرقل الى مقابلته و لم يبعث اليه جيشا رجع النبي صلى اللّه عليه و سلم من غير قتال و قال سعيد بن جبير و قتادة هوازن و ثقيف و غطفان يوم حنين قلت و لم يصح ان النبي صلى اللّه عليه و سلم دعا الاعراب يوم حنين و ايضا يكونوا اولى بأس شديد بالنسبة الى عسكر الإسلام بل كانوا قليلا فى مقابلة جم غفير و قال الزهري و مقاتل و جماعة هم بنو حنيفة اهل اليمامة و اصحاب مسيلمة الكذاب قال رافع بن خديج كنا نقرا هذه الاية و لا نعلم من هم حتى دعى ابو بكر الصديق رض الى قتال بنى حنيفة فعلمنا انهم هم و هذا قول اكثر المفسرين و رحجه البيضاوي بقرينة قوله تعالى تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ يعنى بكون أحد الامرين اما المقاتلة او الإسلام لا غير كما يدل عليه قراءة او يسلموا فان او حينئذ بمعنى الى ان و لا شك ان مشركى العرب و المرتدين هم الذين لا يقبل منهم الا الإسلام او السيف و قتال غيرهم كاهل الروم ينتهى بالجزية فالاية دليل على امامة ابى بكر فانه دعى الناس لقتال اهل الردة و قال ابن عباس و عطاء و مجاهد و ابن جريح هم اهل الفارس فانهم كانوا أشد بامن من غيرهم دعا الناس عمر بن الخطاب الى قتالهم فالاية دليل على خلافة عمر المبنية على خلافة ابى بكر و معنى يسلمون حينئذ ينقادون لاعطاء الجزية و الجملتين المتعاطفتين بدل اشتمال من ستدعون فَإِنْ تُطِيعُوا لداعى يُؤْتِكُمُ اللّه أَجْراً حَسَناً يعنى الجنة وَ إِنْ تَتَوَلَّوْا توليا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ ذلك عام الحديبية يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً لتضاعف جرمكم

قال البغوي فلما نزلت هذه الاية قال اهل الزمانة كيف بنا يا رسول اللّه فانزل اللّه تعالى.

١٧

لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ ضيق و شدة و عذاب فى ترك الجهاد وَ لا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَ لا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَ مَنْ يُطِعِ اللّه وَ رَسُولَهُ فى الجهاد و غير ذلك يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَ مَنْ يَتَوَلَّ اى يعرض عن الطاعة بعد القدرة يُعَذِّبْهُ عَذاباً أَلِيماً قرأ نافع و ابن عامر ندخله و نعذبه بالنون على المتكلم و الباقون بالياء على الغيبة و الضمير راجع الى اللّه سبحانه-.

١٨

لَقَدْ رَضِيَ اللّه عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ يعنى بالحديبية هذه الجملة متصلة بقوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللّه الاية تأكيد لها و ما بينهما معترضات و بهذه الاية سميت البيعة بيعة الرضوان و الغرض من هذه الاية مدح المؤمنين و الثناء عليهم و مما سبق- حثهم على إيفاء ما بايعوا عليه و فى الصحيحين عن جابر بن عبد اللّه قال كنا يوم الحديبية الفا و اربعمائة فقال لنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أنتم خير اهل الأرض- و روى مسلم عن امر بشر مرفوعا و لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة- فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ من الصدق و الوفاء فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ يعنى القى عليهم الطمأنينة بالحضور عند ذكر اللّه تعالى و الرضا بما امر اللّه تعالى فوق الرضا بما تشتهيه نفوسهم وَ أَثابَهُمْ فَتْحاً يعنى فتح خيبر قَرِيباً قيل اقام النبي صلى اللّه عليه و سلم بالمدينة بعد الرجوع من الحديبية عشر ليال كذا عند ابن عاند عن ابن عباس و عند سليمان التيمي خمسة عشر و ذكر ابن عقبة عن ابن شهاب اقام بالمدينة عشرين ليلة فى حديث المسور و مروان عند ابن اسحق انه عليه السلام قدم المدينة فى ذى الحجة فاقام بها حتى سار الى خيبر فى المحرم و كان فتح خيبر فى سفر سنة سبع كذا فى المغازي للواقدى قال الحافظ انه الراجح نقل الحاكم عن الواقدي-.

١٩

وَ مَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها روى البخاري عن عائشة رض قالت لما فتحت خيبر

قلنا الان نشبع من التمر و عن ابن عمر قال ما شبعنا من التمر حتى فتحت خيبر قال الحافظ محمد بن يوسف الصالحي ان خيبر اسم ولاية مشتملة على حصون و مزارع و نخل كثيرة على ثلثة ايام من الحديبية على يسار حاج الشام وَ كانَ اللّه عَزِيزاً حَكِيماً

٢٠

وَعَدَكُمُ اللّه مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها و هى الفتوح التي يفتح لهم الى يوم القيامة فيه تسلية للمؤمنين انصرافهم من مكة بصلح فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ يعنى فتح خيبر وَ كَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ

قال البغوي و ذلك ان النبي صلى اللّه عليه و سلم لما حاصر خيبر همت قبائل من بنى اسد و غطفان ان يغيروا على اعيال المسلمين و ذراريهم بالمدينة فكف اللّه أيديهم بإلقاء الرعب فى قلوبهم و قال ابن اسحق كانت غطفان مظاهرين يهود خيبر على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فبلغنى ان غطفان لما سمعوا بمنزل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من خيبر خرجوا ليظاهروا يهود عليه فلما ساروا سمعوا خلفهم فى أموالهم و أهليهم حسا ظنوا ان القوم قد خالفوا إليهم فرجعوا على أعقابهم فاقاموا فى أهليهم و أموالهم و خلوا بين رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و بين خيبر و روى ابن قانع و البغوي و ابو نعيم فى العرفة عن سعيد بن شتيم عن أبيه رض انه كان فى جيش عيينة بن حصين فى خيل غطفان لما جاء يمر خيبر قال فسمعنا صوتا فى عسكر عيينة ايها الناس أهليكم خولفتم فيه قال فرجعوا لا يتناظرون فلم تر لذلك بنا و ما تراه كان الا من قبل السماء و قيل كف الناس عنكم يعنى باهل مكة بالصلح وَ لِتَكُونَ عطف على محذوفه لتكف او فجعل او لتاخذوا تقديره لتسلموا او تغنمو لتكون او علة لمحذوف تقديره و فعل ذلك لتكون الكفة او الغنيمة آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ على صدقك فيما وعدتهم من فتح مكة و غير ذلك وَ يَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً هو الثقة لفضل اللّه و التوكل عليه او المعنى يثيتكم على الإسلام و يزيدكم بصيرة و يقينا- قصة غزوة خيبر انه صلى اللّه عليه و سلم استخلف على المدينة سباع بن عرفطة كذا روى احمد و ابن خزيمة و الحاكم عن ابى هريرة و لما تجهز النبي صلى اللّه عليه و سلم و الناس شق على يهود المدينة و لم يبق أحد من يهود المدينة له على أحد من المسلمين حق الا لزمه روى احمد و الطبراني عن ابى جدر و انه كان لابى شحم اليهودي عليه خمسة دراهم فلزمه فقال أجلني فانى أرجو ان اقدم عليك فاقضيك حقك قد وعد اللّه نبيه ان يغنم خيبر فقال ابو شحم أ تحسب ان قتال خيبر مثل قتال ما تلقون من الاعراب و التوراة فيها عشرة آلاف مقاتل و ترافعا الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال عليه السلام أعطه حقه فخرجت فبعث ثوبى بثلاثة دراهم الحديث و لما وصل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الى الصهاء و هى ادنى خيبر دعانا لازواد فلم يوت الا السويق فثرى فاكل و أكلنا معه ثم قام الى المغرب فمضمض ثم صلى و لم يتوضأ رواه البخاري و البيهقي قال محمد بن عمر و ثم سار النبي صلى اللّه عليه و سلم حتى اتى الى المنزلة التي و هى يسوق لخيبر صارت فى سهم زيد بن ثابت فعرس رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بها ساعة من الليل و كانت يهود لا يظنون قبل ذلك ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يغزوهم لمنعتهم و سلاحهم و عدوهم فلما أحسوا الخروج النبي صلى اللّه عليه و سلم كانوا يخرجون كل يوم عشرة آلاف مقاتل صفوفا ثم يقولون محمد تغيرونا هيهات هيهات و كان ذلك شانهم- فلما نزل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بساحتهم لم يتحركوا تلك الليلة و لم يصح لهم ديك حتى طلعت الشمس فاصبحوا و افئدتهم تحقق و فتحوا حصونهم- و فى الصحيحين سار رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الى خيبر فانتهى إليها ليلا و كان عليه السلام إذا طرق قوما لم يغتر عليهم حتى يصبح فاذا سمع اذانا امسك و إذا لم يسمع أغار حتى يصبح فصلنا الصبح عند خيبر بغلس فلم يسمع اذانا فلما أصبح ركب و ركب المسلمون و خرج اهل قرية الى مزارعهم بمكاتلهم و مساحيهم فلما رأو رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قالوا محمد و الخميس فادبروا هاربين فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و رفع يديه اللّه اكبر خربت خيبر انا إذا أنزلنا بساحة قوم فساع صباح المنذرين و ابتدأ باهل نطاة وصف رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و وعظهم و نهاهم عن القتال حتى يأذن لهم فعمد رجل من أشجع على يهودى و حمل عليه اليهودي فقتله فقال الناس استشهد فلان فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بعد ما نهيت من القتال قالوا نعم فامر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مناديا فنادى فى الناس لا تحل الجنة لعاص- و روى الطبراني عن جابر ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال يومئذ لا تتمنوا لقاء العدو و اسئلوا اللّه العافية فانكم لا تدرون ما تبتلون به فاذا لقيتم فقولوا اللّهم ربنا و ربهم نواصينا و نواصيهم بيدك و انما تقتلهم أنت ثم الزموا الأرض جلوسا فاذا عشوكم فانهضوا و كبروا الحديث- قال ابن اسحق و محمد بن عمرو بن سعيد فرق رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الرايات و اذن للناس فى قتال و حثهم على الصبر و أول حصن حاصره من النطاة ناعم و قاتل أشد القتال و قاتله اهل نطاة أشد القتال فلما امسى تحول له الى الرجيح فكان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يغدوا على راياتهم حتى فتح اللّه الحصن عليهم روى البيهقي و ابو نعيم و محمد بن عمران المسلمين لما قدموا خيبر قدموا على ثمرة خضراء و هى ديئية و ختمة فاكلوا منها فاخذهم الحمى فشكوا الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال فرسوا الماء فى الشنان فاذا كان بين الاذانين يعنى من الصبح فاحدروا الماء و اذكروا اسم للّه فكانما نشطوا من العقل و بعد فتح ناعم حاصر و أحصن الصعب بن معاذ- روى محمد بن عمر عن ابى أيسر كعب بن عمر انهم حاصروه ثلثة ايام و كان حصنا منيعا- روى ابن اسحق عن رجل من اسلم و محمد بن عمر عن معتب الأسلمي قال أصابتنا معشر اسلم مجاعة حتى قدمنا خيبروا قمنا عشرة ايام على حصن النطاة لا يفتح شيئا فيها طعام فارسلوا اسماء بن حارشة الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال ان اسلم يقرأ عليك السلام و يقول انا قد جهدنا من الجوع و الضعف فادع اللّه لنا فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما بيدي ما أقوتهم به قد علمت حالهم ثم قال اللّهم فافتح عليهم الأعظم حصنا فيها أكثره و دكاو دفع اللواء الى حباب بن المنذر و ندب الناس فما رجعنا حتى فتح اللّه حصن الصعب بن معاذ و ما بخيبر حصن اكثر طعاما و ودكا منه بزر لحباب يوشع اليهودي فقتله حباب ثم برزله الزيال فبادره عمارة بن عقبة الغفاري فقال الناس بطل جهاده فقال عليه الصلاة و السلام ما بأس به يوجر و يحمد- روى محمد بن عمرو عن جابر انهم وجدوا فى حصن الصعب من الطعام ما يكونوا يظنون من الشعير و التمر و السمن و العسل و الزيت و الودك و نادى منادى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كلوا و امقلوا و لا تحملوا يعنى لا تخرجوا به الى بلادكم- روى البيهقي عن محمد بن عمرو قال لما تحولت اليهود من حصن الناعم و حصن الصعب بن معاذ الى قلة الزبير يعنى حصن الزبير بن العوام رض الذي صار فى سهمه بعد و هو حصن على راس قلة فاقام محاصرهم ثلثة ايام فجاء اليهودي يدعى غزال فقال يا أبا قاسم توصننى على ان ادلك على ما تستريح به من اهل و نخرج الى الشق فان اهل الشق قد هلكوا رعبا منك فامنه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم على اهله و ماله فقال اليهودي انك لو أقمت شهرا ما بالولهم ذبول تحت الأرض يخرجون بالليل فيشربون منها تم يرجعون الى قلعتهم فيمنعون منك فان قطعت عنهم شربهم اصحروا لك فسار رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الى ذبولهم فقطعها فلما قطع عليهم مشاربهم خرجوا و قاتلوا أشد القتال و قتل من المسلمين يومئذ نفر و أصيب من اليهود ذلك اليوم عشرة و افتحه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و كان هذا آخر صون النطاة فلما فرغ من النطاة تحول الى الشق و أول حصن بدأ به منها حصن على قلعة يقال لها سموان فقاتل عليها اهل الحصن قتالا شديدا خرج رجل من اليهود يقال له غزول فقتله حباب بن المنذر فخرج رجل اخر من يهود فقتله أبوه دجانة و أخذ درعه و سيفه و جاء به الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فنقله رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ذلك و احجم اليهود عن البراز فكبر المسلمون ثم تحاملوا على الحصن فدخلوه يقدمهم ابو دجانة فوجدوا فيه أثاثا و متاعا و غنما و طعاما فهرب من كان فيه من المقاتلة حتى صاروا الى حصن النزل بالشق و جعل يأتي من بقي من خل النطاة الى حصن النزال فغلقوه و امتنعوا فيه أشد الامتناع و زجف رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى أصحابه فقاتلهم و كانوا أشد اهل الشق رميا للمسلمين بالنبل و الحجارة و رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم معهم حتى أصاب النبل ثياب النبي صلى اللّه عليه و سلم و علقت به فاخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم النبل فجمعها ثم أخذ لهم كفا من حصى فحصب به حصنهم فرجف الحصن بهم ثم ساخ فى الأرض حتى المسلمون فاخذوا اهله أخذا و لما فتح رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حصون النطاة و الشق انهزم من سلم منهم الى حصون الكثيبة و أعظم حصونها القموص و كان حصنا منيعا ذكر ابن ابى عقبة ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حاصره قريبا من عشرين ليلة و كانت أرضا و خمسة روى الشيخان عن سهل بن سعد و البخاري و ابو نعيم عن سلمة بن الأكوع و ابو نعيم عن عمرو ابن عباس و سعد بن ابى وقاص الخدري و عمران بن حصين و جابر بن عبد اللّه و مسلم و البيهقي عن ابى هريرة و احمد و ابو يعلى و البيهقي عن على و ابو نعيم و البيهقي عن بريدة قال بريدة كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم يأخذه الشقيقة فيمكث اليوم و اليومين و لا يخرج فلما نزل خيبرا أخذته الشقيقة فلم يخرج الى الناس فارسل أبا بكر فاخذ راية رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقاتل قتالا شديدا ثم نهض فقاتل قتالا شديدا هو أشد من القتال الاول ثم رجع و لم يكن فتح و فى حديث على ان الغلبة كانت لليهود فى اليومين فاخبر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بذلك فقال لاعطين الراية غدا رجلا يفتح اللّه عليه ليس بفرار يحب اللّه و رسوله و يأخذها عنوة و قال بريدة فتباطينا نفسا ان يفتح غدا و يأت الناس ليلتهم أيهم يعطى فلما أصبح غد و أعلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كلهم يرجوا ان يعطيها قال ابو هريرة قال عمر فما أحببت الامارة قط حتى كان يومئذ فلما أصبح رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و صلى صلوة الغداة ثم دعا باللواء و قام قائما قال ابن شهاب فوعظ الناس ثم قال اين على رض قالوا تشتكى عينه فارسلوا اليه قال سمة فجئت به أقوده فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مالك قال زمدت حتى لا ابصر ما قدامى قال ادن منى و فى حديث على عند الحاكم فوضع راسى فى حجره ثم بزق فى يده فدلك بها عينى قالوا فبرء كان لم يكن به وجع قط فما و جمعهما حتى مضى لسبيله و دعا له و أعطاه الراية قال يا رسول اللّه أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا قال انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم الى الإسلام و أخبرهم بما يجب عليه من حق اللّه و حق رسوله فو اللّه لان يهدى اللّه بك رجلا واحدا خير من ان يكون لك حمر النعم فخرج على حتى ركزها تحت الحصن فاطلع يهودى من راس الحصن فقال من أنت قال على قال اليهودي غلبتم و الذي انزل التوراة على موسى فما رجع حتى فتح اللّه على يديه- روى محمد بن عمرو عن جابر قال أول من خرج من حصون خيبر مبارزا الحارث أخو مرحب فقتله على رضى اللّه عنه و رجع اصحاب الحارث الى الحصن و برز عامر و كان رجلا طويلا جسيما فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم طلع عامرا ترونه خمسة اذرع و هو يدعو الى البراز فخرج اليه على بن ابى طالب فقتله ثم برز ياسر فبرز له على بن ابى طالب فقال له الزبير بن العوام أقسمت عليك الا خطية بينى و بينه ففعل فقالت صفية لما خرج اليه الزبير قلت يا رسول اللّه يقتل ابني فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بل ابنك يقتله إنشاء اللّه تعالى فقتله الزبير فقال عليه السلام فداك عم و قال لكل نبى حوارى و حوارى الزبير و فى حديث سلمة بن الأكوع خرج مرحب يرتجز فقتله على- و روى احمد عن على قال لما قتلت مرحبا جئت برأسه الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم- و روى البيهقي و محمد بن عمرو عن جابر بن عبد اللّه ان محمد بن مسلمة قتل مرحبا و الصحيح ما فى صحيح مسلم ان عليا قاتله و روى ابن اسحق عن ابى رافع مولى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال خرجنا مع على رض حين بعثه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فلما دنى من الحصن خرج اليه اهله فقاتلهم فضربه رجل من يهود فطرح ترسه من يده فتناول على رض بابا كان عند الحصن فترس به من نفسه فلم يزل بيده و هو يقاتل حتى فتح اللّه ثم ألقاه من يده حين فرغ فلقد رايتنى فى نفر سبعة إناثا منهم نجهد على ان نقلب ذلك الباب فلم نقليه- و روى البيهقي من طريقين عن المطلب بن زياد عن ليث بن سليم عن ابى جعفر محمد ابن على عن ابائه قال حدثنى جابر بن عبد اللّه ان عليا حمل الباب يوم خيبر حتى صعد عليه المسلمون فافتتحوها و انه جرب ذلك فلم يحمله أربعون رجل و رجاله ثقات الا ليث بن سليم هو ضعيف قال البيهقي و روى من وجه اخر ضعيف عن جابر قال اجتمع عليه سبعون رجلا و كان جهدهم ان أعاد و الباب- و قال الصالحي قال و رواه الحاكم و اللّه اعلم و أصاب من العموص حصن ابى الحقيق سبايا منهم صفية بنت حيى بن اخطب جاء بلال بها و بأخرى معها فمر بهما على قتلى يهود فلما راتهم التي مع صفية صاحت و صكت وجهها و حثت التراب على راسها فلما راها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال اعزبوا هذه الشيطانة و امر بصفية فخرجت خلفه و القى عليها ردائه فعرف المسلمون ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اصطفاها لنفسه و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لبلال لما راى من تلك اليهودية ما راى انزعت منك الرحمة يا بلال جئت ثمه بامرأتين على قتلى رجالهما و كانت صفية قد رأت فى المنام و هى عروس بكنانة بن الربيع بن ابى الحقيق ان قمر أوقع فى حجرها فعرضت روياها على زوجها فقال يا هذا الا انك تتمنين ملك الحجاز محمدا فلطم وجهها لطمة اخضرت عينها فيها فاتى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بها و بها اثر منها فسالها فاخبرته هذا الخبر و فى رواية جاء دحية فقال يا نبى اللّه أعطيني جارية من السبي فقال اذهب فخذ جارية فاخذ صفية بنت حيى فجاء رجل الى النبي صلى اللّه عليه و سلم فقال يا نبى اللّه أعطيت دحية بنت حيى سيدة قريضة و النضير لا تصلح الا لك قال ادعوه بها فجاء بها فلما نظر إليها النبي صلى اللّه عليه و سلم قال خذ جارية من السبي غيرها قال فاعتقها النبي صلى اللّه عليه و سلم و تزوجها حتى إذا كان الطريق جهزها له أم سلمة فاهدتها له من الليل فاصبح النبي صلى اللّه عليه و سلم عروسا فقال من كان عنده شى ء فليجى ء به و بسط نطعا فجعل الرجل يجى ء بالتمر و جعل الاخر يجى ء بالسمن قال و احسبه قد ذكر السويق فحاسو حيسا و كان وليمة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال ثابت يا أبا حمزة ما أصدقها قال نفسها أعتقها و تزوجها و فى الصحيحين عن عبد اللّه بن ابى اوفى قال أصابتنا مجاعة ليالى خيبر فلما كان يوم خيبر وقعنا فى الحمر الانسية فاننحرناها فلما غلت القدور نادى منادى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان القوا القدور و لا تأكلوا لحوم الحمر شيئا- و عن ابن عباس قال نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن بيع المغانم حتى تقسم و عن الحبالى ان توطأ حتى يضعن ما فى بطونهن قال أ تسقي زرع غيرك و عن لحوم الحمر الاهلية و عن لحم كل ذى ناب من السباع رواه الدارقطني روى محمد بن عمر و عدة الحمر التي ذبحوها كانت عشرين او ثلثين- قال ابن اسحق كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يأخذ الأموال مالا مالا و يفتحها حصنا حصنا حتى انتهوا الى الحصنين الوطيح و السلالم و كانا اخر حصون خيبر فتحا فجعل اليهود لا يطلعون من حصنهم حتى هم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان ينصب عليهم المنجنيق حين راى انه لا يبرز منهم أحد و لا أيقنوا بالهلكة و قد حصرهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اربعة عشر يوما سألوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الصلح و أرسل كنانة بن ابى الحقيق رجلا من اليهود و يقال له شماخ فصالح رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم على حقن دماء من فى حصونهم من المقاتلة و ترك الذرية لهم و يخرجون من خيبر و ارضها بذراريهم و يخلون بين رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و بين ما كان لهم من مال و ارض و على الصفراء و البيضاء و الكراع و الحلقة و على التبر الا ثوبا على ظهر انسان فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم برأت ذمة اللّه و ذمة رسوله ان تكتمون شيئا فصالحوه على ذلك فقبضها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الاول فالاول وجد من ذينك الحصنين مائة درع و اربعمائة سيف و خمسمائة قوس عربية بجعابها و وجد فى الكثيبة خمسمائة قوس بجعابها روى ابن سعد و البيهقي عن ابن عمر و ابن سعد عن ابن عباس فذكر الصلح كما ذكرنا ان لا يكتموه شيئا فان فعلوا فلا ذمة لهم قال ابن عباس فاتى بكنانة بن ابى الحقيق لزوج صفية و الربيع اخوه و ابن عمه قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما فعل مسك حيى الذي جاء به النضير و كان مسكا مملوا من الحلي قالا أذهبه النفقات و الحروب فقال العهد قريب و المال اكثر من ذلك فقال بهما رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انكما ان كتمتمانى شيئا فان اطلعت عليه استحللت به دمائكما و ذراريكما قال نعم قال عروة و محمد بن عمر فيما روى البيهقي عنهما فاخبر اللّه تعالى نبيه بموضع الكنز و قال عليه الصلاة و السلام لكنانة انك مفتر بامر السماء فدعا رجلا من الأنصار و قال اذهب الى فراخ كذا و كذا فانظر نخلة عن يمينك و نخلة عن شمالك فائتى بما فيها فجاء بالآنية و الأموال فقومت بعشرة آلاف دينار فضرب أعناقهما و سبى أهلهما بالنكث الذي نكثاه روى البخاري عن ابن عمر و البيهقي عنه و عن عروة و عن موسى بن عقبة ان خيبر لما فتحها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قالوا دعنايا محمد نكون فى هذا الأرض نضلحها و نقوم عليها و لم يكن لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و لا لاصحابه غلمان و كانوا لا يفرغون ان يقوموا عليها فاعطاهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم على ان لهم الشطر من كل زرع و نخل و شى ء ما بدأ لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى لفظ نقركم على ذلك ما شئنا فى لفظ ما اقركم اللّه و كان عبد اللّه بن رواحة يأتيهم كل عام فيخرجها عليهم ثم يقمنهم الشطر فشكوا الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ابن رواحة و أرادوا ان يرشوا ابن رواحة فقال يا اعداء اللّه أ تطمعوني السحت و اللّه لقد جئتكم من عند أحب الناس الى و لانتم ابغض الى من عدتكم من القردة و الخنازير و لا يحملنى بغضي إياكم و حبى إياه على ان اعدل عليكم فقالوا بهذا اقامت السموات و الأرض فاقاموا بأرضهم على ذلك فلما كان زمن عمر رض غشوا المسلمين و القوا عبد اللّه بن عمر من فوق بيت ففدعوا يديه و يقال بل سحروه بالليل و هو نائم على فراشه فكوع حين أصبح كانه فى وثاق و جاء أصحابه فاصلحوا من يديه فقام عمر خطيبا فى الناس فقال ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عامل يهود خيبر على أموالهم و قال نقركم ما اقركم اللّه و ان عبد اللّه بن عمر خرج الى ماله هناك فعدى عليه من الليل ففدعت يداه و ليس لنا هناك عدو غيرهم و هم تهمنا و قد رأيت اجلائهم فمن كان له همّ بخيبر فليحضر حتى يقسمها فلما اجمع على ذلك قال رئيسهم و هو أحد بنى ابى الحقيق لا تخرجنا دعنا نكون فيها كما أقرنا ابو القاسم و ابو بكر فقال عمر رض لرئيسهم أ تراه سقط عنه قول رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كيف بك إذا خرجت من خيبر تعدو بك قلوصك ليلة بعد ليلة فقاتلك هزيلة من ابى القاسم قال كذبت و اجلاهم عمر روى الشيخان عن انس واحد و ابن سعد و ابو نعيم عن ابن عباس و غيرهم عن جابر و ابى سعيد و ابى هريرة و الزهري ان زينب بنت الحارث امرأة لسلام بن مسكم ابنة أخي مرحب أهدت لصفية شاة مسمومة مصلية و قد قالت اى عضو الشاة أحب الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقيل لها الذراع فاكثرت فيها من السم ثم سمت سائر الشاة فدخل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم على صفية و معه بشر بن البراء بن معرور فقدمت الشاة المصلية فتناول النبي صلى اللّه عليه و سلم الذراع فانتهس منها فلاكها و تناول بشر بن البراء عظما فانتهس منه قال ابن اسحق اما بشر فساغها و اما رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فلفظها و قال ابن شهاب فلما اشترط رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لقمة اشترط بشر فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ارفعوا ايديكم فان كتف هذه الشاة تخبرني انى بقيت فيها فقال بشر بن البراء و الذي أكرمك لقد وجدت كذلك فى أكلتي فما منعنى ان الفظها الا انى أعظمت ان بفضك طعاما فلها سحت ما فى فيك لم أكن لأرغب بنفسي عن نفسك و رجوت ان لا تكون اشترطها و فيها بغى فلم يقم بشر من مقامه حتى عادلونه كالطيلسان و مات و احتجم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كامله يومئذ حجمه ابو هند و بقي رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حتى كان وجعه الذي توفى فيه فقال مازلت أحد من الاكلة التي أكلت من الشاة المسمومة يوم خيبر حتى كان هذا أوان قطع أبهري فتوفى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم شهيدا فارسل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الى اليهودية أ سممت هذه الشاة فقالت من أخبرك قال أخبرتني هذا الذي فى يدى و هى الذراع قالت نعم قال ما حملك على ما صنعت قالت بلغت من قومى ما لم يخفك عليك فقلت ان كان ملكا استرضا منه و ان كان نبيا فسيخبر فتجاوز عنها و روى عبد الرزاق فى مصنفه عن معمر عن الزهري انها أسلمت و تركها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و جزم بإسلامها سليمان التيمي و لفظ بعد قولها و ان كنت كاذبا أرحت الناس منك و قد استبان بي انك صادق و انا أشهدك و من حضرك انى على دينك و ان لا اله الا اللّه و ان محمدا عبده و رسوله قال فانصرف رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عنها حين أسلمت و وقع عند البزاز من حديث ابى سعيد ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بعد سواله للمرأة اليهودية و اعترافها بسط يده الى الشاة و قال لاصحابه كلوا بسم اللّه قال فاكلنا و ذكرنا اسم اللّه فلم يضر أحدا منا قال الحافظ حماد الدين فيه نكارة و غرابة شديدة و ذكر محمد بن عمران رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم امر بلحم الشاة فاحرق و عن جابر ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لما مات بشر بن البراء امر باليهودية فقتلت رواه ابو داود و عن محمد بن عمر بأسانيد له فدفعها الى اولياء بشر بن البراء فقتلوها قال البيهقي يحتمل انه تركها اولا و قال السهيلي تركها لانه كان لا ينتقم لنفسه ثم قتلها ببشر قصاصا قال الحافظ تركها لكونها أسلمت و انما اخّر قتلها حتى مات بشر لان بموته يتحقق وجوب القصاص- قصة قدوم جعفر- عن ابى موسى الأشعري قال لما بلغنا مخرج النبي صلى اللّه عليه و سلم يعنى من مكة و نحن باليمن خرجنا مهاجرين اليه فالقتنا سفينتنا بالحبشة فوافقنا جعفر بن ابى طالب رض فقال جعفر ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بعثنا و أمرنا بالإقامة فاقيموا معنا فاقمنا معه حتى قدمنا جميعا فوافقنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حين فتح خيبر فاسهم لنا و ما قسم لاحد غاب عن فتح خيبر شيئا الا لمن شهد معه الا اصحاب سفينتنا و لما قدم جعفر قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و اللّه لا أدرى بايهما افرح بفتح خيبر أم بقدوم جعفر و لما نظر جعفر الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم خجل و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لاصحاب جعفر لكم هجرتان و قيل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم جعفر بين عينة رواه البيهقي قصة قدوم ابى هريرة و الادسيين و عن ابى هريرة قدمت المدينة و نحن ثمانون بيتا من دوس ثم جئنا خيبر و قد فتح رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم النطاة و هو محاصر لكثيبة فاقمنا حتى فتح اللّه علينا فكلم المسلمين فاشركنا فى سهمانهم رواه احمد و البخاري فى التاريخ و الحاكم و البيهقي و ابن خزيمة و الطحاوي- قصة فدك- فلما سمع اهل فدك بما صنع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بخيبر بعثوا الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يسألونه الصلح ان يسيرهم و يحقن لهم دفائهم و يخلو الأموال ففعل على انا إذا شئنا أخرجناكم فصالحه اهل فدك على مثل ذلك فكانت خيبر للمسلمين و كانت فداء خالصة لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لانهم لم يوجفوا عليها بخيل و لا ركاب فاجلاهم عمر لما اجلى يهود خيبر- قسمة خيبر- و لما كان فتح الوطيع و السلالم بالصلح فكان هذا لنوائب المسلمين و اعطفى منه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الأشعري بين الدوسيين اصحاب السفينتين و هو المراد من قول موسى بن عقبة ان بعض خيبر كان صلحا و كان مشاورة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اهل الحديبية فى اعطائهم ليس استنزالهم عن شى ء من حقهم و انما هى المشورة العامة و شاورهم فى الأمر قال ابن اسحق و كانت المقاسم على اموال خيبر على الشق و النطاة و الكثيبة و كانت الكثيبة خمس اللّه سهم النبي صلى اللّه عليه و سلم و ذوى القربى و اليتامى و المساكين و ابن السبيل و طعم ازواج النبي صلى اللّه عليه و سلم و طعم رجال مشوا بين رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و بين اهل فدك بالصلح منهم محيصة بن مسعود أعطاه ثلثين و سقا من شعير و ثلثين و سقا من تمر و كانت النطاة و الشق فى أسهم الغزاة جزاها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ثمانية عشر سهما نطاة من ذلك خمسة أسهم و الشق ثلثة عشر سهما قسمت على اهل الحديبية من شهد خيبر منهم و من غاب عنها و لم يغب عنها الا جابر بن عبد اللّه بن حرام قسم له كسهم من حضر كانوا الفا و اربعمائة رجلا و مائتى فرس كان لفرس سهما و لفارسه سهم و كان لكل رجل سهم و كان سهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كسهم أحدهم و كان لكل سهم من سهام خيبر ثمانية عشر راسا جمع الى راس مائة سهم كان على بن ابى طالب راسا و الزبير بن العوام راسا و سره ذلك ابن اسحق الى آخره- قال ابن سعد امر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فجزى غنائم خيبر خمسة اجزاء فكتب فى سهم منها للّه و سائر السهمان اغفال و قسم اربعة اخمس على ثمانية عشر سهما كل مائة رجل و للخيل اربعة أسهم- قصة فتح وادي القرى- لما انصرف رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من خيبر الى وادي القرى فدعا أهلها الى الإسلام فامتنعوا ففتحها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عنوة و غنمه بعالى اموال أهلها و أصاب المسلمون منها أثاثا و متاعا فخمس رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ذلك و ترك الأرض فى أيدي اليهود و عاملهم على نحو ما عامل عليه اهل خيبر.

٢١

وَ أُخْرى منصوب عطفا على مغانم كثيرة يعنى أوعدكم مغانم اخرى او عطفا على هذه يعنى عجل لكم مغانم اخرى بعد هذا او يفعل محذوف يفسره قد أحاط اللّه بها يعنى قضى لكم مغانم اخرى و على التقادير كلها قوله تعالى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها صفة اخرى و جاز ان يكون اخرى مرفوعا على الابتداء و لم تقدروا عليها صفة له و قوله تعالى قَدْ أَحاطَ اللّه بِها خبر المبتدا او يكون لم تقدروا عليها خبر المبتدا و قد أحاط اللّه حال من الضمير فى عليها و المراد بمغانم فارس و الروم و ما كانت العرب يقدر على قتال فارس و الروم و كان قولا لهم حتى قدروا عليها بالإسلام كذا قال ابن عباس و الحسن و المقاتل و قال قتادة هى مكة و قال عكرمة حنين

و قال مجاهد كل ما فتح اللّه بعد ذلك و قد أحاط اللّه بها اى استولى فاظفركم او أحاط اللّه بها علما ان يفتحها لكم وَ كانَ اللّه عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيراً و ان لم تقدروا عليها.

٢٢

وَ لَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا من اهل مكة و لم يصالحوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا يحرسهم وَ لا نَصِيراً ينصرهم.

٢٣

سُنَّةَ اللّه منصوب على المصدرية يعنى سن اللّه سنة غلبة أوليائه و أنبيائه على أعدائه قال اللّه تعالى لاغلبن انا و رسلى و قال ان حزب اللّه هم المفلحون ان حزب اللّه هم الغالبون الَّتِي قَدْ خَلَتْ اى مضت تلك السنة قديما فى الأمم السابقة مِنْ قَبْلُ هذا وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللّه تَبْدِيلًا تغيرا.

٢٤

وَ هُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ يعنى كفار مكة عَنْكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ قدمو فيما سبق من حديث انس ان ثمانين رجلا من اهل مكة و فى رواية سبعين هبطوا من جبل التنعيم فاخذوا فعفى النبي صلى اللّه عليه و سلم عنهم فنزلت هذه الاية و من حديث عبد اللّه بن مغفل و فيه إذ خرج علينا ثلثون شابا الحديث و من حديث مسلم بن اكوع اخترطت سيفى على اربعة الحديث وَ كانَ اللّه بِما تَعْمَلُونَ قرأ ابو عمرو بالياء على الغيبة و الضمير راجع الى الكفار و الباقون بالتاء على الخطاب للمؤمنين بَصِيراً فيجازى كلا على حسب ما فعل.

٢٥

هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا يعنى اهل مكة وَ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ان تطوفوه وَ الْهَدْيَ و هى ما يهدى الى مكة من الإبل و البقر و الشاة مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ الهدى معطوف على الضمير المنصوب فى صدوكم و ان يبلغ معطوف على عن المسجد الحرام فتقدير عن من قبيل العطف على معمولى عامل واحد بحرف واحد و جاز ان يكون ان يبلغ متعلقا بمعكوفا بتقدير من و معكوفا حال من الهدى مَحِلَّهُ يعنى الحرام فانه موضع حلول اجله احتج الحنفية على انه لا يجوز ذبح الهدايا الا فى الحرم و المحصر يرسل الهدى الى مكة و قد ذكرنا هذه المسألة فى سورة البقرة فى تفسير قوله تعالى فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ... وَ لَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَ نِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ يعنى لم تعرفوهم بأعيانهم لاختلاطهم بالمشركين او لم تعلموهم مؤمنين و رجال مبتداء موصوف بصفات بعد لو لا الامتناعية أَنْ تَطَؤُهُمْ بدل اشتمال من المبتدا بتقدير المضاف و الخبر محذوف يعنى هو موجودين بمكة و جواب لو لا محذوف اغنى عنه جواب لو تزيلوا يعنى لو لا كراهة ان تطؤ المؤمنين عند نصرنا و غلبتكم عليهم لعذبنا الذين كفروا بالقتل و الاسر فَتُصِيبَكُمْ عطف على تطؤهم مِنْهُمْ اى من جهنم مَعَرَّةٌ قال ابن زيد اثم فان قتل الخطأ لا يخلوا عن اثم كما يدل عليه وجوب الكفارة و قال ابن اسحق غرم الدية و قيل الكفارة و قيل معناه الحرب و اطلق هاهنا على المضرة مطلقا تشبيها بالحرب و من المضرة التأسف على قتل المؤمنين و تعيير الكفار بذلك بِغَيْرِ عِلْمٍ متعلق بان تطؤهم او تصيبكم على سبيل التنازع اخرج الطبراني و ابو يعلى عن ابى جمعة جنيد بن سبع قال قاتلت النبي صلى اللّه عليه و سلم أول النهار كافرا و قاتلت معه اخر النهار مسلما و كنا ثلثة رجال و سبع نسوة و فينا نزلت وَ لَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَ نِساءٌ مُؤْمِناتٌ ...

لِيُدْخِلَ اللّه متعلق بمحذوف دل عليه السياق اى كان ذلك المنع من دخول مكة عنوة ليدخل اللّه فِي رَحْمَتِهِ اى فى دينه و جنته مَنْ يَشاءُ من اهل مكة فقدا من كثير من المشركين يوم الفتح و قيل ذلك او المعنى ليدخل اللّه المؤمنين المستضعفين فى رحمة الدنيوية من العافية و طول البقاء لَوْ تَزَيَّلُوا اى تفرقوا و امتاز المسلمون من الكفار لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ اى من اهل مكة فى الدنيا بالقتل و الاسر- عَذاباً أَلِيماً

٢٦

إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا ظرف متعلق بقوله عذبنا او صدوكم او مفعول لمحذوف اى اذكر.

فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حين صدوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن الطواف و أنكروا بسم اللّه الرحمن الرحيم و أنكروا محمدا رسول اللّه قال مقاتل قال اهل مكة قد قتلوا أبنائنا و إخواننا ثم يدخلون علينا فتحدث العرب انهم دخلوا علينا على رغم انفنا و اللات و العزى لا يدخلونها فهذه حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ بدل من الحمية فَأَنْزَلَ اللّه سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حيث اطمئنوا و امتثلوا امر اللّه تعالى فى المنع عن القتال مع قدرتهم عليه وَ أَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى قال ابن عباس و مجاهد و قتادة و الضحاك و عكرمة و السدى و ابن زيد و اكثر المفسرين انها لا اله الا اللّه و اللّه اكبر و قال عطاء ابن ابى رباح هى لا اله الا اللّه وحده لا شريك له له الملك و له الحمد و هو على كل شى ء قدير قال عطاء الخراسانى هى لا اله الا اللّه محمد رسول اللّه و قال الزهري هى بسم اللّه الرحمن الرحيم و المال واحد و اضافة الكلمة الى التقوى لانها سبب التقوى و أساسها و المراد كلمة اهل التقوى المراد بالزامهم إياها ثباتهم عليها بترك الحمية وَ كانُوا أَحَقَّ بِها من كفار مكة وَ أَهْلَها يعنى كانوا أهلها فى علم اللّه تعالى و لذلك اختارهم لتائيد دينه و صحبة نبيه صلى اللّه عليه و سلم و هذه الاية و قوله تعالى لَقَدْ رَضِيَ اللّه عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ يبطل مذهب الروافض حيث يدعون كفر الصحابة رض و نفاقهم دمرهم اللّه تعالى- وَ كانَ اللّه بِكُلِّ شَيْ ءٍ حتى بما أضمره الصحابة رض من الايمان و حب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عَلِيماً و لما وقع الصلح و تقرر الرجوع الى المدينة بغير دخول مكة و قد كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم راى رؤيا ان يدخلها كما ذكرنا فى القصة قال الصحابة رض اين روياك يا رسول اللّه فنزلت.

٢٧

لَقَدْ صَدَقَ اللّه رَسُولَهُ الرُّؤْيا كذا ذكر البيهقي و غيره عن مجاهد و الجملة جواب قسم محذوف أورد بصيغة الماضي و المراد به المستقبل ليدل على القطع فى وقوعه قال الجوهري الصدق و الكذب يكونان فى القول يعنى الخبر إذا طابق الواقع كان صدقا و الا كذبا و يستعملان فى الفعل ايضا فالصدق بمعنى التحقيق قال اللّه تعالى رجال صدقوا ما عاهدوا اللّه يعنى حققوا العهد و فى هذه الآية ايضا صدق فعل يعنى حقق اللّه رؤيا الرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و على هذا الرؤيا بدل اشتمال من رسوله و جاز ان يكون رسوله منصوبا بنزع الخافض يعنى حقق لرسوله الرؤيا ايضا قال الجوهري الصدق قد يتعدى الى مفعولين قال اللّه تعالى لقد صدقكم اللّه وعده و على هذا رسوله المفعول الاول و الرؤيا مفعوله الثاني و

قال البيضاوي معناه صدقه فى رؤياه قال فى المدارك حذف الجار و أوصل الفعل- بِالْحَقِّ اى متلبسا بالحق اى الحكمة البالغة حال من الرؤيا او صفة لمصدر محذوف اى صدقا متلبسا بالحق و هو القصد الى التمييز بين الثابت على الايمان و المتزلزل فيه و جاز ان يكون بالحق قسما اما باسم اللّه تعالى او بنقيض الباطل و جوابه لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ و على الأولين هذا ما قسم محذوف و قال ابن كيسان لتدخلن من قول رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لاصحابه حكاية عن روياه فاخبر اللّه تعالى عن رسوله انه قال ذلك و جاز ان يكون من قول ملك الرؤيا حكاه اللّه تعالى و على التقديرين تقييده إِنْ شاءَ اللّه مع كون الرسول صلى اللّه عليه و سلم و الملك على يقين منه تادبا بآداب اللّه تعالى حيث قال اللّه تعالى و لا تقولن لشى ء انى فاعل ذلك غدا الا ان يشاء اللّه قال ابو عبيدة ان بمعنى إذ مجازه إذ شاء اللّه و قال الحسين بن الفضيل يجوز ان يكون الاستثناء من الدخول لان بين الرؤيا و تصديقها كانت سنة و قد مات فى تلك السنة فمجاز الاية ليدخلن المسجد الحرام كل واحد منكم إنشاء اللّه آمِنِينَ حال من فاعل لتدخلن و الشرط مفترض مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَ مُقَصِّرِينَ يعنى محلقين قوم منكم جميع شعور رؤسهم و مقصرين آخرين بعض شعورها حالان من الضمير فى امنين او حال مقدرة من فاعل لتدخلن لا تَخافُونَ حال مؤكدة لامنين او استيناف يعنى لا تخافون بعد ذلك فَعَلِمَ الفاء للسببية عطف على محذوف تقديره اخر الدخول لحكمة فعلم من الحكمة فى التأخير ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ عطف على اخر المقدر مِنْ دُونِ اى اقرب من ذلِكَ الدخول فَتْحاً قَرِيباً يعنى فتح خيبر او صلح الحديبية.

٢٨

هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى اى متلبسا به او السببية او لاجله وَ دِينِ الْحَقِّ اى دين الإسلام لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ يعنى جنس الأديان كلها بنسخ ما كان حقا و اظهار فساد ما كان باطلا بالحجج و الآيات او بتسليط المسلمين على أهلها فى وقت من الأوقات وَ كَفى بِاللّه الباء زائدة شَهِيداً حال من اللّه او تميز من النسبة يعنى كفى اللّه شاهدا او كفى شهادة اللّه على ما وعد من الفتح او على رسالة الرسول بإظهار المعجزات على يديه و فى هذه الاية تأكيد لما وعد من دخول المسجد الحرام و كلتاهما تاكيدان لقوله تعالى إِنَّا فَتَحْنا لَكَ و ما بينهما معترضات.

٢٩

مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللّه جملة مبنية للمشهود به و يجوز ان يكون رسول اللّه صفة و محمد خبر مبتداء محذوف اى هو الذي أرسله بالهدى محمد او مبتدأ و قوله تعالى وَ الَّذِينَ مَعَهُ معطوف عليه و ما بعده خبرهما و الموصول مبتداء و ما بعده خبره و الجملة معطوف على الجملة أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ امتثالا لامر اللّه تعالى حيث قال يا ايها النبي جاهد الكفار و المنافقين و اغلظ عليهم و قال لا تأخذكم بهما رافة فى دين اللّه و قال و من يتولهم منكم فانه منهم و أمثال ذلك كثيرة رُحَماءُ بَيْنَهُمْ يعنى يتراحمون فيما بينهم و يتوادون حبا للّه و لرسوله فان محب المحبوب محبوب فى الحديث القدسي اين المتحابون فى جلالى اليوم أظلهم تحت ظلى يوم لا ظل الا ظلى رواه مسلم عن ابى هريرة مرفوعا- و سيجيئ قوله صلى اللّه عليه و سلم من أحبهم فبحبى أحبهم و نظير هذه الاية قوله تعالى أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ رغم انف الروافض الذين يزعمون ان اصحاب محمد كانوا يتباغضون بينهم تَراهُمْ يا محمد رُكَّعاً سُجَّداً لاشتغالهم بالصلوة فى كثير من الأوقات فان الصلاة معراج المؤمنين حالان مترادفان من ضمير المنصوب فى ترهم و كذلك يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللّه الثواب بالجنة و روية اللّه تعالى وَ رِضْواناً منه تعالى سِيماهُمْ علامتهم فِي وُجُوهِهِمْ مبتداء و خبر و الجملة خبر لما سبق مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ط حال من الضمير المستكن فى الظرف قال قوم هو نور و بياض وجوههم يوم القيامة يعرفون به انهم سجدوا فى الدنيا و هى رواية العوفى عن ابن عباس و قال عطار بن ابى رباح و الربيع بن انس استنارت وجوههم فى الدنيا من كثرة الصلاة و قال شهر بن حوشب يكون مواضع السجود من وجوههم كالقمر ليلة البدر يعنى فى الاخرة و قال قوم هو السمت الحسن و الخشوع و التواضع و هى رواية الوالبي عن ابن عباس و هو قول مجاهد و قال الضحاك صفرة الوجه من السهر و قال الحسن إذا راتهم حسبتهم مرضى و ما هم مرضى و قال عكرمة و سعيد بن جبير هو اثر التراب على الجباه- و قال ابو العاليه لانهم كانوا يسجدون على التراب دون الأثواب يعنى تواضعا ذلِكَ المذكور مَثَلُهُمْ صفتهم فِي التَّوْراةِ

قال البغوي هاهنا تم الكلام- ثم ذكر اللّه سبحانه ما فى الإنجيل من نعتهم فقال وَ مَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ إلخ و جاز ان يكون مثلهم فى الإنجيل معطوفا على مثلهم فى التوراة يعنى ذلك مذكور فى الكتابين و يكون قوله تعالى كَزَرْعٍ إلخ تمثيلا مستانفا و جاز ان يكون ذلك الاشارة مبهمة يفسرها قوله تعالى كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ الجملة مع ما عطف عليه صفات زرع قرا ابن كثير و ابن ذكوان بفتح الطاء و الباقون بإسكانها و هما لغتان بمعنى فروع الزرع اى أول ما خرج من الحب فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ اى صار من الرقة الى الغلظ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ جمع ساق قرا ابن كثير سئوقه بالهمزة و الباقون بغير الهمزة يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ بكثافته و غلظه و قوته و حسن منظره هذين المثلين ضربهما اللّه تعالى لاصحاب محمد صلى اللّه عليه و سلم لكن الاول منهما يصدق على غير الصحابة ايضا من خيار الامة و الثاني منهما مختص بالصحابة لا يشارك فيه أحد غيرهم فان اللّه سبحانه أرسل محمدا صلى اللّه عليه و سلم وحده كالزراع بذر فى الأرض فامن به ابو بكر و على و بلال و رجال متعددون بعدهم منهم عثمان و طلحة و الزبير و السعد و سعيد و حمزة و جعفر و غيرهم حتى كان عمر متمم أربعين رجلا كزرع اخرج شطأه فكان الإسلام فى بدوّ الأمر غريبا كاد الكفار يكونون عليه لا محائه لبدا لو لا حماية اللّه تعالى فازره اللّه تعالى بمجاهدات الصحابة من المهاجرين و الأنصار حين سقوا زرع الدين بدمائهم فى حيوة النبي صلى اللّه عليه و سلم و بعد وفاته لا سيما فى خلافة ابى بكر و عمر فاستوى الدين على سوقه و ظهر على الدين كله و استغنى عن حماية غيرهم بحيث يعجب الزراع حتى قال اللّه تعالى الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً- و قال عليه الصلاة و السلام لا يجتمع أمتي على الضلالة و قال لا يزال من أمتي قائمة بامر اللّه لا يضرهم من خذلهم و من خالفهم و لاجل هذه الخصوصية سبقوا فى مضمار الفضل على كل سابق بحيث لا يمكن لاحد من الا فاضل ان يبلغ درجة اى منهم حتى قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا تسبوا أصحابي فلو ان أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم و لا نصفه متفق عليه من حديث ابى سعيد الخدري و روى احمد نحوه من حديث انس و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما من أصحابي يموت بأرض الا بعث قايدا و نور الهم يوم القيامة رواه الترمذي عن بريدة و هذه الخصوصية هى مادة الفضل غالبا فيما بين الصحابة فمن كان اسبق ايمانا كابى بكر او اكثر موازرة للدين حين ضعفه كعمر كان أفضل ممن ليس كذلك- قال اللّه تعالى لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَ قاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَ قاتَلُوا وَ كُلًّا وَعَدَ اللّه الْحُسْنى و قال اللّه تعالى السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَ الْأَنْصارِ و قد استوفيا فضايل الصحابة عموما و خصوصا و نقلا و عقلا فى السيف المسلول و اللّه تعالى اعلم-

قال البغوي هذا مثل ضربه اللّه عز و جل لاصحاب محمد صلى اللّه عليه و سلم فى الإنجيل انهم يكونون قليلا ثم يزدادون و يكثرون قال قتادة مثل اصحاب محمد فى الإنجيل مكتوب انه سيخرج قوم ينبتون نبات الزرع يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر و قيل الزرع محمد و الشطأة أصحابه و المؤمنون- و روى عن مبارك بن فضالة عن الحسن قال محمد رسول اللّه و الذين معه ابو بكر أشداء على الكفار عمر بن الخطاب رحماء بينهم عثمان بن عفان ترهم ركعا سجدا على بن ابى طالب يبتغون فضلا من اللّه و رضوانا- بقية العشرة المبشرة بالجنة كمثل زرع محمد صلى اللّه عليه و سلم اخرج شطأه ابو بكر فازره عمر فاستغلظ عثمان للاسلام فاستوى على سوقه على بن ابى طالب استقام الإسلام بسيفه يعجب الزراع- فى المدارك عن عكرمة اخرج شطأه بابى بكر إلخ نحو ما ذكر و اللّه تعالى اعلم-

قال البغوي قال عمر لاهل مكة بعد ما اسلم لا يعبد اللّه سرّا بعد هذا اليوم لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ط الضمير فى بهم عايد الى الذين معه او الى شطأ من حيث المعنى فان المراد بالشطأ الذي خرج بعد الزرع الداخلون فى الإسلام و الجار و المجرور متعلق بمحذوف دل عليه السياق يعنى جعلهم اللّه أشداء و رحماء و كثرهم و قويهم و قوى بهم الإسلام ليغيظ بهم الكفار يعنى غيظا للكافرين قال انس بن مالك رض من أصبح و فى قلبه غيظ على اصحاب محمد صلى اللّه عليه و سلم فقد أصابته هذه الاية و عن عبد اللّه بن مغفل المزني قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اللّه اللّه فى أصحابي اللّه اللّه لا تتخذوهم غرضا من بعدي فمن أحبهم فبحبى أحبهم و من ابغضهم فببغضى ابغضهم و من اذاهم فقد آذاني و من آذاني فقد أذى اللّه و من أذى اللّه فيوشك ان يأخذه رواه الترمذي و قال هذا حديث غريب و عن ابن عمر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان سرك ان تكون من اهل الجنة فان قوما ينتحلون حبك يقرؤن لا يجاوز تراقيهم نبزهم الرافضة فان أدركتهم فجاهدهم فانهم مشركون- رواه البغوي و الدارقطني و فى اسناده نظر- و قد ورد فى فضائل الصحابة عموما و خصوصا مالا يكاد يحصى-

وَعَدَ اللّه الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ كلمة من للبيان و الضمير يعود الى ما يعود اليه ضمير بهم

مَغْفِرَةً وَ أَجْراً عَظِيماً تنكير مغفرة و اجر للتعظيم و قد انعقد الإجماع على ان الصحابة كلهم عدول و كلهم مغفور لهم- و اللّه اعلم.

﴿ ٠