سُورَةُ الطُّورِ مَكِّيَّةٌ

وَهِيَ تِسْعٌ وَأَرْبَعُونَ آيَةً

مكّيّة و هى تسع و أربعون اية و فيها ركوعان

 بِسْمِ اللّه الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.

_________________________________

١

وَ الطُّورِ و هو الجبل بالسريانية و المراد به طور سينين جبل بمدين سمع موسى فيها كلام اللّه تعالى.

٢

وَ كِتابٍ مَسْطُورٍ السطر ترتيب الحروف المكتوب و المراد به مكتوب.

٣

فِي رَقٍّ الرق الجلد الذي يكتب استعير لما كتب فيه الكتاب مَنْشُورٍ لاجل التلاوة صفة لرق و الظرف متعلق بمسطور و تقيد الكتاب بكونه مكتوبا فى زق منشور يابى كونه لوحا محفوظا فالمراد به اما القران او جنس ما كتب فيه الشرائع و قال الكلبي هو ما كتب اللّه بيده لموسى من التوراة و موسى يسمع صرير القلم و مقتضى هذا القول مناسبته و عطفه على الطور و قيل المراد به دواوين الحفظة يخرج لهم يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا.

٤

وَ الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ هو بيت فى السماء السابعة حيال الكعبة يقال له الصراح حرمته فى السماء كحرمة الكعبة فى الأرض روى مسلم عن انس فى حديث المعراج و قال عليه السلام فى السماء السابعة فاذا انا بإبراهيم مسند أظهره الى البيت المعمور و إذا هو يدخله كل يوم سبعون الف لا يعودون اليه

قال البغوي يطوفون به و يصلون فيه ثم لا يعودون اليه ابدا عمارته كثرة غاشية من الملائكة

قال البيضاوي المراد به الكعبة و عمارتها بالحجاج و المجاورين او قلب المؤمن و عمارته بالمعرفة و الإخلاص.

٥

وَ السَّقْفِ الْمَرْفُوعِ يعنى السماء قال اللّه تعالى و جعلنا السماء سقفا محفوظا.

٦

وَ الْبَحْرِ الْمَسْجُورِ فى القاموس سجر التنور حماه و النهر ملأه و قال محمد بن إسحاق و الضحاك يعنى الموقد المحمى بمنزلة التنور المسجور و هو قول ابن عباس و ذلك ما روى ان اللّه تعالى يجعل البحار كلها يوم القيامة نارا فيزداد بها فى نار جهنم

و اخرج البيهقي عن ابن عمر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا يركبن رجل بحرا إلا غازيا او معتمرا او حاجا فان تحت البحر نارا او تحت النار بحرا و عن يعلى بن امية ان النبي صلى اللّه عليه و سلم قال البحر جهنم

و اخرج ابو الشيخ فى العظمة و البيهقي من طريق سعيد بن المسيب عن على بن ابى طالب رض قال ما رايت يهود يا اصدق من فلان زعم ان نار اللّه الكبرى هى البحر فاذا كان يوم القيامة جمع اللّه فيه الشمس و القمر و النجوم ثم بعث عليه الدبور فسعرته

و اخرج ابو الشيخ عن كعب فى قوله تعالى و البحر المسجور قال قال البحر يسجر فيصير نار جهنم

و اخرج البيهقي فى الشعب عن وهب قال إذا قامت القيامة امر بالفلق فيكشف عن سقر و هى غطاءها فيخرج منه نار فاذا وصلت الى البحر المطبق على شفير جهنم و هو البحر المسجور اسرع من طرفة عين و هو حاجزيين جهنم و الأرضين السبع فيدعها جمرة واحدة

و قال مجاهد و الكلبي المسجور المملو و يقال سجرت الإناء إذا ملاته و قال الحسن و قتادة و ابو العالية هو اليابس الذي قد ذهب ماءه و قال الربيع بن انس المختلط العذب بالملح و روى الضحاك عن النزال بن سيرة عن على رض انه قال فى البحر المسجور و هو بحر تحت العرش عمقه كما بين سبع سموات الى سبع ارضين فيه ماء غليظ يقال له بحر الحيوان يمطر العباد بعد النفخة الاولى منه أربعون صباحا فينبتون فى قبورهم و هذا قول مقاتل اقسم اللّه تعالى بهذه الأشياء و جواب القسم.

٧

إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ بالكفار.

٨

ما لَهُ مِنْ دافِعٍ يدفعه الجملة صفة الواقع قال جبير بن مطعم قدمت المدينة لا كلم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى أسارى بدر فدفعت اليه و هو يصلى بأصحابه المغرب و صوته يخرج من المسجد فسمعته يقرأ و الطور الى قوله ان عذاب ربك لواقع ماله من دافع فكانما صدع قلبى حين سمعته و لم أكن اسلم يومئذ قال فاسلمت خوفا من نزول العذاب و ما كنت أظن الا ان أقوم من مكانى حتى يقع بي العذاب.

٩

يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً اى تدور كدور ان الرحى و تنكفا باهلها تكفاء السفينة و قال قتادة تتحرك و قال عطاء الخراسانى تختلف اجزاءها بعضها فى بعض و قيل تضطرب و كل ذلك جاء معانى مور فى اللغة الذهاب المجي ء و التردد و الدوران و الاضطراب كذا فى القاموس و هذه الاية تدل على ان السماء غير متحرك كالارض و الجبال خلافا للفلاسفة و الظرف متعلق لواقع.

١٠

وَ تَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً عطف على تمور يعنى تسير عن وجه الأرض فتصير هباء.

١١

فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ اى إذا وقع ذلك الفاء للسببية فان وقوع العذاب الغير المدفوع سبب للويل لِلْمُكَذِّبِينَ بالعذاب.

١٢

الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ غافلين لاهين.

١٣

يَوْمَ يُدَعُّونَ بدل من يوم تمور الى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا اى دفعا بعنف و جفوة و ذلك ان خزنة جهنم يغسلون أيديهم الى أعناقهم و يجمعون نواصيهم الى أقدامهم تم يدفعون الى النار دفعا على وجوههم و يزعجون إزعاجا حتى إذا دنوا منها يقول لهم خزنتها.

١٤

هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ و جاز ان يكون يوم يدعون ظرفا ليقول مقدر هاهنا و هذه الجملة بتقدير يقول لهم حال من المكذبين.

١٥

أَ فَسِحْرٌ هذا عطف على هذه النار التي كنتم بها تكذبون و الاستفهام للانكار و التوبيخ و الفاء للتعقيب و المعنى اى يتعقب مشاهدة النار كونها سحرا يعنى كنتم تقولون للوحى و ما يشهد من المعجزات هذا سحر و هذا مصداقه فلو كان ذلك سحرا فهذا ايضا سحر على زعمكم و تقديم الخبر لانه المقصر بالإنكار و التوبيخ- أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ هذه النار كما كنتم لا تبصرون ما يدل عليه فى الدنيا و تقولون انما سكرت أبصارنا و هذا الكلام نهيكم بهم.

١٦

اصْلَوْها فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا ج كلمة او للتسوية و الجملتان بتقدير مستويا لكم صبركم و عدمه حال من الضمير المستكن فى اصلوها- سَواءٌ عَلَيْكُمْ ط سواء مصدر بمعنى الفاعل خبر مبتداء محذوف الأمر ان مستويان عليكم و الجملة تأكيد لما سبق إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ تعليل للاستواء فانه لما كان جزاء الكفر واجب الوقوع بايجاب اللّه تعالى و وعيده كان الصبر و عدمه سيئان فى عدم النفع.

١٧

إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَ نَعِيمٍ و تنكيرهما للتعظيم يعنى جنات عظيم و نعيم فخيمه.

١٨

فاكِهِينَ ناعمين متلذذين حال من الضمير فى الظرف بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ إيهام ما اتهم و اسناده الى ربهم للتفخيم و التعظيم يعنى ناعمين بشى ء عظيم او بالذي هو عظيم الشان اتهم أكرم الأكرمين و أعظم العظماء وَ وَقاهُمْ رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ عطف على أتاهم ان جعل ما مصدرية او على فى جنات او حال من فاعل اتى او من مفعوله او كليهما.

١٩

كُلُوا وَ اشْرَبُوا بتقدير يقال لهم خبر بعد خبر لان او حال من المستكن فى الظرف او الحال هَنِيئاً اى أكلا و شربا هنيئا او طعاما و شرابا هنيا و الهني ء ما لا يلحق فيه مشقة و لا يعقبه خامة بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ اى بسببه او مقابلته و قيل الباء زائدة و ما فاعل لهنيأ و المعنى هنيئكم هنيا ما كنتم تعملون اى جزاؤه و حينئذ هنيئا جملة معطوفة على كلوا مقولة قال المقدر.

٢٠

مُتَّكِئِينَ حال من المستكن فى الظرف اى فى جنات او فى فاكهين او من الضمير فى كلوا و اشربوا على التنازع عَلى سُرُرٍ متعلق بمتكئين مَصْفُوفَةٍ اى مصطفة- وَ زَوَّجْناهُمْ عطف على خبران او على ان و الماضي فى معنى المستقبل بِحُورٍ عِينٍ الباء للالصاق فان فى التزويج معنى الوصل او للسببية يعنى صيرناهم أزواجا بسببهن.

٢١

وَ الَّذِينَ آمَنُوا مبتداء وَ اتَّبَعَتْهُمْ قرأ ابو عمرو اتبعناهم بقطع الالف و اسكان التاء و العين من الافعال و ضمير المتكلم مع الغير تعظيما و الباقون بوصل الالف و فتح التاء و العين من الافتعال و تاء التأنيث الساكنة ذُرِّيَّتُهُمْ قرأ ابو عمرو ابن عامر و يعقوب ذرياتهم للمبالغة فى كثرتهم فكسر ابو عمرو التاء منصوبا على انه مفعول ثان لاتبعناهم و ضم ابن عامر و يعقوب مرفوعا على الفاعلية

و قرا الباقون ذريتهم بالتوحيد مرفوعا على الفاعلية و الذرية يقع على الواحد و الكثير بِإِيمانٍ حال من الضمير المنصوب او من الذرية او منهما و تنكيره للاشعار بانه يكفى للالحاق المتابعة فى اصل الايمان بل يكفيه الايمان الحكمي كايمان الصغر و الجنون تبعا لغير الأبوين دينا أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ قرأ نافع و ابو عمرو و ابن عامر ذرياتهم بالجمع و كسر التاء و الباقون بالتوحيد و فتح التاء عن ابن عباس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان اللّه يرفع ذرية المؤمنين فى درجة و ان كانوا دوية؟؟؟ فى العمل ليقربهم عينه ثم قرا هذه الاية رواه الحاكم و البيهقي فى سننه و البزاز و ابو نعيم فى الحلية و ابن المنذر و ابن جرير و ابن ابى حاتم و عن على رض قال سالت خديجة النبي صلى اللّه عليه و سلم عن ولدين لها ماتا فى الجاهلية فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم هما فى النار فلما راى الكراهة فى وجهها قال لو رأيت مكانها لا بغضتها قالت يا رسول اللّه فولدى منك قال فى الجنة ثم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان المؤمنين و أولادهم فى الجنة و ان المشركين و أولادهم فى النار ثم قرا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و الذين أمنوا و اتبعتهم ذريتهم بايمان الحقنا بهم ذريتهم رواه عبد اللّه بن احمد فى زوايد المسند و فيه مجهول و انقطاع-

(فصل) هذا الحديث يدل على ان أطفال المشركين فى النار و الصحيح انهم فى الجنة و هذا الحديث ضعيف فيه مجهول و انقطاع و كذا ما روى احمد عن عايشة انها ذكرت لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن أطفال المشركين فقال ان شئت أسمعتك تصاعدهم فى النار سنده ضعيف جدا و قيل هذا الحديث منسوخ فى حق أطفال المشركين لما روى ابن عبد البر بسند ضعيف عن عائشة قالت سالت خديجة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن أولاد المشركين فقال هم من ابائهم ثم سالت بعد ذلك فقال اللّه اعلم بما كانوا عالمين ثم سالته بعد ما استحكم الإسلام فنزلت و لا تزر وازرة وزر اخرى فقال هم على الفطرة او قال فى الجنة و ما روى ابن ابى شيبة عن انس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم سالت ربى اللاهين من ذريات البشر فاعطانيهم قال ابن عبد البرهم الأطفال لان أعمالهم كاللّهو و اللعب من غير عقل و لا عزم

و اخرج ابن جرير عن سمرة قال سالنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن أطفال المشركين فقال هم خدم اهل الجنة

و اخرج مثله عن ابن مسعود موقوفا و كذا روى الطيالسي عن انس مرفوعا معناه و قال بعض العلماء أطفال المشركين يمتحنون لانه سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن أطفال المشركين فقال اللّه اعلم بما كانوا عاملين متفق عليه من حديث ابى هريرة و اللّه اعلم

وَ ما أَلَتْناهُمْ قرأ ابن كثير بكسر اللام من باب سمع يسمع و الباقون بفتح اللام من ضرب يضرب و كلاهما لغتان فى ألت يالت يعنى ما نقصنا الآباء مِنْ عَمَلِهِمْ من للتبعيض اى بعض ثواب أعمالهم مِنْ شَيْ ءٍ ط من زائدة و شى ء فى محل النصب على انه مفعول ثانى لالتنا و من عملهم خال عنه قدم عليه لتنكيره يعنى لا ينقص ثواب الآباء بإعطاء الأبناء فى إلحاقهم بهم و الجملة معطوفة على الحقنا و لما كان هاهنا مظنة سوال السائل يسئل ان هذا شان من أمن و اتبعه ذريته بايمان فما شان من كسب سيئة قال اللّه تعالى كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ قال مقاتل كل امرئ كافر بما عمل من الشرك مرتهن محبوس فى النار لا يجاوز جزاء السيئة ممن كسب الى غيره فلا يلحق بالكافر و الفاسق ذريته من غير ان يعملوا.

٢٢

وَ أَمْدَدْناهُمْ عطف على زوجناهم يعنى زدناهم يعنى المتقين وقتا بعد وقت بِفاكِهَةٍ وَ لَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ من انواع التنعم.

٢٣

يَتَنازَعُونَ من النزع يعنى الاخذ من يد الغير و التفاعل هاهنا بمعنى المجرد من عاقبت اللص و ترافعنا الى القاضي و جعلنا من المزيد فيه للدلالة من الكثرة يعنى ينزعون الى اهل الجنة من يد الساقي فِيها اى فى الجنة كَأْساً الكأس الإناء بما فيها من الشراب و يسمى كل واحد منهما بانفراده كاسا يقال كاس حال و قال شربت كاسا و المراد هاهنا كاس مملو من شراب لا لَغْوٌ و هو الباطل قال قتادة و قال مقاتل بن حيان لا فضول فِيها و قال سعيد بن المسيب لا رفث فيها و قال ابن زيد لاسباب و لا تخاصم فيها و قال القتيبي لا يذهب عقولهم فيلغوا و يرفثوا وَ لا تَأْثِيمٌ قال الزجاج لا يجرى بينهم ما يلغى و لا ما فيه اثم كما يجرى فى الدنيا بشرب الخمر و قيل لا يأثمون فى شربها قرا ابن كثير و ابو عمرو لا لغو و لا تأثيم بالفتح فيها أعمالا للاو الباقون بالرفع فيهما الفاء لعمل لا لاجل لتكرير.

٢٤

وَ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ لاجل الخدمة غِلْمانٌ لَهُمْ اى مماليك مخصوص بهم اخرج ابن ابى الدنيا عن انس رض قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان أسفل اهل الجنة أجمعين درجة من يقوم على راسه عشرة آلاف خادم

و اخرج ابن ابى الدنيا عن ابى هريرة ان ادنى اهل الجنة منزلة و ليس فيها دنى من تغدو و يروح عليه خمسة آلاف خادم ليس منهم خادم الا و معه ظرف ليس مع صاحبه

كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ مستور فى الصدف شبهوا باللؤلؤ فى بياضهم و صفائهم و حسنهم

قال البغوي روى عن الحسن انه تلا هذه الاية و قال قالوا يا رسول اللّه الخادم كاللؤلؤ فكيف المخدوم و عن قتادة ايضا ذكر لنا ان رجلا قال يا نبى اللّه صلى اللّه عليه و سلم هذا الخادم فكيف المخدوم قال فضل المخدوم على الخادم كفضل القمر ليلة البدر على ساير الكواكب

و اخرج عبد الرزاق و ابن جرير فى تفسيرهما من مرسل قتادة نحوه.

٢٥

وَ أَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ يعنى يسال بعضهم بعضا عن أحواله و اعماله فى الدنيا قال ابن عباس يتذاكرون ما كانوا فيه من التعب و الخوف فى الدنيا و اقبل صيغة ماض بمعنى المستقبل حال بتقدير قد من الضمير المجرور فى يطوف عليهم.

٢٦

قالُوا يعنى يقولون جملة مستانفة كانها فى جواب- ماذا يقول المسئولون إِنَّا كُنَّا قَبْلُ اى قبل هذا فى الدنيا فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ اى خائفين من عذاب اللّه.

٢٧

فَمَنَّ اللّه عَلَيْنا بالتوفيق و المغفرة و الرحمة وَ وَقانا عَذابَ السَّمُومِ اى عذاب النار النافذة فى المسام نفوذ السموم و قال الحسن السموم اسم من اسماء جهنم.

٢٨

إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ اى قبل ذلك فى الدنيا نَدْعُوهُ ط نعبده اى اللّه تعالى و نساله الوقاية إِنَّهُ قرأ نافع و الكسائي بفتح الهمزة يعنى ندعوه بانه و الباقون بالكسر على الاستيناف هُوَ الْبَرُّ اى المحسن و قال ابن عباس اللطيف و قال الضحاك الصادق فيما وعد الرَّحِيمُ الكثير الرحمة.

٢٩

فَذَكِّرْ الفاء للسببية فان تحقيق الوعد و الوعيد من اللّه تعالى باعث على التذكير و الموعظة فَما أَنْتَ الفاء للتعليل يعنى ذكر الناس لانك نبى من اللّه و لست بِنِعْمَةِ رَبِّكَ اى متلبسا بنعمة ربك حال من الضمير المرفوع فان قوله ما أنت بِكاهِنٍ وَ لا مَجْنُونٍ فى معنى انتفى كونك كاهنا او مجنونا و المراد بنعمة ربك النبوة و العقل السليم يعنى نبوتك و دينك يتلقى الكهانة و عقلك السليم البالغ ينافى الجنون و الاية نزلت فى الذين اقتسموا أعقاب مكة يرمون رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بالكهانة و السحر و الجنون و الشعر اخرج ابن جرير عن ابن عباس ان قريشا اجتمعوا فى دار الندوة فى امر النبي صلى اللّه عليه و سلم قال قائل منهم احبسوه فى اوثاق ثم تربصوا به ريب المنون حتى يهلك كما هلك من قبله من الشعراء ما زهير و النابغة فانما هو كاحدهم فانزل اللّه تعالى.

٣٠

أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ صفة شاعر او خبر بعد خبر لمبتداء محذوف اى هو منتظر به رَيْبَ الْمَنُونِ اى ما يتعلق النفوس من حوادث الدهر او حوادث الموت يعنى الحوادث التي يقضى الى الموت قالت الكفار انه يموت و يهلك كما هلك من قبله من الشعراء و يتفرق أصحابه و ان أباه مات شابا و نحن نرجو ان يكون موته موت أبيه او المنون مفعول من منه إذا قطعه يكون بمعنى الدهر و بمعنى الموت سميا بذلك لانهما تقطعان الاجل ..

٣١

قُلْ يا محمد تَرَبَّصُوا هلاكى فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ ط حتى يأتي امر اللّه فيكم فتعذبوا بالسيف يوم البدر.

٣٢

أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ اى عقولهم بِهذا التناقض فى القول فان الكاهن يكون ذا فطانة و دقة نظر و المجنون مغطى عقله و الشاعر ذا كلام موزون منتسق بليغ متخيل و لا يتاقى ذلك من المجنون و ذلك ان عظماء قريش كانوا يوصفون بأحلامهم فازرى اللّه بعقولهم حتى قال انهم لا يتميزون بين الفطان و المجنون و لا يعرفون الحق من الباطل أَمْ هُمْ يعنى بل هم قَوْمٌ طاغُونَ مجاوزون الحد فى العناد فانهم إذا لا يجدون سبيلا الى الإنكار فى القران و النبي صلى اللّه عليه و سلم بظهور الحجة و سطوع البرهان يقولون فيه قولا اخر مناقضا للاول.

٣٣

أَمْ اى بل يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ ج اى القران تقوله محمد صلى اللّه عليه و سلم يعنى اختلقه من تلقاء نفسه و ليس من عند اللّه و ليس الأمر كذلك بَلْ لا يُؤْمِنُونَ ج بالقران عنادا او استكبارا فيرمون بهذه المطاعن كذبا.

٣٤

فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ اى مثل القران فى البلاغة و اخبار الغيب إِنْ كانُوا صادِقِينَ ط فيما قالوا انه كاهن او مجنون او شاعر تقوله إذ فيهم كثير من الكهنة و المجانين و الشعراء فهو رد للاقوال الثلاثة المذكورة بالتحدي و يجوز ان يكون ردا للتقول فقط فان ساير الأقوال ظاهر الفساد و هذا شرط مستغن عن الجزاء.

٣٥

أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْ ءٍ قال ابن عباس يعنى من غير رب خلقهم و ذلك محال فان الحادث الذي لم يكن موجودا قبل ذلك لا يتصور وجوده من غير موجد و قيل معناه أم خلقوا من أجل لا شى ء من العبادة و المجازاة يعنى خلقوا عبثا و تركوا سدى لا يومرون و لا ينهون كذا قال ابن كيسان و الزجاج أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ ط لانفسهم و ذلك فى البطلان اظهر من ان يخلقوا من غير شى ء و هذه الجملة يؤيد التأويل الاول لما قبلها و لذلك عقبه بقوله.

٣٦

أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ بما يجب به الإيقان و يدل عليه البرهان من ان اللّه خلقهم و خلق السموات و الأرض و لو أيقنوا به لما اعرضوا من عبادته.

٣٧

أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ اى خزائن رزقه فيرزقوا النبوة من يشاء او خزائن علمه فيعلمون من هو أحق بالنبوة من غيره و بقضية الحكمة أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ ط المسلطون القاهرون على الأشياء يجعلونها على حسب مشيتهم و لا يكونوا تحت امر و نهى قرا قتيل و حفص بخلاف عنه و هشام بالسين و حمزة بخلاف عن خلاد بين الصاد و الزاء و الباقون بالصاد خالصة.

٣٨

أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ مر تقى الى السماء يَسْتَمِعُونَ صاعدين فِيهِ اى كلام الملائكة و ما يوحى إليهم من علم الغيب حتى يعلموا ما هو كاين او يعلموا ما هو حق من اللّه تعالى فيستمسكون به و لا يتبعوا بمحمد صلى اللّه عليه و سلم فان ادعو ذلك فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ ط اى بحجة واضحة يصدق استماعه.

٣٩

أَمْ لَهُ الْبَناتُ اى للّه تعالى بنات كما يقولون الملائكة بنات اللّه وَ لَكُمُ ايها الناس- الْبَنُونَ ط فيه تسفيه لهم و اشعار بان من هذا رايه لا يعد من العقلاء فضلا ممن يرتقى بروحه الى عالم الملكوت فيطلع على الغيب.

٤٠

أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً على تبليغ الرسالة فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ اى من التزام غرم مُثْقَلُونَ ط فلذلك لا يتبعونك مع ظهور الداعي الى الاتباع.

٤١

أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ قال ابن عباس المراد منه اللوح المحفوظ المثبت فيه المغيبات فَهُمْ يَكْتُبُونَ ط منه و قيل معناه عندهم علم ما غاب عنهم حتى علموا ان ما جاء به محمد صلى اللّه عليه و سلم من البعث و امر القيامة و الثواب و العقاب مع كونه ممكنا فى نفسه واجبا تبوته بالبرهان باطل غير واقع و قال قتادة هذا جواب لقولهم نتربّص به ريب المنون يعنى أ عندهم علم الغيب بان محمدا صلى اللّه عليه و سلم يموت قبلهم و لا يبقى له اثر و معنى قوله فهم يكتبون اى يحكمون و الكتاب الحكم كذا قال القعنبي.

٤٢

أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً ط بك ليهلكوك و هو كيدهم فى دار الندوة قال اللّه تعالى وَ إِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَ يَمْكُرُونَ وَ يَمْكُرُ اللّه وَ اللّه خَيْرُ الْماكِرِينَ فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ يعنى يحيق بهم الكيد أو يعود إليهم وبال كيدهم و جزاؤه و هو قتلهم يوم بدر و عذابهم بالنار فى الاخرة وضع الموصول موضع الضمير للتسجيل على كفرهم و الدلالة على انه هو الموجب للحكم المذكور.

٤٣

أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللّه ط يمنعهم من عذاب اللّه و ينصرهم و يرزقهم سُبْحانَ اللّه عَمَّا يُشْرِكُونَ عن اشراكهم او عن شركة ما يشركون قال به الخليل ما فى هذه الصورة من أم كله استفهام يعنى الإنكار و ليس بعطف.

٤٤

وَ إِنْ يَرَوْا كِسْفاً اى قطعة مِنَ السَّماءِ ساقِطاً هذا جواب لقولهم فاسقط علينا كسفا من السماء يَقُولُوا هذا سَحابٌ مَرْكُومٌ تراكم بعضها على بعض كما ان عادا لما رأو عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا يعنى لو عذبناهم بإسقاط بعض من السماء عليهم لم ينتهوا عن كفرهم حتى يهلكوا لكن الحكمة لا يقتضى استيصالهم.

٤٥

فَذَرْهُمْ و لا تسال نزول العذاب عليهم حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ اى يوم عذابهم الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ قرأ عاصم و ابن عامر بضم الياء على البناء للمفعول اى يوم يهلكهم اللّه تعالى من الصعق و الباقون بفتح الياء على البناء للفاعل من صعق يصعق اى يوم يموتون

قال البيضاوي هو عند النفخة الاولى-

قلت هذا ليس بشى ء فانه جعل غاية لقوله ذرهم و ذا لا يتصور الا ان يراد يوم يموتون.

٤٦

يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إغناء وَ لا هُمْ يُنْصَرُونَ ط يمنعون من عذاب اللّه يوم لا يغنى بدل من يومهم.

٤٧

وَ إِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا يحتمل العموم و الخصوص- عَذاباً فى الدنيا دُونَ ذلِكَ اى قبل ذلك اليوم يوم موتهم قال ابن عباس يعنى القتل يوم بدر

و قال مجاهد الجوع و القحط سبع سنين و قال البراء بن عازب يعنى عذاب القبر قلت هذا على تقدير ان يراد بيومهم الذي فيه يصعقون يو م نفخة الصعق وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ذلك.

٤٨

وَ اصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ بامهالهم و ابقائك فى عنائهم و قيل معناه و اصبر الى ان يقع بهم العذاب الذي حكمنا عليهم فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا قال الزجاج يعنى انك بحيث نراك و نحفظك فلا يصلون إليك بمكروه و الحاصل انك بحفظنا و جمع العين لجمع الضمير و جمع الضمير للتعظيم او يقال جمع العين للمبالغة و الدلالة على كثرة اسباب الحفظ وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ عطف على و اصبر حِينَ تَقُومُ قال سعيد بن جبير و عطاء اى قل حين تقوم من مجلسك سبحانك اللّهم و بحمدك فان كان المجلس خيرا ازدادت خيرا و ان كان غير ذلك كان كفارة له عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من جلس مجلسا فكثر فيه لغطه فقال قبل ان يقوم سبحانك اللّهم و بحمدك اشهد ان لا اله الا أنت استغفرك و أتوب إليك كان كفارة لما بينهما رواه البغوي و رواه الترمذي و البيهقي فى الدعوات الكبير الا غفر له ما كان فى مجلسه و عن رافع بن خديج قال كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بآخر عمره إذا اجتمع اليه أصحابه فاراد ان ينهض قال سبحان اللّه و بحمدك اشهد ان لا اله الا أنت استغفرك و أتوب إليك عملت سوأ او ظلمت نفسى فاغفر لى انه لا يغفر الذنوب الا أنت استغفرك و أتوب إليك عملت سوء قال

قلنا يا رسول اللّه ان هذه كلمات احدثتهن قال أجل جاءنى جبرئيل فقال يا محمد هن كفارات المجلس رواه النسائي و اللفظ له و صححه الحاكم و أخرجه الطبراني فى المعاجم الثلاثة مختصرا بسند جيد و عن عبد اللّه ابن عمر بن العاص انه قال كلمات لا يتكلم بها أحد فى مجلس خبر و مجلس ذكر إلا ختم له بهن كما يتختم بالخاتم على الصحيفة سبحانك اللّهم و بحمدك لا اله الا أنت استغفرك و أتوب إليك رواه ابو داود و ابن حبان فى صحيحه و عن ابى هريرة عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال جلس قوم مجلسا لم يذكروا اللّه فيه و لم يصلوا على نبيهم الا كانت عليهم ترة ان شاء عذبهم و ان شاء غفر لهم رواه ابو داود و الترمذي و حسنه و اللفظ له و ابن ابى الدنيا و البيهقي و فى رواية ابى داود و من قعد مقعدا لم يذكر اللّه فيه كانت عليهم من اللّه ترة و من اضطجع مضطجعا لا يذكر اللّه فيه كانت عليه من اللّه ترة و ما مشى أجد مشى لا يذكر اللّه فيه الا كان عليه ترة و قال ابن عباس معنى الاية صل اللّه حين تقوم من منامك و قال الضحاك و الربيع إذا قمت الى الصلاة فقل سبحانك اللّهم و بحمدك و تبارك اسمك و تعالى جدك و لا اله غيرك رواه ابو داود و الترمذي و رواه ابن ماجة عن ابى سعيد و قال الترمذي هذا الحديث لا نعرفه الا من حارثة و قد تكلم فيه من قبل حفظه و قال الكلبي المراد بالآية الذكر باللسان حين تقوم من الفراش الى ان تدخل فى الصلاة عن عاصم بن حميد سالت عائشة باى شى ء كان يفتتح رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا قام من الليل قالت كان إذا قام كبر اللّه عشرا و حمد اللّه عشرا و سبح اللّه عشرا و استغفر عشرا و قال اللّهم اغفر لى و اهدني و ارزقني و عافنى و يتعوذ من ضيق المقام يوم القيامة رواه البغوي و رواه ابو داود عن شريق الهوزلى عن عائشة بلفظ كان إذا ذهب من الليل كبر عشرا و حمد اللّه عشرا و قال سبحان اللّه و بحمده عشرا و قال سبحان الملك القدوس عشرا و استغفر عشرا و هلل عشرا ثم قال اللّهم انى أعوذ بك من ضيق الدنيا و ضيق يوم القيامة عشرا.

٤٩

وَ مِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ اى صل له قال مقاتل يعنى صلوة المغرب و العشاء قلت و الظاهر انه صلوة التهجد خص صلوة الليل بالذكر لان العبادة فى الليل أشق على النفس و ابعد عن الريا و لذلك قدم الظرف على الفعل- وَ إِدْبارَ النُّجُومِ ع يعنى إذا أدبرت النجوم و غابت بطلوع الصبح و قال الضحاك المراد به صلوة الفجر و قال اكثر المفسرين المراد به ركعتان قبل صلوة الفجر عن عائشة قالت قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ركعتا الفجر خير من الدنيا و ما فيها رواه المسلم و عنها قالت لم يكن النبي صلى اللّه عليه و سلم أشد تعاهدا منه على ركعتا الفجر متفق عليه و عن جبير بن مطعم قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قرأ فى المغرب بالطور رواه البغوي.

﴿ ٠