سُورَةُ قۤ مَكِّيَّةٌ وَهِيَ خَمْسٌ وَأَرْبَعُونَ آيَةً مكيّة و هى خمس و أربعون اية و ثلث ركوعات بِسْمِ اللّه الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ربّ يسّر و تمّم بالخير. _________________________________ ١ ق قف و الصحيح انه من الحروف المقطعة فقيل اسم للسورة و قيل اسم من اسماء القران و قال القرطبي هو مفتاح اسم اللّه القدير و القادر و القاهر و القريب و القابض و قيل اشارة الى قضى الأمر او قضى ما هو كائن و الحق انه رمز بين اللّه و رسوله صلى اللّه عليه و سلم لا يعلم تأويله الا اللّه و بعض الراسخين فى العلم و قد مر الكلام فى أوائل سورة البقرة قال قال عكرمة و الضحاك هو جبل محيط بالأرض من زمردة خضر من خضر السماء و السماء مقبية عليه و عليه كتفاها يقال هو وراء الحجاب الذي تغيب الشمس من ورائه بمسيرة سنة وَ الْقُرْآنِ الواو للقسم و قال ابن عباس كلمة ق قسم يعنى حذف حرف القسم بايصال الفعل اليه او إضماره و هذا الواو للعطف الْمَجِيدِ اى ذو المجد و الشرف على سائر الكتب او لكونه كلام المجيد او لانه من تعلمه و علم معانيه و امتثال أحكامه بمجد و جواب القسم محذوف تقديره لقد صدق الرسول المنذر لتبعثن او نحو ذلك و قيل جوابه قوله تعالى و ما يلفظ من قول و قيل قد علمنا و قال اهل الكوفة جوابه. ٢ بَلْ عَجِبُوا بمعنى قد عجبوا اى كفار مكة و على التقدير الاول هذا معطوف على محذوف تقديره و القران المجيد لقد صدق الرسول و قد أنكره الكفار بل عجبوا أَنْ جاءَهُمْ منصوب بنزع الخافض يعنى عجبوا من ان جاءهم مُنْذِرٌ مِنْهُمْ ليعجبهم مما ليس هو بعجب و هو ان تنذرهم أحد من جنسهم او من قومهم ممن عرفوا عدالته و اعترفوا بها و من كان كذلك لا يكون الا ناصحا لقومه خايفا عليهم ان ينالهم مكروه و إذا علم ان امرا مخافا أظلهم لزمه ان ينذرهم فكيف ما هو غاية المخاف و قد قال لهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا اجتمع اليه بطون قريش ارايتكم ان أخبرتكم ان خيلا يخرج بالوادي يريد ان يغير عليكم انكم مصدقى قالوا نعم ما جربنا عليك إلا صدقا قال فانى نذير لكم بين يدى عذاب شديد الحديث متفق عليه من حديث ابن عباس فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْ ءٌ عَجِيبٌ و الفاء للتفسير فهو بيان لتعجبهم و هذا اشارة الى اختيار اللّه تعالى محمدا صلى اللّه عليه و سلم للرسالة و إضمار ذكرهم فى عجبوا او إظهاره هاهنا للتسجيل على كفرهم بذلك و جاز ان يكون الفاء للتعقيب و هذا اشارة الى البعث بعد الموت فهو عطف لتعجبهم مما انذروا به على عجبهم ببعث المنذر و للمبالغة فى انكار هذا التعجب وضع المظهر موضع المضمر فانهم مع علمهم بقدرة اللّه تعالى على خلق السموات و الأرض و ما بينهما أول مرة و إقرارهم بالنشأة الاول أنكروا النشأة الاخرى مع شهادة العقل بانه لا بد من الجزاء و جاز ان يكون عذا اشارة الى المبهم يفسره. ٣ أَ إِذا مِتْنا وَ كُنَّا تُراباً ج الظرف متعلق بمحذوف دل عليه ما بعده تقديره أ نرجع الى الحيوة إذا متنا و صرنا ترابا ذلِكَ الرجع رَجْعٌ بَعِيدٌ عن الوهم و العادة او الإمكان و انما أورد هذا اولا مبهما و ثانيا مفسرا لانه ادخل فى الإنكار او الاول استبعاد لان يتفضل عليهم مثلهم و الثاني استقصاء بقدرة اللّه تعالى عما هو أهون عليه مما يشاهدون من صنعه ثم رد اللّه تعالى انكارهم للبعث فقال. ٤ قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ ج يعنى ما يأكل الأرض من أجسادهم بعد الموت يعنى لا يغرب من علمنا شى ء فلا يتعذر علينا جمع ما نقص منها و بعثهم بعد الموت و من قال هذه الجملة جواب للقسم قالوا للام محذوف لطول الكلام- وَ عِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ اى محفوظ من الشياطين و من ان يندرس و يتغير و قيل معناه حافظ التفاصيل الأشياء يعلم به من عنده من الملائكة و هذه الجملة حال من فاعل علمنا ثم رد اللّه تعالى انكارهم نبوة النبي صلى اللّه عليه و سلم فقال. ٥ بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ يعنى النبوة الثابتة بالمعجزات إضراب من الاضراب الاول فان التكذيب بالشي ء الثابت بالادلة القطعية فوق من التعجب و الاستبعاد لَمَّا جاءَهُمْ ظرف متعلق بكذبوا فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ الفاء للسببية المريج المضطرب الملتبس فان تكذيبهم سبب لاضطرابهم فى القول قال قتادة و الحسن من ترك الحق مرج عليه امره و التبس عليه دينه و ذكر الزجاج معنى اختلاط أمرهم انهم يقولون مرة شاعر و مرة ساحر و مرة معلم و مرة مجنون و مرة مفتر و الأقوال متناقصة غالبا تم رد تكذيبهم و ارشدهم الى الاستدلال على قدرته على البعث بخلق العالم فقال. ٦ أَ فَلَمْ يَنْظُرُوا الهمزة للانكار و التوبيخ و الفاء للعطف على محذوف تقديره اكذبوا بالبعث فلم ينظروا حين كذبوا به إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ حال من السماء او ظرف متعلق بلم ينظروا كَيْفَ حال من مفعول بَنَيْناها و رفعناها بلا عمد وَ زَيَّنَّاها بالكواكب و جملتى بنيناها و زيناها بتأويل المفرد بدل من السماء و الاستفهام بكيف للتقرير و المعنى الم ينظروا الى بنائنا السماء فوقهم و تزيينا إياها بالكواكب متكيفة بكيفية بديعة راسخة وَ ما لَها مِنْ فُرُوجٍ اى شقوق و من زايدة و الجملة حال من مفعول بنيناها اى كابنة على حال ليس لها عيوب و شقوق. ٧ وَ الْأَرْضَ منصوب بفعل مقدر يفسره مَدَدْناها بطناها و الجملة معطوفة على بنينها فان قيل جملة بنينها بتأويل المفرد بدل من السماء كما ذكرنا و لا يتصور ذلك فى المعطوف قلنا فى الكلام حذف و إضمار تقديره اما ان يقال أ فلم ينظروا الى السماء فوقهم كيف بنيناها و الى الأرض تحتهم كيف مددناها و اما ان يقال و الأرض مددناها تحتها و جاز ان يقال الجملة بتأويل المفرد معطوفة على السماء و المعنى الم ينظروا الى مددنا الأرض وَ أَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ اى جبال ثوابت وَ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ اى من كل صنف من النباتات بَهِيجٍ حسن ذا بهجة و سرور. ٨ تَبْصِرَةً وَ ذِكْرى منصوبان على العلة الفائية فان المقصود من خلق الأشياء كونها تبصرة و ذكرى دالة على وجود الخالق القديم القدير العليم الواجب وجوده و صفاته الكمال المنزه عن النقص و الزوال لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ راجع الى ربه بالتفكر فى خلقه خص هذا لعبد لكونه هو المنتفع به. ٩ وَ نَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً كثير النفع فَأَنْبَتْنا بِهِ اى بذلك الماء فى الأرض جَنَّاتٍ بساتين وَ حَبَّ الْحَصِيدِ اضافة العام الى الخاص على طريقة حق اليقين و كل الدراهم و عين الشي ء يعنى الحب الذي يحصد كالبر و الشعير و نحو ذلك مما يزرع و يقتات به و انما خص الحب باضافة الى الحصيد لان المقصود من الحبوب و المنتفع به كمال الانتفاع ما يحصد و يقتات به و قيل هذه الاضافة من قبيل مسجد الجامع و صلوة الاولى بتأويل الصلاة الجامع و صلوة الساعة الاولى فالمعنى حب الزرع الذي من شانه ان يحصد كالبر و الشعير و نحوهما. ١٠ وَ النَّخْلَ معطوف على جنات باسِقاتٍ طويلات او حاملات من بسقت الشاة إذا حملت أفردها بالذكر لكثرة منافعها و فرط ارتفاعها قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان من الشجر شجرة لا تسقط ورقها و ان مثلها كمثل المسلم فانبئونى ما هى فوقع الناس فى شجر البوادي فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم هى النخلة رواه البخاري من حديث ابن عمرو قال عليه الصلاة و السلام أكرموا عمتكم النخل فانها خلقت من فضلة طينة أبيكم آدم و ليس من الشجر شجرة أكرم على اللّه من شجرة ولدت تحتها مريم بنت عمران فاطعموا نساءكم الولد الرطب فان لم يكن رطب فتمر رواه ابن ابى حاتم و ابو يعلى فى مسنده و ابن عدى فى الكامل و العقيلي و ابن انسى و ابو نعيم فى الطب و ابن مردوية عن على رض لَها طَلْعٌ اى ثمر و محل مسمى بذلك لانه تطلع و الطلع أول ما يظهر من قبل ان ينشق نَضِيدٌ منضود بعضه فوق بعض و المراد تراكم الطلع او كثرة ما فيه من الثمر جملة لها طلع نضيد حال ثان من النخيل. ١١ رِزْقاً لِلْعِبادِ علته للانبات او مصدر من غير لفظه فان الإنبات رزق وَ أَحْيَيْنا بِهِ اى بالماء عطف على أنبتنا بَلْدَةً مَيْتاً اى أرضا جدبة لانماء لها كَذلِكَ اى مثل ذلك الخروج للنبات من الأرض بعد سببها الْخُرُوجُ للاموات من القبور فى الصحيحين عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما بين النفخين أربعون قالوا يا أبا هريرة أربعون يوما قال أبيت قالوا أربعون شهرا قال أبيت قالوا أربعون سنة قال أبيت ثم ينزل اللّه من السماء فينبتون كما ينبت البقل و ليس من الإنسان شى ء الا يبلى إلا عظما واحدا و هو عجب الذنب منه يركب الخلق يوم القيامة و اخرج ابن ابى داود نحوه و فيه ما بين النفختين أربعون عاما و اخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس قال يسيل واد من تحت العرش من ماء فيما بين الصيحتين و مقدار ما بينهما أربعون عاما فينبت منه كل خلق بلى من انسان او طيرا و دابة و لو مر عليهم ما رقد عرفهم قبل ذلك ما عرفهم على وجه الأرض فينبتون ثم يرسل الأرواح فيزوج بالأجساد و ذلك قوله تعالى إِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ و اخرج احمد و ابو يعلى و البيهقي عن انس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يبعث الناس يوم القيامة و السماء طش عليهم ثم أورد تسليته للنبى صلى اللّه عليه و سلم و وعيدا للكافرين بمثل ما أصاب أمثالهم بقوله. ١٢ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ اى ذو طش اى قبل كفار مكة قَوْمُ نُوحٍ انذر قومه الف سنة الا خمسين عاما فكذبوه فاخذهم الطوفان و هم ظالمون و أنجاه اللّه و من أمن معه فى الفلك المشحون وَ أَصْحابُ الرَّسِّ فى القاموس الرس ابتداء الشي ء و البير المطوية بالحجارة و بير كانت لبقيته من ثمود كذبوا نبيهم درسوه فى بير و الحفر و دفن الميت و قال البغوي الرس البير و كل ركية لم تطو بالحجارة و الاجر فهو رس و قيل الرس المعدن و الجمع رسائس و اختلفوا فى اصحاب الرس فقال بعضهم كما قال صاحب القاموس هم بقية ثمود و قال البغوي روى ابو روق عن الضحاك ان بيرا كان بحضر موت فى بلدة يقال لها حاصورا و ان اربعة آلاف ممن أمن لصالح نجوا من العذاب فاتوا بحضر موت معهم صالح فلما حضروه مات صالح فسمى حضر موت لان صالحا لما حضره مات فبنوا حاصورا و قعدوا على هذا البير و أمروا عليهم رجلا فاقاموا دهرا و تناسلوا حتى كثروا ثم عبدوا الأصنام و كفروا فارسل اللّه إليهم نبيا يقال له حنظلة بن صفوان و كان حمالا فيهم فقتلوه فى السوق فاهلكهم اللّه و عطلت بيرهم و خربت قصورهم و فيهم قال اللّه تعالى وَ بِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَ قَصْرٍ مَشِيدٍ قال سعيد بن جبير كان لاصحاب الرس نبى يقال له حنظلة بن صفوان فقتلوه فاهلكهم اللّه و قال وهب بن منبه كانوا اهل بير و اصحاب مواش يعبدون الأصنام فوجه اللّه إليهم شعيبا عليه السلام يدعوهم الى الإسلام فتمادوا فى طغيانهم و فى أذى شعيب عليه السلام فبيناهم حول البير فى منازلهم انهارت البير فخسف اللّه بهم و بديارهم و رباعهم فهلكوا جميعا و قال قتادة و الكلبي الرس بير بفلج اليمامة قتلوا نبيهم فاهلكهم اللّه عز و جل و قال كتب و المقاتل و السدى الرس بير بانطاكية قتل فيها حبيب النجار و هم الذين ذكرهم فى سورة يسين و قيل هم اصحا ب أخدود الذين حفروها و قال عكرمة هم رسوا نبيهم فى البير وَ ثَمُودُ كذبت المرسلين إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالِحٌ أَ لا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللّه وَ أَطِيعُونِ ... قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فجاء بناقة عشر أخرجت من صخرة فولدت ولدا مثلها و و كانت تشرب الماء كله يوما و تذر يوما فقال صالح هذه ناقة لها شرب و لكم شرب يوم معلوم و لا تمسوها بسوء فياخذكم عذاب يوم عظيم- فعقروها فاصبحوا نادمين فقال لهم صالح تمتعوا فى داركم ثلثة ايام ذلك وعد غير مكذوب فانجى اللّه صالحا و الذين أمنوا معه و أخذت الذين ظلموا الصيحة فاصبحوا فى ديارهم جاثمين. ١٣ وَ عادٌ كذبت المرسلين إذ قال لهم أخوهم هود الا تتقون انى لكم رسول أمين فاتقوا اللّه و أطيعون فاهلكوا بريح صرصر عاتية سخرها عليهم سبع ليال و ثمانية ايام حسوما فصاروا صرعى كانهم اعجاز نخل خاوية وَ فِرْعَوْنُ و قومه العمالقة بعث اللّه اليه موسى و هارون و قال اذهب الى فرعون انه طفى فقل هل لك الى ان تزكى و أهديك الى ربك فتخشى فاراه الاية الكبرى- القى عصاه فاذا هى حية تسعى و ادخل يده فى جيبه خرجت بيضاء من غير سوء اية اخرى فكذب و تولى و قال انا ربكم الأعلى فاوحى اللّه الى موسى ان اسر بعبادي ليلا و اضرب بعصاك البحر فكان كل فرق كالطود العظيم فسار فى البحر موسى ببني إسرائيل و أنجى اللّه موسى و بنى إسرائيل و اتبعهم فرعون و جنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم فلما أدركه الغرق قال امنت انه لا اله الّا الذي امنت به بنو إسرائيل و انا من المسلمين فقال اللّه تعالى الان و قد عصبت من قبل و كنت من المفسدين فاليوم ينجيك ربك لتكونن لمن خلفك اية وَ إِخْوانُ لُوطٍ كذبوا المرسلين إذ قال لهم أخوهم لوط الا تتقون انى لكم رسول أمين فاتقوا اللّه و أطيعون أ تأتون الذكر ان من العالمين و تذرون ما خلق لكم ربكم بل أنتم قوم عادون قالوا لئن لم تنته يا لوط لتكونن من المخرجين قال انى لعملكم من القالين فانجاه اللّه و اهله الا امرأته كانت من الغابرين و أمطر اللّه عليهم حجارة من طين مسومة عند ربك للمسرفين. ١٤ وَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ كذب المرسلين إذ قال لهم شعيب الا تتقون انى لكم رسول أمين فاتقوا اللّه و أطيعون أوفوا الكيل و لا تكونوا من المخسرين و زنوا بالقسطاس المستقيم و لا تبخسوا الناس أشياءهم و لا تعثوا فى الأرض مفسدين قالوا انما أنت من المسحرين و ما أنت الا بشر مثلنا و ان نظنك لمن الكاذبين فاسقط علينا كسفا من السماء ان كنت من الصادقين فكذبوه فاخذهم عذاب يوم الظلة إذ كانوا فى حر شديد و كانوا يدخلون الا سراب فاذا دخلوها وجدوها أشد حرا فاظلهم اللّه سبحانه و هى الظلة فاجتمعوا إليها فامطرت عليهم نارا فاحترقوا وَ قَوْمُ تُبَّعٍ ط قال البغوي قال قتادة هو تبع الحميرى كان من ملوك اليمن و كان سار بالجيوش حتى حير الحيرة و بنى سمرقند سمى تبعا لكثرة اتباعه و كل واحد منهم سمى تبعا لانه يتبع صاحبه و كان هذا الملك يعبد النار فاسلم و دعا قومه الى الإسلام فكذبوه ذكر محمد بن اسحق و غيره عن عكرمة عن ابن عباس و غيره قالوا كان تبع الاخر و هو ابو كرب اسعد بن مليك بن يكرب حين اقبل من المشرق و جعل طريقه على المدينة و قد كان حين مر بها خلف بين أظهرهم ابنا له فقتل غيلة فقدمها و هو مجمع لاخرابها و استيصال أهلها فجمع له هذا الحي من الأنصار حين سمعوا ذلك من امره فخرجوا لقتاله فكان الأنصار يقاتلونه بالنهار و يقرونه باللّيل فاعجبه ذلك و قال ان هؤلاء لكرام فبينما هو كذلك إذ جاءه حبران اسمهما كعب و اسد من أحبار بنى قريظة عالمان و كانا ابني عم حين سمعا ما يريد من إهلاك المدينة و أهلها فقالا له ايها الملك لا تفعل فانك ان أبيت الا ما تريد حيل بينك و بينها و لم نامن عليك عاجل العقوبة فانها مهاجر بنى يخرج من هذا الحي من قريش اسمه محمد صلى اللّه عليه و سلم مولده مكة و هذه دار هجرته و منزلك الذي أنت به يكون به من القتل و الجراح امر كبير فى أصحابه و فى عدوهم قال تبع من يقاتله و هو نبى قالا يسير اليه قومه فيقتتلون هاهنا فتناهى لقولهما عما كان يريد بالمدينة ثم انهما دعواه الى دينهما فاجابهما و اتبعهما على دينهما و أكرمهما و انصرف عن المدينة و خرج بهما و نفر من اليهود عامدين الى اليمن فاتاه فى الطريق نفر من هذيل و قالوا انا ندلك على بيت فيه كنز من لؤلؤ و زبرجد و فضة قال اى بيت قالوا بيت بمكة و انما تريد هذيل هلاكه لانهم عرفوا انه لم يرده أحد قط بسوء الا هلك فذكر ذلك للاحبار فقالوا ما نعلم للّه فى الأرض بيتا غير هذا البيت فاتخذه مسجد او انسك عنده و انحروا حلق راسك و ما أراد القوم إلا هلاكك لانه ما ناوأه أحد قط إلا هلك فاكرمه و اصنع عنده ما يصنع اهله فلما قالوا له ذلك أخذ النفر من هذيل فقطع أيديهم و أرجلهم و سمل أعينهم ثم صلبهم فلما قدم مكة نزل الشعب شعب البطائح و كسا البيت الوصائل و هو أول من كسى البيت و نحر بالشعب ستة آلاف بدنة و اقام به ستة ايّام و طاف به و حلق و انصرف فلما دنى من اليمن ليدخلها حالت حمير بين ذلك و بينه و قالوا لا تدخل علينا و قد فارقت ديننا فدعاهم الى دينه و قال انه دين خير من دينكم قالوا فحاكمنا الى النار و كانت باليمن نار فى أسفل جبل يتحاكمون إليها فيما يختلفون فيه فتاكل الظالم و لا تضر المظلوم قال تبع أنصفتم فخرج القوم باوثانهم و ما يتقربون به فى دينهم و خرج الحبران بمصاحفهما فى أعناقهما حتى قعدوا للنار عند مخرجها الذي تخرج منه فخرجت النار فاقبلت حتى غشيتهم فاكلت الأوثان و ما قربوا معها و من حمل ذلك من رجال حمير و خرج الحبران بمصاحفهما فى أعناقهما يتلوان التوراة تعرق جباهما لم تضرهما و نكصت النار حتى رجعت الى مخرجها الذي خرجت منه فاصفقت عند ذلك حمير على دينهما فمن هنالك كان اصل اليهودية فى اليمن و ذكر ابو حاتم عن الرقاشي قال كان ابو كرب اسعد الحميرى من التبابعة أمن بالنبي صلى اللّه عليه و سلم قبل ان يبعث بسبعمائة سنة و ذكر لنا ان كعبا كان يقول ذم اللّه قومه و لم يذمه و كانت عائشة تقول لا تسبوا تبعا فانه كان رجلا صالحا و قال سعيد بن جبير هو الذي كسا البيت روى البغوي بسنده عن سهل بن سعد قال سمعت النبي ص يقول لا تسبوا تبعا فانه كان قد اسلم روى البغوي بسنده عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما أدرى تبع أ كان نبيا او غير نبى انتهى كلام البغوي فى سورة الدّخان كُلٌّ اى كل واحدا و كل قوم منهم او جميعهم كَذَّبَ أفرد الضمير للفظة كل الرُّسُلَ أورد صيغة الجمع لان من كذب واحدا فقد كذب جميعهم او لانهم كانوا كلهم لا يومنون باللّه وحده و كانوا ينكرون إرسال الرسل بالطريق الاولى فَحَقَّ وجب و حل وَعِيدِ اى وعيدي اى عذابى الموعود كل ذلك يحل بهؤلاء الكفار مكذبى الرسل اثبت الياء وصلا ورش و الباقون حذفوها فى الحالين. ١٥ أَ فَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ فى القاموس عى بالأمر لم يهتد لوجه مراده او عجز عنه و لم يطلق أحكامه و الهمزة للانكار و الفاء للعطف و التعقيب على مضمون قوله تعالى أَ فَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ قوله تعالى كذبت قبلهم قوم نوح الى آخره معترضات و المستفاد انكار تعقب الخلق ما سبق ذكره و المعنى بنينا السماء بلا فروج و مددنا الأرض و ألقينا فيها رواسى و أنزلنا من السماء ماء فانبتنا بها ما ذكر فلم نعى بخلقها أول مرة كما ترونه تعرفون به كيف نعى بالاعادة و ليس أول الخلق باهون من إعادته و الكفار مع اعترافهم بذلك و قيام الدليل لا يعترفون بالاعادة بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ اى خلط و شبهة و المراد به الشك و اصل اللبس الستر و فى حالة الشك يختلط الحق بالباطل و يستر الحق مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ اى معاد و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال اللّه تعالى كذبنى ابن آدم و لم يكن له ذلك شتمنى و لم يكن له ذلك فاما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدنى كما بدأنى و ليس أول الخلق باهون له علىّ من إعادته و اما شتمه إياي فقوله اتخذ اللّه ولدا و انا اللّه أحد الصمد الذي لم الد و لم اولد و لم يكن لى كفوا أحد رواه البخاري عن ابى هريرة و عن ابن عباس نحوه. ١٦ وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَ نَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ اى تحدث بِهِ نَفْسُهُ صلى الوسوسة الصوت الخفي و المراد ما يخطر بالبال و ما فيما توسوس موصولة و الباء فى به صلة يقال صوت بكذا و الضمير عايد الى ما او مصدرية و الباء للتعدية و الضمير عائد الى الإنسان و نعلم خبر مبتداء محذوف و الجملة الاسمية حال من فاعل خلقنا او مفعوله او كليهما و تقديره و نحن نعلم ما تحدث به نفسه به فان اللّه تعالى خلق الإنسان و وسوسة و لكل شى ء عرض و جوهر و الخلق بالاختيار و الارادة مسبوق بالعلم ضرورة وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ اى الى الإنسان مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ الحبل العرق و إضافته الى الوريد من قبيل شجرة الأراك و يوم الجمعة للبيان و الجملة حال ثان من فاعل خلقنا و الوريد ان عرقان مكتنفان بصفحتى العنق متصلان بالوتين يرد ان من الراس اليه قيل سمى وريد ان لان الروح يرده و اختلف اقوال العلماء فى تصوير هذه الا قربية فقال علماء الظاهر المراد قرب علمه منه قال البيضاوي معناه نحن اعلم بحاله ممن كان اقرب اليه من حبل الوريد ففيه تجوز لقرب الذات لقرب العلم لانه موجبه و حبل الوريد مثل يضرب لكمال القرب يقال الموت ادنى لى من الوريد قال البغوي معناه نحن اعلم به منه لان أبعاضه و اجزائه يحجب بعضها بعضا و لا يحجب عن علم اللّه شى ء و على هذا التأويل يلزم جواز ان يقال الطبيب اقرب الى المريض من حبل الوريد فان المريض لا يعلم بعض أحواله من الصحة و المرض ما يعلمه الطبيب و لو بالاستدلال لا سيما إذا كان شى ء عديم العلم و العقل يعلم بعض أحواله و هو لا يعلم شيئا من احوال نفسه فيجوز ان يقال انا اقرب من السماء من نفسه فالاقتصار فى القول باقر بيته سبحانه الى خلقه بهذا المعنى غير مرضى عندى و قالت الصوفية العلية بل اللّه سبحانه اقرب الى المخلوقات من أنفسها قربا ذاتيا لا زمانيا و لا مكانيا و لا متكيّفا بكيفية أصلا- يدرك ذلك القرب بنور الفراسة لا بالمشاعر او الاستدلال و غاية ما يقال فى هذا المقام ان العالم من حيث انه محتاج فى الوجود و البقاء الى الواجب يشبه نسبته الى الواجب بنسبة الظل الى الأصل فان الظل لا وجود له و لا بقاء الا بوجود أصله فالاصل اقرب الى الظل من نفسه و الواجب اقرب الى الممكن من نفسه بالذات الا ترى ان الممكن ما لم ينتسب الى الواجب لم يجب بالغير و ما لم يجب لم يوجد و ما لم يوجد لا يجوز حمله على نفسه حملا أوليا غلا يقال زيد ما لم يوجد يجوز حينئذ سلبه عن نفسه إذ يشترط وجود الموضوع للحمل الإيجابي و ان كان حملا أوليا فوجود الممكن اقرب الى ذات الممكن من ذاته لجواز سلب الشي ء عن نفسه ما لم يوجد و المراد بالوجود هاهنا ما به الموجودية لا المعنى المصدرية فذات اللّه سبحانه اقرب الى الممكن من ذاته فهو ابعد فى الوجدان و اقرب بالذات و لما كانت الصوفية ينسبون العالم الى دائرة الظلال و الظلال الى الصفات و الصفات الى الذات و فى الظلال مراتب كثيرة كما يدل عليه قوله عليه الصلاة و السلام ان للّه سبعون الف حجاب من نور و ظلمة لو كشفت لا حرقت صبحات وجهه ما انتهى اليه بصره من خلقه و كذا فى الصفات قال اللّه تعالى و لو ان ما فى الأرض من شحرة أقلام و البحر يمده من بعده لسبعة أبحر ما نفدت كلمات اللّه و قال اللّه تعالى ما عندكم ينفد و ما عند اللّه باق فنبأ على هذا- قال المجدد قدس سره العزيز انه سبحانه وراء الوراء ثم وراء الوراء ثم وراء الوراء فى جهته القرب دون البعد يعنى ظلال الصفات اقرب الى الممكن من الممكن و صفات اللّه تعالى اقرب الى الممكن من ذاته و من الظلال و اللّه سبحانه اقرب الى الممكن من ذاته و من الظلال و من الصفات و اللّه تعالى اعلم (فائدة) هذا النوع من القرب المستفاد من هذه الاية يعم الخلائق كلها حتى الكافرين و للّه سبحانه بخواص عباده قرب اخر لا يشارك النوع الاول من القرب الا اشتراكا اسميا لا حقيقيا و ذلك القرب ايضا يدرك بالفراسة الصحيحة و يستفاد من الكتاب و السنة قال اللّه تعالى و اسجد و اقترب و قال اللّه تعالى اللّه معنا ان معى ربى عند ذى العرش مكين عند مليك مقتدر و فى فتدلى فكان قاب قوسين او ادنى و نحو ذلك و قال عليه الصلاة و السلام لا يزال عبدى يتقرب الىّ بالنوافل و نحو ذلك و هذا القرب يسمى بالولاية و لها مراتب لا تعدو لا نحصى و لا يدل عليه كلمة لا يزال و يضاده البعد المختص بالكفار قال اللّه تعالى الا بعد العاد قوم هود الا بعد الثمود الا بعدا للقوم الظالمين-. ١٧ إِذْ يَتَلَقَّى اى يأخذ الملكان الْمُتَلَقِّيانِ الموكلان بالإنسان و مفعول يتلقى محذوف مراد يعنى يتلقى عمله و منطقه يحفظانه و يكتبانه عَنِ الْيَمِينِ وَ عَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ الجار و المجرور متعلق بقعيد و قعيد بدل من المتلقيان و التقدير عن اليمين قعيد و عن الشمال قعيد اى مقاعد كالجليس بمعنى المجالس فحذف الاول لدلالة الثاني عليه و قيل يطلق الفعيل على الواحد و الكثير كقوله تعالى و الملائكة بعد ذلك ظهير و المراد بالقعيد اللازم الذي لا يبرح الا القاعد الذي هو ضد القائم و قال مجاهد القعيد الرصيد و الظرف متعلق با ذكر يعنى اذكر إذ يتلقى او متعلق بأقرب إيذانا بانه تعالى غنى عن استحفاظ الملكين فانه اعلم منهما و مطلع على ما يخفى عليهما لكنه لحكمة اقتضته و الزام حجة يوم يقوم الاشهاد و. ١٨ ما يَلْفِظُ الإنسان من فيه مِنْ قَوْلٍ من زائدة و قول مفعول به إِلَّا لَدَيْهِ ملك رَقِيبٌ يرقب عمله ليكتب عَتِيدٌ حاضر معه الاستثناء مفرغ و المستثنى صفة لقول قال الحسن انما الملئكة يجتنبون الإنسان على حالين عند غايطه و عند جماعة و قال مجاهد يكتبان عليه حتى آتيناه فى مرضه و قال عكرمة لا يكتبان الا ما يوجر عليه او يوزر فيه روى البغوي بسنده عن ابى امامة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كاتب الحسنات على يمين الرجل و كاتب السيئات على يسار الرجل و كاتب الحسنات امير على كاتب السيئات فاذا عمل حسنة كتبها صاحب اليمين عشرا و إذا عمل سيئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال دعه لسبع ساعات لعله يسبح و يستغفر و رواه ابن راهويه فى مسنده و البيهقي فى شعب الايمان لما ذكر اللّه تعالى استبعادهم البعث للجزاء و أزاح ذلك بتحقيق قدرته و علمه ببيان مبدأ خلق العالم من بناء السماء و الأرض و مبدأ خلق الإنسان و معاشه بقوله و لقد خلقنا الإنسان الى هاهنا عقب ذلك قرب الموت و قيام الساعة تهديدا و توعيدا فقال. ١٩ وَ جاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ اى غمرته و شدته التي يغشى الإنسان و يزيل عقله جاء جاءت و ما عطف عليه اعنى نفخ و جاءت و كشفنا و قال بصيغة الماضي و معناه المستقبل للدلالة على قربه و تحقق وقوعه بِالْحَقِّ ط الباء للتعدية و المعنى أحضرت سكرات الموت الأمر المتحقق الثابت فان الدنيا و ما فيها كانها سراب لا تحقق لها و ما كان بعد الموت فهو امر ثابت لا مردّ له او الوعد الحق الذي لا يحتمل تخلفه من الموت او الجزاء فان الإنسان خلق له و جاز ان يكون حالا متلبسا بالحق و مستصحبا له و الحق هو الموت و ما بعده و جاز ان يكون بالحق حملة مؤكدة لما سبق يعنى هذا القول متلبس بالحق ذلِكَ اشارة الى الحق بمعنى الموت او الجزاء ما كُنْتَ ايها الإنسان مِنْهُ تَحِيدُ اى تميل و تفر عنه يعنى تكره الموت و تنكر الجزاء و هذه الجملة بتقدير القول حال من مقدر تقديره جاءت سكرة موت الإنسان بالحق يقال له ذلك ما كنت منه تحيد فان المراد بالموت موت الإنسان-. ٢٠ وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ نفخة البعث ذلِكَ اشارة الى يوم يقول لجهنم ان كان ظرفا لنفخ و الا فهو اشارة الى مصدر نفخ و المضاف محذوف يعنى وقت ذلك النفخ يَوْمُ تحقق الْوَعِيدِ و الجملة مفعول يقال المحذوف يعنى يقال ذلك يوم الوعيد اخرج ابو النعيم فى الحلية عن عكرمة قال ان الذين يفرقون فى البحر فتقسم لحومهم الحيتان فلا يبقى منهم شى ء الا العظام فيلقها الأمواج على البر فيمكث العظام حتى تصير نخرة فتمر بها الإبل فياكل ثم يسير؟؟؟ الإبل فتبحرها ثم يجى ء بعدهم قوم فينزلون منزلا فياخذون ذلك البعر فيوقدونه ثم تخمد ذلك النار فتجى ء ريح فيلقى ذلك الرماد على الأرض فاذا جاءت النفخة خرج أولئك و اهل القبور. ٢١ وَ جاءَتْ ذلك اليوم كُلُّ نَفْس ٍ مؤمنة و كافرة مَعَها محلها النصب على الحال من كل لاضافة الى ما هو فى حكم المعرفة سائِقٌ وَ شَهِيدٌ اخرج سعيد بن منصور و عبد الرزاق و ابن جرير و ابن ابى حاتم فى تفاسيرهم عن عثمان بن عفان فى الاية قال سائق يسوقها الى امر اللّه تعالى و شهيد يشهد عليها بما عملت و اخرج ابن ابى حاتم و البيهقي عن ابى هريرة قال السائق الملك و الشهيد العمل ذكر السيوطي فى كتاب البرزخ من حديث جابر مرفوعا فاذا قامت الساعة انحط عليه ملك الحسنات و ملك السيئات فانتشطا كتابا معقودا فى عنقه ثم حضرا معه أحدهما سائق و اخر شهيد أخرجه ابو نعيم و ابن ابى حاتم و ابن ابى الدنيا و قال البغوي و قال الضحاك السائق من الملائكة و الشاهد من أنفسهم الأيدي و الا رجل و هو رواية العوفى عن ابن عباس. ٢٢ لَقَدْ كُنْتَ على إضمار القول يعنى يقال له لقد كنت فى الدنيا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا الذي نزل بك هذا اليوم فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ الحاجب لامور المعاد و هو الغفلة و الانهماك فى المحسوسات و الالف بها و قصور النظر عليها و الرين و اسودا و القلب المكي عنه بقوله تعالى خَتَمَ اللّه عَلى قُلُوبِهِمْ وَ عَلى سَمْعِهِمْ وَ عَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ و قوله تعالى كلا بل ران على قلوبهم فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ نافذ تبصر ما كنت تنكره فى الدنيا قال البغوي روى عن مجاهد يعنى نظرك الى لسان ميزانك حين توزن حسناتك و سيّئاتك حديد. ٢٣ وَ قالَ قَرِينُهُ اى الملك الموكل عليه عطف على يقال المحذوف هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ اى حاضرها اما موصوفة و الظرف صفة له و عتيد صفة بعد صفة و اما موصولة خبر مبتداء و الظرف صلتها و عتيد بدل منها او خبر بعد خبر او خبر مبتداء محذوف و الاشارة اما الى الشخص او الى ديوان عمله يصفى هذا شى ء كاين عندى حاضرا و هذا الذي هو كائن عندى حاضرا و هذا حاضر فيقول اللّه تعالى. ٢٤ أَلْقِيا خطاب من اللّه تعالى للسايق و الشهيد او للملكين من خزنة النار او الواحد و تثنية الفاعل بمنزلة تثنية الفعل للتاكيد او الالف بدل من نون التأكيد الخفيفة للوصل مجرى الوقف و يؤيده ما قرى ء بالنون الخفيفة- فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ معاند للحق. ٢٥ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ اى للزكوة المفروضة و كل حق وجب فى ماله مُعْتَدٍ ظالم لا يقر بتوحيد اللّه تعالى مُرِيبٍ شاك فى اللّه و فى دينه. ٢٦ الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللّه إِلهاً آخَرَ الموصول مبتداء متضمن معنى الشرط و خبره فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ و هو النار او الموصول بدل من كل كفار فالقياه تكرير للتاكيد الموصول مفعول يفسره فالقياه. ٢٧ قالَ قَرِينُهُ يعنى الملك الموكل به كذا قال ابن عباس و سعيد بن جبير و مقاتل قال سعيد بن جبير يقول الملك ذلك حين يقول الكافر رب ان الملك زاد على فى الكتابة فيقول الملك رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ يعنى ما نسبته الى الكفر و الطغيان و ما زدت عليه فى الكتابة و لكون هذه الجملة جوابا بالمحذوف اعنى قول الكافر هو أطغاني و كذب على استونفت هذه الجملة كما تستانف الجمل الواقعة فى حكاية التقاؤل بخلاف الاولى اعنى و قال قرينه فانها واجبة العطف ما قبلها للدلالة على جميع مفهوماتهما فى الحصول اعنى مجى ء كل نفس و قول قرينه بما قال وَ لكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ و قال بعض المفسرين المراد بالقرين الشيطان الذي قيض لهذا الكافر يعنى ان الكافر يقول أطغاني شيطانى فيقول الشيطان ربنا ما أضللته و لا اغويته و لكن كان فى ضلال بعيد فاعنته فان إغواء الشيطان انما يوثر فيمن كان مختل الرأي مايلا الى الفجور كما قال و ما كان لى عليك سلطان الا ان دعوتكم فاستجبتم لى و لا تلومونى و لوموا أنفسكم و لهذا ترى المخلصين الكرام الصوفية العلية شمر و اذيلهم و بذلوا جهدهم فى مجاهدة أنفسهم و تزكيتها كيلا تتطرق إليهم الشيطان و اللّه اعلم لكن ما ذكره علماء العربية ان المعرفة إذا أعيدت فالثانى غير الاول كما فى قوله تعالى فان مع العسر يسرا ان مع العسر يسرا معناه ان مع عسر واحد يسرين و ان الأصل فى الاضافة العهد الخارجي يقتضى ان يكون المراد بقرينته ثانيا ايضا الملك الموكل به كما قال سعيد بن جبير و غيره و قال بعض المتأخرين المراد بالقرين فى كلا القرينتين الشيطان الذي قيض مع الكافر فهو له قرين و معنى قوله هذا مالدى عتيد هذا الشخص ما عندى و فى سلطانى عتيد لجهنم هيّئته لها باغوائى و معنى قوله ما أطغيته و لكن كان فى ضلال بعيد ان ما أطغيته كرها و لكن كان فى ضلال بعيد فاتبعنى باختياره و استجاب لى دعوتى إياه الى الكفر و المعاصي و لم يستجب دعوة رسلك. ٢٨ قالَ اللّه تعالى لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَ اى موقف الحساب بحيث لا فائدة فيه وَ قَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ على الطغيان فى كتبى و على السنة رسلى فلم يبق لكم حجة و هو حال و فيه تعليل للنهى اى لا تختصموا عاملين بان اوعدتكم و الباء زائدة و جاز ان يكون بالوعيد حالا و المفعول به قوله تعالى. ٢٩ ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ يعنى لا يتخلف قولى بانّ اللّه لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ فلا تطمعوا غفرانى و قال الكلبي و اختاره القراء أن المعنى لا يكذب عندى و لا يغير القول عن وجهه لانى اعلم الغيب وَ ما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ليس المراد نفى مبالغة الظلم بل نفى اصل الظلم و انما أورد صيغة المبالغة تعريضا للمخاطبين يعنى ان الكافرين فى الظلم كما فى قوله تعالى أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللّه عَلَيْهِمْ وَ رَسُولُهُ بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ-. ٣٠ يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ قرأ نافع و ابو بكر يقول بالياء على الغيبة و الضمير عايد الى اللّه سبحانه على نسق قوله تعالى قال لا تختصموا و الباقون بالنون على التكلم و لما سبق من اللّه تعالى انه يملأ جهنم من الجنة و الناس فهذا سوال منه تعالى لتصديق خبره و تحقيق وعده وَ تَقُولُ يعنى جهنم فى الجواب هَلْ مِنْ مَزِيدٍ قال عطاء و مجاهد و مقاتل بن سليمان استفهام انكار و معناه قد امتلأت فلم يبق فى موضع لم يمتل يعنى لا يتصور المزيد على هذا الامتلاء الذي حصل و الصحيح انه استفهام للاستزادة لما روى الشيخان فى الصحيحين عن انس عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال لا تزال جهنم يلقى فيها و تقول هل من مزيد حتى يضع رب العزت فيها قدمه فينزوى بعضها الى بعض و تقول قط قط بعزتك و كرمك و لا يزال فى الجنة فضل حتى ينشى ء اللّه تعالى لها خلقا فيسكنهم فضل الجنة و اخرج ابن ابى عاصم فى الستة عن ابى بن كعب قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم جهنم تسال المزيد حتى يضع الجبار تعالى قدمه فيها فينزوى بعضها الى بعض و تقول قط قط و قال البغوي روى عن ابن عباس رض ان اللّه تعالى سبقت كلمته لاملأنّ جهنم من الجنة و الناس أجمعين فلما سيق اعداء اللّه إليها لا يلقى فيها فوج الا ذهب فيها و لا يملأ هاشى فتقول الست قد أقسمت لتملأنى فيضع قدمه عليها ثم يقول هل امتلأت فتقول قط قط فليس مزيد و قال البيضاوي هذا السؤال و الجواب جى ء بهما التخييل و التصوير يعنى انها مع اتساعها تطرح فيها من الجنة و الناس فوجا فوجا حتى تمتلى لقوله تعالى لاملأن هذا على تقدير كون الاستفهام للانكار او انها من السعة بحيث يدخلها من يدخلها و فيها بعد فراغ او انها من شدة زفيرها وحدتها و تشبثها بالعصاة كالمستكثر لهم و الطالب للزيادة و هذين التوجهين على تقدير كون الاستفهام للاستزادة و لكن لا ضرورة الى هذا التأويل و الاولى الحمل على حقيقة السؤال و الجواب و لا استبعاد فى انطاقها كانطاق الجوارح و يوم اما منصوب بتقديرا ذكر مقدرا او ظرف لنفخ و ما عطف عليه على سبيل التنازع. ٣١ وَ أُزْلِفَتِ اى أدنيت عطف على نفخ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ من الشرك غَيْرَ بَعِيدٍ منصوب على الظرف اى مكانا غير بعيدا و زمانا غير بعيد و على الحال و تذكيره لانه صفة محذوف اى شيئا غير بعيد او لان الجنة بمعنى البستان و الغرض من هذا التقييد التوكيد كما يقال قريب غير بعيد و عزيز غير ذليل. ٣٢ هذا الثواب او الا زلاف مبتداء خبره ما تُوعَدُونَ قرأ ابن كثير بالياء على الغيبة و الضمير للمتقين و الباقون بالتاء على الخطاب للمتقين بإضمار القول يعنى يقال لهم هذا ما توعدون لِكُلِّ أَوَّابٍ بدل من المتقين باعادة الجار و جاز ان يكون هذا مبتداء و ما توعدون صفة و لكل أواب خبره و المعنى رجاع الى اللّه عما سواه ظاهر او باطنا و قيل رجاع من المعاصي الى الطاعات و قال سعيد بن المسيب الذي يذنب ثم يتوب و قال الشعبي و مجاهد الذي يذكر ذنوبه فى الخلاء فيستغفر منها و قال الضحاك هو التواب و قال ابن عباس و عطاء المسبح كما فى قوله تعالى يا جبال اوّبى و قال قتادة المصلى و عن زيد بن أرقم ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال صلوة الأوابين حين ترمض الفصال رواه مسلم حَفِيظٍ يعنى دايم الحضور لا يغفل عن اللّه طرفة عين و قال ابن عباس الحافظ لامر اللّه و عند ايضا انه هو الذي يحفظ ذنوبه حتى يرجع و يستغفر منها يعنى لا يرى ذنوبه سهلا و قال قتادة حفيظ لما استودعه اللّه من حقه و قال الضحاك هو المحافظ على نفسه المتعهد لها و قال الشعبي المراقب و قال سهيل بن عبد اللّه هو المحافظ على الطاعات. ٣٣ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَ جاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ مخلص مقبل على الطاعة و محل من مجرور على انه بدل بعد بدل للمتقين او بدل من موصوف أواب او مرفوع على الابتداء خبره. ٣٤ ادْخُلُوها على تاويل يقال لهم ادخلوها فان من معناه الجمع و بالغيب حال من الفاعل او المفعول او صفة لمصدر اى خشية متلبسة بالغيب يعنى خشى عقابه و هو غايب من اللّه تعالى يعنى فى الدنيا حين لم يره او غايب عن عقابه او هو غايب عن الأعين لا يراه أحد قال الضحاك و السدى و الحسن يعنى فى الخلوة حيث لا يراه أحد و تخصيص الرحمن للاشعار بانهم رجوا رحمته و خافوا عذابه او بانهم يخشون عذابه مع علمهم بسعة رحمته لا يغترون برحمة و لا يجئرون على معاصية و وصف القلب بالانابة لان المعتبر و انما هى الانابة بالقلب بِسَلامٍ ط اى متلبسين بسلامة يعنى سالمين من العذاب و الهموم و زوال النعمة او بسلام يعنى مسلما عليكم من اللّه و ملائكته ذلِكَ اشارة الى الدخول بتقدير المضاف يعنى وقت ذلك الدخول فى الجنة يَوْمُ الْخُلُودِ يوم تقدير الخلود كقوله تعالى فَادْخُلُوها خالِدِينَ روى الشيخان من ابن عمر عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال يدخل اهل الجنة الجنة و اهل النار النار ثم يقوم مؤذن بينهم يا اهل النار لا موت و يا اهل الجنة لا موت كل خالد فيما هو فيه و روى البخاري عن ابى هريرة مرفوعا يقال يا اهل الجنة خلود و لا موت و يا اهل النار خلود و لا موت. ٣٥ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَ لَدَيْنا مَزِيدٌ و هو مما لا يخطر ببالهم ممالا عين رات و لا اذن سمعت و لا خطر على قلب بشر عن ابى هريرة ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال ان ادنى مقعد أحدكم من الجنة ان يقول له تمن فيتمنى و يتمنى فيقول هل تمنيت فيقول نعم فيقول لك ما تمنيت و مثله معه رواه مسلم و اخرج نهاد عن ابى سعيد قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و ذكر حديثا طويلا قال فيه ثم يقول اللّه تعالى انى اعهدت الى عبادى انى لا ادخل الجنة رجلا الا جعلت له فيها ما اشتهت نفسه لكم فيها ما سالتم و مثله و قال جابر و انس و المراد بالمزيد النظر الى وجه اللّه الكريم اخرج مسلم و ابن ماجة عن صهيب عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال إذا دخل اهل الجنة الجنة يقول اللّه تعالى تريدون شيأ أزيدكم فيقولون الم تبيض وجوهنا الم تدخلنا الجنة و تنجينا من النار قال فيكشف الحجاب فما اعطوا شيئا أحب إليهم من النظر الى ربهم ثم تلا هذه الاية- للذين أحسنوا الحسنى و زيادة و روى ابن خزيمة و ابن مردوية عن ابى موسى الأشعري و كعب بن عجرة و ابى بن كعب و ابن مردوية و ابو الشيخ عن انس و ابو الشيخ عن ابى هريرة و كذا عن ابى بكر الصديق و ابن عباس و حذيفة و ابن مسعود و غيرهم عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال ان اللّه تعالى يبعث يوم القيامة مناديا ينادى الصوت يسمعه أولهم و آخرهم يا اهل الجنة ان اللّه وعدكم الحسنى و زيادة الحسنى الجنة و الزيادة النظر الى وجه الرحمن و اللّه تعالى اعلم. ٣٦ وَ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ اى قبل قومك مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ اى من قومك بَطْشاً قوة كعاد و فرعون و غيرهم و جملة هم أشد صفة لقرن فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ فى القاموس نقب فى الأرض اى ذهب كانقب و نقب قلت التشديد للتكثير و المعنى اذهبوا فى البلاد للتصرف فيها و التمتع و حينئذ الفاء للسببية فان شدة بطشهم سبب للتصرف فى البلاد او المعنى جالوا فى الأرض كل مجال حذر الموت و الفاء حينئذ لمجرد التعقيب هَلْ مِنْ مَحِيصٍ من زائدة محيص فى محل الرفع على الفاعلية او النصب على المفعولية بفعل محذوف و الاستفهام للانكار تقديره بل كان لهم محيص او هل وجدوا لهم محيصا فكيف يغفل اهل مكة ويلههم الأمل و جاز ان يكون نقبوا معطوفا على أهلكنا و الضمير عايد الى اهل مكة و المعنى انهم ساروا فى بلاد القرون الخالية فتشوا اخبارهم و رأوا اثارهم فهل محيصا حتى يتوقعوا مثلهم. ٣٧ إِنَّ فِي ذلِكَ السورة و ان كان ضمير نقبوا راجعا الى اهل مكة فيجوز ان يكون المشار اليه مصدر نقبوا يعنى فى سيرهم فى البلاد لَذِكْرى تذكرة و عظة لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ اى قلب صاف عن الكدورات صالح لتجليات الصفات له لعينه غير متكفية بالذات مشتغل باللّه فارغ عن غيره مصدق لحديث قدسى لا يسعنى ارضى و لا سمائى و لكن يسعنى قلب عبدى المؤمن و لا يكون القلب هكذا الا بعد الفناء المصطلح للصوفية و قال ابن عباس معناه كان له عقل تسمية الحال باسم المحل و قيل المراد قلب داع يتفكر فى حقائق الأمور و كان ان كان ناقصة بمعناه او بمعنى صار فقلب اسمه و له خبر و ان كان تامة فقلب فاعله و له حال من الفاعل و الجار و المجرور اعنى لمن كان إلخ متعلق بذكرى او بالظرف المستقر اعنى فى ذلك أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ عطف على صلة من وَ هُوَ شَهِيدٌ قال من فاعل القى يعنى ان السورة موعظة لمن كان له قلب سليم او استمع القران و هو شهيد حاضر قلبه و لو بتكلف لا بتغافل او شاهد يصدقه فيتعظ بظواهره و ينزجر بزواجره قلت فالاول بيان الكاملين و الثاني بيان المريدين المخلصين نظيره قوله عليه الصلاة و السلام الإحسان ان تعبد ربك كانك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك يعنى- يتصور الحضور بتكلف اخرج الحاكم و صححه عن ابن عباس ان اليهود أتت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فسالت عن خلق السموات و الأرض فقال خلق اللّه الأرض يوم الأحد و البحار يوم الاثنين و خلق الجبال يوم الثلثاء و ما فى هن من المنافع و خلق يوم الأربعاء الشجر و الماء و المداين و العمران و الخراب و خلق اللّه يوم الخميس السماء و خلق يوم الجمعة النجوم و الشمس و القمر و الملائكة الى ثلث ساعات بقين منه فخلق فى أول ساعة الآجال حين يموت من مات و فى الثانية التي الآفة على كل شى ء ينتفع به الناس و فى الثالثة آدم و اسكنه الجنة و امر إبليس بالسجود له و أخرجه منها فى اخر الساعة قالت اليهود ثم ماذا يا محمد قال ثم استوى على العرش قالوا قد أصبت لو أتممت قالوا ثم استراح فغضب النبي صلى اللّه عليه و سلم غضبا شديدا فنزلت. ٣٨ وَ لَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَ ما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ من تعب واعيا.-. ٣٩ فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ اى اليهود ان اللّه تعالى أعيى فاستراح او المشركون فى امر البعث فانه من قدر على خلق العالم فهو قادر على بعثهم و الانتقام منهم و روى مسلم عن ابى هريرة من غير ذكر اليهود و لا ذكر نزول الاية و لفظه أخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بيدي فقال خلق اللّه التربة يوم السبت و خلق الجبال يوم الأحد و خلق الشجر يوم الاثنين و خلق المكروه يوم الثلثاء و خلق النور يوم الأربعاء و بث فيها الدواب يوم الخميس و خلق آدم بعد العصر من يوم الجمعة فى اخر الخلق فى اخر الساعة من النهار بين العصر الى الليل قلت لعل ذكر خلق التربة يوم السبت من غلط بعض الرواية و الصحيح ان بدأ خلق العالم من يوم الأحد و تمامه يوم الجمعة كما يدل عليه قوله تعالى خَلَقْنَا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ و السبت اليوم السابع فان قيل قد صح من الأحاديث ما يدل على ان خلق آدم بعد خلق السموات و الأرض و الملائكة و الجن بزمان طويل و كان قبل ذلك سلطنة الجن و كان إبليس فى الملائكة و كان له ملك الأرض و ملك سماء الدنيا و الجنة يعبد اللّه تارة فى الأرض و تارة فى السماء و تارة فى الجنة و فسر قوله تعالى هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَي ْئاً مَذْكُوراً انه قد اتى على آدم أربعون سنة ملقى من طين بين مكة و الطائف قبل ان ينفخ فيه الروح لا يذكر و لا يعرف و لا يدرى ما اسمه و لا ما يراد به كذا قال البغوي و غيره و هذا الحديث يدل على ان آدم خلق فى اخر الساعة من جمعة خلق فيها الملائكة و الفلكيات فكيف التوفيق قلت لعل المراد بخلق آدم تقديره فى اللوح المحفوظ يدل عليه و قوله خلق فى أول ساعة الآجال حين يموت من مات و فى الثانية القى الآفة على كل شى ينتفع به الناس فانه لا يتصور ذلك بمعنى التقدير- وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ يعنى صل متلبسا بحمد ربك قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ يعنى صلوة الفجر وَ قَبْلَ الْغُرُوبِ يعنى صلوة العصر و روى عن ابن عباس قال قبل الغروب الظهر و العصر هذا لعل قول ابن عباس مبنى على ان وقت الضروري للصلوتين واحد كما قال به مالك و غيره. ٤٠ وَ مِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ يعنى صلوة المغرب و العشاء و قال مجاهد المراد منه صلوة الليل اىّ وقت صلى يعنى نوافل وَ أَدْبارَ السُّجُودِ قرأ نافع و ابن كثير و حمزة بكسر الهمزة مصدر أدبر ادبار او قرا الآخرون بفتحها على انه جمع دبر قال البغوي قال عمر بن الخطاب و على بن ابى طالب و الحسن و الشعبي و النخعي و الأوزاعي ادبار السجود ركعتان قبل صلوة المغرب و ادبار النجوم ركعتان قبل صلوة الفجر و هى رواية العوفى عن ابن عباس و رواه الترمذي عن ابن عباس مرفوعا هكذا قال اكثر المفسرين و لم يظهر لى وجه اطلاق ادبار السجود على صلوة قبل صلوة المغرب مع ان وقت الغروب تبيلها؟؟؟ ليس وقت السجود و الظن ان يكون المراد من ادبار السجود النوافل الراتبة بعد الفرائض و جاز ان يكون معنى قوله تعالى سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قل سبحان اللّه و بحمده روى الشيخان عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من قال حين يصبح و حين يمسى سبحان اللّه مائة مرة لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به الا أحد قال مثل ما قال او زاد عليه روى الشيخان عنه مرفوعا من قال سبحان اللّه و بحمده فى يوم مائة مرة حطت خطاياه و ان كانت مثل زبد البحر و هما عنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان فى الميزان جيبتان الى الرحمن سبحان اللّه و بحمده سبحان العظيم و قال مجاهد قوله تعالى ادبار السجود هو التسبيح باللسان فى ادبار الصلوات المكتوبات عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من سبح فى دبر كل صلوة مكتوبة ثلثا و ثلثين و حمد اللّه ثلثا و ثلثين و كبر اللّه ثلثا و ثلثين فذلك تسعة و تسعون ثم قال تمام الاية لا اله الا اللّه وحده لا شريك له له الملك و له الحمد و هو على كل شى ء قدير غفرت خطاياه و انى كانت مثل زبد البحر رواه المسلم و البخاري و نحوه اخرج مالك و ابن خزيمة. ٤١ وَ اسْتَمِعْ صيغة امره ما بعده بتأويل المفرد او بتقدير المضاف مفعول به يعنى اسمع ما يملى عليك او اسمع حديث يَوْمَ يُنادِ و فائدة قوله تعالى استمع التنبيه و التهويل و تعظيم المخبر به و الظرف على التأويل الاول متعلق بفعل محذوف دل عليه يوم الخروج تقديره يخرج الناس كلهم من القبور يوم ينادى قال النقاش عن ابى ربيعة عن البزي و ابن مجاهد عن قنبل ينادى بالياء فى الوقف فقط و الباقون يقفون بغير ياء الْمُنادِ اثبت الياء فى الحالين ابن كثير و فى الوصل خاصة نافع و ابو عمرو و الباقون حذفوها فى الحالين قال مقاتل ينادى اسرافيل بالحشر أيتها العظام البالية و الأوصال المتقطعة و اللحوم المقمزقة و الشعور المتفرقة ان اللّه يأمركم ان تجتمعوا الفصل القضاء و كذا اخرج ابن عساكر عن زيد بن جابر الشافعي فى هذه الاية قال يقف اسرافيل على صخرة بيت المقدس فيقول يا أيتها العظام النخرة و الجلود المتمزقة و الاشعار المنقطعة ان اللّه يأمركم ان تجتمع لفصل الخطاب مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ متعلق بيناد يعنى من صخرة بيت المقدس و هو قريب من القبور لكونها من الأرض و هما فى وسط الأرض و قال الكلبي هى اقرب الأرض الى السماء ثمانية عشر ميلا. ٤٢ يَوْمَ يَسْمَعُونَ بدل من يوم يناد اى الأموات يسمعون بإذن اللّه تعالى فان الأموات و الجمادات فى الاستماع إذا أراد اللّه تعالى كالاحياء فان الموجودات لا تخلو عن نوع من الحيوة كما حققناه فى تفسير سورة الملك و كذا انعقد الإجماع على عذاب القبر على الروح و الجسد جميعا اخرج الشيخان عن انس ان النبي صلى اللّه عليه و سلم وقف على قتلى بدر فقال يا فلان بن فلان يا فلان بن فلان و هل وجدتم ما وعد ربكم حقا فانى وجدت ما وعدني ربى حقا قال عمر يا رسول اللّه كيف تكلم اجراما لا أرواح فيها فقال ما أنتم باسمع لما أقول منهم غير انهم لا يستطيعون ان يرد و أعلى شيئا و قال القرطبي نفخة الاحياء تمتد و تطول فيكون أوايلها للاحياء و ما بعدها للازعاج من القبور فلا يسمعون ما كان للاحياء و يستمعون ما كان للازعاج و قال السيوطي يحتمل السماع من أول وهلة للارواح و هى فى الصور قلت ما ذكر من كلام اسرافيل خطاب للعظام و الجلود لا للارواح فلا فائدة فى سماع الأرواح و اللّه تعالى اعلم الصَّيْحَةَ يعنى صيحة اسرافيل المذكور و قال البيضاوي لعله فى إعادة نظير كن يعنى امر تكوينى لا يشترط فيه السماع قلت لكن قوله تعالى يوم يسمعون صريح فى اثبات السماع فالاولى ما قلت بِالْحَقِّ ط متعلق بالصيحة و المراد به البعث للجزاء ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ من القبور. ٤٣ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَ نُمِيتُ وَ إِلَيْنَا الْمَصِيرُ فى الاخرة. ٤٤ يَوْمَ تَشَقَّقُ قرأ الكوفيون و ابو عمرو بتخفيف الشين بحذف أحد التاءين و الباقون بالتشديد بابدال التاء شينا و الإدغام واصله يتشقق الْأَرْضُ عَنْهُمْ اى عن الأموات إذا ادعوا الى الحساب و الظرف اعنى يوم تتشقق متعلق بفعل دل عليه قوله تعالى ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ تقديره يحشرون يوم تشقق الأرض عنهم سِراعاً ط جمع سريع حال من الضمير المرفوع فى الفعل المقدر يعنى يحشرون سراعا و قيل من الضمير المجرور فى عنهم يعنى تشقق الأرض عنهم حال كونهم مسرعين فى الخروج ذلِكَ الحشر دفعة واحدة المفهوم مما سبق حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ الظرف متعلق بيسير قدم عليه للاختصاص فان ذلك لا تيسير الا على العالم القادر لذاته الذي لا يشغله شان عن شان كما قال ما خلقكم و لا بعثكم الا كنفس واحدة. ٤٥ نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ يعنى كفار مكة فى تكذيبه فيه تسلية لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و تهديد لهم- وَ ما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ قف تجبرهم على الإسلام انما بعثت مذكرا و داعيا- اخرج ابن جرير من طريق عمرو بن قيس الملائى عن ابن عباس قال قالوا يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لو خوفتنا فنزلت فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ ثم اخرج عن عمر مثله مرسلا قرا ورش وعيدي وصلا فقط و الباقون يحذفونها فى الحالين يعنى لا ينفع تذكيرك بالقران الا من يخاف ما أوعدت به من عصانى من العذاب يعنى المسلمين و اللّه تعالى اعلم. |
﴿ ٠ ﴾