سُورَةُ النَّجْمِ مَكِّيَّةٌ

وَهِيَ اثْنَتَانِ وَ سِتُّونَ آيَةً

مكّيّة و هى اثنان و ستّون اية و ثلث ركوعات

 بِسْمِ اللّه الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

_________________________________

١

وَ النَّجْمِ إِذا هَوى قال ابن عباس فى رواية الوالبي و العوفى يعنى الثريا إذ أسقطت و هويه مغيبه و العرب يسمى الثريا نجما و جاء فى الحديث عن ابى هريرة مرفوعا ما طلع النجم قط و فى الأرض من العاهة شى ء الا رفع و أراد بالنجم الثريا ذكره البغوي و رواه احمد بلفظ ما طلع النجم صباحا قط و يقوم عاهة الا و رفعت عنهم او خفت و سنده ضعيف-

و قال مجاهد نجوم السماء كلها حين تغرب و اللام للجنس سمى الكواكب نجما بطلوعه و كل طالع نجم يقال نجم السن و القران و السنة و روى عن عكرمة عن ابن عباس انه الرجوم من النجوم يعنى ما يرمى به الشياطين عن استراقهم السمع و قال ابو حمزة الثمالي النجوم إذا انتثرت يوم القيامة و قال ابن عباس فى رواية عطاء المراد بالنجم القران فسمى نجما لانها نزلت نجوما متفرقة فى ثلثة و عشرين سنة يسمى التفريق تنجيما و المفرق منجما و قال الكلبي الهوى النزول من أعلى الى أسفل و قال الأخفش النجم هو النبت الذي لا ساق له و منه قوله تعالى و النجم و الشجر يسجد ان و هويه سقوط على الأرض و قال جعفر الصادق رض يعنى محمدا صلى اللّه عليه و سلم إذا نزل من السماء ليلة المعراج و الهوى النزول و قيل المراد بالنجم المسلم و بهويه دفنه فى القبر و الظرف لا يجوز ان يكون متعلقا بفعل قسم مقدر لان القسم لا يتعدى بذلك الوقت و لا ان يكون الظرف صفة منجم لانه جثة و ظرف الزمان لا يكون صفة للجثه بل هو متعلق بحدث مقدر مضاف الى النجم تقديره و تحرك النجم إذا هوى و قيل إذا هاهنا اسم و ليس بظرف و هو بدل اشتمال من النجم مقسم به و وجه تعين هذا الوقت للقسم ان وقت الهوى أفضل اوقات النجم لانه ان كان المراد بالنجم الثريا او مطلق النجم فان أريد بهواه سقوط شعلة منه لرجم الشياطين- فلا شك ان رجم الشياطين مقصود من خلقة النجوم و ان أريد به انتشاره يوم القيامة فذلك وقت إتمام المقاصد التي قصد بالنجوم و ان أريد به غروبه فغروبه أوضح دليل على إمكانه و وجود صانعه و لذا استدل الخليل عليه السلام بالأفول من الكواكب و القمر و الشمس حيث قال فلما أفل لا أحب الآفلين و ان أريد به نجم القران و بهويه نزوله او بالنجم محمد صلى اللّه عليه و سلم و بهويه نزوله من السماء ليلة المعراج فلا شك ان نزول القران لهداية الناس و نزول محمد صلى اللّه عليه و سلم بعد عروجه لهداية الخلق نعمة جليلة من اللّه تعالى لا نطير لهما و ان أريد بالنجم المسلم و بهويه دفنه فى القبر فلا شك ان دفن المسلم مع إيمانه سالما عن تسويلات النفس و الشيطان غانما بنعمة الايمان و الأعمال الصالحة وقت كماله و زوال حظر زواله و اللّه تعالى اعلم و جواب القسم.

٢

ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ محمد صلى اللّه عليه و سلم عن طريق الهدى وَ ما غَوى ج فى اتباع طريق الباطل قيل الضلال ضد الهداية و الغى ضد الرشد يعنى هو مهتد راشد و ليس كما تزعمون يا معشر قريش و تنسبونه الى الضلال و الغى.

٣

وَ ما يَنْطِقُ بالقران و لا بغيره عطف على ما ضل عَنِ الْهَوى ط صفة لمصدر محذوف يعنى نطقا ناشيئا عن الهوى يعنى لم يتقول القران من تلقاء نفسه كما يتقول الشعراء و كذا كل ما يتكلم ليس منشاؤه الهوى النفسانية بل مستند الى الوحى جلى او خفى و ان كان باجتهاد مامور من اللّه تعالى مقرر من اللّه عليه فهو ليس عن الهوى البتة.

٤

إِنْ هُوَ الضمير راجع الى القران المعهود فى الدهن و المدلول فيما سبق من الكلام إِلَّا وَحْيٌ يُوحى فليس فى هذه الاية ما يدل على انه صلى اللّه عليه و سلم ما كان يتكلم بالاجتهاد و الجملة تعليل بقوله ما ينطق.

٥

عَلَّمَهُ يعنى محمدا صلى اللّه عليه و سلم الضمير المنصوب مفعول أول لعلم و القران او ما يوحى اليه عليه السلام مطلقا من حيث انه اسم لكلام تام قايم مقام مفعولية الثاني و الثالث و فاعله شَدِيدُ الْقُوى جمع قوة و المراد به اللّه سبحانه القوى المتين.

٦

ذُو مِرَّةٍ المرة القوة الشدة و الاصالة و الاحكام كذا فى القاموس و اللّه سبحانه شديد البطش يحكم اصل كل شى ء و جملة علمه مع ما عطف عليه حال من الضمير المستكن فى يوحى او صفة بعد صفة فَاسْتَوى عطف على علمه و الاستواء من المتشابهات قال السلف فى قوله تعالى الرحمن على العرش استوى ان الاستواء معلوم بلا كيف و قال سهيل بن عبد اللّه التستري لا يجوز لمومن ان يقول كيف الاستواء لمن خلق الاستواء و لنا عليه الرضا و التسليم و قال مالك بن انس الكيف غير معقول و الاستواء غير مجهول و السؤال عنه بدعة و حاصل الاية انه كان للّه تعالى إذا علم محمدا صلى اللّه عليه و سلم نسبته به عليه السلام مجهول الكيفية كنسبته مع العرش المجيد و الكعبة الحسناء و قد تظهر تلك النسبة للصوفية الكرام و تظهر على وجه أكمل منه يوم يرونه كما يرون القمر ليلة البدر.

٧

وَ هُوَ يعنى محمدا صلى اللّه عليه و سلم بِالْأُفُقِ الْأَعْلى يعنى كان محمد صلى اللّه عليه و سلم إذا يوحى اليه فى كمال رفعة استعداده و علو مرتبته و الأفق الناحية على منتهى دايرة الإمكان حيث يكون وراء ذلك دايرة الوجوب التي لا يتصور هناك للسالك سير قدمى و الجملة حال من الضمير المنصوب فى علمه.

٨

ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى

٩

فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى بحذف المضافين ان كان مقدار قربه قاب قوسين او ادنى و جملة ثم دنى عطف على علمه

قال البغوي روينافى قصة المعراج عن شريك بن عبد اللّه بن انس و دنى الجبار رب العزة فتدلى حتى كان منه صلى اللّه عليه و سلم قاب قوسين او ادنى قال الشيخ محمد حيات السندي فى رسالته هذا حديث غريب و مثله عن ابن عباس رواه ابو سلمة عنه واو هاهنا ليس للشك بل بمعنى بل كما فى قوله تعالى وَ أَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ يعنى بل يزيدون قالت الصوفية العلية المراد بقوسين قوس الوجوب و قوس الإمكان فالصوفى فى مرتبة دنوه قاب قوسين يبقى فى نظره مرتبتى الوجوب و الإمكان كلتيهما و فى دنوه أدنى من قوسين يستر عن بصيرته قوس الإمكان مطلقا لا يرى نفسه عينا و لا اثرا و القاب و القيبة و القاد و القيد عبارة عن المقدار و هاهنا كناية عن كمال القرب و أصله ان الحليفين من العرب كانا إذا أراد عقد الصفا و العهد خرجا بقوسيهما و ألصقا بينهما يريدان بذلك انهما متظاهران يحامى كل واحد منهما عن صاحبه و مراتب الدنو و التدلي و ما كنى بقاب قوسين او بما هو ادنى منه درجات قرب للعهد من اللّه تعالى فى تجلياته سبحانه يدركه الصوفي و من لم يذق لم يدر و قد ذكروا هذه الدرجات فى كتب التصوف فى كلماتهم اكثر مما تحصى و قال الضحاك معناه دنى محمد من ربه فتدلى يعنى فاهوى للسجود و هذا يستلزم انتشار الضمائر.

١٠

فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ يعنى محمدا صلى اللّه عليه و سلم ما أَوْحى ط من القران و غيره من الوحى الغير المتلو و ضمائر اوحى و عبده و اوحى راجعة الى شديد القوى و هذا التفسير مروى عن انس و ابن عباس و غيرهما من السلف و لا غبار عليه من حيث العربية و قالت عائشة رض و اختاره اكثر المفسرين ان المراد بشديد القوى جبرئيل عليه السلام ذو مرة قال ابن عباس فى رواية اى ذو منظر حسن و قال قتادة و خلق طويل حسن فاستوى جبرئيل و هو يعنى محمد صلى اللّه عليه و سلم عطف على الضمير المرفوع المستتر فى استوى على ما اجازه الكوفيون

قال البغوي استوى جبرئيل و محمد عليهما السلام ليلة المعراج و قيل ضمير هو راجع الى جبرئيل كان يأتي رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى صورة الآدميين كما كان يأتي النبيين فساله رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان يره نفسه على صورة التي خلقها فاراه مرتين فى الأرض و مرة فى السماء فاما فى الأرض ففى الأفق الأعلى و المراد بالأعلى جانب المشرق و ذلك ان محمدا صلى اللّه عليه و سلم كان بحراء فطلع له جبرئيل من المشرق فسد الأفق الى المغرب فخر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مغشيا عليه فنزل جبرئيل فى صورة الآدميين و ضمه صلى اللّه عليه و سلم الى نفسه و جعل يمسح الغبار عن وجهه و اما فى السماء فعند سدرة المنتهى ليلة المعراج و لم يره أحد من الأنبياء على تلك الصورة الا محمد صلى اللّه عليه و سلم قوله تعالى ثُمَّ دَنا يعنى جبرئيل بعد استوائه بالأفق الأعلى من الأرض فتدلى فنزل الى محمد صلى اللّه عليه و سلم لما خرّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مغشيا عليه فكان منه قاب قوسين او ادنى يعنى بل ادنى و القوس ما يرمى به فى قول مجاهد و عكرمة و عطاء عن ابن عباس فاخبر انه كان بين جبرئيل و بين محمد صلى اللّه عليه و سلم مقدار قوسين قال معناه حيث الوتر من القوس و قال ابن مسعود قاب قوسين قدر ذرا عين و هو قول سعيد بن جبير و شفيق بن سلمة و القوس الذراع يقاس بها كل شى ء كذا روى البخاري فى تاويل الاية عن عائشة رض و

قال البغوي و به قال ابن عباس و الحسن و قتادة قيل فى الكلام تقديم و تأخير تقديره ثم تدلى فدنى لان التدلي سبب الدنو و الظاهر ان الدنو أعم مطلقا عن التدلي فان الدنو لا يقتضى وصول الشي ء الى منتهى مسافة يريد قطعها الى تحت بخلاف التدلي فانه ماخوذ من الدلو فان التدلي وصول الدلو الى قعر البير و ايضا يعتبر فى التدلي الوصول الى المنتهى مع بقاء تعلقه بالمبدأ يتال ادلى رجله من السرير و ادلى دلوه و الدوالي للثمر المعلق فاوحى جبرئيل الى عبده يعنى عبد اللّه و ما اوحى اللّه اليه و هذا التأويل يأباه العربية و المعقول بوجوه أحدها ان قصة جبرئيل هذه حكاية حال و الكلام فى ان القران ليس شيأ منها مما نطقه محمد صلى اللّه عليه و سلم من تلقاء نفسه بل كله مما اوحى اليه من ربه و جملة شديد القوى مع ما عطف عليه من قوله فاستوى و هو بالأفق الأعلى ثم دنى فتدلى فكان قاب قوسين او ادنى حال من الضمير المستكن فى قوله الا وحي يوحى و زمان الحال يتحد مع زمان صاحبه فمقتضى الكلام وقوع تلك القصة فى كل مرة اوحى اليه شى ء من القران و الا لا يجوز وقوعه حالا او لا يجوز القول بان القران كله كذلك ثانيها انه يلزم حينئذ انتشار الضمائر فى قوله تعالى فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى و رجوع ضمير عبده الى اللّه سبحانه قرينة لكونه ضميرا وحي راجعا الى اللّه تعالى ثالثها ان الدنو او التدلي من جبرئيل عليه السلام و كونه قاب قوسين او ادنى ليس كما لا للنبى صلى اللّه عليه و سلم فان النبي صلى اللّه عليه و سلم كان أفضل من جبرئيل عليه السلام قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم وزير اى فى السماء جبرئيل و ميكائيل و وجه القول بالتأويل الثاني انما هو استبعاد الاستواء و الدنو و التدلي الى اللّه تعالى و لما كان القران ناطقا بان منه آيات محكمات هن أم الكتاب و اخر متشابهات فلا وجه للقول بهذا التأويل البعيد و الاستواء و الدنو و التدلي و كونه قاب قوسين او ادنى بلا كيف على ما يليق بالتنزيه مشهود لارباب القلوب كمشاهدة القمر ليلة البدر فالاوجه فى القول ما قالوا و اللّه تعالى اعلم قال سعيد بن جبير فى قوله تعالى فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى انه اوحى اليه أَ لَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى الى قوله و رفعنا لك ذكرك و قيل اوحى اليه ان الجنة لحرمة على الأنبياء حتى تدخلها أنت و على الأمم حتى يدخلها أمتك و الظاهر أن ما اوحى عام و لا وجه للتخصيص.

١١

ما كَذَبَ الْفُؤادُ اى فواد محمد صلى اللّه عليه و سلم ما رَأى قال ابن مسعود راى محمد صلى اللّه عليه و سلم جبرئيل له ستمائة جناح و كذا روى عن عائشة رض و أنكرت عائشة روية النبي صلى اللّه عليه و سلم و به روى البخاري عن مسروق قال قلت لعائشة يا أماه هل راى محمد صلى اللّه عليه و سلم ربه فقالت لقد يقف شعرى مما قلت اين أنت من ثلث من حدثكهن فقد كذب من حدثك ان محمد راى ربه فقد كذب ثم قرأت لا تدركه الابصار و هو يدرك الابصار و هو اللطيف الخبير و ما كان لبشر ان يكلمه اللّه الا وحيا او من وراء الحجاب و من حدثك انه يعلم ما فى غد فقد كذب ثم قرأت ما تدرى نفس ماذا تكسب غدا و من حدثك انه كتم شيأ من الوحى فقد كذب ثم قرأت يا ايها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك الاية و لكن راى جبرئيل فى صورته مرتين و قال ابن عباس ما كذب الفؤاد ما راى و لقد راه نزلة اخرى ان محمدا صلى اللّه عليه و سلم راى ربه جل و على بفؤاده مرتين كذا روى مسلم عنه و فى رواية الترمذي قال ابن عباس راى محمد ربه قال عكرمة قلت أ ليس اللّه يقول لا تدركه الابصار و هو يدرك الابصار و قال ويحك ذاك إذا تجلى بنوره الذي هو نوره و قد راى محمد ربه مرتين

و اخرج ابن جرير عن ابن عباس انه صلى اللّه عليه و سلم سئل هل رايت ربك قال رايت بفؤادى و قال انس و الحسن و عكرمة راى محمد صلى اللّه عليه و سلم ربه يعنى بعينه

قال البغوي قال عكرمة عن ابن عباس قال ان اللّه اصطفى ابراهيم بالخلة و اصطفى موسى بالكلام و اصطفى محمد صلى اللّه عليه و سلم بالر وية و روى الترمذي عن الشعبي ان كعب الأحبار قال لابن عباس ان اللّه قسم رويته و كلامه بين محمد و موسى فكلم موسى مرتين و راى محمد صلى اللّه عليه و سلم مرتين قلت المراد بالروية المختلف فيها اما الروية بالبصر و اما الروية القلبية المعبر عنها بالمشاهدة فغير مختص بالنبي صلى اللّه عليه و سلم بل يتشرف اولياء أمته صلى اللّه عليه و سلم ايضا و قد ادعى بعض الأولياء الروية البصرية و ذلك خلاف اجماع فى حق غير النبي صلى اللّه عليه و سلم و هذا الدعوى مبنى على الاشتباه و وجه الاشتباه ان الصوفي قد يرى ربه بقلبه و هو يقظان و يتعطل حينئذ بصره لكنه يزعم فى غلبة الحال انه يراه ببصره و انما هو يراه بقلبه و بصره معطل و قوله عليه السلام رايته بفؤادى لو ثبت لا يدل على انفى الروية بالبصر الا بالمفهوم قلت و قول ابن مسعود و عائشة شهادة على النفي و شهادة الإثبات أرجح و ما احتج به عائشة على نفى رويته صلى اللّه عليه و سلم فلا يخفى ضعفه و اما قوله تعالى لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ فقد ذكرنا فى تفسير تلك الاية فى سورة الانعام ان الدرك أخص من الروية و نفى الدرك لا يستلزم نفى الروية قال اللّه تعالى فلما تراء الجمعان قال اصحاب موسى انا لمدركون قال كلا ان معى ربى و ايضا مفهوم الاية سلب عموم الدرك لا عموم سلب الدرك و اما قوله ما كان لبشر ان يكلمه اللّه إلا وحيا او من وراء حجاب ترديد بين الوحى من وراء الحجاب و الوحى بلا حجاب فلا استدلال به و اللّه تعالى اعلم و روى مسلم عن ابى ذر قال سالت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم هل رأيت ربك قال نورانى أراه انى بفتح الهمزة للاستفهام يعنى كيف أراه و فى بعض الروايات نورانى منسوب الى النور أراه فعلى الرواية الثانية يثبت الروية و على الرواية الاولى ليس الحديث صريحا فى نفى الروية مطلقا قلت و بعد ثبوت روية صلى اللّه عليه و سلم ربه بالعين كما يدل عليه حديث ابن عباس و كعب ايضا ان المراد بالروية فى الاية الروية القلبية فانها هى المتصورة عند كل وحي يوحى اليه دون الروية البصرية فانها مختصة بليلة المعراج قرا ابو جعفر و هشام عن ابى عباس كذب بتشديد الذال من التكذيب يعنى ما كذب قلب محمد صلى اللّه عليه و سلم ما راى بعينه او بقلبه بل صدقه و ايقنه و هو حققه فان الأمور القدسية تدرك او لا بالقلب ثم ينتقل منه الى البصر و البصيرة فان ابصر مثل ما أدرك بالقلب و ان قصر بصره او بصيرته عما أدركه القلب و راى بخلافه كذبه و هذا هو المصداق الفارق بين العلوم الحقة الفائضة من الرحمن و بين الخيالات الوهمية و ملتبسات الشيطانية فان الصوفي قد يلتبس عنده العلوم و الإلهامات و المكاشفات القدسية المفاضة عليه من اللّه سبحانه بما يتخيله الوهم و الخيال و بما القى الشيطان فى أمنيته و الفارق بينهما ان يرجع الصوفي الى قلبه فان صدقه قلبه و اطمأن به و رأى فى قلبه منه برد اليقين علم انه من اللّه سبحانه و ان كذبه قلبه و اضطرب عنده و ابى عرف انه من النفس او الشيطان قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا جاءك فى صدرك شى ء فدعه رواه احمد عن ابى امامة او قال عليه السلام استفت قلبك و ان أفتاك المفتون

و قرا الجمهور بتخفيف الذال و الكذب يجى ء متعديا بمعنى كذب له و مجازه ما كذب الفؤاد لمحمد صلى اللّه عليه و سلم فيما راى يعنى أخبره على ما فى نفس الأمر

فان قيل هذه الاية يقتضى ان تصديق القلب يغاير روية القلب

قلنا نعم و تحقيق المقام ان قلب المؤمن يدرك اللّه سبحانه و صفاته يمعية ذاتية غير متكيفة مترتبة على محبة ذاتية غير متكيفة و لا يراه بل روية مقتصرة على مراتب الظلال بل القلب لا يرى شيئا من ذوات الممكنات ايضا فان حصول الأشياء فى الأذهان انما هى باشباهها و ظلالها لا بانفسها و ما يرى ذات شى ء مما يراه الا يتوسط الباصرة فروية اللّه سبحانه تيسير للمومنين فى الاخرة بتوسط الحاسة لا فى الدنيا الا ما ذكرنا من الخلاف فى حق النبي صلى اللّه عليه و سلم خاصة و دركه تعالى مختص بالقلوب دون الابصار فانه تعالى لا تدركه الابصار لا فى الدنيا و لا فى الاخرة فروية القلب سواء كانت بتوسط البصر او بلا توسط قد يعتبر به الغلط بتخليط الوهم او تلبيس الشيطان او زيغ البصر و طغيانه عما يراه و اما دركه البسيط فلا يعتبر به شى ء من ذلك و يتفرع عليه الاطمينان بالحق و تصديقه و الإباء عن الباطل و تكذيبه و اللّه تعالى اعلم بحقيقة الحال.

١٢

أَ فَتُمارُونَهُ معطوف على محذوف قرا حمزة و الكسائي أ فتمارونه على وزن تدعونه بمعنى تغلبونه فى المرأ يقال ماريته فمريته بمعنى حادلته فغلبته و على هذا التقدير الكلام أ تمارونه فتمرونه عَلى ما يَرى عدى بعلى لان الفعل بمعنى الغلبة و قيل تمرون تجحدون يقال مريت الرجل حقه يعنى جحدته و المعنى أ تجادلون محمدا فتحجدون صدقه على ما يرى و التعدية بعلى حينئذ ايضا لتضمن الفعل مع الغلبة فان المجادل و الجاحد يقصدان يفعلهما للغلبة على الخصم

و قرا جمهور القراء أ فتمارونه من المراء و هو المجادلة و اشتقاقه من مرى الناقة اى استخرج لبنها فان كلا من المتجادلين بمرى ما عند صاحبه يستخرجه و تقدير الكلام حينئذ تنكرون قول محمد فتمارونه عن ما يرى و الاستفهام للتوبيخ و الإنكار يعنى لا ينبغى ....... الإنكار و الجدال فيما يدعى محمد صلى اللّه عليه و سلم رويته و أورد صيغة المضارع استحضارا للحال الماضي و حكاية عنه و جاز ان يراد به التوبيخ على انكار كل ما أراه محمد صلى اللّه عليه و سلم فى الحال او الاستقبال-.

١٣

وَ لَقَدْ رَآهُ يعنى و اللّه لقد راى محمد صلى اللّه عليه و سلم ربه جل و علا او جبرئيل على صورته التي خلق عليها على اختلاف القولين المذكورين نَزْلَةً فعلة من النزول كجلسة من الجلوس منصوب على الظرفية من راه تقديره وقت نزلة اخرى او على المصدرية تقديره نازلا نزلة اخرى و فى إيراد نزلة اشعار بان الروية فى هذه المرة كانت ايضا بالنزول و الدنو فان روية البشر الممكن الواجب جل سلطانه انما يتصور إذا كان البشر الرائي فى الأفق الأعلى و الدرجة الانس من درجات الإمكان و اللّه تعالى يتنزل من مراتب التنزيه الى نوع من درجات التشبيه فيرى من وراء حجب الظلال او الصفات و لا يذهب عليك من مقالتى هذا حدوث امر فى جانبه تعالى ذلك علوا كبيرا بل النزول و العروج كلها فى مرتبة العلم يظهر بحدوث صفاء فى مراة قلب المتجلى له و قد مر البحث عن مثله فى سورة البقر فى تفسير قوله تعالى هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللّه فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ أُخْرى هذا يدل على تعدد الروية و لا يدل على الانحصار فى المرتين فما روى عن ابن عباس و كعب الأحبار انه راى ربه مرتين محمول على بيان ادنى ما يتصور فيه التعدد و هذه الاية حكاية عن روية النبي صلى اللّه عليه و سلم ربه ليلة المعراج.

١٤

عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى و الظاهران ما حكى عن ابن عباس و كعب رويته صلى اللّه عليه و سلم ربه بعينه هو هذه الروية و قوله عند سدرة المنتهى ظرف متعلق يراه او اضافة السدر الى المنتهى اضافة موصوف الى صفة نحو جانب الغرب و مسجد الجامع اجازه الكوفيون و تأويله عند البصريين سدرة المكان منتهى و جعل المنتهى صفة لها لانه ينتهى إليها ما يعرج به من الأرض فيقبض منها و يهبط به من فوقها فيقبض منها و ينتهى إليها علم الخلائق و ما خلقها غيب و يدل عليه ما يورد عليك من حديث ابن مسعود و كعب (قصة المعراج) فى الصحيحين عن انس بن مالك عن مالك بن صعصعة عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال بينما انا فى الحطيم مضطجعا إذا تأنى ات فشق بين هذه و هذه يعنى من ثغرة نحره الى شعرته فاستخرج قلبى ثم أتيت بطست من ذهب مملو ايمانا فغسل قلبى ثم حشى ثم أعيد و فى رواية ثم غسل البطن بماء زمزم ثم صلى ايمانا و حكمة ثم أتيت بداية دون البغل و فوق الحمار يقال له البراق ليضع خطوه عند أقصى طرفه فحملت عليه فانطلق بي جبرئيل حتى اتى السماء الدنيا فاستفتح قيل من هذا قال جبرئيل قيل و من معك قال محمد قيل و قد أرسلت اليه قال نعم قيل مرحبايه فنعم المجي ء جاء ففتح فلما خلصت فاذا فيها آدم فقال هذا أبوك و آدم فسلم عليه فسلمت عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالا بن الصالح ثم صعد بي حتى اتى السماء الثانية فاستفتح فذكر نحو ما ذكر فى السماء الدنيا و كذا ذكر كل السماء قال فلما خلصت إذا يحيى و عيسى و هما ابنا خالة قال هذا يحيى و هذا عيسى فسلم فسلمت عليهما فردا ثم قال مرحبا بالأخ الصالح و النبي الصالح و ذكر فى السماء الثالثة يوسف و فى الرابعة إدريس و فى الخامسة هارون و فى السادسة موسى كل قال مرحبا بالأخ الصالح و النبي الصالح قال عليه السلام فلما جاوزت بكى يعنى موسى قيل له ما يبكيك قال ابكى لان غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته اكثر ممن يدخلها من أمتي ثم صعد بي الى السماء السابعة فذكر الاستفتاح و غير ذلك نحو ما مرو ذكر هناك ابراهيم قال جبرئيل هذا أبوك ابراهيم فسلم عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالابن الصالح ثم رفعت الى سدرة المنتهى فاذا نبقها مثل قلال هجروا ذا ورقها مثل أذان القيلة قال هذه سدرة المنتهى فاذا اربعة انهار نهران باطنان و نهران ظاهران قلت ما هذا يا جبرئيل قال اما الباطنان فنهران فى الجنة و اما الظاهران فالنيل و الفرات ثم رفع بي الى البيت المعمور ثم أتيت باناء من خمر و اناء من لبن و اناء من عسل فاخذت اللبن فقال هى الفطرة أنت عليها و أمتك ثم فرضت علىّ الصلاة خمسين صلوة كل يوم فرجعت و مررت على موسى فقال بما أمرت قلت أمرت بخمسين صلوة كل يوم قال ان أمتك لا تستطيع خمسين صلوة كل يوم و انى و اللّه قد جربت الناس قبلك عالجت بنى إسرائيل أشد المعالجة فارجع الى ربك فاسئله التخفيف لامتك فرجعت فوضع عنى عشرا فرجعت الى موسى فقال مثله فرجعت فوضع عنى عشرا فرجعت الى موسى فقال مثله فامرت بعشر صلوات كل يوم فرجعت الى موسى فقال مثله فرجعت فامرت بخمس صلوات كل يوم فرجعت الى موسى فقال بما أمرت قلت أمرت بخمس صلوات كل يوم قال ان أمتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم و انى قد جربت الناس قبلك و عالجت بنى إسرائيل أشد المعالجة فارجع الى ربك فاسئله التخفيف لامتك قلت سالت ربى حتى استحييت و لكنى ارضى و اسلم قال فلما جاوزت نادى منادى أمضيت فريضتى و خففت عن عبادى و روى مسلم عن ثابت البناني عن انس ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال أتيت بالبراق و هو دابة ابيض طويل فوق الحمار دون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه فركبته حتى أتيت بيت المقدس فربطته بالحلقة التي تربط بها الأنبياء و قال ابن جرير عن أبيه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لما انتهينا الى بيت المقدس قال جبرئيل بإصبعه فخرق بها الحجر و شد به البراق قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرج فجاءنى جبرئيل باناء من خمر و اناء من لبن فاخترت اللبن فقال جبرئيل اخترت الفطرة ثم عرج بنا الى السماء و ساق مثل معنى ما ذكر من الحديث قال فاذا انا بآدم فرحب بي و دعا بي بخير و قال فى السماء الثالثة فاذا انا بيوسف إذا هو قد اعطى شطر الحسن فرحب بي و دعا بي بخير و لم يذكر بكاء موسى و قال فى السماء السابعة فاذا انا بإبراهيم مسند أظهره الى البيت المعمور و إذا هو يدخله كل يوم سبعون الف ملك لا يعودون اليه و فى رواية قال جبرئيل هذا البيت المعمور يصلى فيه كل يوم سبعون الف ملك إذا خرجوا لا يعودوا اخر ما عليهم ثم ذهب بي الى السدرة المنتهى فاذا اورقها كاذان القبلة و إذا ثمرها كالقلال فلما غشّها من امر اللّه ما غشى تغيرت فما أحد من خلق اللّه يستطيع ان ينعتها من حسنها و اوحى الى ما اوحى ففرض علىّ خمسين صلوة فى كل يوم و ليلة فنزلت الى موسى قال ما فرض ربك على أمتك قلت خمسين صلوة فى كل يوم و ليلة قال ارجع الى ربك فسئله التخفيف فان أمتك لا يطيق ذلك فانى بلوت بنى إسرائيل و خبرتهم قال فرجعت الى ربى فقلت يا رب خفف عن أمتي فحط عنى خمسا فرجعت الى موسى فقلت حط عنى خمسا قال ان أمتك لا تطيق ذلك فارجع الى ربك فسئله التخفيف قال فلم ازل ارجع بين ربى و بين موسى حتى قال يا محمد انهن خمس صلوات كل يوم و ليلة لكل صلوة عشر فلذلك خمسون من عمّ بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فان عمل بها كتبت له عشرا من همّ بسيئه فلم يعملها لم يكتب له بشى فان عملها كتبت سيئة واحدة قال فنزلت حتى انتهيت الى موسى فاخبرته فقال ارجع الى ربك فسئله التخفيف فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقلت قد رجعت الى ربى حتى استحييت منه و فى الصحيحين عن ابن عباس عن ابى ذر يحدث عن النبي صلى اللّه عليه و سلم فقال ففرج عنى سقف بيتي و انا بمكة فذكر شق الصدر نحو ما ذكر و لم يذكر البراق قال ثم أخذ بيدي فعرج بي الى السماء فلما جئت الى السماء الدنيا فقال جبرئيل لخازن السماء افتح فذكر نحوه فلما فتح علونا السماء الدنيا إذا رجل قاعد على يمينه اسودة و على يساره اسودة إذا نظر قبل يمينه ضحك و إذا نظر قبل شماله بكى فقال مرحبا بالنبي الصالح و الابن الصالح قلت لجبرئيل من هذا قال هذا آدم و هذه الاسودة عن يمينه و عن شماله نسم بنيه فاهل اليمين منهم اهل الجنة و الاسودة التي عن شماله اهل النار فاذا نظر عن يمينه ضحك و إذا نظر عن شماله بكى فذكر انه وجد فى السموات آدم و إدريس و موسى و عيسى و ابراهيم و لم يثبت كيف منازلهم غير انه قال وجد آدم فى السماء الدنيا و ابراهيم فى السادسة قال ابن شهاب فاخبرنى ابن حزم ان ابن عباس و أبا حبة الأنصاري كانا يقولان قال النبي صلى اللّه عليه و سلم ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوى اسمع فيه صريف الأقلام و قال ابن حزم و انس ففرض اللّه على أمتي خمسين صلوة فرجعت بذلك حتى مررت على موسى قال ما فرض اللّه لك قلت خمسين صلوة قال فارجع الى ربك فان أمتك لا يطيق فراجعنى فوضع شطرها فرجعت الى موسى فقلت وضع اللّه شطرها فقال ارجع الى ربك فان أمتك لا يطيق فراجعته فقال هى خمس و هى خمسون لا يبدل القول لدىّ فرجعت الى موسى فقال راجع ربك فقلت استحييت من ربى فانطلق بي حتى انتهى بي الى السدرة و غشيها ألوان لا أدرى ما هى ثم ادخلت الجنة فاذا فيها جنابذا اللؤلؤ و إذا ترابها المسك و روى معمر عن قتادة عن انس ان النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم اتى البراق ليلة اسرى به مسرجا ملجما فاصعب عليه فقال جبرئيل أ بمحمد تفعل هذا فما ركبك أحد أكرم على اللّه منه فارفض عرقا و روى مسلم عن ابن مسعود قال لما اسرى برسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انتهى به الى السدرة المنتهى و هى فى السماء السادسة إليها ينتهى ما يعرج بها من الأرض فيفيض منها و إليها ينتهى ما يهبط به من فوقها فيقبض منها و ذكر البغوي انه قال هلال بن يسار سال ابن عباس كعبا عن سدرة المنتهى و انا حاضر فقال انها سدرة فى اصل العرش و إليها ينتهى علم الخلائق و ما خلقها غيب لا يعلمه الا اللّه قلت و معنى قوله إليها ينتهى علم الخلائق يعنى ان بعض المخلوقات اعنى الملائكة يحضرون الى سدرة المنتهى و لا يتجاوزها أحد من الخلائق فما ورائها غيب من كل وجه و اما سدرة المنتهى فهى و ان كان غيبا بالنسبة الى البشر فليس يغيب بالنسبة الى بعض الملائكة و روى البغوي بسنده عن اسماء بنت ابى بكر قالت سمعت النبي صلى اللّه عليه و سلم يدكر سدرة المنتهى قال يسير الراكب فى ظل الغصن مائة عام و يستظل فى الغصن منها ماية الف راكب فيها فراش من ذهب كان ثمرها القلال و قال مقاتل هى شجرة تحمل الحلي و الحلل و الثمار و جميع الألوان لوان ورقة منها وضعت فى الأرض أضاءت لاهل الأرض و هى طوبى التي ذكرها اللّه فى سورة الرعد.

١٥

عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى ط و اضافة جنة الى المأوى ايضا من قبيل اضافة الموصوف الى الصفة جوزها الكوفيون و يؤله البصريون بجنة المكان المأوى قال عطاء عن ابن عباس معناه جنة يأوي إليها جبرئيل و الملائكة و قال مقاتل و الكلبي فاوى إليها أرواح الشهداء و جنة المأوى مبتدا او فاعل للظرف و الجملة صفة لسدرة ان كانت الاضافة للعهد الذهني فى قوة النكرة و الا فهى حال عنها.

١٦

إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى الظرف متعلق يراه الموصول مع الصلة فاعل يغشى استعمال الموصول للتفخيم و صيغة المضارع بمعنى الماضي و المعنى غشيها ما لا يستطيع أحد ان ينعبتها لحسنها او لكثرة عددها او لعدم درك كنهها و قد مر فى حديث المعراج عن انس فلما غشيتها من امر اللّه ما غشى تغيرت فما أحد من خلق يستطيع ان ينعتها من حسنها و روى مسلم عن ابن مسعود قال إذ يغشى السدرة ما يغشى قال فراش من ذهب و كذا ذكر البغوي قول ابن عباس

قال البغوي عن الحسن قال غشيتها نور رب العزت فاستنارت قلت لعل نور رب العزة كعزة كنى عنها بفراش من ذهب و قال مقاتل تغشيها الملائكة أمثال الغربان- و قال السدى من الطيور و روى عن ابى العالية عن ابى هريرة رض او غيره قال غشيتها نور الخلائق و غشيها الملائكة من حب اللّه أمثال الغربان حتى يقعن على الشجر قلت و لا منافات بين تغشية نور رب العزة و تغشية الملائكة فان تغشية الملائكة انما هى لأجل تغشية نور رب العزة كما يدل عليه قوله غشيها من الملائكة من حب اللّه أمثال الغربان و تغشية النور من قبيل التجليات النورية و اللّه تعالى اعلم

قال البغوي يروى فى الحديث رايت على كل ورقة منها ملكا قايما يسبح اللّه تعالى.

١٧

ما زاغَ الْبَصَرُ يعنى ما مال بصر النبي صلى اللّه عليه و سلم يمينا و لا شمالا و ما أخطى فى النظر بل أثبته اثباتا صحيحا وَ ما طَغى اى ما جاوز عن الجيوب؟؟؟ الى يثيره اه من العشق و حالاته احرق قلبى بحراراته ما نظر العين الى غيركم اقسم باللّه و آياته قيل معناه ما عدل عن روية العجائب التي امر برويتها-.

١٨

لَقَدْ رَأى اى لقد راى محمد صلى اللّه عليه و سلم مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى مفعول لراى و من ايت ربه حال منه مقدم عليه و من للتبعيض يعنى و اللّه لقد راى محمد الكبرى من آيات ربه و جاز ان يكون من زائدة و آيات ربه مفعول به الكبرى صفة لها و جاز ان يكون المفعول محذوفا تقديره لقد راى شيئا من آيات ربه الكبرى و المراد بالآيات العجائب الملكوتية التي راى ها فى ليلة المعراج فى مسيره و عوده من البراق و السموات و الأنبياء و الملائكة و السدرة المنتهى و جنة المأوى- روى مسلم عن عبد اللّه بن مسعود قال لقد راى من آيات ربه الكبرى قال راى جبرئيل فى صورته له ستمائة جناح و روى البخاري عنه لقد راى من آيات ربه الكبرى قال راى رفر فاخضر اسد الأفق و انما وصف تلك الآيات بالكبرى لتجليات مخصوصة فى تلك الآيات و كونها مهبط الرحمة و البركة و الأفكل ممكن اية كبرى على وجود صانعه و دليل واضح مكتفى لا يحقر منها شى ء قال اللّه تعالى ان الذين يدعون من دون اللّه لن يخلقوا ذبابا و لو اجتمعوا له

فان قيل هذه الاية تؤيد قول من قال ان النبي صلى اللّه عليه و سلم انما راى مرتين جبرئيل عليه السلام دون اللّه سبحانه لان روية الآيات غير روية الذات

قلنا روية الآيات لا ينافى روية الذات بل الآيات قد ينجلى فيه الذات كما ان الشمس يتجلى فى المرآة

فان قيل قد ذكرت فى تفسير قوله تعالى ما طَغى يعنى ما جاوز بصره عن المحبوب الى غيره فكيف يتصور روية الآيات

قلنا المقصود من روية الآيات انما هى الذات و من ثم تكون الآيات مرأة للذات فحين راى الآيات جاوز نظره عنها الى الذات و حين راى الذات لم يتجاوز عنه الى غيره أصلا-

(مسئلة) اجمع المؤمنون من اهل السنة و الجماعة ان معراجه صلى اللّه عليه و سلم فى اليقظة حق فقيل مسراه صلى اللّه عليه و سلم من المسجد الحرام الى الأقصى قطعى ثابت بقوله تعالى سبحانه الذي اسرى بعبده الاية فيكفر جاحده و اما معراجه الى السماء السابعة و ما فوقها فثبت بأحاديث صحاح فيفسق جاحده و لا يكفر و الصحيح ان معراجه صلى اللّه عليه و سلم الى السدرة المنتهى قطعى ثابت بهذه الاية يكفر جاحده

فان قيل ما رواه الشيخان فى الصحيحين عن شريك بن عبد اللّه قال سمعت انس بن مالك يقول ليلة اسرى برسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من مسجد الكعبة انه جاء ثلثة نفر قبل ان يوحى اليه و هو نائم فى المسجد الحرام و ساق حديث المعراج بقصته قال فاذا هو فى السماء الدنيا بنهرين يطروان قال هذا النيل و الفرات ثم مضى به فى السماء فاذا هو بنهر أخر عليه قصر من لؤلؤ و زبرجد فضرب بيده فاذا هو مسك ازفر قال ما هذا يا جبرئيل قال هذا الكوثر الذي هيّا لك ربك و ساق الحديث و قال ثم عرج بي الى السماء السابعة و قال قال موسى رب لم أظن ان يرفع على أحد ثم علابه فوق ذلك بمالا يعلمه الا اللّه حتى جاء سدرة المنتهى و دنا الجبار رب العزة فتدلى حتى كان منه قاب قوسين او ادنى فاوحى اليه ما اوحى اوحى اللّه خمسين صلوة كل يوم و ليلة قال فلم يزل يردده موسى الى ربه حتى صارت الى خمس صلوات ثم أجبته موسى عند الخمس فقال يا محمد و اللّه لقد راودت بنى إسرائيل قومى على ادنى من هذا فضعفوا عنه و تركوه فامتك أضعف أجساد او قلوبا و أبدانا و ابصارا و سماعا فارجع فليخفف عنك ربك كل ذلك يلتقت النبي صلى اللّه عليه و سلم الى جبرئيل ليشير عليه و لا يكره ذلك جبرئيل فرفعه عند الخامسة فقال يا رب ان أمتي ضعفاء أجسادهم و قلوبهم و أسماعهم و أبصارهم فخفف عنا فقال الجبار يا محمد فقال لبيك و سعديك قال انه لا يبدل القول لدى كما فرضت عليك فى أم الكتب فكل حسنة بعشر أمثالها فهى خمسون فى أم الكتاب و هى خمس عليك فقال موسى ارجع الى ربك فسئله فليخفف عنك ايضا قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قد و اللّه استحييت من ربى مما اختلف اليه قال فاهبط باسم اللّه فاستيقظ و هو فى المسجد الحرام هذا لفظ البخاري و رواه مسلم مختصرا يدل على كون المعراج فى المنام

قلنا طعن بعض اهل الحديث على هذا الحديث و قالوا وجدنا لمحمد بن اسمعيل و لمسلم فى كتابيهما شيئا لا يحتمل مخرجا الا هذا و أحال الآفة فيه الى شريك بن عبد اللّه و ذلك انه ذكر فيه ان ذلك قبل ان يوحى اليه و اتفق اهل العلم على ان المعراج كان بعد الوحى بنحو من اثنى عشر سنة قبل الهجرة بسنة و قال بعض اهل الحديث ان هذا كان رويا فى المنام أراه عز و جل قبل الوحى و هو فى المسجد الحرام ثم عرج به فى اليقظة بعد الوحى قبل الهجرة تحقيقا لرؤياه من قبل كما انه راى فتح مكة فى المنام عام الحديبية سنة ست من الهجرة ثم كان تحقيقه سنة ثمان و نزل قوله تعالى لقد صدق اللّه رسوله الرؤيا بالحق و اللّه تعالى اعلم و لما ذكر اللّه سبحانه روية النبي صلى اللّه عليه و سلم ربه و آيات ربه و تعلمه صلى اللّه عليه و سلم منه تعالى و تصديق قلبه اردفه بذلك تقبيح الكفار بقصر نظرهم على مجازه لا حقيقة لها فقال.

١٩

أَ فَرَأَيْتُمُ الاستفهام للانكار و التوبيخ و الفاء للعطف على محذوف تقديره انظر تم ما تعبدونه فرايتم اللَّاتَ وَ الْعُزَّى هذه اسماء أصنام اتخذوها الهة يعبدونها و يزعمون الملائكة بنات اللّه و يزعمون الأصنام هياكل الملائكة و يقولون الأصنام استوطنها جنيات هن بنات اللّه و اشتقوا لها اسماء من اسماء اللّه تعالى فاشتقوا من اللّه اللات و من العزيز العزى تأنيث الأعز و قيل اللات أصله لوية على وزن فعلة من لوى يلوى لانهم كانوا يلوون عليها اى يطوفون حولها قلبت الواو الفا و حذفت الياء على خلاف قياس و وضعت تاء التأنيث مكانها فكتبت طويلا قرا ابن عباس و مجاهد و ابو صالح و رويس بتشديد التاء على انه سمى به لانه صورة رجل كان يلت السويق بالسمن و يطعم الحاج فلما مات كانوا عكرنا على قبره ثم كانوا يعبدونه و قال قتادة كانت اللات صنما لثقيف بالطائف و قال ابن زيد كانت بيت بنخلة تعبده قريش و اما العزى قال مجاهد هى شجرة بغطفان كانوا يعبدونها و قال ابن إسحاق كانت بيتا بنخلة و كانت سدنتها و حجابها بنى شيبان حلفاء بنى هاشم كانت أعظم أصنام قريش و جميع كنانة كان عمرو بن لحى قد أخبرهم ان الرب يشتى بالطائف عند اللات و يصيف بالعزى فعظموهما و بنوالهما بيتا و كانوا يهدون اليه كما يهدون الى الكعبة و روى البيهقي عن ابى الطفيل بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يوم فتح مكة خالد بن وليد فاتاها خالد فقطع السمرات و هدمها ثم رجع الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال هل رايت شيئا قال لا قال فانك لم تهدمها فرجع خالد و هو مستيقظ فلما رات السدنة خالدا انبعثوا فى الحيل و هم يقولون يا عزى خليه يا عزى عوربه و الا فموتى برغم فخرجت اليه سوداء عريانة ناشرة الراس تحثوا لتراب على راسها و وجهها فجرد سيفه و هو يقول كفرانك لا سبحانك انى رايت اللّه قد أهانك فضربها بالسيف فخبر بها باثنين ثم رجع الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فاخبره قال نعم تلك العزى قد يئست ان تعبد ببلدكم ابدا و قال الضحاك هى صنم بغطفان وضعها سعد بن ظالم الغطفاني و ذلك انه قدم مكة فراى صفا و المروة و راى اهل مكة يطوفون بينهما فعاد الى بطن نخلة و قال لقومه ان لاهل مكة الصفا و المروة و ليست لكم و لهم اله يعبدونه و ليس لكم قالوا فما تأمرنا قال انا اصنع لكم كذلك فاخذ حجرا من الصفا و حجرا من المروة نقلها الى النخلة فوضع الذي أخذ من الصفا فقال هذا الصفا ثم وضع الذي أخذ من المروة فقال هذه المروة ثم أخذ ثلثة أحجار فاسندها الى شجرة فقال هذا ربكم فجعلوا يطوفون بين الحجرين و يعبدون الحجارة حتى افتتح رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مكة فامر برفع الحجارة و بعث خالد بن الوليد الى العزى فقطعها.

٢٠

وَ مَناةَ قرأ ابن كثير بمد و همزة على انه مفعلة من النوع كانهم يستمطرون الأنواع عندها تبركا بها أصله منواة قلبت الواو الفا بعد نقل حركتها الى ما قبلها و الباقون بلا مد و همزة فهى فعلة من مناة إذا قطعه فانهم كانوا يذبحون عندها القرابين قال قتادة هى لخزاعة كانت بقديد و قالت عائشة رض فى الأنصار كانوا يهلون لمناة و كانت حذو؟؟؟ قديد و قال ابن زيد بيت كان ما لمشلل تعبده بنو كعب و قال الضحاك صنم لهذيل و خزاعة يعبدها اهل مكة و قال بعضهم اللات و العزى و مناة كانت فى جوف الكعبة يعبدونها ذكر محمد بن يوسف الصالحي فى سبيل الرشاد انه بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حين فتح مكة سعد بن زيد الأشهلي الى مناة و هو بالمشلل و هو الجبل الذي يهبط منه الى قديد لست بقين من رمضان فى فتح مكة و كانت مناة للاوس و الخزرج و غسان فخرج سعد فى عشرين فارسا حتى انتهى إليها و عليها سادن فقال السادن ما تريد قال هدم مناة قال و أنت ذاك فاقبل سعد يمشى إليها و يخرج امراة عريانة سوداء ثائرة الراس تدعوا بالويل و تضرب صدرها فقال السادن مناة دونك بعض غضبانك و يضربها سعد بن زيد الاشهيلى فقتلها و يقبل الى الصنم معه أصحابه فهدموه اختلف القراء فى الوقف على اللات و مناة فوقف بعضهم عليهما بالهاء و بعضهم بالتاء و قال بعضهم ما كتب فى المصحف بالتاء يعنى اللات يوقف بالتاء و ما كتب بالهاء يعنى مناة يوقف عليه بالهاء الثَّالِثَةَ صفة لمناة اى الثالثة للصنمين المذكورين الْأُخْرى صفة لمناة بعد صفة للتاكيد او الاخرى من التأخير فى الرتبة و اللات و العزى و مناة منصوبان على انها مفعول أول لرأيتم و مفعوله الثاني محذوف تقديره انظر تم ما تعبدونه فرأيتم اللات و العزى و مناة بنات اللّه تعالى البتة مستحقة للعبادة يعنى ليس كذلك و اللّه تعالى اعلم قال الكلبي كان المشركون بمكة يقولون الأصنام و الملائكة بنات اللّه و كان الرجل منهم إذا بشر بالأنثى كره فقال اللّه تعالى منكرا عليهم.

٢١

أَ لَكُمُ الذَّكَرُ وَ لَهُ الْأُنْثى

٢٢

تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى قال ابن عباس و قتادة اى قسمة جايرة حيث جعلتم لربكم ما تكرهون لانفسكم

و قال مجاهد و مقاتل اى قسمة عوجا و قال الحسن غير معتدل قرا ابن كثير ضئزى بالهمزة من ضئزة إذا ظلمه على انه مصدر لعت به مبالغة يعنى قسمة ظالمة و الباقون بالياء قال الكسائي يقال ضاز يضيز ضازا و ضاز يضوز ضوزا و ضاز يضاز ضازا إذا ظلم و نقض قلت ليس هذا ضاز و يضوز بل هو يائي من ضاز يضير على وزن باع يبيع او ضاز يضاز على وزن نال ينال و اصل ضيزى فعلى بضم الفاء لانها صفة و الصفات لا تكون الأعلى فعلى بضم الفاء كحبلى و أنثى او فعلى بفتح الفاء نحو غضبى و سكرى و عطشى و ليس فى كلام العرب فعلى بكسر الفاء فى النعوت و انما يكون فى الأسماء كذكرى و شعرى و انما كسر الضاد هاهنا لئلا يتقلب الياء واوا فيلتبس بناءه كذا قالوا فى جمع الأبيض بيض و الأصل بضم الفاء مثل حمر و صفر.

٢٣

إِنْ هِيَ الضمير للاصنام فان كان المراد بالأصنام اجرام الحجارة فالمعنى ما تلك الحجارة باعتبار الالوهية شيئا مستحقا للالوهية إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَ آباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللّه بِها مِنْ سُلْطانٍ ط جملة سميتموها إلخ و جملة ما انزل اللّه صفتان لاسماء و الضمير للاصنام مبتداء و المستثنى المفرغ خبره و المعنى ما تلك الحجارة الهة الا الهة اسمية باصطلاحكم من غير داع اليه و ما جعل اللّه على الوهيتها و استحقاقها للعبادة حجة و جاز ان يكون الضمير للاصنام باعتبار ما يدعى الكفار انها حقائق ملكيته او غير ذلك حالة فتلك الأصنام و هى بنات اللّه و شفعاء فالمعنى ما هى شيئا فى الواقع الا اسماء بلا مسمى تخيلتم وجودها و سميتموها بأسماء مثل اللات و العزى و بنات اللّه و شفعاء و حالة فى الأصنام ما انزل اللّه على وجودها برهانا و جاز ان يكون الضمير راجعا الى الأسماء المذكورة و المعنى ليست الأسماء المذكورة من اللات و العزى شيا الا اسماء مجعولة لكم من غير استحقاق و منشأ انتزاع فانهم يطلقون اللات باعتبار استحقاقها الالوهية و العكوف عليها و العزى بعزتها و مناة لاستحقاقها التقرب إليها بالقرابين و جاز ان الضمير راجعا الى الصفة التي يصفونها بها من كونها الهة و بنات اللّه و شفعاء يعنى ليست تلك الصفات التي تصفونها بها الا اسماء من غير حقيقة و صدق فى نفس الأمر إِنْ يَتَّبِعُونَ اى الكفار فى تسميتها إِلَّا الظَّنَّ الحاصل بتقليد الآباء من غير دليل صحيح او المعنى الا توهما بإطلاق وَ ما تَهْوَى الْأَنْفُسُ ج يعنى فاتشتهيه أنفسهم الجملة بيان او بدل من قول ما انزل اللّه بها من سلطن فيه التفات من الخطاب الى الغيبة و اشارة الى ترك مخاطبة هولاء السفهاء كما يصرح فيما بعد بقوله فاعرض عمن تولى وَ لَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى اى ما يهتدى به الى الحق القطعي يعنى الرسول و الكتاب فلم يتبعوه و تركوه و الجملة معترضة.

٢٤

أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى أم منقطعة و معنى بل فيه للابتداء و معنى الهمزة للانكار يعنى ليس للانسان كل ما يتمناه و المراد نفى طمعهم فى شفاعة الأصنام و قولهم لئن رجعت الى ربى ان لى عنده للحسنى و قولهم لو لا نزل هذا القران على رجل من القريتين عظيم و نحوها.

٢٥

فَللّه الْآخِرَةُ وَ الْأُولى ع الفاء للسببية و الجملة تعليل للنفى المفهوم مما سبق يعنى ليس للانسان كل ما يتمناه بان الدار الاخرة و الدار الاولى كل واحدة منهما مملوكة للّه مختص به يعطيهما من يشاء و يمنعهما ممن يشاء لادخل فى منعه و إعطائه لتمنى متمن و لا لشى ء اخر غير إرادته تعالى.

٢٦

وَ كَمْ مِنْ مَلَكٍ كاين فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً من الغناء و لا ينفع فى حين من الأحيان إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللّه فى الشفاعة لِمَنْ يَشاءُ من الملائكة ان يشفع او من الناس ان يشفع له وَ يَرْضى بشفاعة له مع كونهم عباد اللّه المكرمين المقربين فكيف يرجون هؤلاء شفاعة الأصنام و الاية رد لقولهم هؤلاء شفعاءنا عند اللّه و

قال البغوي معناه كم من ملك فى السموات ممن يعبدهم هؤلاء الكفار و يرجون شفاعتهم عند اللّه يعنى شفاعتهم.

٢٧

إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يعنى كفار مكة و التعبير بالموصول لبيان جهلهم لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ اى كل واحد منهم تَسْمِيَةَ الْأُنْثى حيث يقولون انها بنات اللّه لما كان هذا القول فى غاية الاستبعاد و جريا بالإنكار أورد الكلام بالاستيناف و التأكيد بان و اللام جريا للسامع مجرى المنكر.

٢٨

وَ ما لَهُمْ بِهِ اى بهذا القول مِنْ عِلْمٍ ط الجملة حال من فاعل يسمون إِنْ يَتَّبِعُونَ اى لهؤلاء الكفار الجهال إِلَّا الظَّنَّ ج الحاصل بالتقليد او التوهم الباطل من غير دليل و هذه الجملة بيان و تأكيد لقوله و مالهم به من علم وَ إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً ج اما منصوب على المصدرية و من الحق ظرف لغو متعلق بلا يغنى و اما منصوب على المفعولية و من الحق حال منه و المراد بالحق العلم لانه عبارة عن الاعتقاد الجازم الثابت المطابق للواقع و الواقع هو الحق و المعنى ان الظن لا يغنى من العلم شيئا من الغناء او لا يفيد شيئا من العلم يعنى لا يقوم الظن الحاصل بالتقليد و نحوه مقام العلم الحاصل بدليل قطعى سمعى او عقلى فلا يجوز للعاقل اتباع الظن بل يجب طلب اليقين و الجملة معترضة لتقبيح الكفار فى اتباع الظن و لما كان صلابتهم فى اتباع الظن و التقليد امارة انكارهم لهذه الجملة أورد هذه الجملة بالتاكيد

فان قيل جاز فى الشرع اتباع الظن فى العمليات و غالبا مسائل الفقه مستنبطة من الادلة الظنية و ايضا ثبت بأحاديث الآحاد و نحو ذلك كثير من القصص الماضية و تفاصيل نعم الجنة و عذاب جهنم و تفاصيل اخبار يوم المعاد فلو كان الظن لا يفيد شيئا من العلم لكان تعليمها عبثا و لا يجوز القول به ا و لا العمل بالفقه و الاعتقاد بها-

قلنا معنى هذه الاية انه لا يجوز اتباع الظن فيما يعارضه العلم الحاصل بدليل قطعى و ان الظن لا يفيد فائدة العلم إذ لا شك ان الأضعف لا يصادم الا قوى فمقتضى هذه الاية ان العقائد الحقة الثابتة بالادلة القطعية العقلية او الآيات المحكمات و الاخبار المتواترات السمعية لا يجوز تركها باتباع الظن و يجب ما أمكن تحصيل العلم من الادلة القطعية و العمل بها و فيما لا يوجد دليل قطعى فالعقل يحكم الجزم و الاحتياط يوجب العمل بدليل ظنى اى ما يفيد غلبة الظن بطريق صحيح مثلا إذا ثبت بدليل ظنى ان الوتر واجب و ان صلوة الضحى سنة و ان البنج حرام و ان البيع بشرط فاسد ممنوع و ليس هاهنا دليل قطعى يعارض هذا الظن فالعقل يحكم ان لا يترك الوتر و لا يشرب البنج و لا يباع بالشرط الفاسد مخافة العذاب و ان يصلى الضحى رجاء للثواب لان احتمال جلب المنفعة عند تيقن عدم المضرة كان للاتيان و احتمال المضرة كاف للاجتناب كما ان احتمال الحية فى الحجر كاف للاجتناب عن وضع الأصابع هناك و ايضا ثبت بالادلة القطعية من الأحاديث المتواترة بالمعنى بإجماع الامة و بقوله تعالى فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا فى الدين و قوله تعالى فاعتبروا يا اولى الابصار وجوب اتباع أحاديث الآحاد و القياس عند عدم معارضة ما هو أقوى منه فالظن فى المسائل الفقهية انما هى فى الطريق و بعد ثبوت الظن الصحيح وجوب العمل بها ثابت بدليل قطعى و اخبار المبتدا و المعاد الثابتة بالنصوص الظنية قطعيات فى القدر المشترك منها موجبة للعلم و اما تفاصيلها فغير معارضة بدليل أقوى منه فيجوز استفادة الترغيب او الترهيب منها و اللّه تعالى اعلم و قيل المراد بالحق فى الاية العذاب و اللام فى الظن للعهد و معنى الاية ان ظن الكفار الحاصل بتقليد الآباء او التوهم لا يدفع شيئا من العذاب او لا يدفع العذاب شيئا من الدفع.

٢٩

فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا يعنى القران او الايمان او عن الاشتغال بذكر اللّه وَ لَمْ يُرِدْ شيئا إِلَّا شهوات الْحَياةَ الدُّنْيا ط اتهمك فيها بحيث كان منتهى همته مبلغ علمه الدنيا فحسب الفاء للسببية و الموصول وضع موضع المضمر لتاكيد سببية الاعراض يعنى إذا علمت جهلهم و سفاهتهم و سخافت عقلهم انهم يتبعون الظن و يتركون ما جاءهم من ربهم الهدى و يختارون عبادة حجارة لا تضر و لا تنفع و يتولون عن الاشتغال بالرحمن الواحد القهار فاعرض عنهم حيث لا تفيد دعوتك فيهم فانهم كالانعام بل هم أضل و لما كان بعض حركاتهم و سكناتهم مفيدة فى الدنيا دالة على ادراكاتهم موهمة لهم نصيبا من العقل قال اللّه تعالى لدفع ذلك الوهم قوله.

٣٠

ذلِكَ يعنى امر الدنيا و كونها شبهة مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ ط يعنى لا يتجاوز علمهم و عقلهم من العلم بالأمور المعاشية و التعقل بها و ذلك غير معته به عند اللّه اعلم ان العلم و العقل كل منهما مخلوقة للّه تعالى على حسب ما أراد و ليست الأسباب الا أسبابا عادية و ليست الأسباب أسبابا حقيقة كما زعمته الفلاسفة فاللّه تعالى انشأ يخلق العلم بعد ما أراد الآيات و الا فلا إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى فيجازى كلا على حسب الضلالة و اهتدائه هذه الجملة وعد و وعيد تعليل لما سبق من الأمر بالاعراض يعنى لا تهتم بهم نحن نكفيهم للجزاء.

٣١

وَ للّه ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ لا ملكا و خلقا عطف على الجملة السابقة يعنى هو الا علم بهم و هو إلهكم و خالقهم يفعل بهم ما يشاء و ما يقتضيه الحكمة لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَ يَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى اللام متعلق بمضمون الجملتين السابقتين يعنى خلق العالم و ميز الضال من المهتدى و حفظ أحوالهم ليجزى الذين أساءوا بالشرك و العصيان بسبب أعمالهم من الإشراك و المعاصي يجزى الذين أحسنوا أعمالهم بالإخلاص بالحسنى اى بالمثوبة الحسنى يعنى الجنة او بالأحسن من أعمالهم و هى الإخلاص او لسبب الأعمال الحسنى.

٣٢

الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ بدل من الذين أحسنوا او خبر لمبتداء محذوف اى هم الذين يجتنبون كَبائِرَ الْإِثْمِ قرأ حمزة و الكسائي و خلف كبير الإثم على صيغة الاخر او على ارادة الجنس فهو اضافة صفة الى موصوفها نحو اخلاق ثياب و المراد بكبير الإثم الشرك فان الشرك لظلم عظيم

و قرا الباقون كبائر بصيغة الجمع اصناف افراد الكبائر الى جنسه على طريقة كرام البشر و جياد الدرهم و قد ذكرنا تحقيق الكبائر من الذنوب فى سورة النساء فى تفسير قوله تعالى إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ ... وَ الْفَواحِشَ اما عطف تفسيرى او المراد ما فحش من الكبائر خصوصا قيل أريد به ما شرع فيه الحد إِلَّا اللَّمَمَ يعنى ما صدر من العبد بلا اصرار ثم تاب عنه و لا يكون له عادة و اقامة عليه بل حينا بعد حين يقال فلان يفعل كذا اى حينا بعد حين كذا قال الجوهري

قال البغوي و هو قول ابى هريرة و مجاهد و الحسن و رواية عن عطاء عن ابن عباس قال السدى قال ابو صالح سئلت عن قول اللّه عز و جل الا اللمم فقلت هو الرجل يلم بالذنب اى يقربه ثم لا يعاوده فذكرت ذلك لابن عباس فقال لقد اعانك عليها الملك الكريم

قال البغوي و روينا عن عطاء عن ابن عباس فى قوله تعالى الا اللمم قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان تغفر اللّهم تغفر جما و اى عبد لك لا الما فالاستثناء متصل كما هو الأصل و قيل اللمم الصغار من الذنوب كذا فى القاموس فهو كالنظرة و الغمزة و القبلة و ما كان دون الزنا

قال البغوي و هو قول ابن مسعود و ابى هريرة و مسروق و الشعبي و رواته طاؤس عن ابن عباس روى البخاري عن ابن عباس قال ما رايت أشبه باللمم بما قال ابو هريرة عن النبي صلى اللّه عليه و سلم ان اللّه كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدركه ذلك لا محالة فزنا العين النظر و زنا اللسان المنطق و النفس تمنى و تشتهى و الفرج يصدق ذلك و يكذبه و رواه سهل بن ابى صالح عن أبيه عن ابى هريرة عن النبي صلى اللّه عليه و سلم و زاد و العينان زناهما النظر و الأذنان زناهما الاستماع و اللسان زناه الكلام و اليد زناها البطش و الرجل زناها الخطا و قال الحسن بن الفضل اللمم النظرة من غير تعمد فهو مغفور فان عاد النظرة فليس بلمم و على هذا اللمم أخص من صغاير الذنوب و قال سعيد بن المسيب ما لم على القلب اى خطر و هذا يناسب ما قال الجوهري من قولك ألممت بكذا اى أنزلت به و قاربته من غير مواقعة و على هذه الأقوال الاستثناء منقطع و قال الكلبي اللمم على وجهين كل ذنب لم يذكر اللّه عليه حدا فى الدنيا و لا عذابا فى الاخرة فذلك الذي تكفره الصلاة ما لم تبلغ الكبائر و الفواحش و الوجه الاخر هو الذنب العظيم الذي يلم به المسلم مرة فيتوب منه قلت و قول الكلبي هذا ليس قولا مغايرا للاقوال و الا يلزم عموم المشترك او الجمع بين الحقيقة و المجاز بل هو اختيار للقولين الأولين على وجه الاحتمال كما روى القولين المذكورين عن ابى ابى هريرة و ابن عباس رض و اللّه تعالى اعلم إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ يغفر لمن يشاء ما يشاء من الذنوب صغائرها و كبائرها بتوبة و بلا توبة عقب اللّه تعالى وعيد المسيئين و وعد المحسنين بهذه الاية لئلا ييئس صاحب الكبيرة من رحمته و لا يتوهم وجوب العقاب على اللّه تعالى كما قال به اهل الهواء من المعتزلة اخرج ابو نعيم عن على رض قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان اللّه تبارك و تعالى اوحى الى بنى من أنبياء بنى إسرائيل قل لاهل طاعتى من أمتك ان لا يتكلوا على أعمالهم فانى لا اناصب عند الحساب يوم القيامة ما شاء ان أعذبه إلا عذبته و قل لاهل معصبتى من أمتك لا تلقوا بايديهم فانى اغفر الذنوب العظيمة و لا أبالي و اللّه تعالى اعلم ثم عقب ذلك قوله هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ اى بصنيعكم و سعادتكم و شقائكم و ما يصير اليه أموركم و افعل هاهنا بمعنى الفعيل إذ لا اعلم لاحد غير اللّه تعالى بما يصدر من الإنسان قبل وجوده كما يدل عليه قوله تعالى إِذْ أَنْشَأَكُمْ اى انشأ أباكم آدم مِنَ الْأَرْضِ فان علمه تعالى بالأشياء قديم و قد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كتب اللّه تقادير الخلائق قبل ان يخلق السموات و الأرض بخمسين الف سنة قال و عرشه على الماء رواه مسلم من حديث عبد اللّه بن عمرو قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان أول ما خلق اللّه القلم فقال له اكتب قال ما اكتب قال اكتب القدر فكتب ما كان و ما هو كاين الى الابد رواه الترمذي من حديث عبادة بن الصامت و قال هذا حديث غريب اسناده و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان اللّه خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية فقال خلقت هؤلاء للجنة و بعمل اهل الجنة يعملون ثم مسح ظهره و استخرج منه ذرية فقال خلقت هؤلاء للنار و بعمل اهل النار فقال رجل ففيم العمل يا رسول اللّه فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان اللّه إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل اهل الجنة حتى يموت على عمل من اعمال اهل الجنة فيدخله به الجنة و إذا خلق العبد للنار استعمله بعمل اهل النار حتى يموت على عمل من اعمال اهل النار فيدخله به النار رواه مالك و الترمذي و ابو داود من حديث عمر بن الخطاب وَ إِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ ج معطوف على إذا نشاكم و كلا الظرفين متعلق بأعلم عن ابن مسعود قال حدثنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و هو الصادق المصدوق ان خلق أحدكم يجمع فى بطن امه أربعين يوما نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضفة مثل ذلك ثم يبعث اللّه ملكا بأربع كلمات فيكتب عمله و اجله و رزقه و شقى او سعيد ثم ينفخ فيه الروح فوالذى لا اله غيره ان أحدكم ليعمل بعمل اهل الجنة حتى ما يكون بينه و بينها الا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل اهل النار فيدخلها و ان أحدكم ليعمل بعمل اهل النار حتى ما يكون بينه و بينها الا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل اهل الجنة فيدخلها متفق عليه فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ اى لا تثنوا عليها بزكاء العمل و زيادة الخير او بالطهارة عن المعاصي و الرذائل إذ لا علم لكم بعواقب أموركم- قال الحسن علم اللّه من كل نفس ما هى صانعة و الى ما هى صائرة فلا تزكوا أنفسكم فلا تبروها عن الآثام و لا تمدحوها بحسن أعمالها و كذا قال ابن عباس قال الكلبي و مقاتل كان الناس يعملون أعمالا حسنة ثم يقولون صلوتنا و صيامنا و حجنا فانزل اللّه تعالى هذه الاية

و اخرج الواحدي و الطبراني و ابن المنذر و ابن ابى حاتم عن ثابت بن الحارث الأنصاري قال كانت اليهود تقول إذا هلك لهم صبى صغير هو صديق فبلغ ذلك النبي صلى اللّه عليه و سلم فقال كذبت يهود ما من نسمة يخلقها اللّه فى بطن امه الا انه شقى او سعيد فانزل اللّه تعالى عند ذلك هذه الاية هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ الاية هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى فانه يعلم من يختم له منكم على التقوى و اخلاص العمل قبل ان يخرجكم من صلب آدم .

٣٣

أَ فَرَأَيْتَ الاستفهام للتعجب و الفاء للعطف على محذوف يعنى أ نظرت يا محمد الَّذِي تَوَلَّى عن اتباع الحق و الثبات عليه يعنى الوليد بن المغيرة كان قد اتبع النبي صلى اللّه عليه و سلم على دينه فعيره بعض المشركين و قال لم تركت دين الأشياخ و ضللتهم قال انى خشيت عذاب اللّه فضمن الذي عاتبه ان هو أعطاه كذا من ماله و رجع الى شركه ان يتحمل عنه عذاب اللّه فرجع الوليد الى الشرك.

٣٤

وَ أَعْطى الذي غيره بعض ذلك المال الذي ضمنه و منعه فانزل اللّه تعالى أَ فَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى ادبرا عن الايمان و اعطى صاحبه قَلِيلًا وَ أَكْدى اى بخل بالباقي كذا

قال البغوي

و اخرج ابن جرير عن ابن زيد نحوه قال ان رجلا اسلم فلقيه بعض من يعيره فقال تركت دين الأشياخ و ضللتهم و زعمت انهم فى النار قال انى خشيت عذاب اللّه قال أعطني شيئا و انا احمل كل عذاب كان عليك فاعطاه شيئا فقال زدنى فتفا سر حتى أعطاه شيئا و كتب له كتابا و اشهد له ففيه نزلت أ فرأيت الذي تولى الاية و قال مقاتل اعطى الوليد قليلا من الخير بلسانه ثم أكدى قطعه و امسك و لم يتم على العطية و قال السدى نزلت فى العاص بن وائل السهمي و ذلك انه ربما يوافق النبي صلى اللّه عليه و سلم فى بعض الأمور و قال محمد بن كعب القرظي نزلت فى ابى جهل و ذلك انه قال ما يأمرنا محمد إلا مكارم الأخلاق فذلك قوله تعالى وَ أَعْطى قَلِيلًا من الإقرار بالحق وَ أَكْدى اى لم يؤمن و معنى أكدى قطع و أصله من الكدية و هى حجر صلب يظهر فى البير يمنع من الحفر يقول العرب أكدى الحافر و اجبل إذا بلغ فى الحفر الكدية و الجبل.

٣٥

أَ عِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ استفهام للانكار فَهُوَ يَرى الفاء للسببية يعنى ان كان عنده علم الغيب فهو يعلم ان صاحبه يتحمل عنه إذا اشركه لما أخذ من ماله-.

٣٦

أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ اى لم يخبر بِما فِي صُحُفِ مُوسى يعنى اسفار التوراة.

٣٧

وَ صحف إِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى ما امره اللّه به و إثمه حتى قام يذبح ابنه و بلغ رسالات ربه و احتمل من الخلق أذى حتى صبر على نار نمرود و ابتلاه ربه بكلمات فاتمهن و التوصية الإتمام و روى البغوي بسنده عن ابى امامة عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال و ابراهيم الذي و فى قال صلى اربع ركعات أول النهار

و اخرج ابن جرير و ابن ابى حاتم عن معاذ بن انس عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال الا أخبركم لم سمى ابراهيم خليل اللّه الذي و فى انه كان يقول كلما أصبح و امسى فسبحان اللّه حين تمسون و حين تصبحون حتى ختم الاية و روى الترمذي عن ابى الدرداء و ابى ذر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن اللّه تبارك و تعالى انه قال يا ابن آدم اركع لى اربع ركعات أول النهار أكفك آخره و رواه ابو داود و الدارمي عن نعيم الفطفانى و احمد عنهم و قدم موسى لان صحفه يعنى التوراة كان أشهر و أم قيل منقطعة لان من شرط المتصلة ان يليه أحد المتساويين و الاخر الهمزة و هاهنا ليس كذلك قلت جاز ان يقال فى تاويل الاية أ عنده علم الغيب بتوسط الانباء او بلا توسط بانه يتحمل عنه غيره أم ليس عنده علم الغيب الحاصل بتوسط الانباء و الكتب ايضا بانه لا بتحمل أحد عن غيره و الاستفهام للانكار يعنى ليس عنده علم الغيب يتحصل أحد عن غيره و عنده علم حصل بالتواتر و الشهرة بما فى الكتب السماوية بعدم التحمل.

٣٨

أَلَّا تَزِرُ اى لا تحمل نفس وازِرَةٌ نفس حاملة وِزْرَ نفس أُخْرى يعنى لا يوخذ نفس يأثم غيره ان مخففة من الثقيلة اسمها ضمير الشان محذوف و الجملة خبره و هى مع اسمها و خبرها فى محل الجر بدلا مما فى صحف موسى او الرفع على انه خبر مبتدا محذوف اى هو كانه قيل ما فى صحفها فاجاب به

قال البغوي روى عكرمة عن ابن عباس قال كانوا قبل ابراهيم يأخذون الرجل بذنب غيره و كان الرجل يقتل بقتل أبيه و ابنه و أخيه و امرأته و عبده حتى جاء ابراهيم فنهاهم عن ذلك و بلغهم عن اللّه ان لا تزر وازرة وزر اخرى قلت لم يكن ذلك حكما شرعيا بل حكما جاهليا كما كان قبل مبعث النبي صلى اللّه عليه و سلم ايضا فى الأوس و الخزرج كان أحد الحيين شريفا ذا ثروة من الاخرى فكانوا يقتلون بامرأة من الشريف رجلا من الاخر و بعبد حرا و بواحد اثنين حتى نزلت الحر بالحر و العبد بالعبد و الأنثى بالأنثى و قد ذكرنا القصة فى سورة البقرة- و هذه الاية لا يخالف قوله تعالى و كتبنا على بنى إسرائيل انه من قتل نفسا بغير نفس او فساد فى الأرض فكانما قتل الناس جميعا و قوله صلى اللّه عليه و سلم من سن سنة سيئة فله وزرها و وزر من عمل بها الى يوم القيامة أخرجه احمد و مسلم من حديث جرير بن عبد اللّه رض فان ذلك للدلالة و التسبب الذي هو وزره و لذا ورد فى الحديث من غير ان ينقص من أوزارهم شيئا و كذا قوله تعالى و اتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة و قوله صلى اللّه عليه و سلم إذا انزل اللّه بقوم عذابا أصاب العذاب من كان فيهم ثم بعثوا على أعمالهم متفق عليه من حديث ابن عمر محمول على ترك الأمر بالمعروف نحو قوله صلى اللّه عليه و سلم ان الناس إذا رد الظالم فلم يأخذوه على يديه او شك ان يعمهم اللّه بعقاب رواه اصحاب السنن الاربعة من حديث ابى بكر الصديق

(مسئلة) اختلف اقوال السلف فى تعذيب الميت ببكاء اهله عليه و قد ورد فى الصحيحين عن عبد اللّه بن مليكة قال توفيت بنت لعثمان بن عفان بمكة فجئنا لنشهدها و حضر ابن عمرو ابن عباس فقال ابن عمر لعمر بن عثمان و هو مواجهه الا تلتهى عن البكاء فان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال ان الميت ليعذب ببكاء اهله عليه فقال ابن عباس قد كان يقول بعض ذلك ثم حدث و قال لما ان أصيب عمر دخل صهيب يبكى يقول وا أخاه وا صاحباه فقال عمر يا صهيب أ تبكي على و قد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان الميت ليعذب ببعض بكاء اهله عليه فقال ابن عباس فلما مات عمر ذكرت ذلك لعائشة فقالت يرحم اللّه عمر لا و اللّه ما حدث رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان الميت ليعذب ببكاء اهله عليه و لكن ان اللّه يزيد ا لكافر عذابا ببكاء اهله عليه و قالت عائشة حسبكم القران و لا تزر وازرة وزر اخرى قال ابن عباس عند ذلك و اللّه اضحك و ابكى قال ابن ابى مليكة فما قال ابن عمر شيئا قلت و تخطية عائشة عمر رض ضعيف و قد كان عمرا فقه من عائشة و كان شهادته شهادة الإثبات و تايدت حديث عمر بأحاديث اخر منها حديث المغيرة بن شعبة قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول من نيح عليه فانه يعذب بما نيح عليه- منها حديث ابى بكر الصديق عن النبي صلى اللّه عليه و سلم أخرجه ابو يعلى بلفظ الميت ينضج عليه الحميم ببكاء الحي و منها حديث انس و عمر ان بن حصين عن ابن حبان فى صحيحه و حديث سمرة بن جندب عند الطبراني فى الكبير و حديث ابى هريرة عند ابى يعلى فظهران الحديث صحيح بتى الكلام فى تعارض الحديث بقوله تعالى لا تزر وازرة وزر اخرى فقال بعض العلماء ان التعذيب بالبقاء مختص بالكافر او بمن اوصى به لا بسبب البكاء و الباء للحال اى يعذب حال بكائهم عليه و القولان عن عائشة لا يصحان لان القول باختصاص التعذيب بالكافر لا يدفع التعارض لان قوله تعالى أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى يعم المؤمن و الكافر و ألفاظ الحديث ببعض طرقها يابى عن كون الباء للحال الا ترى ان قوله ينضج الحميم ببكاء الحي صريح فى التعذيب فى الاخرة فان الحميم انما هو فى الجحيم لا فى الغير فكيف يتحد زمان التعذيب زمان بكاء الحي فلا يتصور كونه حالا و قيل المراد بالتعذيب توبيخ الملائكة له بما يندب به اهله الحديث الترمذي و الحاكم و ابن ماجة مرفوعا ما من ميت يموت فتقوم نادية فتقول واجبلاه واسيداه و شبه ذلك من القول الا وكل به ملكان ينهرانه و هكذا كنت قلت و هذا التأويل ايضا لا يدفع التعارض فان التوبيخ بفعل غيره ايضا مما يمنعه لا تزر وازرة وزر اخرى و قيل المراد بالتعذيب تألم الميت بما يقع من اهله الحديث الطبراني و ابن ابى شيبة عن قيلة بنت محترمة انها ذكرت عند رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ولدا لها مات ثم بكت فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أ يغلب أحدكم ان يصاحب صويحية فيا عباد اللّه لا تعذبوا امواتكم و هذا القول عليه ابن جرير و اختاره الائمة آخرهم ابن تيمية

و اخرج سعيد ابن منصور عن ابن مسعود انه راى نسوة فى جنازة فقال ارجعن ما زورات غير ما جورات انكن لا تفتن الاحياء و توذين الأموات و القول الصحيح فى دفع التعارض ان الحديث فيمن كان النوح من سنته او فيمن اوصى به او فيمن لم يوص بتركه إذا علم ان من شان اهله انهم يفعلون فيكون التعذيب على وزره دون وزر غيره و اختار البخاري هذا القول.

٣٩

وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى اى الا سعيه يعنى كما لا يوخذ أحد بذنب غيره لا يثاب بفعل غيره ايضا عطف على ان لا تزر كلا الحكمين كانا فى صحف ابراهيم و موسى و مستدلا بهذه الاية قال الشافعي لا يثاب أحد بعمل غيره و قال ابو حنيفة و مالك و احمد و جمهور الخلف و السلف بخلاف ذلك فقال ابن عباس الاية منسوخة بقوله تعالى الَّذِينَ آمَنُوا وَ اتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ و قال عكرمة انها خاصة بقوم ابراهيم و موسى فاما هذه الامة فلها ما سعت و ما سعى لها- و قال الربيع بن انس المراد بالإنسان هاهنا الكافر و هذا ليس بشى ء فان الكافر لا يثاب بعمل نفسه ايضا حيث قال اللّه تعالى حبطت أعمالهم و قيل اللام هاهنا بمعنى على اى ليس على الإنسان الا ما سعى و على هذا بكون عطف لا تزر وازرة وزر اخرى عطفا تفسير يا احتج الجمهور على وصول الثواب من غيره بالأحاديث و الإجماع اما الأحاديث فمنها حديث ابى سعيد سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول إذا قبض اللّه روح عبده المؤمن صعد ملكان الى السماء قالا ربنا و كلتنا بعهدك المؤمن نكتب عمله و قد قبضته إليك فاذن لنا ان نسكن الأرض فيقول ارضى مملوة من خلقى يسبحون و لكن قوما على قبر عبدى فسبحانى و هللانى و كبرانى الى يوم القيامة و اكتباه لعبدى أخرجه ابو نعيم- و حديث ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا مات الإنسان انقطع عمله الا من ثلث صدقة جارية او علم ينتفع به او ولد صالح يدعو له رواه مسلم و كذا اخرج احمد عن ابى امامة وجه الاحتجاج بهذا الحديث ان الصدقة الجارية و علم ينتفع به و ان كانا من سعيه و لكن دعاء الولد ليس من عمله و هو ينفعه و حديث ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان اللّه ليرفع الدرجة للعبد الصالح فى الجنة فيقول يا رب انى لى هذه فيقول باستغفار ولدك لك رواه الطبراني و روى نحوه عن ابى سعيد مرفوعا و حديث ابن عباس قال قال النبي صلى اللّه عليه و سلم ما الميت فى قبره الا شبه الغريق المتفوت ينتظر دعوة ملحقة من اب و أم او ولد او صديق ثقة فاذا ألحقته كانت أحب اليه من الدنيا و ما فيها و ان اللّه ليدخل على القبور من دعاء اهل الأرض أمثال الجبال و ان هدية الاحياء الى الأموات الاستغفار لهم رواه البيهقي و الديلمي و حديث مرفوعا أمتي امة مرحومة تدخل قبورها بذنوبها و تخرج من قبورها لا ذنوب عليها يمحض عنها باستغفار المؤمنين لها رواه الطبراني فى الأوسط قال السيوطي و قد نقل غير واحد الإجماع على ان الدعاء ينفع الميت و دليله من القران قوله تعالى وَ الَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَ لِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ قلت و الظاهران انتفاع الأموات و الاحياء بدعاء الاحياء غير مختصة بهذه الامة و قد قال نوح عليه السلام رب اغفر لى و لوالدى و لمن دخل بيتي مومنا و للمؤمنين و المؤمنات و قال ابراهيم عليه السلام ساستغفر لك ربى انه كان بي حفيا و قال يوسف لاخوته لا تثريب عليكم اليوم ليغفر اللّه لكم قال اخوة يوسف لابيهم يا أبت استغفر لنا ذنوبنا انا كنا خاطئين قال سوف استغفر لكم ربى انه هو الغفور رّحيم و قال موسى رب اغفر لى و لاخى و أدخلنا فى رحمتك فالظ ان المراد بقوله تعالى وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى المذكور فى صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى انه لا يصل لاحد ثواب حسنات غيره من الصلاة و الصوم و الصدقة و الحج و نحو ذلك و يكون من خصوصيات هذه الامة المرحومة نسخ ذلك الحكم بقوله الحقنا بهم ذريتهم من الأحاديث حديث عائشة ان رجلا قال يا رسول اللّه ان أمي افتلتت نفسها لم توص و أظنها لو تكلمت تصدقت فهل لها أجران تصدقت عنها قال نعم متفق عليه و حديث ابن عباس ان سعد بن عبادة توفيت امه و هو غائب فاتى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال يا رسول اللّه ان أمي ماتت و انا غائب فهل ينفعها ان تصدقت عنها قال نعم قال فانى أشهدك ان حايطى صدقة عنها رواه البخاري

و اخرج احمد و اربعة عن سعد بن عبادة انه قال يا رسول اللّه ان أمي ماتت فاى صدقة أفضل قال الماء فحفر بيرا و قال هذه لام سعد

و اخرج الطبراني بسند صحيح عن انس نحوه و حديث ابن عمر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا تصدق أحدكم بصدقة تطوعا فليجعلها عن أبويه فيكون لهما أجرها و لا ينقص من اجره شيئا

و اخرج الديلمي نحوه من حديث معاوية بن جندة و حديث انس سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول ما من اهل بيت يموت منهم فيتصدقون عنه بعد موته الا اهدا له جبرئيل على طبق من نور ثم يقف على شفير القبر فيقول يا صاحب القبر العميق هذه هدية أهداها إليك أهلك فاقبلها فيدخل عليه فيفرح بها و يستبشر و يحزن جيرانه الذين لا يهدى إليهم شى ء رواه الطبراني فى الأوسط و حديث ابن عمر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من حج عن والديه بعد وفاتهما كتب اللّه لهما عتقا من النار و كان للمحجوج عنهما اجر حجة تامة من غير ان ينقص من اجورهما شى ء و قال صلى اللّه عليه و سلم ما وصل ذو رحم رحمه بأفضل من حجة يدخلها عليه بعد موته فى قبره رواه البيهقي و الاصبهانى بسند فيه مجهولان و عن زيد بن أرقم عن النبي صلى اللّه عليه و سلم من حج عن أبويه و لم يحجا فيرى عنهما و بشرت أرواحهما فى السماء و كتب عند اللّه بزا أخرجه ابو عبد اللّه الثقفي و حديث عقبة بن عامر ان امرأة جاءت الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقالت أحج عن أمي و قد ماتت قال ارايت لو كان على أمك دين فقضيته قالت بلى فامرها ان تحج رواه الطبراني و حديث انس قال جاء الى النبي صلى اللّه عليه و سلم قال ان ابى مات و لم يحج حجة الإسلام فقال ارايت لو كان على أبيك دين كنت تقضيه عنه قال نعم قال فانه دين عليه فاقضبه رواه البزاز و الطبراني بسند حسن و حديث ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من حج عن ميت فللذى حج عنه مثل اجره رواه الطبراني فى الأوسط و حديث عطاء و زيد ابن اسلم مرسلا قال جاء رجل الى النبي صلى اللّه عليه و سلم فقال يا رسول اللّه أعتق عن ابى و قد مات قال نعم رواهما ابن ابى شيبة و حديث ابن عباس انه صلى اللّه عليه و سلم سمع رجلا يقول لبيك عن شبرمة قال النبي صلى اللّه عليه و سلم و من شبرمة قال أخ لى او قريب قال أ حججت عن نفسك قال لا قال حج عن نفسك ثم من شبرمة رواه ابو داود و ابن ماجة و الدارقطني و البيهقي و قال البيهقي اسناده صحيح و حديث عمرو بن العاص انه قال يا رسول اللّه ان العاص اوصى ان يعتق عنه بامه نسمة فاعتق هشام منها خمسين قال لا انما يتصدق و يحج و يعتق عن المسلم و كان مسلما بلغه رواه ابو الشيخ و حديث الحجاج بن دينار قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان من البر بعد البر ان تصلى عنهما مع صلوتك و تصوم عنهما مع صيامك و تصدق عنهما مع صدقتك رواه ابن ابى شيبة و قد مر حديث بريدة ان امرأة قالت يا رسول اللّه ان كان على أمي صوم شهرين أ فيجزى ان أصوم عنها قال نعم قالت فان أمي لم تحج قط أ فيجزى ان أحج عنها قال نعم رواه مسلم و حديث عائشة قالت قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من مات و عليه صيام صام عنه وليه متفق عليه و حديث على رض مرفوعا من مر على المقابر

و قرا قل هو اللّه أحد أحد عشر مرة و وهب اجره للاموات اعطى من الاجر بعدد الأموات رواه ابو محمد السمرقندي و حديث ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من دخل المقابر ثم قرا فاتحة الكتاب و قل هو اللّه أحد و إلهكم التكاثر ثم قال انى جعلت ثواب ما قرأت من كلامك لاهل المقابر من المؤمنين و المؤمنات كانوا شفعاء له الى اللّه رواه ابو القاسم سعد بن على و حديث انس ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال من دخل المقبر فقرأ سورة يسين خفف اللّه عنهم و كان له بعدد من فيها حسنات أخرجه عبد العزيز صاحب الخلال بسنده و قال السيوطي قد ورد قرائة الفاتحة عند راس الميت و خواتيم البقر عند رجله من حديث ابن عمر مرفوعا وقت الدفن و فواتح البقرة و خواتمها عن حديث العلاء بن اللجلاج مرفوعا و قال القرطبي فى حديث اقرءوا على موتاكم يس فقال الجمهور فى حال موته قال ابن عبد الواحد المقدسي عند القبور و قال المحب الطبري فى الحالتين

و اخرج ابن ابى شيبة عن عطاء قال يتبع بعد موته العتق و الحج و الصدقة

و اخرج عن ابى جعفر ان الحسن و الحسين كان يعتقان عن على بعد موته

و اخرج ابن سعد عن القاسم بن محمد عن عائشة اعتقت عن أخيها عبد الرحمن رقيقا من تلاده ترجوا ان ينفعه بذلك بعد موته و قال الحافظ شمس الدين ابن عبد الواحد ما زالوا فى كل مصر يجتمعون و يقرؤن لموتاهم من غير نكير فكان ذلك اجماعا

و اخرج

و اخرج الخلالى عن الشعبي كانت الأنصار إذا مات لهم الميت اختلفوا الى قبره يقرؤن القران و فى الاحياء عن احمد بن حنبل قال إذا دخلتم المقابر فاقرأوا بفاتحة الكتاب و المعوذتين و قل هو اللّه أحد و اجعلوا ذلك لاهل المقابر فانه يصل إليهم و

قال البيضاوي فى توجيه الاية انه ما جاء فى الاخبار من ان الصدقة و الحج ينفعان الميت فلان التاوي له كالتائب عنه و قال بعض العلماء فى توجيهها ان انتفاع المؤمن بسعى غيره مبنى على إيمانه و هو سعى نفسه فكان سعى غيره تابعا لسعى نفسه قايما بقيامه و اللّه تعالى اعلم.

٤٠

وَ أَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى فى ميزانه يوم القيامة ان كان مؤمنا و اما الكافر فيحبط أعمالهم بفوات شرطها و هى النية الخاصة للّه تعالى او يقال الكافر يثاب عليه فى الدنيا من أريته الشي ء قلت و الاولى ان يقال السعى هاهنا بمعنى القصد قال فى القاموس سعى يسعى سعيا كرعى قصد و عمل و مشى و عدى و تم و كسب و قال بعض المحققين السعى المشي السريع و يستعمل للحمد فى العمل و معنى الاية ليس للانسان الا ما قصد و أراد بفعله فهذه الاية تفيد ما يفيد قوله صلى اللّه عليه و سلم انما الأعمال بالنيات و ان لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته الى اللّه و رسوله فهجرته الى اللّه و رسوله و من كانت هجرته الى الدنيا يصيبها او المرأة نكحها فهجرته الى ما هاجر اليه متفق عليه من حديث عمر ابن خطاب رض فلا تدل هذه الاية على ان عمل أحد لا يفيد غيره كيف و صلوة الجنازة و الصلاة على النبي صلى اللّه عليه و سلم امورتان واجبتان وضعتا لانتفاع غير الفاعل و اللّه تعالى اعلم.

٤١

ثُمَّ يُجْزاهُ اى المؤمن الْجَزاءَ الْأَوْفى الأتم و الأكمل.

٤٢

وَ أَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى هذا و ما عطف عليه كله فى صحف ابراهيم و موسى و المنتهى مصدر بمعنى الانتهاء روى البغوي بسنده عن ابى بن كعب عن النبي صلى اللّه عليه و سلم فى قوله تعالى وَ أَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى قال لا فكرة فى الرب يعنى الفكرة تنتهى الى اللّه و يتلاشى هناك

قال البغوي و هذا مثل ما روى عن ابى هريرة مرفوعا تفكروا فى الخلق و لا تفكروا فى الخالق فانه لا تحيط به الفكرة كذا ذكر البغوي و روى ابو الشيخ فى العظمة عن ابن عباس تفكروا فى كل شى ء و لا تفكروا فى ذات اللّه فان بين السماء السابعة الى كرسيه سبعة آلاف نور و هو فوق ذلك قلت يعنى الفكرة لا يصل الى كرسيه فكيف الى ذاته و هو أجل و ارفع و فى رواية له عنه تفكروا فى الخلق و لا تفكروا فى الخالق فانكم لا تقدرون قدره و روى ابو نعيم فى الحلية عنه تفكروا فى خلق اللّه و لا تفكروا فى اللّه و روى ابو الشيخ عن ابى ذر تفكروا فى خلق اللّه و لا تفكروا فى اللّه قلت الفكر عبارة عن ترتيب مقدمات لتحصيل مطلوب فترتيب المقدمات لا يتصور الّا فى آلاء اللّه و آياته و اثاره و المطلوب ذاته و هناك تنتهى الفكرة فانه ليس وراء العباد ان قربه و ذاته هو الصمد الذي لا يتعمق فيه النظر و نفى الفكرة فى ذاته تعالى لا ينافى الوصول اليه بلا كيف بل قوله تعالى وَ أَنَّ إِلى رَبِّكَ المنتهى يقتضى نهاية السير الى الذات البحت فى اللّه فى اصطلاح الصوفية انما هو السير فى الصفات و الشيون و الاعتبارات دون الذات البحت المعبر باللاتعين لكن هاهنا سير نظرى على ما حققه المجدد و قال اكثر المفسرين معنى الاية ان منتهى الخلق و مصيرهم الى اللّه تعالى و قيل منه ابتداء المنة و اليه انتهاء الآمال و اللّه تعالى اعلم.

٤٣

وَ أَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَ أَبْكى يعنى خلق كل ما يعمله العباد حتى الضحك و البكاء قال عطاء بن ابى مسلم يعنى افرح و احزن

و قال مجاهد اضحك اهل الجنة فى الجنة و ابكى اهل النار فى النار و قال الضحاك اضحك الأرض بالنبات و ابكى السماء بالمطر روى البغوي بسنده عن جابر بن سمرة قال كان اصحاب النبي صلى اللّه عليه و سلم يحلون فيتناشدون الشعر و يذكرون أشياء من امر الجاهلية فيضحكون و يتبسم معهم إذا ضحكوا يعنى النبي صلى اللّه عليه و سلم و رواه مسلم بلفظ كانوا يتحدثون فياخذون فى امر الجاهلية فيضحكون و يتبسم صلى اللّه عليه و سلم و فى رواية الترمذي يتناشدون الشعر روى البغوي فى شرح السنة عن قتادة قال سئل ابن عمر هل كان اصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يضحكون قال نعم و الايمان فى قلوبهم أعظم من الجبل و قال بلال بن سعد يشتدون بين الأغراض و يضحك بعضهم الى بعض فاذا كان الليل كانوا رهبانا- و روى البخاري عن عائشة ما رايت النبي صلى اللّه عليه و سلم مستجمعا ضاحكا حتى ارى منه لهواته انما كان يتبسم و فى الصحيحين عن جرير قال ما حجبنى النبي صلى اللّه عليه و سلم منذ أسلمت و لارانى الا تبسم و روى الترمذي عن عبد اللّه بن الحارث بن جزء قال ما رايت أحدا اكثر تبسما من رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و روى البخاري عن ابى هريرة قال قال ابو القاسم صلى اللّه عليه و سلم و الذي نفسى بيده لو تعلمون ما اعلم لبكيتم كثيرا و لضحكتم قليلا و كذا روى احمد و الترمذي و ابن ماجة عن ابى ذر و زادوا ما تلذذتم بالنساء على الفرشات و لخرجتم الى الصعدات تحادون الى اللّه.

٤٤

وَ أَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَ أَحْيا ما لا روح فيه كالنقطة لنطفة جعله حيوانا و البذر جعله شجرا و قيل أمات الآباء و أحيا الأبناء و قيل أمات الكافر بالنكرة و احياء المؤمن بالمعرفة.

٤٥

وَ أَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَ الْأُنْثى من كل حيوان.

٤٦

مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى ص اى تصب فى الرحم يقال منى الرجل و امنى قاله الضحاك و عطاء بن ابى رباح و قال آخرون إذا يقدر قال منيت الشي ء إذا قدرته.

٤٧

وَ أَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى قرأ ابن كثير و ابو عمرو النشاة بالمد و الباقون بسكون الشين بلا مدوهما مصدران من نشأ ينشأ يعنى الخلق الثاني البعث بعد الموت يوم القيامة أورد كلمة على و هى للوجوب على المجاز لتاكيد الوعد.

٤٨

وَ أَنَّهُ هُوَ أَغْنى الناس بالأموال و ما يدخرونه بعد الكفاية قال فى القاموس تغنى اكتفى بنفقته و فضلت فضله فادخرها و الظاهران التقدير اغنى وَ أَقْنى أفقر فحذف أفقر استغناء منه بدلالة الحال و قال الضحاك اغنى بالذهب و الفضة و صنوف الأموال و اقنى بالإبل و البقر و الغنم و قال قتادة و الحسن اقنى اخدم و قال ابن عباس اغنى و اقنى يعنى اعطى فاوصى

و قال مجاهد و مقاتل اقنى ارضى بما اعطى و قنع قال ابن زيدا غنى أكثروا قنى اقل

و قرا يبسط الرزق لمن يشاء و يقدر و قال الأخفش اقنى أفقر.

٤٩

وَ أَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى و هو كوكب خلف الجوزاء و هما شعر بان يقال لاحدهما العبور و للاخرى القميصا سميت بذلك لانها احقر من الاخرى و المختبرة بينهما و أراد لههنا الشعرى العبور و كانت خزاعة تعبدها و أول من سن لهم ذلك رجل من اشرافهم يقال له ابو كبشة عبدها و خالف قريشا فى عبادة أوثان و لما خالف رسول اللّه العرب فى الدين سموه ابن ابى كبشة لمناسبة مخالفة القوم و تخصيصها فى الذكر هاهنا للاشعار بانها مخلوقة للّه تعالى لا يستحق العبادة مثل اللات و العزى و لعل قوما عبدوها فى زمن ابراهيم عليه السلام ايضا و لذلك ورد التخصيص بذكرها فى صحف ابراهيم و موسى.

٥٠

وَ أَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى و هو قوم هود اولى الأمم هلاكا بعد قوم نوح عليه السلام اهلكوا بريح صرصر و كان لهم عقب كانوا عاد الاخرى قرا نافع و ابو عمرو عاد لولى بحذف الهمزة و ابقاء ضمتها على اللام و ادغام التنوين فيها و اتى قالون بعد ضمة اللام بهمزة ساكنة فى موضع الواو و الباقون يكسرون التنوين و يسكنون اللام و يخففون الهمزة بعدها و يجوز فى الابتداء بقوله عز و جل الاولى على مذهب ابى عمرو ثلثة أوجه الاولى بإثبات همزة الوصل و ضم اللام بعدها و الثاني لولى بضم اللام و حذف همزة الوصل قبلها استغناء عنها بتلك الحركة و هذان و جهان جائزان فى مذهب ورش فى مثل هذه الكلمة و الثالث الاولى كقراءة الجمهور بإثبات همزة الوصل و اسكان اللام و تحقيق همزة فاء الفعل و كذلك يجوز فى الابتداء بهذه الكلمة على مذهب قالون ثلثة أوجه ايضا الاول بإثبات همزة الوصل و ضم اللام و همزة ساكنة عوض الواو و الولي بضم اللام و حذف همزة الوصل و همزة الواو كوجه ابى عمرو الثالث قال الداني و هو عندى احسن الوجوه و اقتبسها بمذهبنا.

٥١

وَ ثَمُودَ قرأ عاصم و حمزة بغير تنوين و يقفان بغير الف و الباقون بالتنوين و يقفون بالألف و هم قوم صالح اهلكهم اللّه بالصيحة فَما أَبْقى منهم أحدا.

٥٢

وَ قَوْمَ نُوحٍ اهلكهم-

مِنْ قَبْلُ ط عاد و ثمود إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَ أَطْغى ط من الفريقين لطول دعوة نوح إياهم و عتوهم على اللّه المعصية و التكذيب و إيذائهم نوحا عليه السلام يضربه حتى لا يكون به حراك و يتنفر الناس عنه.

٥٣

وَ الْمُؤْتَفِكَةَ اى القرى التي ايتفكت اى انقلبت باهلها و هى قرى قوم لوط أَهْوى اى أسقط أهواها جبرئيل عليه السلام بعد رفعها الى السماء.

٥٤

فَغَشَّاها ما غَشَّى ج يعنى الحجارة المنضودة المسومة فيه تهويل و تعظيم لما أصابهم.

٥٥

فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى اى تشكك و تجادل و قال ابن عباس تكذب خطاب لكل أحد يعنى لا يجوز الشك و المجادلة فى آلاء ربك الباهرة و النعماء الظاهرة و القدرة القاهرة بعد ما سمعت احوال الأمم السابقة قيل أراد بالخطاب الوليد بن مغيرة.

٥٦

هذا يعنى محمد صلى اللّه عليه و سلم او القران نَذِيرٌ مبين مِنَ جنس النُّذُرِ الْأُولى اى المنذرين الأولين و قال الاولى على تاويل الجماعة اى من جنس النذرات الاولى قرا حمزة و الكسائي اواخر ...

هذه السورة من قوله تعالى إِذا هَوى الى النُّذُرِ الْأُولى بالامالة و اما ابو عمرو من ذلك ما كان فيه راء كاخرى و شعرى و تتمارى و ما عدى ذلك بين بين و ورش جميع ذلك بين بين و الباقون بإخلاص الفتح.

٥٧

أَزِفَتِ الْآزِفَةُ ج يعنى دنت الساعة الموصوفة بالدنو فى قوله تعالى اقتربت الساعة-.

٥٨

لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللّه الجملة حال من الآزفة كاشِفَةٌ ط اى مظهرة نظيره قوله تعالى لا يجليها لوقتها الا هو صفة موصوف محذوف اى نفس كاشفة و جاز ان يكون التاء فيه للمبالغة و يجوز ان يكون الكاشفة مصدرا كالباقية و العافية و المعنى ليس لها من دون اللّه كشف لا يكشفها و لا يظهرها غيره و قال عطاء و قتادة و الضحاك ليس لها نفس قادرة على كشف أهوالها و شدايدها إذ غشيت الا اللّه تعالى يكشف عمن شاء من المؤمنين.

٥٩

أَ فَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ اى القران عطف على محذوف تقديره أ تسمعون فمن هذا الحديث تَعْجَبُونَ إنكارا و استفهام للتوبيخ.

٦٠

وَ تَضْحَكُونَ استهزاء وَ لا تَبْكُونَ خشوعا او تضحكون بما تفرحون من اللذات الدنيوية و لا تبكون تحزنا على ما قصرتم فى الطاعة او أفرطتم فى المعصية.

٦١

وَ أَنْتُمْ سامِدُونَ اى لاهون غافلون و السمود الغفلة عن الشي ء و اللّهو يقال دع منا سمودك اى لهوك هذا رواية الوالبي و العوفى عن ابن عباس و قال عكرمة السمود عنه الضلو؟؟؟ بلغة اهل اليمن كانوا إذا سمعوا القران تغنوا و لعبوا و قال الضحاك اشرون بطرون

و قال مجاهد غضاب معرضون و قيل معناه مستكبرون من سمد البعير فى مسيرة إذا رفع راسه كذا اخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس قال كانوا يمرون على رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم و هو يصلى شامخين فنزلت و أنتم سامدون قال فى النهاية شمخ بانفه اى ارتفع تكبرا.

٦٢

فَاسْجُدُوا للّه خشوعا و تواضعا للّه و تصديقا بوعده و وعيده و اعتبارا وَ اعْبُدُوا ع اى اعبدوه دون غيره- الفاء للسببية عطف على ازفت الآزفة عن ابن عباس قال سجد النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم بالنجم و سجد معه المسلمون و المشركون و الجن و الانس رواه البخاري و عن ابن مسعود ان النبي صلى اللّه عليه و على اله و سلم قرا و النجم فسجد فيها و سجد من كان معه غير ان شيخا من قريش أخذ كفا من حصى او تراب فرفعه الى جبهه و قال يكفينى هذا قال عبد اللّه فلقد رايته بعد قتل كافرا متفق عليه و زاد البخاري فى رواية و هو امية بن خلف و فى لفظ البخاري أول سورة نزلت فيها سجدة النجم فسجد رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه و اله و سلم الحديث و عن زيد بن ثابت قال قرأت على رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و النجم فلم يسجد فيها متفق عليه احتج بهذا الحديث من قال ان سجود التلاوة غير واجب و أجيب بانه صلى اللّه تعالى عليه و على اله و أصحابه و سلم لعله لم يكن حينئذ على وضوء او يكون حينئذ مانع من السجدة و لا يدل الحديث على نفى السجود مطلقا لكن هذا تاويل بعيد و لو كان تأخير السجود لعذر لببينه النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم و يدل على عدم وجوب السجدة و قول عمر بن الخطاب رض ان اللّه لم يكتبها علينا الا ان نشاء و قد ذكرنا مسائل سجود التلاوة و اختلاف الائمة فيه فى سورة الانشقاق و اللّه تعالى اعلم-.

﴿ ٠